فصل: بَابُ التَّشْبِيهِ فِي مِيرَاثِ الْأَوْلَادِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المبسوط



.بَابُ التَّشْبِيهِ فِي مِيرَاثِ الْأَوْلَادِ:

(قَالَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ) وَيُسَمَّى هَذَا بَابَ التَّفْوِيضِ وَبَابَ تَرْتِيبِ الْأَنْسَابِ وَاعْلَمْ بِأَنَّ الصَّحَابَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ لَمْ يَتَكَلَّمُوا فِي جِنْسِ مَسَائِلِ هَذَا الْبَابِ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْمُتَأَخِّرُونَ رَحِمَهُمُ اللَّهُ فِي ذَلِكَ لِتَسْجِيدِ الْخَوَاطِرِ فَنَقُولُ إنَّكَ تَسْأَلُ عَنْ ثَلَاثَةِ بَنَاتِ ابْنٍ بَعْضُهُنَّ أَسْفَلُ مِنْ بَعْضٍ فَالْأَصْلُ فِي تَخْرِيجِ الْجَوَابِ مَا قَدَّمْنَا أَنَّ ابْنَةَ الِابْنِ تَقُومُ مَقَامَ ابْنَةِ الصُّلْبِ عِنْدَ عَدَمِهَا وَابْنَةُ ابْنِ الِابْنِ تَقُومُ مَقَامَ ابْنَةِ الِابْنِ عِنْدَ عَدَمِهَا، ثُمَّ صُورَةُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْعُلْيَا مِنْهُنَّ ابْنَةُ الِابْنِ وَالْوُسْطَى ابْنَةُ ابْنِ الِابْنِ وَالسُّفْلَى ابْنَةُ ابْنِ ابْنِ الِابْنِ فَيَكُونُ لِلْعُلْيَا النِّصْفُ لِأَنَّهَا قَائِمَةٌ مَقَامَ ابْنَةِ الصُّلْبِ وَالْوُسْطَى السُّدُسُ تَكْمِلَةَ الثُّلُثَيْنِ، وَلَا شَيْءَ لِلسُّفْلَى فَإِنْ كَانَ مَعَ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ غُلَامٌ قُلْت إنْ كَانَ الْغُلَامُ مَعَ الْعُلْيَا فَالْمَالُ بَيْنَهُمَا لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ، وَإِنْ كَانَ مَعَ الْوُسْطَى فَلِلْعُلْيَا النِّصْفُ وَالْبَاقِي بَيْنَ الْغُلَامِ وَالْوُسْطَى لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ وَلَا شَيْءَ لِلسُّفْلَى لِأَنَّ الذَّكَرَ لَا يَعْصِبُ مَنْ دُونَهُ بِدَرَجَةٍ، وَإِنْ كَانَ الْغُلَامُ مَعَ السُّفْلَى فَلِلْعُلْيَا النِّصْفُ وَلِلْوُسْطَى السُّدُسُ تَكْمِلَةَ الثُّلُثَيْنِ وَالْبَاقِي بَيْنَ السُّفْلَى وَالْغُلَامِ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كَانَ مَعَ الْعُلْيَا جَدُّهَا أَبُ أَبِيهَا فَقُلْ هَذَا الْمَيِّتُ ذَكَرٌ أَمْ أُنْثَى فَإِنْ كَانَ الْمَيِّتُ ذَكَرًا فَالسُّؤَالُ مُحَالٌ لِأَنَّ أَبَ الْأَبِ أَبُ أَبِ الْعُلْيَا وَهُوَ الْمَيِّتُ نَفْسُهُ، وَإِنْ كَانَ الْمَيِّتُ امْرَأَةً فَالسُّؤَالُ صَحِيحٌ وَهَذِهِ امْرَأَةٌ مَاتَتْ وَتَرَكَتْ زَوْجَهَا وَثَلَاثَ بَنَاتِ ابْنٍ فَيَكُونُ لِلزَّوْجِ الرُّبُعُ وَلِلْعُلْيَا النِّصْفُ وَلِلْوُسْطَى السُّدُسُ فَإِنْ قِيلَ لَمْ يَذْكُرْ فِي السُّؤَالِ قِيَامَ الزَّوْجِيَّةِ بَيْنَهُمَا عِنْدَ الْمَوْتِ فَكَيْفَ يُوَرِّثُهُ قُلْنَا قَدْ ذَكَرَ ذَلِكَ إشَارَةً بِذِكْرِهِ إيَّاهُ فِي جُمْلَةِ الْوَرَثَةِ مَعَ أَنَّا عَرَفْنَا أَنَّ الزَّوْجِيَّةَ بَيْنَهُمَا، وَمَا عُرِفَ ثُبُوتُهُ فَالْأَصْلُ بَقَاؤُهُ حَتَّى يَقُومَ دَلِيلُ الزَّوَالِ فَإِنْ كَانَ مَعَ الْعُلْيَا جَدَّتُهَا أُمُّ أَبِيهَا قُلْنَا إنْ كَانَ الْمَيِّتُ امْرَأَةً فَالسُّؤَالُ مُحَالٌ لِأَنَّ أُمَّ أَبٍ الْعُلْيَا هِيَ الْمَيِّتَةُ نَفْسُهَا.
وَإِنْ كَانَ الْمَيِّتُ ذَكَرًا فَالسُّؤَالُ مُسْتَقِيمٌ وَأُمُّ أَبٍ الْعُلْيَا زَوْجَةُ الْمَيِّتِ فَيَكُونُ لَهَا الثُّمُنُ وَلِابْنَةِ الِابْنِ النِّصْفُ وَلِابْنَةِ ابْنِ الِابْنِ السُّدُسُ تَكْمِلَةَ الثُّلُثَيْنِ، وَإِنْ كَانَ مَعَ الْعُلْيَا عَمُّهَا فَنَقُولُ عَمُّ الْعُلْيَا ابْنُ الْمَيِّتِ فَالْمَالُ كُلُّهُ لَهُ وَإِنْ كَانَ مَعَ الْعُلْيَا عَمَّتُهَا فَعَمَّةُ الْعُلْيَا ابْنَةُ الْمَيِّتِ فَلَهَا النِّصْفُ وَلِلْعُلْيَا السُّدُسُ، وَإِنْ كَانَ مَعَ الْعُلْيَا عَمُّ ابْنِهَا فَعَمُّ ابْنِهَا أَخُ الْمَيِّتِ فَيَكُونُ لِلْعُلْيَا النِّصْفُ وَلِلْوُسْطَى السُّدُسُ وَالْبَاقِي لِلْأَخِ، وَإِنْ كَانَ مَعَ الْعُلْيَا عَمَّةُ ابْنِهَا فَعَمَّةُ ابْنِهَا أُخْتُ الْمَيِّتِ فَلِلْعُلْيَا النِّصْفُ وَلِلْوُسْطَى السُّدُسُ وَالْبَاقِي لِلْأُخْتِ فَإِنَّ الْأَخَوَاتِ مَعَ الْبَنَاتِ عَصَبَةٌ فَإِنْ كَانَ مَعَ الْعُلْيَا ثَلَاثَةُ أَعْمَامٍ مُتَفَرِّقِينَ فَنَقُولُ إنْ كَانَ الْمَيِّتُ ذَكَرًا فَالْمَالُ بَيْنَ عَمِّ الْعُلْيَا لِأَبٍ وَأُمٍّ وَعَمِّهَا لِأَبٍ نِصْفَانِ، وَلَا شَيْءَ لِعَمِّهَا لِأُمِّهَا لِأَنَّ عَمَّهَا لِأُمٍّ ابْنُ امْرَأَةِ الْمَيِّتِ، وَإِنْ كَانَ الْمَيِّتُ امْرَأَةً فَالْمَالُ بَيْنَ عَمِّ الْعُلْيَا لِأَبٍ وَأُمٍّ وَعَمِّهَا لِأُمٍّ نِصْفَانِ لِأَنَّهُمَا ابْنَا الْمَيِّتِ، وَلَا شَيْءَ لِعَمِّهِمَا لِأَبٍ لِأَنَّهُ ابْنُ زَوْجِ الْمَيِّتِ، وَإِنْ كَانَ مَعَ الْعُلْيَا ثَلَاثُ عَمَّاتٍ مُتَفَرِّقَاتٍ فَهُوَ كَذَلِكَ إنْ كَانَ الْمَيِّتُ رَجُلًا فَعَمَّةُ الْعُلْيَا لِأَبٍ وَأُمٍّ وَعَمَّتُهَا لِأُمٍّ ابْنَتَا الْمَيِّتِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ، وَإِنْ كَانَ مَعَ الْعُلْيَا ثَلَاثُ إخْوَةٍ مُتَفَرِّقِينَ فَالْمَالُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ أُخْتِهَا لِأَبٍ وَأُمٍّ وَأُخْتِهَا لِأَبٍ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ، وَلَا شَيْءَ لِأُخْتِهَا لِأُمٍّ لِأَنَّهَا ابْنَةُ امْرَأَةِ ابْنِ الْمَيِّتِ، وَإِنْ كَانَ مَعَ الْعُلْيَا ثَلَاثُ أَخَوَاتٍ مُتَفَرِّقَاتٍ فَأُخُوَّتُهَا لِأَبِيهَا وَأُمِّهَا وَأُخْتُهَا لِأَبِيهَا فِي دَرَجَتِهَا فَيَكُونُ لَهُمْ الثُّلُثَانِ وَلَا شَيْءَ لِأُخْتِهَا لِأُمِّهَا لِأَنَّهَا ابْنَةُ ابْنِ امْرَأَةِ ابْنِ الْمَيِّتِ وَيَسْتَوِي فِي هَذَا الْفَصْلِ إنْ كَانَ الْمَيِّتُ ذَكَرًا، أَوْ أُنْثَى فَإِنْ كَانَ تَرَكَ ثَلَاثَ بَنَاتِ ابْنٍ بَعْضُهُنَّ أَسْفَلُ مِنْ بَعْضٍ وَثَلَاثَ بَنَاتِ ابْنِ ابْنٍ بَعْضُهُنَّ أَسْفَلُ مِنْ بَعْضٍ فَنَقُولُ الْعُلْيَا مِنْ الْفَرِيقِ الثَّانِي فِي دَرَجَةِ الْوُسْطَى مِنْ الْفَرِيقِ الْأَوَّلِ وَالْوُسْطَى مِنْ الْفَرِيقِ الثَّانِي فِي دَرَجَةِ السُّفْلَى مِنْ الْفَرِيقِ الْأَوَّلِ فَيَكُونُ لِلْعُلْيَا مِنْ الْفَرِيقِ الْأَوَّلِ النِّصْفُ وَلِلْوُسْطَى مِنْ الْفَرِيقِ الْأَوَّلِ وَالْعُلْيَا مِنْ الْفَرِيقِ الثَّانِي السُّدُسُ تَكْمِلَةَ الثُّلُثَيْنِ وَلَا شَيْءَ لِمَنْ سِوَاهُنَّ فَإِنْ كَانَ مَعَ الْوُسْطَى مِنْ الْفَرِيقِ الثَّانِي غُلَامٌ فَالْبَاقِي بَيْنَ السُّفْلَى مِنْ الْفَرِيقِ الْأَوَّلِ وَالْوُسْطَى مِنْ الْفَرِيقِ الثَّانِي وَالْغُلَامُ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ وَلَا شَيْءَ لِلسُّفْلَى مِنْ الْفَرِيقِ الثَّانِي.
وَإِنْ كَانَ الْغُلَامُ مَعَ السُّفْلَى مِنْ الْفَرِيقِ الثَّانِي فَالْبَاقِي بَيْنَ الْغُلَامِ وَبَيْنَ مَنْ بَقِيَ مِنْهُنَّ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ الْغُلَامَ كَمَا يَعْصِبُ مَنْ فِي دَرَجَتِهِ يَعْصِبُ مَنْ هُوَ فَوْقَهُ بِدَرَجَةٍ إذَا لَمْ يَسْتَحِقَّ شَيْئًا بِالْفَرِيضَةِ، وَإِنْ كَانَ الْغُلَامُ مَعَ الْعُلْيَا مِنْ الْفَرِيقِ الثَّانِي فَلِلْعُلْيَا مِنْ الْفَرِيقِ الْأَوَّلِ النِّصْفُ وَالْبَاقِي بَيْنَ الْوُسْطَى مِنْ الْفَرِيقِ الْأَوَّلِ وَالْعُلْيَا مِنْ الْفَرِيقِ الثَّانِي وَالْغُلَامُ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كَانَ الْغُلَامُ مَعَ الْعُلْيَا مِنْ الْفَرِيقِ الْأَوَّلِ فَالْمَالُ بَيْنَهُمَا لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ وَإِنْ تَرَكَ ثَلَاثَ بَنَاتِ ابْنٍ بَعْضُهُنَّ أَسْفَلُ مِنْ بَعْضٍ وَمَعَ الْعُلْيَا ثَلَاثُ بَنِي أَعْمَامٍ مُتَفَرِّقِينَ فَالْمَالُ بَيْنَ الْعُلْيَا وَبَيْنَ ابْنِ عَمِّهَا لِأَبٍ وَأُمٍّ وَبَيْنَ ابْنِ عَمّهَا لِأَبٍ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ لِأَنَّ ابْنَ عَمِّهَا فِي دَرَجَةِ ابْنِ ابْنِ الْمَيِّتِ رَجُلًا كَانَ أَوْ امْرَأَةً فَإِنْ كَانَ مَعَ الْعُلْيَا ثَلَاثُ بَنَاتِ أَعْمَامٍ مُتَفَرِّقِينَ فَلِلْعُلْيَا، وَمَا يَكُونُ مِنْ هَذَا الْجِنْسِ فَطَرِيقُ تَخْرِيجِهِ مَا بَيَّنَّا وَيَتَّصِلُ بِهَذَا الْبَابِ مَسَائِلُ الْمُعَايَاةِ وَمُتَشَابِهُ الْأَنْسَابِ، وَلَكِنْ أَوْرَدَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ لِذَلِكَ بَابًا فِي آخِرِ الْكِتَابِ فَيُؤَخَّرُ الْبَيَانُ إلَى ذَلِكَ الْمَوْضِعِ لِيَكُونَ أَسْهَلَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
.

.بَابُ الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ:

(قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ) الْأَصْلُ فِي تَوْرِيثِهِمْ آيَتَانِ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى إحْدَاهُمَا قَوْله تَعَالَى {وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوْ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ} مَعْنَاهُ أَخٌ، أَوْ أُخْتٌ لِأُمٍّ هَكَذَا فِي قِرَاءَةِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَتُسَمَّى هَذِهِ الْآيَةِ آيَةَ النِّسَاءِ لِأَنَّهَا فِي النِّسَاءِ نَزَلَتْ وَالثَّانِيَةُ قَوْله تَعَالَى {يَسْتَفْتُونَك قُلْ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ} إلَى آخِرِ السُّورَةِ وَالْمُرَادُ الْإِخْوَةُ وَالْأَخَوَاتُ لِأَبٍ وَأُمٍّ، أَوْ لِأَبٍ هَكَذَا قَالَهُ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى مِنْبَرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتُسَمَّى هَذِهِ الْآيَةُ آيَةَ الصَّيْفِ لِأَنَّ نُزُولَهَا كَانَ فِي الصَّيْفِ، ثُمَّ اخْتَلَفَتْ الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ وَمَنْ بَعْدَهُمْ فِي مَعْنَى اللَّفْظِ الْمَذْكُورِ فِي الْآيَتَيْنِ وَهُوَ الْكَلَالَةُ أَنَّهُ عِبَارَةُ عَمَّا خَلَا عَنْ الْوَلَدِ وَالْوَالِدِ، وَفِي آيَةِ النِّسَاءِ الْكَلَامُ مُبْهَمٌ جِدًّا، وَفِي آيَةِ الصَّيْفِ زِيَادَةُ بَيَانٍ بِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ {إنْ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ} وَكَانَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى السُّؤَالِ عَنْ الْكَلَالَةِ حَتَّى أَنَّهُ رُوِيَ لَمَّا أَلَحَّ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي السُّؤَالِ عَنْهُ وَضَعَ فِي صَدْرِهِ فَقَالَ «أَمَا يَكْفِيك آيَةُ الصَّيْفِ» وَإِنَّمَا أَحَالَهُ عَلَى الْآيَةِ لِيَجْتَهِدَ فِي طَلَبِ مَعْنَاهَا فَيَنَالَ ثَوَابَ الْمُجْتَهِدِينَ وَرُوِيَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ لِحَفْصَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا مَتَى وَجَدْت مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَيِّبَةَ نَفْسٍ فَسَلِيهِ عَنْ الْكَلَالَةِ فَلَبِسَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثِيَابَهُ يَوْمًا لِيَخْرُجَ فَقَالَتْ حَفْصَةُ «أَخْبِرْنِي عَنْ الْكَلَالَةِ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَبُوك أَمَرَك بِذَلِكَ مَا أَرَاهُ يَعْرِفُ الْكَلَالَةَ فَكَانَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ مَا أَرَانِي أَعْرِفُ الْكَلَالَةَ بَعْدَ مَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا قَالَ» وَكَانَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ أَنْ يُبَيِّنَ لَنَا ثَلَاثًا وَلَوْ عَلِمْتهَا لَكَانَ أَحَبَّ إلَيَّ مِنْ الدِّينَا، وَمَا فِيهَا الْكَلَالَةُ وَالْخِلَابَةُ وَالرِّبَا وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنِّي رَأَيْت فِي الْكَلَالَةِ رَأْيًا فَإِنْ يَكُ صَوَابًا فَمِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَإِنْ يَكُ خَطَأً فَمِنِّي وَمِنْ الشَّيْطَانِ أَرَى الْكَلَالَةَ مَا خَلَا عَنْ الْوَلَدِ وَالْوَالِدِ فَاتَّبَعَهُ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى رَأْيِهِ وَقَالَ لَا أَرْضَى مِنْ نَفْسِي أَنِّي أُنْسَبُ إلَى مُخَالِفَةِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَثْبَتَ ذَلِكَ فِي كَتِفٍ فَلَمَّا طُعِنَ وَأَيِسَ مِنْ نَفْسِهِ دَعَا بِالْكَتِفِ وَمَحَاهُ وَقَالَ اشْهَدُوا أَنِّي أَلْقَى اللَّهَ تَعَالَى وَلَا قَوْلَ لِي فِي الْكَلَالَةِ، ثُمَّ اتَّفَقَ أَكْثَرُ الصَّحَابَةِ أَبُو بَكْرٍ وَعَلِيٌّ وَزَيْدٌ وَابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَنَّ الْكَلَالَةَ مَا عَدَا الْوَلَدَ وَالْوَالِدَ وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ وَقَدْ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَقَدْ صَحَّ عَنْهُ فِي زَوْجٍ وَأَبَوَيْنِ أَنَّ لِلْأُمِّ ثُلُثَ جَمِيعِ الْمَالِ، وَلَا يُظَنُّ بِهِ أَنَّهُ يُسْقِطُ الْأَبَ بِالْأَخِ، وَلَا أَنَّهُ يُنْقِصُ نَصِيبَهُ مِنْ السُّدُسِ بِسَبَبِ الْأَخِ وَلَمْ يَبْقَ السُّدُسُ يَعْنِي أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَثْبَتَ لِلْأَخِ لِأُمٍّ السُّدُسَ إذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ كَلَالَةً وَأَمَّا إذَا مَاتَتْ الْمَرْأَةُ عَنْ زَوْجٍ وَأَبَوَيْنِ وَأَخٍ لِأُمٍّ فَعَلَى قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ لِلزَّوْجِ النِّصْفُ وَلِلْأُمِّ ثُلُثُ جَمِيعَ الْمَالِ وَلَمْ يَبْقَ إلَّا السُّدُسُ فَلَوْ كَانَتْ الْمَسْأَلَةُ كَلَالَةً مَعَ قِيَامِ الْأَبِ عِنْدَهُ لَصَارَ ذَلِكَ السُّدُسُ لِلْأَخِ لِأُمٍّ فَيَصِيرُ الْأَبُ مَحْجُوبًا بِسَبَبِ الْأَخِ لِأُمٍّ، وَلَا يُظَنُّ بِهِ هَذَا فَعَرَفْنَا أَنَّ الصَّحِيحَ مِنْ مَذْهَبِهِ أَنَّ الْكَلَالَةَ مَا خَلَا الْوَلَدِ وَالْوَالِدِ وَأَظْهَرُ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ أَنَّ الْكَلَالَةَ مَا خَلَا الْوَلَدِ فَإِنْ كَانَ هُنَاكَ وَالِدٌ فَقُلْت إنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا عَدَا الْوَالِدَ وَالْوَلَدَ فَغَضِبَ فَقَالَ أَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمْ اللَّهُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {قُلْ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ إنْ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ} يَعْنِي الْكَلَالَةَ هَالِكٌ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَعَامَّةُ الصَّحَابَةِ وَالْعُلَمَاءِ اسْتَدَلُّوا بِحَدِيثٍ رَوَاهُ أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ الْكَلَالَةِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ، وَلَا وَالِدٌ» وَأَمَّا الْآيَةُ فَقَدْ قِيلَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ {لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ} وَهُوَ يَشْمَلُ الْوَلَدَ وَالْوَالِدَ جَمِيعًا فَإِنَّ اسْمَ الْوَلَدِ مُشْتَقٌّ مِنْ الْوِلَادَةِ وَيُطْلَقُ ذَلِكَ عَلَى الْوَالِدِ لِتَوَلُّدِ الْوَلَدِ مِنْهُ وَعَلَى الْوَلَدِ لِتَوَلُّدِهِ مِنْ الْوَالِدِ كَاسْمِ الذُّرِّيَّةِ يَتَنَاوَلُ الْأَوْلَادَ وَالْآبَاءَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَآيَةً لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ} يَعْنِي آبَاءَهُمْ فَسُمِّيَ الْأَبُ بِهَذَا الِاسْمِ لِأَنَّ الْوَلَدَ ذُرِيَ مِنْهُ وَسُمِّيَ بِهِ الْوَلَدُ لِأَنَّهُ ذُرِيَ مِنْ الْأَبِ وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ {لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ} الْوَلَدُ وَمَنْ يَقُومُ مَقَامَ الْوَلَدِ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّ مَنْ لَهُ وَلَدُ ابْنٍ لَا يَكُونُ كَلَالَةً لِوُجُودِ مَنْ يَقُومُ مَقَامَ الْوَلَدِ.
فَكَذَلِكَ مَنْ لَهُ أَبٌ لَا يَكُونُ كَلَالَةً لِوُجُودِ مَنْ يَقُومُ مَقَامَ الْوَلَدِ وَمِنْ حَيْثُ مَعْنَى اللُّغَةِ وَالِاشْتِقَاقِ الْحُجَّةُ فِيهِ لِعَامَّةِ الْعُلَمَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَنَّ السَّبَبَ نَوْعَانِ سَرْدٌ وَكَلَالَةٌ فَالسَّرْدُ لَا يُتْبِعُ فَرْدًا فَرْدًا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ} وَمِنْهُ قَوْلُ الْقَائِلِ نَسَبٌ تَوَارَثَ كَابِرٌ عَنْ كَابِرٍ كَالرُّمْحِ أُنْبُوبًا عَلَى أُنْبُوبِ وَهَذَا الْمَعْنَى فِي الْآبَاءِ وَالْأَوْلَادِ لِأَنَّهُ يُتْبِعُ فَرْدًا فَرْدًا فَعَرَفْنَا أَنَّ الْكَلَالَةَ مَا سِوَى ذَلِكَ وَمِنْ حَيْثُ الِاشْتِقَاقِ لِأَهْلِ اللُّغَةِ، وَلِأَنَّ أَحَدَهُمَا أَنَّ اشْتِقَاقَ الْكَلَالَةِ مِنْ قَوْلِهِمْ تَكَلَّلَهُ النَّسَبُ أَيْ أَحَاطَ بِهِ وَمِنْهُ يُقَالُ تَكَلَّلَ الْغَمَامُ السَّمَاءَ أَيْ أَحَاطَ بِهِ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ وَمِنْهُ الْإِكْلِيلُ فَإِنَّهُ يُحِيطُ بِجَوَانِبِ الرَّأْسِ وَمِنْهُ الْكُلُّ وَالْمُرَادُ بِهِ الْجَمْعُ وَالْإِحَاطَةُ، وَذَلِكَ لَا يَتَحَقَّقُ فِي الْآبَاءِ وَالْأَوْلَادِ لِأَنَّ اتِّصَالَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِصَاحِبِهِ مِنْ جَانِبٍ وَاحِدٍ وَإِنَّمَا يَتَحَقَّقُ هَذَا فِيمَا سِوَى الْآبَاءِ وَالْأَوْلَادِ فَإِنَّ الِاتِّصَالَ يُحِيطُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ الْفَرَزْدَقِ وَرِثْتُمْ قَنَاةَ الْمَجْدِ لَا عَنْ كَلَالَةٍ عَنْ ابْنَيْ مُنَافٍ عَبْدِ شَمْسٍ وَهَاشِمٍ وَقِيلَ اشْتِقَاقُ الْكَلَالَةِ مِنْ قَوْلِهِمْ حَمَلَ فُلَانٌ عَلَى فُلَانٍ، ثُمَّ كَلَّ عَنْهُ أَيْ بَعُدَ وَمِنْهُ الْكَلُّ وَهُوَ اسْمٌ لِمَا تَبَاعَدَ عَنْ الْمَقْصُودِ وَمَعْنَى التَّبَاعُدِ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ فِيمَا عَدَا الْوَالِدِ وَالْوَلَدِ لِكَوْنِ الِاتِّصَالِ بِوَاسِطَةٍ، أَوْ وَاسِطَتَيْنِ، أَوْ وَاسِطَاتٍ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ قَوْلُ الْقَائِلِ فَإِنَّ أَبَا الْمَرْءِ أَحْمَى لَهُ وَمَوْلَى الْكَلَالَةِ لَا يَغْضَبُ.
فَقَدْ أَخْرَجَ الْأَبَ مِنْ الْكَلَالَةِ.
ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي أَنَّ الْكَلَالَةَ اسْمٌ لِلْمَيِّتِ أَوْ لِلْوَرَثَةِ فَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى هُوَ اسْمٌ لِمَيِّتٍ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَا وَالِدٌ وَهُوَ اخْتِيَارُ أَهْلِ الْبَصْرَةِ وَقَالَ أَهْلُ الْكُوفَةِ وَأَهْلُ الْمَدِينَةِ هُوَ اسْمٌ لِوَرَثَةِ لَيْسَ فِيهِمْ وَلَدٌ، وَلَا وَالِدٌ وَحُجَّةُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ قَوْله تَعَالَى {وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً} أَيْ يُورَثُ فِي حَالِ مَا يَكُونُ كَلَالَةً فَهُوَ نَصْبٌ عَلَى الْحَالِ كَمَا يُقَالُ ضَرَبَ زَيْدًا قَائِمًا، وَإِنَّمَا يُورَثُ الْمَيِّتُ فَعَرَفْنَا أَنَّ الْكَلَالَةَ صِفَةٌ لَهُ وَحُجَّةُ الْقَوْلِ الثَّانِي قَوْله تَعَالَى {يَسْتَفْتُونَك قُلْ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ} أَيْ يَسْتَفْتُونَك عَنْ الْكَلَالَةِ، وَإِنَّمَا يَسْتَقِيمُ الِاسْتِفْتَاءُ عَنْ وَرَثَةٍ لَيْسَ فِيهِمْ وَلَدٌ وَلَا وَالِدٌ فَأَمَّا إذَا سُئِلَ عَنْ مَيِّتٍ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَا وَالِدٌ لَا يُفْهَمُ بِهَذَا السُّؤَالِ شَيْءٌ وَالْآيَةُ قُرِئَتْ بِالنَّصْبِ بِيُورَثُ وَبِالْكَسْرِ بِوَرَثَةٍ وَالْقِرَاءَةُ بِالْكَسْرِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْكَلَالَةَ اسْمٌ لِلْوَرَثَةِ وَتَأْوِيلُ الْقِرَاءَةِ بِالنَّصْبِ مَا أَشَرْنَا إلَيْهِ أَنَّ اسْمَ الْكَلَالَةِ يَتَنَاوَلُ الْوَرَثَةَ وَيَتَنَاوَلُ الْمَيِّتَ كَاسْمِ الْأَخِ يَتَنَاوَلُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، ثُمَّ قَدْ ثَبَتَ بِالسَّنَةِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْكَلَالَةِ الْوَرَثَةُ قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ «وَمَنْ تَرَكَ كَلًّا وَعِيَالًا فَعَلَيَّ نَفَقَتُهُ» يَعْنِي كَلَالَةً إذَا عَرَفْنَا هَذَا فَنَقُولُ الْإِخْوَةُ وَالْأَخَوَاتُ أَصْنَافٌ ثَلَاثَةٌ بَنُو الْأَعْيَانِ وَهُمْ الْإِخْوَةُ وَالْأَخَوَاتُ لِأَبٍ وَأُمٍّ سُمُّوا بِذَلِكَ لِأَنَّ عَيْنَ الشَّيْءِ أَتَمُّ مَا يَكُونُ مِنْهُ وَتَمَامُ الِاتِّصَالِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فِي حَقِّهِمْ وَبَنُو الْعَلَّاتِ وَهُمْ الْإِخْوَةُ وَالْأَخَوَاتُ لِأَبٍ قَالَ الْقَائِلُ وَيُوسُفُ إذْ دَلَّاهُ أَوْلَادُ عَلَّةٍ فَأَصْبَحَ فِي قَعْرِ الرَّكِيَّةِ ثَاوِيَا وَبَنُو الْأَخْيَافِ وَهُوَ الْإِخْوَةُ وَالْأَخَوَاتُ لِأُمٍّ سُمُّوا بِذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِمْ فَرَسٌ أَخْيَفُ إذَا كَانَتْ إحْدَى عَيْنَيْهِ زَرْقَاءَ وَالْأُخْرَى كَحْلًا فَنُسِبَ بِإِحْدَى عَيْنَيْهِ إلَى شَيْءٍ وَبِأُخْرَى إلَى شَيْءٍ آخَرَ فَحَالُ الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ لِأُمٍّ كَذَلِكَ.
ثُمَّ نَبْدَأُ بِبَيَانِ مِيرَاثِ بَنِي الْأَخْيَافِ اقْتِدَاءً بِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى فَقَدْ ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى فِي أَوَّلِ السُّورَةِ مِيرَاثَهُمْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوْ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ} أَيْ لِأُمٍّ وَهَكَذَا فِي قِرَاءَةِ سَعْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهُمْ أَصْحَابُ الْفَرِيضَةِ لِلْوَاحِدِ مِنْهُمْ السُّدُسُ ذَكَرًا كَانَ، أَوْ أُنْثَى وَلِلْمَثْنَى فَصَاعِدًا مِنْهُمْ الثُّلُثُ بَيْنَ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى بِالسَّوِيَّةِ لَا يُزَادُ لَهُمْ عَلَى الثُّلُثِ، وَإِنْ كَثُرُوا إلَّا عِنْدَ الرَّدِّ فَلَا يُنْتَقَصُ الْفَرْدُ مِنْهُمْ عَنْ السُّدُسِ إلَّا عِنْدَ الْعَوْلِ، وَهَذَا حُكْمٌ ثَابِتٌ بِالنَّصِّ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ} وَلَفْظُ الشَّرِكَةِ يَقْتَضِي التَّسْوِيَةَ فَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ سَوَّى بَيْنَ ذُكُورِهِمْ، وَإِنَاثِهِمْ وَالْمَعْنَى يَدُلُّ عَلَيْهِ فَإِنَّهُمْ يُدْلُونَ بِالْأُمِّ فَيُعْتَبَرُ مِيرَاثُهُمْ بِمِيرَاثِ الْمُدْلِي بِهِ وَلِلْأُمِّ فِي الْمِيرَاثِ حَالَانِ فَالْفَرْدُ مِنْهُمْ يُعْتَبَرُ حَالُهُ بِأَسْوَإِ حَالَيْ الْأُمِّ فَلَهُ السُّدُسُ وَالْجَمَاعَةُ مِنْهُمْ يُعْتَبَرُونَ بِأَخَسِّ حَالَيْ الْأُمِّ لِتَقَوِّي حَالِهِمْ بِالْعَدَدِ وَفِي مَعْنَى الْإِدْلَاءِ بِالْأُمِّ الذُّكُورُ وَالْإِنَاثُ سَوَاءٌ وَيُفَضَّلُ الذَّكَرُ عَلَى الْأُنْثَى بِاعْتِبَارِ الْعُصُوبَةِ، وَلَا حَظَّ لَهُ فِي الْعُصُوبَةِ ثُمَّ هُمْ لَا يَرِثُونَ مَعَ أَرْبَعَةِ نَفَرٍ بِالِاتِّفَاقِ مَعَ الْوَلَدِ وَوَلَدِ الِابْنِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى وَمَعَ الْأَبِ وَالْجَدِّ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى شَرَطَ فِي تَوْرِيثِهِمْ الْكَلَالَةَ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْكَلَالَةَ مَا خَلَا الْوَالِدِ وَالْوَلَدِ وَاتَّفَقُوا أَنَّهُمْ لَا يَسْقُطُونَ بِبَنِي الْأَعْيَانِ وَلَا بِبَنِي الْعَلَّاتِ، وَلَا يَنْقُصُ نَصِيبُهُمْ بِبَنِي الْعَلَّاتِ، وَإِنَّمَا يَخْتَلِفُونَ فِي أَنَّهُ هَلْ يَنْقُصُ نَصِيبُهُمْ بِبَنِي الْأَعْيَانِ أَمْ لَا وَبَيَانُ هَذَا الِاخْتِلَافِ فِي امْرَأَةٍ مَاتَتْ وَتَرَكَتْ زَوْجًا وَأُمًّا وَأَخَوَيْنِ لِأُمٍّ، أَوْ أُخْتَيْنِ، أَوْ أَخًا وَأُخْتًا وَأَخَوَيْنِ لِأَبٍ وَأُمٍّ فَالْمَذْهَبُ عِنْدَ عَلِيٍّ وَأَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَنَّ لِلزَّوْجِ النِّصْفَ وَلِلْأُمِّ السُّدُسُ وَلِلْإِخْوَةِ لِأُمٍّ الثُّلُثُ وَلَا شَيْءَ لِلْإِخْوَةِ لِأَبٍ وَأُمٍّ وَبِهِ أَخَذَ عُلَمَاؤُنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ وَقَالَ عُثْمَانُ وَزَيْدٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا الثُّلُثُ مَقْسُومٌ بَيْنَ الْإِخْوَةِ لِأُمٍّ وَبَيْنَ الْإِخْوَةِ لِأَبٍ وَأُمٍّ بِالسَّوِيَّةِ وَهُوَ مَذْهَبُ شُرَيْحٍ وَالثَّوْرِيِّ وَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ الْمُشَرِّكَةُ.
وَكَانَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَنْفِي التَّشْرِيكَ، ثُمَّ رَجَعَ إلَى التَّشْرِيكِ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رِوَايَتَانِ أَظْهَرُهُمَا التَّشْرِيكُ وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رِوَايَتَانِ أَظْهَرُهُمَا نَفْيُ التَّشْرِيكِ وَتُسَمَّى هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَسْأَلَةَ التَّشْرِيكِ وَالْحِمَارِيَّةَ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ رُوِيَ أَنَّ الْإِخْوَةَ لِأَبٍ وَأُمٍّ سَأَلُوا عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَأَفْتَى بِنَفْيِ التَّشْرِيكِ كَمَا كَانَ يَقُولُهُ أَوَّلًا فَقَالُوا هَبْ أَنَّ أَبَانَا كَانَ حِمَارًا أَلَسْنَا مِنْ أُمٍّ وَاحِدَةٍ فَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ صَدَقْتُمْ وَرَجَعَ إلَى الْقَوْلِ بِالتَّشْرِيكِ وَهُوَ الْمَعْنَى الْفِقْهِيُّ فَإِنَّ اسْتِحْقَاقَ الْمِيرَاثِ بِاعْتِبَارِ الْقُرْبِ وَالْإِدْلَاءِ، وَقَدْ اسْتَوْفَوْا فِي الْإِدْلَاءِ إلَى الْمَيِّتِ بِالْأُمِّ وَيُرَجَّحُ الْإِخْوَةُ لِأَبٍ وَأُمٍّ بِالْإِدْلَاءِ إلَيْهِ بِالْأَبِ فَإِنْ كَانُوا لَا يَتَقَدَّمُونَ بِهَذِهِ الزِّيَادَةِ فَلَا أَقَلَّ مِنْ أَنْ يَسْتَوُوا بِهِمْ، وَإِنَّمَا لَمْ يَتَقَدَّمُوا لِأَنَّ الْإِدْلَاءَ بِالْأَبِ بِسَبَبِ الْعُصُوبَةِ وَاسْتِحْقَاقُ الْعَصَبَاتِ مُتَأَخِّرٌ عَنْ اسْتِحْقَاقِ أَصْحَابِ الْفَرَائِضِ فَلَا يَبْقَى هُنَا شَيْءٌ مِنْ أَصْحَابِ الْفَرَائِضِ فَيَسْقُطُ اعْتِبَارُ الْإِدْلَاءِ بِقَرَابَةِ الْأَبِ فِي حَقِّهِمْ، وَإِنَّمَا يَبْقَى الْإِدْلَاءُ بِقَرَابَةِ الْأُمِّ وَهُمْ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ وَاحْتِجَاجُنَا عَلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ قَالُوا هَبْ أَنْ أَبَانَا كَانَ حِمَارًا أَنَّا إذَا جَعَلْنَا أَبَاكُمْ حِمَارًا فَإِنَّا نَجْعَلُ أُمَّكُمْ أَتَانًا فَلَا يُسْتَحَقُّ بِالْإِدْلَاءِ بِهَا شَيْءٌ وَمَعْنَى هَذَا الْكَلَامِ وَهُوَ أَنَّ الْإِدْلَاءَ بِقَرَابَةِ الْأَبِ سَبَبٌ لِاسْتِحْقَاقِ الْعُصُوبَةِ وَبَعْدَ مَا وُجِدَ هَذَا السَّبَبُ لَا تَكُونُ قَرَابَةُ الْأُمِّ عِلَّةً الِاسْتِحْقَاقِ بَلْ تَكُونُ عِلَّةً لِلتَّرْجِيحِ فَلِهَذَا يُرَجَّحُ الْأَخُ لِأَبٍ وَأُمٍّ عَلَى الْأَخِ لِأَبٍ، وَمَا يَكُونُ عِلَّةً لِلِاسْتِحْقَاقِ بِانْفِرَادِهِ لَا يَقَعُ بِهِ التَّرْجِيحُ، وَإِنَّمَا يَقَعُ التَّرْجِيحُ بِمَا لَا يَكُونُ عِلَّةً لِلِاسْتِحْقَاقِ فَلِهَذَا يَتَبَيَّنُ أَنَّ قَرَابَةَ الْأُمِّ فِي حَقِّهِمْ لَيْسَتْ بِسَبَبٍ لِلِاسْتِحْقَاقِ، ثُمَّ الْعُصُوبَةُ أَقْوَى أَسْبَابِ الْإِرْثِ وَالضَّعِيفُ لَا يَظْهَرُ مَعَ وُجُودِ الْقَوِيِّ فَلَا يَظْهَرُ الِاسْتِحْقَاقُ بِالْفَرِيضَةِ فِي حَقِّ الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ لِأَبٍ وَأُمٍّ.
وَإِذَا لَمْ يَظْهَرْ ذَلِكَ وَجَبَ إلْحَاقُ الْفَرَائِضِ بِأَهْلِهَا فَإِنْ بَقِيَ سَهْمٌ فَهُوَ لِلْعَصَبَةِ، وَإِنْ لَمْ يَبْقَ فَلَا شَيْءَ لَهُمْ.
وَإِذَا اعْتَبَرَ التَّسْوِيَةَ بَيْنَهُمْ فِي قَرَابَةِ الْأُمِّ لِتَرَجُّحِ قَرَابَةِ الْأَبِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الثُّلُثُ كُلُّهُ لَهُمْ كَمَا يُرَجَّحُ الْإِخْوَةُ لِأَبٍ وَأُمٍّ عَلَى الْإِخْوَةِ لِأَبٍ بِقَرَابَةِ الْأُمِّ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ لَوْ كَانَ هُنَاكَ أَخٌ وَاحِدٌ لِأُمٍّ وَعَشَرَةٌ لِأَبٍ وَأُمٍّ فَلِلْأَخِ لِأُمٍّ السُّدُسُ وَالْبَاقِي بَيْنَ الْإِخْوَةِ لِأَبٍ وَأُمٍّ وَلَا أَحَدَ يَقُولُ بِالتَّسْوِيَةِ بَيْنَهُمْ هُنَا فَلَوْ كَانَ مَعْنَى الِاسْتِوَاءِ فِي قَرَابَةِ الْأُمِّ مُعْتَبَرًا لَوَجَبَ أَنْ يُعْتَبَرَ ذَلِكَ وَبَقِيَ تَفْضِيلُ الْأَخِ لِأُمٍّ عَلَى الْأَخِ لِأَبٍ وَأُمٍّ إذْ عَرَفْنَا هَذَا فَنَقُولُ لَوْ كَانَ مَكَانُ الْأَخَوَيْنِ لِأَبٍ وَأُمٍّ أُخْتَيْنِ لِأَبٍ وَأُمٍّ لَا تَكُونُ الْمَسْأَلَةُ مُشَرِّكَةً لِأَنَّ لِلْأُخْتَيْنِ لِأَبٍ وَأُمٍّ الثُّلُثَيْنِ بِالْفَرِيضَةِ وَتَكُونُ الْمَسْأَلَةُ عَوْلِيَّةً وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ مَكَانُهُمَا أَخَوَيْنِ لِأَبٍ لَا تَكُونُ الْمَسْأَلَةُ مُشَرِّكَةً لِأَنَّ مَنْ يَقُولُ بِالتَّشْرِيكِ إنَّمَا يَقُولُ بِهِ لِوُجُودِ الْمُسَاوَاةِ فِي الْإِدْلَاءِ بِالْأُمِّ وَذَلِكَ لَا يُوجَدُ فِي الْإِخْوَةِ لِأَبٍ وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ الْأَخُ لِأُمٍّ وَاحِدًا لَا تَكُونُ مُشْتَرَكَةً لِأَنَّهُ يَبْقَى بَعْدَ نَصِيبِ أَصْحَابِ الْفَرَائِضِ.
فَأَمَّا بَيَانُ مِيرَاثِ بَنِي الْأَعْيَانِ فَنَقُولُ إنَّهُمْ يَقُومُونَ مَقَامَ أَوْلَادِ الصُّلْبِ عِنْدَ عَدَمِهِمْ فِي التَّوْرِيثِ ذُكُورُهُمْ مَقَامَ ذُكُورِهِمْ، وَإِنَاثُهُمْ مَقَامَ إنَاثِهِمْ حَتَّى أَنَّ الْأُنْثَى مِنْهُمْ إذَا كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِلْمَثْنَى فَصَاعِدًا الثُّلُثَانِ، وَذَلِكَ يُتْلَى فِي الْقُرْآنِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ}، ثُمَّ قَالَ عَزَّ وَجَلَّ {فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ} كَمَا فِي مِيرَاثِ الْبَنَاتِ إذَا كُنَّ فَوْقَ اثْنَتَيْنِ وَلَمْ يُذْكَرْ ذَلِكَ هُنَا وَنَصَّ عَلَى مِيرَاثِ الْبِنْتَيْنِ هُنَا وَلَمْ يَنُصَّ عَلَيْهِ ثَمَّةَ لِيُسْتَدَلَّ بِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ وَلِلْفَرْدِ مِنْهُمْ إذَا كَانَ ذَكَرًا جَمِيعُ الْمَالِ ثَبَتَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَهُوَ يَرِثُهَا إنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ} أَيْ يَرِثُهَا جَمِيعَ الْمَالِ، وَإِنْ كَثُرُوا فَالْمَالُ بَيْنَهُمْ بِالسَّوِيَّةِ اعْتِبَارًا بِالْأَبْنَاءِ وَعِنْدَ اخْتِلَاطِ الذُّكُورِ بِالْإِنَاثِ يَكُونُ الْمَالُ بَيْنَهُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ثَبَتَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنْ كَانُوا إخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} كَمَا هُوَ فِي مِيرَاثِ الْأَوْلَادِ وَشَيْءٌ مِنْ الْمَعْقُولِ يَدُلُّ عَلَيْهِ فَالْإِرْثُ خِلَافَةٌ مَشْرُوعَةٌ لِمَنْ يَقُومُ مَقَامَ الْمَيِّتِ عِنْدَ اسْتِحْقَاقِهِ عَمَّا يَخْلُفُهُ مِنْ الْمَالِ بَعْدِ مَوْتِهِ وَالْخِلَافَةُ إمَّا بِالْمُنَاسَبَةِ، أَوْ بِالْمُوَاصَلَةِ، أَوْ بِالْقَرَابَةِ وَمِيرَاثُ بَنِي الْعَلَّاتِ كَمِيرَاثِ أَوْلَادِ الِابْنِ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُمْ عِنْدَ عَدَمِ بَنِي الْأَعْيَانِ يَقُومُ ذُكُورُهُمْ مَقَامَ ذُكُورِهِمْ وَإِنَاثُهُمْ مَقَامَ إنَاثِهِمْ كَأَوْلَادِ الِابْنِ عِنْدَ عَدَمِ أَوْلَادِ الصُّلْبِ فَإِنَّهُمْ لَا يَرِثُونَ مَعَ الذَّكَرِ مِنْ بَنِي الْأَعْيَانِ شَيْئًا كَمَا لَا يَرِثُ أَوْلَادُ الِابْنِ مَعَ الِابْنِ حَتَّى أَنَّ الْأُخْتَ لِأَبٍ لَا تَرِثُ مَعَ الْأَخِ لِأَبٍ وَأُمٍّ وَلَا تَصِيرُ عَصَبَةً مَعَ الْبِنْتِ إذَا كَانَ مَعَهَا أَخٌ لِأَبٍ وَأُمٍّ بَلْ يَكُونُ النِّصْفُ لِلْبِنْتِ وَالْبَاقِي لِلْأَخِ لِأَبٍ وَأُمٍّ، وَلَا شَيْءَ لِلْأُخْتِ لِأَبٍ، وَإِنْ كَانَ بَنُو الْأَعْيَانِ إنَاثًا مُفْرَدَاتٍ فَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِبَنِي الْعَلَّاتِ إذَا كُنَّ إنَاثًا مُفْرَدَاتٍ السُّدُسُ تَكْمِلَةَ الثُّلُثَيْنِ، وَإِنْ كَانُوا مُخْتَلَطِينَ فَالْبَاقِي بَيْنَهُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ.
وَعَلَى قَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يُنْظَرُ لِلْإِنَاثِ مِنْهُمْ إلَى الْمُقَاسَمَةِ وَإِلَى السُّدُسِ فَلَهُنَّ شَرُّهُمَا، وَإِنْ كَانَ بَنُو الْأَعْيَانِ بِنْتَيْنِ مِنْ الْإِنَاثِ فَصَاعِدًا فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ، وَلَا شَيْءَ لِلْأَخَوَاتِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَعَهُنَّ ذَكَرٌ فَيَعْصِبُهُنَّ فِيمَا بَقِيَ.
وَعَلَى قَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ الْبَاقِي لِلذَّكَرِ خَاصَّةً وَهُوَ نَظِيرُ مَا ذَكَرْنَا مِنْ مَسَائِلِ الْإِضْرَارِ عَلَى قَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي أَوْلَادِ الِابْنِ مَعَ بَنَاتِ الصُّلْبِ وَلَا خِلَافَ أَنَّهُمْ لَا يَرِثُونَ مَعَ الْأَبِ شَيْئًا إلَّا فِي رِوَايَةٍ شَاذَّةٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَقَدْ بَيَّنَّا فِي تَوْرِيثِهِمْ مَعَ الْجَدِّ اخْتِلَافًا ظَاهِرًا نُبَيِّنُهُ فِي مَوْضِعِهِ، وَلَا خِلَافَ أَنَّهُمْ لَا يَرِثُونَ مَعَ الِابْنِ شَيْئًا لِأَنَّ شَرْطَ تُورَثِيهِمْ أَنْ يَكُونَ الْمَيِّتُ هَالِكًا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إنْ امْرُؤٌ هَلَكَ} وَمَنْ لَهُ ابْنٌ فَلَيْسَ بِهَالِكٍ، وَإِنَّمَا يَخْتَلِفُونَ فِي تَوْرِيثِهِمْ مَعَ الْبَنَاتِ، وَهَذَا الِاخْتِلَافُ فِي الْإِنَاثِ الْمُفْرَدَاتِ مِنْهُمْ دُونَ الذُّكُورِ حَتَّى إنَّ مَنْ مَاتَ وَتَرَكَ ابْنَةً أَوْ ابْنَتَيْنِ وَأَخًا لِأَبٍ وَأُمٍّ، أَوْ لِأَبٍ فَلِلْأَخِ مَا بَقِيَ نِصْفًا كَانَ، أَوْ ثُلُثًا، وَذَلِكَ ثَابِتٌ بِالسُّنَّةِ فَقَدْ قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ «أَلْحِقُوا الْفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا فَمَا أَبْقَتْ فَلِأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ» وَأَقْرَبُ رَجُلٍ ذَكَرٍ هُوَ الْأَخُ فَأَمَّا إذَا كَانَ مَعَ الِابْنَةِ، أَوْ الِابْنَتَيْنِ أُخْتٌ لِأَبٍ وَأُمٍّ، أَوْ لِأَبٍ فَعَلَى قَوْلِ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَزَيْدٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ مَا بَقِيَ لِلْأُخْتِ نِصْفًا كَانَ، أَوْ ثُلُثًا.
وَعَلَى قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ لَا شَيْءَ لِلْأُخْتِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَأَصْلُهُ أَنَّ الْأَخَوَاتِ يَصِرْنَ عَصَبَةً مَعَ الْبَنَاتِ عِنْدَ أَكْثَرِ الصَّحَابَةِ وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ، وَعِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَا يَصِرْنَ عَصَبَةً وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ عَنْهُ فِيمَا إذَا اخْتَلَطَ الذُّكُورُ بِالْإِنَاثِ مِنْ الْإِخْوَةِ فَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّ الْبَاقِيَ بَيْنَهُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ وَهُوَ الْأَصَحُّ مِنْ مَذْهَبِهِ وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّ الْبَاقِيَ كُلَّهُ لِلذَّكَرِ فَالْأُخْتُ تَصِيرُ عَصَبَةً مَعَ الْبِنْتِ سَوَاءٌ كَانَتْ لِأَبٍ وَأُمٍّ، أَوْ لِأَبٍ إلَّا أَنَّهُ إذَا كَانَ مَعَ الْأُخْتِ لِأَبٍ أَخٌ لِأَبٍ وَأُمٍّ بِأَنْ تَرَكَ بِنْتًا وَأَخًا لِأَبٍ وَأُمٍّ وَأُخْتًا لِأَبٍ فَلِلْبِنْتِ النِّصْفُ وَالْبَاقِي لِلْأَخِ لِأَبٍ وَأُمٍّ، وَلَا شَيْءَ لِلْأُخْتِ لِأَبٍ وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ هُنَاكَ ابْنَةٌ وَأُخْتٌ لِأَبٍ وَأُمٍّ وَأَخٌ وَأُخْتٍ لِأَبٍ فَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّ الْبَاقِيَ كُلَّهُ لِلذَّكَرِ وَالْأَظْهَرُ مِنْ مَذْهَبِهِ أَنَّ الْبَاقِيَ بَيْنَهُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ، وَعِنْدَنَا الْبَاقِي كُلُّهُ لِلْأُخْتِ لِأَبٍ وَأُمٍّ وَحُجَّتُهُ مَا رَوَى مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي مَسْلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ فَرِيضَةٍ فِيهَا ابْنَةٌ وَأُخْتٌ فَقَالَ لِلِابْنَةِ النِّصْفُ، وَلَا شَيْءَ لِلْأُخْتِ فَقُلْت قَدْ كَانَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ لِلِابْنَةِ النِّصْفُ وَلِلْأُخْتِ مَا بَقِيَ فَغَضِبَ وَقَالَ أَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمْ اللَّهُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إنْ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ} قَالَ الزُّهْرِيُّ فَلَمْ أَفْهَمْ مُرَادَ ابْنِ عَبَّاسٍ حَتَّى سَأَلْت عَنْهُ عَطَاءً فَقَالَ مُرَادُهُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إنَّمَا جَعَلَ لِلْأُخْتِ النِّصْفَ بِشَرْطِ عَدَمِ الْوَلَدِ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهَا النِّصْفَ مَعَ الْوَلَدِ فَإِنَّ اسْمَ الْوَلَدِ حَقِيقَةً لِلذَّكَرِ وَالْأُنْثَى جَمِيعًا.
(أَلَا تَرَى) أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا حَجَبَ الْأُمَّ مِنْ الثُّلُثِ إلَى السُّدُسِ بِالْوَلَدِ اسْتَوَى فِيهِ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى وَلَمَّا حَجَبَ الزَّوْجَ عَنْ النِّصْفِ إلَى الرُّبُعِ وَالْمَرْأَةَ إلَى الثُّمُنِ مِنْ الرُّبُعِ بِالْوَلَدِ اسْتَوَى فِيهِ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى.
فَكَذَلِكَ هُنَا شُرِطَ عَدَمُ الْوَلَدِ لِتَوْرِيثِ الْأُخْتِ فَيَسْتَوِي فِيهِ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ الْبَاقِيَ بَعْدَ نَصِيبِ صَاحِبِ الْفَرِيضَةِ يَسْتَحِقُّهُ الْعَصَبَةُ بِالنِّسْبَةِ وَالْأَخُ عَصَبَةٌ.
فَأَمَّا الْأُخْتُ فَلَيْسَتْ بِعَصْبَةٍ لِأَنَّهَا عِنْدَ الِانْفِرَادِ لَا تَكُونُ عَصَبَةً فَعَرَفْنَا أَنَّهَا لَيْسَتْ بِعَصَبَةٍ فِي نَفْسِهَا، وَإِنَّمَا تُعْتَبَرُ عَصَبَةً بِغَيْرِهَا إذَا كَانَ ذَلِكَ الْغَيْرُ عَصَبَةً وَالِابْنَةُ لَيْسَتْ بِعَصَبَةٍ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُجْعَلَ عَصَبَةً مَعَهَا.
وَلَوْ صَارَ عَصَبَةً مَعَهَا لَشَارَكَهَا فِي الْمِيرَاثِ وَبِالْإِجْمَاعِ لَا يُشَارِكُهَا فِي نَصِيبِهَا فَعَرَفْنَا أَنَّهَا لَيْسَتْ بِعَصَبَةٍ أَصْلًا إلَّا أَنْ يُخَالِطَهَا ذَكَرٌ فَحِينَئِذٍ تَصِيرُ عَصَبَةً بِالذَّكَرِ وَحُجَّتُنَا فِي ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {إنْ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ} وَمَعْنَاهُ ابْنٌ بِدَلِيلِ مَا عَطَفَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَهُوَ يَرِثُهَا إنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ} فَإِنَّ مَعْنَاهُ بِالِاتِّفَاقِ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا ابْنٌ حَتَّى إنَّ الْأَخَ يَرِثُ مَعَ الِابْنَةِ فَإِنْ قِيلَ هُمَا شَرْطَانِ ذُكِرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي حَادِثَةٍ عَلَى حِدَةٍ فَإِنْ قَامَ الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِأَحَدِهِمَا الذَّكَرُ لَا يَتَبَيَّنُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالثَّانِي الذَّكَرُ قُلْنَا لَا كَذَلِكَ بَلْ الْكُلُّ شَرْطٌ وَاحِدٌ لِأَنَّهُ ذُكِرَ أَوَّلًا إذَا كَانَ الْأَخُ هُوَ الْمَيِّتُ يُجْعَلُ لِلْمَيِّتِ النِّصْفُ، ثُمَّ قُلْت الْمَسْأَلَةُ بِجَعْلِ الْأُخْتِ هِيَ الْمَيِّتَ وَالْأَخِ هُوَ الْوَارِثَ وَجَعْلِ لَهُ جَمِيعَ الْمَالِ فَبِهَذَا يَتَبَيَّنُ أَنَّ الشَّرْطَ وَاحِدٌ وَهُوَ عَدَمُ الْوَلَدِ، ثُمَّ الْمُرَادُ فِي أَحَدِ الْمَوْضِعَيْنِ الذَّكَرُ دُونَ الْأُنْثَى فَكَذَلِكَ الْمُرَادُ فِي الْمَوْضِعِ الْآخَرِ وَالسُّنَّةُ تَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ فَقَدْ رُوِيَ أَنَّ أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيَّ سُئِلَ عَنْ ابْنَةٍ وَابْنَةِ ابْنٍ وَأُخْتٍ فَقَالَ لِلِابْنَةِ النِّصْفُ وَلِلْأُخْتِ مَا بَقِيَ فَسُئِلَ عَنْ ذَلِكَ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ قَدْ ضَلَلْت إذًا، وَمَا أَنَا مِنْ الْمُهْتَدِينَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ «لِلْبِنْتِ النِّصْفُ وَلِابْنَةِ الِابْنِ السُّدُسُ تَكْمِلَةَ الثُّلُثَيْنِ وَالْبَاقِي لِلْأُخْتِ» فَفِي هَذَا تَنْصِيصٌ عَلَى أَنَّ الْأُخْتَ عَصَبَةٌ مَعَ الْبِنْتِ وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ حَالَةَ الِانْفِرَادِ حَالَ الْأُخْتِ أَقْوَى مِنْ حَالِ الِاخْتِلَاطِ بِالْإِخْوَةِ لِأَنَّ حَالَةَ الِاخْتِلَاطِ حَالُ مُزَاحَمَةٍ وَحَالَ الِانْفِرَادِ حَالُ عَدَمِ الْمُزَاحَمَةِ.
فَإِذَا كَانَتْ هِيَ لَا تُحْجَبُ عَنْ الْمِيرَاثِ فِي حَالَةِ الِاخْتِلَاطِ بِالْإِخْوَةِ فَلَأَنْ لَا تُحْجَبَ فِي حَالَةِ الِانْفِرَادِ كَانَ أَوْلَى وَبِهَذَا يَتَبَيَّنُ أَنَّ وُجُودَ عَيْنِ الْوَلَدِ لَيْسَ بِمُوجِبٍ حِرْمَانَ الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ، وَإِنَّمَا يَحْجُبُونَ بِفَرِيضَةِ الِابْنَةِ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّ لِلْأَخَوَاتِ الْمُفْرَدَاتِ لِأَبَوَيْنِ السُّدُسَ مَعَ الِابْنَةِ الْوَاحِدَةِ.
وَلَوْ لَمْ يَكُنْ حَجْبُ الْأَخَوَاتِ بِفَرِيضَةِ الْبَنَاتِ لَكَانَتْ تَثْبُتُ الْمُزَاحَمَةُ بَيْنَهُنَّ وَبَيْنَ الِابْنَةِ الْوَاحِدَةِ فِي فَرِيضَةِ الْبَنَاتِ كَبَنَاتِ الِابْنِ فَإِنَّهُنَّ يُزَاحِمْنَ الِابْنَةَ الْوَاحِدَةَ فِي فَرِيضَةِ الْبَنَاتِ فَيَكُونُ لَهُنَّ السُّدُسُ.
وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ حَجْبَ الْأَخَوَاتِ بِفَرِيضَةِ الْبَنَاتِ فِيمَا وَرَاءَ فَرِيضَةِ الِابْنَةِ انْعَدَمَ الْحَجْبُ فَيَثْبُتُ الِاسْتِحْقَاقُ لَهُنَّ بِخِلَافِ بَنَاتِ الِابْنِ مَعَ الِابْنَتَيْنِ لِأَنَّ حَجْبَهُنَّ بِوُجُودِ الْبَنَاتِ لَا بِفَرِيضَةِ الْبَنَاتِ يَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّ اسْتِحْقَاقَ الْبَنَاتِ الْمِيرَاثَ يَنْبَنِي عَلَى الْقُرْبِ، وَذَلِكَ يَكُونُ بِالْوِلَادَةِ فَوَلَدُ الرَّجُلِ أَقْرَبُ إلَيْهِ مِنْ وَلَدِ ابْنِهِ وَوَلَدُ ابْنِهِ أَقْرَبُ مِنْ وَلَدِ جَدِّهِ كَمَا أَنَّ الْأَبَ أَقْرَبُ إلَيْهِ مِنْ الْجَدِّ وَالْأَخَوَاتُ وَلَدُ الْأَبِ وَالْعُصُوبَةُ تُسْتَحَقُّ بِالْوِلَادَةِ لَا بِالْأَبِ فِي الْجُمْلَةِ فَعِنْدَ الْحَاجَةِ يَثْبُتُ حُكْمُ الْعُصُوبَةِ لِوَلَدِ الْأَبِ ذَكَرًا كَانَ، أَوْ أُنْثَى، وَقَدْ تَحَقَّقَتْ الْحَاجَةُ إلَى ذَلِكَ فِي حَقِّ الْأَخَوَاتِ مَعَ الْبَنَاتِ لِأَنَّهُنَّ صِرْنَ مَحْجُوبَاتٍ عَنْ فَرِيضَةِ الْبَنَاتِ.
فَإِذَا كَانَ هُنَاكَ ذَكَرٌ مَعَهُنَّ فَجَعْلُهُنَّ عَصَبَةً بِالذَّكَرِ أَوْلَى وَإِذَا لَمْ يَكُنْ يَجْعَلُهُنَّ عَصَبَةً فِي اسْتِحْقَاقِ مَا وَرَاءِ فَرِيضَةِ الْبَنَاتِ بِخِلَافِ فَرِيضَةِ بَنَاتِ الِابْنِ فَالْحَاجَةُ لَا تَتَحَقَّقُ إلَى ذَلِكَ فِي حَقِّهِنَّ فَإِنَّهُنَّ لَا يُحْجَبْنَ عَنْ فَرِيضَةِ الْبَنَاتِ بِخِلَافِ الْأَخَوَاتِ لِأُمٍّ لِأَنَّهُنَّ يُدْلِينَ بِالْأُمِّ، وَلَا تَأْثِيرِ لِقَرَابَتِهَا فِي الْعُصُوبَةِ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّ الذَّكَرَ هُوَ الَّذِي يُدْلِي بِقَرَابَتِهَا يُوَضِّحُهُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى شَرَطَ كَلَالَةً مُبْهَمَةً لِتَوْرِيثِ أَوْلَادِ الِابْنِ وَمَنْ لَهُ ابْنَةٌ فَلَيْسَ بِكَلَالَةٍ مُطْلَقًا وَشَرَطَ تَوْرِيثَ أَوْلَادِ الْأَبِ كَلَالَةً مُقَيَّدَةً بِقَوْلِهِ تَعَالَى {إنْ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ} أَيْ وَلَدٌ ذَكَرٌ بِدَلِيلِ آخِرِ الْآيَةِ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {وَإِنْ كَانُوا إخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً} فَالشَّرْطُ هُنَاكَ عَدَمُ وَلَدٍ ذَكَرٍ بِالِاتِّفَاقِ وَلَمْ يَذْكُرْ الشَّرْطَ هُنَاكَ نَصًّا بَلْ هُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى مَا فِي أَوَّلِ الْآيَةِ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ مَنْ لَهُ ابْنَةٌ فَهُوَ كَلَالَةٌ مَعْنًى وَلَيْسَ بِكَلَالَةٍ صُورَةً فَإِنَّ الْكَلَالَةَ مَنْ يَكُونُ مُنْقَطِعَ النَّسَبِ، وَلَا نَسَبَ لِأَحَدِهِمْ فَإِنَّ الْإِخْوَةَ لَا يُنْسَبُونَ إلَى أَخِيهِمْ وَأَوْلَادُ الْبِنْتِ لَا يُنْسَبُونَ إلَى أَبِ أُمِّهِمْ، وَإِنَّمَا يُنْسَبُونَ إلَى أَبِ أَبِيهِمْ فَلِكَوْنِهِ كَلَالَةً مَعْنًى قُلْنَا يَرِثُهُ الْأَخَوَاتُ لِأَبٍ وَأُمٍّ، أَوْ لِأَبٍ وَلِكَوْنِهِ غَيْرَ كَلَالَةٍ صُورَة قُلْنَا لَا يَرِثُهُ الْأَخَوَاتُ لِأُمٍّ إذَا عَرَفْنَا هَذَا فَنَقُولُ الْإِخْوَةُ وَالْأَخَوَاتُ، وَإِنْ كَانُوا يَنَزَّلُونَ مَنْزِلَةَ الْأَوْلَادِ فِي الْإِرْثِ فَلَا يَنَزَّلُونَ مَنْزِلَتَهُمْ فِي الْحَجْبِ حَتَّى إنَّهُمْ لَا يَحْجُبُونَ الزَّوْجَ وَالزَّوْجَةَ وَالْوَاحِدُ مِنْهُمْ لَا يَحْجُبُ الْأُمَّ مِنْ الثُّلُثِ إلَى السُّدُسِ بِخِلَافِ الْأَوْلَادِ لِأَنَّ الْحَجْبَ ثَابِتٌ بِالنَّصِّ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُعْقَلَ فِيهِ الْمَعْنَى فَإِنَّمَا يَثْبُتُ فِي مَوْرِدِ النَّصِّ، وَإِنَّمَا وَرَدَ النَّصُّ بِهِ فِي الْأَوْلَادِ خَاصَّةً بِخِلَافِ الْإِرْثِ فَإِنَّهُ مَعْقُولُ الْمَعْنَى وَهُوَ الْقُرْبُ عَلَى مَا قَرَّرْنَا.