فصل: بَابُ حِلِّ الْوَطْءِ بِانْقِطَاعِ الدَّمِ قَبْلَ وَقْتِهِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المبسوط



.بَابُ حِلِّ الْوَطْءِ بِانْقِطَاعِ الدَّمِ قَبْلَ وَقْتِهِ:

(قَالَ): رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إذَا انْقَطَعَ دَمُ الْمَرْأَةِ دُونَ عَادَتِهَا الْمَعْرُوفَةِ فِي حَيْضٍ أَوْ نِفَاسٍ اغْتَسَلَتْ حِينَ تَخَافُ فَوْتَ الصَّلَاةِ، وَصَلَّتْ وَتَجَنَّبَهَا زَوْجُهَا احْتِيَاطًا حَتَّى تَأْتِيَ عَلَى عَادَتِهَا؛ لِأَنَّ حَيْضَ الْمَرْأَةِ لَا يَبْقَى عَلَى صِفَةٍ وَاحِدَةٍ فِي جَمِيعِ عُمُرِهَا بَلْ يَزْدَادُ تَارَةً وَيَنْقُصُ أُخْرَى فَالِانْقِطَاعُ قَبْلَ تَمَامِ عَادَتِهَا طُهْرٌ ظَاهِرٌ عَلَى احْتِمَالِ أَنْ لَا يَكُونَ طُهْرًا بِأَنْ يُعَاوِدَهَا الدَّمُ فَإِنَّ الدَّمَ لَا يَسِيلُ فِي زَمَانِ الْحَيْضِ عَلَى الْوَلَاءِ فَيَنْبَغِي لَهَا أَنْ تَأْخُذَ بِالِاحْتِيَاطِ فَتَنْتَظِرَ آخِرَ الْوَقْتِ؛ لِأَنَّهَا لَا يَفُوتُهَا بِهَذَا الْقَدْرِ مِنْ التَّأْخِيرِ شَيْءٌ فَإِذَا خَافَتْ فَوْتَ الْوَقْتِ اغْتَسَلَتْ وَصَلَّتْ احْتِيَاطًا؛ لِأَنَّ الِانْقِطَاعَ طُهْرٌ ظَاهِرًا وَمُضِيُّ الْوَقْتِ عَلَى الطَّاهِرِ يَجْعَلُ الصَّلَاةَ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهَا، وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا بِتَفْوِيتٍ مِنْهَا بِتَرْكِ الْأَدَاءِ فِي الْوَقْتِ فَعَلَيْهَا أَنْ لَا تُفَوِّتَ وَلِأَنَّهُ يَفْحُشُ أَنْ يَمْضِيَ عَلَيْهَا وَقْتُ صَلَاةٍ.
وَلَيْسَ فِيهَا مَانِعٌ مِنْ أَدَاءِ الصَّلَاةِ ظَاهِرًا وَلَا تُصَلِّي فِيهِ، وَيَجْتَنِبُهَا زَوْجُهَا احْتِيَاطًا لِاحْتِمَالِ أَنَّهَا حَائِضٌ بَعْدُ بِأَنْ يُعَاوِدَهَا الدَّمُ، وَتَأْثِيرُ هَذَا الِاحْتِمَالِ بِعَادَتِهَا الْمَعْرُوفَةِ، وَلَكِنْ لَا تَتَزَوَّجُ بِزَوْجٍ آخَرَ إنْ كَانَ هَذَا آخِرَ عِدَّتِهَا احْتِيَاطًا لِتَوَهُّمِ أَنَّهَا حَائِضٌ بَعْدُ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَتْ مُسْتَبْرَأَةً لَا يَطَؤُهَا الْمَوْلَى حَتَّى تَمْضِيَ أَيَّامُ عَادَتِهَا احْتِيَاطًا، وَإِنْ كَانَتْ اسْتَكْمَلَتْ عَادَتَهَا فِي الدَّمِ ثُمَّ انْقَطَعَ اغْتَسَلَتْ فِي آخِرِ الْوَقْتِ وَصَلَّتْ، وَهَذَا أَظْهَرُ مِنْ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الِاعْتِبَارَ بِمَا سَبَقَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذَا الِانْقِطَاعَ طُهْرٌ؛ لِأَنَّهَا تَنْتَظِرُ آخِرَ الْوَقْتِ إذَا كَانَتْ أَيَّامُهَا دُونَ الْعَشَرَةِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يُعَاوِدَهَا الدَّمُ، وَلَيْسَ فِي هَذَا التَّأْخِيرِ تَفْوِيتُ شَيْءٍ، وَإِنَّمَا تُؤَخِّرُ إلَى آخِرِ الْوَقْتِ الْمُسْتَحَبِّ دُونَ الْمَكْرُوهِ نَصَّ عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي آخِرِ الْكِتَابِ فَقَالَ: إذَا انْقَطَعَ الدَّمُ عَنْهَا فِي وَقْتِ الْعِشَاءِ فَإِنَّهَا تُؤَخِّرُ الصَّلَاةَ إلَى وَقْتٍ يُمْكِنُهَا أَنْ تَغْتَسِلَ فِيهِ، وَتُصَلِّيَ قَبْلَ انْتِصَافِ اللَّيْلِ، وَوَقْتُ الْعِشَاءِ يَبْقَى إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ، وَلَكِنَّ التَّأْخِيرَ إلَى مَا بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ مَكْرُوهٌ.
وَكَذَلِكَ لَوْ انْقَطَعَ عَنْهَا الدَّمُ فِي وَقْتِ الْعَصْرِ فَإِنَّهَا تُؤَخِّرُ إلَى وَقْتٍ يُمْكِنُهَا أَنْ تَغْتَسِلَ فِيهِ وَتُصَلِّيَ قَبْلَ تَغَيُّرِ الشَّمْسِ؛ لِأَنَّ تَأْخِيرَ الصَّلَاةِ إلَى مَا بَعْدَ تَغَيُّرِ الشَّمْسِ مَكْرُوهٌ وَبِالتَّوَهُّمِ لَا يَحِلُّ لَهَا ارْتِكَابُ الْمَكْرُوهِ وَلَا بَأْسَ لِزَوْجِهَا أَنْ يَطَأَهَا هُنَا؛ لِأَنَّ انْقِطَاعَ الدَّمِ طُهْرٌ مِنْ حَيْثُ الظَّاهِرُ، وَالِاسْتِدْلَالُ بِمَا قَبْلَهُ وَاحْتِمَالُ تَوَهُّمِ الْعَوْدِ لَمْ يَتَأَيَّدْ بِدَلِيلٍ هُنَا فَلَا يَمْنَعُهُ مِنْ الْوَطْءِ، وَكَذَلِكَ لَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ إنْ كَانَ هَذَا آخِرَ عِدَّتِهَا؛ لِأَنَّهَا قَدْ طَهُرَتْ ظَاهِرًا، وَالْمَعْلُومُ الظَّاهِرُ لَا يُتْرَكُ الْعَمَلُ بِهِ بِالْمُحْتَمَلِ.
وَهَذَا إذَا كَانَتْ أَيَّامُهَا دُونَ الْعَشَرَةِ، فَإِنْ كَانَتْ أَيَّامُهَا عَشَرَةً فَكَمَا تَمَّتْ الْعَشَرَةُ اغْتَسَلَتْ وَصَلَّتْ، وَلَا تُؤَخِّرُ سَوَاءٌ انْقَطَعَ عَنْهَا الدَّمُ أَوْ لَمْ يَنْقَطِعْ؛ لِأَنَّا تَيَقَّنَّا بِخُرُوجِهَا مِنْ الْحَيْضِ فَإِنَّ الْحَيْضَ لَا يَكُونُ أَكْثَرَ مِنْ عَشَرَةٍ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا قَبْلَ ذَلِكَ عَادَةٌ، وَكَانَتْ مُبْتَدَأَةً، وَانْقَطَعَ دَمُهَا عَلَى الْخَمْسِ أَوْ فِي النِّفَاسِ وَانْقَطَعَ دَمُهَا عَلَى الْعِشْرِينَ وَسِعَهَا أَنْ تُمَكِّنَ زَوْجَهَا مِنْ نَفْسِهَا، وَأَنْ تَتَزَوَّجَ؛ لِأَنَّ فِي حَقِّ الْمُبْتَدَأَةِ الْعَادَةُ تَحْصُلُ بِالْمَرَّةِ الْوَاحِدَةِ فَالْتَحَقَتْ بِصَاحِبَةِ الْعَادَةِ غَيْرَ أَنَّ قَوْلَهُ: وَأَنْ تَتَزَوَّجَ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا زَوْجٌ كَلَامٌ مُخْتَلٌّ؛ لِأَنَّهَا إنْ لَمْ تَكُنْ مُعْتَدَّةً فَقَدْ كَانَ لَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ فِي حَالَةِ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ، وَإِنْ كَانَتْ مُعْتَدَّةً فَلَا يُتَصَوَّرُ انْقِضَاءُ عِدَّتِهَا بِالْحَيْضَةِ الْأُولَى؛ لِأَنَّ الصَّغِيرَةَ إذَا اعْتَدَّتْ شَهْرَيْنِ ثُمَّ حَاضَتْ يَلْزَمُهَا اسْتِئْنَافُ الْعِدَّةِ لِقُدْرَتِهَا عَلَى الْأَصْلِ قَبْلَ حُصُولِ الْمَقْصُودِ بِالْبَدَلِ فَدَلَّ أَنَّهُ كَلَامٌ مُخْتَلٌّ ذَكَرَهُ بِالْقِيَاسِ عَلَى مَا سَبَقَ مِنْ غَيْرِ تَأَمُّلٍ فِيهِ.
وَلَوْ كَانَتْ نَصْرَانِيَّةً تَحْتَ مُسْلِمٍ فَانْقَطَعَ عَنْهَا الدَّمُ فِيمَا دُونَ الْعَشَرَةِ وَسِعَ الزَّوْجُ أَنْ يَطَأَهَا وَوَسِعَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ؛ لِأَنَّهُ لَا اغْتِسَالَ عَلَيْهَا فَإِنَّهَا لَا تُخَاطَبُ قَبْلَ الْإِسْلَامِ بِأَحْكَامِ الشَّرْعِ وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَتْ مُطَلَّقَةً رَجْعِيَّةً فَانْقَطَعَ عَنْهَا الدَّمُ قَبْلَ تَمَامِ الْعَشَرَةِ فِي الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ، فَإِنَّهُ لَا اغْتِسَالَ عَلَيْهَا، فَإِنْ أَسْلَمَتْ بَعْدَ انْقِطَاعِ الدَّمِ فَلَيْسَ لِلزَّوْجِ أَنْ يُرَاجِعَهَا أَيْضًا، وَلَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ؛ لِأَنَّا حَكَمْنَا بِطَهَارَتِهَا بِنَفْسِ انْقِطَاعِ الدَّمِ فَلَا تَعُودُ فِيهِ بِالْإِسْلَامِ بِخِلَافِ مَا إذَا عَاوَدَهَا الدَّمُ فَرُؤْيَةُ الدَّمِ مُؤَثِّرٌ فِي إثْبَاتِ الْحَيْضِ بِهِ ابْتِدَاءً فَكَذَلِكَ يَكُونُ مُؤَثِّرًا فِي الْبَقَاءِ بِخِلَافِ الْإِسْلَامِ، وَإِنْ كَانَتْ أَيَّامُهَا عَشَرَةً فَكَمَا انْقَطَعَ الدَّمُ عِنْدَ تَمَامِ الْعَشَرَةِ انْقَطَعَتْ الرَّجْعَةُ، وَلَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ؛ لِأَنَّهَا خَرَجَتْ مِنْ الْحَيْضِ بِيَقِينٍ وَلَكِنَّهَا لَا تَقْرَأُ الْقُرْآنَ مَا لَمْ تَغْتَسِلْ، وَهِيَ بِمَنْزِلَةِ الْجُنُبِ فِي وُجُوبِ الِاغْتِسَالِ عَلَيْهَا، وَلِلْجَنَابَةِ تَأْثِيرٌ فِي الْمَنْعِ مِنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ دُونَ بَقَاءِ الْعِدَّةِ.
(قَالَ): عَجُوزٌ كَبِيرَةٌ حُكِمَ بِإِيَاسِهَا ثُمَّ رَأَتْ الدَّمَ بَعْدَ ذَلِكَ فَقَدْ ذَكَرَ الزَّعْفَرَانِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِ الْحَيْضِ أَنَّهَا لَا تَكُونُ حَائِضًا، وَلَوْ كَانَتْ اعْتَدَّتْ بِالشُّهُورِ، وَتَزَوَّجَتْ لَمْ يَبْطُلْ نِكَاحُهَا؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الدَّمَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ مِنْ فَسَادِ الرَّحِمِ أَوْ الْغِذَاءِ فَلَا يَبْطُلُ بِهِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْحُكْمِ بِإِيَاسِهَا، وَكَانَ مُحَمَّدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ الْمَيْدَانِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: إنْ رَأَتْ حُمْرَةً وَتَمَادَى بِهَا إلَى مُدَّةِ الْحَيْضِ كَانَ حَيْضًا اسْتِدْلَالًا بِمَا ذَكَرَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي نَوَادِرِ أَبِي سُلَيْمَانَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَإِنَّهُ قَالَ: بِنْتُ ثَمَانِينَ أَوْ تِسْعِينَ إذَا رَأَتْ الدَّمَ فَهُوَ حَيْضٌ، فَإِنْ كَانَتْ كَدِرَةً لَمْ يَكُنْ حَيْضًا؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ مِنْ فَسَادِ الرَّحِمِ أَوْ الْغِذَاءِ ثُمَّ الْمُعْتَبَرُ فِي اللَّوْنِ فِي حَقِّهَا عِنْدَ رَفْعِ الْخِرْقَةِ فَإِنَّ الرُّطُوبَةَ عَلَى الْخِرْقَةِ قَدْ تَتَغَيَّرُ مِنْ الْحُمْرَةِ إلَى الْكَدِرَةِ أَوْ مِنْ الْكَدِرَةِ إلَى الْخُضْرَةِ قَبْلَ الرَّفْعِ أَوْ بَعْدَ الرَّفْعِ، وَلَا مُعْتَبَرَ بِوَاحِدٍ مِنْ الْحَالَيْنِ إنَّمَا الْمُعْتَبَرُ عِنْدَ الرَّفْعِ؛ لِأَنَّ الظُّهُورَ عِنْدَ ذَلِكَ يَحْصُلُ، وَكَذَلِكَ فِي حَقِّ الْحَائِضِ إذَا تَغَيَّرَ اللَّوْنُ مِنْ الْحُمْرَةِ إلَى الْبَيَاضِ أَوْ مِنْ الْبَيَاضِ إلَى الْحُمْرَةِ فَالْعِبْرَةُ بِحَالَةِ الرَّفْعِ، فَإِنْ رَأَتْ الْبَيَاضَ عِنْدَ الرَّفْعِ ثُمَّ تَغَيَّرَ إلَى الْحُمْرَةِ بَعْدَ ذَلِكَ أَوْ إلَى الْخُضْرَةِ أَوْ إلَى الصُّفْرَةِ فَهَذَا انْقِطَاعٌ، وَإِنْ كَانَتْ كَدِرَةً عِنْدَ الرَّفْعِ ثُمَّ تَغَيَّرَتْ إلَى الْبَيَاضِ فَهِيَ حَائِضٌ بَعْدُ؛ لِأَنَّ الْخُرُوجَ عِنْدَ رَفْعِ الْخِرْقَةِ يَكُونُ فَيُعْتَبَرُ اللَّوْنُ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ، وَإِنْ كَانَ حَيْضُهَا مَرَّةً سِتًّا وَمَرَّةً خَمْسًا فَانْقَطَعَ عَنْهَا الدَّمُ لِتَمَامِ الْخَمْسَةِ فَإِنَّهَا تَغْتَسِلُ وَتُصَلِّي احْتِيَاطًا، وَلَا يَأْتِيهَا زَوْجُهَا حَتَّى يَمْضِيَ الْيَوْمُ السَّادِسُ لِتَوَهُّمِ مُعَاوَدَةِ الدَّمِ، وَقَدْ تَأَيَّدَ هَذَا التَّوَهُّمُ بِدَلِيلٍ مُعْتَبَرٍ كَانَ قَبْلَ هَذَا وَلَوْ كَانَتْ مُعْتَدَّةً انْقَطَعَتْ الرَّجْعَةُ بِمُضِيِّ خَمْسَةِ أَيَّامٍ مِنْ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ وَلَيْسَ لَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ حَتَّى يَمْضِيَ الْيَوْمُ السَّادِسُ، وَعِنْدَ مُضِيِّهِ يَلْزَمُهَا أَنْ تَغْتَسِلَ فَتَأْخُذَ بِالِاحْتِيَاطِ فِي كُلِّ حُكْمٍ، وَإِنَّمَا يُتَصَوَّرُ لُزُومُ الِاغْتِسَالِ عِنْدَ مُضِيِّ الْيَوْمِ السَّادِسِ فَأَمَّا إذَا انْقَطَعَ دَمُهَا لِتَمَامِ الْخَمْسَةِ، وَلَمْ تُبْتَلَ بِالِاسْتِمْرَارِ فَإِنَّهَا تَغْتَسِلُ لِتَمَامِ الْخَمْسَةِ، وَلَا يَلْزَمُهَا أَنْ تَغْتَسِلَ لِتَمَامِ السِّتَّةِ إذَا لَمْ يُعَاوِدْهَا الدَّمُ هَذَا فِي حَقِّ مَنْ لَيْسَتْ لَهَا عَادَةٌ مَعْرُوفَةٌ، وَلَكِنَّهَا اُبْتُلِيَتْ بِالِاسْتِمْرَارِ، وَتَرَدَّدَ رَأْيُهَا فِي الْحَيْضِ بَيْنَ الْخَمْسِ وَالسِّتِّ، وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا فِيمَا سَبَقَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

.بَابُ النِّفَاسِ:

(قَالَ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى النِّفَاسُ هُوَ الدَّمُ الْخَارِجُ عَقِيبَ الْوِلَادَةِ قِيلَ أَنَّهُ مُشْتَقٌّ مِنْ تَنَفَّسَ الرَّحِمُ بِهِ وَقِيلَ هُوَ مِنْ النَّفْسِ الَّذِي هُوَ عِبَارَةٌ عَنْ الدَّمِ، وَقِيلَ هُوَ مِنْ النَّفْسِ الَّتِي هِيَ الْوَلَدُ فَخُرُوجُهُ لَا يَنْفَكُّ عَنْ دَمٍ يَتَعَقَّبُهُ.
وَأَكْثَرُ مُدَّتِهِ أَرْبَعُونَ يَوْمًا عِنْدَنَا، وَقَدْ بَيَّنَّا اخْتِلَافَ الْعُلَمَاءِ فِيهِ، وَاعْتِمَادُنَا فِيهِ عَلَى السُّنَّةِ فَقَدْ رُوِيَ «عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: كَانَتْ النُّفَسَاءُ يَقْعُدْنَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، وَكُنَّا نَطْلِي وُجُوهَنَا بِالْوَرْسِ مِنْ الْكَلَفِ» وَفِي حَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاءِ وَأَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَا «: وَقَّتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلنُّفَسَاءِ أَرْبَعِينَ صَبَاحًا إلَّا أَنْ تَرَى الطُّهْرَ قَبْلَ ذَلِكَ» وَلَا غَايَةَ لِأَقَلِّهِ لِعُمُومِ قَوْلِهِ «إلَّا أَنْ تَرَى الطُّهْرَ قَبْلَ ذَلِكَ» حَتَّى إذَا رَأَتْ الدَّمَ يَوْمًا ثُمَّ طَهُرَتْ فَذَلِكَ الْيَوْمُ نِفَاسٌ لَهَا بِخِلَافِ الْحَيْضِ فَإِنَّ أَقَلَّهُ مُقَدَّرٌ؛ لِأَنَّ دَمَ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ مَا يَكُونُ مِنْ الرَّحِمِ وَلِدَمِ النِّفَاسِ دَلِيلٌ يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى أَنَّهُ مِنْ الرَّحِمِ، وَهُوَ تَقَدُّمُ خُرُوجِ الْوَلَدِ فَلَا حَاجَةَ إلَى الِاسْتِدْلَالِ عَلَيْهِ بِالِامْتِدَادِ بِخِلَافِ دَمِ الْحَيْضِ، وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ أَبُو مُوسَى رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي مُخْتَصَرِهِ أَنَّ أَقَلَّ النِّفَاسِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ يَوْمًا، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَحَدَ عَشَرَ يَوْمًا لَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ أَنَّهُ إذَا انْقَطَعَ فِيمَا دُونَ ذَلِكَ لَا يَكُونُ نِفَاسًا، وَلَكِنَّ الْمُرَادَ بِهِ إذَا وَقَعَتْ الْحَاجَةُ إلَى نَصْبِ الْعَادَةِ لَهَا فِي النِّفَاسِ لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ يَوْمًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إذَا كَانَتْ عَادَتُهَا فِي الطُّهْرِ خَمْسَةَ عَشَرَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ نَصَبَ لَهَا دُونَ هَذَا الْقَدْرِ أَدَّى إلَى نَقْضِ الْعَادَةِ فَمِنْ أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ الدَّمَ إذَا كَانَ مُحِيطًا بِطَرَفَيْ الْأَرْبَعِينَ فَالطُّهْرُ الْمُتَخَلِّلُ لَا يَكُونُ فَاصِلًا طَالَ أَوْ قَصُرَ فَلَوْ قَدَّرَ نِفَاسَهَا بِأَقَلَّ مِنْ خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ يَوْمًا فَعَاوَدَهَا الدَّمُ قَبْلَ تَمَامِ الْأَرْبَعِينَ كَانَ الْكُلُّ نِفَاسًا فَلِهَذَا قَدَّرَ بِخَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ، وَفِي الْإِخْبَارِ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ قَدْرُ مُدَّةِ نِفَاسِهَا بِخَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ عَلَى مَا سَنُبَيِّنُهُ، وَكَذَلِكَ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إنَّمَا قَدَّرَ بِأَحَدَ عَشَرَ يَوْمًا فِي الْإِخْبَارِ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَأَمَّا إذَا انْقَطَعَ الدَّمُ دُونَ ذَلِكَ فَلَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ نِفَاسٌ ثُمَّ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى مَرَّ عَلَى أَصْلِهِ فَقَالَ: الْأَرْبَعُونَ لِلنِّفَاسِ كَالْعَشَرَةِ لِلْحَيْضِ ثُمَّ الطُّهْرُ الْمُتَخَلِّلُ فِي الْعَشَرَةِ عِنْدَهُ لَا يَكُونُ فَاصِلًا، وَإِذَا كَانَ الدَّمُ مُحِيطًا بِطَرَفَيْ الْعَشَرَةِ يُجْعَلُ الْكُلُّ كَالدَّمِ الْمُتَوَالِي فَكَذَلِكَ فِي النِّفَاسِ إذَا أَحَاطَ الدَّمُ بِطَرَفَيْ الْأَرْبَعِينَ وَأَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى مَرَّ عَلَى أَصْلِهِ أَنَّ الطُّهْرَ الْمُتَخَلِّلَ إذَا كَانَ أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ لَا يَصِيرُ فَاصِلًا، وَيُجْعَلُ كَالدَّمِ الْمُتَوَالِي فَإِذَا بَلَغَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا صَارَ فَاصِلًا بَيْنَ الدَّمَيْنِ، فَهَذَا مِثْلُهُ.
وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَرَّقَ بَيْنَ النِّفَاسِ، وَبَيْنَ مَا تَقَدَّمَ فِي الْحَيْضِ فَقَالَ: هُنَاكَ إذَا كَانَتْ الْغَلَبَةُ لِلطُّهْرِ يَصِيرُ فَاصِلًا بَيْنَ الدَّمَيْنِ، وَإِنْ كَانَ دُونَ الْخَمْسَةَ عَشَرَ وَهُنَا لَا يَصِيرُ فَاصِلًا؛ لِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ هُنَا فِي مُدَّةِ الْأَرْبَعِينَ طُهْرٌ مَا دُونَ خَمْسَةَ عَشَرَ، وَهُوَ غَالِبٌ عَلَى الدَّمِ إنَّمَا يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ فِي مُدَّةِ الْحَيْضِ ثُمَّ هُنَاكَ الدَّمُ قَدْ يَتَقَدَّمُ، وَقَدْ يَتَأَخَّرُ فَلَوْ لَمْ يَعْتَبِرْ غَلَبَةَ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ أَدَّى إلَى الْقَوْلِ بِجَعْلِ زَمَانٍ هُوَ طُهْرٌ كُلُّهُ حَيْضًا، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ بِخِلَافِ النِّفَاسِ، وَإِنَّمَا قَالَ: إنَّ الطُّهْرَ خَمْسَةَ عَشَرَ هُنَا يَصِيرُ بَيْنَ الدَّمَيْنِ؛ لِأَنَّ طُهْرَ خَمْسَةَ عَشَرَ صَالِحٌ لِلْفَصْلِ بَيْنَ الْحَيْضَتَيْنِ، فَكَذَلِكَ لِلْفَصْلِ بَيْنَ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ، فَكَانَ الْمُتَقَدِّمُ نِفَاسًا وَالْمُتَأَخِّرُ حَيْضًا.
وَبَيَانُ هَذَا إذَا رَأَتْ الدَّمَ يَوْمًا بَعْدَ الْوِلَادَةِ ثُمَّ طَهُرَتْ ثَمَانِيَةً وَثَلَاثِينَ يَوْمًا ثُمَّ رَأَتْ الدَّمَ يَوْمًا فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى الْأَرْبَعُونَ كُلُّهَا نِفَاسٌ وَعِنْدَهُمَا النِّفَاسُ هُوَ الْيَوْمُ الْأَوَّلُ فَقَطْ ثُمَّ يُخَرَّجُ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ الْمَسَائِلُ إلَى أَنْ يَقُولَ: رَأَتْ الدَّمَ خَمْسَةً بَعْدَ الْوِلَادَةِ وَالطُّهْرَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا، وَالدَّمَ خَمْسَةً وَالطُّهْرَ خَمْسَةَ عَشَرَ ثُمَّ اسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ فَعِنْدَهُمَا نِفَاسُهَا الْخَمْسَةُ الْأُولَى، وَعَادَتُهَا فِي الطُّهْرِ خَمْسَةَ عَشَرَ؛ لِأَنَّهَا رَأَتْ مَرَّتَيْنِ، وَحَيْضُهَا الْخَمْسَةُ الَّتِي بَعْدَ الْعِشْرِينَ، وَصَارَ ذَلِكَ عَادَةٌ لَهَا بِالْمَرَّةِ الْوَاحِدَةِ؛ لِأَنَّهَا مُبْتَدَأَةٌ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى نِفَاسُهَا خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ، وَالطُّهْرُ الْأَوَّلُ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ لِإِحَاطَةِ الدَّمِ بِطَرَفَيْهِ فِي مُدَّةِ الْأَرْبَعِينَ، فَأَمَّا الطُّهْرُ الثَّانِي فَهُوَ صَحِيحٌ مُعْتَبَرٌ؛ لِأَنَّ بِهِ تَتِمُّ الْأَرْبَعُونَ فَيَصِيرُ ذَلِكَ عَادَةٌ لَهَا فِي الطُّهْرِ بِالْمَرَّةِ الْوَاحِدَةِ وَلَا عَادَةَ لَهَا فِي الْحَيْضِ فَيَجْعَلُ أَوَّلَ الِاسْتِمْرَارِ حَيْضَهَا عَشَرَةً وَطُهْرَهَا خَمْسَةً وَعِنْدَهُمَا يَجْعَلُ حَيْضَهَا مِنْ أَوَّلِ الِاسْتِمْرَارِ خَمْسَةً وَطُهْرَهَا خَمْسَةَ عَشَرَ وَعَادَتُهَا فِي النِّفَاسِ عِنْدَهُمَا تَكُونُ خَمْسَةً وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى خَمْسَةً وَعِشْرُونَ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ فِي النِّفَاسِ فِي حَقِّ الْمُبْتَدَأَةِ تَثْبُتُ بِالْمَرَّةِ الْوَاحِدَةِ كَالْعَادَةِ فِي الْحَيْضِ وَيَخْتَلِفُونَ فِي أَوَّلِ وَقْتِ النِّفَاسِ فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى وَقْتُ الْوِلَادَةِ أَوَّلُ وَقْتِ النِّفَاسِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَزُفَرُ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى وَقْتُ فَرَاغِ رَحِمِهَا أَوَّلُ وَقْتِ النِّفَاسِ، وَإِنَّمَا يَتَبَيَّنُ ذَلِكَ فِيمَا إذَا وَلَدَتْ وَلَدًا، وَفِي بَطْنِهَا وَلَدٌ آخَرُ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى تَصِيرُ نُفَسَاءَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى لَا تَصِيرُ نُفَسَاءَ مَا لَمْ تَضَعْ الْوَلَدَ الثَّانِي قَالَا: لِأَنَّهَا حَامِلٌ بَعْدُ وَالْحَامِلُ كَمَا لَا تَحِيضُ فَكَذَلِكَ لَا تَصِيرُ نُفَسَاءَ؛ لِأَنَّ النِّفَاسَ أَخُو الْحَيْضِ وَاسْتَدَلَّا بِحُكْمِ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَإِنَّهُ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِوَضْعِ آخِرِ الْوَلَدَيْنِ فَكَذَلِكَ حُكْمُ النِّفَاسِ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى قَالَ: النِّفَاسُ هُوَ الدَّمُ الْخَارِجُ عَقِبَ الْوِلَادَةِ، وَقَدْ تَحَقَّقَ ذَلِكَ وَإِنَّمَا لَا يَجْعَلُ لِمَا تَرَاهُ الْمَرْأَةُ الْحَامِلُ مِنْ الدَّمِ حُكْمَ الْحَيْضِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الرَّحِمِ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَجْرَى الْعَادَةَ أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا حَبِلَتْ انْسَدَّ فَمُ رَحِمِهَا، وَهَذَا الْمَعْنَى غَيْرُ مَوْجُودٍ هُنَا؛ لِأَنَّ فَمَ الرَّحِمِ قَدْ انْفَتَحَ بِوَضْعِ أَحَدِ الْوَلَدَيْنِ فَالدَّمُ الْمَرْئِيُّ مِنْ الرَّحِمِ كَانَ نِفَاسًا، وَهَذَا بِخِلَافِ حُكْمِ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِفَرَاغِ الرَّحِمِ وَلَا فَرَاغَ مَعَ بَقَاءِ شَيْءٍ مِنْ الشُّغْلِ، وَهُنَا حُكْمُ النِّفَاسِ لِلدَّمِ الْخَارِجِ مِنْ الرَّحِمِ بَعْدَ الْوِلَادَةِ، وَقَدْ تَحَقَّقَ ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ بَيْنَ الْوَلَدَيْنِ عَشَرَةُ أَيَّامٍ، وَاسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ، وَهِيَ مُبْتَدَأَةٌ فِي النِّفَاسِ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى تَتْرُكُ الصَّوْمَ وَالصَّلَاةَ بَعْدَ وِلَادَةِ الْوَلَدِ الْأَوَّلِ وَنِفَاسُهَا بَعْدَ وَضْعِ الْوَلَدِ الثَّانِي ثَلَاثُونَ يَوْمًا، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى لَا تَتْرُكُ الصَّوْمَ وَالصَّلَاةَ مَا لَمْ تَضَعْ الْوَلَدَ الثَّانِيَ وَنِفَاسُهَا بَعْدَ ذَلِكَ أَرْبَعُونَ يَوْمًا.
وَحُكِيَ أَنَّ أَبَا يُوسُفَ قَالَ: لِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى أَرَأَيْت لَوْ كَانَ بَيْنَ الْوَلَدَيْنِ أَرْبَعُونَ يَوْمًا قَالَ: هَذَا لَا يَكُونُ قَالَ: فَإِنْ كَانَ قَالَ: لَا نِفَاسَ لَهَا مِنْ الْوَلَدِ الثَّانِي، وَإِنْ رَغِمَ أَنْفُ أَبِي يُوسُفَ وَلَكِنَّهَا تَغْتَسِلُ كَمَا تَضَعُ الْوَلَدَ الثَّانِيَ، وَهَذَا صَحِيحٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَوَالَى نِفَاسَانِ لَيْسَ بَيْنَهُمَا طُهْرٌ كَمَا لَا تَتَوَالَى حَيْضَتَانِ لَيْسَ بَيْنَهُمَا طُهْرٌ (قَالَ): فَإِنْ خَرَجَ بَعْضُ الْوَلَدِ ثُمَّ رَأَتْ الدَّمَ فَرَوَى خَلَفُ بْنُ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ إنْ خَرَجَ الْأَكْثَرُ مِنْهُ فَهِيَ نُفَسَاءُ؛ لِأَنَّ بَقَاءَ الْأَقَلِّ لَا يَمْنَعُ خُرُوجَ الدَّمِ مِنْ الرَّحِمِ وَكَذَلِكَ لَوْ انْقَطَعَ الْوَلَدُ فِيهَا فَإِذَا خَرَجَ الْأَكْثَرُ كَانَتْ نُفَسَاءَ؛ لِأَنَّ لِلْأَكْثَرِ حُكْمَ الْكَمَالِ، فَأَمَّا إذَا أَسْقَطَتْ سِقْطًا، فَإِنْ كَانَ قَدْ اسْتَبَانَ شَيْءٌ مِنْ خَلْقِهِ فَهِيَ نُفَسَاءُ فِيمَا تَرَى مِنْ الدَّمِ بَعْدَ ذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يَسْتَبِنْ شَيْءٌ مِنْ خَلْقِهِ فَلَا نِفَاسَ لَهَا، وَلَكِنْ إنْ أَمْكَنَ جَعْلُ الْمَرْئِيِّ مِنْ الدَّمِ حَيْضًا يُجْعَلُ حَيْضًا، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ بِأَنْ لَمْ يَتَقَدَّمْهُ طُهْرٌ تَامٌّ فَهُوَ اسْتِحَاضَةٌ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَمْتَحِنُ السِّقْطَ بِالْمَاءِ الْحَارِّ، فَإِنْ ذَابَ فِيهِ فَلَيْسَ بِوَلَدٍ فَلَا نِفَاسَ لَهَا، وَإِنْ لَمْ يَذُبْ فَهُوَ وَلَدٌ وَتَصِيرُ بِهِ نُفَسَاءَ، وَهَذَا مِنْ بَابِ الطِّبِّ لَيْسَ مِنْ الْفِقْهِ فِي شَيْءٍ فَلَمْ نَقُلْ بِهِ لِهَذَا، وَلَكِنَّ حَكَّمْنَا السِّيمَا وَالْعَلَامَةَ، فَإِنْ ظَهَرَ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ آثَارِ النُّفُوسِ فَهُوَ وَلَدٌ وَالنِّفَاسُ هُوَ الدَّمُ الْخَارِجُ بِعَقِبِ خُرُوجِ الْوَلَدِ، وَإِنْ لَمْ يَسْتَبِنْ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ الْآثَارِ فَهَذِهِ عَلَقَةٌ أَوْ مُضْغَةٌ فَلَمْ يَكُنْ لِلدَّمِ الْمَرْئِيِّ بَعْدَهَا حُكْمُ النِّفَاسِ ثُمَّ الْمَسْأَلَةُ عَلَى وَجْهَيْنِ: إمَّا أَنْ تَرَى الدَّمَ قَبْلَ إسْقَاطِ السِّقْطِ أَوْ لَا تَرَاهُ، فَإِنْ رَأَتْ الدَّمَ قَبْلَ إسْقَاطِ السِّقْطِ، فَإِنْ كَانَ السِّقْطُ مُسْتَبِينَ الْخَلْقِ لَا تَتْرُكُ الصَّلَاةَ وَالصَّوْمَ بِالدَّمِ الْمَرْئِيِّ قَبْلَهُ، وَإِنْ كَانَتْ تَرَكَتْ الصَّلَاةَ فَعَلَيْهَا قَضَاؤُهَا؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّهَا كَانَتْ حَامِلًا حِينَ رَأَتْ الدَّمَ، وَلَيْسَ لِدَمِ الْحَامِلِ حُكْمُ الْحَيْضِ، وَهِيَ نُفَسَاءُ فِيمَا تَرَاهُ بَعْدَ السِّقْطِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ السِّقْطُ مُسْتَبِينَ الْخَلْقِ فَمَا رَأَتْهُ قَبْلَ السِّقْطِ حَيْضٌ إنْ أَمْكَنَ أَنْ يُجْعَلَ حَيْضًا بِأَنْ وَافَقَ أَيَّامَ عَادَتِهَا، وَكَانَ مَرْئِيًّا عَقِيبَ طُهْرٍ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ حَامِلًا ثُمَّ إنْ كَانَ مَا رَأَتْ قَبْلَ السِّقْطِ مُدَّةً تَامَّةً فَمَا رَأَتْ بَعْدَ السِّقْطِ اسْتِحَاضَةٌ.
وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مُدَّةً تَامَّةً تُكْمِلُ مُدَّتَهَا مِمَّا رَأَتْ بَعْدَ السِّقْطِ ثُمَّ هِيَ مُسْتَحَاضَةٌ بَعْدَ ذَلِكَ.
فَإِنْ كَانَتْ أَيَّامُهَا ثَلَاثَةً فَرَأَتْ قَبْلَ السِّقْطِ ثَلَاثَةً دَمًا ثُمَّ اسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ بَعْدَ السِّقْطِ فَحَيْضُهَا الثَّلَاثَةُ الَّتِي رَأَتْهَا قَبْلَ السِّقْطِ، وَهِيَ مُسْتَحَاضَةٌ فِيمَا رَأَتْ بَعْدَ السِّقْطِ.
وَإِنْ كَانَ مَا رَأَتْ قَبْلَ السِّقْطِ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ تُكْمِلُ مُدَّتَهَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مِمَّا تَرَاهُ بَعْدَ السِّقْطِ ثُمَّ هِيَ مُسْتَحَاضَةٌ بَعْدَ ذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ تَرُدَّ مَا قَبْلَ السِّقْطِ، وَرَأَتْهُ بَعْدَهُ، فَإِنْ كَانَ السِّقْطُ مُسْتَبِينَ الْخَلْقِ فَهِيَ نُفَسَاءُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُسْتَبِينَ الْخَلْقِ، فَإِنْ أَمْكَنَ جَعْلُ مَا تَرَاهُ بَعْدَ السِّقْطِ حَيْضًا يُجْعَلُ حَيْضًا لَهَا بِعَدْلِ أَيَّامِ عَادَتِهَا، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ جَعْلُهُ حَيْضًا فَهِيَ مُسْتَحَاضَةٌ فِي ذَلِكَ، فَإِنْ أَسْقَطَتْ فِي بِئْرِ الْمَخْرَجِ سِقْطًا لَا تَدْرِي أَنَّهُ كَانَ مُسْتَبِينَ الْخَلْقِ، أَوْ لَمْ يَكُنْ فَهَذَا أَيْضًا عَلَى وَجْهَيْنِ: إمَّا أَنْ تَرَى الدَّمَ قَبْلَ السِّقْطِ أَوْ لَا تَرَاهُ إلَّا بَعْدَ السِّقْطِ، فَإِنْ لَمْ تَرَ الدَّمَ إلَّا بَعْدَ السِّقْطِ وَأَيَّامُهَا فِي الْحَيْضِ عَشَرَةٌ، وَفِي الطُّهْرِ عِشْرُونَ فَنَقُولُ: إذَا كَانَ السِّقْطُ مُسْتَبِينَ الْخَلْقِ فَلَهَا نِفَاسُ أَرْبَعِينَ؛ لِأَنَّهَا مُبْتَدَأَةٌ فِي النِّفَاسِ، وَقَدْ اسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ فَيَكُونُ نِفَاسُهَا أَكْثَرَ النِّفَاسِ كَالْمُبْتَدَأَةِ بِالْحَيْضِ إذَا اسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ السِّقْطُ مُسْتَبِينَ الْخَلْقِ فَحَيْضُهَا عَشَرَةٌ فَتَتْرُكُ الصَّلَاةَ عَقِيبَ السِّقْطِ عَشَرَةَ أَيَّامٍ بِيَقِينٍ؛ لِأَنَّهَا فِي هَذِهِ الْعَشَرَةِ إمَّا حَائِضٌ وَإِمَّا نُفَسَاءُ ثُمَّ تَغْتَسِلُ وَتُصَلِّي عِشْرِينَ يَوْمًا بِالْوُضُوءِ لِوَقْتِ كُلِّ صَلَاةٍ بِالشَّكِّ؛ لِأَنَّهُ تَرَدَّدَ حَالُهَا فِيهَا بَيْنَ الطُّهْرِ وَالنِّفَاسِ ثُمَّ تَتْرُكُ عَشَرَةً بِيَقِينٍ؛ لِأَنَّهَا فِي هَذِهِ الْعَشَرَةِ إمَّا حَائِضٌ أَوْ نُفَسَاءُ ثُمَّ تَغْتَسِلُ لِتَمَامِ مُدَّةِ النِّفَاسِ وَالْحَيْضِ ثُمَّ بَعْدَهُ طُهْرُهَا عِشْرُونَ وَحَيْضُهَا عَشَرَةٌ، وَهَكَذَا دَأْبُهَا أَنْ تَغْتَسِلَ فِي كُلِّ وَقْتٍ تَتَوَهَّمُ أَنَّهُ وَقْتُ خُرُوجِهَا مِنْ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ، فَإِنْ كَانَتْ قَدْ رَأَتْ قَبْلَ إسْقَاطِ السِّقْطِ دَمًا، فَإِنْ كَانَ مَا رَأَتْ قَبْلَ الْإِسْقَاطِ مُسْتَقِلًّا لَا تَتْرُكُ الصَّلَاةَ بَعْدَ الْإِسْقَاطِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُسْتَقِلًّا تَرَكَتْ بَعْدَ الْإِسْقَاطِ قَدْرَ مَا تَتِمُّ بِهِ مُدَّةُ حَيْضِهَا وَلَا تَتْرُكُ الصَّلَاةَ فِيمَا رَأَتْ قَبْلَ الْإِسْقَاطِ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَلَوْ تَرَكَتْ فَعَلَيْهَا قَضَاؤُهَا؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ السِّقْطُ مُسْتَبِينَ الْخَلْقِ لَمْ يَكُنْ مَا رَأَتْ قَبْلَهُ حَيْضَهَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُسْتَبِينَ الْخَلْقِ كَانَ ذَلِكَ حَيْضًا فَتَرَدَّدَ حَالُهَا فِيمَا رَأَتْ قَبْلَ السِّقْطِ بَيْنَ الْحَيْضِ وَالطُّهْرِ فَلَا تَتْرُكُ الصَّلَاةَ بِالشَّكِّ ثُمَّ إنْ كَانَ حَيْضُهَا عَشَرَةً وَطُهْرُهَا عِشْرُونَ، فَإِنْ رَأَتْ قَبْلَ الْإِسْقَاطِ عَشَرَةً ثُمَّ أَسْقَطَتْ اغْتَسَلَتْ وَصَلَّتْ عِشْرِينَ يَوْمًا بَعْدَ السِّقْطِ؛ لِأَنَّهُ تَرَدَّدَ حَالُهَا فِيهِ بَيْنَ الطُّهْرِ وَالنِّفَاسِ ثُمَّ تَتْرُكُ عَشَرَةً بِيَقِينٍ؛ لِأَنَّهَا فِيهِ نُفَسَاءُ أَوْ حَائِضٌ ثُمَّ تَغْتَسِلُ وَتُصَلِّي عِشْرِينَ يَوْمًا عَشَرَةً بِالشَّكِّ؛ لِأَنَّهُ تَرَدَّدَ حَالُهَا فِيهَا بَيْنَ النِّفَاسِ وَالطُّهْرِ ثُمَّ تَغْتَسِلُ وَتُصَلِّي عَشَرَةً أُخْرَى بِيَقِينِ الطُّهْرِ ثُمَّ تُصَلِّي عَشَرَةً بِالشَّكِّ لِتَرَدُّدِ حَالِهَا فِيهَا بَيْنَ الْحَيْضِ وَالطُّهْرِ ثُمَّ تَغْتَسِلُ، وَهَكَذَا دَأْبُهَا.
وَإِنْ كَانَتْ رَأَتْ قَبْلَ السِّقْطِ خَمْسَةَ أَيَّامٍ دَمًا ثُمَّ أَسْقَطَتْ كَمَا بَيَّنَّا فَإِنَّهَا تَتْرُكُ الصَّلَاةَ خَمْسَةَ أَيَّامٍ بَعْدَ السِّقْطِ؛ لِأَنَّ السِّقْطَ إنْ لَمْ يَكُنْ مُسْتَبِينَ الْخَلْقِ فَهَذِهِ الْخَمْسَةُ تَتِمَّةُ مُدَّةِ حَيْضِهَا، وَإِنْ كَانَ مُسْتَبِينَ الْخَلْقِ فَهَذَا أَوَّلُ نِفَاسِهَا فَتَتْرُكُ الصَّلَاةَ فِي هَذِهِ الْخَمْسَةِ بِيَقِينٍ ثُمَّ تَغْتَسِلُ وَتُصَلِّي عِشْرِينَ يَوْمًا بِالْوُضُوءِ لِوَقْتِ كُلِّ صَلَاةٍ بِالشَّكِّ لِتَرَدُّدِ حَالِهَا فِيهِ بَيْنَ النِّفَاسِ وَالطُّهْرِ ثُمَّ تَتْرُكُ عَشَرَةً بِيَقِينٍ؛ لِأَنَّهَا فِي هَذِهِ الْعَشَرَةِ إمَّا حَائِضٌ أَوْ نُفَسَاءُ فَبَلَغَ الْحِسَابُ خَمْسَةً وَثَلَاثِينَ ثُمَّ تَغْتَسِلُ وَتُصَلِّي خَمْسَةَ أَيَّامٍ بِالْوُضُوءِ بِالشَّكِّ ثُمَّ تَغْتَسِلُ لِتَمَامِ الْأَرْبَعِينَ؛ لِأَنَّهُ وَقْتُ خُرُوجِهَا مِنْ النِّفَاسِ إنْ كَانَ السِّقْطُ مُسْتَبِينَ الْخَلْقِ ثُمَّ تُصَلِّي خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا بِالْوُضُوءِ بِيَقِينٍ؛ لِأَنَّهُ طُهْرُهَا فَبَلَغَ الْحِسَابُ خَمْسَةً وَخَمْسِينَ ثُمَّ تُصَلِّي خَمْسَةَ أَيَّامٍ بِالْوُضُوءِ بِالشَّكِّ لِتَرَدُّدِ حَالِهَا فِيهَا بَيْنَ أَوَّلِ الْحَيْضِ إنْ لَمْ يَكُنْ السِّقْطُ مُسْتَبِينَ الْخَلْقِ وَبَيْنَ آخِرِ الطُّهْرِ إنْ كَانَ السِّقْطُ مُسْتَبِينَ الْخَلْقِ فَبَلَغَ الْحِسَابُ سِتِّينَ ثُمَّ تَتْرُكُ خَمْسَةً؛ لِأَنَّهَا تَتَيَقَّنُ بِأَنَّ هَذِهِ الْخَمْسَةَ إمَّا أَوَّلُ حَيْضِهَا أَوْ آخِرُ حَيْضِهَا ثُمَّ تَغْتَسِلُ وَتُصَلِّي خَمْسَةَ أَيَّامٍ بِالْوُضُوءِ بِالشَّكِّ ثُمَّ تَغْتَسِلُ مَرَّةً أُخْرَى؛ لِأَنَّ هَذَا آخِرُ حَيْضِهَا إنْ كَانَ السِّقْطُ مُسْتَبِينَ الْخَلْقِ ثُمَّ تُصَلِّي خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا بِالْوُضُوءِ بِيَقِينٍ، وَهَكَذَا دَأْبُهَا أَنْ تَتْرُكَ فِي كُلِّ مَرَّةٍ الصَّلَاةَ فِي كُلِّ خَمْسَةٍ فِيهَا يَقِينُ الْحَيْضِ وَأَنْ تَغْتَسِلَ فِي كُلِّ وَقْتٍ تَتَوَهَّمُ أَنَّهُ وَقْتُ خُرُوجِهَا مِنْ الْحَيْضِ.
وَإِنْ وَلَدَتْ وَلَدًا أَوْ أَسْقَطَتْ سِقْطًا مُسْتَبِينَ الْخَلْقِ وَاسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ وَشَكَّتْ فِي حَيْضِهَا أَوْ طُهْرِهَا فَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ إمَّا أَنْ شَكَّتْ فِي حَيْضِهَا أَنَّهُ خَمْسَةٌ أَوْ عَشَرَةٌ وَتَيَقَّنَتْ بِأَنَّ طُهْرَهَا عِشْرُونَ أَوْ شَكَّتْ فِي طُهْرِهَا أَنَّهُ خَمْسَةَ عَشَرَ أَوْ عِشْرُونَ وَعَلِمَتْ أَنَّ حَيْضَهَا عَشَرَةٌ أَوْ شَكَّتْ فِيهِمَا جَمِيعًا، فَإِنْ شَكَّتْ فِي الْحَيْضِ أَنَّهُ خَمْسَةٌ أَوْ عَشَرَةٌ وَلَمْ تَشُكَّ فِي الطُّهْرِ فَإِنَّهَا بَعْدَ الْأَرْبَعِينَ الَّتِي هِيَ نِفَاسُهَا تَغْتَسِلُ وَتُصَلِّي عِشْرِينَ يَوْمًا بِالْيَقِينِ؛ لِأَنَّهَا عَالِمَةٌ بِمُدَّةِ طُهْرِهَا ثُمَّ تَدَعُ خَمْسَةً بِيَقِينٍ؛ لِأَنَّهَا حَائِضٌ فِيهَا ثُمَّ تَغْتَسِلُ فَبَلَغَ الْحِسَابُ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ، وَلَهَا حِسَابَانِ الْأَقْصَرُ وَالْأَطْوَلُ فَفِي الْحِسَابِ الْأَقْصَرِ اسْتَقْبَلَهَا طُهْرُ عِشْرِينَ.
وَفِي الْحِسَابِ الْأَطْوَلِ بَقِيَ مِنْ حَيْضِهَا خَمْسَةٌ فَتُصَلِّي خَمْسَةَ أَيَّامٍ بِالْوُضُوءِ بِالشَّكِّ ثُمَّ تَغْتَسِلُ وَتُصَلِّي خَمْسَةَ عَشَرَ بِالْوُضُوءِ بِيَقِينِ الطُّهْرِ فَبَلَغَ الْحِسَابُ خَمْسَةً وَأَرْبَعِينَ، وَفِي الْحِسَابِ الْأَقْصَرِ اسْتَقْبَلَهَا الْحَيْضُ خَمْسَةً، وَفِي الْأَطْوَلِ بَقِيَ مِنْ طُهْرِهَا خَمْسَةٌ فَتُصَلِّي خَمْسَةً بِالْوُضُوءِ بِالشَّكِّ فَبَلَغَ الْحِسَابُ خَمْسِينَ ثُمَّ تَغْتَسِلُ، وَفِي الْحِسَابِ الْأَقْصَرِ اسْتَقْبَلَهَا الطُّهْرُ عِشْرُونَ، وَفِي الْأَطْوَلِ الْحَيْضُ عَشَرَةٌ فَتُصَلِّي عَشَرَةً بِالْوُضُوءِ بِالشَّكِّ ثُمَّ تَغْتَسِلُ فَبَلَغَ الْحِسَابُ سِتِّينَ ثُمَّ فِي الْحِسَابِ الْأَقْصَرِ بَقِيَ مِنْ طُهْرِهَا عَشَرَةٌ، وَفِي الْأَطْوَلِ اسْتَقْبَلَهَا طُهْرُ عِشْرِينَ فَتُصَلِّي عَشَرَةً بِيَقِينٍ فَبَلَغَ الْحِسَابُ سَبْعِينَ ثُمَّ فِي الْحِسَابِ الْأَقْصَرِ اسْتَقْبَلَهَا الْحَيْضُ خَمْسَةً، وَفِي الْأَطْوَلِ بَقِيَ مِنْ طُهْرِهَا عَشَرَةٌ فَتُصَلِّي خَمْسَةً بِالْوُضُوءِ بِالشَّكِّ فَبَلَغَ الْحِسَابُ خَمْسَةً وَسَبْعِينَ فَتَغْتَسِلُ ثُمَّ فِي الْحِسَابِ الْأَقْصَرِ اسْتَقْبَلَهَا طُهْرُ عِشْرِينَ، وَفِي الْأَطْوَلِ بَقِيَ مِنْ طُهْرِهَا خَمْسَةٌ فَتُصَلِّي خَمْسَةً بِالْوُضُوءِ بِيَقِينٍ فَبَلَغَ الْحِسَابُ ثَمَانِينَ ثُمَّ فِي الْحِسَابِ الْأَقْصَرِ بَقِيَ مِنْ طُهْرِهَا خَمْسَةَ عَشَرَ، وَفِي الْأَطْوَلِ اسْتَقْبَلَهَا الْحَيْضُ عَشَرَةً فَتُصَلِّي عَشَرَةً بِالْوُضُوءِ بِالشَّكِّ فَبَلَغَ الْحِسَابُ تِسْعِينَ فَتَغْتَسِلُ ثُمَّ فِي الْحِسَابِ الْأَقْصَرِ بَقِيَ مِنْ طُهْرِهَا خَمْسَةٌ، وَفِي الْأَطْوَلِ اسْتَقْبَلَهَا طُهْرُ عِشْرِينَ فَتُصَلِّي بِالْوُضُوءِ بِيَقِينٍ خَمْسَةً فَبَلَغَ خَمْسَةً وَتِسْعِينَ ثُمَّ فِي الْأَقْصَرِ اسْتَقْبَلَهَا الْحَيْضُ خَمْسَةً وَفِي الْأَطْوَلِ بَقِيَ مِنْ طُهْرِهَا خَمْسَةَ عَشَرَ فَتُصَلِّي خَمْسَةً بِالْوُضُوءِ بِالشَّكِّ ثُمَّ تَغْتَسِلُ فَبَلَغَ الْحِسَابُ مِائَةً فِي الْأَقْصَرِ اسْتَقْبَلَهَا طُهْرُ عِشْرِينَ، وَفِي الْأَطْوَلِ بَقِيَ مِنْ طُهْرِهَا عَشَرَةٌ فَتُصَلِّي عَشَرَةً بِيَقِينٍ فَبَلَغَ الْحِسَابُ مِائَةً وَعَشَرَةً ثُمَّ فِي الْأَقْصَرِ بَقِيَ مِنْ طُهْرِهَا عَشَرَةٌ، وَفِي الْأَطْوَلِ اسْتَقْبَلَهَا الْحَيْضُ عَشَرَةً فَتُصَلِّي عَشَرَةً بِالشَّكِّ ثُمَّ تَغْتَسِلُ فَبَلَغَ الْحِسَابُ مِائَةً وَعِشْرِينَ ثُمَّ فِي الْأَقْصَرِ اسْتَقْبَلَهَا الْحَيْضُ خَمْسَةً، وَفِي الْأَطْوَلِ اسْتَقْبَلَهَا طُهْرُ عِشْرِينَ فَتُصَلِّي خَمْسَةً بِالْوُضُوءِ بِالشَّكِّ فَبَلَغَ الْحِسَابُ مِائَةً وَخَمْسَةً وَعِشْرِينَ ثُمَّ فِي الْأَقْصَرِ اسْتَقْبَلَهَا الطُّهْرُ عِشْرِينَ، وَفِي الْأَطْوَلِ بَقِيَ مِنْ طُهْرِهَا خَمْسَةَ عَشَرَ فَتُصَلِّي خَمْسَةَ عَشَرَ بِالْوُضُوءِ بِيَقِينٍ فَبَلَغَ الْحِسَابُ مِائَةً وَأَرْبَعِينَ ثُمَّ فِي الْأَقْصَرِ بَقِيَ مِنْ طُهْرِهَا خَمْسَةٌ، وَفِي الْأَطْوَلِ اسْتَقْبَلَهَا الْحَيْضُ عَشَرَةً فَتُصَلِّي خَمْسَةً بِالْوُضُوءِ بِالشَّكِّ بَلَغَ الْحِسَابُ مِائَةً وَخَمْسَةً وَأَرْبَعِينَ ثُمَّ فِي الْأَطْوَلِ بَقِيَ مِنْ حَيْضِهَا خَمْسَةٌ، وَفِي الْأَقْصَرِ اسْتَقْبَلَهَا الْحَيْضُ خَمْسَةً فَتَتْرُكُ هَذِهِ الْخَمْسَةَ بِيَقِينٍ ثُمَّ تَغْتَسِلُ فَبَلَغَ الْحِسَابُ مِائَةً وَخَمْسِينَ وَاسْتَقَامَ دَوْرُهَا فِي ذَلِكَ، وَعَلَى هَذَا النَّحْوِ يَخْرُجُ مَا إذَا كَانَ الشَّكُّ فِي الطُّهْرِ أَنَّهُ خَمْسَةَ عَشَرَ أَوْ عِشْرُونَ وَاسْتَقَامَ دَوْرُهَا فِيهِ أَيْضًا فِي مِائَةٍ وَخَمْسِينَ ثُمَّ تَخْرُجُ عَلَى هَذَا النَّحْوِ مَا إذَا شَكَّتْ فِيهِمَا فِي الْحَيْضِ أَنَّهُ خَمْسَةٌ أَوْ عَشَرَةٌ، وَفِي الطُّهْرِ أَنَّهُ خَمْسَةَ عَشْرَةَ أَوْ عِشْرُونَ، وَإِنَّمَا يَسْتَقِيمُ دَوْرُهَا فِي هَذَا الْفَصْلِ فِي ثَلَثِمِائَةِ يَوْمٍ (قَالَ): امْرَأَةٌ وَلَدَتْ وَانْقَطَعَ دَمُهَا بَعْدَ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ انْتَظَرَتْ إلَى آخِرِ الْوَقْتِ ثُمَّ اغْتَسَلَتْ وَصَلَّتْ فَالِانْتِظَارُ لِتَوَهُّمِ أَنْ يُعَاوِدَهَا الدَّمُ، وَالِاغْتِسَالُ فِي آخِرِ الْوَقْتِ؛ لِأَنَّهَا طَاهِرَةٌ ظَاهِرًا وَقَدْ بَيَّنَّا نَظِيرَهُ فِي الْحَيْضِ، فَإِنْ كَانَتْ طَلُقَتْ حِينَ وَلَدَتْ صُدِّقَتْ عَلَى انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فِي أَرْبَعَةٍ وَخَمْسِينَ يَوْمًا وَزِيَادَةِ مَا فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَا تَصْدُقُ فِي أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةٍ وَسِتِّينَ يَوْمًا وَفِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي رِوَايَةِ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى لَا تُصَدَّقُ فِي أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةٍ وَثَمَانِينَ يَوْمًا وَفِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَا تُصَدَّقُ فِي أَقَلَّ مِنْ مِائَةِ يَوْمٍ، وَذَكَرَ أَبُو سَهْلٍ الْفَرَائِضِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِ الْحَيْضِ رِوَايَةً عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهَا لَا تُصَدَّقُ فِي أَقَلَّ مِنْ مِائَةٍ وَخَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا.
وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تَنْبَنِي عَلَى فَصْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا: مَا بَيَّنَّا أَنَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إذَا كَانَ الدَّمُ مُحِيطًا بِطَرَفَيْ الْأَرْبَعِينَ فَالطُّهْرُ الْمُتَخَلِّلُ لَا يَكُونُ فَاصِلًا، وَإِنْ طَالَ وَالثَّانِي أَنَّ الْمُطَلَّقَةَ إذَا كَانَتْ تَعْتَدُّ بِالْأَقْرَاءِ فِي كَمْ تُصَدَّقُ إذَا أَخْبَرَتْ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: لَا تُصَدَّقُ فِي أَقَلَّ مِنْ سِتِّينَ يَوْمًا.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى تُصَدَّقُ فِي تِسْعَةٍ وَثَلَاثِينَ يَوْمًا وَتَخْرِيجُ قَوْلِهِمَا أَنَّهُ يَجْعَلُ كَأَنَّهُ طَلَّقَهَا فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ الْحَيْضِ، وَحَيْضُهَا أَقَلُّ الْحَيْضِ ثَلَاثَةٌ، وَطُهْرُهَا أَقَلُّ الطُّهْرِ خَمْسَةَ عَشَرَ فَثَلَاثُ مَرَّاتٍ ثَلَاثَةُ يَكُونُ تِسْعَةً وَطُهْرَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا خَمْسَةَ عَشَرَ يَكُونُ ثَلَاثِينَ فَلِهَذَا صُدِّقَتْ فِي تِسْعَةٍ وَثَلَاثِينَ يَوْمًا؛ لِأَنَّهَا أَمِينَةٌ فَإِذَا أَخْبَرَتْ بِمَا هُوَ مُحْتَمَلٌ يَجِبُ قَبُولُ خَبَرِهَا، وَقِيلَ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ يَنْبَغِي أَنْ تُصَدَّقَ فِي سَبْعَةٍ وَثَلَاثِينَ يَوْمًا وَنِصْفٍ وَأَرْبَعِ سَاعَاتٍ؛ لِأَنَّا قَدْ بَيَّنَّا أَنَّ أَقَلَّ الْحَيْضِ عِنْدَهُ يَوْمَانِ، وَالْأَكْثَرُ مِنْ الْيَوْمِ الثَّالِثِ فَيَجْعَلُ كُلَّ حَيْضَةٍ يَوْمَانِ وَنِصْفٍ وَسَاعَةٍ فَذَلِكَ سَبْعَةٌ وَثَلَاثُ سَاعَاتٍ وَسَاعَةُ الْإِخْبَارِ وَالِاغْتِسَالِ فَتُصَدَّقُ فِي سَبْعَةٍ وَثَلَاثِينَ يَوْمًا وَنِصْفٍ وَأَرْبَعِ سَاعَاتٍ لِلِاحْتِمَالِ.
فَأَمَّا تَخْرِيجُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَعَلَى مَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَجْعَلُ كَأَنَّهُ طَلَّقَهَا مِنْ أَوَّلِ الطُّهْرِ تَحَرُّزًا عَنْ إيقَاعِ الطَّلَاقِ فِي الطُّهْرِ بَعْدَ الْجِمَاعِ وَطُهْرُهَا خَمْسَةَ عَشَرَ؛ لِأَنَّهُ لَا غَايَةَ لِأَكْثَرِ الطُّهْرِ فَيُقَدَّرُ بِأَقَلِّهِ وَحَيْضُهَا خَمْسَةٌ؛ لِأَنَّ مِنْ النَّادِرِ أَنْ يَكُونَ حَيْضُهَا أَقَلَّ أَوْ يَمْتَدُّ إلَى أَكْثَرِ الْحَيْضِ فَيُعْتَبَرُ الْوَسَطُ مِنْ ذَلِكَ، وَذَلِكَ خَمْسَةٌ فَثَلَاثَةُ أَطْهَارٍ كُلُّ طُهْرٍ خَمْسَةَ عَشْرَةَ يَكُونُ خَمْسَةً وَأَرْبَعِينَ وَثَلَاثُ حِيَضٍ كُلُّ حَيْضَةٍ خَمْسَةٌ يَكُونُ خَمْسَةَ عَشَرَ فَذَلِكَ سِتُّونَ يَوْمًا وَعَلَى مَا رَوَاهُ الْحَسَنُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَجْعَلُ كَأَنَّهُ طَلَّقَهَا فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ الطُّهْرِ؛ لِأَنَّ التَّحَرُّزَ عَنْ تَطْوِيلِ الْعِدَّةِ وَاجِبٌ وَإِيقَاعُ الطَّلَاقِ فِي آخِرِ الطُّهْرِ أَقْرَبُ إلَى التَّحَرُّزِ عَنْ تَطْوِيلِ الْعِدَّةِ ثُمَّ الْحَيْضُ لَهَا عَشَرَةٌ؛ لِأَنَّا لَمَّا قَدَّرْنَا طُهْرَهَا بِأَقَلِّ الْمُدَّةِ نَظَرًا إلَيْهَا: يُقَدِّرُ حَيْضَهَا بِأَكْثَرِ الْحَيْضِ نَظَرًا لِلزَّوْجِ فَثَلَاثُ حِيَضٍ كُلُّ حَيْضَةٍ عَشَرَةٌ يَكُونُ ثَلَاثِينَ وَطُهْرَانِ كُلُّ طُهْرٍ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا يَكُونُ ثَلَاثِينَ فَذَلِكَ سِتُّونَ قَالَ: وَلَا مَعْنَى لِمَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى لِأَنَّهُ لَا احْتِمَالَ لِتَصْدِيقِهَا فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ إلَّا بَعْدَ أُمُورٍ كُلُّهَا نَادِرَةٌ مِنْهَا أَنْ يَكُونَ الْإِيقَاعُ فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ الطُّهْرِ، وَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ حَيْضُهَا أَقَلَّ مُدَّةِ الْحَيْضِ، وَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ طُهْرُهَا أَقَلَّ مُدَّةِ الطُّهْرِ، وَمِنْهَا أَنْ لَا تُؤَخِّرَ الْإِخْبَارَ عَنْ سَاعَةِ الِانْقِضَاءِ وَالْأَمِينُ إذَا أَخْبَرَ بِمَا لَا يُمْكِنُ تَصْدِيقُهُ فِيهِ إلَّا بِأُمُورٍ هِيَ نَادِرَةٌ لَا يُصَدَّقُ كَالْوَصِيِّ إذَا قَالَ: أَنْفَقْت عَلَى الصَّبِيِّ فِي يَوْمٍ مِائَةَ دِرْهَمٍ لَا يُصَدَّقُ وَمَا قَالَهُ مُحْتَمَلٌ بِأَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ نَفَقَةً فَتُسْرَقَ ثُمَّ مِثْلَهَا فَتُحْرَقَ ثُمَّ مِثْلَهَا فَتَتْلَفَ فَلَا يُصَدَّقُ لِكَوْنِ هَذِهِ الْأُمُورِ نَادِرَةً فَكَذَلِكَ هُنَا، فَإِنْ كَانَتْ الْمُطَلَّقَةُ أَمَةً فَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى تُصَدَّقُ فِي أَحَدٍ وَعِشْرِينَ يَوْمًا؛ لِأَنَّ حَيْضَهَا ثَلَاثَةٌ وَطُهْرَهَا خَمْسَةَ عَشَرَ فَحَيْضَتَانِ تَكُونُ سِتَّةً وَطُهْرُهَا بَيْنَهُمَا يَكُونُ خَمْسَةَ عَشَرَ فَذَلِكَ أَحَدٌ وَعِشْرُونَ يَوْمًا وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي رِوَايَةِ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى تُصَدَّقُ فِي أَرْبَعِينَ يَوْمًا، وَيَجْعَلُ كَأَنَّهُ طَلَّقَهَا فِي أَوَّلِ الطُّهْرِ فَطُهْرَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا خَمْسَةَ عَشَرَ يَكُونُ ثَلَاثِينَ وَحَيْضَتَانِ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا خَمْسَةٌ يَكُونُ عَشَرَةً فَذَلِكَ أَرْبَعُونَ، وَعَلَى رِوَايَةِ الْحَسَنِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى تُصَدَّقُ فِي خَمْسَةٍ وَثَلَاثِينَ يَوْمًا، وَيَجْعَلُ كَأَنَّهُ طَلَّقَهَا فِي آخِرِ الطُّهْرِ فَحَيْضَتَانِ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا عَشَرَةٌ، وَطُهْرُهَا خَمْسَةَ عَشَرَ بَيْنَهُمَا يَكُونُ خَمْسَةً وَثَلَاثِينَ يَوْمًا إذَا عَرَفْنَا هَذَا جِئْنَا إلَى بَيَانِ مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ.
إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ الْحَامِلِ: إذَا وَلَدْت فَأَنْتِ طَالِقٌ فَأَمَّا تَخْرِيجُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى رِوَايَةِ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى أَنْ يَجْعَلَ نِفَاسَهَا خَمْسَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا تَحَرُّزًا عَنْ مُعَاوَدَةِ الدَّمِ بَعْدَ الطُّهْرِ قَبْلَ كَمَالِ الْأَرْبَعِينَ وَطُهْرُهَا خَمْسَةَ عَشَرَ فَذَلِكَ أَرْبَعُونَ ثُمَّ حَيْضُهَا خَمْسَةٌ وَطُهْرُهَا خَمْسَةَ عَشَرَ فَثَلَاثُ حِيَضٍ كُلُّ حَيْضَةٍ خَمْسَةٌ وَطُهْرَانِ بَيْنَهَا كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا خَمْسَةَ عَشَرَ يَكُونُ خَمْسَةً وَأَرْبَعِينَ فَإِذَا ضَمَمْته إلَى الْأَرْبَعِينَ يَكُونُ خَمْسَةً وَثَمَانِينَ فَتُصَدَّقُ فِي هَذَا الْقَدْرِ، وَعَلَى رِوَايَةِ الْحَسَنِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى التَّخْرِيجُ هَكَذَا إلَّا أَنَّ حَيْضَهَا بَعْدَ الْأَرْبَعِينَ عَشَرَةٌ فَثَلَاثُ حِيَضٍ كُلُّ حَيْضَةٍ عَشَرَةٌ وَطُهْرَانِ بَيْنَهَا يَكُونُ سِتِّينَ يَوْمًا إذَا ضَمَمْتهَا إلَى الْأَرْبَعِينَ يَكُونُ مِائَةَ يَوْمٍ وَعَلَى رِوَايَةِ أَبِي سَهْلِ الْفَرَائِضِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ: يَجْعَلُ نِفَاسَهَا أَرْبَعِينَ يَوْمًا؛ لِأَنَّ أَكْثَرَ مُدَّةِ النِّفَاسِ مَعْلُومٌ كَأَكْثَرِ مُدَّةِ الْحَيْضِ وَكَمَا قَدَّرْنَا حَيْضَهَا بِأَكْثَرِ الْمُدَّةِ كَذَلِكَ قَدَّرْنَا نِفَاسَهَا بِأَكْثَرِ الْمُدَّةِ ثُمَّ بَعْدَ النِّفَاسِ طُهْرٌ خَمْسَةَ عَشَرَ فَذَلِكَ خَمْسَةٌ وَخَمْسُونَ إذَا ضَمَمْت إلَيْهِ سِتِّينَ يَوْمًا كَمَا بَيَّنَّا كَانَ مِائَةَ يَوْمٍ وَخَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَلِهَذَا لَا تُصَدَّقُ فِيمَا دُونَ هَذَا الْقَدْرِ فَأَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَجْعَلُ نِفَاسَهَا أَحَدَ عَشَرَ يَوْمًا؛ لِأَنَّ أَدْنَى مُدَّةِ النِّفَاسِ هَذَا، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ أَنَّ مُدَّةَ النِّفَاسِ تَزِيدُ عَلَى مُدَّةِ الْحَيْضِ وَالسَّاعَاتُ لَا يُمْكِنُ ضَبْطُهَا وَكَذَلِكَ الْأَيَّامُ لَا غَايَةَ لِأَكْثَرِهَا فَقَدَّرْنَا الزِّيَادَةَ بِيَوْمٍ وَاحِدٍ فَكَانَ نِفَاسُهَا أَحَدَ عَشَرَ يَوْمًا وَعَابَهُ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي ذَلِكَ فَقَالَ: هُوَ يَقُولُ إذَا انْقَطَعَ عَنْ النُّفَسَاءِ دَمُهَا فِي أَقَلَّ مِنْ أَحَدَ عَشَرَ يَوْمًا اغْتَسَلَتْ وَصَلَّتْ فَهَذَا يَنْقُضُ قَوْلَهُ فِي الْمُعْتَدَّةِ، وَلَكِنْ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي هَذَا الْحَرْفِ اعْتَبَرَ الْعَادَةَ دُونَ الِاحْتِمَالِ ثُمَّ طُهْرُهَا خَمْسَةَ عَشَرَ فَذَلِكَ سِتَّةٌ وَعِشْرُونَ ثُمَّ بَعْدَهُ تِسْعَةٌ وَثَلَاثُونَ يَوْمًا لِثَلَاثِ حِيَضٍ كَمَا بَيَّنَّا فَذَلِكَ خَمْسَةٌ وَسِتُّونَ يَوْمًا؛ فَلِهَذَا صَدَّقَهَا فِي هَذَا الْقَدْرِ، وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ تُصَدَّقُ فِي أَرْبَعَةٍ وَخَمْسِينَ يَوْمًا وَزِيَادَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَا غَايَةَ لِأَقَلَّ النِّفَاسِ فَإِذَا قَالَتْ: كَانَ سَاعَةً وَجَبَ تَصْدِيقُهَا لِلِاحْتِمَالِ، وَالطُّهْرُ بَعْدَهُ خَمْسَةَ عَشَرَ ثُمَّ تِسْعَةٌ وَثَلَاثُونَ يَوْمًا لِثَلَاثِ حِيَضٍ فَذَلِكَ أَرْبَعَةٌ وَخَمْسُونَ يَوْمًا فَصَدَقَتْ فِي هَذَا الْمِقْدَارِ لِلِاحْتِمَالِ.
فَإِنْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ أَمَةً، وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فَعَلَى تَخْرِيجِ مُحَمَّدٍ لِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى تُصَدَّقُ فِي خَمْسَةٍ وَسِتِّينَ يَوْمًا نِفَاسُهَا خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ، وَطُهْرُهَا خَمْسَةَ عَشَرَ وَحَيْضُهَا خَمْسَةٌ فَحَيْضَتَانِ بَعْدَ الْأَرْبَعِينَ، وَطُهْرٌ بَيْنَهُمَا يَكُونُ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ إذَا ضَمَمْته إلَى الْأَرْبَعِينَ يَكُونُ خَمْسَةً وَسِتِّينَ يَوْمًا، وَعَلَى رِوَايَةِ الْحَسَنِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ تُصَدَّقُ فِي خَمْسَةٍ وَسَبْعِينَ؛ لِأَنَّهُ يَجْعَلُ حَيْضَهَا عَشَرَةً فَحَيْضَتَانِ بَعْدَ الْأَرْبَعِينَ، وَطُهْرٌ بَيْنَهُمَا يَكُونُ خَمْسَةً وَثَلَاثِينَ يَوْمًا إذَا ضَمَمْتهَا إلَى الْأَرْبَعِينَ يَكُونُ خَمْسَةً وَسَبْعِينَ وَعَلَى رِوَايَةِ أَبِي سَهْلِ الْفَرَائِضِيِّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ تُصَدَّقُ فِي تِسْعِينَ يَوْمًا نِفَاسُهَا أَرْبَعُونَ وَحَيْضُهَا عَشَرَةٌ فَطُهْرَانِ وَحَيْضَتَانِ يَكُونُ خَمْسِينَ يَوْمًا إذَا ضَمَمْته إلَى الْأَرْبَعِينَ يَكُونُ تِسْعِينَ، وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى تُصَدَّقُ فِي سَبْعَةٍ وَأَرْبَعِينَ يَوْمًا نِفَاسُهَا أَحَدَ عَشَرَ، وَالطُّهْرُ بَعْدَهُ خَمْسَةَ عَشَرَ فَذَلِكَ سِتَّةٌ وَعِشْرُونَ إذَا ضَمَمْته إلَى أَحَدٍ وَعِشْرِينَ كَمَا بَيَّنَّا يَكُونُ سَبْعَةً وَأَرْبَعِينَ، وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ تُصَدَّقُ فِي سِتَّةٍ وَثَلَاثِينَ يَوْمًا وَسَاعَةٍ؛ لِأَنَّهُ يَجْعَلُ نِفَاسَهَا سَاعَةً وَطُهْرَهَا خَمْسَةَ عَشَرَ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ أَحَدٌ وَعِشْرُونَ كَمَا بَيَّنَّا مِنْ قَوْلِهِ فَذَلِكَ سِتَّةٌ وَثَلَاثُونَ يَوْمًا وَسَاعَةٌ تُصَدَّقُ فِي هَذَا الْمِقْدَارِ إذَا أَخْبَرَتْ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ لِلِاحْتِمَالِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.