فصل: بَابُ الصَّيْدِ فِي الْحَرَمِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المبسوط



.بَابُ الصَّيْدِ فِي الْحَرَمِ:

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى (وَإِذَا خَرَجَ الصَّيْدُ مِنْ الْحَرَمِ إلَى الْحِلِّ فَلَا بَأْسَ بِاصْطِيَادِهِ)؛ لِأَنَّهُ صَيْدُ الْحِلِّ كَمَا كَانَ قَبْلَ دُخُولِهِ الْحَرَمَ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ اصْطِيَادِهِ كَانَ حُرْمَةَ الْحَرَمِ، وَقَدْ زَالَ بِخُرُوجِهِ إلَى الْحِلِّ فَهُوَ نَظِيرُ مُحْرِمٍ حَلَّ مِنْ إحْرَامِهِ، وَفِيهِ نَصٌّ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا}.
قَالَ (وَإِنْ رَمَى رَجُلٌ صَيْدًا فِي الْحِلِّ فَأَصَابَهُ، ثُمَّ دَخَلَ الصَّيْدُ الْحَرَمَ فَمَاتَ مِنْهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ جَزَاءٌ)؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الْجَزَاءِ بِاعْتِبَارِ فِعْلِ الْمَحْظُورِ وَفِعْلُهُ كَانَ مُبَاحًا وَهُوَ الرَّمْيُ إلَى صَيْدٍ فِي الْحِلِّ، أَوْ بِاعْتِبَارِ حُرْمَةِ الْمَحَلِّ وَلَمْ يَكُنْ مُحْتَرَمًا حِينَ مَا أَصَابَ السَّهْمُ الصَّيْدَ فَهُوَ كَمَا لَوْ رَمَى إلَى حَرْبِيٍّ، أَوْ مُرْتَدٍّ فَأَصَابَهُ، ثُمَّ أَسْلَمَ، وَفِي الْقِيَاسِ لَا بَأْسَ بِأَكْلِهِ؛ لِأَنَّ فِعْلَهُ كَانَ مُذَكِّيًا لَهُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ مَاتَ فِي الْحِلِّ حَلَّ تَنَاوُلُهُ.
فَكَذَلِكَ إذَا مَاتَ بَعْدَ مَا دَخَلَ الْحَرَمَ؛ لِأَنَّهُ دَخَلَهُ وَهُوَ مُذَكًّى وَحُرْمَةُ الْحَرَمِ إنَّمَا تَظْهَرُ فِي حَقِّ الصَّيْدِ لَا فِي حَقِّ الْمُذَكَّى، وَلَكِنَّهُ اسْتَحْسَنَ فَقَالَ يُكْرَهُ أَكْلُهُ؛ لِأَنَّ حِلَّ التَّنَاوُلِ عِنْدَ زُهُوقِ الرُّوحِ وَهُوَ عِنْدَ ذَلِكَ فِي الْحَرَمِ وَالْحُكْمُ يُضَافُ إلَى الشَّرْطِ وُجُودًا عِنْدَهُ كَمَا يُضَافُ إلَى السَّبَبِ ثُبُوتًا بِهِ فَاعْتِبَارُ هَذِهِ الْحَالَةِ يُوجِبُ الْحُرْمَةَ وَاعْتِبَارُ حَالَةِ الْإِصَابَةِ يُبِيحُ فَيَغْلِبُ الْمُوجِبُ لِلْحُرْمَةِ، وَبِهِ فَارَقَ الْجَزَاءَ؛ لِأَنَّ الْجَزَاءَ بِالشَّكِّ لَا يَجِبُ، وَلِأَنَّ الْجَزَاءَ بِاعْتِبَارِ الْفِعْلِ فَإِنَّ الْحِلَّ صِفَةٌ فِي الْمَحِلِّ وَالْمَحِلُّ فِي الْحَرَمِ عِنْدَ ثُبُوتِ صِفَةِ الْحِلِّ فِيهِ.
قَالَ (وَإِنْ أَصَابَهُ فِي الْحَرَمِ فَمَاتَ فِي الْحِلِّ فَلَا خَيْرَ فِي أَكْلِهِ)؛ لِأَنَّ الْحِلَّ بِاعْتِبَارِ الْإِصَابَةِ، وَقَدْ أَصَابَهُ وَهُوَ صَيْدُ الْحَرَمِ وَهَذِهِ هِيَ الْمَسْأَلَةُ الْمُسْتَثْنَاةُ مِنْ أَصْلِنَا أَنَّ الْمُعْتَبَرَ لِحَالَةِ الرَّمْيِ فِيمَا يُبْنَى عَلَيْهِ الْأَحْكَامُ دُونَ حَالَةِ الْإِصَابَةِ فَإِنَّ فِي حِلِّ التَّنَاوُلِ يُعْتَبَرُ حَالَةُ الْإِصَابَةِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْحِلَّ صِفَةٌ لِلْمَحَلِّ، وَإِنَّمَا يَثْبُتُ فِي الْمَحِلِّ عِنْدَ الْإِصَابَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِ تِلْكَ الْحَالَةِ فِيهِ، وَكَذَلِكَ إنْ أَصَابَهُ فِي الْحِلِّ، وَقَدْ رَمَاهُ مِنْ الْحَرَمِ؛ لِأَنَّ الرَّمْيَ مِنْ الْحَرَمِ قِيلَ مَحْظُورٌ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} قِيلَ مَعْنَاهُ وَأَنْتُمْ فِي الْحَرَمِ؛ لِأَنَّهُ يُقَالُ أَحْرَمَ إذَا دَخَلَ فِي الْحَرَمِ كَمَا يُقَالُ أَشْأَمَ إذَا دَخَلَ الشَّامَ وَالْمُوجِبُ لِلْحِلِّ الذَّكَاةُ لَا الْقَتْلُ الْمَحْظُورُ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ وُجُوبُ الْجَزَاءِ عَلَى الرَّامِي فَهُوَ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ بِمَنْزِلَةِ مُحْرِمٍ يَقْتُلُ صَيْدًا، وَكَذَلِكَ إنْ رَمَاهُ مِنْ الْحِلِّ فِي الْحَرَمِ؛ لِأَنَّ الصَّيْدَ إذَا كَانَ فِي الْحَرَمِ فَهُوَ مَمْنُوعٌ مِنْ الرَّمْيِ إلَيْهِ.
وَإِنْ كَانَ فِي الْحِلِّ فَيَكُونُ فِعْلُهُ فِعْلًا مَحْظُورًا أَلَا تَرَى أَنَّ عَلَيْهِ قِيمَةَ الْجَزَاءِ، وَلَوْ كَانَ الرَّامِي فِي الْحِلِّ وَالصَّيْدُ فِي الْحِلِّ فَمَرَّ السَّهْمُ فِي الْحَرَمِ حَتَّى أَصَابَ الصَّيْدَ فَلَا بَأْسَ بِأَكْلِهِ، وَإِنْ تَعَمَّدَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الرَّمْيَ مُبَاحٌ لَهُ فَكَانَ فِعْلُهُ ذَكَاةً شَرْعًا، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ بِاعْتِبَارِ مَعْنًى فِي الْحِلِّ، وَفِي الرَّامِي وَلَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ أَصْلَ السَّبَبِ فِعْلُ الرَّامِي وَثُبُوتُ الْحُكْمِ عِنْدَ الْإِصَابَةِ، وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ أَصْلًا فِي إضَافَةِ الْحُكْمِ إلَيْهِ.
قَالَ (فَإِنْ رَمَى نَصْرَانِيٌّ مِنْ الْحَرَمِ صَيْدًا فِي الْحِلِّ فَمَاتَ فَلَا خَيْرَ فِي أَكْلِهِ)؛ لِأَنَّ النَّصْرَانِيَّ فِي حُكْمِ الذَّكَاةِ لَا يَكُونُ أَعْلَى مِنْ الْمُسْلِمِ.
فَإِذَا كَانَ هَذَا الْفِعْلُ مِنْ الْمُسْلِمِ لَا يُبِيحُ الصَّيْدَ.
فَكَذَلِكَ مِنْ النَّصْرَانِيِّ كَمَا لَوْ تَرَكَ التَّسْمِيَةَ عَمْدًا (فَإِنْ قِيلَ) الْمَنْعُ مِنْ الرَّمْيِ صَوْبَ الْحَرَمِ حَقُّ الشَّرْعِ وَالنَّصْرَانِيُّ لَا يُخَاطَبُ بِذَلِكَ؛ وَلِهَذَا لَا يَلْزَمُهُ الْجَزَاءُ (قُلْنَا) حُرْمَةُ الْحَرَمِ تَظْهَرُ فِي حَقِّ الْكَافِرِ كَمَا تَظْهَرُ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ؛ وَلِهَذَا لَا يُقْتَلُ الْحَرْبِيُّ وَالْمُرْتَدُّ فِي الْحَرَمِ، ثُمَّ النَّصْرَانِيُّ فِي حُكْمِ الذَّكَاةِ تَبَعٌ لِلْمُسْلِمِ وَالتَّبَعُ يَلْحَقُ بِالْأَصْلِ فِي حُكْمِهِ، وَإِنْ لَمْ يُشَارِكْهُ فِي عِلَّتِهِ وَكَذَلِكَ لَوْ ذَبَحَ نَصْرَانِيٌّ، أَوْ صَبِيٌّ صَيْدًا فِي الْحَرَمِ لَمْ يُؤْكَلْ؛ لِأَنَّهُمَا فِي حُكْمِ الذَّكَاةِ تَبَعٌ لِلْمُسْلِمِ الْبَالِغِ.
فَإِذَا لَمْ يَكُنْ هَذَا الْفِعْلُ مِنْ الْمُسْلِمِ الْبَالِغِ وَاجِبًا لِلْحِلِّ.
فَكَذَلِكَ مِنْ النَّصْرَانِيِّ وَالصَّبِيِّ.
قَالَ (وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا أَخْرَجَ صَيْدًا مِنْ الْحَرَمِ فَذَبَحَهُ فِي الْحِلِّ فَعَلَيْهِ جَزَاؤُهُ)؛ لِأَنَّهُ كَانَ فِي الْحَرَمِ آمِنًا صَيْدًا، وَقَدْ زَالَ ذَلِكَ بِأَخْذِهِ وَإِخْرَاجِهِ وَكَانَ مُطَالَبًا شَرْعًا بِإِعَادَتِهِ إلَى مَأْمَنِهِ وَإِرْسَالِهِ فِيهِ، وَقَدْ فَوَّتَ ذَلِكَ بِذَبْحِهِ فَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ وَالتَّنَزُّهُ عَنْ أَكْلِهِ أَفْضَلُ بِخِلَافِ مَا إذَا ذَبَحَهُ فِي الْحَرَمِ فَإِنَّ ذَلِكَ حَرَامٌ تَنَاوُلُهُ؛ لِأَنَّهُ حِينَ ذَبَحَهُ كَانَ صَيْدَ الْحَرَمِ فَفِعْلُهُ فِيهِ يَكُونُ قَتْلًا، وَلَا يَكُونُ ذَكَاةً وَهُنَا حِينَ ذَبَحَهُ كَانَ صَيْدَ الْحِلِّ فَيَكُونُ فِعْلُهُ فِيهِ ذَكَاةً وَبِاعْتِبَارِ هَذَا الْفِعْلِ لَا يَلْزَمُهُ الْجَزَاءُ، وَإِنَّمَا يَلْزَمُهُ بِالْأَخْذِ السَّابِقِ؛ فَلِهَذَا لَا يَحْرُمُ تَنَاوُلُهُ إلًّا أَنَّ التَّنَزُّهَ عَنْهُ أَفْضَلُ؛ لِأَنَّ تَقَرُّرَ الْجَزَاءِ عَلَيْهِ بِفِعْلِ الذَّبْحِ، وَإِنْ كَانَ الْوُجُوبُ سَبَبَ الْأَخْذِ.
فَبِاعْتِبَارِ هَذَا الْمَعْنَى يُمْكِنُ شُبْهَةٌ فِيهِ، وَلِأَنَّا لَوْ أَطْلَقْنَا لَهُ حَقَّ التَّنَاوُلِ تَطَرَّقَ النَّاسُ إلَى ذَلِكَ فَيُخْرِجُونَ الصَّيْدَ مِنْ الْحَرَمِ وَيَذْبَحُونَهُ فِي الْحِلِّ، وَفِي ذَلِكَ تَعْلِيلُ صَيْدِ الْحَرَمِ فَلِلْمَنْعِ مِنْ هَذَا قُلْنَا التَّنَزُّهُ عَنْ أَكْلِهِ أَفْضَلُ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ صَادَهُ أَوَّلًا فِي الْحِلِّ، ثُمَّ أَدْخَلَهُ الْحَرَمَ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ إلَى الْحِلِّ؛ لِأَنَّهُ حِينَ أَدْخَلَهُ الْحَرَمَ فَقَدْ صَارَ صَيْدَ الْحَرَمِ فَهُوَ وَالْمَأْخُوذُ فِي الْحَرَمِ سَوَاءٌ بِدَلِيلِ وُجُوبِ الْجَزَاءِ عَلَيْهِ، وَهَذَا عِنْدَنَا.
فَأَمَّا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى حُرْمَةُ الْحَرَمِ لَا تَظْهَرُ فِي حَقِّ صَيْدٍ مَمْلُوكٍ.
فَإِذَا مَلَكَهُ بِالْأَخْذِ فِي الْحِلِّ، ثُمَّ أَدْخَلَهُ الْحَرَمَ لَمْ يَثْبُت لَهُ حُرْمَةُ الْحَرَمِ، وَعِنْدَنَا حُرْمَةُ الْحَرَمِ فِي حَقِّ الصَّيْدِ كَحُرْمَةِ الْإِحْرَامِ فَكَمَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ بِالْإِحْرَامِ إمْسَاكُ الصَّيْدِ الْمَمْلُوكِ وَيَلْزَمُهُ إرْسَالُهُ.
فَكَذَلِكَ يَحْرُمُ بِسَبَبِ الْحَرَمِ إمْسَاكُهُ، وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا فِي الْمَنَاسِكِ.
وَكَذَلِكَ حَلَالٌ أَحْرَمَ، وَفِي يَدِهِ صَيْدٌ، ثُمَّ حَلَّ ثُمَّ ذَبَحَهُ فَهَذَا وَالْأَوَّلُ سَوَاءٌ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَحْرَمَ فَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ إرْسَالُهُ وَحِينَ ذَبَحَهُ تَقَرَّرَ عَلَيْهِ جَزَاؤُهُ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْحِلِّ؛ فَلِهَذَا كُرِهَ أَكْلُهُ.
قَالَ (مُحْرِمٌ صَادَ صَيْدًا فَدَفَعَهُ إلَى حَلَالٍ فَذَبَحَهُ فَهُوَ وَالْأَوَّلُ سَوَاءٌ)؛ لِأَنَّهُ بِمَا صَنَعَ مُفَوِّتٌ مَا لَزِمَهُ مِنْ الْإِرْسَالِ وَمُقَرِّرٌ لِلْجَزَاءِ عَلَى نَفْسِهِ فَهُوَ كَمَا لَوْ ذَبَحَهُ بِنَفْسِهِ بَعْدَ مَا حَلَّ مِنْ إحْرَامِهِ، وَلَوْ ذَبَحَهُ بِنَفْسِهِ بَعْدَ مَا حَلَّ مِنْ إحْرَامِهِ وَهُوَ مُحْرِمٌ، أَوْ فِي الْحَرَمِ كَانَ ذَلِكَ أَشَدَّ مِنْ هَذَا حَالًا فَإِنَّ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْمَيْتَةِ، وَهَذَا مَكْرُوهٌ التَّنَاوُلُ؛ لِأَنَّ الْحِلَّ بِاعْتِبَارِ فِعْلِ الذَّكَاةِ وَفِعْلِ الْمُحْرِمِ، أَوْ الَّذِي فِي الْحَرَمِ مَحْظُورٌ فَلَا يَكُونُ ذَكَاةً شَرْعًا.
فَأَمَّا الْمَدْفُوعُ إلَيْهِ حَلَالٌ فِعْلُهُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ ذَكَاةٌ، وَلَكِنْ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ مُفَوِّتٌ لِلْإِرْسَالِ وَمُقَرِّرٌ لِلْجَزَاءِ عَلَى الْآخِذِ يَلْحَقُهُ نَوْعُ خَطَرٍ، وَذَلِكَ لَيْسَ لِمَعْنًى فِي نَفْسِ الْفِعْلِ فَلَا يَثْبُتُ بِهِ الْحُرْمَةُ مُطْلَقًا، وَإِنَّمَا تَثْبُتُ الْكَرَاهَةُ.
قَالَ (وَإِنْ أَرْسَلَهُ الْمُحْرِمُ فَذَبَحَهُ حَلَالٌ فَلَا بَأْسَ بِهِ)؛ لِأَنَّ الْمُحْرِمَ أَتَى بِمَا هُوَ الْمُسْتَحَقُّ عَلَيْهِ فَيَخْرُجُ بِهِ مِنْ عُهْدَةِ أَخْذِهِ وَذَبْحُ الْحَلَالِ إيَّاهُ كَذَبْحِ صَيْدٍ آخَرَ فِي الْحُكْمِ.
قَالَ (وَلَوْ أَنَّ حَلَالًا أَخْرَجَ صَيْدًا مِنْ الْحَرَمِ إلَى الْحِلِّ فَأَرْسَلَهُ فَصَادَهُ حَلَالٌ فَذَبَحَهُ فَلَا بَأْسَ بِأَكْلِهِ)؛ لِأَنَّهُ صَيْدُ الْحِلِّ فَإِنَّهُ بِالْإِرْسَالِ قَدْ خَرَجَ مِنْ يَدِ الَّذِي أَخْرَجَهُ مِنْ الْحَرَمِ فَهُوَ وَاَلَّذِي خَرَجَ بِنَفْسِهِ مِنْ الْحَرَمِ سَوَاءٌ فِي حِلِّ التَّنَاوُلِ، وَلَكِنْ عَلَى الَّذِي أَخْرَجَهُ الْجَزَاءُ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ عَلَيْهِ شَرْعًا إعَادَتُهُ إلَى مَأْمَنِهِ فَإِنَّهُ بِالْإِخْرَاجِ مِنْ الْحَرَمِ أَزَالَ الْأَمْنَ عَنْهُ.
فَإِذَا تَلِفَ قَبْلَ الْعَوْدِ إلَى مَأْمَنِهِ تَقَرَّرَ الْجَزَاءُ عَلَيْهِ لِانْعِدَامِ مَا يَنْسَخُ فِعْلَهُ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ فَإِنَّ عَلَى الْمُحْرِمِ رَفْعَ الْيَدِ عَنْهُ بِالْإِرْسَالِ فَيَنْفَسِخُ حُكْمُ فِعْلِهِ بِمُجَرَّدِ إرْسَالِهِ وَوِزَانُ هَذَا مِنْ ذَاكَ مَا لَوْ عَادَ الصَّيْدُ إلَى الْحَرَمِ بَعْدَ مَا أَرْسَلَهُ، ثُمَّ أَصَابَهُ مَا أَصَابَهُ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الَّذِي أَخْرَجَهُ مِنْ الْحَرَمِ هُوَ الَّذِي صَادَهُ بَعْدَ مَا أَرْسَلَهُ فَذَبَحَهُ لَمْ يَكُنْ بِأَكْلِهِ بَأْسٌ؛ لِأَنَّهُ حَلَالٌ ذَبَحَ صَيْدًا فِي الْحِلِّ فَهُوَ وَغَيْرُهُ فِي الْحَالَيْنِ سَوَاءٌ.
قَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ هُوَ وَغَيْرُهُ سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ إلَّا أَنَّ عَلَيْهِ الْجَزَاءَ وَأَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي هَذَا لَا يُخَالِفُهُمَا وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ الْحِلَّ بِاعْتِبَارِ الْفِعْلِ الثَّانِي وَوُجُوبَ الْجَزَاءِ عَلَيْهِ بِاعْتِبَارِ فِعْلِهِ الْأَوَّلِ وَهُوَ إخْرَاجُهُ مِنْ الْحَرَمِ وَلَمْ يَبْقَ ذَلِكَ الْإِخْرَاجُ بَعْدَ مَا أَرْسَلَهُ؛ فَلِهَذَا لَا تَثْبُتُ الْحُرْمَةُ، وَلَكِنَّ بَقَاءَ الْفِعْلِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فِي بَقَاءِ مَا وَجَبَ بِهِ مِنْ الْجَزَاءِ بِخِلَافِ مَا إذَا ذَبَحَهُ فِي الْحِلِّ قَبْلَ أَنْ يُرْسِلَهُ وَدَفَعَهُ إلَى غَيْرِهِ فَذَبَحَهُ؛ لِأَنَّ تِلْكَ الْيَدَ بَاقِيَةٌ حَقِيقَةً وَحُكْمًا، وَإِنَّمَا تَمَكَّنَ مِنْ الذَّبْحِ بِاعْتِبَارِهَا؛ فَلِهَذَا كُرِهَ أَكْلُهَا.
قَالَ (مُحْرِمٌ أَصَابَ صَيْدًا فَأَدْخَلَهُ مَنْزِلَهُ فِي الْحِلِّ فَجَاءَ بَعْضُ أَهْلِهِ فَذَبَحَهُ فَلَا بَأْسَ بِأَكْلِهِ) وَأَضَافَ الْجَوَابَ إلَى أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْفَظْ جَوَابَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ؛ لِأَنَّ جَوَابَهُ يُخَالِفُ جَوَابَهُمَا، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الذَّابِحَ حَلَالٌ، وَقَدْ ذَبَحَهُ فِي الْحِلِّ، وَلَوْ أَرْسَلَهُ الْمُحْرِمُ فِي غَيْرِ مَنْزِلِهِ فَذَبَحَهُ حَلَالٌ حَلَّ تَنَاوُلُهُ.
فَكَذَلِكَ إذَا أَرْسَلَهُ فِي مَنْزِلِهِ إلَّا أَنَّ عَلَى الْمُحْرِمِ الْجَزَاءَ؛ لِأَنَّهُ مَا نُسِخَ حُكْمُ فِعْلِهِ بِإِرْسَالِهِ إيَّاهُ مِنْ مَنْزِلِهِ فَإِنَّ مَعْنَى الصَّيْدِيَّةِ مِنْ حَيْثُ التَّنْفِيرُ وَالِاسْتِيحَاشُ لِمَنْ بَعُدَ إلَيْهِ كَمَا كَانَ قَبْلَ أَخْذِهِ؛ فَلِهَذَا كَانَ عَلَيْهِ الْجَزَاءُ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَرْسَلَ جَارِحًا مِنْ مَنْزِلِهِ.
قَالَ: وَلَا يُعْجِبُنَا هَذَا الْفِعْلَ؛ لِأَنَّ فِعْلَ بَعْضِ أَهْلِهِ فِي الذَّبْحِ كَفِعْلِهِ مِنْ وَجْهٍ فَإِنَّهُ يُنْفِقُ عَلَيْهِمْ لِيَفْعَلُوا لَهُ مِثْلَ هَذِهِ الْأَفْعَالِ فَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ الذَّابِحُ كَالْمَأْمُورِ مِنْ جِهَتِهِ، فَلِهَذَا قَالَ لَا يُعْجِبُنَا هَذَا الْفِعْلَ، وَكَذَلِكَ إنْ أَرْسَلَهُ فِي مَنْزِلِهِ فَخَرَجَ مِنْ مَنْزِلِهِ فَتَبِعَهُ بَعْضُ أَهْلِهِ وَذَبَحَهُ وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِذَلِكَ فَهَذَا وَالْأَوَّلُ سَوَاءٌ، وَلَا أَكْرَهُ أَكْلَهُ، وَفِي رِوَايَةِ أَبِي حَفْصٍ قَالَ وَأَكْرَهُ أَكْلَهُ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لَا بَأْسَ بِأَكْلِهِ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَمْ يَتِمَّ إرْسَالُهُ بَعْدُ فِي حَقِّ نَسْخِ الْفِعْلِ؛ لِأَنَّ الَّذِي تَبِعَهُ إنَّمَا يَتَمَكَّنُ مِنْ أَخْذِهِ بِاعْتِبَارِ الْفِعْلِ الْمَوْجُودِ مِنْ الْمُحْرِمِ فَكَانَ عَلَيْهِ الْجَزَاءُ لِذَلِكَ إلَّا أَنَّ فِي إبَاحَةِ التَّنَاوُلِ هُمَا يَقُولَانِ لَوْ أَرْسَلَهُ خَارِجًا مِنْ مَنْزِلِهِ حَلَّ تَنَاوُلُهُ إذَا ذَبَحَهُ إنْسَانٌ بَعْدَ ذَلِكَ.
فَكَذَلِكَ إذَا أَرْسَلَهُ فِي مَنْزِلِهِ فَخَرَجَ هَكَذَا وَجْهُ رِوَايَةِ أَبِي سُلَيْمَانَ حَيْثُ قَالَ، وَلَا أَكْرَهُ أَكْلَهُ وَوَجْهُ رِوَايَةِ أَبِي حَفْصٍ وَهُوَ أَنَّهُ لَمَّا أَرْسَلَهُ بِمَرْأَى الْعَيْنِ مِنْ بَعْضِ أَهْلِهِ فَقَدْ طَلَب مِنْهُ دَلَالَةً أَنْ يَتَّبِعَهُ فَيَأْخُذَهُ، وَلَوْ أَمَرَهُ بِذَلِكَ نَصًّا كَانَ تَنَاوُلُهُ مَكْرُوهًا.
فَكَذَلِكَ إذَا كَانَ طَالِبًا لِذَلِكَ الْفِعْلِ دَلَالَةً.
قَالَ (وَإِنْ انْفَلَتَ مِنْ الْمُحْرِمِ فِي جَوْفِ الْمِصْرِ، أَوْ أَرْسَلَهُ فَأَخَذَهُ إنْسَانٌ فَذَبَحَهُ فَهَذَا كَأَنَّهُ فِي يَدِهِ حَتَّى يُرْسِلَهُ)؛ لِأَنَّ بِالْإِرْسَالِ فِي جَوْفِ الْمِصْرِ لَمْ يَعُدْ إلَيْهِ التَّنْفِيرُ وَالِاسْتِيحَاشُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي كَانَ قَبْلَ أَخْذِهِ فَلَا يَنْسَخُ بِهِ حُكْمَ فِعْلِهِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ مَا فِي جَوْفِ الْمِصْرِ يُمْكِنُ أَخْذُهُ بِغَيْرِ اصْطِيَادِهِ عَادَةً؛ وَلِهَذَا قُلْنَا لَوْ نَدَّتْ شَاةٌ فِي الْمِصْرِ لَمْ تَحِلَّ بِالرَّمْيِ.
قَالَ (وَإِذَا انْفَلَتَ مِنْهُ فِي الصَّحْرَاءِ لَا يَقْدِرُ عَلَى أَخْذِهِ إلَّا بِصَيْدٍ فَرَمَاهُ حَلَالٌ فَلَا بَأْسَ بِهِ كَمَا لَوْ أَرْسَلَهُ فِي الصَّحْرَاءِ)، وَهَذَا؛ لِأَنَّ حُكْمَ فِعْلِهِ قَدْ انْتَسَخَ حِينَ عَادَ صَيْدًا مُتَوَحِّشًا كَمَا كَانَ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَأْخُذْهُ قَطُّ.
قَالَ (حَلَالٌ أَرْسَلَ كَلْبَهُ عَلَى صَيْدٍ فِي الْحِلِّ فَتَبِعَهُ الْكَلْبُ حَتَّى أَدْخَلَهُ الْحَرَمَ فَقَتَلَهُ فِيهِ كَرِهْت لَهُ أَكْلَهُ) لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ الْحِلَّ يَثْبُتُ عِنْدَ الْإِصَابَةِ، وَعِنْدَ ذَلِكَ هُوَ صَيْدُ الْحَرَمِ، وَإِنْ كَانَ أَصْلُ الْإِرْسَالِ فِي الْحِلِّ.
فَكَذَلِكَ إذَا أَدْرَكَهُ صَاحِبُهُ حَيًّا فَأَخَذَهُ وَأَخْرَجَهُ إلَى الْحِلِّ وَذَبَحَهُ؛ لِأَنَّهُ حِينَ أَخَذَهُ مِنْ فَمِ الْكَلْبِ فَهُوَ صَيْدُ الْحَرَمِ، وَقَدْ بَطَلَ حُكْمُ ذَلِكَ الْإِرْسَالِ حِينَ وَقَعَ فِي يَدِهِ حَيًّا (فَجَوَابُ) هَذَا الْفَصْلِ كَجَوَابِ مَا لَوْ أَخْرَجَ صَيْدًا مِنْ الْحَرَمِ وَذَبَحَهُ فِي الْحِلِّ.
وَإِنْ أَرْسَلَ كَلْبَهُ مِنْ الْحَرَمِ عَلَى صَيْدٍ فِي الْحِلِّ كَرِهْت لَهُ أَكْلَهُ وَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ؛ لِأَنَّ إرْسَالَهُ الْكَلْبَ عَلَى الصَّيْدِ اصْطِيَادٌ وَمَنْ هُوَ دَاخِلُ الْحَرَمِ مَمْنُوعٌ مِنْ الِاصْطِيَادِ فَإِرْسَالُ الْكَلْبِ عَلَيْهِ وَالرَّمْيُ إلَيْهِ سَوَاءٌ كَمَا بَيَّنَّا.
قَالَ (وَإِنْ أَرْسَلَهُ فِي الْحِلِّ عَلَى صَيْدٍ فِي الْحَرَمِ فَتَبِعَهُ حَتَّى أَخْرَجَهُ إلَى الْحِلِّ، ثُمَّ أَخَذَهُ وَقَتَلَهُ كَرِهْته أَيْضًا)؛ لِأَنَّهُ أَرْسَلَهُ عَلَى صَيْدِ الْحَرَمِ، وَذَلِكَ فِعْلٌ مَحْظُورٌ فَهُوَ كَمَا لَوْ رَمَى الصَّيْدَ فِي الْحَرَمِ فَخَرَجَ مِنْ الْحَرَمِ قَبْلَ الْإِصَابَةِ.
قَالَ (وَإِنْ أَخَذَهُ مِنْ الْكَلْبِ حَيًّا فِي الْحِلِّ فَذَبَحَهُ كَرِهْت لَهُ هَذَا الصُّنْعَ، وَلَا بَأْسَ بِأَكْلِهِ فِي الْقِيَاسِ)؛ لِأَنَّهُ حِينَ أَخَذَهُ حَيًّا فَقَدْ بَطَلَ حُكْمُ إرْسَالِ الْكَلْبِ حَتَّى لَا يَحِلَّ إلَّا بِذَكَاةِ الِاخْتِيَارِ فَإِنَّمَا بَقِيَ الْمُعْتَبَرُ أَخْذُهُ وَذَبْحُهُ، وَقَدْ حَصَلَ فِي صَيْدِ الْحِلِّ فَلَا بَأْسَ بِأَكْلِهِ، وَإِنَّمَا كُرِهَ لَهُ هَذَا الصُّنْعُ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ أَخْذِهِ بِذَلِكَ الْإِرْسَالِ السَّابِقِ، وَقَدْ كَانَ حَرَامًا بِكَوْنِ الصَّيْدِ فِي الْحَرَمِ عِنْدَ ذَلِكَ.
قَالَ (ظَبْيٌ بَعْضُ قَوَائِمِهِ فِي الْحِلِّ وَبَعْضُهَا فِي الْحَرَمِ رَمَاهُ حَلَالٌ فِي الْحَرَمِ فَقَتَلَهُ فَإِنَّهُ يُكْرَهُ أَكْلُهُ لِوُجُوبِ الْجَزَاءِ عَلَيْهِ)، وَهَذَا؛ لِأَنَّ قِوَامَ الصَّيْدِ بِقَوَائِمِهِ وَاعْتِبَارُ مَا فِي الْحَرَمِ مِنْ قَوَائِمِهِ يَجْعَلُهُ صَيْدَ الْحَرَمِ، وَهَذَا الْجَانِبُ يَتَرَجَّحُ؛ لِأَنَّهُ جَانِبُ الْحَظْرِ وَجَانِبُ الْحُرْمَةِ لِحَقِّ الشَّرْعِ، وَإِنْ كَانَتْ قَوَائِمُهُ فِي الْحِلِّ وَرَأْسُهُ فِي الْحَرَمِ فَلَا بَأْسَ بِأَكْلِهِ؛ لِأَنَّهُ صَيْدُ الْحِلِّ فَإِنَّ قِوَامَ الصَّيْدِ بِقَوَائِمِهِ.
وَقِيلَ هَذَا إذَا كَانَ قَائِمًا فَإِنْ كَانَ نَائِمًا فَهَذَا وَالْأَوَّلُ سَوَاءٌ؛ لِأَنَّ اسْتِمْسَاكَهُ عَلَى الْأَرْضِ فِي حَالِ نَوْمِهِ بِاعْتِبَارِ جَمِيعِ بَدَنِهِ.
فَإِذَا كَانَ جَانِبٌ مِنْهُ فِي الْحَرَمِ فَهُوَ صَيْدُ الْحَرَمِ، وَقَدْ بَيَّنَّا فِي الْمَنَاسِكِ فِي الشَّجَرَةِ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ مَوْضِعُ أَصْلِهَا لَا مَوْضِعُ أَغْصَانِهَا، وَفِي الصَّيْدِ الْوَاقِعِ عَلَى بَعْضِ أَغْصَانِهَا يُعْتَبَرُ مَوْضِعُ ذَلِكَ الْغُصْنِ؛ لِأَنَّ قِوَامَ الصَّيْدِ لَيْسَ بِغُصْنِ الشَّجَرَةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {مَا يُمْسِكُهُنَّ إلَّا اللَّهَ}.
فَأَمَّا قِوَامُ غُصْنِ الشَّجَرَةِ فَبِأَصْلِهَا فَفِي حَقِّ ضَمَانِ الْمُحْصَنِ يُعْتَبَرُ مَوْضِعُ أَصْلِ الشَّجَرَةِ، وَفِي حَقِّ ضَمَانِ الصَّيْدِ يُعْتَبَرُ الْمَوْضِعُ الَّذِي فِيهِ الصَّيْدُ فَإِنْ كَانَ فِي هَوَاءِ الْحَرَمِ فَهَذَا الصَّيْدُ صَيْدُ الْحَرَمِ.
قَالَ (وَإِنْ اشْتَرَكَ الْحَلَالُ وَالْمُحْرِمُ فِي رَمْيِ الصَّيْدِ لَمْ يَحِلَّ أَكْلُهُ)؛ لِأَنَّ اعْتِبَارَ فِعْلِ الْمُحْرِمِ مُحَرَّمٌ وَالْمُوجِبُ لِلْحُرْمَةِ يَغْلِبُ عَلَى الْمُوجِبِ لِلْحِلِّ كَمَا لَوْ اشْتَرَكَ مُسْلِمٌ وَمَجُوسِيٌّ فِي قَتْلِ الصَّيْدِ.
قَالَ (رَجُلٌ أَرْسَلَ بَازِيًا عَلَى صَيْدٍ فِي الْحَرَمِ فَتَبِعَهُ حَتَّى أَخْرَجَهُ إلَى الْحِلِّ فَقَتَلَهُ كَرِهْتُ أَكْلَهُ)؛ لِأَنَّ أَصْلَ السَّبَبِ إرْسَالُ الْبَازِي، وَقَدْ كَانَ مَحْظُورًا فَإِنْ أَرْسَلَهُ عَلَى صَيْدٍ فِي الْحَرَمِ فَاعْتِبَارُهُ يُثْبِتُ الْكَرَاهَةَ.
قَالَ (حَلَالٌ أَخْرَجَ ظَبْيَةً مِنْ الْحَرَمِ فَوَلَدَتْ أَوْلَادًا، ثُمَّ ذَبَحَهَا وَأَوْلَادَهَا فَلَيْسَ أَكْلُهَا وَأَكْلُ أَوْلَادِهَا بِحَرَامٍ)؛ لِأَنَّ الْحِلَّ بِالذَّبْحِ، وَقَدْ حَصَلَ مِنْ حَلَالٍ فِي صَيْدٍ فِي الْحِلِّ، وَلَكِنْ لَا يُعْجِبُنِي هَذَا الْفِعْلَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أُذِنَ فِي ذَلِكَ تَطَرَّقَ النَّاسُ إلَيْهِ، وَلِأَنَّهُ تَمَكَّنَ مِنْ الذَّبْحِ بِالْأَخْذِ السَّابِقِ، وَقَدْ كَانَ ذَلِكَ الْأَخْذُ حَرَامًا عَلَيْهِ وَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ فِيهَا، وَفِي أَوْلَادِهَا؛ لِأَنَّ الْإِرْسَالَ وَالْإِعَادَةَ إلَى الْمَاءِ مِنْ مُسْتَحَقٍّ عَلَيْهِ فِيهَا، وَفِي أَوْلَادِهَا.
فَإِذَا فَوَّتَ ذَلِكَ بِالذَّبْحِ كَانَ عَلَيْهِ الْجَزَاءُ، وَلِأَنَّهُ إنَّمَا يَضْمَنُ جَزَاءَ الْأُمِّ لِإِتْلَافِهِ مَعْنَى الصَّيْدِيَّةِ فِيهَا بِإِثْبَاتِ الْيَدِ عَلَيْهَا، وَهَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودٌ فِي وَلَدِهَا، وَكَذَلِكَ إنْ أَدَّى الْجَزَاءُ عَنْهَا، ثُمَّ ذَبَحَهَا فَهَذَا وَالْأَوَّلُ سَوَاءٌ؛ لِأَنَّهُ مُطَالَبٌ بِإِرْسَالِهَا وَإِعَادَتِهَا إلَى الْمَاء مِنْ بَعْدِ أَدَاءِ الْجَزَاءِ فَإِنَّ الْبَدَلَ إنَّمَا يَظْهَرُ حُكْمُهُ عِنْدَ فَوَاتِ الْأَصْلِ.
فَأَمَّا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْأَصْلِ فَلَا مُعْتَبَرَ بِالْبَدَلِ، وَمَا وَلَدَتْ فِي يَدِهِ بَعْدَ أَدَاءِ الْجَزَاءِ فَلَيْسَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ الْوَلَدِ جَزَاءٌ؛ لِأَنَّهُ لَوْ مَاتَتْ هِيَ فِي يَدِهِ بَعْدَ أَدَاءِ الْجَزَاءِ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ آخَرُ فَعَرَفْنَا أَنَّهُ لَيْسَ فِي عَيْنِهَا حَقٌّ مُسْتَحَقٌّ بَعْدَ أَدَاءِ الْجَزَاءِ لِيَسْرِيَ إلَى الْوَلَدِ بِخِلَافِ مَا قَبْلَ أَدَاءِ الْجَزَاءِ (فَإِنْ قِيلَ) فَأَيْنَ ذَهَبَ قَوْلُكُمْ أَنَّهُ لَا مُعْتَبَرَ بِالْبَدَلِ حَالَ قِيَامِ الْأَصْلِ وَأَنَّهُ مُطَالَبٌ بِإِعَادَتِهَا إلَى الْمَاءِ مِنْ بَعْدِ أَدَاءِ الْجَزَاءِ (قُلْنَا) نَعَمْ لَا مُعْتَبَرَ بِالْبَدَلِ حَالَ قِيَامِ الْبَدَلِ، وَلَكِنْ لَا يُجْمَعُ الْأَصْلُ وَالْبَدَلُ فَيَبْقَى بَعْدَ أَدَاءِ الْجَزَاءِ الْحَقُّ مُتَرَدِّدًا بَيْنَ الْإِرْسَالِ الَّذِي هُوَ الْأَصْلُ وَبَيْنَ الْمُؤَدَّى مِنْ الْجَزَاءِ؛ وَلِهَذَا لَوْ بَاعَهُ بَعْدَ بَيْعِهِ يَظْهَرُ ذَلِكَ عِنْدَ فَوَاتِ الْأَصْلِ وَبِاعْتِبَارِ جَانِبِ الْمُؤَدَّى مِنْ الْجَزَاءِ لَا يَظْهَرُ فِي الْوَلَدِ الْحَادِثِ بَعْدَ ذَلِكَ اسْتِحْقَاقُ شَيْءٍ؛ فَلِهَذَا لَا يَلْزَمُهُ الْجَزَاءُ فِيهِ، وَلِأَنَّهُ يَتَمَلَّكُ ذَلِكَ الصَّيْدَ بِمَا أَدَّى مِنْ الْجَزَاءِ؛ وَلِهَذَا لَوْ بَاعَهُ نَفَذَ بَيْعُهُ فَالْوَلَدُ إنَّمَا يَتَوَلَّدُ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ مِلْكِهِ؛ فَلِهَذَا لَا يَلْزَمُهُ الْجَزَاءُ فِيهِ.
وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ مُحْرِمًا صَادَ ظَبْيَةً، ثُمَّ حَلَّ مِنْ إحْرَامِهِ وَهِيَ فِي يَدِهِ فَحَالُهَا وَحَالُ أَوْلَادِهَا كَمَا بَيَّنَّا فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ مَا قَبْلَ أَدَاءِ الْجَزَاءِ، أَوْ بَعْدَ أَدَاءِ الْجَزَاءِ فَإِنَّ مَا قَرَّرْنَاهُ مِنْ الْمَعْنَى يَشْتَمِلُ عَلَى الْفَصْلَيْنِ جَمِيعًا، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.