فصل: النَّظَرُ إلَى الْأَجْنَبِيَّاتِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المبسوط



.النَّظَرُ إلَى الْأَجْنَبِيَّاتِ:

فَأَمَّا النَّظَرُ إلَى الْأَجْنَبِيَّاتِ فَنَقُولُ: يُبَاحُ النَّظَرُ إلَى مَوْضِعِ الزِّينَةِ الظَّاهِرَةِ مِنْهُنَّ دُونَ الْبَاطِنَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} وَقَالَ عَلِيٌّ وَابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ: مَا ظَهَرَ مِنْهَا الْكُحْلُ وَالْخَاتَمُ وَقَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: إحْدَى عَيْنَيْهَا وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: خُفُّهَا وَمِلَاءَتُهَا وَاسْتَدَلَّ فِي ذَلِكَ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «النِّسَاءُ حَبَائِلُ الشَّيْطَانِ بِهِنَّ يَصِيدُ الرِّجَالُ» وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا تَرَكْت بَعْدِي فِتْنَةً أَضَرَّ عَلَى الرِّجَالِ مِنْ النِّسَاءِ» وَجَرَى فِي مَجْلِسِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمٌ مَا خَيْرُ مَا لِلرِّجَالِ مِنْ النِّسَاءِ وَمَا خَيْرُ مَا لِلنِّسَاءِ مِنْ الرِّجَالِ فَلَمَّا رَجَعَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إلَى بَيْتِهِ أَخْبَرَ فَاطِمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا بِذَلِكَ فَقَالَتْ: «خَيْرُ مَا لِلرِّجَالِ مِنْ النِّسَاءِ أَنْ لَا يَرَاهُنَّ وَخَيْرُ مَا لِلنِّسَاءِ مِنْ الرِّجَالِ أَنْ لَا يَرَيْنَهُنَّ فَلَمَّا أَخْبَرَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ قَالَ هِيَ بِضْعَةٌ مِنِّي» فَدَلَّ أَنَّهُ لَا يُبَاحُ النَّظَرُ إلَى شَيْءٍ مِنْ بَدَنِهَا وَلِأَنَّ حُرْمَةَ النَّظَرِ لِخَوْفِ الْفِتْنَةِ وَعَامَّةُ مَحَاسِنِهَا فِي وَجْهِهَا فَخَوْفُ الْفِتْنَةِ فِي النَّظَرِ إلَى وَجْهِهَا أَكْثَرُ مِنْهُ إلَى سَائِرِ الْأَعْضَاءِ وَبِنَحْوِ هَذَا تَسْتَدِلُّ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا وَلَكِنَّهَا تَقُولُ: هِيَ لَا تَجِدُ بُدًّا مِنْ أَنْ تَمْشِيَ فِي الطَّرِيقِ فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ تَفْتَحَ عَيْنَهَا لِتُبْصِرَ الطَّرِيقَ فَيَجُوزَ لَهَا أَنْ تَكْشِفَ إحْدَى عَيْنَيْهَا لِهَذَا الضَّرُورَةِ وَالثَّابِتُ بِالضَّرُورَةِ لَا يَعْدُو مَوْضِعَ الضَّرُورَةِ وَلَكِنَّا نَأْخُذُ بِقَوْلِ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا فَقَدْ جَاءَتْ الْأَخْبَارُ فِي الرُّخْصَةِ بِالنَّظَرِ إلَى وَجْهِهَا وَكَفِّهَا مِنْ ذَلِكَ مَا رُوِيَ «أَنَّ امْرَأَةً عَرَضَتْ نَفْسَهَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَظَرَ إلَى وَجْهِهَا فَلَمْ يَرَ فِيهَا رَغْبَةً» وَلَمَّا قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي خُطْبَتِهِ: أَلَا لَا تُغَالُوا فِي أَصْدِقَةِ النِّسَاءِ فَقَالَتْ امْرَأَةٌ سَفْعَاءُ الْخَدَّيْنِ: أَنْتَ تَقُولُهُ بِرَأْيِك أَمْ سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّا نَجِدُ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى بِخِلَافِ مَا تَقُولُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَآتَيْتُمْ إحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا} فَبَقِيَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بَاهِتًا وَقَالَ: كُلُّ النَّاسِ أَفْقَهُ مِنْ عُمَرَ حَتَّى النِّسَاءُ فِي الْبُيُوتِ فَذَكَرَ الرَّاوِي أَنَّهَا كَانَتْ سَفْعَاءَ الْخَدَّيْنِ.
وَفِي هَذَا بَيَانُ أَنَّهَا كَانَتْ مُسْفِرَةً عَنْ وَجْهِهَا وَرَأَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَفَّ امْرَأَةٍ غَيْرَ مَخْضُوبٍ فَقَالَ: «أَكَفُّ رَجُلٍ هَذَا» وَلَمَّا نَاوَلَتْ فَاطِمَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَحَدَ وَلَدَيْهَا بِلَالًا أَوْ أَنَسًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ قَالَ أَنَسٌ: رَأَيْت كَفَّهَا كَأَنَّهُ فِلْقَةُ قَمَرٍ فَدَلَّ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِالنَّظَرِ إلَى الْوَجْهِ وَالْكَفِّ فَالْوَجْهُ مَوْضِعُ الْكُحْلِ وَالْكَفُّ مَوْضِعُ الْخَاتَمِ وَالْخِضَابِ وَهُوَ مَعْنَى قَوْله تَعَالَى {إلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} وَخَوْفُ الْفِتْنَةِ قَدْ يَكُونُ بِالنَّظَرِ إلَى ثِيَابِهَا أَيْضًا قَالَ الْقَائِلُ وَمَا غَرَّنِي الْإِخْضَابُ بِكَفِّهَا وَكُحْلٌ بِعَيْنَيْهَا وَأَثْوَابُهَا الصُّفْرُ ثُمَّ لَا شَكَّ أَنَّهُ يُبَاحُ النَّظَرُ إلَى ثِيَابِهَا وَلَا يُعْتَبَرُ خَوْفُ الْفِتْنَةِ فِي ذَلِكَ فَكَذَلِكَ إلَى وَجْهِهَا وَكَفِّهَا وَرَوَى الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يُبَاحُ النَّظَرُ إلَى قَدَمِهَا أَيْضًا وَهَكَذَا ذَكَرَ الطَّحْطَاوِيُّ لِأَنَّهَا كَمَا تُبْتَلَى بِإِبْدَاءِ وَجْهِهَا فِي الْمُعَامَلَةِ مَعَ الرِّجَالِ وَبِإِبْدَاءِ كَفِّهَا فِي الْأَخْذِ وَالْإِعْطَاءِ تُبْتَلَى بِإِبْدَاءِ قَدَمَيْهَا إذَا مَشَتْ حَافِيَةً أَوْ مُتَنَعِّلَةً وَرُبَّمَا لَا تَجِدُ الْخُفَّ فِي كُلِّ وَقْتٍ وَذُكِرَ فِي جَامِعِ الْبَرَامِكَةِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُبَاحُ النَّظَرُ إلَى ذِرَاعَيْهَا أَيْضًا لِأَنَّهَا فِي الْخَبَرِ وَغَسْلِ الثِّيَابِ تُبْتَلَى بِإِبْدَاءِ ذِرَاعَيْهَا أَيْضًا قِيلَ: وَكَذَلِكَ يُبَاحُ النَّظَرُ إلَى ثَنَايَاهَا أَيْضًا لِأَنَّ ذَلِكَ يَبْدُو مِنْهَا فِي التَّحَدُّثِ مَعَ الرِّجَالِ وَهَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ النَّظَرُ عَنْ شَهْوَةٍ فَإِنْ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّهُ إنْ نَظَرَ اشْتَهَى لَمْ يَحِلَّ لَهُ النَّظَرُ إلَى شَيْءٍ مِنْهَا لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ نَظَرَ إلَى مَحَاسِنِ أَجْنَبِيَّةٍ عَنْ شَهْوَةٍ صُبَّ فِي عَيْنَيْهِ الْآنُكُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» وَقَالَ لِعَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «لَا تُتْبِعْ النَّظْرَةَ بَعْدَ النَّظْرَةِ فَإِنَّ الْأُولَى لَك وَالْأُخْرَى عَلَيْك» يَعْنِي بِالْأُخْرَى أَنْ يَقْصِدَهَا عَنْ شَهْوَةٍ.
وَجَاءَ رَجُلٌ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إنِّي نَظَرْت إلَى امْرَأَةٍ فَاشْتَهَيْتُهَا فَأَتْبَعْتُهَا بَصَرِي فَأَصَابَ رَأْسِي جِدَارٌ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدٍ خَيْرًا عَجَّلَ عُقُوبَتَهُ فِي الدُّنْيَا» وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ أَكْبَرُ رَأْيِهِ أَنَّهُ إنْ نَظَرَ اشْتَهَى لِأَنَّ أَكْبَرَ الرَّأْيِ فِيمَا لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى حَقِيقَتِهِ كَالْيَقِينِ وَذَلِكَ فِيمَا هُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى الِاحْتِيَاطِ وَكَذَلِكَ لَا يُبَاحُ لَهَا أَنْ تَنْظُرَ إلَيْهِ إذَا كَانَتْ تَشْتَهِي أَوْ كَانَ عَلَى ذَلِكَ أَكْبَرُ رَأْيِهَا لِمَا رُوِيَ «أَنَّ ابْنَ أُمِّ مَكْتُومٍ اسْتَأْذَنَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعِنْدَهُ عَائِشَةُ وَحَفْصَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَقَالَ لَهُمَا: احْتَجِبَا فَقَالَتَا: أَنَّهُ أَعْمَى يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ: أَوَأَعْمَيَانِ أَنْتُمَا» وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَمَسَّ وَجْهَهَا وَلَا كَفَّهَا وَإِنْ كَانَ يَأْمَنُ الشَّهْوَةَ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «مَنْ مَسَّ كَفَّ امْرَأَةٍ لَيْسَ مِنْهَا بِسَبِيلٍ وُضِعَ فِي كَفِّهِ جَمْرَةٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُفْصَلَ بَيْنَ الْخَلَائِقِ» وَلِأَنَّ حُكْمَ الْمَسِّ أَغْلَظُ حَتَّى أَنَّ الْمَسَّ عَنْ شَهْوَةٍ يُثْبِتُ حُرْمَةَ الْمُصَاهَرَةِ وَالنَّظَرُ إلَى غَيْرِ الْفَرْجِ لَا يُثْبِتُ وَالصَّوْمُ يَفْسُدُ بِالْمَسِّ عَنْ شَهْوَةٍ إذَا اتَّصَلَ بِهِ الْإِنْزَالُ وَلَا يَفْسُدُ بِالنَّظَرِ فَالرُّخْصَةُ فِي النَّظَرِ لَا يَكُونُ دَلِيلَ الرُّخْصَةِ فِي الْمَسِّ وَالْبَلْوَى الَّتِي تَتَحَقَّقُ فِي النَّظَرِ تَتَحَقَّقُ فِي الْمَسِّ أَيْضًا وَعَلَى هَذَا نَقُولُ: لِلْمَرْأَةِ الْحُرَّةِ أَنْ تَنْظُرَ إلَى مَا سِوَى الْعَوْرَةِ مِنْ الرَّجُلِ وَلَا يَحِلُّ لَهَا أَنْ تَمَسَّ ذَلِكَ مِنْهُ لِأَنَّ حُكْمَ الْمَسِّ أَغْلَظُ وَهَذَا إذَا كَانَتْ شَابَّةً تُشْتَهَى.
فَإِذَا كَانَتْ عَجُوزًا لَا تَشْتَهِي فَلَا بَأْسَ بِمُصَافَحَتِهَا وَمَسَّ يَدِهَا لِمَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَافِحُ الْعَجَائِزَ فِي الْبَيْعَةِ وَلَا يُصَافِحُ الشَّوَابَّ وَلَكِنْ كَانَ يَضَعُ يَدَهُ فِي قَصْعَةِ مَاءٍ ثُمَّ تَضَعُ الْمَرْأَةُ يَدَهَا فِيهَا فَذَلِكَ بَيْعَتُهَا» إلَّا أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنْكَرَتْ هَذَا الْحَدِيثَ وَقَالَتْ: مَنْ زَعَمَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسَّ امْرَأَةً أَجْنَبِيَّةً فَقَدْ أَعْظَمَ الْفِرْيَةَ عَلَيْهِ وَرُوِيَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ فِي خِلَافَتِهِ يَخْرُجُ إلَى بَعْضِ الْقَبَائِلِ الَّتِي كَانَ مُسْتَرْضَعًا فِيهَا فَكَانَ يُصَافِحُ الْعَجَائِزَ وَلَمَّا مَرِضَ الزُّبَيْرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِمَكَّةَ اسْتَأْجَرَ عَجُوزًا لِتُمَرِّضَهُ فَكَانَتْ تَغْمِزُ رِجْلَيْهِ وَتُفَلِّي رَأْسَهُ وَلِأَنَّ الْحُرْمَةَ لِخَوْفِ الْفِتْنَةِ فَإِذَا كَانَتْ مِمَّنْ لَا تُشْتَهَى فَخَوْفُ الْفِتْنَةِ مَعْدُومٌ وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ هُوَ شَيْخًا يَأْمَنُ عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَيْهَا فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يُصَافِحَهَا وَإِنْ كَانَ لَا يَأْمَنُ عَلَيْهَا أَنْ تَشْتَهِيَ لَمْ يَحِلَّ لَهُ أَنْ يُصَافِحَهَا فَيُعَرِّضَهَا لِلْفِتْنَةِ كَمَا لَا يَحِلُّ لَهُ ذَلِكَ إذَا خَافَ عَلَى نَفْسِهِ فَأَمَّا النَّظَرُ إلَيْهَا عَنْ شَهْوَةٍ لَا يَحِلُّ بِحَالٍ إلَّا عِنْدَ الضَّرُورَةِ وَهُوَ مَا إذَا دُعِيَ إلَى الشَّهَادَةِ عَلَيْهَا أَوْ كَانَ حَاكِمًا يَنْظُرُ لِيُوَجِّه الْحُكْمَ عَلَيْهَا بِإِقْرَارِهَا أَوْ بِشَهَادَةِ الشُّهُودِ عَلَى مَعْرِفَتِهَا لِأَنَّهُ لَا يَجِدُ بُدًّا مِنْ النَّظَرِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَالضَّرُورَاتُ تُبِيحُ الْمَحْظُورَاتِ وَلَكِنْ عِنْدَ النَّظَرِ يَنْبَغِي أَنْ يَقْصِدَ أَدَاءَ الشَّهَادَةِ أَوْ الْحُكْمَ عَلَيْهَا وَلَا يَقْصِدَ قَضَاءَ الشَّهْوَةِ لِأَنَّهُ لَوْ قَدَرَ عَلَى التَّحَرُّزِ فِعْلًا كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَتَحَرَّزَ فَكَذَلِكَ عَلَيْهِ أَنْ يَتَحَرَّزَ بِالنِّيَّةِ إذَا عَجَزَ عَنْ التَّحَرُّزِ فِعْلًا كَمَا لَوْ تَتَرَّسَ الْمُشْرِكُونَ بِأَطْفَالِ الْمُسْلِمِينَ فَعَلَى مَنْ يَرْمِيهِمْ أَنْ يَقْصِدَ الْمُشْرِكِينَ وَإِنْ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّهُ يُصِيبُ الْمُسْلِمَ وَاخْتَلَفُوا فِيمَا إذَا دُعِيَ إلَى تَحَمُّلِ الشَّهَادَةِ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ إنْ نَظَرَ إلَيْهَا اشْتَهَى فَمِنْهُمْ مَنْ جَوَّزَ لَهُ ذَلِكَ أَيْضًا بِشَرْطِ أَنْ يَقْصِدَ تَحَمُّلَ الشَّهَادَةِ لَا قَضَاءَ الشَّهْوَةِ.
أَلَا تَرَى أَنَّ شُهُودَ الزِّنَا لَهُمْ أَنْ يَنْظُرُوا إلَى مَوْضِعِ الْعَوْرَةِ عَلَى قَصْدِ تَحَمُّلِ الشَّهَادَةِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا ضَرُورَةَ عِنْدَ التَّحَمُّلِ فَقَدْ يُوجَدُ مَنْ يَتَحَمَّلُ الشَّهَادَةَ وَلَا يَشْتَهِي بِخِلَافِ حَالَةِ الْأَدَاءِ فَقَدْ الْتَزَمَ هَذِهِ الْأَمَانَةَ بِالتَّحَمُّلِ وَهُوَ مُتَعَيَّنٌ لِأَدَائِهَا وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ أَرَادَ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَنْظُرَ إلَيْهَا وَإِنْ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَشْتَهِيهَا لِمَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِلْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ لَمَّا أَرَادَ أَنْ يَتَزَوَّجَ امْرَأَةً: أَبْصِرْهَا فَإِنَّهُ أَحْرَى أَنْ يُؤْدَمَ بَيْنَكُمَا» وَكَانَ مُحَمَّدُ بْنُ أُمِّ سَلَمَةَ يُطَالِعُ بُنَيَّةً تَحْتَ إجَارٍ لَهَا فَقِيلَ لَهُ: أَتَفْعَلُ ذَلِكَ وَأَنْتَ صَاحِبُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إذَا أَلْقَى اللَّهُ خِطْبَةَ امْرَأَةٍ فِي قَلْبِ رَجُلٍ أُحِلَّ لَهُ النَّظَرُ إلَيْهَا» وَلِأَنَّ مَقْصُودَهُ إقَامَةُ السُّنَّةِ لَا قَضَاءُ الشَّهْوَةِ، وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ لَا مَا يَكُونُ تَبَعًا وَإِنْ كَانَ عَلَيْهَا ثِيَابٌ فَلَا بَأْسَ بِتَأَمُّلِ جَسَدِهَا؛ لِأَنَّ نَظَرَهُ إلَى ثِيَابِهَا لَا إلَى جَسَدِهَا، فَهُوَ كَمَا لَوْ كَانَتْ فِي بَيْتٍ فَلَا بَأْسَ بِالنَّظَرِ إلَى جُدْرَانِهِ وَالْأَصْلُ فِيهِ مَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى امْرَأَةً عَلَيْهَا شَارَةٌ حَسَنَةٌ فَدَخَلَ بَيْتَهُ ثُمَّ خَرَجَ وَعَلَيْهِ أَثَرُ الِاغْتِسَالِ فَقَالَ: إذَا هَاجَتْ بِأَحَدِكُمْ الشَّهْوَةُ فَلْيَضَعْهَا فِيمَا أَحَلَّ اللَّهُ لَهُ» وَهَذَا إذَا لَمْ تَكُنْ ثِيَابُهَا بِحَيْثُ تَلْصَقُ فِي جَسَدِهَا وَتَصِفُهَا حَتَّى يَسْتَبِينَ جَسَدُهَا فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ فَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَغُضَّ بَصَرَهُ عَنْهَا لِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: لَا تُلْبِسُوا نِسَاءَكُمْ الْكَتَّانَ وَلَا الْقَبَاطِيَّ فَإِنَّهَا تَصِفُ وَلَا تَشِفُّ وَكَذَلِكَ إنْ كَانَتْ ثِيَابُهَا رَقِيقَةً لِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «لَعَنَ اللَّهُ الْكَاسِيَاتِ الْعَارِيَّاتِ» يَعْنِي الْكَاسِيَاتِ الثِّيَابَ الرِّقَاقَ اللَّاتِي كَأَنَّهُنَّ عَارِيَّاتٌ وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «صِنْفَانِ مِنْ أُمَّتِي فِي النَّارِ رِجَالٌ بِأَيْدِيهِمْ السِّيَاطُ كَأَنَّهَا أَذْنَابُ الْبَقَرِ يَضْرِبُونَ بِهَا النَّاسَ، وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَّاتٌ مَائِلَاتٌ مُتَمَايِلَاتٌ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ» وَلِأَنَّ مِثْلَ هَذَا الثَّوْبِ لَا يَسْتُرُهَا فَهُوَ كَشَبَكَةٍ عَلَيْهَا فَلَا يَحِلُّ لَهُ النَّظَرُ إلَيْهَا وَهَذَا فِيمَا إذَا كَانَتْ فِي حَدِّ الشَّهْوَةِ فَإِنْ كَانَتْ صَغِيرَةً لَا يُشْتَهَى مِثْلُهَا فَلَا بَأْسَ بِالنَّظَرِ إلَيْهَا وَمَنْ مَسِّهَا لِأَنَّهُ لَيْسَ لِبَدَنِهَا حُكْمُ الْعَوْرَةِ وَلَا فِي النَّظَرِ وَالْمَسِّ مَعْنَى خَوْفِ الْفِتْنَةِ وَالْأَصْلُ فِيهِ مَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُقَبِّلُ زُبَّ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا وَهُمَا صَغِيرَانِ» وَرُوِيَ أَنَّهُ كَانَ يَأْخُذُ ذَلِكَ مِنْ أَحَدِهِمَا فَيَجُرَّهُ وَالصَّبِيُّ يَضْحَكُ وَلِأَنَّ الْعَادَةَ الظَّاهِرَةَ تَرْكُ التَّكَلُّفِ لِسَتْرِ عَوْرَتِهَا قَبْلَ أَنْ تَبْلُغَ حَدَّ الشَّهْوَةِ وَأَمَّا النَّظَرُ إلَى الْعَوْرَةِ حَرَامٌ لِمَا رُوِيَ عَنْ سَلْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: لَأَنْ أَخِرَّ مِنْ السَّمَاءِ فَانْقَطَعَ نِصْفَيْنِ أَحَبَّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أَنْظُرَ إلَى عَوْرَةِ أَحَدٍ أَوْ يَنْظُرَ أَحَدٌ إلَى عَوْرَتِي وَلَمَّا ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْوَعِيدَ فِي كَشْفِ الْعَوْرَةِ قِيلَ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ فَإِذَا كَانَ أَحَدُنَا خَالِيًا فَقَالَ: إنَّ اللَّهَ أَحَقُّ أَنْ يُسْتَحَى مِنْهُ» وَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى إبِلِ الصَّدَقَةِ فَرَأَى رَاعِيَهَا تَجَرَّدَ فِي الشَّمْسِ فَعَزَلَهُ وَقَالَ: «لَا يَعْمَلُ لَنَا مَنْ لَا حَيَاءَ لَهُ» وَلَكِنْ مَعَ هَذَا إذَا جَاءَ الْعُذْرُ فَلَا بَأْسَ بِالنَّظَرِ إلَى الْعَوْرَةِ لِأَجْلِ الضَّرُورَةِ فَمِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْخَاتِنَ يَنْظُرُ ذَلِكَ الْمَوْضِعَ وَالْخَافِضَةُ كَذَلِكَ تَنْظُرُ لِأَنَّ الْخِتَانَ سُنَّةٌ وَهُوَ مِنْ جُمْلَةِ الْفِطْرَةِ فِي حَقِّ الرِّجَالِ لَا يُمْكِنُ تَرْكُهُ وَهُوَ مَكْرُمَةٌ فِي حَقِّ النِّسَاءِ أَيْضًا وَمِنْ ذَلِكَ عِنْدَ الْوِلَادَةِ الْمَرْأَةُ تَنْظُرُ إلَى مَوْضِعِ الْفَرْجِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْمَرْأَةِ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ قَابِلَةٍ تَقْبَلُ الْوَلَدَ وَبِدُونِهَا يُخَافُ عَلَى الْوَلَدِ وَقَدْ «جَوَّزَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَهَادَةَ الْقَابِلَةِ عَلَى الْوِلَادَةِ» فَذَاكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يُبَاحُ لَهَا النَّظَرُ وَكَذَلِكَ يَنْظُرُ الرَّجُلُ إلَى مَوْضِعِ الِاحْتِقَانِ عِنْدَ الْحَاجَةِ أَمَّا عِنْدَ الْمَرَضِ فَلِأَنَّ الضَّرُورَةَ قَدْ تَحَقَّقَتْ وَالِاحْتِقَانُ مِنْ الْمُدَاوَاةِ وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تَدَاوَوْا عِبَادَ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَخْلُقْ دَاءً إلَّا وَخَلَقَ لَهُ دَوَاءً إلَّا الْهَرَمَ» وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ إذَا كَانَ بِهِ هُزَالٌ فَاحِشٌ وَقِيلَ لَهُ: إنَّ الْحُقْنَةَ تُزِيلُ مَا بِك مِنْ الْهُزَالِ فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يُبْدِيَ ذَلِكَ الْمَوْضِعَ لِلْمُحْتَقِنِ وَهَذَا صَحِيحٌ فَإِنَّ الْهُزَالَ الْفَاحِشَ نَوْعُ مَرَضٍ يَكُونُ آخِرُهُ الدِّقَّ وَالسُّلَّ وَحُكِيَ عَنْ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ: إذَا قِيلَ لَهُ أَنَّ الْحُقْنَةَ تُقَوِّيكَ عَلَى الْمُجَامَعَةِ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ أَيْضًا وَلَكِنَّ هَذَا ضَعِيفٌ لِأَنَّ الضَّرُورَةَ لَا تَتَحَقَّقُ بِهَذَا وَكَشْفُ الْعَوْرَةِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ لِمَعْنَى الشَّهْوَةِ لَا يَجُوزُ وَإِذَا أَصَابَ امْرَأَةً قُرْحَةٌ فِي مَوْضِعٍ لَا يَحِلُّ لِلرَّجُلِ أَنْ يَنْظُرَ إلَيْهِ لَا يَنْظُرُ إلَيْهِ وَلَكِنْ يُعْلِمُ امْرَأَةً دَوَاءَهَا لِتُدَاوِيهَا لِأَنَّ نَظَرَ الْجِنْسِ إلَى الْجِنْسِ أَخَفُّ.
أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَرْأَةَ تُغَسِّلُ الْمَرْأَةَ بَعْدَ مَوْتِهَا دُونَ الرَّجُلِ وَكَذَلِكَ فِي امْرَأَةِ الْعِنِّينِ يَنْظُرُ إلَيْهَا النِّسَاءُ فَإِنْ قُلْنَ: هِيَ بِكْرٌ فَرَّقَ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا وَإِنْ قُلْنَ: هِيَ ثَيِّبٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ مَعَ يَمِينِهِ وَالْمَقْصُودُ بَيَانُ إبَاحَةِ النَّظَرِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ فَأَمَّا مَا وَرَاءَ ذَلِكَ مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ الْأَخْبَارِ بِبَكَارَتِهَا وَثِيَابَتِهَا لَيْسَ مِنْ مَسَائِلِ هَذَا الْكِتَابِ وَحَاصِلُهُ أَنَّ شَهَادَتَهُنَّ مَتَى تَأَيَّدَتْ بِمُؤَيِّدٍ كَانَتْ حُجَّةً وَالْبَكَارَةُ فِي النِّسَاءِ أَصْلٌ فَإِذَا قُلْنَ أَنَّهَا بِكْرٌ تَأَيَّدَتْ شَهَادَتُهُنَّ بِمَا هُوَ الْأَصْلُ وَإِنْ قُلْنَ هِيَ ثَيِّبٌ تَجَرَّدَتْ شَهَادَتُهُنَّ عَنْ مُؤَيِّدٍ فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يُسْتَحْلَفَ الزَّوْجُ حَتَّى يَنْضَمَّ نُكُولُهُ إلَى شَهَادَتِهِنَّ وَكَذَلِكَ لَوْ اشْتَرَى جَارِيَةً عَلَى أَنَّهَا بِكْرٌ فَقَبَضَهَا وَقَالَ: وَجَدْتُهَا ثَيِّبًا فَإِنَّ النِّسَاءَ يَنْظُرْنَ إلَيْهَا لِلْحَاجَةِ إلَى فَصْلِ الْخُصُومَةِ بَيْنَهُمَا فَإِنْ قُلْنَ هِيَ بِكْرٌ فَلَا يَمِينَ عَلَى الْبَائِعِ لِأَنَّ شَهَادَتَهُنَّ قَدْ تَأَيَّدَتْ بِأَصْلِ الْبَكَارَةِ وَبِمُقْتَضَى الْبَيْعِ وَهُوَ اللُّزُومُ؛ وَإِنْ قُلْنَ ثَيِّبٌ يُسْتَخْلَفُ الْبَائِعُ لِتَجَرُّدِ شَهَادَتِهِنَّ عَنْ مُؤَيِّدٍ فَإِذَا انْضَمَّ نُكُولُ الْبَائِعِ إلَى شَهَادَتِهِنَّ رُدَّتْ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَجِدُوا امْرَأَةً تُدَاوِي تِلْكَ الْقُرْحَةَ وَلَمْ يَقْدِرُوا عَلَى امْرَأَةٍ تَعْلَمُ ذَلِكَ إذَا عُلِّمَتْ وَخَافُوا أَنْ تَهْلِكَ أَوْ يُصِيبَهَا بَلَاءٌ أَوْ وَجَعٌ لَا تَحْتَمِلُهُ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَسْتُرُوا مِنْهَا كُلَّ شَيْءٍ إلَّا مَوْضِعَ تِلْكَ الْقُرْحَةِ ثُمَّ يُدَاوِيهَا رَجُلٌ وَيَغُضُّ بَصَرَهُ مَا اسْتَطَاعَ إلَّا عَنْ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ لِأَنَّ نَظَرَ الْجِنْسِ إلَى غَيْرِ الْجِنْسِ أَغْلَظُ فَيُعْتَبَرُ فِيهِ تَحَقُّقُ الضَّرُورَةِ وَذَلِكَ لِخَوْفِ الْهَلَاكِ عَلَيْهَا وَعِنْدَ ذَلِكَ لَا يُبَاحُ إلَّا بِقَدْرِ مَا تَرْتَفِعُ الضَّرُورَةُ بِهِ وَذَوَاتُ الْمَحَارِمِ وَغَيْرُهُمْ فِي هَذَا سَوَاءٌ لِأَنَّ النَّظَرَ إلَى مَوْضِعِ الْعَوْرَةِ لَا يَحِلُّ بِسَبَبِ الْمَحْرَمِيَّةِ فَكَانَ الْمَحْرَمُ وَغَيْرُ الْمَحْرَمِ فِيهِ سَوَاءٌ.
(قَالَ) وَالْعَبْدُ فِيمَا يَنْظُرُ مِنْ سَيِّدَتِهِ كَالْحُرِّ الْأَجْنَبِيِّ مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَنْظُرَ إلَّا وَجْهِهَا وَكَفَّيْهَا عِنْدَنَا وَقَالَ مَالِكٌ: نَظَرُهُ إلَيْهَا كَنَظَرِ الرَّجُلِ إلَى ذَوَاتِ مَحَارِمِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ} وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُحْمَلَ ذَلِكَ عَلَى الْإِمَاءِ لِأَنَّ ذَلِكَ دَخَلَ فِي قَوْله تَعَالَى {أَوْ نِسَائِهِنَّ} وَلِأَنَّ هَذَا مِمَّا لَا يُشْكَلُ لِأَنَّ لِلْأَمَةِ أَنْ تَنْظُرَ إلَى مَوْلَاتِهَا كَمَا لِلْأَجْنَبِيَّاتِ فَإِنَّمَا يُحْمَلُ الْبَيَانُ عَلَى مَوْضِعِ الْإِشْكَالِ وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّهُ كَانَ لَهَا مُكَاتَبٌ فَلَمَّا انْتَهَى إلَى آخِرِ النُّجُومِ قَالَتْ لَهُ: «أَتَقْدِرُ عَلَى الْأَدَاءِ، فَقَالَ: نَعَمْ، فَاحْتَجَبَتْ وَقَالَتْ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: إذَا كَانَ لِإِحْدَاكُنَّ مُكَاتَبٌ فَأَدَّى آخِرَ النُّجُومِ فَلْتَحْتَجِبْ مِنْهُ» وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ بَيْنَهُمَا سَبَبَ مَحْرَمٍ لِلنِّكَاحِ ابْتِدَاءً وَبَقَاءً فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ الْمَحْرَمِيَّةِ بَيْنَهُمَا وَإِبَاحَةُ النَّظَرِ عِنْدَ الْمَحْرَمِيَّةِ لِأَجْلِ الْحَاجَةِ وَهُوَ دُخُولُ الْبَعْضِ عَلَى الْبَعْضِ مِنْ غَيْرِ اسْتِئْذَانٍ وَلَا حِشْمَةَ وَهَذَا يَتَحَقَّقُ فِيمَا بَيْنَ الْعَبْدِ وَمَوْلَاتِهِ.
(وَحُجَّتُنَا) فِي ذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَا: لَا يَغُرَّنكُمْ سُورَةُ النُّورِ فَإِنَّهَا فِي الْإِنَاثِ دُونَ الذُّكُورِ وَمُرَادُهُمَا قَوْله تَعَالَى {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ} وَالْمَوْضِعُ مَوْضِعُ الْإِشْكَالِ لِأَنَّ حَالَ الْأَمَةِ يَقْرَبُ مِنْ حَالِ الرَّجُلِ حَتَّى تُسَافِرَ بِغَيْرِ مَحْرَمٍ فَكَانَ يُشْكَلُ أَنَّهُ هَلْ يُبَاحُ لَهَا الْكَشْفُ بَيْنَ يَدَيْ أَمَتِهَا؟ وَلَمْ يَزُلْ هَذَا الْإِشْكَالُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَوْ نِسَائِهِنَّ} لِأَنَّ مُطْلَقَ هَذَا اللَّفْظِ يَتَنَاوَلُ الْحَرَائِرَ دُونَ الْإِمَاءِ وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهُمَا زَوْجِيَّةٌ وَلَا مَحْرَمِيَّةٌ وَحِلُّ النَّظَرِ إلَى مَوَاضِعِ الزِّينَةِ الْبَاطِنَةِ يَنْبَنِي عَلَى هَذَا السَّبَبِ وَحُرْمَةُ الْمُنَاكَحَةِ الَّتِي بَيْنَهُمَا بِعَارِضٍ عَلَى شَرَفِ الزَّوَالِ فَكَانَتْ فِي حَقِّهِ بِمَنْزِلَةِ مَنْكُوحَةِ الْغَيْرِ أَوْ مُعْتَدَّتِهِ وَلِأَنَّ وُجُوبَ السَّتْرِ عَلَيْهَا وَحُرْمَةَ الْخَلْوَةِ بِالرَّجُلِ لِمَعْنَى خَوْفِ الْفِتْنَةِ وَذَلِكَ مَوْجُودٌ هَهُنَا وَإِنَّمَا يَنْعَدِمُ بِالْمَحْرَمِيَّةِ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ الْمُؤَبَّدَةَ تُقَلِّلُ الشَّهْوَةَ فَأَمَّا الْمِلْكُ لَا يُقَلِّلُ الشَّهْوَةَ بَلْ يَحْمِلُهَا عَلَى رَفْعِ الْحِشْمَةِ وَمَعْنَى الْبَلْوَى لَا يَتَحَقَّقُ لِأَنَّ اتِّخَاذَ الْعَبِيدِ لِلِاسْتِخْدَامِ خَارِجَ الْبَيْتِ لَا دَاخِلَ الْبَيْتِ عَلَى مَا قِيلَ مَنْ اتَّخَذَ عَبْدًا لِلْخِدْمَةِ دَاخِلَ بَيْتِهِ فَهُوَ كَشْخَانُ وَحَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا مَحْمُولٌ عَلَى الِاحْتِجَابِ لِمَعْنَى زَوَالِ الْحَاجَةِ فَإِنَّ قَبْلَ ذَلِكَ تَحْتَاجُ إلَى الْمُعَامَلَةِ مَعَهُ بِالْأَخْذِ وَالْإِعْطَاءِ فَتُبْدِي وَجْهَهَا وَكَفَّهَا لَهُ وَقَدْ زَالَ ذَلِكَ بِالْأَدَاءِ فَلْتَحْتَجِبْ مِنْهُ؛ ثُمَّ خَصِيًّا أَوْ فَحْلًا هَكَذَا نُقِلَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ الْخُصَى مُثْلَةٌ فَلَا يُبِيحُ مَا كَانَ مُحَرَّمًا قَبْلَهُ وَلِأَنَّ الْخَصِيَّ فِي الْأَحْكَامِ مِنْ الشَّهَادَاتِ وَالْمَوَارِيثِ كَالْفَحْلِ وَقَطْعُ تِلْكَ الْآلَةِ مِنْهُ كَقَطْعِ عُضْوٍ آخَرَ وَمَعْنَى الْفِتْنَةِ لَا يَنْعَدِمُ فَالْخَصِيُّ قَدْ يُجَامِعُ وَقَدْ قِيلَ هُوَ أَشَدُّ النَّاسِ جِمَاعًا فَإِنَّهُ لَا تَفْتُرُ آلَتُهُ بِالْإِنْزَالِ وَكَذَلِكَ الْمَجْبُوبُ لِأَنَّهُ قَدْ يَسْتَحِقُّ فَيُنْزِلُ.
وَإِنْ كَانَ مَجْبُوبًا قَدْ جَفَّ مَاؤُهُ فَقَدْ رَخَّصَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا فِي حَقِّهِ بِالِاخْتِلَاطِ بِالنِّسَاءِ لِوُقُوعِ الْأَمْنِ مِنْ الْفِتْنَةِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ ذَلِكَ وَمَنْ رَخَّصَ فِيهِ تَأَوَّلَ قَوْله تَعَالَى {أَوْ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنْ الرِّجَالِ} وَبَيَّنَ أَهْلُ التَّفْسِيرِ كَلَامًا فِي مَعْنَى هَذَا فَقِيلَ: هُوَ الْمَجْبُوبُ الَّذِي جَفَّ مَاؤُهُ وَقِيلَ: هُوَ الْمُخَنَّثُ الَّذِي لَا يَشْتَهِي النِّسَاءَ وَالْكَلَامُ فِي الْمُخَنَّثِ عِنْدَنَا أَنَّهُ إذَا كَانَ مُخَنَّثًا فِي الرَّدَى مِنْ الْأَفْعَالِ فَهُوَ كَغَيْرِهِ مِنْ الرِّجَالِ بَلْ مِنْ الْفُسَّاقِ يُنَحَّى عَنْ النِّسَاءِ وَأَمَّا مَنْ كَانَ فِي أَعْضَائِهِ لِينٌ وَفِي لِسَانِهِ تَكَسُّرٌ بِأَصْلِ الْخِلْقَةِ وَلَا يَشْتَهِي النِّسَاءَ وَلَا يَكُونُ مُخَنَّثًا فِي الرَّدَى مِنْ الْأَفْعَالِ فَقَدْ رَخَّصَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا فِي تَرْكِ مِثْلِهِ مَعَ النِّسَاءِ لِمَا رُوِيَ «أَنَّ مُخَنَّثًا كَانَ يَدْخُلُ بَعْضَ بُيُوتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى سَمِعَ مِنْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَلِمَةً فَاحِشَةً» قَالَ لِعُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ: «لَئِنْ فَتَحَ اللَّهُ الطَّائِفَ عَلَى رَسُولِهِ لَأَدُلَّنَّكَ عَلَى مَاوِيَةَ بِنْتِ غَيْلَانَ فَإِنَّهَا تُقْبِلُ بِأَرْبَعٍ وَتُدْبِرُ بِثَمَانٍ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا كُنْت أَعْلَمُ أَنَّهُ يَعْرِفُ مِثْلَ هَذَا أَخْرِجُوهُ» وَقِيلَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَوْ التَّابِعِينَ} الْأَبْلَهُ الَّذِي لَا يَدْرِي مَا يَصْنَعُ بِالنِّسَاءِ إنَّمَا هَمُّهُ بَطْنُهُ وَفِي هَذَا كَلَامٌ عِنْدَنَا فَقِيلَ: إذَا كَانَ شَابًّا يُنَحَّى عَنْ النِّسَاءِ وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ إذَا كَانَ شَيْخًا كَبِيرًا قَدْ مَاتَتْ شَهْوَتُهُ فَحِينَئِذٍ يُرَخَّصُ فِي ذَلِكَ وَالْأَصَحُّ أَنْ نَقُولَ قَوْله تَعَالَى أَوْ التَّابِعِينَ مِنْ الْمُتَشَابِهِ وقَوْله تَعَالَى {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا} مُحْكَمٌ فَنَأْخُذُ بِالْمُحْكَمِ فَنَقُولُ: كُلُّ مَنْ كَانَ مِنْ الرِّجَالِ فَلَا يَحِلُّ لَهَا أَنْ تُبْدِيَ مَوْضِعَ الزِّينَةِ الْبَاطِنَةِ بَيْنَ يَدَيْهِ وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَنْظُرَ إلَيْهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ صَغِيرًا فَحِينَئِذٍ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَوْ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ}.