فصل: بابُ ضمانِ الْمُضَاربِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المبسوط



.بابُ ضمانِ الْمُضَاربِ:

(قَالَ- رَحِمَهُ اللَّهُ-): رَجُلٌ دَفَعَ إلَى رَجُلٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ مُضَارَبَةً بِالنِّصْفِ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَعْمَلَ فِيهِ بِرَأْيِهِ، أَوْ لَمْ يَأْمُرْهُ فَعَمِلَ فَرَبِحَ أَلْفَ دِرْهَمٍ، ثُمَّ إنَّهُ دَفَعَ إلَيْهِ أَلْفَ دِرْهَمٍ مُضَارَبَةً بِالنِّصْفِ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَعْمَلَ فِيهَا بِرَأْيِهِ، أَوْ لَمْ يَأْمُرْهُ فَخَلَطَ هَذِهِ الْأَلْفَ الْأَخِيرَةَ بِالْأَلْفِ الْأُولَى، ثُمَّ عَمِلَ بِالْمَالِ كُلِّهِ فَرَبِحَ أَلْفًا، فَإِنْ كَانَ لَمْ يَأْمُرْهُ أَنْ يَعْمَلَ فِي الْأَخِيرَةِ بِرَأْيِهِ فَالْمُضَارِبُ ضَامِنٌ لِلْأَلْفِ الْأَخِيرَةِ بِالْخَلْطِ؛ لِأَنَّ لَهُ فِي الْمَالِ مِنْ الرِّبْحِ خَمْسَمِائَةٍ، فَهَذَا مِنْهُ خَلْطُ مَالِ الْمُضَارَبَةِ بِمَالِ نَفْسِهِ، وَذَلِكَ مُوجِبٌ لِلضَّمَانِ عَلَيْهِ فِي الْمُضَارَبَةِ الْمُطْلَقَةِ، فَإِنْ كَانَ رَبِحَ بَعْدَ هَذَا الْخَلْطِ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَثُلُثُ ذَلِكَ حِصَّةُ الْأَلْفِ الْأَخِيرَةِ، وَقَدْ ضَمِنَهَا الْمُضَارِبُ، فَيَكُونُ رِبْحُهَا لَهُ، فَيَأْخُذُ مِنْ الْمَالِ هَذِهِ الْأَلْفَ، وَرِبْحُهَا ثَلَثُمِائَةٍ وَثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ وَثُلُثٌ، وَمَا بَقِيَ مِنْ الْمَالِ فَهُوَ عَلَى الْمُضَارَبَةِ الْأُولَى بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ فِي حَقِّ الْمُضَارَبَةِ الْأُولَى إنَّمَا خَلَطَ رَبُّ الْمَالِ بِمَالِهِ، وَذَلِكَ لَا يُوجِبُ الضَّمَانَ عَلَيْهِ.
وَلَوْ ضَاعَ الْمَالُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ لَمْ يَضْمَنْ الْمُضَارِبُ إلَّا الْأَلْفَ الْأَخِيرَةَ؛ لِأَنَّ سَبَبَ الضَّمَانِ وَهُوَ الْخَلْطُ بِمَالِ نَفْسِهِ إنَّمَا وُجِدَ فِيهَا خَاصَّةً.
وَلَوْ كَانَ أَمَرَهُ فِي الْمُضَارَبَةِ الثَّانِيَةِ أَنْ يَعْمَلَ فِيهَا بِرَأْيِهِ، وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِذَلِكَ فِي الْأُولَى، أَوْ أَمَرَهُ وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَالْمَالُ كُلُّهُ مُضَارَبَةً عَلَى مَا اشْتَرَطَا؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ فِي الْمُضَارَبَةِ الْأَخِيرَةِ مُفَوَّضٌ إلَى رَأْيِهِ عَلَى الْعُمُومِ، فَلَا يَصِيرُ ضَامِنًا لَهَا بِالْخَلْطِ، وَفِي الْمُضَارَبَةِ الْأُولَى إنَّمَا خَلَطَ مَالَ رَبِّ الْمَالِ بِمَالِهِ، وَذَلِكَ غَيْرُ مُوجِبٍ لِلضَّمَانِ عَلَيْهِ؛ فَلِهَذَا كَانَ الْمَالُ كُلُّهُ مُضَارَبَةً فِي يَدِهِ عَلَى مَا اشْتَرَطَا.
وَلَوْ لَمْ يَأْمُرْهُ أَنْ يَعْمَلَ فِي وَاحِدٍ مِنْ الْمَالَيْنِ بِرَأْيِهِ فَخَلَطَهُمَا قَبْلَ أَنْ يَرْبَحَ فِي وَاحِدٍ مِنْهُمَا شَيْئًا فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا خَلَطَ مَالَ رَبِّ الْمَالِ بِمَالِهِ، وَذَلِكَ لَيْسَ بِسَبَبٍ مُوجِبٍ لِلضَّمَانِ عَلَيْهِ فِي الْمُضَارَبَةِ الْمُطْلَقَةِ.
وَلَوْ كَانَ رَبِحَ فِي كُلِّ وَاحِدٍ رِبْحًا، ثُمَّ خَلَطَهُمَا ضَمِنَهُمَا جَمِيعًا مَعَ حِصَّةِ رَبِّ الْمَالِ مِنْ الرِّبْحِ الَّذِي كَانَ قَبْلَ الْخَلْطِ؛ لِأَنَّ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمَالَيْنِ وُجِدَ سَبَبُ وُجُوبِ الضَّمَانِ وَهُوَ خَلْطُ مِلْكِ رَبِّ الْمَالِ بِمِلْكِ نَفْسِهِ، وَذَلِكَ حِصَّتُهُ مِنْ الرِّبْحِ فِي كُلِّ مَالٍ، وَمَا رَبِحَ فِيهِمَا بَعْدَ مَا خَلَطَهُمَا فَهُوَ لِلْمُضَارِبِ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ الْمَالَيْنِ بِالضَّمَانِ، فَمَا رَبِحَ عَلَيْهِمَا بَعْدَ ذَلِكَ يَكُونُ لَهُ، وَيَتَصَدَّقُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ حَصَلَ لَهُ ذَلِكَ بِسَبَبٍ حَرَامٍ إلَّا حِصَّةَ رِبْحِهِ قَبْلَ أَنْ يَخْلِطَهَا فَإِنَّهَا حَلَالٌ لَهُ، لِأَنَّ ذَلِكَ حَصَلَ لَهُ بِسَبَبٍ لَا حِنْثَ فِيهِ، وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ لَا يَتَصَدَّقُ بِشَيْءٍ مِنْ الرِّبْحِ؛ لِأَنَّهُ حَصَلَ عَلَى ضَمَانِهِ، وَأَصْلُ الْخِلَافِ فِي الْمُودِعِ إذَا تَصَرَّفَ فِي الْوَدِيعَةِ وَرَبِحَ، وَإِذَا كَانَ أَمَرَهُ فِيهِمَا جَمِيعًا أَنْ يَعْمَلَ بِرَأْيِهِ كَانَ ذَلِكَ كُلُّهُ مُضَارَبَةً بَيْنَهُمَا عَلَى الشَّرْطِ؛ لِوُجُودِ تَفْوِيضِ الْأَمْرِ إلَى رَأْيِهِ فِي الْمُضَارَبَتَيْنِ عَلَى الْعُمُومِ، وَالْجَوَابُ فِي الْمُضَارِبَيْنِ إذَا خَلَطَا الْمَالَيْنِ قَبْلَ أَنْ يَرْبَحَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا شَيْئًا، أَوْ بَعْدَ مَا رَبِحَ أَحَدُهُمَا فِي مُضَارَبَتِهِ شَيْئًا، نَحْوُ الْجَوَابِ فِي الْمُضَارِبِ الْوَاحِدِ لِاسْتِوَاءِ الْفَصْلَيْنِ فِي الْمَعْنَى الَّذِي أَشَرْنَا إلَيْهِ.
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(قَالَ- رَحِمَهُ اللَّهُ-): وَإِذَا دَفَعَ الرَّجُلُ إلَى الرَّجُلِ أَلْفَ دِرْهَمٍ مُضَارَبَةً بِالنِّصْفِ، وَدَفَعَ إلَى آخَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ مُضَارَبَةً بِالنِّصْفِ، فَاشْتَرَى أَحَدُهُمَا عَبْدًا بِخَمْسِمِائَةٍ مِنْ الْمُضَارَبَةِ، فَبَاعَهُ مِنْ الْمُضَارِبِ الْآخَرِ بِجَمِيعِ الْأَلْفِ: الْمُضَارَبَةِ فَهُوَ جَائِزٌ وَإِنْ كَانَ الْمَالَانِ لِوَاحِدٍ؛ لِأَنَّ هَذَا الْبَيْعَ مُفِيدٌ، فَإِنَّهُ يَدْخُلُ فِي مُضَارَبَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا لَمْ يَكُنْ فِيهَا، وَلِلْمُشْتَرِي أَنْ يَبِيعَهُ مُسَاوَمَةً كَيْفَ شَاءَ، وَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَبِيعَهُ مُرَابَحَةً بَاعَهُ عَلَى أَقَلِّ الثَّمَنَيْنِ، وَهُوَ خَمْسُمِائَةٍ الَّتِي اشْتَرَاهُ بِهَا الْمُضَارِبُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ مَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ لَمْ يَتِمَّ خُرُوجُهُ مِنْ مِلْكِ رَبِّ الْمَالِ، فَإِنَّ مَا فِي يَدِ الْمُضَارِبِ الْأَوَّلِ، وَمَا فِي يَدِ الْمُضَارِبِ الْآخَرِ كُلُّهُ مِلْكُ رَبِّ الْمَالِ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَامِلٌ لَهُ، فَإِنَّمَا يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً عَلَى مَا يَتَيَقَّنُ بِخُرُوجِهِ مِنْ مِلْكِهِ وَهُوَ الْخَمْسُمِائَةِ الَّتِي دَفَعَهَا الْأَوَّلُ إلَى الْبَائِعِ.
وَلَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي اشْتَرَى الْعَبْدَ بِأَلْفِ الْمُضَارَبَةِ، وَبِأَلْفٍ مِنْ مَالِهِ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَبِيعَهُ مُرَابَحَةً بَاعَهُ عَلَى أَلْفٍ وَمِائَتَيْنِ وَخَمْسِينَ؛ لِأَنَّهُ اشْتَرَى نِصْفَهُ لِنَفْسِهِ بِأَلْفٍ مِنْ مَالِهِ فَيَبِيعُهُ عَلَى ذَلِكَ مُرَابَحَةً، وَيَشْتَرِي النِّصْفَ الْآخَرَ لِلْمُضَارَبَةِ، فَإِنَّمَا يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً عَلَى أَقَلِّ الثَّمَنَيْنِ فِيهِ، وَثَمَنُ هَذَا النِّصْفِ فِي الْعَقْدِ الْأَوَّلِ كَانَ مِائَتَيْنِ وَخَمْسِينَ، فَيَبِيعُ الْعَبْدَ كُلَّهُ مُرَابَحَةً عَلَى أَلْفٍ وَمِائَتَيْنِ وَخَمْسِينَ، فَإِنْ بَيَّنَ الْأَمْرَ عَلَى وَجْهِهِ بَاعَهُ مُرَابَحَةً عَلَى الْأَلْفَيْنِ؛ لِأَنَّ تُهْمَةَ الْجِنَايَةِ تَنْعَدِمُ بِبَيَانِ الْأَمْرِ عَلَى وَجْهِهِ.
وَلَوْ دَفَعَ أَلْفَ دِرْهَمٍ إلَى رَجُلٍ مُضَارَبَةً بِالنِّصْفِ، وَدَفَعَ إلَى آخَرَ أَلْفَيْ دِرْهَمٍ مُضَارَبَةً بِالنِّصْفِ فَاشْتَرَى الْمَدْفُوعُ إلَيْهِ الْأَلْفَ عَبْدًا بِهَا، وَبَاعَهُ مِنْ آخَرَ بِأَلْفَيْ دِرْهَمِ الْمُضَارَبَةِ؛ فَلِهَذَا كَانَ لِلثَّانِي أَنْ يَبِيعَهُ مُرَابَحَةً عَلَى أَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ؛ لِأَنَّ الْمُضَارِبَ الْأَوَّلَ رَبِحَ أَلْفَ دِرْهَمٍ، حِصَّتُهُ مِنْ ذَلِكَ خَمْسُمِائَةٍ، وَحِصَّةُ رَبِّ الْمَالِ خَمْسُمِائَةٍ، إلَّا أَنَّ حِصَّةَ رَبِّ الْمَالِ مِنْ الرِّبْحِ تُطْرَحُ فِي بَيْعِ الْمُرَابَحَةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ مِلْكِهِ فَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ حِصَّةَ الْمُضَارِبِ الْأَوَّلِ مِنْ الرِّبْحِ، وَالْأَلِفُ الَّتِي غَرِمَهَا الْمُضَارِبُ الْأَوَّلُ فِي ثَمَنِهِ فِيهِ، فَيَبِيعُهُ الْآخَرُ مُرَابَحَةً عَلَى أَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ لِهَذَا.
وَلَوْ كَانَ الْأَوَّلُ اشْتَرَاهُ بِخَمْسِمِائَةٍ مِنْ الْمُضَارَبَةِ، وَبَاعَهُ مِنْ الثَّانِي بِأَلْفَيْ الْمُضَارَبَةِ بَاعَهُ مُرَابَحَةً عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ: خَمْسُمِائَةٍ مِنْهَا رَأْسُ مَالِ الْمُضَارَبَةِ الْأَوَّلِ الَّذِي نَقَدَ فِي الْعَبْدِ، وَخَمْسُمِائَةٍ رِبْحُ الْمُضَارِبِ الْأَوَّلِ، وَقَدْ بَطَلَتْ حِصَّةُ رَبِّ الْمَالِ مِنْ الرِّبْحِ وَهُوَ خَمْسُمِائَةٍ، وَخَمْسُمِائَةٍ أُخْرَى تَمَامُ رَأْسِ مَالِ رَبِّ الْمَالِ مِنْ الْمُضَارَبَةِ الْأُولَى؛ لِأَنَّا قَدْ بَيَّنَّا: أَنَّهُ يُعْتَبَرُ رَأْسُ الْمَالِ فِي كُلِّ جِنْسٍ كَأَنَّهُ لَيْسَ مَعَهُ غَيْرُهُ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّهُ لَوْ هَلَكَتْ الْخَمْسُمِائَةِ الْأُخْرَى كَانَ جَمِيعُ رَأْسِ الْمَالِ مَحْسُوبًا مِنْ هَذَا الثَّمَنِ، بِمِقْدَارِ مَا يَكْمُلُ بِهِ رَأْسُ مَالِ رَبِّ الْمَالِ، وَيُطْرَحُ فِي بَيْعِ الْمُرَابَحَةِ، كَمَا يُطْرَحُ حِصَّةُ رَبِّ الْمَالِ مِنْ الرِّبْح؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ مِلْكِهِ، وَالْمُضَارِبُ الْآخَرُ إنَّمَا اشْتَرَاهُ لِرَبِّ الْمَالِ، وَالْأَوَّلُ كَذَلِكَ بَاعَهُ لِرَبِّ الْمَالِ، وَإِذَا ثَبَتَتْ أَنَّهُ يُطْرَحُ مِنْ الثَّمَنِ الثَّانِي أَلْفُ دِرْهَمٍ بَاعَهُ مُرَابَحَةً عَلَى أَلْفٍ.
وَلَوْ كَانَ الْأَوَّلُ اشْتَرَاهُ بِأَلْفِ الْمُضَارَبَةِ، ثُمَّ بَاعَهُ مِنْ الثَّانِي بِأَلْفَيْ الْمُضَارَبَةِ وَأَلْفٍ مِنْ مَالِهِ؛ فَلَهُ أَنْ يَبِيعَهُ مُرَابَحَةً عَلَى أَلْفَيْنِ وَمِائَةٍ وَسِتَّةٍ وَسِتِّينَ دِرْهَمًا وَثُلُثَيْ دِرْهَمٍ؛ لِأَنَّهُ اشْتَرَى ثُلُثَهُ لِنَفْسِهِ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَيَبِيعُهُ مُرَابَحَةً عَلَى ذَلِكَ، وَاشْتَرَى ثُلُثَيْهِ بِأَلْفَيْ الْمُضَارَبَةِ، وَرَأْسُ مَالِ الْمُضَارَبَةِ الْأُولَى فِيهِ ثُلُثَا الْأَلْفِ، وَرِبْحُ الْمُضَارِبِ الْأَوَّلِ فِيهِ خَمْسُمِائَةٍ، فَإِذَا ضَمَمْت خَمْسَمِائَةٍ إلَى ثُلُثَيْ الْأَلْفِ؛ يَكُونُ أَلْفًا وَمِائَةً وَسِتَّةً وَسِتِّينَ وَثُلُثَيْنِ، وَيَضُمُّ إلَيْهِ الْأَلْفَ الَّتِي هِيَ ثَمَنُ ثُلُثِ الْعَبْدِ، فَيَبِيعُهُ مُرَابَحَةً عَلَى ذَلِكَ وَيُطْرَحُ مَا سِوَاهُ يَعْنِي: حِصَّةَ رَبِّ الْمَالِ مِنْ الرِّبْحِ، وَذَلِكَ خَمْسُمِائَةٍ، وَمَا يَكْمُلُ بِهِ رَأْسُ مَالِهِ فِي الْمُضَارَبَةِ الْأُولَى مِنْ هَذَا الْمَالِ، وَذَلِكَ ثَلَثُمِائَةٍ وَثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ وَثُلُثٌ، فَتَبَيَّنَ أَنَّ الْمَطْرُوحَ مِنْ ثَلَاثَةِ آلَافٍ ثَمَانُمِائَةٍ وَثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ وَثُلُثٌ.
وَلَوْ كَانَ الْمُضَارِبُ الْأَوَّلُ اشْتَرَى الْعَبْدَ بِخَمْسِمِائَةٍ، وَقِيمَتُهُ ثَلَاثَةُ آلَافٍ، وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فَإِنَّ لِلْآخَرِ أَنْ يَبِيعَهُ مُرَابَحَةً عَلَى أَلْفٍ وَثَمَانِمِائَةٍ وَثَلَاثِينَ دِرْهَمًا وَثُلُثٍ؛ لِأَنَّ الْآخَرَ اشْتَرَى ثُلُثَهُ لِنَفْسِهِ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ، وَذَلِكَ مُعْتَبَرٌ كُلُّهُ، وَاشْتَرِي ثُلُثَهُ لِلْمُضَارَبَةِ، وَإِنَّمَا يَعْتَبِرُ فِيهِ حِصَّتَهُ مِنْ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ وَهُوَ ثَلَثُمِائَةٍ وَثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ وَثُلُثٌ، وَحِصَّةُ الْمُضَارِبِ مِنْ الرِّبْحِ وَهُوَ خَمْسُمِائَةٍ، فَإِذَا جَمَعْت ذَلِكَ كَانَ مِقْدَارُهُ مَا بَيَّنَّاهُ، وَيُطْرَحُ حِصَّةُ رَبِّ الْمَالِ مِنْ الرِّبْحِ وَهُوَ خَمْسُمِائَةٍ، وَمَا يَكْمُلُ بِهِ رَأْسُ مَالِهِ فِي الْمُضَارَبَةِ الْأُولَى مِنْ هَذَا الْمَالِ وَهُوَ سِتُّمِائَةٍ وَسِتَّةٌ وَسِتُّونَ وَثُلُثَانِ، فَإِذَا طَرَحْت مِنْ ثَلَاثَةِ آلَافٍ أَلْفًا وَمِائَةً وَسِتَّةً وَسِتِّينَ وَثُلُثَيْنِ يَبْقَى أَلْفٌ وَثَمَانُمِائَةٍ وَثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ وَثُلُثٌ.
وَلَوْ دَفَعَ إلَى رَجُلٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ مُضَارَبَةً بِالنِّصْفِ، ثُمَّ دَفَعَ إلَى آخَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ مُضَارَبَةً بِالنِّصْفِ، فَعَمِلَ الْآخَرُ بِالْمَالِ حَتَّى صَارَتْ أَلْفَيْنِ، ثُمَّ اشْتَرَى الْأَوَّلُ بِأَلْفِ الْمُضَارَبَةِ عَبْدًا فَبَاعَهُ مِنْ الْآخَرِ بِالْأَلْفَيْنِ اللَّتَيْنِ فِي يَدِهِ، وَقِيمَتُهُ أَلْفَا دِرْهَمٍ، فَإِنَّ الثَّانِيَ يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً عَلَى أَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ؛ لِأَنَّ رَأْسَ مَالِ الْأَوَّلِ فِيهِ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَيُعْتَبَرُ ذَلِكَ، وَيُعْتَبَرُ حِصَّةُ الْأَوَّلِ مِنْ الرِّبْحِ وَهُوَ خَمْسُمِائَةٍ، وَتَبْطُلُ حِصَّةُ رَبِّ الْمَالِ مِنْ الرِّبْحِ فِي الْمُضَارَبَةِ الْأُولَى؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ مِلْكِهِ بِالْعَقْدِ الثَّانِي؛ فَلِهَذَا بَاعَهُ الثَّانِي مُرَابَحَةً عَلَى أَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ.
وَلَوْ كَانَ الْأَوَّلُ اشْتَرَاهُ بِخَمْسِمِائَةٍ مِنْ الْمُضَارَبَةِ، وَخَمْسِمِائَةٍ مِنْ مَالِهِ، وَالْمَسْأَلَةُ عَلَى حَالِهَا بَاعَهُ مُرَابَحَةً عَلَى أَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ اشْتَرَى نِصْفَهُ لِنَفْسِهِ بِخَمْسِمِائَةٍ، وَبَاعَهُ مِنْ الثَّانِي بِأَلْفٍ، فَيَبِيعُ ذَلِكَ النِّصْفَ مُرَابَحَةً عَلَى أَلْفٍ، وَاشْتَرَى الْأَوَّلُ النِّصْفَ الْآخَرَ وَبَاعَهُ مِنْ الْآخَرِ بِأَلْفٍ، وَلَا فَضْلَ فِيهِ عَلَى رَأْسِ مَالِ الْمُضَارَبَةِ فِي الْعَقْدِ الْأَوَّلِ، فَإِنَّمَا يَبِيعُ هَذَا النِّصْفَ مُرَابَحَةً عَلَى الثَّمَنِ الْأَوَّلِ، وَهُوَ خَمْسُمِائَةٍ.
وَلَوْ كَانَ الْأَوَّلُ اشْتَرَاهَا بِأَلْفٍ مِنْ عِنْدِهِ، وَخَمْسِمِائَةٍ مِنْ الْمُضَارَبَةِ، وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا؛ بَاعَهُ الْآخَرُ مُرَابَحَةً عَلَى أَلْفٍ وَثَمَانِمِائَةٍ وَثَلَاثَةٍ وَثَلَاثِينَ وَثُلُثٍ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ اشْتَرَى ثُلُثَيْهِ لِنَفْسِهِ، وَبَاعَ ذَلِكَ مِنْ الْآخَرِ بِثُلُثِ الْأَلْفَيْنِ، وَذَلِكَ أَلْفٌ وَثَلَثُمِائَةٍ وَثَلَاثُونَ وَثُلُثٌ، فَيُعْتَبَرُ ذَلِكَ كُلُّهُ، وَأَمَّا الثُّلُثُ الَّذِي اشْتَرَاهُ لِلْمُضَارَبَةِ وَبَاعَهُ مِنْ الْآخَرِ لِلْمُضَارَبَةِ بِمَا لَا فَضْلَ فِيهِ عَلَى رَأْسِ مَالِ الْمُضَارَبَةِ الْأُولَى، فَإِنَّمَا يَبِيعُ هَذَا الثُّلُثَ مُرَابَحَةً عَلَى الثَّمَنِ الْأَوَّلِ، وَهُوَ خَمْسُمِائَةٍ، وَإِذَا ضَمَمْت الْخَمْسَمِائَةِ إلَى الْأَلْفِ وَثَلَثِمِائَةٍ وَثَلَاثَةٍ وَثَلَاثِينَ وَثُلُثٍ؛ كَانَتْ جُمْلَتُهُ أَلْفًا وَثَمَانُمِائَةٍ وَثَلَاثَةٍ وَثَلَاثِينَ وَثُلُثًا.
وَلَوْ كَانَ الْأَوَّلُ اشْتَرَاهُ بِأَلْفِ الْمُضَارَبَةِ وَبِخَمْسِمِائَةٍ مِنْ مَالِهِ؛ فَإِنَّ الْآخَرَ يَبِيعُهُ أَيْضًا مُرَابَحَةً عَلَى أَلْفٍ وَثَمَانِمِائَةٍ وَثَلَاثَةٍ وَثَلَاثِينَ وَثُلُثٍ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ اشْتَرَى لِنَفْسِهِ ثُلُثَهُ، وَبَاعَهُ بِثُلُثِ الْأَلْفَيْنِ فَيُعْتَبَرُ ذَلِكَ، وَاشْتَرَى ثُلُثَهُ لِلْمُضَارَبَةِ، وَبَاعَهُ بِثُلُثَيْ الْأَلْفَيْنِ فَيُعْتَبَرُ مِنْ ذَلِكَ مِقْدَارُ رَأْسِ الْمَالِ، وَهُوَ أَلْفُ دِرْهَمٍ، وَحِصَّةُ الْمُضَارِبِ مِنْ الرِّبْحِ، وَذَلِكَ مِائَةٌ وَسِتَّةٌ وَسِتُّونَ وَثُلُثَانِ، وَيَطْرَحُ حِصَّةَ رَبِّ الْمَالِ مِنْ الرِّبْحِ خَاصَّةً، وَإِذَا طَرَحْت مِنْ الْأَلْفَيْنِ مِائَةً وَسِتَّةً وَسِتِّينَ وَثُلُثَيْنِ؛ كَانَ الْبَاقِي أَلْفًا وَثَمَانِمِائَةٍ وَثَلَاثَةً وَثَلَاثِينَ وَثُلُثًا.
وَلَوْ دَفَعَ إلَى رَجُلٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ مُضَارَبَةً، وَإِلَى آخَرَ أَلْفَيْ دِرْهَمٍ مُضَارَبَةً، فَاشْتَرَى الْأَوَّلُ بِأَلْفٍ عَبْدًا مِنْ مَالِهِ وَبِخَمْسِمِائَةٍ مِنْ الْمُضَارَبَةِ، ثُمَّ بَاعَهُ مِنْ الْآخَرِ بِثَلَاثَةٍ مِنْ مَالِهِ وَأَلْفَيْ الْمُضَارَبَةِ، فَإِنَّ الْآخَرَ يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً عَلَى أَلْفَيْنِ وَسِتِّمِائَةٍ وَسِتَّةٍ وَسِتِّينَ دِرْهَمًا وَثُلُثَيْ دِرْهَمٍ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ اشْتَرَى ثُلُثَيْ الْعَبْدِ لِنَفْسِهِ، وَبَاعَهُ مِنْ الْآخَرِ بِأَلْفَيْ دِرْهَمٍ فَيُعْتَبَرُ جَمِيعُ ذَلِكَ، وَاشْتَرَى ثُلُثَهُ لِلْمُضَارَبَةِ، ثُمَّ إنَّ الْآخَرَ اشْتَرَى مِنْهُ ثُلُثَ هَذَا الثُّلُثِ لِنَفْسِهِ بِثَلَثِمِائَةٍ وَثَلَاثَةٍ وَثَلَاثِينَ وَثُلُثٍ، لَا يُنْتَقَصُ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ وَاشْتَرَى ثُلُثَيْ هَذَا الثُّلُثِ مِنْهُ لِلْمُضَارَبَةِ، فَيُعْتَبَرُ فِيهِ حِصَّةٌ مِنْ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ، وَذَلِكَ ثُلُثُ الْأَلْفِ ثَلَثُمِائَةٍ وَثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ وَثُلُثٌ هَذَا هُوَ الْمُعْتَبَرُ فِيهِ وَيَطْرَحُ مَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ فَإِنْ جَمَعْتَ ذَلِكَ كُلَّهُ كَانَ أَلْفَيْ دِرْهَمٍ وَسِتَّمِائَةٍ وَسِتَّةً وَسِتِّينَ وَثُلُثَيْنِ فَيَبِيعُهُ مُرَابَحَةً عَلَى ذَلِكَ، وَحَاصِلُ مَا طَرَحَ ثَلَثُمِائَةٍ وَثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ وَثُلُثٌ، وَذَلِكَ رِبْحُ ثُلُثَيْ هَذَا الثُّلُثِ؛ لِأَنَّهُ مَشْغُولٌ بِرَأْسِ الْمَالِ كُلِّهِ، وَلَمْ يَخْرُجْ مِنْ مِلْكِ رَبِّ الْمَالِ بِالْعَقْدِ الثَّانِي.
وَلَوْ كَانَ الْأَوَّلُ اشْتَرَى الْعَبْدَ وَقِيمَتُهُ خَمْسَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ بِأَلْفِ الْمُضَارَبَةِ، وَبِخَمْسِمِائَةٍ مِنْ مَالِهِ وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا، بَاعَهُ الثَّانِي مُرَابَحَةً عَلَى أَلْفَيْنِ وَخَمْسِمِائَةٍ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ اشْتَرَى ثُلُثَ الْعَبْدِ لِنَفْسِهِ، وَبَاعَهُ مِنْ الثَّانِي بِأَلْفٍ فَيَبِيعُهُ مُرَابَحَةً عَلَى ذَلِكَ، فَاشْتَرَى الثُّلُثَيْنِ لِلْمُضَارَبَةِ، ثُمَّ إنَّ الْمُضَارِبَ الْآخَرَ اشْتَرَى مِنْهُ ثُلُثَ الثُّلُثَيْنِ لِنَفْسِهِ بِسِتِّمِائَةٍ وَسِتَّةٍ وَسِتِّينَ وَثُلُثَيْنِ، فَلَا يُنْقَصُ مِنْهُ شَيْءٌ، وَاشْتَرَى مِنْهُ ثُلُثَ الثُّلُثَيْنِ لِلْمُضَارَبَةِ بِأَلْفٍ وَثَلَاثِمِائَةٍ وَثَلَاثَةٍ وَثَلَاثِينَ وَثُلُثٍ، فَالْمُعْتَبَرُ مِنْ ذَلِكَ رَأْسُ الْمَالِ فِي الْعَقْدِ الْأَوَّلِ، وَذَلِكَ سِتُّمِائَةٍ وَسِتَّةٌ وَسِتُّونَ وَثُلُثَانِ، وَحِصَّةُ الْمُضَارِبِ الْأَوَّلِ مِنْ الرِّبْحِ وَهُوَ: مِائَةٌ وَسِتَّةٌ وَسِتُّونَ وَثُلُثَانِ، فَإِذَا جَمَعْت ذَلِكَ كُلَّهُ كَانَ أَلْفَيْنِ وَخَمْسَمِائَةٍ، وَالْمَطْرُوحُ مِنْ ذَلِكَ حِصَّةُ رَبِّ الْمَالِ مِنْ الرِّبْحِ وَهُوَ: مِائَةٌ وَسِتَّةٌ وَسِتُّونَ وَثُلُثَانِ، وَمَا يَكْمُلُ بِهِ رَأْسُ الْمَالِ فِي الْمُضَارَبَةِ الْأُولَى، وَذَلِكَ ثَلَثُمِائَةٍ وَثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ وَثُلُثٌ.
وَإِذَا دَفَعَ إلَى رَجُلٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ مُضَارَبَةً بِالنِّصْفِ، وَدَفَعَ إلَى آخَرَ أَلْفَيْ دِرْهَمٍ مُضَارَبَةً بِالنِّصْفِ، فَاشْتَرَى الْأَوَّلُ جَارِيَةً بِأَلْفٍ مِنْ مَالِهِ، وَخَمْسِمِائَةٍ مِنْ الْمُضَارَبَةِ، وَبَاعَهَا مِنْ الْآخَرِ بِثَلَاثَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ: أَلْفٌ مِنْ الْمُضَارَبَةِ، وَأَلْفَيْنِ مِنْ مَالِهِ؛ فَإِنَّهُ يَبِيعُهَا مُرَابَحَةً عَلَى أَلْفَيْنِ وَثَمَانِمِائَةٍ وَثَلَاثَةٍ وَثَلَاثِينَ وَثُلُثٍ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ اشْتَرَى ثُلُثَيْهَا لِنَفْسِهِ، وَبَاعَ ذَلِكَ مِنْ الثَّانِي بِأَلْفَيْ دِرْهَمٍ فَيُعْتَبَرُ ذَلِكَ كُلُّهُ، وَاشْتَرَى ثُلُثَهَا لِلْمُضَارَبَةِ، ثُمَّ بَاعَ ثُلُثَيْ هَذَا الثُّلُثِ مِنْ الثَّانِي، وَاشْتَرَى الثَّانِي لِنَفْسِهِ بِسِتِّمِائَةٍ وَسِتَّةٍ وَسِتِّينَ وَثُلُثَيْنِ، فَيُعْتَبَرُ ذَلِكَ أَيْضًا، وَاشْتَرَى ثُلُثُ هَذَا الثُّلُثِ لِلْمُضَارَبَةِ فَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ حِصَّةُ هَذَا الْجُزْءِ مِنْ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ، وَذَلِكَ مِائَةٌ وَسِتَّةٌ وَسِتُّونَ وَثُلُثَانِ، فَإِذَا جَمَعْت هَذَا كُلَّهُ كَانَ أَلْفَيْنِ وَثَمَانِمِائَةٍ وَثَلَاثَةٍ وَثَلَاثِينَ وَثُلُثًا، فَإِذَا قَبَضَ الثَّمَنَ أَخَذَ لِنَفْسِهِ مِنْ الثَّمَنِ حِصَّتَهُ: أَلْفَ دِرْهَمٍ، وَكَانَ مَا بَقِيَ مِنْ الْمُضَارَبَةِ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ فِي بَيْعِ الْمُرَابَحَةِ مَقْسُومٌ عَلَى الثَّمَنِ الْأَوَّلِ، وَثُلُثُ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ كَانَ مِنْ مَالِ الْمُضَارِبِ الْآخَرِ.
فَإِنْ كَانَ الثَّمَنُ الَّذِي بَاعَهَا بِهِ أَرْبَعَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ؛ كَانَ لَهُ خَاصَّةً مِنْ ذَلِكَ اثْنَا عَشَرَ جُزْءًا، وَالْبَاقِي يَكُونُ مِنْ الْمُضَارَبَةِ؛ لِأَنَّ مِقْدَارَ الْأَلْفَيْنِ مِنْ مَالِهِ، وَثَمَانُمِائَةٍ وَثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ وَثُلُثٌ مَالُ الْمُضَارَبَةِ، فَالسَّبِيلُ أَنْ يَجْعَلَ كُلَّ مِائَةٍ وَسِتَّةٍ وَسِتِّينَ وَثُلُثَيْنِ وَسَهْمٍ، فَصَارَ الْأَلْفَانِ اثْنَيْ عَشَرَ وَثَمَانِمِائَةٍ وَثَلَاثَةً وَثَلَاثِينَ وَثُلُثَا خَمْسِمِائَةٍ، فَتَكُونُ الْجُمْلَةُ سَبْعَةَ عَشَرَ سَهْمًا، لِلْمُضَارَبَةِ مِنْ ذَلِكَ خَمْسَةٌ، وَلِلْمُضَارِبِ الْآخَرِ اثْنَا عَشَرَ فَعَلَى ذَلِكَ يُقَسَّمُ الْأَرْبَعَةُ آلَافٍ.
وَلَوْ دَفَعَ إلَى رَجُلٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ مُضَارَبَةً بِالنِّصْفِ، وَدَفَعَ آخَرُ أَلْفَيْ دِرْهَمٍ مُضَارَبَةً بِالنِّصْفِ، فَاشْتَرَى الْأَوَّلُ جَارِيَةً بِأَلْفِ الْمُضَارَبَةِ، وَبِخَمْسِمِائَةٍ مِنْ مَالِهِ، وَبَاعَهَا مِنْ الْآخَرِ بِأَلْفِ الْمُضَارَبَةِ وَبِأَلْفَيْنِ مِنْ مَالِهِ فَإِنَّهُ يَبِيعُهَا مُرَابَحَةً عَلَى أَلْفَيْنِ وَثَمَانِمِائَةٍ وَثَلَاثَةٍ وَثَلَاثِينَ وَثُلُثٍ؛ لِأَنَّ الثَّانِيَ اشْتَرَى ثُلُثَ الثُّلُثِ الْبَاقِي لِنَفْسِهِ، وَبَاعَ ذَلِكَ بِثُلُثِ الْأَلْفِ، فَيُعْتَبَرُ ذَلِكَ كُلُّهُ فِي بَيْعِ الْمُرَابَحَةِ، وَالْأَوَّلُ كَانَ اشْتَرَى ثُلُثَ الثُّلُثِ الْبَاقِي لِنَفْسِهِ، وَبَاعَ ذَلِكَ بِثُلُثِ الْأَلْفِ فَيُعْتَبَرُ ذَلِكَ كُلُّهُ أَيْضًا، وَكَانَ اشْتَرَى ثُلُثَيْ الثُّلُثِ لِلْمُضَارَبَةِ، وَبَاعَهَا لِلْمُضَارِبِ بِثُلُثَيْ الْأَلْفِ، وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ مِنْ ذَلِكَ رَأْسُ مَالِ هَذَا الْجُزْءِ وَفِي الْعَقْدِ الْأَوَّلِ وَذَلِكَ ثَلَثُمِائَةٍ وَثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ وَثُلُثٌ، وَحِصَّةُ الْمُضَارِبِ مِنْ الرِّبْحِ وَذَلِكَ مِائَةٌ وَسِتَّةٌ وَسِتُّونَ وَثُلُثَانِ وَيُطْرَحُ حِصَّةُ رَبِّ الْمَالِ مِنْ الرِّبْحِ، وَذَلِكَ مِائَةٌ وَسِتَّةٌ وَسِتُّونَ وَثُلُثَانِ فَيَبِيعُهُ مُرَابَحَةً عَلَى أَلْفَيْنِ وَثَمَانِمِائَةٍ وَثَلَاثَةٍ وَثَلَاثِينَ وَثُلُثٍ بِهَذَا، فَإِذَا قَسَمَ الثَّمَنَ عَلَى سَبْعَةَ عَشَرَ سَهْمًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُضَارِبِ كَمَا بَيَّنَّا فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ.
قَالَ عِيسَى- رَحِمَهُ اللَّهُ-: هَذَا الْجَوَابُ خَطَأٌ، فَإِنَّمَا يَبِيعُهَا مُرَابَحَةً عَلَى أَلْفَيْنِ وَسِتِّمِائَةٍ وَسِتَّةٍ وَسِتِّينَ وَثُلُثٍ؛ لِأَنَّ ثُلُثَ الثُّلُثَيْنِ بَاعَهُ الْأَوَّلُ مِنْ الْمُضَارَبَةِ، وَاشْتَرَاهُ مِنْهُ الثَّانِي لِلْمُضَارَبَةِ أَيْضًا، فَلَا يُعْتَدُّ بِرِبْحِ رَبِّ الْمَالِ فِيهِ، وَذَلِكَ إذَا تَأَمَّلْتَ مِائَةٌ وَسِتَّةٌ وَسِتُّونَ وَثُلُثَانِ، فَتَبَيَّنَ أَنَّ الْمَطْرُوحَ مِنْ ثَلَاثَةِ آلَافٍ: مِائَةٌ وَسِتَّةٌ وَسِتُّونَ وَثُلُثَانِ مَرَّتَيْنِ، فَيَكُونُ الْبَاقِي أَلْفَيْنِ وَسِتَّمِائَةٍ وَسِتِّينَ وَثُلُثَيْنِ، وَقِيلَ: إنَّمَا يَصِحُّ مَا ذَهَب إلَيْهِ عِيسَى- رَحِمَهُ اللَّهُ- أَنْ لَوْ كَانَ مِقْدَارُ ذَلِكَ الثُّلُثِ مِنْ الثُّلُثَيْنِ مُقَرَّرًا فِي مَمْلُوكٍ، أَوْ فِي مَبِيعٍ عَلَى حِدَةٍ، فَأَمَّا إذَا كَانَ فِي جُمْلَةِ مَمْلُوكٍ قَدْ بِيعَ بَيْعًا وَاحِدًا، وَسَائِرُ رَأْسِ الْمَالِ فِيهِ مُجْمَلٌ، فَلَا يَصِحُّ ذَلِكَ وَلَكِنْ يَجِبُ اعْتِبَارُ جَمِيعِ ثَمَنِ الثُّلُثَيْنِ؛ لِأَنَّ الْمُضَارِبَ الْآخَرَ اشْتَرَى الثُّلُثَيْنِ لِنَفْسِهِ بِأَلْفَيْنِ مِنْ مَالِهِ، فَلَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِ جَمِيعِ ذَلِكَ فِي بَيْعِ الْمُرَابَحَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(قَالَ- رَحِمَهُ اللَّهُ-:) وَإِذَا دَفَعَ إلَى رَجُلٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ مُضَارَبَةً بِالنِّصْفِ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَعْمَلَ فِيهَا بِرَأْيِهِ، أَوْ لَمْ يَأْمُرْهُ فَاشْتَرَى بِالْأَلْفِ ابْنُ رَبِّ الْمَالِ فَهُوَ مُشْتَرٍ لِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّ رَبَّ الْمَالِ إنَّمَا أَمَرَهُ بِأَنْ يَشْتَرِيَ بِالْمَالِ مَا يُمْكِنُهُ بَيْعُهُ، فَإِنَّ الْمَقْصُودَ الِاسْتِرْبَاحُ، وَلِهَذَا أَوْجَبَ لَهُ الشَّرِكَةَ فِي الرِّبْحِ، وَذَلِكَ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِالْبَيْعِ بَعْدَ الشِّرَاءِ، فَعَرَفْنَا أَنَّهُ مَأْمُورٌ بِشِرَاءِ مَا يُمْكِنُهُ بَيْعُهُ، وَقَرِيبُ رَبِّ الْمَالِ لَوْ قَالَ جَازَ شِرَاؤُهُ مِنْهُ عَلَى الْمُضَارَبَةِ عَتَقَ وَلَا يُمْكِنُهُ بَيْعُهُ، فَلَمْ يَكُنْ هَذَا مِنْ جُمْلَةِ مَا تَنَاوَلَهُ الْأَمْرُ، كَمَا لَوْ قَالَ: اشْتَرِ لِي جَارِيَةً أَطَؤُهَا فَاشْتَرَى أُخْتَ الْمُوَكِّلِ مِنْ الرَّضَاعِ، أَوْ جَارِيَةً مَجُوسِيَّةً، لَمْ تَلْزَمْ الْآمِرَ لِهَذَا، وَإِذَا لَمْ يَنْفُذْ شِرَاؤُهُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ صَارَ مُشْتَرِيًا لِنَفْسِهِ، وَقَدْ نَقَدَ ثَمَنَهَا مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ فَيُخَيَّرُ رَبُّ الْمَالِ بَيْنَ أَنْ يَسْتَرِدَّ الْمَقْبُوضَ مِنْ الْبَائِعِ وَيَرْجِعَ الْمُضَارِبُ عَلَى الْبَائِعِ بِمِثْلِهِ، وَبَيْنَ أَنْ يَضْمَنَ الْمُضَارِبُ مِثْلَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ قَضَى بِالْمُضَارَبَةِ دَيْنًا عَلَيْهِ.
وَلَوْ كَانَ اشْتَرَى دَيْنَ نَفْسِهِ، وَقِيمَتُهُ أَلْفُ دِرْهَمٍ، أَوْ أَقَلُّ جَازَ عَلَى الْمُضَارَبَةِ وَهُوَ عَبْدٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الْمُضَارِبُ شَيْئًا مِنْهُ، وَلَا رِبْحَ فِيهِ فَهُوَ مُتَمَكِّنٌ مِنْ بَيْعِهِ، فَإِذَا زَادَتْ قِيمَتُهُ عَلَى أَلْفٍ عَتَقَ وَيَسْعَى فِي رَأْسِ الْمَالِ، وَحِصَّةُ رَبِّ الْمَالِ مِنْ الرِّبْحِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا ظَهَرَ فِي قِيمَتِهِ فَضْلٌ عَلَى رَأْسِ الْمَالِ مَلَكَ الْمُضَارِبُ نَصِيبَهُ مِنْ الْفَضْلِ فَيُعْتِقُ ذَلِكَ الْجُزْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَ جُزْءًا مِنْ قَرِيبِهِ، وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْمُضَارِبِ فِيهِ لِرَبِّ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ لَا صُنْعَ لِلْمُضَارِبِ فِي هَذِهِ الزِّيَادَةِ، بَلْ عَتَقَ حُكْمًا وَعَلَيْهِ السِّعَايَةُ فِي رَأْسِ الْمَالِ، وَحِصَّةُ رَبِّ الْمَالِ مِنْ الرِّبْحِ لِتَتْمِيمِ الْعِتْقِ؛ لِأَنَّهُ احْتَبَسَ ذَلِكَ الْقَدْرَ عِنْدَهُ مِنْ مِلْكِ رَبِّ الْمَالِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَسْعَى لَهُ فِي ذَلِكَ.
وَلَوْ كَانَتْ قِيمَتُهُ يَوْمَ اشْتَرَاهُ أَكْثَرَ مِنْ أَلْفِ دِرْهَمٍ كَانَ مُشْتَرِيًا لِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ اشْتَرَى لِلْمُضَارَبَةِ مَالًا يُمْكِنُهُ بَيْعُهُ، فَإِنَّهُ يُعْتَقُ مِنْهُ بِقَدْرِ نَصِيبِهِ مِنْ الرِّبْحِ، كَمَا يَنْفُذُ شِرَاؤُهُ عَلَى الْمُضَارَبَةِ؛ فَلِهَذَا كَانَ مُشْتَرِيًا لِنَفْسِهِ فَيُعْتَقُ عَلَيْهِ، وَلِرَبِّ الْمَالِ الْخِيَارُ فِي تَضْمِينِ مَالِ الْمُضَارَبَةِ أَيَّهمَا شَاءَ، كَمَا بَيَّنَّا.
وَلَوْ كَانَ اشْتَرَى بِالْأَلْفِ عَبْدًا يُسَاوِي أَلْفَيْ دِرْهَمٍ لَا يُعْرَفُ لَهُ نَسَبٌ، فَقَالَ الْمُضَارِبُ لِرَبِّ الْمَالِ: هَذَا ابْنُك، وَقَالَ رَبُّ الْمَالِ: كَذَبْت فَإِنَّ الْغُلَامَ يُعْتَقُ؛ لِأَنَّ الْمُضَارِبَ مَالِكٌ مِقْدَارَ رُبْعٍ مِنْهُ بِحِصَّتِهِ مِنْ الرِّبْحِ، وَقَدْ أَقَرَّ بِفَسَادِ الرِّقِّ فِيهِ حِينَ زَعَمَ أَنَّهُ ابْنُ رَبِّ الْمَالِ فَيُعْتَقُ لِذَلِكَ، وَيَسْعَى الْغُلَامُ فِي جَمِيعِ قِيمَتِهِ بَيْنَهُمَا أَرْبَاعًا: ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهَا لِرَبِّ الْمَالِ.
وَرُبْعُهَا لِلْمُضَارِبِ، فَإِنْ قِيلَ: كَانَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُعْتَقَ؛ لِأَنَّ رَبَّ الْمَالِ يَزْعُمُ أَنَّ الْمُضَارِبَ كَاذِبٌ، وَأَنَّ الْعَبْدَ مَمْلُوكٌ لَهُمَا عَلَى الْمُضَارَبَةِ، وَالْمُضَارِبُ يَزْعُمُ أَنَّهُ مَمْلُوكٌ لَهُ اشْتَرَاهُ لِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ ابْنُ رَبِّ الْمَالِ، قُلْنَا: نَعَمْ وَلَكِنَّ الْعَبْدَ فِي الظَّاهِرِ مُشْتَرًى عَلَى الْمُضَارَبَةِ، وَبِاعْتِبَارِ هَذَا الظَّاهِرِ يَكُونُ الْمُضَارِبُ مُقِرًّا بِفَسَادِ الرِّقِّ فِيهِ، وَرَبُّ الْمَالِ مُقِرٌّ بِصِحَّةِ إقْرَارِ الْمُضَارِبِ فِيهِ بِاعْتِبَارِ نَصِيبِهِ، فَيَكُونُ هَذَا بِمَنْزِلَةِ عَبْدٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَ اثْنَيْنِ، أَحَدُهُمَا مُقِرٌّ عَلَى صَاحِبِهِ بِالْعِتْقِ فِي نَصِيبِهِ.
وَلَوْ قَالَ الْمُضَارِبُ لِرَبِّ الْمَالِ هَذَا ابْنُك، وَقَالَ رَبُّ الْمَالِ بَلْ هَذَا ابْنُك، وَقَالَ صَدَقْت فَهُوَ مَمْلُوكٌ لِلْمُضَارِبِ، أَمَّا إذَا قَالَ صَدَقْت فَقَدْ تَصَادَقَا عَلَى أَنَّ الْمُضَارِبَ اشْتَرَاهُ لِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ ابْنُ رَبِّ الْمَالِ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ اشْتَرَى ابْنَهُ الْمَعْرُوفَ، وَأَمَّا إذَا قَالَ: بَلْ هُوَ ابْنُك فَقَدْ تَصَادَقَا عَلَى أَنَّهُ اشْتَرَاهُ لِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ فِي قِيمَتِهِ فَضْلٌ فَالْمُضَارِبُ يَصِيرُ مُشْتَرِيًا لِنَفْسِهِ، سَوَاءٌ كَانَ ابْنَهُ، أَوْ ابْنَ رَبِّ الْمَالِ، ثُمَّ كَانَ رَبُّ الْمَالِ شَاهِدًا عَلَى الْمُضَارِبِ لِلْعَبْدِ بِالْعِتْقِ وَالنَّسَبِ، وَبِشَهَادَةِ الْفَرْدِ لَا تَتِمُّ الْحُجَّةُ؛ فَلِهَذَا كَانَ مَمْلُوكًا لِلْمُضَارِبِ، وَعَلَى الْمُضَارِبِ أَنْ يَرُدَّ رَأْسَ الْمَالِ عَلَى رَبِّ الْمَالِ، بِخِلَافِ الْأَوَّلِ فَهُنَاكَ الْمُضَارِبُ يَدَّعِي أَنَّهُ اشْتَرَاهُ لِنَفْسِهِ، وَقَدْ كَذَّبَهُ رَبُّ الْمَالِ فِي ذَلِكَ، وَكَانَ الْعَبْدُ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا بِاعْتِبَارِ الظَّاهِرِ؛ فَلِهَذَا يَفْسُدُ الرِّقُّ فِيهِ بِإِقْرَارِ الْمُضَارِبِ.
وَلَوْ دَفَعَ إلَى رَجُلٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ مُضَارَبَةً بِالنِّصْفِ فَاشْتَرَى عَبْدًا يُسَاوِي أَلْفًا، فَقَالَ الْمُضَارِبُ لِرَبِّ الْمَالِ: هُوَ ابْنُك وَكَذَّبَهُ رَبُّ الْمَالِ فَالْعَبْدُ عَلَى حَالِهِ فِي الْمُضَارَبَةِ؛ لِأَنَّ الْمُضَارِبَ لَا يَمْلِكُ شَيْئًا مِنْهُ حِينَ لَمْ يَكُنْ فِي قِيمَتِهِ فَضْلٌ عَلَى رَأْسِ الْمَالِ، فَلَا يَفْسُدُ الرِّقُّ فِيهِ بِإِقْرَارِهِ، وَيَبْقَى عَلَى حَالِهِ فِي الْمُضَارَبَةِ، فَإِنْ لَمْ يَبِعْهُ حَتَّى زَادَ فَصَارَ يُسَاوِي أَلْفَيْ دِرْهَمٍ عَتَقَ لِإِقْرَارِ الْمُضَارِبِ أَنَّهُ ابْنُ رَبِّ الْمَالِ، وَأَنَّهُ أَقَرَّ بِمَا لَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ، فَيَصِيرُ كَالْمُجَدِّدِ لِإِقْرَارِهِ بَعْدَ مَا ظَهَرَ الْفَضْلُ فِي قِيمَتِهِ، فَيَفْسُدُ الرِّقُّ فِيهِ لِذَلِكَ، وَيَسْعَى فِي قِيمَتِهِ بَيْنَهُمَا أَرْبَاعًا؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الشَّاهِدِ عَلَى رَبِّ الْمَالِ بِالْعِتْقِ، أَوْ فَسَادُ الرِّقِّ فِيهِ كَانَ حُكْمًا عِنْدَ ظُهُورِ الْفَضْلِ فِيهِ، فَلَا يُوجَبُ الضَّمَانُ عَلَى الْمُضَارِبِ، وَلَا يَسْقُطُ بِهِ حَقُّهُ عَنْ شَيْءٍ مِنْ نَصِيبِهِ مِنْ السِّعَايَةِ؛ فَلِهَذَا يَسْعَى فِي قِيمَتِهِ بَيْنَهُمَا أَرْبَاعًا.
وَلَوْ قَالَ رَبُّ الْمَالِ: صَدَقْت وَلَا فَضْلَ فِيهِ عَلَى رَأْسِ الْمَالِ فَالْغُلَامُ لِلْمُضَارِبِ، وَيَضْمَنُ رَأْسَ الْمَالِ لِرَبِّ الْمَالِ؛ لِتَصَادُقِهِمَا عَلَى أَنَّ الْمُضَارِبَ اشْتَرَاهُ لِنَفْسِهِ.
وَلَوْ قَالَ رَبُّ الْمَالِ كَذَبْت، وَلَكِنَّهُ ابْنُك فَهُوَ عَلَى الْمُضَارَبَةِ؛ لِأَنَّ الْمُضَارِبَ يَدَّعِي أَنَّهُ اشْتَرَاهُ لِنَفْسِهِ، وَرَبُّ الْمَالِ يُنْكِرُ وَيَزْعُمُ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ عَلَى الْمُضَارَبَةِ، إذْ لَا فَضْلَ فِيهِ عَلَى رَأْسِ الْمَالِ، وَالْمُضَارِبُ يَشْتَرِي ابْنَ نَفْسِهِ عَلَى الْمُضَارَبَةِ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ فَضْلٌ عَلَى رَأْسِ الْمَالِ، وَالظَّاهِرُ شَاهِدٌ لِرَبِّ الْمَالِ فِيمَا يَقُولُ إنَّهُ اشْتَرَاهُ عَلَى الْمُضَارَبَةِ، فَإِنْ لَمْ يَبِعْهُ حَتَّى زَادَتْ قِيمَتُهُ فَصَارَ يُسَاوِي أَلْفَيْ دِرْهَمٍ اسْتَسْعَى فِي قِيمَتِهِ بَيْنَهُمَا أَرْبَاعًا؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي مَعْنَى الشَّاهِدِ عَلَى صَاحِبِهِ بِالْعِتْقِ، وَالْمُضَارِبُ يَزْعُمُ أَنَّهُ ابْنُ رَبِّ الْمَالِ، وَأَنَّ نَصِيبَهُ مِنْهُ قَدْ عَتَقَ وَرَبُّ الْمَالِ يَزْعُمُ أَنَّهُ ابْنُ الْمُضَارِبِ، وَأَنَّ نَصِيبَهُ مِنْهُ قَدْ عَتَقَ، وَهَذِهِ الشَّهَادَةُ مِنْهُمَا تُفْسِدُ الرِّقَّ، فَلَا تُسْقِطُ شَيْئًا مِنْ السِّعَايَةِ عَنْ الْعَبْدِ حَقِيقَةً فَيَسْعَى فِي جَمِيعِ قِيمَتِهِ بَيْنَهُمَا أَرْبَاعًا: ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهَا لِرَبِّ الْمَالِ، وَرُبْعُهَا لِلْمُضَارِبِ.
وَلَوْ كَانَ اشْتَرَى بِأَلْفٍ عَبْدًا يُسَاوِي أَلْفَيْنِ، فَقَالَ رَبُّ الْمَالِ لِلْمُضَارِبِ: هَذَا ابْنُك، وَقَالَ الْمُضَارِبُ كَذَبْت، فَإِنَّهُ يُعْتَقُ وَيَسْعَى فِي حِصَّةِ الْمُضَارِبِ مِنْ الرِّبْحِ خَمْسِمِائَةٍ، وَلَا سِعَايَةَ عَلَيْهِ لِرَبِّ الْمَالِ؛ لِأَنَّ رَبَّ الْمَالِ يَتَبَرَّأُ مِنْ السِّعَايَةِ، وَيَزْعُمُ أَنَّ الْمُضَارِبَ اشْتَرَاهُ لِنَفْسِهِ، وَأَنَّهُ عَتَقَ كُلُّهُ عَلَيْهِ، وَأَنَّهُ ضَامِنٌ لَهُ بِمِثْلِ رَأْسِ الْمَالِ، إلَّا أَنَّهُ لَا يُصَدَّقُ فِيمَا يَدَّعِي مِنْ الضَّمَانِ عَلَى الْمُضَارِبِ، فَلَا يَسْعَى الْعَبْدُ لَهُ فِي شَيْءٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدَّعِي عَلَيْهِ السِّعَايَةَ، وَإِنَّمَا سَعَى لِلْمُضَارِبِ فِي خَمْسِمِائَةٍ؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي سِعَايَتَهُ، وَيَقُولُ قَدْ فَسَدَ الرِّقُّ فِيهِ بِشَهَادَةِ رَبِّ الْمَالِ عَلَيْهِ كَاذِبًا وَلَمْ يَجِبْ لِي ضَمَانٌ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا حَقِّي فِي اسْتِسْعَاءِ الْعَبْدِ فِي نَصِيبِي؛ فَلِهَذَا يُسْتَسْعَى لَهُ فِي خَمْسِمِائَةٍ.
وَلَوْ كَانَ الْمُضَارِبُ صَدَّقَهُ فِي ذَلِكَ ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ لِتَصَادُقِهِمَا عَلَيْهِ، وَيَكُونُ حُرًّا عَلَى الْمُضَارِبِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُشْتَرِيًا إيَّاهُ لِنَفْسِهِ بِاعْتِبَارِ الْفَضْلِ عَلَى رَأْسِ الْمَالِ فِي قِيمَتِهِ، وَيَكُونُ ضَامِنًا لِرَبِّ الْمَالِ رَأْسَ مَالِهِ.
وَلَوْ قَالَ رَبُّ الْمَالِ لِلْمُضَارِبِ هُوَ ابْنُك، وَقَالَ الْمُضَارِبُ، بَلْ هُوَ ابْنُك فَهُوَ مَمْلُوكٌ لِلْمُضَارِبِ، وَضَمِنَ لَهُ رَأْسَ مَالِهِ؛ لِأَنَّهُمَا تَصَادَقَا أَنَّ الْمُضَارِبَ اشْتَرَاهُ لِنَفْسِهِ، فَإِنَّهُ إنْ كَانَ ابْنَ رَبِّ الْمَالِ كَمَا ادَّعَاهُ الْمُضَارِبُ؛ فَقَدْ اشْتَرَاهُ الْمُضَارِبُ لِنَفْسِهِ.
وَلَوْ كَانَ ابْنَ الْمُضَارِبِ كَمَا زَعَمَ رَبُّ الْمَالِ؛ فَقَدْ اشْتَرَاهُ لِنَفْسِهِ بِاعْتِبَارِ الْفَضْلِ فِيهِ؛ فَلِهَذَا ضَمِنَ لِرَبِّ الْمَالِ رَأْسَ مَالِهِ فِيهِ، وَهُوَ مَمْلُوكٌ لِلْمُضَارِبِ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِحُرِّيَّتِهِ بِإِقْرَارِهِ بِنَسَبِهِ لِرَبِّ الْمَالِ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّ رَبَّ الْمَالِ لَوْ صَدَّقَهُ فِي ذَلِكَ يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْهُ، وَلَمْ يُعْتَقْ فَرَبُّ الْمَالِ شَهِدَ عَلَيْهِ بِالْعِتْقِ فِي مِلْكِهِ، وَبِشَهَادَتِهِ لَا تَتِمُّ الْحُجَّةُ.
وَلَوْ كَانَ اشْتَرَى بِهَا عَبْدًا يُسَاوِي أَلْفًا فَقَالَ رَبُّ الْمَالِ لِلْمُضَارِبِ: هُوَ ابْنُك، وَقَالَ الْمُضَارِبُ كَذَبْت فَالْعَبْدُ عَلَى الْمُضَارَبَةِ بِحَالِهِ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ هُوَ ابْنُ الْمُضَارِبِ فَقَدْ صَارَ مُشْتَرِيًا لَهُ عَلَى الْمُضَارَبَةِ، إذْ لَا فَضْلَ فِيهِ عَلَى رَأْسِ الْمَالِ، وَإِنَّمَا بَقِيَ إقْرَارُ رَبِّ الْمَالِ بِنَسَبِهِ لِلْمُضَارِبِ، وَقَدْ كَذَّبَهُ فِي ذَلِكَ فَلَمْ يَثْبُتْ النَّسَبُ مِنْهُ، فَإِنْ زَادَتْ قِيمَتُهُ حَتَّى صَارَتْ أَلْفَيْ دِرْهَمٍ عَتَقَ وَيَسْعَى فِي قِيمَتِهِ بَيْنَهُمَا أَرْبَاعًا؛ لِأَنَّ رَبَّ الْمَالِ أَقَرَّ بِمَا لَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ، فَيَصِيرُ كَالْمُجَدِّدِ لِإِقْرَارِهِ بَعْدَ مَا زَادَتْ قِيمَتُهُ، وَقَدْ صَارَ الرُّبْعُ مِنْهُ مَمْلُوكًا لِلْمُضَارِبِ، فَفِي زَعْمِ رَبِّ الْمَالِ أَنَّ الرِّقَّ فِيهِ قَدْ فَسَدَ بِمِلْكِ الْمُضَارِبِ جُزْءًا مِنْهُ؛ فَلِهَذَا عَتَقَ، وَيَسْعَى فِي قِيمَتِهِ بَيْنَهُمَا أَرْبَاعًا.
وَإِنْ كَانَ الْمُضَارِبُ صَدَّقَهُ وَلَا فَضْلَ فِي الْغُلَامِ؛ فَهُوَ ابْنُهُ مَمْلُوكٌ لَهُ فِي الْمُضَارَبَةِ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ اشْتَرَى ابْنَهُ الْمَعْرُوفَ، وَلَا فَضْلَ فِيهِ عَلَى رَأْسِ الْمَالِ، فَإِنْ لَمْ يَبِعْهُ حَتَّى بَلَغَتْ قِيمَتُهُ أَلْفَيْ دِرْهَمٍ؛ عَتَقَ وَسَعَى فِي ثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ قِيمَتِهِ لِرَبِّ الْمَالِ؛ لِأَنَّ الرُّبْعَ مِنْهُ صَارَ مَمْلُوكًا لِلْمُضَارِبِ، فَيُعْتَقُ عَلَيْهِ لِثُبُوتِ نَسَبِهِ مِنْهُ، وَلَكِنَّ هَذَا الْعِتْقَ حَصَلَ مِنْهُ حُكْمًا لِظُهُورِ الزِّيَادَةِ مِنْ غَيْرِ صُنْعٍ لِلْمُضَارِبِ فِيهِ، فَلَا يَكُونُ ضَامِنًا لِرَبِّ الْمَالِ شَيْئًا، وَلَكِنَّ الْعَبْدَ يَسْعَى فِي حِصَّةِ رَبِّ الْمَالِ بِاعْتِبَارِ رَأْسِ الْمَالِ، وَحِصَّتِهِ مِنْ الرِّبْحِ، وَذَلِكَ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ.
وَلَوْ كَانَ اشْتَرَى عَبْدًا يُسَاوِي أَلْفَيْنِ فَقَالَ الْمُضَارِبُ: هُوَ ابْنِي، وَقَالَ رَبُّ الْمَالِ كَذَبْتَ ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْ الْمُضَارِبِ؛ لِأَنَّهُ مَالِكٌ لَهُ بَعْدَ مِقْدَارِ حِصَّتِهِ مِنْ الرِّبْحِ، وَذَلِكَ يَكْفِي لِصِحَّةِ دَعْوَاهُ النَّسَبَ فِيهِ، ثُمَّ هَذِهِ دَعْوَى تَحْرِيرٍ؛ لِأَنَّ أَصْلَ الْعُلُوقِ بِهِ مَا كَانَ فِي مِلْكِهِ فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الْإِعْتَاقِ.
وَلَوْ أَعْتَقَهُ الْمُضَارِبُ عَتَقَ نَصِيبُهُ، وَرَبُّ الْمَالِ فِي نَصِيبِهِ بِالْخِيَارِ- إنْ كَانَ الْمُضَارِبُ مُوسِرًا-: بَيْنَ الْإِعْتَاقِ، وَالِاسْتِسْعَاءِ، وَالتَّضْمِينِ، وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا فَلَهُ الْخِيَارُ: بَيْنَ الْإِعْتَاقِ، وَالِاسْتِسْعَاءِ، وَالْوَلَاءُ بَيْنَهُمَا أَرْبَاعًا؛ لِأَنَّ ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِهِ عَتَقَتْ عَلَى رَبِّ الْمَالِ حِينَ أَعْتَقَهُ، أَوْ اسْتَسْعَاهُ، وَرُبْعَهُ عِتْقٌ مِنْ جِهَةِ الْمُضَارِبِ.
وَلَوْ كَانَ رَبُّ الْمَالِ صَدَّقَهُ فِي ذَلِكَ عَتَقَ عَلَى الْمُضَارِبِ، وَيَضْمَنُ الْمُضَارِبُ رَأْسَ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُمَا تَصَادَقَا عَلَى أَنَّ الْمُضَارِبَ اشْتَرَاهُ لِنَفْسِهِ وَإِنْ لَمْ يُصَدِّقْهُ، وَلَكِنَّهُ ادَّعَى ثُبُوتَهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَ ابْنُ الْمُضَارِبِ يُعْتَقُ عَلَيْهِ، وَيَضْمَنُ رَأْسَ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُمَا تَصَادَقَا عَلَى أَنَّ الْمُضَارِبَ اشْتَرَاهُ لِنَفْسِهِ، فَإِنَّهُ إنْ كَانَ ابْنَ رَبِّ الْمَالِ كَمَا زَعَمَ؛ فَقَدْ اشْتَرَاهُ الْمُضَارِبُ لِنَفْسِهِ.
وَإِنْ كَانَ ابْنَ الْمُضَارِبِ فَكَذَلِكَ، وَإِذَا كَانَ مُشْتَرِيًا لِنَفْسِهِ تَرَجَّحَتْ دَعْوَاهُ بِالسَّبْقِ، وَبِالْمِلْكِ فَيُعْتَقُ عَلَيْهِ، وَيَضْمَنُ رَبُّ الْمَالِ.
وَلَوْ كَانَ اشْتَرَى عَبْدًا يُسَاوِي أَلْفًا، فَقَالَ الْمُضَارِبُ: هُوَ ابْنِي وَكَذَّبَهُ رَبُّ الْمَالِ لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ، وَهُوَ عَلَى حَالِهِ فِي الْمُضَارَبَةِ؛ لِأَنَّهُ مُشْتَرٍ لَهُ عَلَى الْمُضَارَبَةِ بِمَنْزِلَةِ ابْنِهِ الْمَعْرُوفِ، وَلَا مِلْكَ لَهُ فِيهِ لِتَصِحَّ دَعْوَاهُ بِاعْتِبَارِهِ مَعَ تَكْذِيبِ رَبِّ الْمَالِ؛ فَلِهَذَا لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ مِنْهُ، فَإِنْ صَارَتْ قِيمَتُهُ أَلْفَيْنِ عَتَقَ رُبْعُهُ، وَثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْ الْمُضَارِبِ؛ لِأَنَّ بِظُهُورِ الْفَضْلِ صَارَ هُوَ مَالِكًا لِرُبْعِهِ، وَهُوَ كَالْمُجَدِّدِ لِدَعْوَى النَّسَبِ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ لَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ بَعْدَ ثُبُوتِهِ، فَيَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْهُ، وَيَسْعَى فِي ثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ قِيمَتِهِ لِرَبِّ الْمَالِ، وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْمُضَارِبِ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ حَصَلَ حُكْمًا بِظُهُورِ الْفَضْلِ فِي قِيمَتِهِ مِنْ غَيْرِ صُنْعٍ لِلْمُضَارِبِ فِيهِ.
وَلَوْ كَانَ صَدَّقَهُ رَبُّ الْمَالِ وَقِيمَتُهُ أَلْفٌ ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ وَهُوَ عَلَى الْمُضَارَبَةِ؛ لِأَنَّهُ مَمْلُوكٌ لِرَبِّ الْمَالِ، وَقَدْ أَقَرَّ بِنَسَبِهِ لِلْمُضَارِبِ؛ فَيَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْهُ وَهُوَ عَلَى الْمُضَارَبَةِ بِمَنْزِلَةِ ابْنِهِ الْمَعْرُوفِ، فَإِنْ صَارَتْ قِيمَتُهُ أَلْفَيْنِ عَتَقَ رُبْعُهُ؛ لِأَنَّ الْمُضَارِبَ صَارَ مَالِكًا رُبْعَهُ، وَهُوَ ثَابِتُ النَّسَبِ مِنْهُ، وَيَسْعَى فِي ثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ قِيمَتِهِ لِرَبِّ الْمَالِ.
وَلَوْ زَادَتْ قِيمَتُهُ حَتَّى صَارَتْ أَلْفَيْنِ قَبْلَ دَعْوَى الْمُضَارِبِ، ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهُ ابْنُهُ وَكَذَّبَهُ رَبُّ الْمَالِ ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ مَالِكٌ لِرُبْعِهِ حِينَ ادَّعَى نَسَبَهُ، وَيَكُونُ هَذَا بِمَنْزِلَةِ إعْتَاقِ رُبْعِهِ، فَيُخَيَّرُ رَبُّ الْمَالِ: بَيْنَ أَنْ يَضْمَنَ الْمُضَارِبُ ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِ قِيمَتِهِ، وَبَيْنَ الِاسْتِسْعَاءِ، وَالْإِعْتَاقِ إنْ كَانَ مُوسِرًا، وَإِذَا ضَمِنَ الْمُضَارِبُ لَمْ يَرْجِعْ الْمُضَارِبُ بِهَا عَلَى الْغُلَامِ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَ بِالضَّمَانِ ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِهِ فَعَتَقَ عَلَيْهِ لِثُبُوتِ نَسَبِهِ مِنْهُ، وَإِذَا اخْتَارَ الِاسْتِسْعَاءَ أَوْ الْإِعْتَاقَ؛ فَلِرَبِّ الْمَالِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ وَلَائِهِ؛ لِأَنَّ ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِهِ عَتَقَتْ مِنْ قِبَلِهِ.
وَلَوْ كَانَ رَبُّ الْمَالِ صَدَّقَهُ؛ فَلَا ضَمَانَ لَهُ عَلَى الْمُضَارِبِ، وَلَهُ أَنْ يُسْتَسْعَى الْغُلَامَ، أَوْ يُعْتِقَهُ؛ لِأَنَّهُمَا تَصَادَقَا عَلَى أَنَّهُ عَتَقَ عَلَى الْمُضَارِبِ رُبْعُهُ حُكْمًا عِنْدَ ظُهُورِ الْفَضْلِ فِيهِ، فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ ابْنٍ مَعْرُوفٍ لَهُ.
وَلَوْ لَمْ تَزِدْ قِيمَتُهُ عَلَى أَلْفٍ فَقَالَ الْمُضَارِبُ: هُوَ ابْنِي، وَقَالَ رَبُّ الْمَالِ كَذَبْت، وَلَكِنَّهُ ابْنِي فَهُوَ ابْنُ رَبِّ الْمَالِ حُرٌّ مِنْ مَالِهِ؛ لِأَنَّهُ فِي الظَّاهِرِ مُشْتَرًى عَلَى الْمُضَارَبَةِ وَهُوَ مَمْلُوكٌ لِرَبِّ الْمَالِ كُلُّهُ فَتَصِحُّ دَعْوَاهُ لِمُصَادَفَتِهِ مِلْكَهُ، وَيُعْتَقُ مِنْ مَالِهِ، وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْمُضَارِبِ فِيهِ؛ لِأَنَّ رَبَّ الْمَالِ يَدَّعِي عَلَيْهِ أَنَّهُ ضَامِنٌ رَأْسَ مَالِهِ، وَمُشْتَرِي الِابْنِ لِنَفْسِهِ، وَلَا يُصَدَّقُ فِي ذَلِكَ إلَّا بِحُجَّةٍ، وَإِنْ لَمْ يَدَعْهُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا حَتَّى صَارَتْ قِيمَتُهُ أَلْفَيْنِ، فَقَالَ الْمُضَارِبُ: هُوَ ابْنِي، وَقَالَ رَبُّ الْمَالِ: كَذَبْت وَلَكِنَّهُ ابْنِي فَهُوَ ابْنُ الْمُضَارِبِ؛ لِأَنَّهُ حِينَ ادَّعَى نَسَبه كَانَ مَالِكًا لِرُبْعِهِ فَثَبَتَ نَسَبَهُ مِنْهُ ثُمَّ رَبُّ الْمَالِ ادَّعَى نَسَبَهُ مِنْهُ، بَعْدَ ذَلِكَ، وَهُوَ ثَابِتُ النَّسَبِ فَلَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْهُ، وَقَدْ عَتَقَ مِنْهُمَا جَمِيعًا، وَالْوَلَاءُ بَيْنَهُمَا أَرْبَاعًا، وَلَا ضَمَانَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ؛ لِأَنَّ رَبَّ الْمَالِ يَدَّعِي أَنَّهُ لَا سِعَايَةَ لَهُ عَلَى الْعَبْدِ، وَأَنَّهُ حُرٌّ كُلُّهُ بِإِقْرَارِ الْمُضَارِبِ، وَأَنَّ حَقَّهُ فِي تَضْمِينِ الْمُضَارِبِ رَأْسَ مَالِهِ، وَهُوَ غَيْرُ مُصَدَّقٍ فِي التَّضْمِينِ إلَّا بِحُجَّةٍ، وَلَكِنْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَصِيرُ كَالْمُعْتِقِ بِحِصَّتِهِ مِنْهُ، أَمَّا الْمُضَارِبُ فَلَا إشْكَالَ فِيهِ، وَرَبُّ الْمَالِ بِدَعْوَاهُ النَّسَبَ يَصِيرُ كَالْمُعْتِقِ لِنَصِيبِهِ؛ لِأَنَّ مَنْ ادَّعَى نَسَبَ مَمْلُوكِهِ وَهُوَ مَعْرُوفُ النَّسَبِ مِنْ الْغَيْرِ يَكُونُ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْإِعْتَاقِ مِنْهُ؛ فَلِهَذَا كَانَ الْوَلَاءُ بَيْنَهُمَا أَرْبَاعًا.
وَلَوْ كَانَ الْعَبْدُ يُسَاوِي أَلْفَيْنِ يَوْمَ اشْتَرَاهُ، وَنَقَدَ ثَمَنَهُ، فَقَالَ رَبُّ الْمَالِ: هُوَ ابْنِي وَكَذَّبَهُ الْمُضَارِبُ ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْ رَبِّ الْمَالِ، وَعَتَقَ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الْعَبْدِ بِدَعْوَاهُ إيَّاهُ، وَالْمُضَارِبُ بِالْخِيَارِ فِي الرُّبْعِ كَمَا وَصَفْنَا فِي رَبِّ الْمَالِ؛ لِأَنَّ رَبَّ الْمَالِ صَارَ بِمَنْزِلَةِ الْمُعْتِقِ لَهُ، فَإِنَّ دَعْوَى التَّحْرِيرِ كَالْإِعْتَاقِ وَلَوْ لَمْ يُكَذِّبْهُ الْمُضَارِبُ، وَلَكِنْ صَدَّقَهُ فَالْغُلَامُ ابْنٌ لِرَبِّ الْمَالِ وَعَبْدٌ لِلْمُضَارِبِ، وَيَضْمَنُ الْمُضَارِبُ رَأْسَ مَالِ رَبِّ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُمَا تَصَادَقَا عَلَى أَنَّ الْمُضَارِبَ اشْتَرَاهُ لِنَفْسِهِ فَيَكُونُ عَبْدًا لَهُ، وَلَكِنْ نَقَدَ ثَمَنَهُ مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ، فَيَصِيرُ ضَامِنًا لِرَبِّ الْمَالِ وَلَوْ لَمْ يُصَدِّقْهُ الْمُضَارِبُ، وَلَكِنَّهُ قَالَ: كَذَبْت بَلْ هُوَ ابْنِي، فَهُوَ ابْنُ الْمُضَارِبِ حُرٌّ مِنْ مَالِهِ؛ لِأَنَّهُمَا تَصَادَقَا أَنَّ الْمُضَارِبَ اشْتَرَاهُ لِنَفْسِهِ، وَقَدْ ادَّعَى نَسَبَهُ فَهُوَ حُرٌّ مِنْ مَالِهِ، وَيَضْمَنُ رَأْسَ الْمَالِ لِرَبِّ الْمَالِ.
وَلَوْ كَانَ يُسَاوِي أَلْفًا فَقَالَ رَبُّ الْمَالِ: هُوَ ابْنِي، وَكَذَّبَهُ الْمُضَارِبُ فَهُوَ ابْنُهُ حُرٌّ مِنْ مَالِهِ؛ لِأَنَّهُ مَالِكٌ لِجَمِيعِهِ فِي الظَّاهِرِ، وَقَدْ أَقَرَّ بِنَسَبِهِ، وَلَوْ صَدَّقَهُ الْمُضَارِبُ، كَانَ ابْنُ رَبِّ الْمَالِ وَهُوَ عَبْدٌ لِلْمُضَارِبِ؛ لِأَنَّهُمَا تَصَادَقَا أَنَّ الْمُضَارِبَ اشْتَرَاهُ لِنَفْسِهِ، وَقَدْ أَقَرَّ بِنَسَبِهِ لِرَبِّ الْمَالِ فَثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ، وَيَكُونُ عَبْدًا لِلْمُضَارِبِ، وَهُوَ ضَامِنٌ رَأْسَ الْمَالِ لِرَبِّ الْمَالِ وَلَوْ لَمْ يُصَدِّقْهُ الْمُضَارِبُ، وَلَكِنَّهُ قَالَ كَذَبْت وَلَكِنَّهُ ابْنِي فَهُوَ ابْنُ رَبِّ الْمَالِ حُرٌّ مِنْ قِبَلِهِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمَالِكُ لَهُ فِي الظَّاهِرِ، وَقَدْ ادَّعَى نَسَبَهُ فَيَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْهُ، وَيُعْتَقُ عَلَيْهِ، وَلَا ضَمَانَ عَلَى وَاحِدٍ لِصَاحِبِهِ؛ لِأَنَّ الْمُضَارِبَ مَا كَانَ يَمْلِكُ مِنْهُ شَيْئًا، فَلَا يَضْمَنُ رَبُّ الْمَالِ لَهُ شَيْئًا مِنْ قِيمَتِهِ.
وَلَوْ لَمْ يَقُولَا ذَلِكَ حَتَّى صَارَتْ قِيمَتُهُ أَلْفَيْ دِرْهَمٍ فَقَالَ رَبُّ الْمَالِ: هُوَ ابْنِي، وَقَالَ الْمُضَارِبُ كَذَبْت ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ، وَعَتَقَ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ لِإِقْرَارِهِ بِنَسَبِهِ، وَالْمُضَارِبُ بِالْخِيَارِ فِي الرُّبْعِ؛ لِأَنَّهُ مَالِكٌ حِصَّتَهُ مِنْ الرِّبْحِ، وَرَبُّ الْمَالِ صَارَ كَالْمُعْتِقِ فَيَتَخَيَّرُ الْمُضَارِبُ فِي نَصِيبِهِ كَمَا بَيَّنَّا.
وَلَوْ صَدَّقَهُ الْمُضَارِبُ بِمَا قَالَ فَهُوَ ابْنُ رَبِّ الْمَالِ، وَهُوَ عَبْدٌ لِلْمُضَارِبِ لِتَصَادُقِهِمَا عَلَى أَنَّ الْمُضَارِبَ اشْتَرَاهُ لِنَفْسِهِ، وَيَكُونُ ضَامِنًا لِرَبِّ الْمَالِ رَأْسَ مَالِهِ وَلَوْ لَمْ يُصَدِّقْهُ رَبُّ الْمَالِ، وَلَكِنَّهُ قَالَ: كَذَبْت بَلْ هُوَ ابْنِي فَالْغُلَامُ ابْنُ رَبِّ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ سَبَقَ بِالدَّعْوَى فَيَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْهُ، وَعَتَقَ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ مِنْ قِبَلِهِ، ثُمَّ الْمُضَارِبُ ادَّعَى نَسَبَهُ وَهُوَ ثَابِتُ النَّسَبِ مِنْ رَبِّ الْمَالِ فَلَا يَثْبُتُ مِنْهُ، وَلَكِنَّهُ صَارَ كَالْمُعْتِقِ لِنَصِيبِهِ فَلَا ضَمَانَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ، وَكَانَ وَلَاؤُهُ بَيْنَهُمَا أَرْبَاعًا.
(قَالَ- رَحِمَهُ اللَّهُ-:) وَإِذَا دَفَعَ الرَّجُلُ إلَى الرَّجُلِ أَلْفَ دِرْهَمٍ مُضَارَبَةً بِالنِّصْفِ فَاشْتَرَى بِهَا شَيْئًا، ثُمَّ ضَاعَتْ الْأَلْفُ قَبْلَ أَنْ يَنْقُدَهَا الْمُضَارِبُ الْبَائِعَ، فَإِنَّ الْمُضَارِبَ يَرْجِعُ بِمِثْلِهَا عَلَى رَبِّ الْمَالِ؛ لِأَنَّ رَأْسَ الْمَالِ كَانَ أَمَانَةً فِي يَدِهِ بَعْدَ الشِّرَاءِ، كَمَا قَبْلَهُ فَهَلَكَ مِنْ مَالِ رَبِّ الْمَالِ، وَلَمْ يَبْطُلْ الشِّرَاءُ بِهَلَاكِ الْأَلْفِ، وَالْمُضَارِبُ عَامِلٌ لِرَبِّ الْمَالِ فِي هَذَا الشِّرَاءِ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِمَا لَحِقَهُ مِنْ الْعُهْدَةِ؛ فَلِهَذَا يَرْجِعُ بِأَلْفٍ أُخْرَى عَلَى رَبِّ الْمَالِ فَيَدْفَعُهَا إلَى الْبَائِعِ، فَإِنْ قَبَضَهَا مِنْ رَبِّ الْمَالِ فَلَمْ يَدْفَعْهَا إلَى الْبَائِعِ حَتَّى ضَاعَ، رَجَعَ بِمِثْلِهَا أَيْضًا.
وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا ضَاعَ مِمَّا يَقْبِضُهُ قَبْلَ أَنْ يَنْقُدَهُ الْبَائِعَ كَانَ مَا يَقْبِضُهُ مِنْ رَبِّ الْمَالِ يَكُونُ أَمَانَةً فِي يَدِ الْمُضَارِبِ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّ عِنْدَ حُصُولِ الرِّبْحِ يُحَصِّلُ جَمِيعَ رَأْسِ الْمَالِ وَهُوَ مَا قَبَضَهُ فِي الْمَرَّاتِ كُلِّهَا، وَرَأْسُ الْمَالِ يَكُونُ أَمَانَةً فِي يَدِ الْمُضَارِبِ؛ فَلِهَذَا يَرْجِعُ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى حَتَّى يَصِلَ الثَّمَنُ إلَى الْبَائِعِ، بِخِلَافِ الْوَكِيلِ فَإِنَّهُ إذَا رَجَعَ بِالثَّمَنِ عَلَى الْمُوَكِّلِ مَرَّةً بَعْدَ الْبَيْعِ لَمْ يَرْجِعْ مَرَّةً أُخْرَى؛ لِأَنَّ بِالشِّرَاءِ يَجِبُ الثَّمَنُ لِلْبَائِعِ عَلَى الْوَكِيلِ، وَلِلْوَكِيلِ عَلَى الْمُوَكِّلِ فَيَصِيرُ الْوَكِيلُ بِالْقَبْضِ مِنْ الْمُوَكِّلِ مُقْتَضِيًا دَيْنَ نَفْسِهِ، فَيَكُونُ الْمَقْبُوضُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ، وَهُنَا قَبْضُ الْمُضَارِبِ لَا يَكُونُ اقْتِضَاءً لِدَيْنٍ وَجَبَ لَهُ، كَيْفَ يَكُونُ كَذَلِكَ وَالْمَقْبُوضُ رَأْسُ مَالِ الْمُضَارَبَةِ وَهُوَ فِي قَبْضِ رَأْسِ مَالِ الْمُضَارَبَةِ عَامِلٌ لِرَبِّ الْمَالِ.
وَلَوْ دَفَعَ إلَى رَجُلٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ مُضَارَبَةً بِالنِّصْفِ، فَاشْتَرَى بِهَا عَبْدًا يُسَاوِي أَلْفَيْنِ فَقَبَضَهُ، وَبَاعَهُ بِأَلْفَيْنِ، ثُمَّ اشْتَرَى بِالْأَلْفَيْنِ جَارِيَةً وَلَمْ يَنْقُدْ الْأَلْفَيْنِ حَتَّى ضَاعَا، فَإِنَّ الْمُضَارِبَ يَرْجِعُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ، وَيَغْرَمُ مِنْ مَالِهِ خَمْسَمِائَةٍ؛ لِأَنَّ الْمُضَارِبَ فِي شِرَاءِ رُبْعِ الْجَارِيَةِ عَامِلٌ لِنَفْسِهِ بِاعْتِبَارِ حِصَّتِهِ مِنْ الرِّبْحِ، فَلَا يَرْجِعُ بِمَا يَلْحَقُهُ مِنْ الْعُهْدَةِ فِي ذَلِكَ الرُّبْعِ عَلَى رَبِّ الْمَالِ وَفِي شِرَاءِ ثَلَاثَةِ أَرْبَاعِهَا كَانَ عَامِلًا لِرَبِّ الْمَالِ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِالْعُهْدَةِ فِي ذَلِكَ الْقَدْرِ، فَإِذَا دَفَعَ الْأَلْفَيْنِ إلَى الْبَائِعِ وَقَبَضَ الْجَارِيَةَ فَبَاعَهَا بِخَمْسَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ فَلَهُ رُبْعُ ثَمَنِهَا وَهُوَ: حِصَّةُ مَا اشْتَرَى لِنَفْسِهِ، وَنَقَدَ الثَّمَنَ مِنْ مَالِهِ، وَثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ ثَمَنِهَا مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ فَيَأْخُذُ مِنْهَا رَبُّ الْمَالِ رَأْسَ مَالِهِ أَلْفَيْنِ وَخَمْسَمِائَةٍ؛ لِأَنَّهُ غَرِمَ ذَلِكَ مَرَّتَيْنِ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ جَمِيعَ مَا يَأْخُذُ الْمُضَارِبُ مِنْ الْمَالِ يَكُونُ رَأْسَ مَالِهِ، وَالرِّبْحُ لَا يَظْهَرُ إلَّا بَعْدَ وُصُولِ رَأْسِ الْمَالِ إلَى رَبِّ الْمَالِ، فَإِذَا أَخَذَ جَمِيعَ رَأْسِ مَالِهِ كَانَ الْبَاقِي رِبْحًا عَلَى الشَّرْطِ.
وَلَوْ دَفَعَ إلَيْهِ أَلْفَ دِرْهَمٍ مُضَارَبَةً بِالنِّصْفِ، فَضَاعَتْ قَبْلَ أَنْ يَشْتَرِيَ بِهَا شَيْئًا فَقَدْ بَطَلَتْ الْمُضَارَبَةُ لِفَوَاتِ مَحِلِّهَا، بِخِلَافِ مَا إذَا ضَاعَتْ بَعْدَ الشِّرَاءِ بِهَا؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْمُضَارَبَةِ بِالشِّرَاءِ تَحَوَّلَ إلَى الْمُشْتَرِي، فَهَلَاكُ الْأَلْفِ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يُفَوِّتُ مَحِلَّ الْمُضَارَبَةِ.
وَإِنْ اشْتَرَى بِالْأَلْفِ جَارِيَةً فَضَاعَتْ الْأَلْفُ، فَقَالَ رَبُّ الْمَالِ ضَاعَتْ قَبْلَ أَنْ يَشْتَرِيَ بِهَا، وَقَالَ الْمُضَارِبُ بَعْدَ مَا اشْتَرَيْت بِهَا فَالْقَوْلُ قَوْلُ رَبِّ الْمَالِ؛ لِأَنَّ الْمُضَارِبَ يَدَّعِي لِنَفْسِهِ حَقَّ الرُّجُوعِ عَلَى رَبِّ الْمَالِ بِأَلْفٍ فِي ذِمَّتِهِ، وَرَبُّ الْمَالِ يُنْكِرُ ذَلِكَ، فَإِنْ قِيلَ: هَلَاكُ ذَلِكَ الْمَالِ عَارِضٌ، وَرَبُّ الْمَالِ يَدَّعِي فِيهِ سَبْقَ تَارِيخٍ، وَالْمُضَارِبُ يُنْكِرُهُ، قُلْنَا: هَذَا مُتَعَارِضٌ، فَالْمُضَارِبُ يَدَّعِي سَبْقَ التَّارِيخِ فِي شِرَاءِ الْجَارِيَةِ عَلَى هَلَاكِ الْمَالِ، وَرَبُّ الْمَالِ يُنْكِرُهُ، فَعِنْدَ التَّعَارُضِ كَانَ التَّرْجِيحُ فِيمَا قُلْنَا؛ لِأَنَّ كَوْنَ هَلَاكِ الْمَالِ مُحَالًا بِهِ عَلَى أَقْرَبِ الْأَوْقَاتِ نَوْعٌ مِنْ الظَّاهِرِ، وَبِالظَّاهِرِ يُرْفَعُ الِاسْتِحْقَاقُ، وَلَا يَثْبُتُ الِاسْتِحْقَاقُ، وَحَاجَةُ الْمُضَارِبِ إلَى اسْتِحْقَاقِ الرُّجُوعِ عَلَى رَبِّ الْمَالِ، فَإِنْ أَقَامَ رَبُّ الْمَالِ الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا ضَاعَتْ قَبْلَ أَنْ يَشْتَرِيَ بِهَا، وَأَقَامَ الْمُضَارِبُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ اشْتَرَى بِهَا قَبْلَ أَنْ يَضِيعَ، فَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الْمُضَارِبِ؛ لِأَنَّهُ يُثْبِتُ الِاسْتِحْقَاقَ لِنَفْسِهِ بِبَيِّنَةٍ، وَرَبُّ الْمَالِ يَنْفِي ذَلِكَ وَلَوْ لَمْ يَهْلِكْ الْأَلْفَ، وَلَمْ يَنْقُدْهَا فِي ثَمَنِ الْجَارِيَةِ، وَلَكِنَّهُ اشْتَرَى بِهَا جَارِيَةً أُخْرَى عَلَى الْمُضَارَبَةِ، وَقَالَ: أَبِيعُهَا فَأَنْقُدُ الثَّمَنَ الْأَوَّلَ، فَإِنَّمَا اشْتَرَى الْجَارِيَةَ الْأَخِيرَةَ لِنَفْسِهِ، وَلَا تَكُونُ مِنْ الْمُضَارَبَةِ؛ لِأَنَّ مَا فِي يَدِهِ مِنْ الْمَالِ مُسْتَحَقٌّ فِي ثَمَنِ الْجَارِيَةِ الْأُولَى، فَقَدْ اشْتَرَى الْأُخْرَى وَلَيْسَ فِي يَدِهِ مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ شَيْءٌ مِنْ ثَمَنِهَا، فَلَوْ نَفَذَ شِرَاؤُهَا عَلَى الْمُضَارَبَةِ، كَانَ هَذَا اسْتِدَانَةً مِنْهُ عَلَى الْمُضَارَبَةِ، وَالْمُضَارِبُ بِمُطْلَقِ الْمُضَارَبَةِ لَا يَمْلِكُ الِاسْتِدَانَةَ وَلَوْ اشْتَرَى بِالْجَارِيَةِ الَّتِي قَبَضَ جَارِيَةً أُخْرَى جَازَ، وَكَانَتْ عَلَى الْمُضَارَبَةِ لِمَا بَيَّنَّا: أَنَّ حُكْمَ الْمُضَارَبَةِ تَحَوَّلَ بِالشِّرَاءِ مِنْ الْأَلْفِ إلَى الْجَارِيَةِ، فَإِنَّمَا أَضَافَ الْعَقْدَ الثَّانِيَ إلَى مَالِ الْمُضَارَبَةِ، وَالْمُضَارِبُ كَمَا يَمْلِكُ الْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ بِالنَّقْدِ يَمْلِكُ ذَلِكَ بِالْعَرَضِ؛ فَلِهَذَا كَانَتْ الْأُخْرَى عَلَى الْمُضَارَبَةِ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّ ثَمَنَهَا لَا يَصِيرُ دَيْنًا عَلَى الْمُضَارِبِ فِي هَذَا الْفَصْلِ، وَفِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ ثَمَنُ الْجَارِيَةِ الْأُخْرَى دَيْنٌ عَلَى الْمُضَارَبَةِ، فَلَوْ نَفَذَ شِرَاؤُهُ عَلَى الْمُضَارَبَةِ لَصَارَ عَلَيْهِ دَيْنٌ أَلْفَا دِرْهَمٍ فِي ثَمَنِ الْمُشْتَرِي لِلْمُضَارَبَةِ، وَرَأْسُ مَالِ الْمُضَارَبَةِ أَلْفُ دِرْهَمٍ، فَكَأَنَّهُ اشْتَرَى جَارِيَةً أَوْ جَارِيَتَيْنِ بِالْأَلْفَيْنِ ابْتِدَاءً.
وَلَوْ دَفَعَ إلَيْهِ أَلْفَ دِرْهَمٍ مُضَارَبَةً فَاشْتَرَى جَارِيَةً بِأَلْفِ دِرْهَمٍ، وَلَمْ يَقُلْ بِهَذِهِ الْأَلْفِ، وَقَالَ: أَرَدْت بِذَلِكَ الْمُضَارَبَةَ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْمَأْخُوذَ عَلَيْهِ الشِّرَاءُ لِلْمُضَارَبَةِ لَا إضَافَةَ الْعَقْدِ إلَى أَلْفِ الْمُضَارَبَةِ، فَإِنَّ النُّقُودَ لَا تَتَعَيَّنُ فِي الْعُقُودِ بِالتَّعْيِينِ، وَإِذَا لَمْ يَتَعَيَّنْ الْأَلْفُ لَمْ يَبْقَ فِي التَّعْيِينِ فَائِدَةٌ، فَيَكْتَفِي بِبَيِّنَتِهِ لِلْمُضَارَبَةِ كَمَا فِي حَقِّ الْوَكِيلِ، وَمَا فِي ضَمِيرِهِ لَا يُعْرَفُ إلَّا مِنْ جِهَتِهِ؛ فَيُقْبَلُ قَوْلُهُ فِيهِ.
وَلَوْ اشْتَرَاهَا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ نَسِيئَةً سَنَةً يُرِيدُ بِهَا الْمُضَارَبَةَ جَازَ عَلَى الْمُضَارَبَةِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ فِي يَدِهِ مِنْ الْمَالِ مِثْلَ مَا اشْتَرَى بِهِ، وَالشِّرَاءُ بِالنَّسِيئَةِ وَبِالنَّقْدِ مِنْ صَنِيعِ التُّجَّارِ فَيَمْلِكُ الْمُضَارِبُ النَّوْعَيْنِ جَمِيعًا بِمُطْلَقِ الْعَقْدِ، فَإِنْ قَبَضَهَا فَاشْتَرَى بِهَا شَيْئًا فَهُوَ عَلَى الْمُضَارَبَةِ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْمُضَارَبَةِ تَحَوَّلَ إلَى الْجَارِيَةِ الْمُشْتَرَاةِ، فَإِنَّمَا أَضَافَ الشِّرَاءَ الثَّانِيَ إلَى مَالِ الْمُضَارَبَةِ.
وَلَوْ لَمْ يَشْتَرِ بِالْجَارِيَةِ، وَلَكِنَّهُ اشْتَرَى بِالْأَلْفِ الَّتِي فِي يَدِهِ كَانَ مُشْتَرِيًا لِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْمُضَارَبَةِ تَحَوَّلَ إلَى الْجَارِيَةِ الْمُشْتَرَاةِ، فَلَمَّا أَضَافَ الشِّرَاءَ الثَّانِيَ إلَى أَلْفِ الْمُضَارَبَةِ فَقَدْ أَضَافَهُ إلَى غَيْرِ مَحِلِّ الْمُضَارَبَةِ، فَكَانَ مُشْتَرِيًا لِنَفْسِهِ؛ وَلِأَنَّ الْأَلْفَ صَارَتْ مُسْتَحَقَّةً عَلَيْهِ فِي ثَمَنِ الْجَارِيَةِ الْأُولَى عِنْدَ حِلِّ الْأَجَلِ، فَلَوْ صَارَ مُشْتَرِيًا الْأُخْرَى عَلَى الْمُضَارَبَةِ لَكَانَ ذَلِكَ مِنْهُ اسْتِدَانَةً، وَإِذَا اشْتَرَى بِأَلْفِ الْمُضَارَبَةِ حِنْطَةً، أَوْ غَيْرَهَا، ثُمَّ اشْتَرَى مِمَّا فِي يَدَيْهِ عَبْدًا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَبِيعَ بَعْضَ مَا فِي يَدِهِ، وَيَنْقُدَ الْأَلْفَ، وَفِي يَدِهِ وَفَاءٌ بِالْأَلْفِ وَفَضْلٌ فَهُوَ مُشْتَرٍ لِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّ الَّذِي فِي يَدِهِ غَيْرَ مَا اشْتَرَى بِهِ يَعْنِي: أَنَّ حُكْمَ الْمُضَارَبَةِ تَحَوَّلَ إلَى الْحِنْطَةِ، وَهِيَ تَتَعَيَّنُ فِي الْعَقْدِ بِالتَّعْيِينِ، فَإِذَا اشْتَرَى بِالدَّرَاهِمِ فَقَدْ اشْتَرَى بِغَيْرِ مَالِ الْمُضَارَبَةِ فَكَانَ مُشْتَرِيًا لِنَفْسِهِ إذْ لَوْ جَازَ شِرَاؤُهُ بِالدَّرَاهِمِ عَلَى الْمُضَارَبَةِ كَانَ فِي مَعْنَى الِاسْتِدَانَةِ مِنْهُ.
وَلَوْ اشْتَرَى بِالْأَلْفِ حِنْطَةً، ثُمَّ اشْتَرَى جَارِيَةً بِكُرِّ حِنْطَةٍ وَسْطَ نَسِيئَةِ شَهْرٍ، وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَكُونَ عَلَى الْمُضَارَبَةِ، وَفِي يَدِهِ حِنْطَةٌ مِثْلَ مَا اشْتَرَى بِهِ أَوْ أَكْثَرَ فَهَذَا جَائِزٌ عَلَى الْمُضَارَبَةِ؛ لِأَنَّهُ اشْتَرَى بِجِنْسِ مَا فِي يَدِهِ مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ، وَلَهُ فِي تَرْكِ الْإِضَافَةِ إلَى الْعَيْنِ غَرَضٌ صَحِيحٌ وَهُوَ: ثُبُوتُ الْأَجَلِ فِي ثَمَنِ الْمُشْتَرَى؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ لَا تَقْبَلُ الْأَجَلَ، وَلَا فَرْقَ فِي حَقِّ رَبِّ الْمَالِ بَيْنَ أَنْ يَشْتَرِيَ بِتِلْكَ الْحِنْطَةِ بِعَيْنِهَا، وَبَيْنَ أَنْ يَشْتَرِيَ بِمِثْلِهَا مِنْ حِنْطَةٍ وَسَطٍ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّهُ عِنْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ يَمْلِكُ إيفَاءَ الثَّمَنِ بِغَيْرِ مَا فِي يَدِهِ مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ؛ فَلِهَذَا نَفَذَ شِرَاؤُهُ عَلَى الْمُضَارَبَةِ.
وَإِذَا كَانَتْ الْمُضَارَبَةُ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَاشْتَرَى عَلَيْهَا جَارِيَةً بِخَمْسِينَ دِينَارًا، وَقَبَضَهَا وَصَرَفَ الدَّرَاهِمَ فَنَقَدَهَا الْبَائِعُ، فَالْقِيَاسُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ مُشْتَرِيًا لِنَفْسِهِ، وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ- رَحِمَهُ اللَّهُ- وَلَكِنْ اسْتَحْسَنَ عُلَمَاؤُنَا الثَّلَاثَةُ- رَحِمَهُمُ اللَّهُ- وَقَالُوا: هُوَ مُشْتَرٍ لِلْمُضَارَبَةِ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَتْ الْمُضَارَبَةُ دَنَانِيرَ فَاشْتَرَى عَلَيْهَا بِدَرَاهِمَ فَصَرَفَهَا، وَنَقَدَ الدَّرَاهِمَ، وَجْهُ الْقِيَاسِ فِي الْفَصْلَيْنِ: أَنَّهُ اشْتَرَى بِجِنْسٍ آخَرَ غَيْر مَا فِي يَدِهِ مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ؛ لِأَنَّ الدَّرَاهِمَ، وَالدَّنَانِيرَ جِنْسَانِ حَقِيقَةً وَحُكْمًا؛ وَلِهَذَا لَا يَحْرُمُ التَّفَاضُلُ بَيْنَهُمَا، فَكَانَ هَذَا بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ اشْتَرَى بِالْحِنْطَةِ وَالْمَالُ فِي يَدِهِ دَرَاهِمَ، أَوْ دَنَانِيرَ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ إيفَاءَ الثَّمَنِ مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ إلَّا بِالْمُبَادَلَةِ، أَوْ رِضَا الْبَائِعِ بِهِ كَمَا فِي الْمَكِيلِ، وَالْمَوْزُونِ، وَحُجَّةُ الِاسْتِحْسَانِ: أَنَّ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ جِنْسَانِ صُورَةً، وَلَكِنَّهُمَا جِنْسٌ وَاحِدٌ مَعْنًى، وَمَقْصُودًا؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى الْمَطْلُوبَ بِهِمَا الثَّمَنِيِّةُ، وَالْمَقْصُودُ هُوَ الرَّوَاجُ وَالنَّفَاقُ وَهُمَا فِي ذَلِكَ كَشَيْءٍ وَاحِدٍ.
وَكَذَلِكَ فِي حُكْمِ الْمُضَارَبَةِ هُمَا كَشَيْءٍ وَاحِدٍ، تَصِحُّ الْمُضَارَبَةُ بِهِمَا بِخِلَافِ سَائِرِ الْأَمْوَالِ، فَإِنَّ الشِّرَاءَ بِهَا يَكُونُ شِرَاءً مَحْضًا بِثَمَنٍ فِي ذِمَّةِ الْمُشْتَرِي، وَيَسِيرُ عَلَيْهِ إذْ مَا يَلْزَمُهُ مِنْ أَحَدِ النَّوْعَيْنِ فِي ذِمَّتِهِ بِالْآخَرِ الَّذِي فِي يَدِهِ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ فِي مُصَارَفَةِ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ لَا يَحْتَاجُ إلَى مُؤْنَةٍ كَثِيرَةٍ، فَهِيَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ كَانَتْ الْمُضَارَبَةُ دَرَاهِمَ بُخْتِيَّةً لَهَا فَضْلٌ فِي الصَّرْفِ، فَاشْتَرَى الْمُضَارِبُ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ غَلَّةِ الْبَلَدِ جَارِيَةً، وَصَرَفَ الدَّرَاهِمَ بِالدَّنَانِيرِ، ثُمَّ صَرَفَهَا بِدَرَاهِمَ غَلَّةِ الْبَلَدِ، وَأَعْطَاهَا الْبَائِعُ فَذَلِكَ جَائِزٌ اسْتِحْسَانًا وَزُفَرُ- رَحِمَهُ اللَّهُ- يُخَالِفُ فِي هَذَا الْفَصْلِ أَيْضًا، وَلَكِنْ مِنْ عَادَةِ مُحَمَّدٍ- رَحِمَهُ اللَّهُ- الِاسْتِشْهَادُ بِالْمُخْتَلِفِ عَلَى الْمُخْتَلَفِ لِإِيضَاحِ الْكَلَامِ.
وَكَذَلِكَ لَوْ دَفَعَ إلَى رَجُلٍ أَلْفَ دِينَارٍ مُضَارَبَةً فَاشْتَرَى بِخَمْسِينَ دِينَارًا مِنْهَا جَارِيَةً، وَقَبَضَهَا ثُمَّ اشْتَرَى بِهَا وَبِدَرَاهِمَ أَوْ فُلُوسٍ طَعَامًا يَأْكُلُهُ، فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ الْمُضَارَبَةِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَشْتَرِيَ طَعَامًا بِالدَّنَانِيرِ، أَوْ بِالدَّرَاهِمِ، أَوْ بِالْفُلُوسِ، بِخِلَافِ مَا إذَا اشْتَرَى بِشَيْءٍ آخَرَ، وَهَذَا فِي الْفُلُوسِ بِنَاءً عَلَى الرِّوَايَةِ الَّتِي قُلْنَا: إنَّ الْمُضَارَبَةَ بِالْفُلُوسِ يَصِحُّ، وَهُوَ كَالنُّقُودِ فِي الصَّلَاحِيَةِ لِرَأْسِ مَالِ الْمُضَارَبَةِ.
وَلَوْ كَانَ الَّذِي فِي يَدِهِ مِنْ الْمُضَارَبَةِ سِوَى هَذِهِ الثَّلَاثَةِ الْأَصْنَافِ، ثُمَّ اشْتَرَى عَلَيْهَا بِدَرَاهِمَ، أَوْ دَنَانِيرَ أَوْ فُلُوسٍ، أَوْ صِنْفٍ آخَرَ غَيْرَ مَا فِي يَدِهِ كَانَ مُشْتَرِيًا لِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا مُجَانَسَةَ بَيْنَ مَا فِي يَدِهِ مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ، وَبَيْنَ مَا اشْتَرَى بِهِ فِي الصُّورَةِ، وَالْمَعْنَى الْمَقْصُودِ؛ فَلِهَذَا كَانَ مُشْتَرِيًا لِنَفْسِهِ.
وَإِذَا دَفَعَ الرَّجُلُ إلَى الرَّجُلِ أَلْفَ دِرْهَمٍ مُضَارَبَةً بِالنِّصْفِ فَاشْتَرَى بِهَا جَارِيَةً تُسَاوِي أَلْفَيْنِ فَقَبَضَهَا، وَلَمْ يَنْقُدْ الدَّرَاهِمَ حَتَّى بَاعَ الْجَارِيَةَ بِأَلْفَيْ دِرْهَمٍ، وَقَبَضَ الْأَلْفَيْنِ، ثُمَّ هَلَكَتْ الدَّرَاهِمُ قَبْلَ أَنْ يَنْقُدَ الثَّمَنَ، وَهَلَكَتْ الْجَارِيَةُ مَعَ مَا فِي يَدِهِ مَعًا، فَعَلَى رَبِّ الْمَالِ أَنْ يُؤَدِّيَ أَلْفًا أُخْرَى مَكَانَ الْأَلْفِ الْأُولَى الَّتِي اشْتَرَى بِهَا الْجَارِيَةَ فَيَدْفَعُهَا الْمُضَارِبُ إلَى الَّذِي بَاعَهُ الْجَارِيَةَ، وَيَغْرَمَ رَبُّ الْمَالِ أَيْضًا أَلْفًا وَخَمْسَمِائَةٍ، فَيَدْفَعُهَا إلَى الْمُضَارِبِ فَيُؤَدِّيهَا الْمُضَارِبُ مَعَ خَمْسِمِائَةٍ مِنْ مَالِهِ إلَى مُشْتَرِي الْجَارِيَةِ؛ لِأَنَّ الْأَلْفَ الْأُولَى كَانَتْ أَمَانَةً فِي يَدِ الْمُضَارِبِ، قَدْ هَلَكَتْ، وَكَانَ الْمُضَارِبُ فِي شِرَاءِ الْجَارِيَةِ عَامِلًا لِرَبِّ الْمَالِ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِأَلْفٍ أُخْرَى لِيُؤَدِّيَ مِنْهَا ثَمَنَهَا بِهِ حِينَ بَاعَ الْجَارِيَةَ، وَقَبَضَ ثَمَنَهَا كَانَ هُوَ فِي ثَلَاثَةِ أَرْبَاعِهَا عَامِلًا لِرَبِّ الْمَالِ، وَكَانَ فِي الرُّبْعِ عَامِلًا لِنَفْسِهِ، وَهُوَ مِقْدَارُ حِصَّتِهِ مِنْ الرِّبْحِ، وَبِهَلَاكِ الْجَارِيَةِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ انْفَسَخَ الْبَيْعُ فَيَجِبُ عَلَيْهِ رَدُّ الْمَقْبُوضِ مِنْ الثَّمَنِ، وَقَدْ هَلَكَتْ فِي يَدِهِ فَيَرْجِعُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ بِمِقْدَارِ مَا كَانَ عَمَلُهُ فِيهِ لِرَبِّ الْمَالِ، وَذَلِكَ أَلْفٌ وَخَمْسُمِائَةٍ، وَيَغْرَمُ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ مِقْدَارَ مَا كَانَ عَمَلُهُ فِيهِ لِنَفْسِهِ، وَذَلِكَ خَمْسُمِائَةٍ، فَإِنْ هَلَكَتْ الدَّرَاهِمُ الْأُولَى أَوَّلًا، ثُمَّ هَلَكَتْ الدَّرَاهِمُ الْمَقْبُوضَةُ، وَالْجَارِيَةُ بَعْدَ ذَلِكَ فَالثَّلَاثَةُ الْآلَافُ كُلُّهَا عَلَى رَبِّ الْمَالِ؛ لِأَنَّ الدَّرَاهِمَ الْأُولَى حِينَ هَلَكَتْ اسْتَوْجَبَ الْمُضَارِبُ الرُّجُوعَ بِمِثْلِهَا عَلَى رَبِّ الْمَالِ، وَكَانَ ذَلِكَ دَيْنًا لِحَقِّ الْمُضَارِبِ، وَيَصِيرُ رَأْسُ مَالِ رَبِّ الْمَالِ بِهِ أَلْفَيْ دِرْهَمٍ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّهُ إنْ اسْتَوْفَى مِنْ رَبِّ الْمَالِ أَلْفًا أُخْرَى، ثُمَّ تَصَرَّفَ فِي ثَمَنِ الْجَارِيَةِ، وَرَبِحَ يُحَصِّلُ رَأْسَ مَالِهِ أَلْفَا دِرْهَمٍ أَوَّلًا، فَيَتَبَيَّنُ أَنَّهُ لَا رِبْحَ فِيمَا فِي يَدِهِ، وَأَنَّهُ فِي بَيْعِ جَمِيعِ الْجَارِيَةِ وَقَبْضِ الثَّمَنِ عَامِلٌ لِرَبِّ الْمَالِ، فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِالْعُهْدَةِ فِي جَمِيعِهِ، يُوَضِّحُهُ أَنَّ أَلْفًا مِنْ الْأَلْفَيْنِ الْمَقْبُوضَةِ وَجَبَ دَفْعُهَا إلَى بَائِعِ الْجَارِيَةِ، وَالْأَلِفُ الْأُخْرَى مَشْغُولَةٌ بِرَأْسِ الْمَالِ، فَظَهَرَ أَنَّهُ لَا رِبْحَ فِيهَا، وَالْمُضَارِبُ إنَّمَا يَغْرَمُ مِنْ مَالِهِ شَيْئًا بِاعْتِبَارِ حِصَّتِهِ مِنْ الرِّبْحِ.
وَلَوْ هَلَكَتْ الْجَارِيَةُ أَوَّلًا، ثُمَّ هَلَكَ الْمَالُ الْأَوَّلُ وَالْآخَرُ مَعًا، فَعَلَى رَبِّ الْمَالِ أَلْفَانِ وَخَمْسُمِائَةٍ، وَعَلَى الْمُضَارِبِ خَمْسُمِائَةٍ، وَهَذَا هَلَاكُ الْمَالِ كُلِّهِ مَعًا سَوَاءٌ؛ لِأَنَّ بِهَلَاكِ الْجَارِيَةِ لَا يَزْدَادُ رَأْسُ مَالِ الْمُضَارَبَةِ، وَلَا يَلْحَقُ الْمُضَارِبَ دَيْنٌ، فَلَا يَخْرُجُ الْمُضَارِبُ مِنْ أَنْ يَكُونَ عَامِلًا لِنَفْسِهِ فِي قَبْضِ رُبْعِ ثَمَنِ الْجَارِيَةِ.
وَكَذَلِكَ إنْ هَلَكَتْ الْجَارِيَةُ أَوَّلًا، ثُمَّ هَلَكَ الْمَالُ الْآخَرُ، ثُمَّ هَلَكَ الْمَالُ الْأَوَّلُ؛ فَهَذَا وَمَا لَوْ هَلَكَ الْمَالَانِ بَعْدَ هَلَاكِ الْجَارِيَةِ مَعًا سَوَاءٌ؛ لِاسْتِوَاءِ الْفَصْلَيْنِ فِي الْمَعْنَى.
وَإِذَا كَانَتْ الْمُضَارَبَةُ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَاشْتَرَى عَلَيْهَا جَارِيَةً بِخَمْسِمِائَةٍ، وَكُرَّ حِنْطَةٍ وَسَطٍ فَقَبَضَ الْجَارِيَةَ وَهَلَكَتْ الدَّرَاهِمُ عِنْدَ الْمُضَارِبِ، فَالْمُضَارِبُ مُشْتَرٍ لِلْجَارِيَةِ لِنَفْسِهِ وَعَلَيْهِ ثَمَنُهَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي يَدِهِ جِنْسُ مَا اشْتَرَى مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ صُورَةً لَا مَعْنًى فَيَكُونُ شِرَاؤُهُ لِلْمُضَارَبَةِ اسْتِدَانَةٍ عَلَيْهَا وَهُوَ لَا يَمْلِكُ ذَلِكَ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِي الْمُضَارَبَةِ؛ لِأَنَّهُ اشْتَرَى الْجَارِيَةَ لِنَفْسِهِ بِثَمَنٍ فِي ذِمَّتِهِ، وَهَذَا التَّصَرُّفُ مِنْهُ لَا يَمَسُّ مَالَ الْمُضَارَبَةِ، وَهُوَ إنَّمَا يَصِيرُ مُخَالِفًا ضَامِنًا إذَا تَصَرَّفَ فِي مَالِ الْمُضَارَبَةِ، عَلَى خِلَافِ مَا أُمِرَ بِهِ، فَإِذَا لَمْ يَمَسَّ تَصَرُّفُهُ مَالَ الْمُضَارَبَةِ؛ لَا يَكُونُ ضَامِنًا.
وَلَوْ كَانَ اشْتَرَاهَا بِخَمْسِينَ دِينَارًا فَقَبَضَهَا، وَلَمْ يَنْقُدْ الثَّمَنَ حَتَّى ضَاعَتْ الدَّرَاهِمُ؛ رَجَعَ عَلَى رَبِّ الْمَالِ بِخَمْسِينَ دِينَارًا اسْتِحْسَانًا؛ لِمَا بَيَّنَّا: أَنَّ الْمُجَالَسَةَ بَيْنَ مَا اشْتَرَى بِهِ، وَبَيْنَ مَا فِي يَدِهِ مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ مَوْجُودٌ مَعْنًى؛ فَصَارَ مُشْتَرِيًا لِلْمُضَارَبَةِ، وَقَدْ هَلَكَتْ الدَّرَاهِمُ فِي يَدِهِ بِصِفَةِ الْأَمَانَةِ؛ فَيَرْجِعُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ بِمَا اشْتَرَى بِهِ الْجَارِيَةَ، وَذَلِكَ خَمْسُونَ دِينَارًا فَيُعْطِيهَا بَائِعَ الْجَارِيَةِ، فَإِذَا بَاعَهَا بَعْدَ ذَلِكَ بِثَلَاثَةِ آلَافٍ، أَوْ أَقَلَّ، أَوْ أَكْثَرَ اسْتَوْفَى رَبُّ الْمَالِ رَأْسَ مَالِهِ: أَلْفَ دِرْهَمٍ وَخَمْسِينَ دِينَارًا، وَالْبَاقِي رِبْحٌ بَيْنَهُمَا، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ رَأْسُ الْمَالِ نَقْدًا ثَبَتَ الْمَالُ فَاشْتَرَى الْجَارِيَةَ بِأَلْفِ غَلَّةٍ.
وَلَوْ دَفَعَ إلَى رَجُلٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ مُضَارَبَةً بِالنِّصْفِ، فَاشْتَرَى بِهَا جَارِيَةً تُسَاوِي أَلْفًا فَقَبَضَ الْجَارِيَةَ وَلَمْ يَنْقُدْ الدَّرَاهِمَ حَتَّى بَاعَهَا بِأَلْفَيْنِ، فَقَبَضَهُمَا وَلَمْ يَدْفَعْ الْجَارِيَةَ حَتَّى اشْتَرَى بِالْأَلْفَيْنِ جَارِيَةً تُسَاوِي أَلْفَيْنِ فَقَبَضَهَا، وَلَمْ يَدْفَعْ الدَّرَاهِمَ فَهَلَكَتْ الدَّرَاهِمُ كُلُّهَا، وَالْجَارِيَتَانِ جَمِيعًا فَعَلَى الْمُضَارِبِ أَنْ يُؤَدِّيَ إلَيْهِمْ خَمْسَةَ آلَافٍ: إلَى بَائِعِ الْجَارِيَةِ الْأُولَى، ثَمَنِهَا أَلْفِ دِرْهَمٍ، وَيَرُدَّ عَلَى مُشْتَرِي الْجَارِيَةِ الْأُولَى مَا قَبَضَ مِنْهُ مِنْ ثَمَنِهَا، وَذَلِكَ أَلْفَا دِرْهَمٍ بِانْفِسَاخِ الْبَيْعِ فِيهَا بِالْهَلَاكِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ، وَإِلَى بَائِعِ الْجَارِيَةِ الثَّانِيَةِ أَلْفَيْ دِرْهَمٍ ثَمَنَهَا؛ لِأَنَّهُ حِينَ قَبَضَهَا دَخَلَتْ فِي ضَمَانِهِ، وَتَقَرَّرَ عَلَيْهِ جَمِيعُ الثَّمَنِ بِقَبْضِهَا، ثُمَّ يَرْجِعُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ مِنْ هَذِهِ الْجُمْلَةِ بِأَرْبَعَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ: أَلْفٌ ثَمَنُ الْجَارِيَةِ الْأُولَى، وَأَلْفٌ وَخَمْسُمِائَةٍ مِمَّا قَبَضَ مِنْ ثَمَنِ الْجَارِيَةِ الْأُولَى بَعْدَ بَيْعِهَا؛ لِأَنَّهُ فِي قَبْضِ الْأَلْفَيْنِ كَانَ عَامِلًا لِرَبِّ الْمَالِ فِي ثَلَاثَةِ أَرْبَاعِهَا، وَذَلِكَ أَلْفٌ وَخَمْسُمِائَةٍ، وَفِي الرُّبْعِ كَانَ عَامِلًا لِنَفْسِهِ بِاعْتِبَارِ حِصَّتِهِ مِنْ الرِّبْحِ، وَكَذَلِكَ فِي شِرَاءِ الْجَارِيَةِ الثَّانِيَةِ وَقَبْضِهَا، كَانَ عَامِلًا لِرَبِّ الْمَالِ فِي ثَلَاثَةِ أَرْبَاعِهَا، وَذَلِكَ أَلْفٌ وَخَمْسُمِائَةٍ، وَفِي الرُّبْعِ كَانَ عَامِلًا لِنَفْسِهِ بِاعْتِبَارِ حِصَّتِهِ مِنْ الرِّبْحِ؛ فَلِهَذَا يَغْرَمُ أَلْفًا مِنْ مَالِهِ، وَيَرْجِعُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ بِأَرْبَعَةِ آلَافٍ.
وَلَوْ هَلَكَتْ الْأَلْفُ الْأُولَى ثُمَّ هَلَكَ مَا بَقِيَ مَعًا يَرْجِعُ بِجَمِيعِ الْخَمْسَةِ آلَافٍ عَلَى رَبِّ الْمَالِ؛ لِأَنَّ بِهَلَاكِ الْأَلْفِ الْأُولَى لَحِقَ الْمُضَارَبَةَ دَيْنٌ بِقَدْرِ أَلْفٍ، وَصَارَ رَأْسُ مَالِ الْمُضَارَبَةِ أَلْفَيْ دِرْهَمٍ لِلطَّرِيقَيْنِ اللَّذَيْنِ بَيَّنَّاهُمَا، فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ فِي بَيْعِ جَمِيعِ الْجَارِيَةِ، وَقَبْضِ ثَمَنِهَا كَانَ عَامِلًا لِرَبِّ الْمَالِ.
وَكَذَلِكَ فِي شِرَاءِ الْجَارِيَةِ الثَّانِيَةِ؛ فَلِهَذَا يَرْجِعُ بِالْكُلِّ عَلَى رَبِّ الْمَالِ.
وَلَوْ هَلَكَتْ الْجَارِيَةُ الْأَخِيرَةُ أَوَّلًا، ثُمَّ هَلَكَ مَا بَقِيَ مَعًا رَجَعَ عَلَى رَبِّ الْمَالِ بِأَرْبَعَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ؛ لِأَنَّ بِهَلَاكِ الْجَارِيَةِ الْأَخِيرَةِ لَا يَلْحَقُ مَالَ الْمُضَارَبَةِ دَيْنٌ، فَلَا يَخْرُجُ الْمُضَارِبُ مِنْ أَنْ يَكُونَ عَامِلًا لِنَفْسِهِ فِي الرُّبْعِ، وَكَذَلِكَ لَوْ هَلَكَتْ الْجَارِيَةُ الْأُولَى أَوَّلًا، أَوْ هَلَكَتْ الْأَلْفَانِ أَوَّلًا ثُمَّ هَلَكَ مَا بَقِيَ فَهَذَا وَمَا لَوْ هَلَكَ الْكُلُّ مَعًا فِي الْمَعْنَى سَوَاءٌ.
وَلَوْ دَفَعَ إلَيْهِ الْأَلْفَ مُضَارَبَةً بِالنِّصْفِ فَاشْتَرَى بِهَا جَارِيَةً تُسَاوِي أَلْفًا وَقَبَضَهَا وَلَمْ يَنْقُدْ الثَّمَنَ، ثُمَّ اشْتَرَى بِالْجَارِيَةِ عَبْدًا يُسَاوِي أَلْفَيْنِ وَقَبَضَهُ وَلَمْ يَدْفَعْ الْجَارِيَةَ، ثُمَّ اشْتَرَى بِالْعَبْدِ جِرَابَ هَرَوِيٍّ يُسَاوِي ثَلَاثَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ وَقَبَضَهُ وَلَمْ يَدْفَعْ الْعَبْدَ، فَهَلَكَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ كُلُّهَا، وَرَأْسُ مَالِ الْأَوَّلِ مَعًا فَعَلَى الْمُضَارِبِ سِتَّةُ آلَافِ دِرْهَمٍ: أَلْفٌ ثَمَنُ الْجَارِيَةِ الْأُولَى، وَأَلْفَانِ قِيمَةُ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّهُ اشْتَرَاهُ بِالْجَارِيَةِ، وَقَدْ انْفَسَخَ الْبَيْعُ بِهَلَاكِ الْجَارِيَةِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ، وَتَعَذَّرَ عَلَيْهِ رَدُّ الْعَبْدِ بِهَلَاكِهِ فِي يَدِهِ؛ فَعَلَيْهِ رَدُّ قِيمَتِهِ، وَالثَّلَاثَةُ آلَافٍ قِيمَةُ الْجِرَابِ؛ لِأَنَّهُ اشْتَرَى الْجِرَابَ بِالْعَبْدِ، وَقَدْ انْفَسَخَ الْعَقْدُ بِهَلَاكِ الْعَبْدِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ، وَتَعَذَّرَ عَلَيْهِ رَدُّ الْجِرَابِ بِهَلَاكِهِ فِي يَدِهِ؛ فَيَغْرَمُ قِيمَتَهُ ثَلَاثَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ، وَيَرْجِعُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ مِنْ ذَلِكَ بِأَرْبَعَةِ آلَافٍ وَخَمْسِمِائَةٍ؛ لِأَنَّهُ فِي شِرَاءِ الْعَبْدِ كَانَ عَامِلًا لِرَبِّ الْمَالِ فِي ثَلَاثَةِ أَرْبَاعِهِ، وَذَلِكَ أَلْفٌ وَخَمْسُمِائَةٍ، وَفِي الرُّبْعِ كَانَ عَامِلًا لِنَفْسِهِ بِاعْتِبَارِ حِصَّتِهِ مِنْ الرِّبْحِ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ مِنْ قِيمَةِ الْعَبْدِ الْأَوَّلِ، وَفِي شِرَاءِ الْجِرَابِ كَانَ عَامِلًا لِنَفْسِهِ فِي الثُّلُثِ؛ لِأَنَّ الثُّلُثَ مَشْغُولٌ مِنْهُ بِرَأْسِ الْمَالِ وَالثُّلُثَانِ رِبْحٌ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، فَكَانَ عَامِلًا لِنَفْسِهِ فِي شِرَاءِ الْجِرَابِ فِي الثُّلُثِ، فَحَاصِلُ مَا اسْتَقَرَّ عَلَى الْمُضَارِبِ رُبْعُ قِيمَةِ الْعَبْدِ، وَثُلُثُ قِيمَةِ الْجِرَابِ، وَذَلِكَ أَلْفٌ وَخَمْسُمِائَةٍ فَيَرْجِعُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ بِمَا سِوَى ذَلِكَ.
وَلَوْ هَلَكَ رَأْسُ الْمَالِ أَوَّلًا، ثُمَّ هَلَكَ مَا سِوَاهُ مَعًا رَجَعَ الْمُضَارِبُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ بِخَمْسَةِ آلَافٍ وَخَمْسِمِائَةٍ؛ لِأَنَّهُ حِينَ هَلَكَ رَأْسُ الْمَالِ أَوَّلًا فَقَدْ لَحِقَ مَالَ الْمُضَارَبَةِ دَيْنٌ: أَلْفُ دِرْهَمٍ، وَصَارَ رَأْسُ الْمَالِ أَلْفَيْنِ، فَهُوَ فِي شِرَاءِ جَمِيعِ الْعَبْدِ عَامِلٌ لِرَبِّ الْمَالِ، وَأَمَّا فِي شِرَاءِ الْجِرَابِ فَهُوَ عَامِلٌ لِنَفْسِهِ فِي السُّدُسِ: بِاعْتِبَارِ حِصَّتِهِ مِنْ الرِّبْحِ، وَفِيمَا سِوَى ذَلِكَ عَامِلٌ لِرَبِّ الْمَالِ فَيَغْرَمُ مِنْ مَالِهِ قِيمَةَ سُدُسِ الْجِرَابِ وَهُوَ خَمْسُمِائَةٍ، وَيَرْجِعُ بِمَا سِوَى ذَلِكَ عَلَى رَبِّ الْمَالِ.
وَلَوْ هَلَكَ الْجِرَابُ أَوَّلًا، ثُمَّ هَلَكَ مَا بَقِيَ مَعًا؛ رَجَعَ عَلَى رَبِّ الْمَالِ بِأَرْبَعَةِ آلَافٍ وَخَمْسِمِائَةٍ؛ لِأَنَّهُ لِهَلَاكِ الْجِرَابِ لَا يَلْحَقُ مَالَ الْمُضَارَبَةِ دَيْنٌ يُوجِبُ زِيَادَةً فِي رَأْسِ الْمَالِ.
وَكَذَلِكَ لَوْ هَلَكَ الْعَبْدُ أَوَّلًا، ثُمَّ هَلَكَ مَا بَقِيَ رَجَعَ عَلَى رَبِّ الْمَالِ بِأَرْبَعَةِ آلَافٍ وَسَبْعِمِائَةٍ وَخَمْسِينَ؛ لِأَنَّ الْجَارِيَةَ لَوْ هَلَكَتْ أَوَّلًا انْفَسَخَ الْبَيْعُ فِي الْعَبْدِ، وَوَجَبَ عَلَى الْمُضَارِبِ قِيمَةُ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ الْعَبْدَ حِينَ بَاعَهُ بِالْجِرَابِ، وَقِيمَةُ الْعَبْدِ أَلْفَا دِرْهَمٍ فَلَمَّا وَجَبَتْ عَلَيْهِ قِيمَتُهُ كَانَ فِي الْقِيمَةِ فَضْلُ أَلْفِ دِرْهَمٍ عَلَى رَأْسِ الْمَالِ، فَذَلِكَ رِبْحٌ بَيْنَهُمَا، فَعَلَيْهِ غُرْمُ حِصَّتِهِ مِنْ ذَلِكَ وَهُوَ: خَمْسُمِائَةٍ، وَذَلِكَ رُبْعُهُ فَقَدْ اسْتَوْجَبَ الرُّجُوعُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ مِنْ قِيمَةِ الْعَبْدِ وَبِالْأَلْفِ الْأُولَى، ثُمَّ كَانَ مُشْتَرِيًا رُبْعَ الْجِرَابِ لِنَفْسِهِ فَعَلَيْهِ قِيمَةُ ذَلِكَ عِنْدَ انْفِسَاخِ الْبَيْعِ فِيهِ، وَذَلِكَ سَبْعُمِائَةٍ وَخَمْسُونَ، فَحَاصِلُ مَا عَلَيْهِ مِنْ الْغُرْمِ فِي مَالِهِ أَلْفٌ وَمِائَتَانِ وَخَمْسُونَ، وَعَلَى رَبِّ الْمَالِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ قِيمَةِ الْجِرَابِ؛ لِأَنَّ رَأْسَ مَالِهِ فِي الْجِرَابِ أَلْفَانِ وَخَمْسُمِائَةٍ، وَقِيمَتُهُ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الْجِرَابِ دُونَ رَأْسِ مَالِهِ، فَظَهَرَ أَنَّهُ لَا رِبْحَ فِيهَا؛ فَلِهَذَا رَجَعَ عَلَيْهِ بِثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ قِيمَةِ الْجِرَابِ، وَذَلِكَ أَلْفَانِ وَمِائَتَانِ وَخَمْسُونَ مَعَ الْأَلْفَيْنِ وَالْخَمْسِمِائَةِ، فَيَكُونُ جُمْلَةُ ذَلِكَ أَرْبَعَةَ آلَافٍ وَسَبْعَمِائَةٍ وَخَمْسِينَ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَمْلِكْ غَيْرَ الْجَارِيَةِ، وَغَرِمَ قِيمَةَ الْعَبْدِ أَرْبَاعًا، ثُمَّ بَاعَ الْجِرَابَ بِثَلَاثَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ؛ أَخَذَ الْمُضَارِبُ رُبْعَهَا لِنَفْسِهِ، وَاحْتَاجَ رَبُّ الْمَالِ إلَى الْأَلْفَيْنِ وَخَمْسِمِائَةٍ مِنْ بَقِيَّةِ ثَمَنِ الْجَارِيَةِ وَلَا وَفَاءَ فِيهِ فَيَأْخُذُ مَا بَقِيَ فَقَطْ، وَبِهَذَا تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَا رِبْحَ لَهُ فِي الْجِرَابِ.
وَلَوْ اشْتَرَى بِالْأَلْفِ جَارِيَةً تُسَاوِي أَلْفًا فَقَبَضَهَا، ثُمَّ اشْتَرَى بِالْجَارِيَةِ جَارِيَتَيْنِ تُسَاوِي كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا أَلْفًا فَقَبَضَهُمَا، ثُمَّ هَلَكَتْ الْجَوَارِي وَرَأْسُ الْمَالِ الْأَوَّلُ مَعًا، فَعَلَى الْمُضَارِبِ ثَمَنُ الْجَارِيَةِ الْأُولَى أَلْفُ دِرْهَمٍ، وَأَلْفَانِ قِيمَةُ الْجَارِيَتَيْنِ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ قَدْ انْفَسَخَ فِيهِمَا بِهَلَاكِ الْجَارِيَةِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ، وَقَدْ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ رَدُّهَا؛ فَيَرُدُّ قِيمَتَهَا، وَيَرْجِعُ بِجَمِيعِ ذَلِكَ عَلَى رَبِّ الْمَالِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْجَارِيَتَيْنِ كَانَتْ مَشْغُولَةً بِرَأْسِ الْمَالِ، إذْ لَا فَضْلَ فِي قِيمَةِ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا عَلَى رَأْسِ الْمَالِ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّهُ تُعْتَبَرُ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا عَلَى حِدَةٍ؛ وَلِهَذَا لَوْ أَعْتَقَ الْمُضَارِبُ وَاحِدَةً مِنْهُمَا؛ لَمْ يَنْفُذْ عِتْقُهُ، فَكَانَ هُوَ عَامِلًا لِرَبِّ الْمَالِ فِي جَمِيعِ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا، بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ اشْتَرَى بِالْجَارِيَةِ الْأُولَى جَارِيَةً تُسَاوِي أَلْفَيْنِ وَقَبَضَهَا فَهَلَكَتْ الْجَارِيَتَانِ وَرَأْسُ الْمَالِ مَعًا، فَإِنَّ عَلَى الْمُضَارِبِ ثَلَاثَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ: أَلْفٌ ثَمَنُ الْجَارِيَةِ الْأُولَى وَأَلْفَانِ قِيمَةُ الْجَارِيَةِ الثَّانِيَةِ، وَيَرْجِعُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ بِأَلْفَيْنِ وَخَمْسِمِائَةٍ؛ لِأَنَّ فِي قِيمَةِ الْجَارِيَةِ الثَّانِيَةِ فَضْلًا عَلَى رَأْسِ الْمَالِ بِقَدْرِ الْأَلْفِ، فَكَانَ الْمُضَارِبُ فِي رُبْعِهَا عَامِلًا لِنَفْسِهِ؛ فَيَغْرَمُ رُبْعَ قِيمَتِهَا مِنْ مَالِهِ.
وَكَذَلِكَ لَوْ هَلَكَتْ إحْدَى الْجَارِيَتَيْنِ أَوَّلًا، ثُمَّ هَلَكَ مَا بَقِيَ مَعًا؛ لِأَنَّ الْجَارِيَةَ الْأُولَى إنْ هَلَكَتْ أَوَّلًا فَبِهَلَاكِهَا يُنْتَقَضُ الْبَيْعُ وَلَمْ يَلْحَقْ رَأْسَ الْمَالِ دَيْنٌ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ رَدُّ الْجَارِيَةِ الْأُولَى وَإِنْ هَلَكَتْ الْأُخْرَى أَوَّلًا لَمْ يَنْتَقِضْ الْبَيْعُ بِهَلَاكِهَا؛ لِأَنَّ الْمُضَارِبَ قَبَضَ لَهَا.
وَلَوْ هَلَكَتْ الْأَلْفُ الْأُولَى أَوَّلًا، ثُمَّ هَلَكَ مَا بَقِيَ مَعًا رَجَعَ بِالثَّلَاثَةِ آلَافٍ كُلِّهَا عَلَى رَبِّ الْمَالِ؛ لِأَنَّ بِهَلَاكِ الْأَلْفِ الْأَوَّلِ لَحِقَ رَأْسَ الْمَالِ دَيْنٌ: أَلْفُ دِرْهَمٍ، فَظَهَرَ أَنَّهُ فِي شِرَاءِ الْجَارِيَةِ الثَّانِيَةِ عَامِلٌ لِرَبِّ الْمَالِ فِي جَمِيعِهَا إذْ لَا فَضْلَ فِي قِيمَتِهَا عَلَى رَأْسِ الْمَالِ.
وَلَوْ دَفَعَ إلَى رَجُلٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ مُضَارَبَةً بِالنِّصْفِ، فَاشْتَرَى بِهَا جَارِيَةً تُسَاوِي أَلْفًا وَقَبَضَهَا، ثُمَّ بَاعَهَا بِأَلْفَيْ دِرْهَمٍ، وَقَبَضَ الثَّمَنَ وَلَمْ يَدْفَعْ الْجَارِيَةَ، ثُمَّ اشْتَرَى بِالْأَلْفَيْنِ وَبِالْأَلْفِ الْأُولَى وَهِيَ فِي يَدَيْهِ جَارِيَةً تُسَاوِي أَرْبَعَةَ آلَافٍ وَقَبَضَهَا، ثُمَّ دَفَعَ رَأْسَ الْمَالِ الْأَوَّلَ إلَى صَاحِبِ الْجَارِيَةِ الْأُولَى، وَدَفَعَ الْأَلْفَيْنِ إلَى الَّذِي اشْتَرَى مِنْهُ الْجَارِيَةَ الْأَخِيرَةَ فَإِنَّ عَلَيْهِ غُرْمَ أَلْفِ دِرْهَمٍ مِنْ مَالِهِ لِلَّذِي اشْتَرَى مِنْهُ الْجَارِيَةَ الْأَخِيرَةَ؛ لِأَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْهُ بِثَلَاثَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ: أَلْفَانِ مِنْهَا فِي الْمُضَارَبَةِ وَهُمَا الْأَلْفَانِ الْأُخْرَيَانِ، وَأَلْفٌ مِنْهَا عَلَى نَفْسِهِ؛ لِأَنَّ الْأَلْفَ الْأُولَى مُسْتَحَقَّةٌ عَلَيْهِ فِي ثَمَنِ الْجَارِيَةِ الْأُولَى، فَشِرَاؤُهُ بِهَا مَرَّةً أُخْرَى يَكُونُ اسْتِدَانَةً عَلَى الْمُضَارَبَةِ، وَهُوَ لَا يَمْلِكُ ذَلِكَ فَصَارَ مُشْتَرِيًا ثُلُثَ الْجَارِيَةِ الْأَخِيرَةِ لِنَفْسِهِ فَعَلَيْهِ ثَمَنُهَا، وَثُلُثَاهَا عَلَى الْمُضَارَبَةِ، فَإِنْ لَمْ يَنْقُدْ الْأَلْفَ الْأُولَى حَتَّى هَلَكَ، وَبَاعَ الْجَارِيَةَ الْأَخِيرَةَ بِسِتَّةِ آلَافِ دِرْهَمٍ كَانَ لَهُ مِنْ ثَمَنِهَا أَلْفَا دِرْهَمٍ حِصَّةُ ثُلُثِهَا الَّذِي كَانَ اشْتَرَى لِنَفْسِهِ، وَيَكُونُ أَرْبَعَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ عَلَى الْمُضَارَبَةِ، يُؤَدِّي مِنْهَا أَلْفَ دِرْهَمٍ إلَى الَّذِي اشْتَرَى الْأَوَّلَ مِنْهُ، ثُمَّ يَأْخُذُ رَبُّ الْمَالِ رَأْسَ مَالِهِ أَلْفَ دِرْهَمٍ مِنْ الْبَاقِي، وَمَا بَقِيَ وَهُوَ أَلْفَا دِرْهَمٍ رِبْحٌ بَيْنَهُمَا عَلَى الشَّرْطِ، فَإِنْ كَانَ الْمُضَارِبُ لَمْ يَنْقُدْ الْأَلْفَيْنِ اللَّتَيْنِ اشْتَرَى بِهِمَا الْجَارِيَةَ الْأَخِيرَةَ حَتَّى ضَاعَتْ وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا؛ فَإِنَّهُ يُؤَدِّي ذَلِكَ أَيْضًا مِنْ ثُلُثَيْ الْجَارِيَةِ الْأَخِيرَةِ، وَلَا يَبْقَى فِيهِ رِبْحٌ؛ لِأَنَّ ثُلُثَيْ ثَمَنِهَا أَرْبَعَةُ آلَافٍ، وَقَدْ دَفَعَ أَلْفًا مِنْ ذَلِكَ إلَى بَائِعِ الْجَارِيَةِ الْأُولَى، وَأَلْفَيْنِ إلَى بَائِعِ الْجَارِيَةِ الْأَخِيرَةِ، وَأَلْفٌ يَأْخُذُهُ رَبُّ الْمَالِ بِحِسَابِ رَأْسِ مَالِهِ.
وَلَوْ اشْتَرَى وَبَاعَ بِالْأَلْفِ الْمُضَارَبَةِ حَتَّى صَارَ فِي يَدِهِ أَلْفَا دِرْهَمٍ، فَاشْتَرَى بِهَا جَارِيَةً وَقَبَضَهَا، ثُمَّ بَاعَهَا بِأَرْبَعَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ نَسِيئَةً مِنْهُ، وَقِيمَتُهَا يَوْمَ بَاعَهَا أَلْفُ دِرْهَمٍ، أَوْ أَكْثَرُ أَوْ أَقَلُّ فَدَفَعَهَا إلَى الْمُشْتَرِي، ثُمَّ هَلَكَتْ الْأَلْفَانِ الْأُولَيَانِ قَبْلَ أَنْ يَنْقُدَ الثَّمَنَ بَائِعِ الْجَارِيَةِ الْأُولَى؛ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ عَلَى رَبِّ الْمَالِ فَيُؤَدِّيهَا مَعَ خَمْسِمِائَةٍ مِنْ مَالِهِ إلَى بَائِعِ الْجَارِيَةِ؛ لِأَنَّهُ فِي شِرَاءِ رُبْعِ الْجَارِيَةِ كَانَ عَامِلًا لِنَفْسِهِ بِاعْتِبَارِ حِصَّتِهِ مِنْ الرِّبْحِ فِي مَالِ الْمُضَارَبَةِ، فَإِذَا خَرَجَتْ الْأَرْبَعَةُ آلَافٍ كَانَ لِلْمُضَارِبِ رُبْعُهَا مِنْ غَيْرِ الْمُضَارَبَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ رُبْعُ ثَمَنِهَا فَقَدْ ظَهَرَ أَنَّهُ كَانَ مُشْتَرِيًا رُبْعَهَا لِنَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ الْمُضَارَبَةِ، وَيَأْخُذُ رَبُّ الْمَالِ مِنْ الثَّلَاثَةِ الْأَرْبَاعِ رَأْسَ مَالِهِ: أَلْفَيْنِ وَخَمْسَمِائَةٍ؛ لِأَنَّهُ غَرِمَ هَذَا الْمِقْدَارَ فِي دُفْعَتَيْنِ، وَالْبَاقِي رِبْحٌ بَيْنَهُمَا.
وَلَوْ اشْتَرَى بِأَلْفِ الْمُضَارَبَةِ جَارِيَةً قِيمَتُهَا أَكْثَرُ مِنْ أَلْفِ دِرْهَمٍ، وَنَقَدَ الدَّرَاهِمَ ثُمَّ بَاعَهَا بِجَارِيَةٍ تُسَاوِي أَلْفًا فَقَبَضَهَا، ثُمَّ هَلَكَتْ الْجَارِيَتَانِ جَمِيعًا: فَعَلَى الْمُضَارِبِ قِيمَةُ الْجَارِيَةِ الْأَخِيرَةِ لِانْفِسَاخِ الْبَيْعِ فِيهَا بِهَلَاكِ مَا يُقَابِلُهَا قَبْلَ التَّسْلِيمِ، وَيَرْجِعُ بِهَا عَلَى رَبِّ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ لَا فَضْلَ فِي قِيمَتِهَا عَلَى رَأْسِ الْمَالِ، فَكَانَ هُوَ فِي شِرَائِهَا عَامِلًا لِرَبِّ الْمَالِ فِي الْكُلِّ، وَلَا يَنْظُرُ إلَى الْفَضْلِ فِيمَا اشْتَرَى بِهِ فِي هَذِهِ الْجَارِيَةِ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ قِيمَةُ الْجَارِيَةِ، وَلَا فَضْلَ فِيهَا.
وَلَوْ عَمِلَ بِالْمُضَارَبَةِ حَتَّى صَارَتْ أَلْفَيْ دِرْهَمٍ، ثُمَّ اشْتَرَى بِهَا جَارِيَةً قِيمَتُهَا أَقَلُّ مِنْ أَلْفَيْنِ، وَقَبَضَهَا فَهَلَكَ ذَلِكَ كُلُّهُ عِنْدَهُ مَعًا: فَعَلَى الْمُضَارِبِ أَلْفَا دِرْهَمٍ ثَمَنُ الْجَارِيَةِ؛ لِأَنَّهُ تَقَرَّرَ عَلَيْهِ بِقَبْضِهَا وَهَلَاكِهَا فِي يَدِهِ، وَيَرْجِعُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ بِثَلَاثَةِ أَرْبَاعِهَا؛ لِأَنَّ الرُّبْعَ مِنْ ذَلِكَ حِصَّتُهُ مِنْ الرِّبْحِ فَيَكُونُ عَامِلًا لِنَفْسِهِ فِي ذَلِكَ، وَلَا يَنْظُرُ إلَى قِيمَةِ الْجَارِيَةِ هُنَا؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ هُوَ الْوَاجِبُ دُونَ قِيمَتِهَا، بِخِلَافِ الْأَوَّلِ.
وَلَوْ عَمِلَ بِالْمُضَارَبَةِ حَتَّى صَارَتْ أَرْبَعَةَ آلَافٍ: أَلْفَانِ مِنْهَا دَيْنٌ، وَأَلْفَانِ عَيْنٌ فِي يَدِهِ، فَاشْتَرَى بِهَاتَيْنِ الْأَلْفَيْنِ جَارِيَةً فَلَمْ يَقْبِضْهَا حَتَّى هَلَكَتْ الْأَلْفَانِ: فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِثَلَاثَةِ أَرْبَاعِهَا عَلَى رَبِّ الْمَالِ؛ لِأَنَّ رَأْسَ الْمَالِ فِي هَاتَيْنِ الْأَلْفَيْنِ أَلْفُ دِرْهَمٍ، فَإِنَّ الدَّيْنَ، وَالْعَيْنَ فِي مَعْنَى جِنْسَيْنِ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّهُ يُعْتَبَرُ جَمِيعُ رَأْسِ الْمَالِ فِي كُلِّ جِنْسٍ كَأَنَّهُ لَيْسَ مَعَهُ غَيْرُهُ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّ الدَّيْنَ لَوْ تَوَى كَانَ رَأْسُ الْمَالِ كُلُّهُ فِي الْأَلْفَيْنِ، فَعَرَفْنَا أَنَّ رِبْحَهُ فِي الْأَلْفَيْنِ بِقَدْرِ الرُّبْعِ، فَكَانَ هُوَ عَامِلًا لِنَفْسِهِ فِي الشِّرَاءِ بِرُبْعِهَا، وَلِرَبِّ الْمَالِ فِي الشِّرَاءِ بِثَلَاثَةِ أَرْبَاعِهَا، وَيَرْجِعُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ، وَإِذَا أَخَذَ الْجَارِيَةَ كَانَ لَهُ رُبْعُهَا مِنْ غَيْرِ الْمُضَارَبَةِ؛ لِأَنَّهُ أَدَّى رُبْعَ ثَمَنِهَا مِنْ مَالِ نَفْسِهِ، فَإِنْ هَلَكَتْ الْجَارِيَةُ فِي يَدِهِ، ثُمَّ خَرَجَ الدَّيْنُ بَعْدَ ذَلِكَ كَانَ كُلُّهُ لِرَبِّ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ دُونَ رَأْسِ الْمَالِ، فَرَأْسُ مَالِهِ أَلْفَانِ وَخَمْسُمِائَةٍ وَلَا يَرْجِعُ الْمُضَارِبُ فِي هَاتَيْنِ الْأَلْفَيْنِ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّهُ صَارَ لَهُ رُبْعُ الْجَارِيَةِ بِاعْتِبَارِ مَا نَقَدَ، وَقَدْ هَلَكَتْ الْجَارِيَةُ فِي يَدِهِ فَقَدْرُ الرُّبْعِ مِنْهَا هَلَكَ فِي ضَمَانِهِ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّهَا لَوْ لَمْ تَهْلِكْ، وَبَاعَهَا بِعَشَرَةِ آلَافٍ كَانَ لَهُ رُبْعُ ثَمَنِهَا مِنْ غَيْرِ الْمُضَارَبَةِ؛ فَلِهَذَا لَا يَرْجِعُ بِشَيْءٍ مِمَّا نَقَدَ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ فِي الدَّيْنِ الَّذِي خَرَجَ.
(قَالَ- رَحِمَهُ اللَّهُ-:) وَإِذَا دَفَعَ إلَى رَجُلٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ مُضَارَبَةً بِالنِّصْفِ وَأَمَرَهُ أَنْ يَسْتَدِينَ عَلَى الْمَالِ فَهُوَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ الِاسْتِدَانَةَ شِرَاءٌ بِالنَّسِيئَةِ.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ} فَقَدْ وَكَّلَهُ بِالشِّرَاءِ بِالنَّسِيئَةِ عَلَى أَنْ يَكُونَ الْمُشْتَرَى بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ.
وَلَوْ وَكَّلَهُ بِالشِّرَاءِ بِالنَّسِيئَةِ عَلَى أَنْ يَكُونَ الْمُشْتَرَى كُلُّهُ لِلْمُوَكِّلِ جَازَ، فَكَذَلِكَ النِّصْفُ فَإِنْ اشْتَرَى بِالْمُضَارَبَةِ غُلَامًا، ثُمَّ اشْتَرَى عَلَى الْمُضَارَبَةِ جَارِيَةً بِأَلْفِ دِرْهَمٍ دَيْنًا، وَقَبَضَهَا ثُمَّ بَاعَهَا بِأَلْفَيْ دِرْهَمٍ فَقَبَضَ الْمَالَ ثُمَّ هَلَكَ مَا قَبَضَ وَلَمْ يَدْفَعْ مَا بَاعَ وَمَا كَانَ عِنْدَهُ فَإِنَّ الْمُضَارِبَ يَلْحَقُهُ نِصْفُ ثَمَنِ الْجَارِيَةِ، وَيَكُونُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ نِصْفُ ثَمَنِهَا؛ لِأَنَّهُ فِيمَا اسْتَدَانَ كَانَ مُشْتَرِيًا نِصْفَهُ لِنَفْسِهِ، وَنِصْفَهُ لِرَبِّ الْمَالِ عَلَى الْمُضَارَبَةِ، فَإِنَّ الشَّرْطَ بَيْنَهُمَا فِي الْمُضَارَبَةِ الْمُنَاصَفَةُ وَلَا تَكُونُ الْمُنَاصَفَةُ فِي الرِّبْحِ فِي الْمُشْتَرَى بِالنَّسِيئَةِ إلَّا بَعْدَ أَنْ يَكُونَ الْمُشْتَرَى بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، وَقَدْ قَرَّرْنَا هَذَا فِي كِتَابِ الشَّرِكَةِ فِي شَرِكَةِ الْوُجُوهِ فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ اشْتَرَى نِصْفَهَا لِنَفْسِهِ؛ كَانَ عَلَيْهِ نِصْفُ ثَمَنِهَا، وَنِصْفُ ثَمَنِهَا كَانَ عَلَى رَبِّ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ اشْتَرَى نِصْفَهَا لَهُ بِأَمْرِهِ وَلَوْ لَمْ تَهْلِكْ الْجَارِيَةُ كَانَتْ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ يُؤَدِّيَانِ مِنْ ثَمَنِهَا مَا عَلَيْهِ مِنْ الثَّمَنِ، وَالْبَاقِي عَلَيْهِمَا نِصْفَانِ، فَإِنْ لَمْ يَبِعْ الْمُضَارِبُ الْجَارِيَةَ وَلَكِنَّهُ أَعْتَقَهَا وَلَا فَضْلَ فِيهَا عَلَى رَأْسِ الْمَالِ فَعِتْقُهُ جَائِزٌ فِي نِصْفِهَا؛ لِأَنَّهُ مَلَكَ نِصْفَهَا بِالشِّرَاءِ لِنَفْسِهِ، فَهِيَ بِمَنْزِلَةِ جَارِيَةٍ بَيْنَ رَجُلَيْنِ أَعْتَقَهَا أَحَدُهُمَا، وَهَذَا بِخِلَافِ الْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ بِالْمُضَارَبَةِ فَإِنَّهُ مَمْلُوكٌ لِرَبِّ الْمَالِ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ فَضْلٌ عَلَى رَأْسِ الْمَالِ، فَلَا يَنْفُذْ عِتْقُ الْمُضَارِبِ فِيهِ.
وَلَوْ دَفَعَ إلَيْهِ أَلْفَ دِرْهَمٍ مُضَارَبَةً، وَأَمَرَهُ أَنْ يَسْتَدِينَ عَلَى الْمَالِ عَلَى أَنَّ مَا رَزَقَ اللَّهُ تَعَالَى فِي ذَلِكَ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ بَيْنَهُمَا: لِلْمُضَارِبِ ثُلُثَاهُ، وَلِرَبِّ الْمَالِ ثُلُثُهُ، فَاشْتَرَى الْمُضَارِبُ بِالْأَلْفِ جَارِيَةً تُسَاوِي أَلْفَيْنِ، ثُمَّ اشْتَرَى عَلَى الْمُضَارَبَةِ غُلَامًا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ يُسَاوِي أَلْفَيْنِ فَبَاعَهُمَا جَمِيعًا بِأَرْبَعَةِ آلَافٍ، فَإِنَّ ثَمَنَ الْجَارِيَةِ يَسْتَوْفِي مِنْهُ رَبُّ الْمَالِ رَأْسَ مَالِهِ، وَمَا بَقِيَ فَهُوَ رِبْحٌ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا اشْتَرَطَا: ثُلُثَاهُ لِلْمُضَارِبِ، وَثُلُثُهُ لِرَبِّ الْمَالِ.
وَأَمَّا ثَمَنُ الْغُلَامِ فَيُؤَدِّي مِنْهُ ثَمَنَهُ، وَالْبَاقِي بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالِاسْتِدَانَةِ كَانَ مُطْلَقًا، فَالْمُشْتَرَى بِالدَّيْنِ يَكُونُ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، وَمَعَ الْمُنَاصَفَةِ بَيْنَهُمَا فِي الْمُشْتَرَى لَا يَصِحُّ شَرْطُ التَّفَاوُتِ فِي الرِّبْحِ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّ رَجُلَيْنِ لَوْ اشْتَرَكَا بِغَيْرِ مَالٍ عَلَى أَنْ يَشْتَرِيَا بِالدَّيْنِ وَيَبِيعَا، فَمَا رَزَقَ اللَّهُ تَعَالَى فِي ذَلِكَ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا فَاشْتَرَيَا، وَبَاعَا وَرَبِحَا كَانَ الرِّبْحُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ فَاشْتِرَاطُهُمَا الثُّلُثَيْنِ، وَالثُّلُثُ فِي الرِّبْحِ يَكُونُ لَغْوًا؛ لِأَنَّهُ لَوْ صَحَّ ذَلِكَ اسْتَحَقَّ أَحَدُهُمَا جُزْءًا مِنْ رِبْحِ مَا ضَمِنَهُ صَاحِبُهُ، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ، فَكَذَلِكَ الْمُضَارِبُ إذَا أَمَرَهُ رَبُّ الْمَالِ أَنْ يَسْتَدِينَ عَلَى الْمُضَارَبَةِ، وَشَرَطَ الثُّلُثَ وَالثُّلُثَيْنِ فِي الرِّبْحِ لَا فِي أَصْلِ الِاسْتِدَانَةِ، فَإِنْ كَانَ أَمَرَهُ أَنْ يَسْتَدِينَ عَلَى الْمَالِ عَلَى أَنَّ مَا اشْتَرَى بِالدَّيْنِ مِنْ شَيْءٍ فَلِرَبِّ الْمَالِ ثُلُثُهُ، وَلِلْمُضَارِبِ ثُلُثَاهُ عَلَى أَنَّ مَا رَزَقَ اللَّهُ تَعَالَى فِي ذَلِكَ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ، فَاشْتَرَى الْمُضَارِبُ بِالْمُضَارَبَةِ جَارِيَةً تُسَاوِي أَلْفَيْنِ، وَاشْتَرَى عَلَى الْمُضَارَبَةِ جَارِيَةً بِأَلْفٍ دَيْنًا تُسَاوِي أَلْفَيْنِ، فَبَاعَهُمَا بِأَرْبَعَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ فَحِصَّةُ جَارِيَةِ الْمُضَارَبَةِ يَأْخُذُ مِنْهُ رَبُّ الْمَالِ رَأْسَ مَالِهِ: أَلْفَ دِرْهَمٍ، وَالْبَاقِي بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ عَلَى مَا اشْتَرَطَا، وَثَمَنُ الْجَارِيَةِ الْمُشْتَرَاةِ بِالدَّيْنِ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا عَلَى قَدْرِ مِلْكَيْهِمَا؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا وَكَّلَهُ بِالِاسْتِدَانَةِ عَلَى أَنْ يَكُونَ ثُلُثُ مَا يَسْتَدِينُ لِرَبِّ الْمَالِ، وَثُلُثَاهُ لِلْمُضَارِبِ، فَيَكُونُ الثَّمَنُ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ ذَلِكَ، وَاشْتِرَاطُ الْمُنَاصَفَةِ فِي الرِّبْحِ فِي هَذَا يَكُونُ بَاطِلًا؛ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا يَشْتَرِطُ لِنَفْسِهِ رِبْحَ مَا قَدْ ضَمِنَ صَاحِبُهُ وَذَلِكَ بَاطِلٌ.
وَلَوْ دَفَعَ إلَيْهِ الْأَلْفَ مُضَارَبَةً عَلَى أَنَّ مَا رَزَقَ اللَّهُ تَعَالَى فِي ذَلِكَ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ بَيْنَهُمَا كَذَلِكَ أَيْضًا، فَاشْتَرَى بِالْمُضَارَبَةِ جَارِيَةً تُسَاوِي أَلْفَيْنِ، ثُمَّ اشْتَرَى عَلَى الْمُضَارَبَةِ جَارِيَةً بِأَلْفِ دِينَارٍ تُسَاوِي أَلْفَيْنِ فَبَاعَهُمَا بِأَرْبَعَةِ آلَافٍ، فَأَمَّا حِصَّةُ الْمُضَارَبَةِ فَتَكُونُ بَيْنَهُمَا عَلَى شَرْطِهِمَا بَعْدَ مَا يَسْتَوْفِي رَبُّ الْمَالِ رَأْسَ مَالِهِ، وَحِصَّةُ الْجَارِيَةِ الْمُشْتَرَاةِ بِالدَّيْنِ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ ضَمَانَهَا عَلَيْهِمَا نِصْفَيْنِ؛ لِإِطْلَاقِ الْأَمْرِ بِالِاسْتِدَانَةِ، فَاشْتِرَاطُ كَوْنِ الرِّبْحِ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا بَعْدَ الْمُسَاوَاةِ فِي الضَّمَانِ يَكُونُ بَاطِلًا.
وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ أَمَرَهُ أَنْ يَسْتَدِينَ عَلَى رَبِّ الْمَالِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ اسْتَدِنْ عَلَى الْمُضَارَبَةِ، وَقَوْلُهُ اسْتَدِنْ عَلَى سَوَاءٍ فِي الْمَعْنَى، وَمَا اسْتَدَانَ سَوَاءٌ كَانَ بِقَدْرِ مَالِ الْمُضَارَبَةِ، أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ، فَهُوَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ فَرِبْحُهُ وَوَضِيعَتُهُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ، حَتَّى لَوْ هَلَكَتْ الْمُشْتَرَاةُ بِالدَّيْنِ كَانَ ضَمَانُ ثَمَنِهَا عَلَيْهِمَا نِصْفَيْنِ.
وَلَوْ كَانَ أَمَرَهُ أَنْ يَسْتَدِينَ عَلَى نَفْسِهِ، كَانَ مَا اشْتَرَاهُ الْمُضَارِبُ بِالدَّيْنِ لَهُ خَاصَّةً دُونَ رَبِّ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ فِي الِاسْتِدَانَةِ عَلَى نَفْسِهِ يَسْتَغْنِي عَنْ أَمْرِ رَبِّ الْمَالِ فَكَانَ وُجُودُ أَمْرِهِ فِيهِ وَعَدَمُهُ سَوَاءً بِخِلَافِ مَا إذَا أَمَرَهُ أَنْ يَسْتَدِينَ عَلَى الْمَالِ أَوْ عَلَى رَبِّ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ فِي الِاسْتِدَانَةِ عَلَى رَبِّ الْمَالِ، أَوْ عَلَى الْمَالِ لَا يَسْتَغْنِي عَنْ أَمْرِ رَبِّ الْمَالِ، فَلَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِ أَمْرِهِ فِي ذَلِكَ، وَأَمْرُهُ بِالِاسْتِدَانَةِ عَلَى الْمَالِ كَأَمْرِهِ بِالِاسْتِدَانَةِ عَلَى رَبِّ الْمَالِ؛ لِأَنَّ مِلْكَ الْمَالِ لِرَبِّ الْمَالِ، وَالْمَالُ مَحِلٌّ لِقَضَاءِ الْوَاجِبِ لَا لِلْوُجُوبِ فِيهِ، فَالْوَاجِبُ يَكُونُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ، ثُمَّ أَمْرُهُ بِالِاسْتِدَانَةِ عَلَيْهِ مُطْلَقًا يَقْتَضِي الشَّرِكَةَ بَيْنَهُمَا فِيمَا يَسْتَدِينُ، وَلَا تَكُونُ هَذِهِ الشَّرِكَةُ بِطَرِيقِ الْمُضَارَبَةِ؛ لِأَنَّ الْمُضَارَبَةَ لَا تَصِحُّ إلَّا بِرَأْسِ مَالِ عَيْنٍ، فَكَانَتْ هَذِهِ الشَّرِكَةُ فِي مَعْنَى شَرِكَةِ الْوُجُوهِ، فَيَكُونُ الْمُشْتَرَى مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، فَلَا يَصِحُّ مِنْهُمَا شَرْطُ التَّفَاوُتِ فِي الرِّبْحِ مَعَ مُسَاوَاتِهِمَا فِي الْمِلْكِ فِي الْمُشْتَرَى.
وَلَوْ كَانَ أَمَرَهُ أَنْ يَسْتَدِينَ عَلَى الْمَالِ، أَوْ عَلَى رَبِّ الْمَالِ فَاشْتَرَى بِالْمُضَارَبَةِ جَارِيَةً، ثُمَّ اسْتَقْرَضَ الْمُضَارِبُ أَلْفَ دِرْهَمٍ عَلَى الْمُضَارَبَةِ، وَاشْتَرَى بِهَا جَارِيَةً فَهُوَ مُشْتَرٍ لِنَفْسِهِ خَاصَّةً، وَالْقَرْضُ عَلَيْهِ خَاصَّةً مِنْهُمْ، مَنْ يَقُولُ: إنَّ الِاسْتِدَانَةَ هُوَ الشِّرَاءُ بِالنَّسِيئَةِ وَالِاسْتِقْرَاضُ غَيْرُهُ؟ فَلَا يَدْخُلُ فِي مُطْلَقِ الْأَمْرِ بِالِاسْتِدَانَةِ، وَالْأَصَحُّ أَنْ يَقُولَ: الْأَمْرُ بِالِاسْتِقْرَاضِ بَاطِلٌ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّهُ لَوْ أَمَرَ رَجُلًا أَنْ يَسْتَقْرِضَ لَهُ أَلْفًا مِنْ فُلَانٍ فَاسْتَقْرَضَهَا كَمَا أَمَرَهُ كَانَ الْأَلْفُ لِلْمُسْتَقْرِضِ دُونَ الْآخَرِ وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْقَرْضَ مَضْمُونٌ بِالْمِثْلِ فِي ذِمَّةِ الْمُسْتَقْرِضِ، وَإِذَا كَانَ الْبَدَلُ فِي ذِمَّتِهِ؛ كَانَ الْمُسْتَقْرِضُ مَمْلُوكًا لَهُ، وَهُوَ غَيْرُ مُحْتَاجٍ فِي ذَلِكَ إلَى أَمْرِ الْآمِرِ، وَمَا كَانَ الْأَمْرُ بِالِاسْتِقْرَاضِ إلَّا نَظِيرَ الْأَمْرِ بِالتَّكَدِّي وَهُوَ بَاطِلٌ، وَمَا يَحْصُلُ لِلْمُتَكَدِّي يَكُونُ لَهُ دُونَ الْآمِرِ إذَا ثَبَتَ هَذَا، فَنَقُولُ مَا اسْتَقْرَضَهُ الْمُضَارِبُ يَكُونُ مَمْلُوكًا لَهُ، فَإِذَا اشْتَرَى بِهِ جَارِيَةً فَقَدْ أَضَافَ الْعَقْدَ إلَى مِلْكِ نَفْسِهِ فَكَانَ مُشْتَرِيًا الْجَارِيَةَ لِنَفْسِهِ.
وَلَوْ دَفَعَ إلَى رَجُلٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ مُضَارَبَةً بِالثُّلُثِ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَعْمَلَ فِي ذَلِكَ بِرَأْيِهِ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَسْتَدِينَ عَلَى الْمَالِ، فَاشْتَرَى بِأَلْفٍ ثِيَابًا فَأَسْلَمَهَا إلَى صَبَّاغٍ يَصْبُغُهَا صُفْرًا بِمِائَةِ دِرْهَمٍ، وَوَصَفَ لَهُ شَيْئًا مَعْرُوفًا فَصَبَغَهَا، ثُمَّ إنَّ الْمُضَارِبَ بَاعَ الثِّيَابَ مُرَابَحَةً بِأَلْفَيْ دِرْهَمٍ، فَإِنَّ رَبَّ الْمَالِ يَأْخُذُ رَأْسَ مَالِهِ: أَلْفَ دِرْهَمٍ، وَيُؤَدِّي الْمُضَارِبُ أَجْرَ الصَّبَّاغِ: مِائَةُ دِرْهَمٍ، وَمَا بَقِيَ مِنْ الرِّبْحِ قُسِّمَ عَلَى أَحَدَ عَشَرَ سَهْمًا: عَشَرَةُ أَسْهُمٍ مِنْ ذَلِكَ حِصَّةُ الْمُضَارَبَةِ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا عَلَى الشَّرْطِ، وَسَهْمٌ حِصَّةُ الْمِائَةِ الَّتِي بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَمَرَهُ أَنْ يَعْمَلَ بِرَأْيِهِ فَقَدْ مَلَكَ بِهِ خَلْطَ مَالِ الْمُضَارَبَةِ بِمَالٍ آخَرَ، وَالصَّبْغُ عَيْنُ مَالٍ قَائِمٌ فِي الثَّوْبِ، وَهُوَ فِي الصَّبْغِ مُسْتَدِينٌ بِأَمْرِهِ، فَلَا يَصِيرُ مُخَالِفًا بِخَلْطِ مَا اسْتَدَانَ بِمَالِ الْمُضَارَبَةِ، ثُمَّ الثَّمَنُ فِي بَيْعِ الْمُرَابَحَةِ يَكُونُ مَقْسُومًا عَلَى الثَّمَنِ الْأَوَّلِ، وَقَدْ كَانَ ثَمَنُ ثِيَابِ الْمُضَارَبَةِ أَلْفَ دِرْهَمٍ، وَثَمَنُ الصَّبْغِ مِائَةَ دِرْهَمٍ، فَيُحَصِّلُ مِنْ ثَمَنِ الْبَاقِي رَأْسَ مَالِ الْمُضَارَبَةِ لِرَبِّ الْمَالِ، وَيُعْطِي الْمِائَةَ ثَمَنَ الصَّبْغِ، وَالْبَاقِي رِبْحٌ، فَيَكُونُ مَقْسُومًا عَلَى أَحَدَ عَشَرَ سَهْمًا: عَشَرَةٌ مِنْ ذَلِكَ حِصَّةُ رِبْحِ مَالِ الْمُضَارَبَةِ، فَيَكُونُ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا عَلَى الشَّرْطِ، وَسَهْمٌ مِنْ ذَلِكَ رِبْحُ مَا اسْتَدَانَ، فَيَكُونُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ؛ لِاسْتِوَاءِ مِلْكَيْهِمَا فِيمَا اسْتَدَانَ.
وَلَوْ كَانَ بَاعَ الثِّيَابَ مُسَاوَمَةً قَسَّمَ الثَّمَنَ عَلَى قِيمَةِ الثِّيَابِ، وَعَلَى مَا زَادَ الصَّبْغُ فِيهَا؛ لِأَنَّ فِي بَيْعِ الْمُسَاوَمَةِ الثَّمَنُ بِمُقَابَلَةِ الْمِلْكِ، وَالْمِلْكُ الَّذِي تَنَاوَلَهُ الْبَيْعُ أَصْلُ الثِّيَابِ، وَالصَّبْغُ الْقَائِمُ فِيهَا فَيُقَسَّمُ الثَّمَنُ جُمْلَةً عَلَى قِيمَةِ الثِّيَابِ غَيْرِ مَصْبُوغَةٍ، وَعَلَى مَا زَادَ الصَّبْغُ فِيهَا، فَمَا يَخُصُّ قِيمَةَ الثِّيَابِ فَهُوَ مَالُ الْمُضَارَبَةِ يُعْطَى مِنْهُ رَبُّ الْمَالِ رَأْسَ مَالِهِ، وَيُقَسَّمُ الْبَاقِي بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا عَلَى الشَّرْطِ، وَمَا أَصَابَ قِيمَةَ الصَّبْغِ يُعْطَى مِنْهُ أَجْرُ الصَّبَّاغِ مِائَةَ دِرْهَمٍ، وَالْبَاقِي بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ؛ لِأَنَّهُ رِبْحُ حِصَّةِ الِاسْتِدَانَةِ.
وَلَوْ اشْتَرَى الْمُضَارِبُ بِأَلْفِ الْمُضَارَبَةِ ثِيَابًا، وَاسْتَقْرَضَ عَلَى الْمَالِ مِائَةَ دِرْهَمٍ، فَاشْتَرَى بِهَا زَعْفَرَانًا فَصَبَغَ بِهِ الثِّيَابَ، ثُمَّ بَاعَهَا مُرَابَحَةً عَلَى مَالِ الْمُضَارَبَةِ، وَعَلَى مَا اسْتَقْرَضَ بِأَلْفَيْ دِرْهَمٍ، فَإِنَّهَا تُقَسَّمُ عَلَى أَحَدَ عَشَرَ سَهْمًا: عَشَرَةُ أَسْهُمٍ مِنْهَا مَالُ الْمُضَارَبَةِ عَلَى شَرْطِهِمَا، وَسَهْمٌ لِلْمُضَارِبِ خَاصَّةً؛ لِأَنَّ مَا اسْتَقْرَضَ كَانَ عَلَى نَفْسِهِ خَاصَّةً، وَمَا اشْتَرَى بِهِ مِنْ الزَّعْفَرَانِ مَمْلُوكٌ لَهُ، إلَّا أَنَّهُ لَا يَصِيرُ مُخَالِفًا إذَا صَبَغَ الثِّيَابَ بِهَا؛ لِأَنَّهُ أَمَرَهُ أَنْ يَعْمَلَ فِي الْمَالِ بِرَأْيِهِ، وَالثَّمَنُ فِي بَيْعِ الْمُرَابَحَةِ مَقْسُومٌ عَلَى الثَّمَنِ الْأَوَّلِ، فَيَكُونُ عَلَى أَحَدَ عَشَرَ سَهْمًا: عَشَرَةُ أَسْهُمٍ حِصَّةُ مَالِ الْمُضَارَبَةِ، وَسَهْمٌ حِصَّةُ الصَّبْغِ وَهُوَ لِلْمُضَارِبِ خَاصَّةً، فَيَكُونُ بَدَلُهُ لَهُ.
وَلَوْ بَاعَهَا مُسَاوَمَةً قَسَمَ الثَّمَنَ عَلَى قِيمَةِ الثِّيَابِ، وَعَلَى مَا زَادَ الصَّبْغُ فِي الثِّيَابِ، فَمَا أَصَابَ قِيمَةَ الثِّيَابِ كَانَ عَلَى الْمُضَارَبَةِ، وَمَا أَصَابَ قِيمَةَ الصَّبْغِ كَانَ لِلْمُضَارِبِ، وَكَانَ عَلَيْهِ أَدَاءُ الْقَرْضِ؛ لِأَنَّ فِي بَيْعِ الْمُسَاوَمَةِ الثَّمَنَ بِمُقَابَلَةِ الْمِلْكِ، فَإِنَّمَا يُقَسَّمُ عَلَى قَدْرِ الْمِلْكِ.
وَلَوْ كَانَ اشْتَرَى الزَّعْفَرَانَ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ نَسِيئَةً فَصَبَغَ الثِّيَابَ بِهِ، كَانَ هَذَا وَاَلَّذِي كَانَ اسْتَأْجَرَ الصَّبَّاغُ بِمِائَةٍ لِيَصْبُغَهَا سَوَاءٌ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا؛ لِأَنَّ شِرَاءَ الزَّعْفَرَانِ بِالنَّسِيئَةِ اسْتِدَانَةٌ، فَيَنْفُذُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ وَعَلَى الْمُسْتَدِينِ، وَيَكُونُ الصَّبْغُ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، فَهُوَ وَمَسْأَلَةُ اسْتِئْجَارِ الصَّبَّاغِ لِنِصْفِهَا سَوَاءٌ.
وَلَوْ خَرَجَ الْمُضَارِبُ بِالْمَالِ إلَى مِصْرٍ فَاشْتَرَى بِهَا كُلِّهَا ثِيَابًا ثُمَّ، اسْتَكْرَى عَلَيْهَا بِغَالًا بِمِائَةِ دِرْهَمٍ فَجَعَلَهُ إلَى مِصْرِهِ، فَلَهُ أَنْ يَبِيعَهَا مُرَابَحَةً عَلَى أَلْفٍ وَمِائَةٍ؛ لِأَنَّ الْكِرَاءَ مِمَّا جَرَى الرَّسْمُ بِهِ بَيْنَ التُّجَّارِ بِإِلْحَاقِهِ بِرَأْسِ الْمَالِ، وَقَدْ بَيَّنَّا فِي الْبُيُوعِ إنَّمَا جَرَى الْعُرْفُ بِهِ بَيْنَ التُّجَّارِ فِي إلْحَاقِهِ بِرَأْسِ الْمَالِ فَلَهُ أَنْ يَلْحَقَهُ بِهِ فِي بَيْعِ الْمُرَابَحَةِ، وَعَلَى هَذَا أَجْرُ السِّمْسَارِ، فَإِنْ بَاعَهُ مُرَابَحَةً بِأَلْفَيْ دِرْهَمٍ كَانَتْ حِصَّةُ الْمُضَارِبِ مِنْ ذَلِكَ مِنْ كُلِّ أَحَدَ عَشَرَ سَهْمًا عَشَرَةُ أَسْهُمٍ بَيْنَهُمَا عَلَى شَرْطِهِمَا، وَحِصَّةُ الْكِرَاءِ سَهْمٌ وَاحِدٌ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ فِي بَيْعِ الْمُرَابَحَةِ مَقْسُومٌ عَلَى رَأْسِ الْمَالِ الْأَوَّلِ، وَذَلِكَ أَلْفُ دِرْهَمٍ الَّتِي غَرِمَهَا فِي شِرَاءِ الثِّيَابِ، وَالْمِائَةُ الَّتِي غَرِمَهَا فِي الْكِرَاءِ، فَإِذَا جَعَلْتَ كُلَّ مِائَةٍ سَهْمًا، كَانَ عَلَى أَحَدَ عَشَرَ سَهْمًا: سَهْمٌ مِنْ ذَلِكَ حِصَّةُ الْكِرَاءِ وَهُوَ اسْتِدَانَةٌ فَيَكُونُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ.
وَلَوْ بَاعَهَا مُسَاوَمَةً كَانَ جَمِيعُ الثَّمَنِ فِي الْمُضَارَبَةِ عَلَى الشَّرْطِ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ فِي بَيْعِ الْمُسَاوَمَةِ بِمُقَابَلَةِ الْمِلْكِ، وَالْمِلْكُ الَّذِي تَنَاوَلَهُ الْبَيْعُ الثِّيَابُ دُونَ مَنْفَعَةِ الْحَمْلِ مِنْ مِصْرٍ إلَى مِصْرٍ، وَقَدْ كَانَ جَمِيعُ الثِّيَابِ عَلَى الْمُضَارَبَةِ، فَيَكُونُ الثَّمَنُ كُلُّهُ فِي الْمُضَارَبَةِ عَلَى الشَّرْطِ بَيْنَهُمَا، بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ مَسْأَلَةِ الصَّبْغِ؛ لِأَنَّ الصَّبْغَ عَيْنُ مَالٍ قَائِمٍ فِي الثَّوْبِ يَتَنَاوَلُهُ الْبَيْعُ، ثُمَّ غُرْمُ الْكِرَاءِ عَلَى الْمُضَارِبِ وَرَبِّ الْمَالِ نِصْفَانِ؛ لِأَنَّ الْمُضَارِبَ كَانَ مُسْتَدِينًا فِيهَا بِأَمْرِ رَبِّ الْمَالِ، فَفِعْلُهُ كَفِعْلِهِمَا جَمِيعًا؛ فَلِهَذَا كَانَ غُرْمُ الْكُلِّ عَلَيْهِمَا نِصْفَيْنِ.
وَلَوْ لَمْ يَكُنْ اسْتَكْرَى بِهِ وَلَكِنَّهُ اسْتَقْرَضَ مِائَةَ دِرْهَمٍ فَاسْتَكْرَى بِهَا بِأَعْيَانِهَا دَوَابَّ يَحْمِلُ عَلَى كُلِّ دَابَّةٍ كَذَا وَكَذَا ثَوْبًا فَلَهُ أَنْ يَبِيعَهَا مُرَابَحَةً عَلَى أَلْفٍ وَمِائَةٍ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ- رَحِمَهُ اللَّهُ- وَإِنْ لَمْ يَنُصَّ عَلَيْهِ فِي الْكِتَابِ، وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ- رَحِمَهُمَا اللَّهُ- يَبِيعُ الثِّيَابَ مُرَابَحَةً عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ، وَلَا يُدْخِلُ فِي ذَلِكَ حِصَّةَ الْكِرَاءِ، وَأَصْلُ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا إذَا اكْتَرَى دَوَابَّ لِلثِّيَابِ بِمِائَةٍ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّ مَا اسْتَقْرَضَ لَهُ خَاصَّةً ثُمَّ وَجْهُ قَوْلِهِمَا: أَنَّهُ مُتَطَوِّعٌ فِيمَا أَدَّى مِنْ مَالِ نَفْسِهِ فِي الْكِرَاءِ.
وَلَوْ تَطَوَّعَ إنْسَانٌ آخَرُ بِحَمْلِ الثِّيَابِ عَلَى دَوَابِّهِ؛ لَمْ يَكُنْ لِلْمُضَارِبِ أَنْ يُلْحِقَ ذَلِكَ بِرَأْسِ الْمَالِ، فَكَذَلِكَ إذَا تَطَوَّعَ الْمُضَارِبُ بِهِ وَأَبُو حَنِيفَةَ- رَحِمَهُ اللَّهُ- يَقُولُ: الْمُضَارِبُ فِي حَمْلِ الثِّيَابِ كَالْمَالِكِ؛ لِأَنَّهُ مُحْتَاجٌ إلَى ذَلِكَ لِتَحْصِيلِ حِصَّةِ الرِّبْحِ، وَالْمَالِكُ لَوْ اسْتَكْرَى دَوَابَّ لِلثِّيَابِ الْمُشْتَرَاةِ بِمَالِهِ كَانَ لَهُ أَنْ يُلْحِقَ ذَلِكَ بِرَأْسِ الْمَالِ فِي بَيْعِ الْمُرَابَحَةِ، فَكَذَلِكَ لِلْمُضَارِبِ أَنْ يُلْحِقَ الْكِرَاءَ بِرَأْسِ الْمَالِ، فَيَبِيعُهَا مُرَابَحَةً عَلَى أَلْفٍ وَمِائَةٍ، فَإِنْ بَاعَهَا بِأَلْفَيْنِ كَانَتْ عَشَرَةَ أَسْهُمٍ مِنْ أَحَدَ عَشَرَ سَهْمًا.
مِنْ ذَلِكَ حِصَّةُ الْمُضَارَبَةِ عَلَى شَرْطِهِمَا، وَسَهْمٌ وَاحِدٌ لِلْمُضَارِبِ خَاصَّةً، وَإِنْ بَاعَهَا مُسَاوَمَةً كَانَ الثَّمَنُ كُلُّهُ مُضَارَبَةً؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ بِمُقَابَلَةِ الثِّيَابِ هُنَا، وَالثِّيَابُ كُلُّهَا مَالُ الْمُضَارَبَةِ، وَضَمَانُ الْكِرَاءِ فِي مَالِ الْمُضَارَبَةِ خَاصَّةً؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُسْتَقْرِضُ فَعَلَيْهِ ضَمَانُ مَا اسْتَقْرَضَهُ، فَإِنْ قَالَ الْمُضَارِبُ لِرَبِّ الْمَالِ: إنَّمَا اسْتَكْرَيْتُ الدَّوَابَّ لَكَ: تَحْمِلُ ثِيَابَكَ، وَقَالَ رَبُّ الْمَالِ: إنَّمَا اسْتَكْرَيْتُ بِمَالِكَ لِنَفْسِكَ، ثُمَّ حَمَلْتَ ثِيَابِي عَلَيْهَا، فَالْقَوْلُ قَوْلُ رَبِّ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ اسْتَكْرَى بِالْمِائَةِ الَّتِي اسْتَقْرَضَ بِعَيْنِهَا، وَمِلْكُ الْمِائَةِ لِلْمُضَارِبِ، فَإِضَافَتُهُ الْعَقْدَ إلَى مَالِ نَفْسِهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ اسْتَكْرَاهَا لِنَفْسِهِ.
وَلَوْ لَمْ يَأْمُرْهُ أَنْ يَعْمَلَ فِي الْمُضَارَبَةِ بِرَأْيِهِ فَاشْتَرَى بِهَا كُلِّهَا ثِيَابًا تُسَاوِي أَلْفَ دِرْهَمٍ، ثُمَّ اشْتَرَى مِنْ عِنْدِهِ عُصْفُرًا بِمِائَةِ دِرْهَمٍ فَصَبَغَهَا، فَهُوَ ضَامِنٌ لِلثِّيَابِ؛ لِأَنَّ مَا اشْتَرَى مِنْ الصَّبْغِ لَهُ، وَقَدْ خَلَطَ مَالَ الْمُضَارَبَةِ بِهِ حِينَ صَبَغَ الثِّيَابَ، وَالْمُضَارِبُ بِمُطْلَقِ الْعَقْدِ لَا يَمْلِكُ الْخَلْطَ، فَيَصِيرُ بِهِ غَاصِبًا ضَامِنًا، وَصَاحِبُ الْمَالِ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَ ثِيَابَهُ، وَأَعْطَاهُ مَا زَادَ الْعُصْفُرُ فِي ثِيَابِهِ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ ثِيَابَهُ غَيْرَ مَصْبُوغَةٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ، فَأَخَذَهَا مِنْهُ فَكَانَتْ الثِّيَابُ لِلْمُضَارِبِ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ غَصَبَ ثَوْبًا فَصَبَغَهُ، فَإِنْ لَمْ يَخْتَرْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ حَتَّى بَاعَ الْمُضَارِبُ الْمَتَاعَ بِأَلْفَيْ دِرْهَمٍ جَازَ بَيْعُهُ؛ لِأَنَّ عَقْدَ الْمُضَارَبَةِ بَاقٍ بَيْنَهُمَا بِبَقَاءِ الْمَالِ، وَإِنْ صَارَ مُخَالِفًا وَنُفُوذُ بَيْعِ الْمُضَارِبِ بِاعْتِبَارِ الْوَكَالَةِ، وَوُجُوبُ الضَّمَانِ عَلَيْهِ لَا يَنْفِي جَوَازَ بَيْعِهِ بِحُكْمِ الْوَكَالَةِ، فَيُقْسَمُ الثَّمَنُ عَلَى قِيمَةِ الثِّيَابِ، وَمَا زَادَ الصَّبْغُ فِيهَا، فَمَا أَصَابَ زِيَادَةَ الصَّبْغِ فَهُوَ لِلْمُضَارِبِ؛ لِأَنَّهُ بَدَلُ مِلْكِهِ، وَمَا أَصَابَ الثِّيَابَ فَهُوَ بَيْنَهُمَا عَلَى شَرْطِهِمَا؛ لِأَنَّهُ بَدَلُ مَالِ الْمُضَارَبَةِ فَإِنْ هَلَكَ الثَّمَنُ مِنْ الْمُضَارِبِ بَعْدَ مَا قَبَضَهُ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ بِبَيْعِ الثِّيَابِ خَرَجَ مِنْ أَنْ يَكُونَ مُخَالِفًا، وَالِاخْتِلَاطُ الَّذِي فِي الثَّمَنِ حُكْمِيٌّ، وَبِهِ لَا يَكُونُ الْمُضَارِبُ مُخَالِفًا ضَامِنًا، فَإِنْ كَانَتْ الثِّيَابُ حِينَ اشْتَرَاهَا الْمُضَارِبُ تُسَاوِي أَلْفَيْ دِرْهَمٍ فَصَبَغَهَا بِعُصْفُرٍ مِنْ عِنْدِهِ، فَإِنْ شَاءَ رَبُّ الْمَالِ ضَمَّنَهُ ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِ قِيمَةِ الثِّيَابِ، وَسَلَّمَ الثِّيَابَ لِلْمُضَارِبِ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِ الثِّيَابِ، وَأَعْطَى الْمُضَارِبَ مَا زَادَ الصَّبْغُ فِي ثَلَاثَةِ أَرْبَاعِهَا؛ لِأَنَّهُ فِي مِقْدَارِ الرُّبْعِ عَامِلٌ لِنَفْسِهِ بِالصَّبْغِ، فَإِنَّ مِقْدَارَ حِصَّتِهِ مِنْ الرِّبْحِ مَمْلُوكٌ لَهُ فِي الثِّيَابِ، وَفِي ثَلَاثَةِ أَرْبَاعِهَا هُوَ مُخَالِفٌ لِعَمَلِهِ فِي مَالِ رَبِّ الْمَالِ بِالْخَلْطِ مِنْ غَيْرِ أَمْرِهِ، فَتَكُونُ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الثِّيَابِ فِي هَذَا الْفَصْلِ نَظِيرَ جَمِيعِ الثِّيَابِ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ فِي حُكْمِ الضَّمَانِ وَالْخِيَارِ، فَإِنْ لَمْ يَخْتَرْ شَيْئًا حَتَّى بَاعَهَا الْمُضَارِبُ جَازَ بَيْعُهُ لِبَقَاءِ عَقْدِ الْمُضَارَبَةِ بَيْنَهُمَا بَعْدَ الصَّبْغِ، وَكَانَ لِلْمُضَارِبِ حِصَّةُ الصَّبْغِ مِنْ الثَّمَنِ، وَالْبَاقِي مُضَارَبَةً بَيْنَهُمَا عَلَى شَرْطِهِمَا.
وَلَوْ أَنَّ الْمُضَارِبَ لَمْ يَصْبُغْ الثِّيَابَ، وَلَكِنْ قَصَّرَهَا بِمِائَةِ دِرْهَمٍ مِنْ عِنْدِهِ، وَذَلِكَ يَزِيدُ فِيهَا أَوْ يَنْقُصُ مِنْهَا فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ إنْ زَادَتْ أَوْ نَقَصَتْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَخْلِطْ بِهَا شَيْئًا مِنْ مَالِهِ، وَهُوَ إنَّمَا يَصِيرُ ضَامِنًا بِالْخَلْطِ لَا بِعَمَلِ الْقَصَّارَةِ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّهُ لَوْ كَانَ فِي يَدِهِ فَضْلٌ مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ كَانَ لَهُ أَنْ يُقَصِّرَ الثِّيَابَ بِهِ، وَلَا يَكُونُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ إنْ زَادَتْ، أَوْ نَقَصَتْ فَكَذَلِكَ إذَا قَصَّرَهَا بِمَالِ نَفْسِهِ، بِخِلَافِ الصَّبْغِ فَإِنَّهُ عَيْنٌ قَائِمٌ فِي الثَّوْبِ، فَيَصِيرُ بِخَلْطِ مَالَ الْمُضَارَبَةِ بِمَالِهِ ضَامِنًا هُنَاكَ، فَإِنْ بَاعَهَا بِرِبْحٍ، أَوْ وَضِيعَةٍ فَهُوَ عَلَى الْمُضَارَبَةِ؛ لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ فِيمَا غَرِمَ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ فِي قَصَّارَتِهَا، قِيلَ: هَذَا عَلَى قَوْلِهِمَا، فَأَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْجَوَابُ فِي هَذَا كَالْجَوَابِ فِي مَسْأَلَةِ الْكِرَاءِ؛ لِأَنَّ مُؤْنَةَ الْقَصَّارَةِ جَرَى الرَّسْمُ بِإِلْحَاقِهَا بِرَأْسِ الْمَالِ بِمَنْزِلَةِ الْكِرَاءِ.
وَكَذَلِكَ لَوْ اشْتَرَى بِهَا ثِيَابًا تُسَاوِي أَلْفًا فَصَبَغَهَا أَسْوَدَ فَهَذَا وَالْقَصَّارَةُ سَوَاءٌ؛ لِأَنَّ السَّوَادَ نُقْصَانٌ وَلَيْسَ بِزِيَادَةٍ، وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْمُضَارِبِ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَخْلِطْ مَالًا مِنْ عِنْدِهِ بِالْمُضَارَبَةِ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّهُ لَا قِيمَةَ لِلسَّوَادِ فِي الثِّيَابِ، وَلَا يَضْمَنُ النُّقْصَانَ الَّذِي دَخَلَ فِي الثِّيَابِ؛ لِأَنَّهُ بِمُطْلَقِ عَقْدِ الْمُضَارَبَةِ يَمْلِكُ أَنْ يَصْبُغَ الثِّيَابَ بِالسَّوَادِ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّهُ لَوْ كَانَ فَضَلَ فِي يَدِهِ مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ فَصَبَغَ الثِّيَابَ بِهَا سَوَادًا لَمْ يَضْمَنْ، وَقِيلَ: هَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ- رَحِمَهُ اللَّهُ- فَأَمَّا عَلَى قَوْلِهِمَا فَالسَّوَادُ كَالصُّفْرَةِ وَالْحُمْرَةِ، وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِي كِتَابِ الْغَصْبِ.
وَالْأَصَحُّ أَنَّ هَذَا فِي ثِيَابٍ يَنْقُصُ السَّوَادُ مِنْ قِيمَتِهَا، فَأَمَّا فِي ثِيَابٍ يَزِيدُ السَّوَادُ فِي قِيمَتِهَا فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ صَبَغَهَا أَصْفَرَ أَوْ أَحْمَرَ وَلَوْ كَانَ أَمَرَهُ أَنْ يَعْمَلَ فِي الْمُضَارَبَةِ بِرَأْيِهِ فَاشْتَرَى بِهَا ثِيَابًا ثُمَّ صَبَغَهَا بِعُصْفُرٍ مِنْ عِنْدِهِ، فَهُوَ شَرِيكٌ فِي الثِّيَابِ بِمَا زَادَ الْعُصْفُرُ فِيهَا؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ الْخَلْطَ عِنْدَ تَفْوِيضِ الْأَمْرِ فِي الْمُضَارَبَةِ إلَى رَأْيِهِ عَلَى الْعُمُومِ، فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ، وَأَصْلُ الثِّيَابِ عَلَى الْمُضَارَبَةِ، وَالصَّبْغُ فِيهِ مِلْكٌ لِلْمُضَارِبِ خَاصَّةً.
وَإِذَا دَفَعَ إلَى رَجُلٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ مُضَارَبَةً بِالثُّلُثِ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَسْتَدِينَ عَلَى الْمَالِ، فَاشْتَرَى بِهَا وَبِثَلَاثَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ جَارِيَةً تُسَاوِي خَمْسَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ، فَقَبَضَهَا وَبَاعَهَا بِخَمْسَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ، وَقَبَضَ الدَّرَاهِمَ فَهَلَكَتْ الْمُضَارَبَةُ الْأُولَى، وَالْجَارِيَةُ وَثَمَنُهَا فِي يَدِ الْمُضَارِبِ: فَعَلَى الْمُضَارِبِ تِسْعَةُ آلَافٍ: أَرْبَعَةُ آلَافٍ لِبَائِعِ الْجَارِيَةِ؛ لِأَنَّهُ قَبَضَهَا وَهَلَكَتْ فِي يَدِهِ، وَخَمْسَةُ آلَافٍ لِمُشْتَرِي الْجَارِيَةِ؛ لِأَنَّ بِهَلَاكِهَا قَبْلَ التَّسْلِيمِ انْفَسَخَ الْبَيْعُ فِيهَا فَعَلَيْهِ رَدُّ الْمَقْبُوضِ مِنْ الثَّمَنِ، ثُمَّ يَرْجِعُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ بِخَمْسَةِ آلَافٍ وَخَمْسِمِائَةٍ وَوَاحِدٍ وَأَرْبَعِينَ دِرْهَمًا وَثُلُثَيْ دِرْهَمٍ، وَعَلَى الْمُضَارِبِ فِي مَالِهِ بِثَلَاثَةِ آلَافٍ وَأَرْبَعِمِائَةٍ وَثَمَانِيَةٍ وَخَمْسِينَ وَثُلُثٍ؛ لِأَنَّهُ حِينَ اشْتَرَاهَا اشْتَرَاهَا بِأَرْبَعَةِ آلَافٍ: فَأَلْفٌ مِنْهَا مَالُ الْمُضَارَبَةِ، وَثَلَاثَةُ آلَافٍ كَانَتْ دَيْنًا عَلَيْهِمَا نِصْفَيْنِ: نِصْفُ ذَلِكَ عَلَى الْمُضَارِبِ وَهُوَ أَلْفٌ وَخَمْسُمِائَةٍ، ثُمَّ بَاعَ الْجَارِيَةَ بِخَمْسَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ، فَيَكُونُ هُوَ فِي قَبْضِ الثَّمَنِ عَامِلًا لِنَفْسِهِ فِي مِقْدَارِ أَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ، وَحِصَّتُهَا مِنْ الرِّبْحِ.
وَذَلِكَ فِي الْحَاصِلِ ثَلَاثَةُ أَثْمَانٍ: خَمْسَةُ آلَافٍ، مِقْدَارُهُ أَلْفٌ وَثَمَانُمِائَةٍ وَخَمْسَةٌ وَسَبْعُونَ، وَخَمْسَةُ أَثْمَانِ هَذِهِ: الْخَمْسَةُ الْآلَافُ كَانَتْ عَلَى الْمُضَارَبَةِ، مِقْدَارُ ذَلِكَ ثَلَاثَةُ آلَافٍ وَمِائَةٌ وَخَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ، حِصَّةُ أَلْفِ الْمُضَارَبَةِ مِنْ ذَلِكَ أَلْفٌ وَمِائَتَانِ وَخَمْسُونَ، فَتَبَيَّنَ أَنَّ الرِّبْحَ فِي مَالِ الْمُضَارَبَةِ مِائَتَانِ وَخَمْسُونَ، وَلِلْمُضَارِبِ ثَبَتَ ذَلِكَ، وَثُلُثُهُ ثَلَاثَةٌ وَثَمَانُونَ وَثُلُثٌ، فَإِذَا ضَمَمْت ذَلِكَ إلَى أَلْفٍ وَثَمَانِمِائَةٍ وَخَمْسَةٍ وَسَبْعِينَ يَكُونُ جُمْلَةُ ذَلِكَ أَلْفًا وَتِسْعَمِائَةٍ وَثَمَانِيَةً وَخَمْسِينَ وَثُلُثًا، فَإِذَا ضَمَمْت إلَيْهِ أَيْضًا أَلْفًا وَخَمْسَمِائَةٍ يَكُونُ ذَلِكَ ثَلَاثَةَ آلَافٍ وَأَرْبَعَمِائَةٍ وَثَمَانِيَةً وَخَمْسِينَ وَثُلُثًا، هَذَا حَاصِلُ مَا عَلَى الْمُضَارِبِ، وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ إلَى تَمَامِ تِسْعَةِ آلَافٍ كُلُّهُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ، وَذَلِكَ خَمْسَةُ آلَافٍ وَخَمْسُمِائَةٍ وَوَاحِدٌ وَأَرْبَعُونَ وَثُلُثَا دِرْهَمٍ، وَإِذَا جَمَعْت حَاصِلَ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ مُتَفَرِّقًا بَلَغَ هَذَا الْمِقْدَارَ، فَإِنْ هَلَكَتْ الْأَلْفُ الْمُضَارَبَةُ أَوَّلًا، ثُمَّ هَلَكَتْ الْجَارِيَةُ، وَالْخَمْسَةُ آلَافٍ بَعْدَ ذَلِكَ مَعًا، وَالْمَسْأَلَةُ عَلَى حَالِهَا يُؤَدِّي تِسْعَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ كَمَا بَيَّنَّا، وَيَرْجِعُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ بِخَمْسَةِ آلَافٍ وَسِتِّمِائَةٍ وَخَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ دِرْهَمًا؛ لِأَنَّ الْأَلْفَ الْأُولَى حِينَ هَلَكَتْ فَقَدْ لَحِقَ رَبَّ الْمَالِ فِي الْمُضَارَبَةِ أَلْفُ دِرْهَمٍ: دَيْنٌ، وَصَارَتْ الْمُضَارَبَةُ لَا رِبْحَ فِيهَا، فَلَمْ يَبْقَ عَلَى الْمُضَارِبِ إلَّا حِصَّتُهُ مِنْ الدَّيْنِ وَرِبْحُهَا، فَأَمَّا حِصَّةُ الْمُضَارِبِ مِنْ الرِّبْحِ وَذَلِكَ: ثَلَاثَةٌ وَثَمَانُونَ وَثُلُثٌ كَمَا بَيَّنَّاهُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى فَيَتَحَوَّلُ غُرْمُ ذَلِكَ إلَى رَبِّ الْمَالِ مَعَ مَا عَلَيْهِ مِنْ خَمْسَةِ آلَافٍ وَخَمْسِمِائَةٍ وَوَاحِدٍ وَأَرْبَعِينَ وَثُلُثَيْنِ، فَيَكُونُ جَمِيعُ مَا عَلَيْهِ خَمْسَةَ آلَافٍ وَسِتَّمِائَةٍ وَخَمْسَةً وَعِشْرِينَ دِرْهَمًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.