فصل: بَابُ السَّلَمِ فِي الْمَرَضِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المبسوط



.بَابُ السَّلَمِ فِي الْمَرَضِ:

(قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ): وَإِذَا أَسْلَمَ الْمَرِيضُ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ فِي كُرٍّ يُسَاوِي عَشَرَةً إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ، وَقَبَضَ الدَّرَاهِمَ، ثُمَّ مَاتَ رَبُّ السَّلَمِ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ مُحِيطٌ بِمَالِهِ 0 وَلَمْ يَحِلَّ، فَالْمُسْلَمُ إلَيْهِ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ رَدَّ الدَّرَاهِمَ وَنَقَضَ السَّلَمَ، وَإِنْ شَاءَ أَدَّى الْكُرَّ كُلَّهُ حَالًّا؛ لِأَنَّ الْمَرِيضَ حَابَى بِالْأَجَلِ، فَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْوَصِيَّةَ بِالْأَجَلِ بِمَنْزِلَةِ الْوَصِيَّةِ بِالْمَالِ فِي الِاعْتِبَارِ مِنْ الثُّلُثِ بَعْدَ الدَّيْنِ، وَالدَّيْنُ مُحِيطٌ بِتَرِكَةِ الْمَيِّتِ هُنَا فَلَا يُمْكِنُ تَنْفِيذُ الْأَجَلِ لِلْمُسْلَمِ إلَيْهِ، قَدْ تَغَيَّرَ عَلَيْهِ شَرْطُ عَقْدِهِ بِذَلِكَ فَثَبَتَ لَهُ الْخِيَارُ، وَإِنْ كَانَ الْكُرُّ قَدْ حَلَّ قَبْلَ مَوْتِ رَبِّ السَّلَمِ، أَوْ مَاتَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ قَبْلَ مَوْتِ رَبِّ السَّلَمِ حَتَّى حَلَّ الْأَجَلُ بِمَوْتِهِ فَلَا خِيَارَ لَهُ وَلَا لِوَرَثَتِهِ هُنَا، وَلَكِنْ يُجْبَرُونَ عَلَى أَدَاءِ الْكُرِّ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَغَيَّرْ مُوجِبُ الْعَقْدِ هُنَا.
وَلَوْ كَانَ أَسْلَمَ عِشْرِينَ دِرْهَمًا فِي كُرٍّ يُسَاوِي عَشَرَةً وَعَلَيْهِ دَيْنٌ عَشَرَةٌ، فَالْمُسْلَمُ إلَيْهِ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ رَدَّ الدَّرَاهِمَ وَنَقَضَ السَّلَمَ، وَإِنْ شَاءَ أَدَّى الْكُرَّ وَرَدَّ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ سِتَّةً وَثَلَاثِينَ؛ لِأَنَّ الْمُحَابَاةَ هُنَا حَصَلَتْ بِالْمَالِ وَالْأَجَلِ جَمِيعًا فَتُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ بَعْدَ الدَّيْنِ، وَالثُّلُثُ بَعْدَ الدَّيْنِ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ وَثُلُثٌ فَذَلِكَ الْقَدْرُ سَلَمٌ لِلْمُسْلَمِ إلَيْهِ بِالْوَصِيَّةِ وَيَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ لِتَغَيُّرِ شَرْطِ الْعَقْدِ عَلَيْهِ، فَإِذَا اخْتَارَ الْإِمْضَاءَ أَدَّى الْكُرَّ حَالًّا؛ لِأَنَّ وَصِيَّتَهُ نَفَّذْنَاهَا مِنْ ثُلُثِ الْمَالِ فَلَا يَسْلَمُ لَهُ شَيْءٌ مِنْ الْأَجَلِ فَيُؤَدِّي الْكُرَّ حَالًّا وَيَرُدُّ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ سِتَّةً وَثَلَاثِينَ حَتَّى يُقْضَى الدَّيْنُ بِعَشَرَةٍ وَيَسْلَمُ لِلْوَرَثَةِ سِتَّةٌ وَثُلُثَانِ، قَدْ نَفَّذْنَا الْوَصِيَّةَ فِي ثَلَاثَةٍ وَثُلُثٍ، وَلَا حَاجَةَ إلَى نَقْضِ الْعَقْدِ هُنَا فِي شَيْءٍ لَمَّا أَمْكَنَ رَدُّ بَعْضِ رَأْسِ الْمَالِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُؤَدِّيَ إلَى الرِّبَا بِخِلَافِ الْإِقَالَةِ وَبَيْعِ الْكُرِّ بِالْكُرِّ عَلَى مَا بَيَّنَّا.
فَلَوْ كَانَ أَسْلَمَ خَمْسِينَ دِرْهَمًا فِي كُرٍّ يُسَاوِي ثَلَاثِينَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ عِشْرُونَ، فَإِنْ شَاءَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ نَقَضَ السَّلَمَ، وَإِنْ شَاءَ رَدَّ الْكُرَّ وَأَدَّى عَشَرَةَ دَرَاهِمَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ حَابَاهُ بِقَدْرِ عِشْرِينَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ، فَيَسْلَمُ لَهُ مِنْ ذَلِكَ قَدْرُ الثُّلُثِ بَعْدَ الدَّيْنِ، وَذَلِكَ عَشَرَةٌ وَثَبَتَ الْخِيَارُ لَهُ لِتَغَيُّرِ شَرْطِ الْعَقْدِ عَلَيْهِ، فَإِذَا اخْتَارَ إمْضَاءَ الْعَقْدِ أَدَّى الْكُرَّ وَرَدَّ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ فَيُقْضَى دَيْنُهُ عِشْرُونَ دِرْهَمًا، وَيَبْقَى لِلْوَرَثَةِ عِشْرُونَ، قَدْ نَفَّذْنَا الْوَصِيَّةَ فِي عَشْرٍ فَاسْتَقَامَ، وَلَوْ كَانَ السَّلَمُ مِائَةَ دِرْهَمٍ فِي كُرٍّ يُسَاوِي خَمْسِينَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ أَرْبَعُونَ، فَإِنْ شَاءَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ نَقَضَ السَّلَمَ، وَإِنْ شَاءَ أَدَّى الْكُرَّ وَرَدَّ ثَلَاثِينَ رَأْسَ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ يَسْلَمُ لَهُ بِالْوَصِيَّةِ الثُّلُثُ بَعْدَ الدَّيْنِ، وَذَلِكَ عِشْرُونَ وَيَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ لِتَغَيُّرِ شَرْطِ الْعَقْدِ، فَإِذَا اخْتَارَ إمْضَاءَ الْعَقْدِ أَدَّى الْكُرَّ وَرَدَّ ثَلَاثِينَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ حَتَّى يُقْضَى دَيْنُهُ بِأَرْبَعِينَ وَيَسْلَمُ لِلْوَرَثَةِ أَرْبَعُونَ، قَدْ نَفَّذْنَا الْوَصِيَّةَ فِي عِشْرِينَ وَفِي الْحَاصِلِ يَسْلَمُ لِلْمُسْلَمِ إلَيْهِ قِيمَةُ كُرِّهِ وَثُلُثُ تَرِكَةِ الْمَيِّتِ بَعْدَ الدَّيْنِ وَرَدَّ مَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ وَإِذَا أَسْلَمَ الْمَرِيضُ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ إلَى رَجُلَيْنِ فِي كُرِّ حِنْطَةٍ يُسَاوِي عَشَرَةً إلَى أَجَلٍ وَقَضَى الدَّرَاهِمَ، ثُمَّ مَاتَ أَحَدُهُمَا، ثُمَّ مَاتَ رَبُّ السَّلَمِ قَبْلَ حَلّ الْأَجَلِ، فَإِنَّهُ يُخَيَّرُ وَرَثَةُ الْمَيِّتِ عَلَى أَنْ يُؤَدُّوا نِصْفَهُ؛ لِأَنَّ طَعَامَ السَّلَمِ حَلَّ بِمَوْتِهِ فِي نَصِيبِهِ فَلَمْ يَتَغَيَّرُ مُوجِبُ الْعَقْدِ عَلَى وَرَثَتِهِ، وَالْحَيُّ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ نَقَضَ السَّلَمَ فِي حَقِّهِ لِتَغَيُّرِ مُوجِبِ الْعَقْدِ عَلَيْهِ، وَإِنْ شَاءَ أَدَّى ثُلُثَ مَا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مُوصًى لَهُ بِالْأَجَلِ فِي نَصِيبِهِ، فَإِنَّمَا تَنْفُذُ الْوَصِيَّةُ لَهُ فِي ثُلُثِ مَالِ الْمَيِّتِ، وَذَلِكَ ثُلُثَا مَا عَلَيْهِ فَقَدْ سَلَّمَ لِلْوَرَثَةِ ثُلُثَيْ كُرٍّ قِيمَتُهُ سِتَّةٌ وَثُلُثَانِ وَبَقِيَ الْكُرُّ عَلَيْهِ مُؤَجَّلًا وَقِيمَتُهُ ثَلَاثَةٌ وَثُلُثٌ لَوْ كَانَ رَأْسُ الْمَالِ عِشْرِينَ دِرْهَمًا، قَدْ مَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ قَبْلَ أَنْ يَخْتَصِمُوا، فَالْحَيُّ وَوَرَثَةُ الْمَيِّتِ مِنْهُمَا بِالْخِيَارِ؛ لِأَنَّهُ حَابَاهُمَا بِقَدْرِ نِصْفِ مَالِهِ وَلَا يُسْلِمُ الْمُحَابَاةَ لَهُمَا إلَّا بِقَدْرِ الثُّلُثِ فَقَدْ تَغَيَّرَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا شَرْطُ الْعَقْدِ؛ فَلِهَذَا ثَبَتَ لَهُمْ الْخِيَارُ، فَإِنْ اخْتَارُوا إمْضَاءَ الْعَقْدِ أَدَّوْا الْكُرَّ وَرَدُّوا ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ وَثُلُثًا مِنْ رَأْسِ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَسْلَمُ لَهُمْ مِنْ الْمُحَابَاةِ مِقْدَارُ ثُلُثِ الْمَالِ، وَذَلِكَ سِتَّةٌ وَثُلُثَانِ فَيُؤَدِّي الْكُرَّ حَالًّا وَقِيمَتُهُ عَشَرَةٌ وَثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ وَثُلُثٌ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ حَتَّى يَسْلَمَ لِلْوَرَثَةِ ثَلَاثَةَ عَشَرَ وَثُلُثٌ، قَدْ نَفَّذْنَا الْوَصِيَّةَ فِي سِتَّةٍ وَثَلَاثِينَ، فَيَكُونُ السَّالِمُ لَهُمَا قِيمَةَ الْكُرِّ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ وَثُلُثَ مَالِ الْمَيِّتِ بِالْوَصِيَّةِ، فَإِنْ كَانَ الْمَيِّتُ مِنْهُمَا مَاتَ مُعْسِرًا، فَالْآخَرُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ رَدَّ حِصَّتَهُ مِنْ الدَّرَاهِمِ وَنَقَضَ السَّلَمَ، وَإِنْ شَاءَ رَدَّ نِصْفَ الْكُرِّ وَثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ؛ لِأَنَّ الْمَيِّتَ مِنْهُمَا مَاتَ مُسْتَوْفِيًا لِوَصِيَّتِهِ وَيُؤَدِّي مَا عَلَيْهِ، قَدْ كَانَ الثُّلُثُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ فَيَكُونُ حَقُّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي سَهْمٍ وَحَقُّ الْوَرَثَةِ فِي أَرْبَعَةٍ، فَنَصِيبُ الْحَيِّ يُجْعَلُ عَلَى خَمْسَةٍ يَسْلَمُ لَهُ مِنْ الْخُمْسِ بِطَرِيقِ الْوَصِيَّةِ وَيُؤَدِّي أَرْبَعَةَ أَخْمَاسِهِ، وَذَلِكَ نِصْفُ كُرٍّ قِيمَتُهُ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ وَثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ فَيَسْلَمُ لِلْوَرَثَةِ ثَمَانِيَةٌ، قَدْ نَفَّذْنَا الْوَصِيَّةَ لِلْحَيِّ فِي دِرْهَمَيْنِ وَلِلْمَيِّتِ فِي مِثْلِهِ فَاسْتَقَامَ.
وَلَوْ كَانَ رَأْسُ الْمَالِ ثَلَاثِينَ دِرْهَمًا وَلَمْ يَمُتْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا وَلَكِنْ غَابَ أَحَدُهُمَا، وَقَالَتْ وَرَثَةُ رَبِّ السَّلَمِ: لَا نُجِيزُ هَذَا السَّلَمَ فَالْمُسْلَمُ إلَيْهِ بِالْخِيَارِ: إنْ شَاءَ نَقَضَ السَّلَمَ فِي حِصَّتِهِ وَرَدَّ حِصَّتَهُ مِنْ الدَّرَاهِمِ، وَإِنْ شَاءَ أَدَّى نِصْفَ الْكُرِّ وَرَدَّ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ سَبْعَةً عَلَى مَا بَيَّنَّا أَنَّ الثُّلُثَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ، فَإِنَّمَا يَضْرِبُ الْحَاضِرُ فِي نَصِيبِهِ بِسَهْمٍ وَوَرَثَةُ رَبِّ السَّلَمِ بِأَرْبَعَةٍ، فَيَسْلَمُ لَهُ الْخُمْسُ مِمَّا عَلَيْهِ، وَذَلِكَ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ بِالْوَصِيَّةِ فَيَرُدُّ إلَى الْوَرَثَةِ نِصْفَ كُرٍّ قِيمَتُهُ خَمْسَةٌ وَسَبْعَةُ دَرَاهِمَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ فَيَكُونُ ذَلِكَ اثْنَيْ عَشَرَ، قَدْ نَفَّذْنَا الْوَصِيَّةَ لِلْحَاضِرِ فِي ثَلَاثَةٍ وَلِلْغَائِبِ فِي مِثْلِهِ فَاسْتَقَامَ.
فَإِنْ حَضَرَ الْغَائِبُ بَعْدَ مَا قَضَى الْقَاضِي بَيْنَهُمْ بِهَذَا، فَإِنَّهُ يَكُونُ بِالْخِيَارِ: إنْ شَاءَ رَدَّ الدَّرَاهِمَ عَلَى الْوَرَثَةِ فِي نَقْضِ السَّلَمِ لِتَغَيُّرِ شَرْطِ الْعَقْدِ عَلَيْهِ، وَإِنْ شَاءَ أَدَّى نِصْفَ الْكُرِّ وَرَدَّ ثَلَاثَةً مِنْ رَأْسِ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ سَلِمَ لِلْوَرَثَةِ اثْنَا عَشَرَ، فَإِنَّمَا يَبْقَى إلَى تَمَامِ حَقِّهِمْ ثَمَانِيَةٌ، فَإِذَا أَعْطَاهُمْ نِصْفَ الْكُرِّ قِيمَتُهُ خَمْسَةٌ رَدَّ عَلَيْهِمْ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ ثَلَاثَةً، فَقَدْ سَلِمَ لَهُمْ عِشْرُونَ دِرْهَمًا، قَدْ نَفَّذْنَا الْوَصِيَّةَ لِأَحَدِهِمَا فِي ثَلَاثَةٍ وَلِلْآخَرِ فِي سَبْعَةٍ فَاسْتَقَامَ التَّخْرِيجُ وَلَا يَرُدُّ عَلَى الْأَوَّلِ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ حُكْمَ السَّلَمِ قَدْ انْتَقَضَ فِيمَا رَدَّ، وَمِنْ رَأْسِ الْمَالِ بِانْتِقَاضِ قَبْضِهِ مِنْ الْأَصْلِ فَلَا يَعُودُ بَعْدَ ذَلِكَ حُكْمُ الْعَقْدِ فِي شَيْءٍ مِنْهُ وَإِذَا أَسْلَمَ الرَّجُلُ فِي مَرَضِهِ سِتِّينَ دِرْهَمًا إلَى ثَلَاثَةِ نَفَرٍ فِي كُرٍّ قِيمَتُهُ ثَلَاثُونَ وَقَبَضَ الدَّرَاهِمَ، ثُمَّ مَاتَ رَبُّ السَّلَمِ وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرُهَا، فَأَخَذَ الْوَرَثَةُ أَحَدَهُمْ وَلَمْ يَظْفَرُوا بِالْآخَرَيْنِ فَهُوَ بِالْخِيَارِ لِتَغَيُّرِ شَرْطِ الْعَقْدِ عَلَيْهِ: فَإِنْ اخْتَارَ إمْضَاءَ الْعَقْدِ أَدَّى ثُلُثَ الْكُرِّ وَرَدَّ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ سَبْعَةَ دَرَاهِمَ وَسُبْعًا؛ لِأَنَّ الثُّلُثَ بَيْنَهُمْ أَثْلَاثٌ، فَالْحَاضِرُ إنَّمَا يَضْرِبُ فِي نَصِيبِهِ بِسَهْمٍ، وَالْوَرَثَةُ بِسِتَّةٍ فَيَسْلَمُ لَهُ السُّبْعُ مِنْ نَصِيبِهِ، وَنَصِيبُهُ عِشْرُونَ دِرْهَمًا فَسُبْعُهُ يَكُونُ دِرْهَمًا وَسِتَّةَ أَتْسَاعٍ فَعَلَيْهِ أَنْ يَرُدَّ عَلَى الْوَرَثَةِ مَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ، وَهُوَ ثُلُثُ كُرٍّ قِيمَتُهُ عَشَرَةٌ، وَمِنْ رَأْسِ الْمَالِ سَبْعَةُ دَرَاهِمَ وَسُبْعًا، فَإِنْ ظَفِرُوا بِأَحَدِ الْغَائِبَيْنِ بَعْدَ مَا قَضَى الْقَاضِي بَيْنَهُمْ بِهَذَا وَفُسِخَ السَّلَمُ فِيمَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْأَوَّلِ، فَهَذَا الثَّانِي أَيْضًا بِالْخِيَارِ: إنْ شَاءَ نَقَضَ السَّلَمَ فِي حِصَّتِهِ، وَإِنْ شَاءَ أَدَّى ثُلُثَ الْكُرِّ وَرَدَّ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ إلَّا تُسْعًا؛ لِأَنَّ فِي يَدِ الْوَرَثَةِ سَبْعَةَ عَشَرَ دِرْهَمًا وَسُبْعًا، فَإِذَا أَعْطَاهُمْ مَا بَيَّنَّا يَسْلَمُ لِلْوَرَثَةِ ثَلَاثُونَ دِرْهَمًا، وَذَلِكَ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ مَا كَانَ أَسْلَمَ إلَيْهِمَا وَيَكُونُ فِي يَدِ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ الثَّانِي عَشَرَةُ دَرَاهِمَ وَسُبْعًا، فَإِذَا أَعْطَاهُمْ عَشَرَةً قِيمَةَ مَا أَدَّى مِنْ الطَّعَامِ وَسَبْعَةً وَسُبْعًا مُحَابَاةً، فَذَلِكَ كَمَالُ رُبْعِ مَا أَسْلَمَ إلَيْهِمَا بِمَا أَخَذَ الْأَوَّلُ مِنْ الْمُحَابَاةِ، وَلَا يَرُدُّ الثَّانِي عَلَى الْأَوَّلِ شَيْئًا؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ قَدْ فَسَخَ الْقَاضِي حِصَّتَهُ مِنْ رَأْسِ مَالِ السَّلَمِ فِيمَا رَدَّهُ عَلَيْهِ فَلَا يَعُودُ الْحَقُّ فِيهِ بَعْدَ ذَلِكَ لِهَذَا، فَإِنْ فَعَلُوا ذَلِكَ، ثُمَّ ظَفِرُوا بِالثَّالِثِ جَازَ السَّلَمُ فِي حِصَّتِهِ وَجَازَتْ لَهُ حِصَّتُهُ مِنْ الْمُحَابَاةِ؛ لِأَنَّهَا كَمَالُ الثُّلُثِ سَوَاءٌ فَيُؤَدِّي إلَى الْوَرَثَةِ حِصَّتَهُ، وَذَلِكَ ثَلَاثَةَ عَشَرَ قِيمَتُهُ عَشَرَةٌ حَتَّى يَسْلَمَ لِلْوَرَثَةِ تَمَامُ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا، وَهِيَ ثُلُثُ تَرِكَةِ الْمَيِّتِ، وَيَكُونُ فِي يَدِ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ الثَّالِثِ عِشْرُونَ دِرْهَمًا: عَشَرَةٌ قِيمَةُ مَا أَدَّى وَعَشَرَةٌ مُحَابَاةٌ، وَهِيَ تَمَامُ ثُلُثِ تَرِكَةِ الْمَيِّتِ بِمَا أَخَذَ الْأَوَّلَانِ، وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ أَنَّهُمْ حِينَ ظَفِرُوا بِالْأَوَّلِ كَانَتْ الْقِسْمَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ أَسْبَاعًا كَمَا بَيَّنَّا، فَحِينَ ظَفِرُوا بِالثَّانِي، كَانَتْ الْقِسْمَةُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي عَلَى ثَمَانِيَةٍ؛ لِأَنَّ الثَّالِثَ مُسْتَوْفٍ لِسَهْمِهِ، بَقِيَ حَقُّ الْوَرَثَةِ فِي سِتَّةٍ، وَحَقُّهُمَا فِي سَهْمَيْنِ، فَعَرَفْنَا أَنَّهُ سَلِمَ لَهُمَا الرُّبْعُ مِمَّا عَلَيْهِمَا، قَدْ أَخَذَ الْأَوَّلُ حِصَّتَهُ كَمَا بَيَّنَّا فَيَسْلَمُ لِلثَّانِي مَا بَقِيَ مِنْ الرُّبْعِ، ثُمَّ إذَا ظَفِرُوا بِالثَّالِثِ، فَحَقُّ الْوَرَثَةِ فِي الثُّلُثَيْنِ، وَحَقُّ الْمُوصَى لَهُمْ فِي الثُّلُثِ، قَدْ أَخَذَ الْأَوَّلَانِ حَقَّهُمَا عَلَى وَجْهٍ يَتَعَذَّرُ إيصَالُ شَيْءٍ آخَرَ إلَيْهِمَا فَيَسْلَمُ مَا بَقِيَ مِنْ الثُّلُثِ كُلِّهِ لِلثَّالِثِ.
وَإِذَا أَسْلَمَ الْمَرِيضُ عِشْرِينَ دِرْهَمًا فِي كُرٍّ يُسَاوِي عِشْرِينَ إلَى أَجَلٍ، وَأَخَذَ بِهِ رَهْنًا قِيمَتُهُ عَشَرَةٌ فَضَاعَ، ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَحِلَّ السَّلَمَ فَقَدْ ذَهَبَ الرَّهْنُ بِنِصْفِ الْكُرِّ؛ لِأَنَّ فِي قِيمَتِهِ وَفَاءً بِنِصْفِ الْكُرِّ، وَبِهَلَاكِ الرَّهْنِ إنَّمَا يَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا بِمِقْدَارِ قِيمَةِ الرَّهْنِ، وَيُقَالُ لِلْمُسْلَمِ إلَيْهِ: أَنْتَ بِالْخِيَارِ: فَإِنْ شِئْت أَدِّ ثُلُثَيْ مَا بَقِيَ عَلَيْك مِنْ الْكُرِّ وَيَكُونُ مَا بَقِيَ عَلَيْك إلَى أَجَلِهِ، وَإِنْ شِئْتَ فَرُدَّ الدَّرَاهِمَ وَخُذْ مِنْ الْوَرَثَةِ نِصْفَ الْكُرِّ؛ لِأَنَّ الْمُحَابَاةَ بِالْأَجَلِ لَا تَتَعَذَّرُ إلَّا فِي مِقْدَارِ الثُّلُثِ، وَمَالُهُ عِنْدَ الْمَوْتِ نِصْفُ الْكُرِّ، فَإِنَّمَا يَسْلَمُ لَهُ الْأَجَلُ فِي ثُلُثِ ذَلِكَ وَيَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ لِتَغَيُّرِ شَرْطِ الْعَقْدِ، فَإِذَا اخْتَارَ فَسْخَ الْعَقْدِ رَدَّ الدَّرَاهِمَ وَأَخَذَ مِنْ الْوَرَثَةِ نِصْفَ الْكُرِّ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ حِينَ ضَاعَ فِي يَدِهِ صَارَ هُوَ بِهِ مُسْتَوْفِيًا نِصْفَ الْكُرِّ فَكَأَنَّهُ أَدَّاهُ إلَيْهِ، وَإِذَا فَسْخ الْعَقْدَ وَجَبَ عَلَى الْوَرَثَةِ رَدُّ ذَلِكَ إلَيْهِ إلَّا أَنْ تُجِيز لَهُ الْوَرَثَةُ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ إلَى أَجَلِهِ فَيَكُونُ لَهُمْ ذَلِكَ حِينَئِذٍ، وَيَسْقُطُ بِهِ خِيَارُ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مَا تَغَيَّرَ عَلَيْهِ مُوجِبُ الْعَقْدِ، فَإِنَّ مُوجِبَ الْعَقْدِ وُجُوبُ تَسْلِيمِ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ بَعْدَ حِلِّ الْأَجَلِ، قَدْ سَلِمَ لَهُ ذَلِكَ حِينَ رَضِيَ الْوَرَثَةُ بِالْأَجَلِ فِيمَا بَقِيَ.
وَلَوْ أَسْلَمَ الْمَرِيضُ عِشْرِينَ دِرْهَمًا فِي كُرٍّ قِيمَتُهُ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ، وَأَخَذَ مِنْهُ رَهْنًا قِيمَتُهُ تُسَاوِي عَشَرَةً فَضَاعَ، ثُمَّ مَاتَ الْمَرِيضُ، فَإِنْ شَاءَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ رَدَّ الدَّرَاهِمَ كُلَّهَا وَأَخَذَ مِنْ الْوَرَثَةِ كُرًّا مِثْلَ كُرِّهَ، وَإِنْ شَاءَ رَدَّ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ سِتَّةَ دَرَاهِمَ وَثُلُثَيْنِ؛ لِأَنَّهُ حَابَاهُ بِنِصْفِ الْمَالِ وَلَا يَسْلَمُ مِنْ الْمُحَابَاةِ إلَّا مِقْدَارُ الثُّلُثِ فَيَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ لِتَغَيُّرِ شَرْطِ الْعَقْدِ عَلَيْهِ، وَإِذَا اخْتَارَ فَسْخَ الْعَقْدِ رَدَّ رَأْسَ الْمَالِ وَاسْتَرَدَّ كُرًّا مِثْلَ كُرِّهِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُسْتَوْفِيًا الْكُرَّ بِهَلَاكِ الرَّهْنِ، فَكَأَنَّهُ اسْتَوْفَاهُ حَقِيقَةً فَيَلْزَمُهُ رَدُّهُ عِنْدَ فَسْخِ السَّلَمِ، وَإِذَا اخْتَارَ إمْضَاءَ الْعَقْدِ فَمَالُ الْمَيِّتِ عِنْدَ مَوْتِهِ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ؛ لِأَنَّ الْكُرّ صَارَ مُسْتَهْلَكًا فَيَسْلَمُ لَهُ بِالْمُحَابَاةِ ثَلَاثَةٌ وَثُلُثٌ وَيَرُدُّ سِتَّةَ دَرَاهِمَ وَثُلُثَيْنِ.
وَلَوْ أَسْلَمَ إلَيْهِ خَمْسِينَ دِرْهَمًا فِي كُرٍّ قِيمَتُهُ عِشْرُونَ وَأَخَذَ مِنْهُ رَهْنًا يُسَاوِي ثَلَاثِينَ فَضَاعَ الرَّهْنُ، ثُمَّ مَاتَ الْمَرِيضُ، فَالْمُسْلَمُ إلَيْهِ بِالْخِيَارِ كَمَا قُلْنَا إنْ شَاءَ رَدَّ الدَّرَاهِمَ وَأَخَذَ كُرًّا مِثْلَ كُرِّهَ؛ لِأَنَّهُ بِهَلَاكِ الرَّهْنِ صَارَ مُسْتَوْفِيًا لِلْكُرِّ، وَهُوَ أَمِينٌ فِي الزِّيَادَةِ، فَعِنْدَ انْفِسَاخِ الْعَقْدِ يَرُدُّ كُرًّا مِثْلَ كُرِّهَ، وَإِنْ شَاءَ رَدَّ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ إلَى الْوَرَثَةِ عِشْرِينَ دِرْهَمًا؛ لِأَنَّ مَالَهُ عِنْدَ الْمَوْتِ ثَلَاثُونَ دِرْهَمًا، فَإِنَّ الْكُرَّ مُسْتَهْلَكٌ فَلَا يُحْتَسَبُ مِنْ تَرِكَتِهِ، فَإِنَّمَا يَسْلَمُ لَهُ بِالْوَصِيَّةِ عَشَرَةٌ، وَيَرُدُّ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ عِشْرِينَ دِرْهَمًا، وَذَلِكَ ثُلُثَا تَرِكَةِ الْمَيِّتِ.
وَلَوْ أَسْلَمَ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ فِي كُرٍّ قِيمَتُهُ عَشَرَةٌ، وَأَخَذَ مِنْهُ رَهْنًا قِيمَتُهُ عَشَرَةٌ، ثُمَّ مَاتَ الْمَرِيضُ، قَدْ حَلَّ الْكُرُّ وَقِيمَتُهُ خَمْسَةٌ، فَلَيْسَ لِلْوَرَثَةِ إلَّا عَيْنُ الْكُرِّ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُحَابِهِ بِشَيْءٍ مِنْ الْمَالِ حِينَ أَسْلَمَ، وَإِنَّمَا مَاتَ بَعْدَ حَلِّ الْأَجَلِ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْعَقْدِ مُحَابَاةٌ كَانَ مُبَاشَرَتُهُ فِي الصِّحَّةِ، وَالْمَرَضِ سَوَاءً وَلَوْ أَسْلَمَ ثَلَاثِينَ دِرْهَمًا فِي مَرَضِهِ فِي كُرِّ حِنْطَةٍ قِيمَتُهُ يَوْمئِذٍ عِشْرُونَ، ثُمَّ مَاتَ الْمَرِيضُ وَقِيمَةُ الْكُرِّ يَوْمَ مَاتَ عَشَرَةٌ فَلَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ، فَالْمُسْلَمُ إلَيْهِ بِالْخِيَارِ لِتَغَيُّرِ شَرْطِ الْعَقْدِ، وَعِنْدَ إمْضَاءِ الْعَقْدِ يُؤَدِّي الْكُرَّ وَيَرُدُّ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ عَشَرَةً؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُمْكِنُ فِي أَصْلِ الْعَقْدِ هُنَا مُحَابَاةٌ، وَإِنَّمَا تَسْلَمُ الْمُحَابَاةُ لَهُ بِطَرِيقِ الْوَصِيَّةِ فَيَنْظُرُ إلَى قِيمَةِ الْكُرِّ وَقْتَ الْخُصُومَةِ، وَقِيمَتُهُ وَقْتَ الْخُصُومَةِ عَشَرَةٌ وَحَقُّ الْوَرَثَةِ فِي عِشْرِينَ فَعَلَيْهِ أَنْ يَرُدَّ مَعَ الْكُرِّ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ عَشَرَةً بِخِلَافِ الْأَوَّلِ، فَهُنَاكَ لَا مُحَابَاةَ فِي أَصْلِ الْعَقْدِ حِينَ وَقَعَ السَّلَمُ فَكَانَتْ مُبَاشَرَتُهُ فِي الْمَرَضِ وَمُبَاشَرَتُهُ فِي الصِّحَّةِ سَوَاءً إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ وَصِيَّةٌ، فَإِنْ أَعْطَاهُ الْكُرَّ رَهْنًا فَفِي حُكْمِ الرَّهْنِ يَنْظُرُ إلَى قِيمَةِ الْكُرِّ يَوْمَ الرَّهْنِ؛ لِأَنَّ بَدْءَ الِاسْتِيفَاءِ إنَّمَا يَثْبُتُ بِقَبْضِ الرَّهْنِ فَيَعْتَبِرُ قِيمَتَهُ عِنْدَ ذَلِكَ، وَتَفْسِيرُ ذَلِكَ: مَرِيضٌ أَسْلَمَ ثَلَاثِينَ دِرْهَمًا فِي كُرٍّ قِيمَتُهُ عِشْرُونَ، وَأَخَذَ مِنْهُ رَهْنًا بِالْكُرِّ قِيمَتُهُ عِشْرُونَ، ثُمَّ مَاتَ رَبُّ السَّلَمِ فَصَارَ قِيمَةُ الْكُرِّ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ، قَدْ ضَاعَ الرَّهْنُ، فَإِنَّ الرَّهْنَ يَذْهَبُ بِالْكُرِّ عَلَى قِيمَتِهِ يَوْمئِذٍ؛ لِأَنَّهُ كَانَ فِي قِيمَتِهِ وَفَاءٌ بِالْكُرِّ فَيَنْعَقِدُ بِهِ الِاسْتِيفَاءُ بِقَبْضِ الرَّهْنِ وَيَتِمُّ بِهَلَاكِهِ، ثُمَّ يَكُونُ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ بِالْخِيَارِ: إنْ شَاءَ رَدَّ الدَّرَاهِمَ وَأَخَذَ كُرًّا مِثْلَ كُرِّهَ؛ لِأَنَّ اسْتِيفَاءَ الْكُرِّ بِهَلَاكِ الرَّهْنِ بِمَنْزِلَةِ اسْتِيفَائِهِ حَقِيقَةً، وَإِنْ شَاءَ رَدَّ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ إلَى الْوَرَثَةِ سِتَّةَ دَرَاهِمَ وَثُلُثَيْنِ؛ لِأَنَّ الْكُرَّ مُسْتَهْلَكٌ، فَإِذَا رَفَعْت قِيمَتَهُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ يَوْمَ يَقَعُ السَّلَمُ بَقِيَ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ، فَذَلِكَ مَالُ الْمَيِّتِ فَيَسْلَمُ لِصَاحِبِ الْمُحَابَاةِ ثُلُثُ ذَلِكَ، وَيَرُدُّ عَلَى الْوَرَثَةِ ثُلُثَيْهَا، وَذَلِكَ سِتَّةٌ وَثُلُثَانِ.
وَلَوْ أَسْلَمَ خَمْسِينَ دِرْهَمًا فِي كُرٍّ يُسَاوِي عِشْرِينَ، وَأَخَذَ مِنْهُ رَهْنًا قِيمَتُهُ عِشْرُونَ فَزَادَتْ قِيمَةُ الْكُرِّ حَتَّى صَارَتْ ثَلَاثِينَ، ثُمَّ مَاتَ رَبُّ السَّلَمِ، قَدْ ضَاعَ الرَّهْنُ، فَإِنَّ الرَّهْنَ يَذْهَبُ بِقِيمَةِ الْكُرِّ يَوْمئِذٍ؛ لِأَنَّ بِقَبْضِ الرَّهْنِ يَثْبُتُ لَهُ بَدْءُ الِاسْتِيفَاءِ فِي جَمِيعِ الْكُرِّ، فَإِنَّ فِي قِيمَتِهِ وَفَاءً بِالْكُرِّ فَيَتِمُّ الِاسْتِيفَاءُ بِهَلَاكِ الرَّهْنِ وَلَا يَنْظُرُ إلَى زِيَادَةِ قِيمَةِ الْكُرِّ بَعْدَ ذَلِكَ، وَالْمُسْلَمُ إلَيْهِ بِالْخِيَارِ: إنْ شَاءَ رَدَّ الدَّرَاهِمَ وَأَخَذَ كُرًّا مِثْلَ كُرِّهَ، وَإِنْ شَاءَ رَدَّ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ عِشْرِينَ دِرْهَمًا، وَهُوَ ثُلُثَا تَرِكَةَ الْمَيِّتِ بَعْدَ الَّذِي ذَهَبَ بِهِ الرَّهْنُ؛ لِأَنَّ الْكُرَّ مُسْتَهْلَكٌ، وَقِيمَتُهُ وَقْتَ الْعَقْدِ كَانَ عِشْرِينَ، فَإِنْ كَانَتْ الْمُحَابَاةُ بِقَدْرِ ثَلَاثِينَ، وَمَالُ الْمَيِّتِ مِنْهُ مِقْدَارَ الْمُحَابَاةِ فَقَطْ، فَإِنَّمَا يَسْلَمُ لَهُ مِنْ ذَلِكَ الثُّلُثُ، وَهُوَ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ فَيَرُدُّ عَلَى الْوَرَثَةِ مِقْدَارَ عِشْرِينَ دِرْهَمًا حَتَّى يَسْتَقِيمَ الثُّلُثُ وَالثُّلُثَانِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

.بَابُ السَّلَمِ فِي مَرَضِ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ:

(قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ): وَإِذَا أَسْلَمَ الرَّجُلُ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ فِي كُرٍّ مَوْصُوفٍ قِيمَتِهِ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا إلَى مَرِيضٍ، وَقَبَضَ الْمَرِيضُ الدَّرَاهِمَ، ثُمَّ مَاتَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ، وَلَا مَالِ لَهُ غَيْرُ الْكُرِّ فَرَبُّ السَّلَمِ بِالْخِيَارِ؛ لِأَنَّ الْمُسْلَمَ إلَيْهِ حَابَاهُ بِثَلَاثِينَ دِرْهَمًا، وَذَلِكَ فَوْقَ ثُلُثِ مَالِهِ، وَإِنَّمَا يَسْلَمُ لَهُ الْمُحَابَاةُ بِقَدْرِ ثُلُثِ مَالِهِ فَيَتَخَيَّرُ حِينَ لَمْ يَسْلَمْ لَهُ شَرْطُ عَقْدِهِ، فَإِنْ شَاءَ نَقَضَ السَّلَمَ وَرَجَعَ عَلَى الْوَرَثَةِ بِدَرَاهِمِهِ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ نِصْفَ الْكُرِّ، وَكَانَ لِلْوَرَثَةِ نِصْفُ الْكُرِّ، فَيَكُونُ السَّالِمُ لِرَبِّ السَّلَمِ نِصْفَ كُرٍّ قِيمَتُهُ عِشْرُونَ دِرْهَمًا: عَشَرَةٌ مِنْهَا بِالْعَشَرَةِ الَّتِي أَسْلَمَهَا وَعَشَرَةٌ بِالْمُحَابَاةِ، وَهِيَ ثُلُثُ مَا تَرَكَ الْمَيِّتُ وَيَسْلَمُ لِلْوَرَثَةِ نِصْفُ كُرٍّ قِيمَتُهُ عِشْرُونَ، وَذَلِكَ ثُلُثَا تَرِكَةِ الْمَيِّتِ.
وَذَكَرَ الْحَاكِمُ فِي الْمُخْتَصَرِ إنْ شَاءَ أَخَذَ الْكُرَّ وَأَعْطَى الْوَرَثَةَ عِشْرِينَ دِرْهَمًا، وَإِنَّمَا أَرَادَ بِهِ أَنْ يَرُدَّ مِنْ الْمُحَابَاةِ مَا جَاوَزَ الثُّلُثَ بِطَرِيقِ الزِّيَادَةِ فِي رَأْسِ الْمَالِ عَلَى قِيَاسِ بَيْعِ الْعَيْنِ، وَهَذَا غَلَطٌ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ فِي رَأْسِ الْمَالِ بَعْدَ مَوْتِ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ لَا تَجُوزُ، فَإِنَّهُ لَوْ لَمْ يَقْبِضْ رَأْسَ الْمَالِ حَتَّى مَاتَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ، لَمْ يَجُزْ قَبْضُهُ بَعْدَ الْمَوْتِ فَلَمْ تَثْبُتْ الزِّيَادَةُ الَّتِي الْتَحَقَتْ بِأَصْلِ الْعَقْدِ، وَإِنَّمَا قُبِضَتْ بَعْدَ مَوْتِ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ، فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ يَسْتَقِيمُ الْقَوْلُ بِسَلَامَةِ نِصْفِ الْكُرِّ لِلْوَرَثَةِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَجِبَ عَلَيْهِمْ رَدُّ شَيْءٍ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ؛ لِأَنَّ سَلَامَةَ نِصْفِ الْكُرِّ لَهُمْ لَا يَكُونُ إلَّا بِطَرِيقِ انْتِقَاضِ الْعَقْدِ فِي نِصْفِ الْكُرِّ، وَانْتِقَاضُ الْعَقْدِ فِي نِصْفِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ لَا تَجُوزُ بِغَيْرِ بَدَلٍ قُلْنَا: إنَّمَا يَسْلَمُ لِلْوَرَثَةِ نِصْفُ الْكُرِّ بِطَرِيقِ الْحَطِّ، وَهُوَ أَنَّ رَبَّ السَّلَمِ حِينَ اخْتَارَ إمْضَاءَ الْعَقْدِ فَكَأَنَّهُ حَطَّ نِصْفَ الْكُرِّ، قَدْ بَيَّنَّا فِي جَانِبِ رَأْسِ الْمَالِ أَنَّهُ يَرُدَّ بَعْضَ رَأْسِ الْمَالِ عَلَى وَرَثَةِ رَبِّ السَّلَمِ بِطَرِيقِ الْحَطِّ، وَكَمَا يَجُوزُ الْحَطُّ فِي رَأْسِ الْمَالِ يَجُوزُ فِي الْمُسْلَمِ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْإِبْرَاءَ عَنْ الْمُسْلَمِ فِيهِ قَبْلَ الْقَبْضِ صَحِيحٌ، فَحَطُّ بَعْضِهِ يَجُوزُ أَيْضًا، فَإِنْ كَانَ عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ مُحِيطٌ بِتَرِكَتِهِ لَمْ تَجُزْ الْمُحَابَاةُ؛ لِأَنَّهَا وَصِيَّةٌ وَيُحَاصُّ رَبُّ السَّلَمِ الْغُرَمَاءَ بِرَأْسِ مَالِهِ فِي التَّرِكَةِ؛ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ تَسْلِيمُ الْكُرِّ لِمَكَانِ حَقِّ الْغُرَمَاءِ، فَيَجِبُ رَدُّ رَأْسِ الْمَالِ، وَقَدْ اسْتَهْلَكَهُ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ، فَيَكُونُ دَيْنًا عَلَيْهِ كَسَائِرِ الدُّيُونِ؛ فَلِهَذَا يَتَحَاصُّونَ فِي التَّرِكَةِ بِقَدْرِ دُيُونِهِمْ، فَإِنْ كَانَ رَبُّ السَّلَمِ قَدْ أَخَذَ مِنْهُ رَهْنًا بِالسَّلَمِ، وَعَلَى ذَلِكَ بَيِّنَةٌ، ثُمَّ مَاتَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرُ الرَّهْنِ، وَعَلَيْهِ دُيُونٌ اسْتَوْفَى رَبُّ السَّلَمِ رَأْسَ الْمَالِ مِنْ الرَّهْنِ وَرَدَّ مَا بَقِيَ عَلَى الْغُرَمَاءِ؛ لِأَنَّ تَعَلُّقَ حَقِّ السَّلَمِ بِالرَّهْنِ أَسْبَقُ مِنْ تَعَلُّقِ حَقِّ سَائِرِ الْغُرَمَاءِ فَيَسْتَوْفِي رَأْسَ مَالِهِ وَيَرُدُّ مَا بَقِيَ عَلَى الْغُرَمَاءِ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْوَصِيَّةِ.
وَإِذَا أَسْلَمَ الرَّجُلُ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ إلَى مَرِيضٍ فِي كُرٍّ قِيمَتُهُ مِائَةٌ، وَقَبَضَ الدَّرَاهِمَ فَاسْتَهْلَكَهَا، ثُمَّ مَاتَ، وَقَدْ أَوْصَى الرَّجُلُ بِثُلُثِ مَالِهِ وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرُ الْكُرِّ، فَإِنْ شَاءَ صَاحِبُ السَّلَمِ نَقَضَ السَّلَمَ وَأَخَذَ دَرَاهِمَهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْلَمْ لَهُ شَرْطُ عَقْدِهِ، وَإِذَا نَقَضَ الْعَقْدَ بَطَلَتْ وَصِيَّتُهُ بِالْمُحَابَاةِ، فَيَجُوزُ لِلْآخَرِ وَصِيَّتُهُ فِي ثُلُثِ مَالِ الْمَيِّتِ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ خُمْسَيْ الْكُرِّ وَأَعْطَى الْوَرَثَةَ مِنْهُ ثَلَاثَةَ أَخْمَاسِهِ بِطَرِيقِ الْحَطِّ، فَيُسْلِمُ لَهُ خُمُسَيْ كُرٍّ قِيمَتُهُ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ، فَالْوَصِيَّةُ لَهُ مِنْ ذَلِكَ ثَلَاثُونَ وَيَسْلَمُ لِلْوَرَثَةِ ثَلَاثَةُ أَخْمَاسِ الْكُرِّ وَقِيمَتُهُ سِتُّونَ دِرْهَمًا، فَيَسْتَقِيمُ الثُّلُثُ وَالثُّلُثَانِ.
وَالْحَاكِمُ رَحِمَهُ اللَّهُ يَقُولُ: إنْ شَاءَ أَخَذَ الْكُرَّ وَأَعْطَى الْوَرَثَةَ سِتِّينَ دِرْهَمًا وَهَذَا غَلَطٌ؛ لِمَا بَيَّنَّا، وَلَا شَيْءَ لِصَاحِبِ الْوَصِيَّةِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ الْمُحَابَاةَ عَلَى أَصْلِهِ مُقَدَّمَةٌ عَلَى سَائِرِ الْوَصَايَا، وَالْمُحَابَاةُ هُنَا بِقَدْرِ سَبْعِينَ فَهُوَ أَكْثَرُ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ، فَإِنَّمَا يَسْلَمُ الثُّلُثُ لِصَاحِبِ الْمُحَابَاةِ، وَلَا شَيْءَ لِلْآخَرِ، وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ يَتَحَاصَّانِ فِي الثُّلُثِ فَيَضْرِبُ صَاحِبُ الْمُحَابَاةِ بِجَمِيعِ الْمَالِ، وَصَاحِبُ الثُّلُثِ بِالثُّلُثِ، فَيَصِيرُ الثُّلُثُ بَيْنَهُمْ عَلَى أَرْبَعَةٍ وَالثُّلُثَانِ ثَمَانِيَةً، فَإِذَا اخْتَارَ رَبُّ السَّلَمِ إمْضَاءَ الْعَقْدِ كَانَ لَهُ مِنْ الْكُرّ قَدْرُ اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَنِصْفٍ وَرَدَّ عَلَى الْوَرَثَةِ قَدْرَ سَبْعَةٍ وَسِتِّينَ وَنِصْفٍ مِنْ الْكُرِّ بِطَرِيقِ الْحَطِّ، فَيَكُونُ لِصَاحِبِ الْوَصِيَّةِ مِنْ ذَلِكَ سَبْعَةٌ وَنِصْفٌ، وَهُوَ رُبْعُ ثُلُثِ مَا تَرَكَ الْمَيِّتُ؛ لِأَنَّ التَّرِكَةَ بِقَدْرِ سَبْعِينَ، فَمِقْدَارُ الْعَشَرَةِ مِنْ الْكُرِّ مُسْتَحَقٌّ بِعِوَضِهِ، وَهُوَ رَأْسُ الْمَالِ؛ وَلِهَذَا قُلْنَا:
إنَّ صَاحِبَ الْمُحَابَاةِ يَضْرِبُ بِجَمِيعِ الْمَالِ؛ لِأَنَّ جَمِيعَ ذَلِكَ مُحَابَاةٌ لَهُ وَيَسْلَمُ لِلْوَرَثَةِ مَا يُسَاوِي سِتِّينَ وَذَلِكَ ثُلُثَا التَّرِكَةِ، وَلِرَبِّ السَّلَمِ مِنْ الْكُرِّ مَا يُسَاوِي اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَنِصْفَ: عَشَرَةٌ مِنْهَا بِإِزَاءِ دَرَاهِمِهِ وَاثْنَانِ وَعِشْرُونَ وَنِصْفٌ مُحَابَاةً، وَهِيَ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ ثُلُثِ التَّرِكَةِ، فَإِنْ كَانَ لَهُ عَبْدٌ فَأَعْتَقَهُ فِي مَرَضِهِ، فَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ الْعِتْقُ أَوْلَى وَيَرْجِعُ صَاحِبُ السَّلَمِ بِرَأْسِ مَالِهِ، وَلَا شَيْءَ لَهُ غَيْرُ ذَلِكَ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ: إنْ بَدَأَ بِالْمُحَابَاةِ فَهِيَ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الْعِتْقِ، وَإِنْ بَدَأَ بِالْعِتْقِ فَهُوَ وَالْمُحَابَاةُ سَوَاءٌ، قَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي الْعَيْنِ وَالدَّيْنِ.
وَإِذَا اشْتَرَى الرَّجُلُ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ كُرَّ حِنْطَةٍ قِيمَتُهُ ثَلَاثُونَ دِرْهَمًا مِنْ مَرِيضٍ، ثُمَّ مَاتَ الْبَائِعُ وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرُ الْكُرِّ، قَدْ بَاعَهُ مِنْ إنْسَانٍ آخَرَ بِعَشَرَةٍ أَيْضًا، فَالْأَوَّلُ أَوْلَى بِالْبَيْعِ، وَالْمُحَابَاةُ لَهُ دُونَ الْآخَرِ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ بِالْمُحَابَاةِ فِي ضِمْنِ الْبَيْعِ، وَالْبَيْعُ مِنْ الثَّانِي بَاطِلٌ، فَإِنْ كَانَ لَهُ كُرٌّ آخَرُ فَبَاعَهُ فِي مَرَضِهِ مِنْ إنْسَانٍ آخَرَ وَحَابَاهُ فِيهِ، ثُمَّ مَاتَ تَحَاصَّا فِي الثُّلُثِ فَمَا أَصَابَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَانَ فِي الْكُرِّ الَّذِي اشْتَرَى وَيَرُدُّونَ مَا بَقِيَ مِنْ قِيمَةِ الْكُرَّيْنِ دَرَاهِمَ عَلَى الْوَرَثَةِ؛ لِأَنَّ فِي بَيْعِ الْعَيْنِ يُمْكِنُ إزَالَةُ الْمُحَابَاةِ بِالزِّيَادَةِ فِي الثَّمَنِ بَعْدَ مَوْتِ الْبَائِعِ، فَإِنْ قَبَضَ الثَّمَنَ قَبْلَ مَوْتِهِ لَيْسَ بِشَرْطٍ بِخِلَافِ السَّلَمِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.