فصل: (كِتَابُ الرَّهْنِ):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الجوهرة النيرة (نسخة منقحة)



.(كِتَابُ الرَّهْنِ):

الرَّهْنُ فِي اللُّغَةِ هُوَ الْحَبْسُ أَيْ حَبْسُ الشَّيْءِ بِأَيِّ سَبَبٍ كَانَ مَالًا، أَوْ غَيْرَ مَالِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} أَيْ مَحْبُوسَةٌ بِوَبَالِ مَا اكْتَسَبَتْ مِنْ الْمَعَاصِي، وَفِي الشَّرْعِ عِبَارَةٌ عَنْ عَقْدِ وَثِيقَةٍ بِمَالٍ احْتِرَازًا عَنْ الْكَفَالَةِ فَإِنَّهَا عَقْدُ وَثِيقَةٍ فِي الذِّمَّةِ وَاحْتِرَازًا أَيْضًا عَنْ الْمَبِيعِ فِي يَدِ الْبَائِعِ فَإِنَّهُ وَثِيقَةٌ وَلَيْسَ بِعَقْدٍ عَلَى وَثِيقَةٍ وَيُقَالُ هُوَ فِي الشَّرْعِ جَعْلُ الشَّيْءِ مَحْبُوسًا بِحَقٍّ يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهُ مِنْ الرَّهْنِ كَالدُّيُونِ حَتَّى إنَّهُ لَا يَجُوزُ الرَّهْنُ بِالْحُدُودِ، وَالْقِصَاصِ وَلَا رَهْنُ الْمُدَبَّرِ وَمِنْ مَحَاسِنِ الرَّهْنِ أَنَّ فِيهِ النَّظَرَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ لِجَانِبِ الرَّاهِنِ وَجَانِبِ الْمُرْتَهِنِ أَمَّا جَانِبُ الرَّاهِنِ فَإِنَّ الْمُرْتَهِنَ قَدْ يَكُونُ أَلَدَّ الْخِصَامِ خُصُوصًا إذَا وَجَدَ رُخْصَةً مِنْ جَانِبِ الشَّارِعِ بِصَرِيحِ الْبَيَانِ وَهُوَ.
قَوْلُهُ: عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «لِصَاحِبِ الْيَدِ الْحَقُّ وَاللِّسَانُ» فَرُبَّمَا يَزِيدُ فِي تَشَدُّدِهِ بِحَيْثُ لَا يَدَعُ الرَّاهِنَ يَقْتَاتُ وَلَا يَتْرُكُهُ يَبَاتُ فَاَللَّهُ تَعَالَى رَحِمَهُ وَشَرَعَ الرَّهْنَ لِيُسَهِّلَ أَمْرَهُ وَيَنْفَسِحَ بِهِ صَدْرُهُ إلَى أَنْ يَقْدِرَ عَلَى تَحْصِيلِ مَا يُؤَدِّي بِهِ دَيْنَهُ فِي فَسْخِهِ وَيَصُونَ بِهِ عِرْضَهُ فِي مُهْلَتِهِ وَأَمَّا جَانِبُ الْمُرْتَهِنِ فَإِنَّ دَيْنَهُ عَلَى عُرْضَةِ التَّوَى وَالتَّلَفِ لِمَا عَسَى أَنْ يُذْهِبَ الرَّاهِنُ مَالَهُ بِالتَّبْذِيرِ وَالسَّرَفِ، أَوْ يَقُومَ لَهُ غُرَمَاءُ يَسْتَوْفُونَ لَهُ، أَوْ يَجْحَدَ وَلَيْسَ لِلْمُرْتَهِنِ بَيِّنَةٌ، أَوْ يَمُوتَ مُفْلِسًا بِغَيْرِ كَفَالَةٍ مُتَعَيَّنَةٍ فَنَظَرَ الشَّارِعُ لِلْمُرْتَهِنِ فَشَرَعَ الرَّهْنَ لِيَصِلَ إلَى دَيْنِهِ بِآكَدِ الْأُمُورِ وَأَوْثَقِ الْأَشْيَاءِ حَتَّى لَوْ لَمْ يُقِرَّ بِدَيْنِهِ كَانَ فَائِزًا بِمَا يُعَادِلُهُ مِنْ رَهْنِهِ.
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: تَعَالَى: (الرَّهْنُ يَنْعَقِدُ بِالْإِيجَابِ، وَالْقَبُولِ) الْإِيجَابُ رُكْنُ الرَّاهِنِ بِمُجَرَّدِهِ وَهُوَ أَنْ يَقُولَ الرَّاهِنُ: رَهَنْتُكَ هَذَا الشَّيْءَ بِدَيْنِكَ الَّذِي لَكَ عَلَيَّ، وَإِنَّمَا جُعِلَ الرُّكْنُ مُجَرَّدَ الْإِيجَابِ مِنْ غَيْرِ قَبُولٍ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ عَقْدُ تَبَرُّعٍ؛ لِأَنَّ الرَّاهِنَ لِمَا أَثْبَتَ لِلْمُرْتَهِنِ مِنْ الْيَدِ عَلَى الرَّهْنِ لَمْ يَسْتَوْجِبْ بِإِزَاءِ ذَلِكَ شَيْئًا عَلَى الْمُرْتَهِنِ فَكَانَ تَبَرُّعًا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَمَا هَذَا سَبِيلُهُ لَا يَصِيرُ لَازِمًا إلَّا بِالتَّسْلِيمِ كَالْهِبَةِ فَكَانَ الرُّكْنُ مُجَرَّدَ الْإِيجَابِ مِنْ غَيْرِ قَبُولٍ كَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ، وَالْحُكْمُ فِيهِمَا كَذَلِكَ حَتَّى لَوْ حَلَفَ لَا يَهَبُ، أَوْ لَا يَتَصَدَّقُ فَوَهَبَ، أَوْ تَصَدَّقَ وَلَمْ يَقْبَلْ الْآخَرُ حَنِثَ فِي يَمِينِهِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ مُعَاوَضَةٌ وَتَمْلِيكٌ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فَكَانَ الرُّكْنُ فِي الْبَيْعِ الْإِيجَابَ، وَالْقَبُولَ وَلِهَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يَبِيعُ فَبَاعَ وَلَمْ يَقْبَلْ الْمُشْتَرِي لَا يَحْنَثُ فِي يَمِينِهِ، وَإِنَّمَا كَانَ الْإِيجَابُ رُكْنًا؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ بِهِ يُوجَدُ، وَرُكْنُ الشَّيْءِ مَا يُوجَدُ بِهِ الشَّيْءُ، وَالْأَصْلُ فِي شَرْعِيَّةِ جَوَازِ الرَّهْنِ قَوْله تَعَالَى {فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} وَرُوِيَ أَنَّ {النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اشْتَرَى مِنْ يَهُودِيٍّ طَعَامًا وَرَهَنَهُ بِهِ دِرْعَهُ} قَالَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ زَيْدٍ {تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدِرْعُهُ مَرْهُونَةٌ عِنْدَ يَهُودِيٍّ بِوَسْقٍ مِنْ شَعِيرٍ} الرِّهَانُ جَمْعُ رَهْنٍ كَالْعِبَادِ، وَالْجِبَالِ، وَالْخِبَاثِ جَمْعِ عَبْدٍ وَجَبَلٍ وَخُبْثٍ، ثُمَّ إنَّ الْمَشَايِخَ اسْتَخْرَجُوا مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ أَحْكَامًا فَقَالُوا: فِيهِ دَلِيلُ جَوَازِ الرَّهْنِ فِي كُلِّ مَا هُوَ مُتَقَوِّمٌ سَوَاءٌ كَانَ الْمَالُ مُعَدًّا لِلطَّاعَةِ، أَوْ لَا فَإِنَّ دِرْعَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَانَ مُعَدًّا لِلْجِهَادِ فَيَكُونُ دَلِيلًا لَنَا عَلَى جَوَازِ رَهْنِ الْمُصْحَفِ بِخِلَافِ مَا يَقُولُهُ الْمُتَقَشِّفَةُ أَنَّ مَا يَكُونُ مُعَدًّا لِلطَّاعَةِ لَا يَجُوزُ رَهْنُهُ؛ لِأَنَّهُ فِي صُورَةِ حَبْسِهِ عَنْ الطَّاعَةِ، وَفِيهِ دَلِيلٌ أَيْضًا عَلَى جَوَازِ الرَّهْنِ فِي الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ فَإِنَّ رَهْنَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَانَ بِالْمَدِينَةِ فِي حَالِ إقَامَتِهِ بِهَا بِخِلَافِ مَا يَقُولُهُ أَصْحَابُ الظَّوَاهِرِ إنَّ الرَّهْنَ لَا يَجُوزُ إلَّا فِي السَّفَرِ لِظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى {وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} وَالتَّعْلِيقُ بِالشَّرْطِ يَقْتَضِي الْفَصْلَ بَيْنَ الْوُجُودِ، وَالْعَدَمِ وَلَكِنَّا نَقُولُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ الشَّرْطَ حَقِيقَةً بَلْ ذِكْرُ مَا يَعْتَادُهُ النَّاسُ فِي مُعَامَلَاتِهِمْ فَإِنَّهُمْ فِي الْغَالِبِ يَمِيلُونَ إلَى الرَّهْنِ عِنْدَ تَعَذُّرِ إمْكَانِ التَّوَثُّقِ بِالْكِتَابِ، أَوْ الشُّهُودِ وَالْغَالِبُ أَنَّ ذَلِكَ يَكُونُ فِي السَّفَرِ، وَالْمُعَامَلَةُ الظَّاهِرَةُ - مِنْ لَدُنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى يَوْمِنَا هَذَا بِالرَّهْنِ فِي الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ - دَلِيلُ جَوَازِهِ بِكُلِّ حَالٍ.
قَوْلُهُ: (وَيَتِمُّ بِالْقَبْضِ) يَعْنِي قَبْضًا مُسْتَمِرًّا إلَى فِكَاكِهِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْقَبْضَ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي انْعِقَادِهِ، وَإِنَّمَا هُوَ شَرْطٌ فِي لُزُومِهِ كَنَفْيِ الْخِيَارِ فِي الْبَيْعِ شَرْطٌ فِي لُزُومِ الْبَيْعِ وَلَيْسَ بِشَرْطٍ فِي انْعِقَادِهِ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ يَنْعَقِدُ مَعَ شَرْطِ الْخِيَارِ فَكَذَا هُنَا الْقَبْضُ شَرْطُ اللُّزُومِ لَا شَرْطُ الْجَوَازِ فَإِنَّ الرَّهْنَ جَائِزٌ قَبْلَ الْقَبْضِ إلَّا أَنَّهُ غَيْرُ لَازِمٍ، وَإِنَّمَا يَصِيرُ لَازِمًا بِالتَّسْلِيمِ كَالْهِبَةِ حَتَّى لَوْ مَاتَ الرَّاهِنُ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَ الْمُرْتَهِنُ الرَّهْنَ لَمْ تُجْبَرْ وَرَثَةُ الرَّاهِنِ عَلَى الْإِقْبَاضِ بِخِلَافِ الْمَبِيعِ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ عَقْدُ تَبَرُّعٍ بِدَلِيلِ أَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يُجْبَرُ عَلَيْهِ فَلَا يَتَعَلَّقُ الِاسْتِحْقَاقُ إلَّا بِالْقَبْضِ كَالْهِبَةِ فَمَا لَمْ يَقْبِضْهُ لَا يَكُونُ لَازِمًا.
وَفِي الذَّخِيرَةِ أَنَّ مُحَمَّدًا رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ لَا يَجُوزُ الرَّهْنُ إلَّا مَقْبُوضًا فَقَدْ أَشَارَ إلَى أَنَّ الْقَبْضَ شَرْطُ جَوَازِ الرَّهْنِ، ثُمَّ قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ أَيْضًا قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْ زَادَهْ: الرَّهْنُ قَبْلَ الْقَبْضِ جَائِزٌ إلَّا أَنَّهُ غَيْرُ لَازِمٍ إنَّمَا يَصِيرُ لَازِمًا فِي حَقِّ الرَّاهِنِ بِالْقَبْضِ فَكَانَ الْقَبْضُ شَرْطَ اللُّزُومِ لَا شَرْطَ الْجَوَازِ كَمَا فِي الْهِبَةِ، ثُمَّ يُكْتَفَى فِي الْقَبْضِ بِالتَّخْلِيَةِ وَهِيَ عِبَارَةٌ عَنْ رَفْعِ الْمَانِعِ قَبْلَ الْقَبْضِ.
وَهَذَا هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّهُ قَبْضٌ بِحُكْمِ عَقْدٍ مَشْرُوعٍ فَأَشْبَهَ قَبْضَ الْمَبِيعِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ فِي الْمَنْقُولِ إلَّا بِالنَّقْلِ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ وَاسْتِدَامَةُ الْقَبْضِ وَاجِبَةٌ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ حَتَّى إنَّ عِنْدَهُ لِلرَّاهِنِ أَنْ يَنْتَفِعَ بِالرَّهْنِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَقْبِضَهُ الْمُرْتَهِنُ، أَوْ وَكِيلُهُ وَلَوْ أَنَّ الرَّاهِنَ، وَالْمُرْتَهِنَ تَرَاضَيَا عَلَى أَنْ يَكُون الرَّهْنُ فِي يَدِ صَاحِبِهِ لَا يَصِحُّ وَلَا يَسْقُطُ شَيْءٌ مِنْ الدَّيْنِ بِهَلَاكِهِ وَبَعْدَ التَّرَاضِي لَوْ أَرَادَ الْمُرْتَهِنُ أَنْ يَقْبِضَهُ لِيَحْبِسَهُ رَهْنًا لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ لَمْ يَصِحَّ.
قَوْلُهُ: (فَإِذَا قَبَضَ الْمُرْتَهِنُ الرَّهْنَ مَحُوزًا مُفْرَغًا مُمَيَّزًا تَمَّ الْعَقْدُ فِيهِ) فِي هَذَا إشَارَةٌ إلَى أَنَّ اتِّصَافَهُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ عِنْدَ الْعَقْدِ لَيْسَ بِلَازِمٍ يَعْنِي لَوْ لَمْ يَكُنْ مَوْصُوفًا بِهَا عِنْدَ الْعَقْدِ وَاتَّصَفَ بِهَا عِنْدَ الْقَبْضِ يَتِمُّ فِيهِ، وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ مَوْصُوفًا بِهَا عِنْدَ الْقَبْضِ يَكُونُ فَاسِدًا لَا بَاطِلًا؛ إذْ لَوْ وَقَعَ بَاطِلًا لَقَالَ صَحَّ فَلَمَّا قَالَ تَمَّ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ يَكُونُ بِدُونِهَا نَاقِصًا، وَالْبَاطِلُ فَائِتُ الْأَصْلِ وَالْوَصْفِ، وَالْفَاسِدُ مَوْجُودُ الْأَصْلِ فَائِتُ الْوَصْفِ وَقَوْلُهُ " مُحْرَزًا " احْتِرَازًا عَنْ رَهْنِ الثَّمَرَةِ عَلَى رُءُوسِ النَّخْلِ - بِدُونِ النَّخْلِ - وَالزَّرْعِ فِي الْأَرْضِ بِدُونِ الْأَرْضِ وَقَوْلُهُ " مُفَرَّغًا " احْتِرَازًا عَنْ رَهْنِ النَّخْلِ بِدُونِ الثَّمَرَةِ وَرَهْنِ الْأَرْضِ بِدُونِ الزَّرْعِ، وَقَوْلُهُ: مُمَيَّزًا احْتِرَازًا عَنْ رَهْنِ الْمُشَاعِ بِأَنْ رَهَنَ نِصْفَ عَبْدٍ، أَوْ ثُلُثَهُ، قَوْلُهُ (وَمَا لَمْ يَقْبِضْهُ فَالرَّاهِنُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ سَلَّمَ، وَإِنْ شَاءَ رَجَعَ عَنْ الرَّهْنِ) لِأَنَّ اللُّزُومَ إنَّمَا هُوَ بِالْقَبْضِ؛ إذْ الْمَقْصُودُ وَهُوَ الْوَثِيقَةُ لَا يَحْصُلُ قَبْلَ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ اسْتِيفَاءُ الدَّيْنِ حُكْمًا وَالِاسْتِيفَاءُ حَقِيقَةً لَا يَكُونُ بِدُونِ الْقَبْضِ فَكَذَا الِاسْتِيفَاءُ حُكْمًا.
قَوْلُهُ: (فَإِذَا سَلَّمَهُ إلَيْهِ وَقَبَضَهُ دَخَلَ فِي ضَمَانِهِ). وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: هُوَ أَمَانَةٌ وَلَا يَسْقُطُ شَيْءٌ مِنْ الدَّيْنِ بِهَلَاكِهِ.
قَوْلُهُ: (وَلَا يَصِحُّ الرَّهْنُ إلَّا بِدَيْنٍ مَضْمُونٍ).
قَوْلُهُ: مَضْمُونٍ وَقَعَ تَأْكِيدًا، وَإِلَّا فَجَمِيعُ الدُّيُونِ مَضْمُونَةٌ وَقِيلَ احْتَرَزَ عَنْ ضَمَانِ الدَّرَكِ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ مَا بَايَعْت فُلَانًا فَعَلَيَّ ثَمَنُهُ فَأَخَذَ مِنْ الْقَائِلِ رَهْنًا بِذَلِكَ قَبْلَ الْمُبَايَعَةِ لَمْ يَجُزْ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: الرَّهْنُ بِالدَّرَكِ بَاطِلٌ وَالْكَفَالَةُ بِالدَّرَكِ جَائِزَةٌ كَمَا إذَا كَفَلَ بِمَا ذَابَ لَهُ عَلَى فُلَانٍ؛ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ يَجُوزُ تَعْلِيقُهَا بِالْحَظْرِ؛ لِأَنَّ لِلنَّاسِ بِذَلِكَ تَعَامُلًا وَلَا كَذَلِكَ الرَّهْنُ؛ لِأَنَّ فِي الرَّهْنِ إيفَاءً، وَفِي الِارْتِهَانِ اسْتِيفَاءً فَيَحْصُلُ فِيهِ مَعْنَى الْمُبَادَلَةِ كَالْبَيْعِ أَمَّا الْكَفَالَةُ لِالْتِزَامِ الْمُطَالَبَةِ وَالْتِزَامِ الْأَفْعَالِ تَصِحُّ مُضَافًا إلَى الْمَالِ كَمَا فِي الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ فَإِنْ أَخَذَ رَهْنًا بِالدَّرَكِ وَقَبَضَهُ فَهَلَكَ عِنْدَهُ يَهْلِكُ أَمَانَةً؛ لِأَنَّهُ لَا عَقْدَ حَيْثُ وَقَعَ بَاطِلًا بِخِلَافِ الرَّهْنِ بِالدَّيْنِ الْمَوْعُودِ وَهُوَ أَنْ يَقُولَ رَهَنْتُك هَذَا الشَّيْءَ لِتُقْرِضَنِي كَذَا فَهَلَكَ الرَّهْنُ فِي يَدِهِ قَبْلَ أَنْ يُقْرِضَهُ هَلَكَ بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِمَّا سَمَّى لَهُ مِنْ الْقَرْضِ بِمُقَابَلَتِهِ لِأَنَّ الْمَوْعُودَ جُعِلَ كَالْمَوْجُودِ بِاعْتِبَارِ الْحَاجَةِ وَلِأَنَّهُ قَبَضَهُ بِسَوْمِ الرَّهْنِ فَكَانَ مَضْمُونًا كَالْمَقْبُوضِ بِسَوْمِ الْبَيْعِ.
قَالَ فِي النِّهَايَةِ: رَجُلٌ بَاعَ شَيْئًا وَسَلَّمَهُ إلَى الْمُشْتَرِي فَخَافَ الْمُشْتَرِي الِاسْتِحْقَاقَ فَأَخَذَ مِنْ الْبَائِعِ رَهْنًا بِالثَّمَنِ إنْ أَدْرَكَهُ فِيهِ دَرَكٌ كَانَ بَاطِلًا حَتَّى لَا يَمْلِكَ حَبْسَ الرَّهْنِ سَوَاءٌ اُسْتُحِقَّ الْمَبِيعُ أَمْ لَا، وَإِنْ هَلَكَ يَهْلِكُ أَمَانَةً؛ لِأَنَّ عَقْدَ الرَّهْنِ عَقْدُ اسْتِيفَاءٍ وَلِهَذَا لَا يَصِحُّ رَهْنُ مَا لَا يُتَصَوَّرُ مِنْهُ الِاسْتِيفَاءُ كَالْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ وَالِاسْتِيفَاءُ لَا يَسْبِقُ الْوُجُوبَ وَلَيْسَ هُنَاكَ دَيْنٌ وَاجِبٌ وَلَا عَلَى شَرَفِ الْوُجُوبِ ظَاهِرًا؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ عَدَمُ الِاسْتِحْقَاقِ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَبَضَ الرَّهْنَ لِيُقْرِضَهُ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ فَقَبَضَ الرَّهْنَ مِنْهُ وَهَلَكَ فِي يَدِهِ قَبْلَ أَنْ يُقْرِضَهُ فَإِنَّهُ يَهْلِكُ مَضْمُونًا عَلَى الْمُرْتَهِنِ حَتَّى يَجِبَ عَلَى الْمُرْتَهِنِ تَسْلِيمُ الْعَشَرَةِ إلَى الرَّهْنِ بَعْدَ هَلَاكِ الرَّهْنِ؛ لِأَنَّ هَلَاكَهُ حَصَلَ بَعْدَ الْقَرْضِ حُكْمًا لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الدَّيْنَ الْمَوْعُودَ جُعِلَ كَالْمَوْجُودِ فِي اعْتِبَارِ الضَّمَانِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَقْبُوضَ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ مَضْمُونٌ عَلَى الْقَابِضِ؛ لِأَنَّهُ مَقْبُوضٌ عَلَى وَجْهِ الشِّرَاءِ فَيُجْعَلُ كَالْمَقْبُوضِ عَلَى حَقِيقَتِهِ فِي إيجَابِ الضَّمَانِ كَذَلِكَ هُنَا وَقَوْلُهُ: وَلَا يَصِحُّ الرَّهْنُ إلَّا بِدَيْنٍ مَضْمُونٍ وَهُوَ الَّذِي لَا يَسْقُطُ إلَّا بِالْأَدَاءِ، أَوْ بِالْإِبْرَاءِ وَاحْتَرَزَ بِذَلِكَ عَنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ بِدُونِهِمَا فَإِنَّ لِلْمُكَاتَبِ إسْقَاطَهُ عَنْ نَفْسِهِ بِتَعْجِيزِهِ لِنَفْسِهِ شَاءَ الْمَوْلَى، أَوْ أَبَى لِكَوْنِهِ غَيْرَ مُتَأَكِّدٍ.
وَفِي النِّهَايَةِ إذَا أَخَذَ الْمَوْلَى مِنْ مُكَاتَبِهِ رَهْنًا بِبَدَلِ الْكِتَابَةِ جَازَ، وَإِنْ كَانَ لَا يَجُوزُ أَخْذُ الْكَفِيلِ بِبَدَلِ الْكِتَابَةِ.
وَقَدْ أُخِذَ عَلَى الشَّيْخِ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي قَوْلِهِ وَلَا يَصِحُّ الرَّهْنُ إلَّا بِدَيْنٍ مَضْمُونٍ فَإِنَّهُ يَصِحُّ أَيْضًا بِالْأَعْيَانِ الْمَضْمُونَةِ بِنَفْسِهَا كَالْمَهْرِ وَبَدَلِ الْخُلْعِ، وَالْمَغْصُوبِ وَلَا دَيْنَ فِيهَا وَيُجَابُ عَنْهُ أَنَّ الْأَصْلَ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ مَا هُوَ قِيلَ فِيهِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ وَمَذْهَبُ الشَّيْخِ أَنَّ الْوَاجِبَ الْقِيمَةُ، وَرَدُّ الْعَيْنِ مُخَلِّصٌ وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ أَكْثَرُ الْمَشَايِخِ فَعَلَى هَذَا هِيَ دُيُونٌ وَلِأَنَّ مُوجَبَ الْغَصْبِ رَدُّ الْعَيْنِ الْمَغْصُوبَةِ إنْ أَمْكَنَ، أَوْ رَدُّ قِيمَتِهِ عِنْدَ تَعَذُّرِ رَدِّ الْعَيْنِ وَذَلِكَ دَيْنٌ يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهُ مِنْ مَالِيَّةِ الرَّهْنِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: رَدُّ الْعَيْنِ أَصْلٌ، وَالْقِيمَةِ مُخَلِّصٌ فَعَلَى هَذَا يَصِحُّ الرَّهْنُ بِالدَّيْنِ، وَالْعَيْنِ، وَفِي شَرْحِهِ مَا كَانَ مِنْ الْأَعْيَانِ مَضْمُونًا بِنَفْسِهِ جَازَ الرَّهْنُ بِهِ وَمَا كَانَ مَضْمُونًا بِغَيْرِهِ لَمْ يَجُزْ أَخْذُ الرَّهْنِ بِهِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَضْمُونٍ فَالْمَضْمُونُ بِنَفْسِهِ مَا يَجِبُ بِهَلَاكِهِ مِثْلُهُ إنْ كَانَ مِثْلِيًّا، أَوْ قِيمَتُهُ إنْ لَمْ يَكُنْ مِثْلِيًّا، وَأَمَّا مَا كَانَ مَضْمُونًا بِغَيْرِهِ كَالْمَبِيعِ فِي يَدِ الْبَائِعِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ الرَّهْنُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَضْمُونٍ ضَمَانًا صَحِيحًا أَلَا تَرَى أَنَّ بِهَلَاكِهِ لَا يَجِبُ مِثْلُهُ وَلَا قِيمَتُهُ، وَإِنَّمَا يَبْطُلُ الْبَيْعُ بِهَلَاكِهِ فَيَسْقُطُ الثَّمَنُ فَيَصِيرُ كَمَا لَيْسَ بِمَضْمُونٍ فَإِنْ أَعْطَى رَهْنًا بِالْمَبِيعِ فَالرَّهْنُ بَاطِلٌ فَإِنْ هَلَكَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي هَلَكَ بِغَيْرِ شَيْءٍ، وَالْبَيْعُ عَلَى حَالِهِ، وَإِنْ أَعْطَى الْمُؤَجِّرُ رَهْنًا بِعَقْدِ الْإِجَارَةِ فَالرَّهْنُ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَضْمُونٍ عَلَيْهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ إذَا هَلَكَ انْفَسَخَتْ الْإِجَارَةُ.
قَوْلُهُ: (وَهُوَ مَضْمُونٌ بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الدَّيْنِ) لِأَنَّ الْمَضْمُونَ بِقَدْرِ مَا يَقَعُ بِهِ الِاسْتِيفَاءُ وَذَلِكَ بِقَدْرِ الدَّيْنِ.
وَقَالَ زُفَرُ: الرَّهْنُ مَضْمُونٌ بِالْقِيمَةِ حَتَّى لَوْ هَلَكَ وَقِيمَتُهُ يَوْمَ رُهِنَ أَلْفٌ وَخَمْسُمِائَةٍ وَالدَّيْنُ أَلْفٌ رَجَعَ الرَّاهِنُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ بِخَمْسِمِائَةٍ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ الرَّهْنُ أَمَانَةٌ لَا يَسْقُطُ بِهَلَاكِهِ شَيْءٌ مِنْ الدَّيْنِ وَقَالَ الْقَاضِي شُرَيْحٌ يَسْقُطُ جَمِيعُ الدَّيْنِ بِهَلَاكِهِ سَوَاءٌ قَلَّتْ قِيمَتُهُ، أَوْ كَثُرَتْ، وَإِنْ كَانَ الرَّهْنُ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ وَالدَّيْنُ أَلْفًا سَقَطَ جَمِيعُ الدَّيْنِ، وَإِنَّمَا يَكُونُ مَضْمُونًا عِنْدَنَا بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الدَّيْنِ إذَا هَلَكَ بِغَيْرِ فِعْلِ الرَّاهِنِ، أَوْ الْمُرْتَهِنِ فَإِنْ اسْتَهْلَكَهُ الْمُرْتَهِنُ ضَمِنَ قِيمَتَهُ كُلَّهَا، وَإِنْ اسْتَهْلَكَهُ الرَّاهِنُ ضَمِنَ قِيمَتَهُ وَكَانَتْ رَهْنًا فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ كَمَا كَانَ الرَّهْنُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الدَّيْنَ وَكَذَا إذَا اسْتَهْلَكَهُ أَجْنَبِيٌّ ضَمِنَ قِيمَتَهُ وَكَانَتْ رَهْنًا مَكَانَهُ.
(مَسْأَلَةٌ) إذَا قَالَ الْمُرْتَهِنُ لِلرَّاهِنِ عِنْدَ تَسْلِيمِ الرَّهْنِ إلَيْهِ: أَنَا آخُذُهُ رَهْنًا فَإِنْ ضَاعَ عِنْدِي ضَاعَ بِغَيْرِ شَيْءٍ فَقَالَ لَهُ الرَّاهِنُ: نَعَمْ، فَالرَّهْنُ جَائِزٌ وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ فَإِنْ ضَاعَ ضَاعَ بِالْمَالِ.
قَوْلُهُ: (فَإِذَا هَلَكَ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ وَقِيمَته وَالدَّيْنُ سَوَاءٌ صَارَ مُسْتَوْفِيًا لِدَيْنِهِ حُكْمًا) حَتَّى لَوْ كَانَ الرَّهْنُ عَبْدًا فَمَاتَ كَانَ كَفَنُهُ عَلَى الرَّاهِنِ، وَالْمُعْتَبَرُ فِي الْقِيمَةِ قِيمَتُهُ يَوْمَ الرَّهْنِ، وَإِنَّمَا يَكُونُ مُسْتَوْفِيًا إذَا رَهَنَ بِدَيْنٍ أَمَّا إذَا رَهَنَ بِالْأَعْيَانِ الْمَضْمُونَةِ بِنَفْسِهَا كَالْمَهْرِ فِي يَدِ الزَّوْجِ، أَوْ الْخُلْعِ فِي يَدِ الْمَرْأَةِ، أَوْ الْمَغْصُوبِ فَإِنَّهُ إذَا هَلَكَ لَا يَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا لِلْعَيْنِ بَلْ يَجِبُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ غُرْمُ الْأَقَلِّ مِنْ قِيمَةِ الرَّهْنِ وَمِنْ الْعَيْنِ الَّتِي رَهَنَ بِهَا وَيَسْتَرِدُّ الْعَيْنَ وَلَوْ هَلَكَتْ الْعَيْنُ قَبْلَ الرَّدِّ فَلَهُ أَنْ يَحْبِسَ الرَّهْنَ بِضَمَانِ الْعَيْنِ فَإِذَا هَلَكَ الرَّهْنُ قَبْلَ اسْتِيفَاءِ الضَّمَانِ صَارَ مُسْتَوْفِيًا لِلضَّمَانِ إذَا كَانَ فِي قِيمَتِهِ وَفَاءٌ.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ الرَّهْنِ أَكْثَرَ فَالْفَاضِلُ أَمَانَةٌ) لِأَنَّ الْمَضْمُونَ بِقَدْرِ مَا يَقَعُ بِهِ الِاسْتِيفَاءُ وَذَلِكَ بِقَدْرِ الدَّيْنِ.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ الرَّهْنِ أَقَلَّ مِنْ الدَّيْنِ سَقَطَ مِنْ الدَّيْنِ بِقَدْرِهَا وَرَجَعَ الْمُرْتَهِنُ بِالْفَضْلِ) لِأَنَّ الِاسْتِيفَاءَ بِقَدْرِ الْمَالِيَّةِ وَلَوْ أَبْرَأَ الْمُرْتَهِنُ الرَّاهِنَ مِنْ الدَّيْنِ، أَوْ وَهَبَهُ لَهُ وَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ الرَّهْنَ حَتَّى هَلَكَ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَمْنَعَهُ إيَّاهُ يَهْلِكُ أَمَانَةً اسْتِحْسَانًا وَقَالَ زُفَرُ: يَهْلِكُ مَضْمُونًا وَهُوَ الْقِيَاسُ؛ لِأَنَّ هَلَاكَ الرَّهْنِ يُوجِبُ اسْتِيفَاءَ الدَّيْنِ فَكَأَنَّهُ أَبْرَأَهُ ثُمَّ اسْتَوْفَاهُ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْهِبَةَ، وَالْبَرَاءَةَ لَا يَجُوزُ أَنْ يُوجِبَا ضَمَانًا عَلَى الْوَاهِبِ، وَالْمُبْرِئِ لِأَجْلِهِمَا أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ قَالُوا لَوْ اُسْتُحِقَّتْ الْعَيْنُ الْمَوْهُوبَةُ وَقَدْ هَلَكَتْ فِي يَدِ الْمَوْهُوبِ لَهُ ضَمِنَ قِيمَتَهَا وَلَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْوَاهِبِ بِشَيْءٍ وَلَوْ وَهَبَ الْبَائِعُ الثَّمَنَ لِلْمُشْتَرِي، ثُمَّ هَلَكَ الْمَبِيعُ لَمْ يَضْمَنْ.
قَوْلُهُ: (وَلَا يَجُوزُ رَهْنُ الْمُشَاعِ) سَوَاءٌ كَانَ فِيمَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ، أَوْ لَا وَسَوَاءٌ رَهَنَهُ مِنْ أَجْنَبِيٍّ، أَوْ مِنْ شَرِيكِهِ؛ لِأَنَّ الْإِشَاعَةَ تَمْنَعُ اسْتِدَامَةَ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ الْمُهَايَأَةِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ يَجُوزُ رَهْنُ الْمُشَاعِ كَمَا فِي الْبَيْعِ وَلَنَا أَنَّ مُوجَبَ الرَّهْنِ هُوَ الْحَبْسُ الدَّائِمُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُشْرَعْ إلَّا مَقْبُوضًا بِالنَّصِّ فَلَوْ جَازَ فِي الْمُشَاعِ يَفُوتُ الدَّوَامُ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْمُهَايَأَةِ فَيَصِيرُ كَمَا إذَا قَالَ: رَهَنْتُك يَوْمًا وَيَوْمًا لَا وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ فِيمَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ وَمَا لَا يَحْتَمِلُهَا وَكَذَا مَا كَانَ فِي عِلَّةِ الْمُشَاعِ مِثْلُ مَا إذَا كَانَ الرَّهْنُ مُتَّصِلًا بِغَيْرِهِ كَرَهْنِ النَّخْلِ دُونَ الثَّمَرَةِ، وَالْأَرْضِ دُونَ النَّخْلِ وَالزَّرْعِ، ثُمَّ إذَا قَبَضَ الرَّهْنَ عَلَى الْفَسَادِ فَهَلَكَ قَالَ الْكَرْخِيُّ يَهْلِكُ أَمَانَةً وَلَا يَذْهَبُ مِنْ الدَّيْنِ شَيْءٌ.
وَفِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَهْلِكُ بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ قَالَ: كُلُّ مَالٍ هُوَ مَحَلٌّ لِلرَّهْنِ الصَّحِيحِ إذَا رَهَنَهُ رَهْنًا فَاسِدًا فَهَلَكَ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ يَهْلِكُ بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الدَّيْنِ وَكُلُّ مَا لَيْسَ بِمَحَلٍّ لِلرَّهْنِ الصَّحِيحِ إذَا رُهِنَ رَهْنًا فَاسِدًا لَا يَكُونُ مَضْمُونًا كَالْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْإِشَاعَةِ الطَّارِئِيَّةِ، وَالْأَصْلِيَّةِ فِي مَنْعِ صِحَّةِ الرَّهْنِ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يَرْهَنَ جَمِيعَ الْعَيْنِ، ثُمَّ تَفَاسَخَا فِي الْبَعْضِ، أَوْ يَبِيعَ الرَّاهِنُ، أَوْ وَكِيلُهُ نِصْفَ الرَّهْنِ بِإِذْنِ الْمُرْتَهِنِ، أَوْ يُسْتَحَقَّ نِصْفُهُ فَيَبْطُلَ الرَّهْنُ فِي الْبَاقِي وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الطَّارِئَ لَا يُؤَثِّرُ فِي الرَّهْنِ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْبَقَاءِ أَسْهَلُ مِنْ حُكْمِ الِابْتِدَاءِ أَلَا تَرَى أَنَّ مُعْتَدَّةَ الْغَيْرِ لَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مَحَلًّا لِلنِّكَاحِ ابْتِدَاءً وَيَبْقَى النِّكَاحُ فِي حَقِّهَا بِأَنْ وُطِئَتْ امْرَأَةُ الرَّجُلِ بِشُبْهَةٍ تَعْتَدُّ لِذَلِكَ الْوَطْءِ وَلَا يَبْطُلُ النِّكَاحُ وَكَالشُّيُوعِ الطَّارِئِ فِي الْهِبَةِ لَا يَمْنَعُ صِحَّتَهَا بَقَاءً وَيَمْنَعُ صِحَّتَهَا ابْتِدَاءً وَلَنَا أَنَّ الْإِشَاعَةَ إنَّمَا أَثَّرَتْ فِي الِابْتِدَاءِ؛ لِأَنَّهَا تَمْنَعُ اسْتِدَامَةَ الْقَبْضِ عَلَى وَجْهِ الرَّهْنِ وَهَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودٌ فِي الطَّارِئَةِ بِخِلَافِ الْهِبَةِ؛ لِأَنَّ الْمُشَاعَ يَقْبَلُ حُكْمَهَا وَهُوَ الْمِلْكُ فَإِنَّ مُوجَبَ الْعَقْدِ فِيهَا الْمِلْكُ وَالْقَبْضُ شَرْطُ تَمَامِ ذَلِكَ الْعَقْدِ، وَالْمِلْكُ يَقْبَلُ الشُّيُوعَ وَلِهَذَا يَصِحُّ الرُّجُوعُ فِي بَعْضِ الْهِبَةِ وَلَا يَجُوزُ فَسْخُ الْعَقْدِ فِي بَعْضِ الرَّهْنِ.
قَوْلُهُ: (وَلَا رَهْنُ ثَمَرَةٍ عَلَى رُءُوسِ النَّخْلِ دُونَ النَّخْلِ وَلَا زَرْعٍ فِي الْأَرْضِ دُونَ الْأَرْضِ وَلَا رَهْنُ الْأَرْضِ وَالنَّخْلِ دُونَهُمَا)؛ لِأَنَّ الْمَرْهُونَ مُتَّصِلٌ بِمَا لَيْسَ بِمَرْهُونٍ خِلْقَةً فَكَانَ فِي مَعْنَى الشَّائِعِ فَصَارَ الْأَصْلُ أَنَّ الْمَوْهُوبَ إذَا كَانَ مُتَّصِلًا بِمَا لَيْسَ بِمَرْهُونٍ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ قَبْضُ الْمَرْهُونِ وَحْدَهُ وَلَوْ رَهَنَ النَّخِيلَ بِمَوَاضِعِهَا جَازَ؛ لِأَنَّ هَذِهِ مُجَاوَرَةٌ وَهِيَ لَا تَمْنَعُ الصِّحَّةَ وَلَوْ كَانَ فِيهَا ثَمَرٌ يَدْخُلُ فِي الرَّهْنِ؛ لِأَنَّهُ تَابِعٌ لِاتِّصَالِهِ بِهِ فَيَدْخُلُ تَبَعًا تَصْحِيحًا لِلْعَقْدِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَدْخُلْ الثَّمَرُ فِي رَهْنِ النَّخْلِ كَانَ فِي مَعْنَى رَهْنِ الْمُشَاعِ مِنْ أَنَّ دُخُولَ الثَّمَرِ فِي الرَّهْنِ لَا يَكُونُ عَلَى الرَّاهِنِ فِيهِ ضَرَرٌ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ لَا يَزُولُ عَنْهُ بِخِلَافِ الْبَيْعِ حَيْثُ لَا يَدْخُلُ الثَّمَرُ هُنَاكَ فِي بَيْعِ النَّخْلِ إلَّا بِالتَّسْمِيَةِ؛ لِأَنَّ تَصْحِيحَ عَقْدِ الْبَيْعِ فِي النَّخْلِ بِدُونِ الثِّمَارِ مُمْكِنٌ؛ لِأَنَّ الشُّيُوعَ الطَّارِئَ وَالْمُقَارِنَ غَيْرُ مَانِعٍ لِصِحَّةِ الْبَيْعِ قَالَ الْخُجَنْدِيُّ إذَا رَهَنَ أَرْضًا، وَفِيهَا زَرْعٌ، أَوْ نَخْلٌ، أَوْ شَجَرٌ وَعَلَى الْأَشْجَارِ ثَمَرٌ.
وَقَالَ رَهَنْتُك هَذِهِ الْأَرْضَ وَأَطْلَقَ وَلَمْ يَخُصَّ شَيْئًا وَسَلَّمَهَا إلَى الْمُرْتَهِنِ فَالرَّهْنُ صَحِيحٌ وَيَدْخُلُ فِي الرَّهْنِ الزَّرْعُ وَالنَّخْلُ وَالْكَرْمُ وَالرَّطْبَةُ وَالتَّمْرُ وَكُلُّ مَا كَانَ مُتَّصِلًا بِالْأَرْضِ لِأَنَّهُمَا قَصَدَا الصِّحَّةَ وَلَا صِحَّةَ لَهُ إلَّا بِدُخُولِ الْمُتَّصِلِ بِهَا بِخِلَافِ الْبَيْعِ فَإِنَّ الزَّرْعَ وَالثَّمَرَ لَا يَدْخُلُ فِيهِ إلَّا بِالشَّرْطِ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ يَصِحُّ بِدُونِهِ، ثُمَّ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَبِيعَ مِنْ الثِّمَارِ مَا يَخَافُ عَلَيْهِ الْفَسَادَ بِأَمْرِ الْحَاكِمِ فَإِنْ بَاعَهَا بِغَيْرِ أَمْرِهِ ضَمِنَ وَلَوْ رَهَنَ الْأَرْضَ دُونَ مَا فِيهَا مِنْ الزَّرْعِ، أَوْ النَّخْلِ، أَوْ الشَّجَرِ، أَوْ النَّخْلَ دُونَ مَا فِيهِ مِنْ الثَّمَرِ، أَوْ الثَّمَرَ دُونَ الشَّجَرِ، أَوْ الزَّرْعَ دُونَ الْأَرْضِ فَالرَّهْنُ بَاطِلٌ وَلَوْ رَهَنَ دَارًا فِيهَا مَتَاعٌ دُونَ الْمَتَاعِ وَسَلَّمَ الدَّارَ إلَى الْمُرْتَهِنِ مَعَ الْمَتَاعِ، أَوْ بِدُونِ الْمَتَاعِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ وَكَذَا إذَا رَهَنَهُ الْحَانُوتَ، وَفِيهِ الْمَتَاعُ دُونَ مَا فِيهِ مِنْ الْمَتَاعِ، أَوْ رَهَنَهُ الْجَوَالِقَ دُونَ مَا فِيهَا لَمْ يَصِحَّ الرَّهْنُ.
وَإِنْ وَهَبَهُ الْمَتَاعَ الَّذِي فِي الدَّارِ دُونَ الدَّارِ، أَوْ الْمَتَاعَ الَّذِي فِي الْجَوَالِقِ دُونَ الْجَوَالِقِ وَخَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُرْتَهِنِ صَحَّ الرَّهْنُ وَالتَّسْلِيمُ؛ لِأَنَّ الْمَتَاعَ لَا يَكُونُ مَشْغُولًا بِالدَّارِ، وَالْوِعَاءِ وَيُمْنَعُ تَسْلِيمُ الدَّابَّةِ الْمَرْهُونَةِ بِالْحِمْلِ عَلَيْهَا فَلَا يَتِمُّ التَّسْلِيمُ حَتَّى يُلْقِيَ الْحِمْلَ عَنْهَا؛ لِأَنَّهُ شَاغِلٌ لَهَا بِخِلَافِ مَا إذَا رَهَنَ الْحِمْلَ دُونَهَا حَيْثُ يَكُونُ رَهْنًا إذَا دَفَعَهَا إلَيْهِ؛ لِأَنَّ الدَّابَّةَ غَيْرُ مَشْغُولَةٍ بِهِ وَلَوْ رَهَنَ سَرْجًا عَلَى دَابَّةٍ، أَوْ لِجَامًا فِي رَأْسِهَا وَدَفَعَ الدَّابَّةَ مَعَ السَّرْجِ وَاللِّجَامِ لَا يَكُونُ رَهْنًا حَتَّى يَنْزِعَهُ مِنْهَا، ثُمَّ يُسَلِّمَهُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ تَوَابِعِ الدَّابَّةِ بِمَنْزِلَةِ الثَّمَرِ لِلنَّخْلِ حَتَّى قَالُوا يَدْخُلُ فِيهِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرٍ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: وَيَمْنَعُ التَّسْلِيمَ كَوْنُ الرَّاهِنِ، أَوْ مَتَاعِهِ فِي الدَّارِ الْمَرْهُونَةِ رَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ إذَا رَهَنَ دَارًا وَهُمَا فِي جَوْفِهَا وَقَالَ الرَّاهِنُ لِلْمُرْتَهِنِ سَلَّمْتهَا إلَيْك لَمْ يَتِمَّ الرَّهْنُ حَتَّى يَقُولَ بَعْدَمَا يَخْرُجُ مِنْ الدَّارِ سَلَّمْتهَا إلَيْكَ؛ لِأَنَّ الرَّاهِنَ إذَا كَانَ فِيهَا فَلَيْسَ بِمُسَلِّمٍ فَإِذَا خَرَجَ يُحْتَاجُ إلَى تَسْلِيمٍ جَدِيدٍ؛ لِأَنَّهُ شَاغِلٌ لَهَا كَذَا فِي النِّهَايَةِ.
قَوْلُهُ: (وَلَا يَصِحُّ الرَّهْنُ بِالْأَمَانَاتِ كَالْوَدَائِعِ وَالْعَوَارِيّ، وَالْمُضَارَبَاتِ وَمَالِ الشَّرِكَةِ) فَإِنْ رَهَنَ بِهَا فَالرَّهْنُ بَاطِلٌ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ ضَمَانٌ كَالرَّهْنِ بِالْمَيْتَةِ وَالدَّمِ فَإِنْ أَخَذَ بِهَا رَهْنًا فَهَلَكَ فِي يَدِهِ قَبْلَ الْحَبْسِ هَلَكَ أَمَانَةً وَإِنْ هَلَكَ بَعْدَ الْحَبْسِ ضُمِنَ ضَمَانَ الْغَصْبِ، وَحَاصِلُهُ أَنَّ الرَّهْنَ عِنْدَنَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ؛ رَهْنٍ صَحِيحٍ وَهُوَ الرَّهْنُ بِالدَّيْنِ وَالْأَعْيَانِ الْمَضْمُونَةِ بِأَنْفُسِهَا، وَرَهْنٍ فَاسِدٍ كَالرَّهْنِ بِالْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ، وَرَهْنٍ بَاطِلٍ كَالرَّهْنِ بِالْأَمَانَاتِ، وَالْأَعْيَانِ الْمَضْمُونَةِ بِغَيْرِهَا وَبِالدَّرَكِ فَالصَّحِيحُ، وَالْفَاسِدُ يَتَعَلَّقُ بِهِمَا الضَّمَانُ كَمَا يَتَعَلَّقُ بِالْبَيْعِ الصَّحِيحِ، وَالْفَاسِدِ، وَالْبَاطِلُ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ ضَمَانٌ كَالْبَيْعِ بِالْمَيْتَةِ وَالدَّمِ وَلَوْ اسْتَأْجَرَ مُغَنِّيَةً، أَوْ نَائِحَةً وَأَعْطَاهَا بِالْأَجْرِ رَهْنًا فَهُوَ بَاطِلٌ فَإِنْ ضَاعَ فِي يَدِهَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا فِيهِ ضَمَانٌ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ بَاطِلَةٌ، وَالْأَجْرَ غَيْرُ مَضْمُونٍ وَالرَّهْنُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي مُقَابَلَتِهِ شَيْءٌ مَضْمُونٌ كَانَ بَاطِلًا وَلَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَلَمْ يُسَمِّ لَهَا مَهْرًا فَأَعْطَاهَا رَهْنًا بِمَهْرِ مِثْلِهَا جَازَ فَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ يَبْقَى رَهْنًا بِالْمُتْعَةِ عِنْدَهُمَا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يَكُونُ رَهْنًا بِالْمُتْعَةِ.
قَوْلُهُ: (وَيَصِحُّ الرَّهْنُ بِرَأْسِ مَالِ السَّلَمِ وَثَمَنِ الصَّرْفِ، وَالْمُسْلَمِ فِيهِ) فَإِنْ رَهَنَ بِرَأْسِ مَالٍ السَّلَمِ وَهَلَكَ الرَّهْنُ فِي الْمَجْلِسِ صَارَ الْمُرْتَهِنُ مُسْتَوْفِيًا لِرَأْسِ مَالِهِ إذَا كَانَ بِهِ وَفَاءٌ وَالسَّلَمُ جَائِزٌ بِحَالِهِ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ فَالْفَاضِلُ أَمَانَةٌ، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ كَانَ مُسْتَوْفِيًا بِقَدْرِهِ وَيَرْجِعُ عَلَى رَبِّ السَّلَمِ بِالْبَاقِي، وَإِنْ لَمْ يَهْلِكْ حَتَّى افْتَرَقَا بَطَلَ السَّلَمُ وَعَلَيْهِ رَدُّ الرَّهْنِ فَإِنْ هَلَكَ فِي يَدِهِ قَبْلَ الرَّدِّ هَلَكَ بِرَأْسِ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُسْتَوْفِيًا لِرَأْسِ الْمَالِ بِهَلَاكِ الرَّهْنِ بَعْدَ بُطْلَانِ عَقْدِ السَّلَمِ وَلَا يَنْقَلِبُ السَّلَمُ جَائِزًا، وَإِنْ أَخَذَ بِالْمُسْلَمِ فِيهِ رَهْنًا، ثُمَّ هَلَكَ فِي الْمَجْلِسِ صَارَ مُسْتَوْفِيًا لِلْمُسْلَمِ فِيهِ وَيَكُونُ فِي الزِّيَادَةِ أَمِينًا، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَقَلَّ صَارَ مُسْتَوْفِيًا بِقَدْرِهَا وَرَجَعَ بِالْبَاقِي وَلَوْ تَفَاسَخَا السَّلَمَ وَبِالْمُسْلَمِ فِيهِ رَهْنٌ يَكُونُ ذَلِكَ رَهْنًا بِرَأْسِ الْمَالِ حَتَّى إنَّ لَهُ أَنْ يَحْبِسَهُ؛ لِأَنَّهُ بَدَلُهُ، وَإِنْ هَلَكَ الرَّهْنُ بَعْدَ التَّفَاسُخِ يَهْلِكُ بِالطَّعَامِ الْمُسْلَمِ فِيهِ وَلَا يَجُوزُ رَهْنُ الْمُكَاتَبِ، وَالْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ الِاسْتِيفَاءُ مِنْ هَؤُلَاءِ.
قَوْلُهُ: (وَإِذَا اتَّفَقَا عَلَى وَضْعِ الرَّهْنِ عَلَى يَدَيْ عَدْلٍ جَازَ) لِأَنَّ الْقَبْضَ مِنْ حُقُوقِ الْمُرْتَهِنِ فَمَلَكَ أَنْ يَسْتَوْفِيَهُ بِنَفْسِهِ، أَوْ بِغَيْرِهِ كَسَائِرِ حُقُوقِهِ، وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَ رِضَا الرَّاهِنِ؛ لِأَنَّ لَهُ فِيهِ حَقَّ الْمِلْكِ فَلَا يَقْبِضُ إلَّا بِرِضَاهُ.
قَوْلُهُ: (وَلَيْسَ لِلْمُرْتَهِنِ وَلَا لِلرَّاهِنِ أَخْذُهُ مِنْ يَدِهِ) لِتَعَلُّقِ حَقِّ الرَّاهِنِ فِي الْحِفْظِ بِيَدِهِ وَأَمَانَتِهِ، وَتَعَلُّقِ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ بِهِ اسْتِيفَاءً فَلَا يَمْلِكُ أَحَدُهُمَا إبْطَالَ حَقِّ الْآخَرِ وَلِهَذَا لَوْ سَلَّمَ الْعَدْلُ إلَى أَحَدِهِمَا ضَمِنَ؛ لِأَنَّهُ مُودَعُ الرَّاهِنِ فِي حَقِّ الْعَيْنِ وَمُودَعُ الْمُرْتَهِنِ فِي حَقِّ الْمَالِيَّةِ وَأَحَدُهُمَا أَجْنَبِيٌّ عَنْ الْآخَرِ، وَالْمُودَعُ يَضْمَنُ بِالدَّفْعِ إلَى الْأَجْنَبِيِّ.
قَوْلُهُ: (فَإِذَا هَلَكَ فِي يَدِهِ مِنْ ضَمَانِ الْمُرْتَهِنِ) لِأَنَّ يَدَ الْعَدْلِ يَدٌ لِلْمُرْتَهِنِ لِقِيَامِهِ مَقَامَهُ وَلَيْسَ لِلْعَدْلِ بَيْعُ الرَّهْنِ إلَّا أَنْ يَكُون مُسَلَّطًا عَلَى بَيْعِهِ وَالتَّسْلِيطُ عَلَى وَجْهَيْنِ تَسْلِيطٌ مَشْرُوطٌ فِي عَقْدِ الرَّهْنِ وَتَسْلِيطٌ بَعْدَهُ فَإِنْ كَانَ مَشْرُوطًا فِي عَقْدِهِ فَلَا يَمْلِكُ الرَّاهِنُ وَلَا الْمُرْتَهِنُ عَزْلَهُ وَلَا يَنْعَزِلُ أَيْضًا بِمَوْتِ الرَّاهِنِ وَلَا بِمَوْتِ الْمُرْتَهِنِ وَلِلْعَدْلِ أَنْ يَبِيعَهُ بِغَيْرِ مَحْضَرٍ مِنْ وَرَثَةِ الرَّاهِنِ كَمَا يَبِيعُهُ فِي حَالِ حَيَاتِهِ بِغَيْرِ مَحْضَرٍ مِنْهُ، وَإِنْ مَاتَ الْمُرْتَهِنُ فَالْعَدْلُ عَلَى وَكَالَتِهِ؛ لِأَنَّ عَقْدَ الرَّهْنِ لَا يَبْطُلُ بِمَوْتِهِمَا وَلَا يَمُوتُ أَحَدُهُمَا، وَإِذَا مَاتَ الْعَدْلُ انْتَقَضَتْ الْوَكَالَةُ وَلَا يَقُومُ وَارِثُهُ وَلَا وَصِيُّهُ مَقَامَهُ؛ لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ رَضِيَ بِرَأْيِهِ لَا بِرَأْيِ غَيْرِهِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ وَصِيَّهُ يَمْلِكُ بَيْعَهُ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَلَوْ امْتَنَعَ الْعَدْلُ مِنْ بَيْعِهِ أُجْبِرَ عَلَيْهِ فَإِذَا مَاتَ الْعَدْلُ بَطَلَ التَّسْلِيطُ وَلَيْسَ لِوَصِيِّهِ وَلَا لِوَارِثِهِ بَيْعُهُ، وَإِنْ كَانَ التَّسْلِيطُ بَعْدَ عَقْدِ الرَّهْنِ فَلِلرَّاهِنِ عَزْلُهُ وَيَنْعَزِلُ بِمَوْتِهِ وَلِلْعَدْلِ أَنْ يَمْتَنِعَ عَنْ الْبَيْعِ وَلَا يُجْبَرُ عَلَيْهِ كَمَا فِي سَائِرِ الْوَكَالَاتِ، وَإِنْ كَانَ مُسَلَّطًا عَلَى الْبَيْعِ، وَإِيفَاءِ الدَّيْنِ مِنْهُ يَجُوزُ بَيْعُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ بِمَا عَزَّ وَهَانَ وَبِأَيِّ ثَمَنٍ كَانَ كَالْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ الْمُطْلَقِ فَإِنْ بَاعَهُ بِجِنْسِ الدَّيْنِ فَإِنَّهُ يَقْضِي ثَمَنَهُ عَنْ الدَّيْنِ، وَإِنْ بَاعَهُ بِخِلَافِ جِنْسِهِ فَإِنَّهُ يَبِيعُهُ أَيْضًا بِجِنْسِ الدَّيْنِ وَيُوَفِّي الدَّيْنَ؛ لِأَنَّهُ مُسَلَّطٌ عَلَى ذَلِكَ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: يَبِيعُهُ بِالنَّقْدِ هـ، أَوْ أَقَلَّ بِقَدْرِ مَا يُتَغَابَنُ فِيهِ وَلَوْ قَبَضَ الْعَدْلُ الثَّمَنَ فَهَلَكَ فِي يَدِهِ كَانَ مِنْ ضَمَانِ الْمُرْتَهِنِ؛ لِأَنَّهُ بَدَلٌ عَنْ الرَّهْنِ فَكَانَ هَلَاكُهُ كَهَلَاكِ الرَّهْنِ، وَإِذَا أَقَرَّ الْعَدْلُ أَنَّهُ قَبَضَ الثَّمَنَ وَسَلَّمَهُ إلَى الْمُرْتَهِنِ وَأَنْكَرَ الْمُرْتَهِنُ ذَلِكَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْعَدْلِ وَبَطَلَ دَيْنُ الْمُرْتَهِنِ؛ لِأَنَّ الْعَدْلَ أَمِينٌ فِيمَا فِي يَدِهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي بَرَاءَةِ نَفْسِهِ وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي إيجَابِ الضَّمَانِ عَلَى غَيْرِهِ وَلَا يُصَدَّقُ فِي تَسْلِيمِ الدَّيْنِ إلَى الْمُرْتَهِنِ وَيَصِيرُ كَأَنَّ الرَّهْنَ فِي يَدِهِ فَيَسْقُطُ بِهِ الدَّيْنُ مِنْ طَرِيقِ الْحُكْمِ.
قَوْلُهُ: (وَيَجُوزُ رَهْنُ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ، وَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ)؛ لِأَنَّهُ يَتَحَقَّقُ الِاسْتِيفَاءُ مِنْهَا.
قَوْلُهُ: (فَإِنْ رُهِنَتْ بِجِنْسِهَا وَهَلَكَتْ هَلَكَتْ بِمِثْلِهَا) مِنْ الدَّيْنِ وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الْجَوْدَةِ وَالصِّنَاعَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا مُعْتَبَرَ بِالْجَوْدَةِ عِنْدَ الْمُقَابَلَةِ بِجِنْسِهَا وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّ عِنْدَهُ يَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا بِاعْتِبَارِ الْوَزْنِ دُونَ الْقِيمَةِ؛ لِأَنَّ اعْتِبَارَ الْقِيمَةِ يُؤَدِّي إلَى الرِّبَا وَعِنْدَهُمَا يَضْمَنُ الْقِيمَةَ مِنْ خِلَافِ الْجِنْسِ فَعَلَى هَذَا قَالُوا إذَا رَهَنَ قُلْبَ فِضَّةٍ فَعِنْدَ الْهَلَاكِ يُعْتَبَرُ الْوَزْنُ دُونَ الْجَوْدَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَعْنِي أَنَّهُ يُجْعَلُ مُسْتَوْفِيًا دَيْنَهُ بِقَدْرِ وَزْنِهِ لِأَنَّ عِنْدَهُ حَالَةُ الْهَلَاكِ حَالَةُ الِاسْتِيفَاءِ لَا حَالَةُ التَّضْمِينِ بِالْقِيمَةِ، وَالِاسْتِيفَاءُ إنَّمَا يَكُونُ بِالْوَزْنِ دُونَ الْجَوْدَةِ لِأَنَّ اعْتِبَارَ الْجَوْدَةِ يُؤَدِّي إلَى الرِّبَا.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: حَالَةُ الْهَلَاكِ أَيْضًا حَالَةُ الِاسْتِيفَاءِ كَمَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ ضَرَرٌ بِالرَّاهِنِ، أَوْ الْمُرْتَهِنِ أَمَّا إذَا كَانَ ضَرَرٌ لَا يُعْتَبَرُ الِاسْتِيفَاءُ هَذَا فِي حَالَةِ الْهَلَاكِ أَمَّا فِي حَالَةِ الِانْكِسَارِ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ هِيَ حَالَةُ التَّضْمِينِ بِالْقِيمَةِ مِنْ خِلَافِ الْجِنْسِ لَا حَالَةُ التَّضْمِينِ بِالدَّيْنِ حَتَّى لَا يَكُونَ لِلرَّاهِنِ أَنْ يَتْرُكَهُ بِدَيْنِهِ وَلَا يُمْكِنَ أَنْ يُجْعَلَ مُسْتَوْفِيًا شَيْئًا مِنْ دَيْنِهِ بِقَدْرِ مَا فَاتَ مِنْ الْجَوْدَةِ؛ لِأَنَّهُ رِبًا فَمَسَّتْ الضَّرُورَةُ إلَى ضَمَانِ الْقِيمَةِ مِنْ خِلَافِ الْجِنْسِ وَمُحَمَّدٌ يَعْتَبِرُ حَالَةَ الِانْكِسَارِ بِحَالَةِ الْهَلَاكِ فَإِنْ كَانَ مَضْمُونًا بِالْقِيمَةِ حَالَةَ الْهَلَاكِ فَكَذَا حَالَةُ الِانْكِسَارِ وَإِنْ كَانَ مَضْمُونًا بِالدَّيْنِ حَالَةَ الْهَلَاكِ فَكَذَا حَالَةُ الِانْكِسَارِ.
بَيَانُهُ رَهَنَ قُلْبَ فِضَّةٍ وَزْنُهُ عَشَرَةٌ بِعَشَرَةٍ وَقِيمَته عَشَرَةٌ فَهَلَكَ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ صَارَ مُسْتَوْفِيًا؛ لِأَنَّهُ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ وَمِثْلُ وَزْنِهِ وَلِأَنَّ الِاسْتِيفَاءَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ بِاعْتِبَارِ الْوَزْنِ وَوَزْنُهُ مِثْلُ دَيْنِهِ وَعِنْدَهُمَا الِاسْتِيفَاءُ بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ وَهِيَ مِثْلُ الدَّيْنِ، وَإِنْ انْكَسَرَ فَصَارَ تِبْرًا يُسَاوِي ثَمَانِيَةً فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ الرَّاهِنُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ افْتَكَّهُ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ قِيمَتَهُ ذَهَبًا فَيَكُونُ رَهْنًا مَقَامَهُ فَيَكُونُ الْمَكْسُورُ مِلْكًا لِلْمُرْتَهِنِ بِمَا ضَمِنَ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا يَضْمَنُ الْمُرْتَهِنُ شَيْئًا وَيَكُونُ الرَّاهِنُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ سَلَّمَهُ إلَى الْمُرْتَهِنِ بِدَيْنِهِ، وَإِنْ شَاءَ افْتَكَّهُ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ ضَمَانَ الرَّهْنِ لَا يَقْتَضِي التَّمْلِيكَ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ عَبْدًا فَمَاتَ كَانَ كَفَنُهُ عَلَى الرَّاهِنِ وَهُمَا يَقُولَانِ: الْقُلْبُ صَارَ مَضْمُونًا عَلَيْهِ فَإِذَا انْكَسَرَ ضَمِنَ مِنْ قِيمَتِهِ كَالْقَلْبِ الْمَغْصُوبِ إذَا انْكَسَرَ فِي يَدِ الْغَاصِبِ وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ ثَمَانِيَةً وَوَزْنُهُ عَشَرَةً وَهُوَ رَهْنٌ بِعَشَرَةٍ فَهَلَكَ ذَهَبَ بِالدَّيْنِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ عِنْدَهُ الِاسْتِيفَاءُ بِالْوَزْنِ، وَفِيهِ وَفَاءٌ وَعِنْدَهُمَا يَغْرَمُ قِيمَتَهُ ذَهَبًا وَيَرْجِعُ بِدَيْنِهِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِيفَاءَ بِالْوَزْنِ فِيهِ ضَرَرٌ بِالْمُرْتَهِنِ وَلَا يُمْكِنُ أَيْضًا اعْتِبَارُ الِاسْتِيفَاءِ بِالْقِيمَةِ لِمَا فِيهِ مِنْ الرِّبَا فَصِرْنَا إلَى التَّضْمِينِ بِخِلَافِ الْجِنْسِ.
وَإِنْ انْكَسَرَ ضَمِنَ قِيمَتَهُ ذَهَبًا إجْمَاعًا؛ لِأَنَّ جَمِيعَهُ مَضْمُونٌ، وَالِانْكِسَارُ يَنْقُصُهُ وَلَا يُسْتَدْرَكُ حَقُّ الرَّاهِنِ إلَّا بِالتَّضْمِينِ بِالْقِيمَةِ وَلَا يُمْكِنُ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ هُنَا أَنْ نَجْعَلَهُ بِالدَّيْنِ لِأَنَّا إنْ جَعَلْنَاهُ بِوَزْنِهِ تَضَرَّرَ الْمُرْتَهِنُ وَلَا يُمْكِنُ أَنْ نَجْعَلَهُ بِقِيمَتِهِ لِمَا فِيهِ الرِّبَا بِخِلَافِ الْأَوْلَى، وَإِنْ كَانَ وَزْنُهُ ثَمَانِيَةً وَقِيمَتُهُ سِتَّةً وَهُوَ رُهِنَ بِعَشَرَةٍ فَإِنْ هَلَكَ فَبِثَمَانِيَةٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ اعْتِبَارًا لِلْوَزْنِ وَعِنْدَهُمَا يَغْرَمُ قِيمَتَهُ ذَهَبًا وَيَرْجِعُ بِدَيْنِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ الضَّرَرِ لِلْمُرْتَهِنِ وَإِنْ انْكَسَرَ ضَمِنَ قِيمَتَهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّ الْكَسْرَ يَنْقُصُهُ وَكَذَا عِنْدَ مُحَمَّدٍ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْبِرَهُ فِي التَّمْلِيكِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَمْلِكَ الْمُرْتَهِنُ بِدَيْنِهِ أَدْوَنَ مِنْهُ إلَّا بِرِضَاهُ وَإِنْ كَانَ قِيمَتُهُ ثَمَانِيَةً وَوَزْنُهُ كَذَلِكَ فَهَلَكَ هَلَكَ بِوَزْنِهِ إجْمَاعًا، وَإِنْ انْكَسَرَ ضَمِنَ قِيمَتَهُ عِنْدَهُمَا.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَهُ أَنْ يَمْلِكَهُ الْمُرْتَهِنُ بِثَمَانِيَةٍ مِنْ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ مِثْلُهَا وَزْنًا وَجَوْدَةً، وَإِنْ كَانَ قِيمَتُهُ تِسْعَةً أَكْثَرَ مِنْ وَزْنِهِ فَهَلَكَ هَلَكَ بِثَمَانِيَةٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ اعْتِبَارًا لِلْوَزْنِ وَلَا عِبْرَةَ لِلْجَوْدَةِ وَعِنْدَهُمَا يَضْمَنُ قِيمَتَهُ لِحَقِّ الرَّاهِنِ حَتَّى لَا يَسْتَوْفِيَ الْمُرْتَهِنُ أَجْوَدَ مِنْ حَقِّهِ، وَإِنْ انْكَسَرَ ضَمِنَ قِيمَتَهُ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّ جَمِيعَهُ مَضْمُونٌ إلَّا أَنْ يَرْضَى الرَّاهِنُ أَنْ يُمَلِّكَهُ إيَّاهُ بِثَمَانِيَةٍ فَيَجُوزَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ اثْنَيْ عَشَرَ وَوَزْنُهُ عَشَرَةً وَهُوَ رُهِنَ بِعَشَرَةٍ فَإِنْ هَلَكَ ذَهَبَ بِالدَّيْنِ كُلِّهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالْجَوْدَةُ الزَّائِدَةُ أَمَانَةٌ لَا قِيمَةَ لَهَا عِنْدَهُ.
وَكَذَا عِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا اعْتِبَارَ بِهَا هُنَا؛ لِأَنَّهَا فَاضِلَةٌ عَنْ الدَّيْنِ فَهِيَ أَمَانَةٌ، وَأَمَّا أَبُو يُوسُفَ فَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّ الْجَوْدَةَ مَضْمُونَةٌ كَالْوَزْنِ وَقِيلَ عَلَى قَوْلِهِ يَهْلِكُ خَمْسَةُ أَسْدَاسِهِ بِالدَّيْنِ وَسُدُسُهُ عَلَى الْأَمَانَةِ كَذَا فِي الْكَرْخِيِّ، وَإِنْ انْكَسَرَ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ فَانْتَقَصَ فَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ الرَّاهِنُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ افْتَكَّهُ نَاقِصًا وَلَا شَيْءَ لَهُ غَيْرُهُ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ قِيمَتَهُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ وَيَكُونُ رَهْنًا مَكَانَهُ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إنْ شَاءَ افْتَكَّهُ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ قِيمَةَ خَمْسَةِ أَسْدَاسِهِ مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ فَيَكُونُ خَمْسَةُ أَسْدَاسِ الْمُنْكَسِرِ مِلْكًا لِلْمُرْتَهِنِ بِالضَّمَانِ وَيَكُونُ مَا ضَمِنَ مَعَ سُدُسِ الْمُنْكَسِرِ رَهْنًا بِجَمِيعِ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَشِيعُ الْأَمَانَةُ وَالضَّمَانُ، وَالْمَضْمُونُ مِنْ وَزْنِ الْقُلْبِ قَدْرُ مَا يَبْلُغُ قِيمَةَ جَمِيعِ الدَّيْنِ، وَخَمْسَةُ أَسْدَاسِ الْقُلْبِ يَبْلُغُ قِيمَةَ عَشَرَةٍ؛ لِأَنَّ الْوَزْنَ إذَا كَانَ عَشَرَةً، وَالْقِيمَةُ اثْنَيْ عَشَرَ كَانَتْ الْعَشَرَةُ الَّتِي هِيَ الدَّيْنُ خَمْسَةَ أَسْدَاسِ اثْنَيْ عَشَرَ؛ لِأَنَّ قِيمَةَ كُلِّ سُدُسٍ اثْنَانِ فَيَكُونُ خَمْسَةُ أَسْدَاسِ الْقُلْبِ عَشَرَةً مِنْ حَيْثُ الْقِيمَةُ، وَطَرِيقُ مَعْرِفَةِ ذَلِكَ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ الْوَزْنِ وَهُوَ عَشَرَةٌ سُدُسُهُ وَذَلِكَ دِرْهَمٌ وَثُلُثَا دِرْهَمٍ يَبْقَى ثَمَانِيَةٌ وَثُلُثٌ وَذَلِكَ خَمْسَةُ أَسْدَاسِ عَشَرَةٍ يَكُونُ مِلْكًا لِلْمُرْتَهِنِ بِالضَّمَانِ وَيُمَيَّزُ السُّدُسُ وَيَكُونُ رَهْنًا مَعَ الضَّمَانِ مَقَامَ الْأَوَّلِ وَإِنَّمَا مُيِّزَ كَيْ لَا يَتَمَكَّنَ الشُّيُوعُ وَهَذَا عَلَى الرِّوَايَةِ الَّتِي سُوِّيَ فِيهَا بَيْنَ الْإِشَاعَةِ الطَّارِئِيَّةِ، وَالْأَصْلِيَّةِ، وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّ الطَّارِئِيَّةَ لَا تُبْطِلُ وَلَا يُحْتَاجُ إلَى تَمْيِيزٍ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ الْأَمَانَةُ مِنْ الْجَوْدَةِ وَالنُّقْصَانُ مِنْهَا فَإِنْ كَانَ النُّقْصَانُ دِرْهَمَيْنِ، أَوْ أَقَلَّ أُجْبِرَ الرَّاهِنُ عَلَى الْفِكَاكِ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ النُّقْصَانَ عِنْدَهُ يُصْرَفُ إلَى الْجَوْدَةِ، وَالْأَمَانَةِ، وَإِنْ زَادَ النُّقْصَانُ عَلَى الدِّرْهَمَيْنِ فَالرَّاهِنُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ افْتَكَّهُ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ، وَإِنْ شَاءَ جَعَلَهُ بِالدَّيْنِ اعْتِبَارًا لِحَالَةِ الِانْكِسَارِ بِحَالَةِ الْهَلَاكِ عِنْدَهُ.
قَوْلُهُ: (وَمَنْ كَانَ لَهُ دَيْنٌ عَلَى غَيْرِهِ فَأَخَذَ مِنْهُ مِثْلَ دَيْنِهِ فَأَنْفَقَهُ، ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهُ كَانَ زُيُوفًا فَلَا شَيْءَ لَهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) يَعْنِي عَلِمَ بَعْدُ أَمَّا لَوْ عَلِمَ حَالَةَ الْقَبْضِ وَلَمْ يَرُدَّ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ الرَّدُّ بِالْإِجْمَاعِ، ثُمَّ إذَا عَلِمَ قَبْلَ أَنْ يُنْفِقَهَا فَطَالَبَهُ بِالْجِيَادِ وَأَخَذَهَا فَإِنَّ الْجِيَادَ أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ مَا لَمْ يَرُدَّ الزُّيُوفَ وَيُجَدِّدْ الْقَبْضَ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَقَوْلُهُ: فَلَا شَيْءَ لَهُ يَعْنِي إذَا كَانَ مَا قَبَضَهُ مِثْلَ وَزْنِهِ وَمُنَاسَبَةُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِمَا قَبْلَهَا ظَاهِرٌ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُ إذَا أَنْفَقَ الزُّيُوفَ مَكَانَ الْجِيَادِ فَكَأَنَّهُ اسْتَوْفَى الْجِيَادَ مِنْ الزُّيُوفِ فَيَكُونُ كَالرَّهْنِ.
قَوْلُهُ: (وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: يَرُدُّ مِثْلَ الزُّيُوفِ وَيَرْجِعُ بِالْجِيَادِ)، وَالْمَشْهُورُ أَنَّ مُحَمَّدًا مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَنْ كَانَ لَهُ عَلَى رَجُلٍ دِرْهَمٌ فَأَعْطَاهُ دِرْهَمَيْنِ صَغِيرَيْنِ وَزْنُهُمَا دِرْهَمٌ جَازَ وَيُجْبَرُ عَلَى قَبْضِ ذَلِكَ وَلَوْ كَانَ لَهُ دِينَارٌ فَأَعْطَاهُ دِينَارَيْنِ صَغِيرَيْنِ وَزْنُهُمَا دِينَارٌ فَأَبَى لَمْ يُجْبَرْ عَلَى ذَلِكَ.
قَوْلُهُ: (وَمَنْ رَهْن عَبْدَيْنِ بِأَلْفٍ فَقَضَى حِصَّةَ أَحَدِهِمَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَقْبِضَهُ حَتَّى يُؤَدِّيَ بَاقِيَ الدَّيْنِ) لِأَنَّ الرَّهْنَ مَحْبُوسٌ بِكُلِّ الدَّيْنِ فَيَكُونُ مَحْبُوسًا بِكُلِّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَائِهِ مُبَالَغَةً فِي حَمْلِهِ عَلَى قَضَاءِ الدَّيْنِ فَإِنْ سَمَّى لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا شَيْئًا مِنْ الْمَالِ، مِثْلُ أَنْ يَقُولَ: رَهَنْتُهُمَا بِأَلْفٍ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِخَمْسِمِائَةٍ فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ فِي رِوَايَةِ الْأَصْلِ وَهُوَ الْمَبْسُوطُ.
وَفِي الزِّيَادَاتِ لَهُ أَنْ يَقْبِضَهُ إذَا أَدَّى خَمْسَمِائَةٍ، وَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّ الْعَقْدَ مُتَّحِدٌ لَا يَتَفَرَّقُ بِتَفْرِيقِ التَّسْمِيَةِ وَوَجْهُ الثَّانِي أَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى الِاتِّحَادِ؛ لِأَنَّ أَحَدَ الْعَقْدَيْنِ لَا يَصِيرُ مَشْرُوطًا فِي الْآخَرِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَبِلَ الرَّهْنَ فِي أَحَدِهِمَا جَازَ.
قَوْلُهُ: (فَإِذَا وَكَّلَ الرَّاهِنُ الْمُرْتَهِنَ، أَوْ الْعَدْلَ، أَوْ غَيْرَهُمَا بِبَيْعِ الرَّهْنِ عِنْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ فَالْوَكَالَةُ جَائِزَةٌ) لِأَنَّهُ تَوْكِيلُ بَيْعِ مَالِهِ.
قَوْلُهُ: (فَإِنْ شَرَطَ الْوَكَالَةَ فِي عَقْدِ الرَّهْنِ فَلَيْسَ لِلرَّاهِنِ عَزْلُهُ عَنْهَا فَإِنْ عَزَلَهُ لَمْ يَنْعَزِلْ) لِأَنَّهُ لَمَّا شُرِطَتْ فِي ضِمْنِ الْعَقْدِ صَارَ وَصْفًا مِنْ أَوْصَافِهِ وَحَقًّا مِنْ حُقُوقِهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ بِزِيَادَةِ الْوَثِيقَةِ فَيَلْزَمُ بِلُزُومِ أَصْلِهِ وَلِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْمُرْتَهِنِ، وَفِي عَزْلِهِ إسْقَاطُ حَقِّهِ وَصَارَ كَالْوَكِيلِ بِالْخُصُومَةِ يَطْلُبُ الْمُدَّعَى وَلَوْ وَكَّلَهُ بِالْبَيْعِ مُطْلَقًا حَتَّى مَلَكَ الْبَيْعَ بِالنَّقْدِ وَالنَّسِيئَةِ، ثُمَّ نَهَاهُ عَنْ الْبَيْعِ نَسِيئَةً لَمْ يُعْمَلْ نَهْيُهُ؛ لِأَنَّهُ لَازِمٌ بِأَصْلِهِ فَكَذَا بِوَصْفِهِ بِمَا ذَكَرْنَا وَكَذَا إذَا عَزَلَهُ الْمُرْتَهِنُ لَا يَنْعَزِلُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوَكِّلْهُ، وَإِنَّمَا وَكَّلَهُ غَيْرُهُ.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ مَاتَ الرَّاهِنُ لَمْ يَنْعَزِلْ) لِأَنَّ الرَّهْنَ لَمْ يَبْطُلْ بِمَوْتِهِ؛ لِأَنَّهُ بَطَلَ بِمَا يَبْطُلُ بِحَقِّ الْوَرَثَةِ وَحَقُّ الْمُرْتَهِنِ مُقَدَّمٌ.
قَوْلُهُ: (وَلِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يُطَالِبَ الرَّاهِنَ بِدَيْنِهِ وَيَحْبِسَهُ بِهِ) لِأَنَّ حَقَّهُ بَاقٍ بَعْدَ الرَّهْنِ، وَالْحَبْسُ جَزَاءُ الظُّلْمِ فَإِذَا ظَهَرَ مَطْلُهُ عِنْدَ الْقَاضِي يَحْبِسُهُ، وَإِذَا طَلَبَ الْمُرْتَهِنُ دَيْنَهُ يُؤْمَرُ بِإِحْضَارِ الرَّهْنِ فَإِذَا أَحْضَرَهُ أُمِرَ الرَّاهِنُ بِتَسْلِيمِ الدَّيْنِ أَوَّلًا لِيَتَعَيَّنَ حَقُّهُ كَمَا تَعَيَّنَ حَقُّ الرَّاهِنِ تَحْقِيقًا لِلتَّسْوِيَةِ، وَإِنْ طَالَبَهُ بِالدَّيْنِ فِي غَيْرِ الْبَلَدِ الَّذِي وَقَعَ الْعَقْدُ فِيهِ إنْ كَانَ الرَّهْنُ مِمَّا لَا حَمْلَ لَهُ وَلَا مُؤْنَةَ أُمِرَ بِإِحْضَارِهِ أَيْضًا، وَإِنْ كَانَ لَهُ حَمْلٌ وَمُؤْنَةٌ يَسْتَوْفِي دَيْنَهُ وَلَا يُكَلَّفُ إحْضَارَ الرَّهْنِ؛ لِأَنَّ هَذَا نَقْلٌ، وَالْوَاجِبَ عَلَيْهِ التَّسْلِيمُ بِمَعْنَى التَّخْلِيَةِ لَا النَّقْلُ مِنْ مَكَان إلَى مَكَان؛ لِأَنَّهُ يَتَضَرَّرُ بِهِ زِيَادَةَ ضَرَرٍ.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ كَانَ الرَّهْنُ فِي يَدِهِ فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُمَكِّنَهُ مِنْ بَيْعِهِ حَتَّى يَقْضِيَهُ الدَّيْنَ مِنْ ثَمَنِهِ) لِأَنَّ حُكْمَ الرَّهْنِ الْحَبْسُ الدَّائِمُ إلَى أَنْ يَقْضِيَ الدَّيْنَ، وَإِنْ قَضَاهُ الْبَعْضَ فَلَهُ أَنْ يَحْبِسَ كُلَّ الرَّهْنِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الْبَقِيَّةَ اعْتِبَارًا بِحَبْسِ الْمَبِيعِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الثَّمَنَ.
قَوْلُهُ: (فَإِذَا قَضَاهُ الدَّيْنَ قِيلَ لَهُ سَلِّمْ الرَّهْنَ إلَيْهِ) لِأَنَّهُ زَالَ الْمَانِعُ مِنْ التَّسْلِيمِ لِوُصُولِ الْحَقِّ إلَى مُسْتَحِقِّهِ، ثُمَّ إذَا اسْتَوْفَى الْمُرْتَهِنُ دَيْنَهُ بِإِيفَاءِ الرَّاهِنِ أَوْ بِإِيفَاءِ مُتَطَوِّعٍ، ثُمَّ هَلَكَ الرَّهْنُ فِي يَدِهِ قَبْلَ أَنْ يَرُدَّهُ إلَى الرَّاهِنِ يَهْلِكُ بِالدَّيْنِ وَيَجِبُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ رَدُّ مَا اسْتَوْفَى مِنْ الدَّيْنِ إلَى مَنْ اسْتَوْفَى مِنْهُ وَهُوَ الرَّاهِنُ، أَوْ الْمُتَطَوِّعُ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُسْتَوْفِيًا عِنْدَ الْهَلَاكِ بِالْقَبْضِ السَّابِقِ فَكَانَ الثَّانِي اسْتِيفَاءً بَعْدَ الِاسْتِيفَاءِ فَيَجِبُ رَدُّهُ وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا أَبْرَأَ الْمُرْتَهِنُ الرَّاهِنَ مِنْ الدَّيْنِ وَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ الرَّهْنَ حَتَّى هَلَكَ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَمْنَعَهُ إيَّاهُ فَإِنَّهُ يَهْلِكُ أَمَانَةً اسْتِحْسَانًا وَقَالَ زُفَرُ: يَهْلِكُ مَضْمُونًا وَلَيْسَ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَنْتَفِعَ بِالرَّهْنِ لَا بِاسْتِخْدَامٍ وَلَا سُكْنَى وَلَا لُبْسٍ إلَّا بِإِذْنِ الْمَالِكِ وَكَذَا إذَا كَانَ مُصْحَفًا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْرَأَ فِيهِ إلَّا بِإِذْنِ الرَّاهِنِ؛ لِأَنَّ لَهُ حَقَّ الْحَبْسِ دُونَ الِانْتِفَاعِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُؤَجِّرَ وَيُعِيرَ فَإِنْ فَعَلَ كَانَ مُتَعَدِّيًا وَلَا يَبْطُلُ عَقْدُ الرَّهْنِ بِالتَّعَدِّي.
قَوْلُهُ: (وَإِذَا بَاعَ الرَّاهِنُ الرَّهْنَ بِغَيْرِ إذْنِ الْمُرْتَهِنِ فَالْبَيْعُ مَوْقُوفٌ) لِأَنَّ الرَّاهِنَ عَاجِزٌ عَنْ التَّسْلِيمِ فَإِنَّ حَقَّ الْمُرْتَهِنِ فِي الْحَبْسِ لَازِمٌ، وَإِنَّمَا كَانَ مَوْقُوفًا لِحَقِّ الْمُرْتَهِنِ فَيُتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَتِهِ، وَإِنْ كَانَ الرَّاهِنُ يَتَصَرَّفُ فِي مِلْكِهِ كَمَنْ أَوْصَى بِجَمِيعِ مَالِهِ يَقِفُ عَلَى إجَازَةِ الْوَرَثَةِ فِيمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ لِتَعَلُّقِ حَقِّهِمْ بِهِ.
قَوْلُهُ: (فَإِنْ أَجَازَهُ الْمُرْتَهِنُ جَازَ) لِأَنَّ التَّوَقُّفَ لِحَقِّهِ وَقَدْ رَضِيَ بِسُقُوطِهِ.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ قَضَاهُ الرَّاهِنُ دَيْنَهُ جَازَ أَيْضًا) لِأَنَّهُ زَالَ الْمَانِعُ مِنْ النُّفُوذِ وَتَصَرُّفُهُ صَدَرَ مِنْ الْأَهْلِ فِي الْمَحَلِّ، وَإِذَا نَفَذَ الْبَيْعُ بِإِجَازَةِ الْمُرْتَهِنِ يَنْتَقِلُ حَقُّهُ إلَى بَدَلِهِ وَهُوَ الثَّمَنُ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ تَعَلَّقَ بِالْمَالِيَّةِ، وَالْبَدَلُ لَهُ حُكْمُ الْمُبْدَلِ فَصَارَ كَالْعَبْدِ الْمَدْيُونِ إذَا بِيعَ بِرِضَا الْغُرَمَاءِ يَنْتَقِلُ حَقُّهُمْ إلَى الْبَدَلِ؛ لِأَنَّهُمْ رَضُوا بِالِانْتِقَالِ دُونَ السُّقُوطِ رَأْسًا فَكَذَا هَذَا.
وَإِنْ لَمْ يُجِزْ الْمُرْتَهِنُ الْبَيْعَ وَفَسَخَهُ انْفَسَخَ فِي رِوَايَةٍ حَتَّى لَوْ افْتَكَّهُ الرَّاهِنُ لَا سَبِيلَ لِلْمُشْتَرِي عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ الثَّابِتَ لِلْمُرْتَهِنِ بِمَنْزِلَةِ الْمِلْكِ فَصَارَ كَالْمَالِكِ لَهُ أَنْ يُجِيزَ وَلَهُ أَنْ يَفْسَخَ، وَفِي رِوَايَةٍ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَفْسَخَ وَهِيَ الصَّحِيحَةُ فَإِنْ فَسَخَهُ لَا يَنْفَسِخُ فَإِنْ شَاءَ الْمُشْتَرِي صَبَرَ حَتَّى يَفْتَكَّ الرَّاهِنُ الرَّهْنَ؛ إذْ الْعَجْزُ عَلَى شَرَفِ الزَّوَالِ فَإِذَا افْتَكَّهُ الرَّاهِنُ كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ وَإِنْ شَاءَ رَفَعَ الْأَمْرَ إلَى الْقَاضِي وَلِلْقَاضِي أَنْ يَفْسَخَ لِفَوَاتِ الْقُدْرَةِ عَلَى التَّسْلِيمِ، وَوِلَايَةُ الْفَسْخِ إلَى الْقَاضِي لَا إلَى الْمُرْتَهِنِ وَلَوْ بَاعَهُ الرَّاهِنُ مِنْ رَجُلٍ، ثُمَّ بَاعَهُ بَيْعًا ثَانِيًا مِنْ غَيْرِهِ قَبْلَ أَنْ يُجِيزَ الْمُرْتَهِنُ فَالثَّانِي مَوْقُوفٌ أَيْضًا عَلَى إجَازَتِهِ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ لَمْ يَنْفُذْ، وَالْمَوْقُوفُ لَا يَمْنَعُ تَوَقُّفَ الثَّانِي فَإِنْ أَجَازَ الْمُرْتَهِنُ الْبَيْعَ الثَّانِيَ جَازَ الثَّانِي وَإِنْ بَاعَ الرَّاهِنُ، ثُمَّ آجَرَ، أَوْ رَهَنَ، أَوْ وَهَبَهُ مِنْ غَيْرِهِ وَأَجَازَ الْمُرْتَهِنُ هَذِهِ الْعُقُودَ جَازَ الْبَيْعُ الْأَوَّلُ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمُرْتَهِنَ لَهُ حَظٌّ فِي الْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ يَتَعَلَّقُ حَقُّهُ بِبَدَلِهِ فَتَصِحُّ إجَازَتُهُ لِتَعَلُّقِ فَائِدَتِهِ أَمَّا هَذِهِ الْعُقُودُ فَالْهِبَةُ لَا بَدَلَ لَهَا وَكَذَا الرَّهْنُ أَيْضًا لَا بَدَلَ لَهُ وَاَلَّذِي فِي الْإِجَازَةِ بَدَلُ الْمَنْفَعَةِ لَا بَدَلُ الْعَيْنِ وَحَقُّهُ فِي مَالِيَّةِ الْعَيْنِ لَا فِي عَيْنِ الْمَنْفَعَةِ فَكَانَتْ إجَازَتُهُ إسْقَاطًا لِحَقِّهِ فَزَالَ الْمَانِعُ فَنَفَذَ الْبَيْعُ الْأَوَّلُ وَلَوْ بَاعَ الرَّاهِنُ الرَّهْنَ مِنْ الْمُرْتَهِنِ.
ثُمَّ تَفَاسَخَا الْبَيْعَ لَا يَعُودُ الرَّهْنُ إلَّا بِعَقْدٍ جَدِيدٍ بِخِلَافِ مَا لَوْ رَهَنَ عَصِيرًا فَتَخَمَّرَ، ثُمَّ تَخَلَّلَ عَادَ الرَّهْنُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرْضَ بِزَوَالِ حَقِّهِ فَلَمْ يَزُلْ حُكْمُ الرَّهْنِ وَهُنَا رَضِيَ الْمُرْتَهِنُ بِزَوَالِ الْمِلْكِ وَالرَّهْنِ وَقَدْ تَحَقَّقَ زَوَالُ مِلْكِ الرَّاهِنِ كَمَا لَوْ أَذِنَ لَهُ فِي بَيْعِهِ مِنْ غَيْرِهِ فَبَاعَهُ زَالَ حَقُّهُ مِنْ الرَّهْنِ فَإِذَا فَسَخَ لَا يَعُودُ، وَإِنْ بَاعَ مِنْهُ، أَوْ مِنْ أَجْنَبِيٍّ بِشَرْطِ الْخِيَارِ، ثُمَّ فَسَخَ بِحُكْمِ الْخِيَارِ فَالرَّهْنُ بِحَالِهِ.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ أَعْتَقَ الرَّاهِنُ عَبْدَ الرَّهْنِ نَفَذَ عِتْقُهُ) وَخَرَجَ مِنْ الرَّهْنِ بِالْعِتْقِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ حُرًّا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا يُعْتَقُ وَهُوَ رَهْنٌ عَلَى حَالِهِ إذَا كَانَ الْمُعْتِقُ مُعْسِرًا؛ لِأَنَّ فِي تَنْفِيذِهِ إبْطَالَ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ مُوسِرًا فَإِنَّهُ يَنْفُذُ عِنْدَهُ أَيْضًا وَيُسَلِّمُ قِيمَتَهُ رَهْنًا مَكَانَهُ وَلَنَا أَنَّهُ أَعْتَقَ مِلْكَ نَفْسِهِ فَلَا يَلْغُو تَصَرُّفُهُ كَمَا إذَا أَعْتَقَ الْعَبْدَ الْمُشْتَرَى قَبْلَ الْقَبْضِ وَلِأَنَّ الرَّهْنَ عَقْدٌ لَا يُزِيلُ الْمِلْكَ عَنْ الرَّقَبَةِ فَلَا يَمْنَعُ نَفَاذَ الْعِتْقِ كَالنِّكَاحِ، وَالْكِتَابَةِ، وَالْإِجَارَةِ يَعْنِي إذَا زَوَّجَ عَبْدَهُ، أَوْ أَمَتَهُ، أَوْ كَاتَبَهُمَا، أَوْ آجَرَهُمَا لَمْ يَمْنَعْ ذَلِكَ مِنْ عِتْقِهِمَا؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ الْمُسْتَأْجَرَ إذَا أَعْتَقَهُ مَوْلَاهُ يُعْتَقُ وَتَبْقَى الْإِجَارَةُ عَلَى حَالِهَا؛ لِأَنَّ الْحُرَّ يَقْبَلُهَا أَمَّا الرَّهْنُ فَلَا يَقْبَلُهُ الْحُرُّ فَلَا يَبْقَى، ثُمَّ إذَا زَالَ مِلْكُ الرَّاهِنِ عَنْ الرَّقَبَةِ بِإِعْتَاقِهِ يَزُولُ مِلْكُ الْمُرْتَهِنِ فِي الْيَدِ بِنَاءً عَلَيْهِ كَإِعْتَاقِ الْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّ مِلْكَ الرَّقَبَةِ أَقْوَى مِنْ مِلْكِ الْيَدِ فَلَمَّا لَمْ يُمْنَعْ الْأَعْلَى لَا يُمْنَعُ الْأَدْنَى بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وَامْتِنَاعُ النَّفَاذِ فِي الْبَيْعِ، وَالْهِبَةِ لِانْعِدَامِ الْقُدْرَةِ عَلَى التَّسْلِيمِ.
قَوْلُهُ: (فَإِذَا كَانَ الرَّاهِنُ مُوسِرًا وَالدَّيْنُ حَالًّا طُولِبَ بِأَدَاءِ الدَّيْنِ) لِأَنَّ عَلَيْهِ إقَامَةَ غَيْرِ الرَّهْنِ مَقَامَهُ وَلَا مَعْنَى لِإِلْزَامِهِ ذَلِكَ مَعَ حُلُولِ الدَّيْنِ فَطُولِبَ بِالدَّيْنِ وَلَا سِعَايَةَ عَلَى الْعَبْدِ إذَا كَانَ الرَّاهِنُ مُوسِرًا.
قَوْلُهُ: (وَإِذَا كَانَ الدَّيْنُ مُؤَجَّلًا أُخِذَ مِنْهُ قِيمَةُ الْعَبْدِ فَجُعِلَتْ رَهْنًا مَكَانَهُ حَتَّى يَحِلَّ الدَّيْنُ) لِأَنَّهُ أَبْطَلَ حَقَّهُ مِنْ الْوَثِيقَةِ فَصَارَ كَمَا لَوْ أَتْلَفَهُ فَإِذَا حَلَّ الدَّيْنُ اقْتَضَاهُ بِحَقِّهِ إذَا كَانَ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ وَرَدَّ الْفَضْلَ (.
قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا سَعَى الْعَبْدُ فِي) الْأَقَلِّ مِنْ (قِيمَتِهِ) وَمِنْ الدَّيْنِ (فَقَضَى بِهِ الدَّيْنَ) هَذَا إذَا أَعْتَقَهُ بِغَيْرِ إذْنِ الْمُرْتَهِنِ أَمَّا إذَا أَعْتَقَهُ بِإِذْنِهِ فَلَا سِعَايَةَ عَلَى الْعَبْدِ كَذَا فِي الْيَنَابِيعِ، وَإِنَّمَا لَزِمَتْهُ السِّعَايَةُ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ مُتَعَلِّقٌ بِرَقَبَتِهِ وَقَدْ سُلِّمَتْ لَهُ فَإِذَا تَعَذَّرَ اسْتِيفَاءُ الضَّمَانِ مِنْ الرَّهْنِ لَزِمَ الْعَبْدَ مَا سُلِّمَ لَهُ، وَإِنَّمَا يَسْعَى فِي الْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ إذَا كَانَ أَقَلَّ لَمْ يَلْزَمْ الْمَوْلَى أَنْ يُسَلِّمَ أَكْثَرَ مِنْهُ فَكَذَا الْعَبْدُ، وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ أَكْثَرَ مِنْ الْقِيمَةِ فَلَمْ يُسَلِّمْ لَهُ أَكْثَرَ مِنْ رَقَبَتِهِ فَكَانَ عَلَيْهِ قِيمَةُ مَا سَلَّمَ لَهُ وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ يَسْعَى فِي الْأَقَلِّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ سَوَاءٌ كَانَ الدَّيْنُ حَالًّا أَوْ مُؤَجَّلًا فَيُنْظَرُ إلَى قِيمَتِهِ يَوْمَ الرَّهْنِ، وَإِلَى قِيمَتِهِ وَقْتَ الْعِتْقِ وَإِلَى الدَّيْنِ فَيَسْعَى فِي الْأَقَلِّ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ الْأَشْيَاءِ ثُمَّ يَرْجِعُ عَلَى الرَّاهِنِ إذَا أَيْسَرَ بِمَا سَعَى وَلَيْسَ يَثْبُتُ لِلْعَبْدِ رُجُوعٌ عَلَى سَيِّدِهِ بِمَا يَسْعَى إلَّا فِي هَذِهِ الصُّورَةِ، وَإِذْ سَعَى فَحُكْمُهُ فِي سِعَايَتِهِ حُكْمُ الْحُرِّ.
وَإِنَّمَا تَلْزَمُهُ السِّعَايَةُ إذَا كَانَ الْمُعْتِقُ مُعْسِرًا حَالَ الْعِتْقِ أَمَّا إذَا كَانَ مُوسِرًا حَالَ الْعِتْقِ ثُمَّ أَعْسَرَ بَعْدَ ذَلِكَ قَبْلَ أَدَاءِ الدَّيْنِ فَلَا سِعَايَةَ عَلَى الْعَبْدِ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ وَقَعَ غَيْرَ مُوجِبٍ لِلسِّعَايَةِ فَلَا تَجِبُ عَلَيْهِ فِي الثَّانِي وَتُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْعِتْقِ قَالَ الْخُجَنْدِيُّ إذَا رَهَنَ عَبْدًا قِيمَتُهُ وَقْتَ الرَّهْنِ مِائَةٌ، ثُمَّ ازْدَادَتْ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ، ثُمَّ أَعْتَقَهُ الرَّاهِنُ وَهُوَ مُعْسِرٌ سَعَى فِي مِائَةٍ قَدْرِ قِيمَتِهِ وَقْتَ الرَّهْنِ، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَته وَقْتَ الرَّهْنِ مِائَةً ثُمَّ انْتَقَصَتْ فِي السِّعْرِ حَتَّى صَارَتْ خَمْسِينَ، ثُمَّ أَعْتَقَهُ سَعَى فِي خَمْسِينَ قِيمَتِهِ يَوْمَ الْعِتْقِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا حُبِسَ فِي مَالِيَّتِهِ بِالْعَتَاقِ هَذَا الْقَدْرَ فَلَا يَضْمَنُ أَكْثَرَ مِمَّا حُبِسَ وَلَوْ كَانَ الدَّيْنُ خَمْسِينَ وَقِيمَة الْعَبْدِ مِائَةً فِي الْحَالَيْنِ سَعَى فِي الدَّيْنِ خَاصَّةً وَلَوْ لَمْ يَكُنْ الرَّاهِنُ أَعْتَقَ الْعَبْدَ وَلَكِنْ دَبَّرَهُ صَحَّ تَدْبِيرُهُ وَبَطَلَ الرَّهْنُ وَخَرَجَ مِنْ الرَّهْنِ كَمَا يَخْرُجُ بِالْعِتْقِ وَلَيْسَ لِلْمُرْتَهِنِ حَبْسُهُ بَعْدَ التَّدْبِيرِ، ثُمَّ إذَا صَحَّ التَّدْبِيرُ كَانَ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَأْخُذَ بِدَيْنِهِ - إنْ شَاءَ - الْعَبْدَ.
وَإِنْ شَاءَ الرَّاهِنَ، سَوَاءٌ كَانَ الرَّاهِنُ مُوسِرًا، أَوْ مُعْسِرًا وَيَأْخُذُ الْعَبْدَ بِجَمِيعِ دَيْنِهِ بَالِغًا مَا بَلَغَ بِخِلَافِ الْعِتْقِ؛ لِأَنَّ أَكْسَابَهُ لِمَوْلَاهُ وَلَهُ أَنْ يُطَالِبَ الْمَوْلَى بِجَمِيعِ دَيْنِهِ فَكَذَا الْمُدَبَّرُ، وَإِنَّمَا كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ أَيَّهُمَا شَاءَ؛ لِأَنَّ الرَّاهِنَ مُطَّلَبٌ بِالدَّيْنِ وَأَكْسَابُ الْمُدَبَّرِ مِنْ أَمْوَالِهِ فَلَا تَخْتَصُّ الْمُطَالَبَةُ بِبَعْضِ أَمْوَالِهِ دُونَ بَعْضٍ وَلَهُ أَنْ يُطَالِبَ أَيَّهُمَا شَاءَ وَلِهَذَا يَسْتَوِي فِيهِ حَالُ الْيَسَارِ، وَالْإِعْسَارِ وَلَا يَرْجِعُ الْمُدَبَّرُ بِمَا سَعَى عَلَى مَوْلَاهُ؛ لِأَنَّ كَسْبَهُ لَهُ بِخِلَافِ الْمُعْتَقِ؛ لِأَنَّ كَسْبَهُ لِنَفْسِهِ فَوَقَعَ الْفَرْقُ بَيْنَ التَّدْبِيرِ، وَالْعِتْقِ فِي مَوْضِعَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ فِي الْعِتْقِ إذَا كَانَ الرَّاهِنُ مُعْسِرًا تَجِبُ السِّعَايَةُ فِي الْأَقَلِّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ عَلَى مَا ذَكَرْنَا، وَفِي التَّدْبِيرِ تَجِبُ فِي جَمِيعِ الدَّيْنِ بَالِغًا مَا بَلَغَ، وَالثَّانِي أَنَّ فِي الْعِتْقِ يَرْجِعُ الْعَبْدُ بِمَا سَعَى عَلَى الرَّاهِنِ، وَفِي التَّدْبِيرِ لَا يَرْجِعُ؛ لِأَنَّهُ بِالتَّدْبِيرِ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ أَنْ يَكُونَ سِعَايَتُهُ مِنْ مَالِ الْمَوْلَى فَلَا يَرْجِعُ، وَفِي الْإِعْتَاقِ خَرَجَ مِنْ أَنْ تَكُونَ سِعَايَتُهُ لِلرَّاهِنِ وَلَوْ كَانَ الرَّهْنُ أَمَةً فَاسْتَوْلَدَهَا الرَّاهِنُ صَحَّ الِاسْتِيلَادُ وَبَطَلَ الرَّهْنُ وَتَسْعَى فِي جَمِيعِ الدَّيْنِ كَالْمُدَبَّرِ؛ لِأَنَّ أَكْسَابَهَا لِمَوْلَاهَا وَلَا تَرْجِعُ بِمَا سَعَتْ عَلَى الْمَوْلَى؛ لِأَنَّ كَسْبَهَا مَالٌ لِلْمَوْلَى.
قَوْلُهُ: (وَكَذَلِكَ إذَا اسْتَهْلَكَ الرَّاهِنُ الرَّهْنَ) ضَمِنَهُ أَيْ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُقِيمَ غَيْرَهُ مَقَامَهُ فَيَكُونَ رَهْنًا.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ اسْتَهْلَكَهُ أَجْنَبِيٌّ فَالْمُرْتَهِنُ هُوَ الْخَصْمُ فِي تَضْمِينِهِ وَيَأْخُذُ الْقِيمَةَ فَتَكُونُ رَهْنًا فِي يَدِهِ) وَالْوَاجِبُ عَلَى هَذَا الْمُسْتَهْلِكِ قِيمَتُهُ يَوْمَ هَلَكَ فَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ يَوْمَ اسْتَهْلَكَهُ خَمْسَمِائَةٍ وَيَوْمَ الرَّهْنِ أَلْفًا غَرِمَ خَمْسَمِائَةٍ وَكَانَتْ رَهْنًا وَيَسْقُطُ مِنْ الدَّيْنِ خَمْسُمِائَةٍ وَيَكُونُ الْحُكْمُ فِي الْخَمْسِمِائَةِ الزَّائِدَةِ كَأَنَّهَا هَلَكَتْ بِآفَةٍ وَالْمُعْتَبَرُ فِي ضَمَانِ الْقِيمَةِ يَوْمُ الْقَبْضِ لَا يَوْمُ الْهَلَاكِ؛ لِأَنَّ الْقَبْضَ السَّابِقَ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ قَبْضُ اسْتِيفَاءٍ إلَّا أَنَّهُ يَتَقَرَّرُ عَلَيْهِ عِنْدَ الْهَلَاكِ فَإِذَا ضَمِنَ الْأَجْنَبِيُّ الْقِيمَةَ وَكَانَ الدَّيْنُ مُؤَجَّلًا كَانَتْ الْقِيمَةُ رَهْنًا مَكَانَهُ، وَإِنْ كَانَ حَالًّا وَكَانَ الضَّمَانُ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ اُقْتُضِيَ مِنْهُ فَإِنْ بَقِيَ شَيْءٌ كَانَ لِلرَّاهِنِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ طَالَبَ بِدَيْنِهِ، أَوْ يَبِيعُ الْقِيمَةَ.
قَوْلُهُ: (وَجِنَايَةُ الرَّاهِنِ عَلَى الرَّهْنِ مَضْمُونَةٌ)؛ لِأَنَّهُ بِجِنَايَتِهِ مُزِيلٌ لِيَدِ الْمُرْتَهِنِ عَمَّا جَنَى عَلَيْهِ.
قَوْلُهُ: (وَجِنَايَةُ الْمُرْتَهِنِ عَلَيْهِ تَسْقُطُ مِنْ دَيْنِهِ بِقَدْرِهَا) يَعْنِي إذَا كَانَ الضَّمَانُ عَلَى صِفَةِ الدَّيْنِ أَمَّا إذَا كَانَ مِنْ خِلَافِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّرَاضِي وَلِأَنَّهُ بِالْجِنَايَةِ عَلَيْهِ غَاصِبٌ فَيَضْمَنُ قِيمَتَهُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ فَإِذَا ضَمِنَ جَمِيعَ الْقِيمَةِ كَانَ لَهُ الْمُقَاصَّةُ مِنْ ذَلِكَ بِقَدْرِ دَيْنِهِ وَيَرُدُّ الْفَضْلَ عَلَى الرَّاهِنِ.
قَوْلُهُ: (وَجِنَايَةُ الرَّهْنِ عَلَى الرَّاهِنِ، وَالْمُرْتَهِنِ وَعَلَى أَمْوَالِهِمَا هَدَرٌ) أَمَّا عَلَى الرَّاهِنِ فِي نَفْسِهِ وَمَالِهِ إذَا كَانَتْ تُوجِبُ الْمَالَ فَهَدَرٌ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى لَا يَثْبُتُ لَهُ عَلَى عَبْدِهِ مَالٌ، وَإِنْ كَانَتْ تُوجِبُ الْقَوَدَ أُخِذَ بِهَا الْعَبْدُ؛ لِأَنَّهُ مَعَ مَوْلَاهُ فِيمَا يُوجِبُ الْقَوَدَ كَالْأَجْنَبِيِّ، وَأَمَّا إذَا جَنَى عَلَى الْمُرْتَهِنِ فِي نَفْسِهِ جِنَايَةً تُوجِبُ الْمَالَ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي قِيمَتِهِ فَضْلٌ عَنْ الدَّيْنِ فَهِيَ هَدَرٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّا لَوْ أَثْبَتْنَاهَا احْتَجْنَا إلَى إسْقَاطِهَا؛ لِأَنَّ حَاصِلَ الضَّمَانِ عَلَى الْمُرْتَهِنِ وَعِنْدَهُمَا تَثْبُتُ الْجِنَايَةُ فِي رَقَبَةِ الْعَبْدِ سَوَاءٌ كَانَ فِيهِ فَضْلٌ أَمْ لَا فَإِنْ شَاءَ الرَّاهِنُ أَبْطَلَ الرَّهْنَ وَدَفَعَ الْعَبْدَ بِالْجِنَايَةِ إلَى الْمُرْتَهِنِ، وَإِنْ شَاءَ الْمُرْتَهِنُ قَالَ: لَا أَبْغِي الْجِنَايَةَ وَهُوَ رَهْنٌ عَلَى حَالِهِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ فِي الرَّهْنِ فَضْلٌ عَنْ الدَّيْنِ فَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رِوَايَتَانِ: فِي رِوَايَةٍ يَثْبُتُ حُكْمُ الْجِنَايَةِ فِي قَدْرِ الْأَمَانَةِ؛ لِأَنَّ مَا زَادَ عَلَى قَدْرِ الدَّيْنِ لَيْسَ فِي ضَمَانِهِ فَيَصِيرُ كَعَبْدِ الْوَدِيعَةِ إذَا جَنَى عَلَى الْمُودَعِ، وَفِي رِوَايَةٍ لَا يَثْبُتُ حُكْمُهَا؛ لِأَنَّ مِقْدَارَ الْأَمَانَةِ فِي يَدِهِ عَلَى طَرِيقِ الرَّهْنِ وَأَمَّا إذَا جَنَى فِي مَالٍ الْمُرْتَهِنِ جِنَايَةً تُوجِبُ الْمَالَ وَلَمْ يَكُنْ فِيهِ فَضْلٌ عَنْ الدَّيْنِ فَهِيَ هَدَرٌ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ لَوْ لَحِقَهُ لَرَجَعَ بِهِ عَلَى الْمُرْتَهِنِ فَلَا مَعْنَى لِإِثْبَاتِ شَيْءٍ يَعُودُ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ فَضْلٌ فَإِنَّ الْجِنَايَةَ تَثْبُتُ فِي مِقْدَارِ الْأَمَانَةِ فَعَلَى هَذَا إذَا أَفْسَدَ الرَّاهِنُ مَتَاعًا لِلْمُرْتَهِنِ قِيمَتُهُ أَلْفَانِ وَقِيمَة الرَّهْنِ أَلْفَانِ وَهُوَ رُهِنَ بِأَلْفٍ فَطَلَبَ الْمُرْتَهِنُ أَنْ يَأْخُذَهُ بِقِيمَةِ الْمَتَاعِ فَإِنْ شَاءَ الرَّاهِنُ قَضَى عَنْهُ نِصْفَ ذَلِكَ وَكَانَ نِصْفُهُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ، وَإِنْ كَرِهَ بَيْعَ الْعَبْدِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ فَإِنْ بَقِيَ شَيْءٌ بَعْدَ فِكَاكِ الرَّهْنِ أَخَذَ الْمُرْتَهِنُ نِصْفَهُ وَالرَّاهِنُ نِصْفَهُ، وَإِنْ اخْتَارَ الْمَوْلَى قَضَاءَ قِيمَةِ الْمَتَاعِ قِيلَ لَهُ: اقْضِ نِصْفَهُ؛ لِأَنَّ حِصَّةَ الْأَمَانَةِ تَامَّةٌ وَحِصَّةَ الْمَضْمُونِ نَاقِصَةٌ فَإِنْ قَضَى الْمَوْلَى النِّصْفَ زَالَ حُكْمُ الْجِنَايَةِ وَبَقِيَ الْعَبْدُ رَهْنًا بِحَالِهِ، وَإِنْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ تُوجِبُ الْقَوَدَ فَإِنَّ الْقِصَاصَ يَثْبُتُ لِلْمُرْتَهِنِ وَيَسْقُطُ دَيْنُهُ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ تَلِفَ بِسَبَبٍ فِي يَدِهِ.
قَوْلُهُ: (وَأُجْرَةُ الْبَيْتِ الَّذِي يُحْفَظُ فِيهِ الرَّهْنُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ) وَكَذَلِكَ أُجْرَةُ الْحَافِظِ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ فِي ضَمَانِهِ فَإِنْ شَرَطَ الرَّاهِنُ لِلْمُرْتَهِنِ أَجْرًا عَلَى حِفْظِ الرَّهْنِ لَا يَسْتَحِقُّ الْمُرْتَهِنُ شَيْئًا؛ لِأَنَّ الْحِفْظَ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْوَدِيعَةِ إذَا شَرَطَ الْمُودِعُ لِلْمُودَعِ أَجْرًا عَلَى حِفْظِهَا فَلَهُ الْأَجْرُ؛ لِأَنَّ الْحِفْظَ لَيْسَ بِوَاجِبٍ عَلَيْهِ فَإِنَّ فِي الْكَرْخِيِّ: الْحِفْظُ وَاجِبٌ عَلَى الْمُرْتَهِنِ مَا كَانَ مَضْمُونًا عَلَيْهِ وَمَا لَمْ يَكُنْ؛ لِأَنَّ لَهُ حَبْسُ ذَلِكَ كُلِّهِ.
قَوْلُهُ: (وَأُجْرَةُ الرَّاعِي عَلَى الرَّاهِنِ)؛ لِأَنَّ الرَّعْيَ يُحْتَاجُ إلَيْهِ لِزِيَادَةِ الْحَيَوَانِ وَنَمَائِهِ فَصَارَ كَنَفَقَتِهِ، وَأَمَّا أُجْرَةُ الْمَأْوَى، وَالْمَرِيضِ وَأُجْرَةُ الْحَارِسِ فَعَلَى الْمُرْتَهِنِ.
قَوْلُهُ (وَنَفَقَةُ الرَّهْنِ عَلَى الرَّاهِنِ) بِخِلَافِ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ فَإِنَّ نَفَقَتَهُ عَلَى الْبَائِعِ قَالَ فِي الْوَاقِعَاتِ رَجُلٌ بَاعَ عَبْدًا بِرَغِيفٍ بِعَيْنِهِ فَلَمْ يَتَقَابَضَا حَتَّى أَكَلَ الْعَبْدُ الرَّغِيفَ صَارَ الْبَائِعُ مُسْتَوْفِيًا لِلثَّمَنِ بِخِلَافِ مَا إذَا رَهَنَ دَابَّةً بِقَفِيزِ شَعِيرٍ فَأَكَلَتْ الدَّابَّةُ الشَّعِيرَ لَمْ يَصِرْ الْمُرْتَهِنُ مُسْتَوْفِيًا لِشَيْءٍ مِنْ الدَّيْنِ، وَالْفَرْقُ أَنَّ نَفَقَةَ الْمَبِيعِ عَلَى الْبَائِعِ مَا دَامَ فِي يَدِهِ فَصَارَ مُسْتَوْفِيًا، وَنَفَقَةَ الْمَرْهُونِ عَلَى الرَّاهِنِ فَلَا يَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا، وَإِنَّمَا كَانَتْ نَفَقَتُهُ عَلَى الرَّاهِنِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «لَهُ غُنْمُهُ وَعَلَيْهِ غُرْمُهُ» يَعْنِي لِلرَّاهِنِ غُنْمُهُ: مَنَافِعُهُ، وَعَلَيْهِ غُرْمُهُ: نَفَقَتُهُ وَكِسْوَتُهُ وَلِأَنَّهُ مِلْكُهُ فَكَانَتْ نَفَقَتُهُ عَلَيْهِ كَالْمُؤَجِّرِ وَكَذَا إذَا مَاتَ كَانَ كَفَنُهُ عَلَى الرَّاهِنِ وَكَذَا إذَا كَانَ الرَّهْنُ حَيَوَانًا فَعَلَفُهُ عَلَى الرَّاهِنِ وَلَوْ كَانَتْ أَمَةً فَوَلَدَتْ فَأُجْرَةُ الظِّئْرِ عَلَى الرَّاهِنِ وَكَذَا سَقْيُ الشَّجَرِ وَتَلْقِيحُ النَّخْلِ وَجَذَاذُهُ وَالْقِيَامُ بِمَصَالِحِهِ عَلَى الرَّاهِنِ سَوَاءٌ كَانَ فِيهِ فَضْلٌ عَنْ الدَّيْنِ أَمْ لَا فَإِنْ أَنْفَقَ الْمُرْتَهِنُ عَلَى الرَّهْنِ بِغَيْرِ إذْنِ الرَّاهِنِ وَالرَّاهِنُ غَائِبٌ فَهُوَ مُتَطَوِّعٌ فَإِنْ أَمَرَهُ الْقَاضِي بِذَلِكَ فَهُوَ دَيْنٌ عَلَى الرَّاهِنِ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ لَهُ وِلَايَةٌ عَلَى الْغَائِبِ وَلَا يُصَدَّقُ الْمُرْتَهِنُ عَلَى النَّفَقَةِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ، أَوْ بِتَصْدِيقِ الرَّاهِنِ، وَإِنْ أَبَقَ الْعَبْدُ الْمَرْهُونُ إنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ وَالدَّيْنُ سَوَاءً فَالْجُعْلُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ الرَّهْنِ أَكْثَرَ كَانَ عَلَى الْمُرْتَهِنِ بِقَدْرِ الْمَضْمُونِ وَعَلَى الرَّاهِنِ بِقَدْرِ الْأَمَانَةِ، وَإِنْ أَصَابَ الرَّقِيقَ جِرَاحَةٌ، أَوْ مَرَضٌ، أَوْ دُبِرَتْ الدَّابَّةُ فَإِصْلَاحُ ذَلِكَ وَدَوَاؤُهُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي الرَّهْنِ فَضْلٌ عَنْ الدَّيْنِ فَإِنْ كَانَ فِيهِ فَضْلٌ فَعَلَيْهِمْ جَمِيعًا بِالْحِسَابِ.
قَوْلُهُ (وَنَمَاؤُهُ لِلرَّاهِنِ يَكُونُ رَهْنًا مَعَ الْأَصْلِ) يَعْنِي إنْ شَاءَ الْمُرْتَهِنُ أَخَذَهُ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُ عِنْدَ الرَّاهِنِ وَالنَّمَاءُ مِثْلُ اللَّبَنِ، وَالْوَلَدِ وَالصُّوفِ وَثِمَارِ الشَّجَرِ وَالنَّخِيلِ فَأَمَّا غَلَّةُ الدَّارِ وَأُجْرَةُ الْعَبْدِ فَلَا تَدْخُلُ فِي الرَّهْنِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ نَفْسِ الرَّهْنِ فَلَا تَدْخُلُ تَحْتَ عَقْدِهِ كَمَا لَوْ اكْتَسَبَ الْعَبْدُ كَسْبًا، أَوْ وُهِبَ لَهُ هِبَةٌ فَإِنْ آجَرَهُ الْمُرْتَهِنُ بِغَيْرِ إذْنِ الرَّاهِنِ كَانَتْ الْأُجْرَةُ لِلْمُرْتَهِنِ وَعَلَيْهِ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهَا؛ لِأَنَّهَا حَصَلَتْ لَهُ مِنْ وَجْهٍ مَحْظُورٍ.
قَوْلُهُ: (فَإِنْ هَلَكَ هَلَكَ بِغَيْرِ شَيْءٍ) يَعْنِي النَّمَاءَ.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ هَلَكَ الْأَصْلُ وَبَقِيَ النَّمَاءُ افْتَكَّهُ الرَّاهِنُ بِحِصَّتِهِ يُقْسَمُ الدَّيْنُ عَلَى قِيمَةِ الرَّهْنِ يَوْمَ الْقَبْضِ وَعَلَى قِيمَةِ النَّمَاءِ يَوْمَ الْفِكَاكِ فَمَا أَصَابَ الْأَصْلَ سَقَطَ مِنْ الدَّيْنِ بِقَدْرِهِ وَمَا أَصَابَ النَّمَاءَ افْتَكَّهُ الرَّاهِنُ بِهِ)، وَإِنَّمَا قُسِمَ عَلَى قِيمَةِ الْأَصْلِ يَوْمَ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ دَخَلَ فِي ضَمَانِهِ بِالْقَبْضِ فَاعْتُبِرَتْ قِيمَتُهُ عِنْدَهُ، وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَتْ قِيمَةُ النَّمَاءِ يَوْمَ الِانْفِكَاكِ؛ لِأَنَّ النَّمَاءَ قَبْلَ الْفِكَاكِ غَيْرُ مَضْمُونٍ عَلَيْهِ وَبِالْفِكَاكِ يُضْمَنُ فَاعْتُبِرَتْ قِيمَتُهُ يَوْمَ دُخُولِهِ فِي الضَّمَانِ فَإِنْ لَمْ يَفْتَكَّهُ الرَّاهِنُ بَعْدَ هَلَاكِ الْأُمِّ حَتَّى مَاتَ ذَهَبَ بِغَيْرِ شَيْءٍ وَصَارَ الْوَلَدُ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ وَسَقَطَ الدَّيْنُ بِهَلَاكِ الْأُمِّ؛ لِأَنَّهُ لَا حِصَّةَ لِلْوَلَدِ قَبْلَ الْفِكَاكِ.
وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ:
رَجُلٌ رَهَنَ شَاةً تُسَاوِي عَشَرَةً بِعَشَرَةٍ فَوَلَدَتْ، ثُمَّ هَلَكَتْ قُسِمَ الدَّيْنُ عَلَى قِيمَةِ الشَّاةِ يَوْمَ رُهِنَتْ وَعَلَى قِيمَةِ الْوَلَدِ فِي الْحَالِ فَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ فِي الْحَالِ عَشَرَةً هَلَكَتْ الشَّاةُ بِحِصَّتِهَا وَهُوَ نِصْفُ الدَّيْنِ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ فَإِنْ ازْدَادَتْ قِيمَةُ الْوَلَدِ بَعْدَ هَلَاكِ الْأُمِّ حَتَّى صَارَتْ تُسَاوِي عِشْرِينَ بَطَلَتْ تِلْكَ الْقِسْمَةُ وَتَبَيَّنَ أَنَّ حِصَّةَ الْأُمِّ كَانَتْ ثَلَاثَةً وَثُلُثًا وَلَوْ صَارَتْ قِيمَةُ الْوَلَدِ ثَلَاثِينَ تَبَيَّنَ أَنَّ حِصَّةَ الْأُمِّ الرُّبُعُ وَلَوْ انْتَقَصَتْ قِيمَةُ الْوَلَدِ بَعْدَ ذَلِكَ حَتَّى صَارَتْ خَمْسَةً تَبَيَّنَ أَنَّ حِصَّةَ الْأُمِّ ثُلُثَا الدَّيْنِ وَهِيَ سِتَّةٌ وَثُلُثَانِ وَلَوْ رَهَنَ جَارِيَةً فَوَلَدَتْ عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ مِنْ غَيْرِ مَوْلَاهَا، ثُمَّ مَاتَتْ وَبَقِيَ الْوَلَدُ وَأَرَادَ الرَّاهِنُ افْتِكَاكَهُ فَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ مِائَةً، وَقِيمَةُ الْأُمِّ خَمْسِينَ، وَقِيمَةُ الْوَلَدِ عِشْرِينَ فَإِنَّك تَقْسِمُ الدَّيْنَ عَلَيْهِمَا فَمَا أَصَابَ الْأُمَّ سَقَطَ مِنْ الدَّيْنِ وَذَلِكَ خَمْسَةُ أَسْبَاعِهِ أَيْ خَمْسَةُ أَسْبَاعِ الْمِائَةِ وَهُوَ أَحَدٌ وَسَبْعُونَ وَثَلَاثَةُ أَسْبَاعٍ وَمَا أَصَابَ النَّمَاءَ - وَهُوَ سُبُعَانِ وَهُوَ ثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ وَأَرْبَعَةُ أَسْبَاعٍ - افْتَكَّهُ الرَّاهِنُ بِهِ وَلَوْ كَانَ الدَّيْنُ عَشَرَةً وَقِيمَة الزِّيَادَةِ يَوْمَ الْفِكَاكِ خَمْسَةً وَقِيمَة الْأَصْلِ عَشَرَةً فَهَلَكَ الْأَصْلُ يَفْتَكُّ الزِّيَادَةَ بِثُلُثِ الْعَشَرَةِ وَهُوَ ثَلَاثَةٌ وَثُلُثٌ وَلَوْ كَانَتْ قِيمَةُ الزِّيَادَةِ يَوْمَ الْفِكَاكِ عِشْرِينَ وَقِيمَة الْأَصْلِ عَشَرَةً وَالدَّيْنُ عَشَرَةً فَهَلَكَ الْأَصْلُ يَفْتَكُّ الزِّيَادَةَ بِثُلُثَيْ الْعَشَرَةِ وَهُوَ سِتَّةٌ وَثُلُثَانِ وَلَوْ نَقَصَتْهَا الْوِلَادَةُ جُبِرَ النُّقْصَانُ بِالْوَلَدِ حَتَّى لَوْ نَقَصَتْ مِنْ قِيمَتِهَا عَشَرَةٌ، وَالْوَلَدُ يُسَاوِي عَشَرَةً لَا يَسْقُطُ مِنْ الدَّيْنِ شَيْءٌ.
قَوْلُهُ: (وَتَجُوزُ الزِّيَادَةُ فِي الرَّهْنِ) وَهَذَا عِنْدَنَا.
وَقَالَ زُفَرُ: لَا تَجُوزُ فَإِذَا صَحَّتْ الزِّيَادَةُ فِي الرَّهْنِ يُقْسَمُ الدَّيْنُ عَلَى قِيمَةِ الْأَصْلِ يَوْمَ الْقَبْضِ وَعَلَى قِيمَةِ الزِّيَادَةِ يَوْمَ قُبِضَتْ حَتَّى لَوْ كَانَتْ قِيمَةُ الزِّيَادَةِ يَوْمَ قَبْضِهَا خَمْسَمِائَةٍ وَقِيمَةُ الْأَصْلِ يَوْمَ الْقَبْضِ أَلْفًا - وَالدَّيْنُ أَلْفٌ - يُقْسَمُ الدَّيْنُ أَثْلَاثًا يَكُونُ فِي الزِّيَادَةِ ثُلُثُ الدَّيْنِ، وَفِي الْأَصْلِ ثُلُثَاهُ، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ الزِّيَادَةِ مِائَتَيْنِ فَفِيهَا سُدُسُ الدَّيْنِ وَلَا يُعْتَبَرُ نُقْصَانُ قِيمَةِ الْأَوَّلِ فِي السِّعْرِ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ يَتَعَلَّقُ بِالْقَبْضِ فَالْمُعْتَبَرُ بِالْقِيمَةِ يَوْمَ الْقَبْضِ، وَإِنْ نَقَصَ الْأَصْلُ فِي يَدِهِ ذَهَبَ مِنْ الدَّيْنِ بِقَدْرِ النُّقْصَانِ فَإِنْ زَادَهُ الرَّاهِنُ بَعْدَ نُقْصَانِ الْأَصْلِ رَهْنًا آخَرَ قَسَمْتَ مَا بَقِيَ مِنْ الدَّيْنِ فِي الْأَوَّلِ عَلَى قِيمَةِ الْبَاقِي مِنْهُ وَعَلَى قِيمَةِ الزِّيَادَةِ يَوْمَ قُبِضَتْ وَكَانَ الدَّيْنُ فِيهِمَا عَلَى قَدْرِ ذَلِكَ كَرَجُلٍ رَهَنَ جَارِيَةً تُسَاوِي أَلْفًا بِأَلْفٍ، ثُمَّ اعْوَرَّتْ فَزَادَهُ عَبْدًا يُسَاوِي أَلْفًا فَقَدْ ذَهَبَ بِاعْوِرَارِهَا نِصْفُ الدَّيْنِ وَبَقِيَ فِيهَا خَمْسُمِائَةٍ مَقْسُومَةٌ عَلَى قِيمَتِهَا عَوْرَاءَ وَعَلَى قِيمَةِ الْعَبْدِ الزِّيَادَةِ يَوْمَ الْقَبْضِ فَيَكُونُ فِي الْعَبْدِ ثُلُثَا خَمْسِمِائَةٍ وَهُوَ ثُلُثُ الْأَلْفِ إنْ هَلَكَ بِثُلُثِ الْأَلْفِ، وَإِنْ هَلَكَتْ الْعَوْرَاءُ ذَهَبَ بِهَلَاكِهَا ثُلُثُ خَمْسِمِائَةٍ وَقَدْ ذَهَبَ بِالْعَوَرِ خَمْسُمِائَةٍ.
قَوْلُهُ: (وَلَا تَجُوزُ فِي الدَّيْنِ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ.
وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ: لَا تَجُوزُ فِيهِمَا وَلَا يَصِيرُ الرَّهْنُ رَهْنًا بِهِمَا.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: هُوَ جَائِزٌ فَأَبُو يُوسُفَ سَوَّى بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ فَقَالَ تَجُوزُ الزِّيَادَةُ فِي الرَّهْنِ وَالزِّيَادَةُ فِي الدَّيْنِ وَزُفَرُ سَوَّى بَيْنَهُمَا أَيْضًا وَقَالَ: لَا يَجُوزُ كِلَاهُمَا وَهُمَا فَرَّقَا بَيْنَهُمَا فَقَالَا زِيَادَةُ الرَّهْنِ عَلَى الرَّهْنِ جَائِزَةٌ وَالزِّيَادَةُ فِي الدَّيْنِ لَا تَجُوزُ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ فِي الرَّهْنِ تُؤَدِّي إلَى شُيُوعِ الدَّيْنِ وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الرَّهْنِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ رَهَنَ بِنِصْفِ الدَّيْنِ رَهْنًا جَازَ وَشُيُوعُ الرَّهْنِ يَمْنَعُ صِحَّةَ الرَّهْنِ فَافْتَرَقَا وَصُورَةُ الزِّيَادَةِ فِي الدَّيْنِ إذَا رَهَنَ عَبْدًا يُسَاوِي أَلْفَيْنِ بِأَلْفٍ، ثُمَّ اسْتَقْرَضَ الرَّاهِنُ مِنْ الْمُرْتَهِنِ أَلْفًا أُخْرَى عَلَى أَنْ يَكُون الْعَبْدُ رَهْنًا بِهِمَا جَمِيعًا فَإِنَّهُ يَكُونُ رَهْنًا بِالْأَلْفِ خَاصَّةً وَلَوْ هَلَكَ يَهْلِكُ بِالْأَلْفِ الْأَوَّلِ وَلَا يَهْلِكُ بِأَلْفَيْنِ وَكَذَا إذَا رَهَنَ عَبْدًا بِمِائَةٍ وَقِيمَته مِائَتَانِ، ثُمَّ أَخَذَ الرَّاهِنُ مِنْ الْمُرْتَهِنِ مِائَةً أُخْرَى عَلَى أَنْ يَكُون الْعَبْدُ رَهْنًا بِالدَّيْنَيْنِ، ثُمَّ مَاتَ الْعَبْدُ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ الدَّيْنُ الْأَوَّلُ وَالْفَضْلُ مِنْ الْعَبْدِ أَمَانَةٌ وَيَبْقَى الدَّيْنُ الثَّانِي بِلَا رَهْنٍ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ وَلَا يَصِيرُ الرَّهْنُ رَهْنًا بِهِمَا.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: الزِّيَادَةُ فِي الدَّيْنِ جَائِزَةٌ وَيَسْقُطُ بِمَوْتِهِ الدَّيْنَانِ جَمِيعًا.
قَوْلُهُ: (وَإِذَا رَهَنَ عَيْنًا وَاحِدَةً عِنْدَ رَجُلَيْنِ بِدَيْنٍ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَيْهِ جَازَ وَجَمِيعُهَا رَهْنٌ عِنْدَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا)؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ أُضِيفَ إلَى جَمِيعِ الْعَيْنِ فِي صَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ وَلَا شُيُوعَ فِيهِ وَهَذَا بِخِلَافِ الْهِبَةِ مِنْ رَجُلَيْنِ حَيْثُ لَا تَجُوزُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالْهِبَةِ الْمِلْكُ وَيَسْتَحِيلُ أَنْ تَكُونَ الْهِبَةُ مِلْكًا لِهَذَا وَمِلْكًا لِهَذَا فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَالِكًا لِلنِّصْفِ فَيَحْصُلَ قَبْضُهُ فِي مُشَاعٍ فَلَا تَصِحَّ الْهِبَةُ، وَأَمَّا الرَّهْنُ فَالْمَقْصُودُ مِنْهُ الْوَثِيقَةُ لَا الْمِلْكُ وَيُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ جَمِيعُ الرَّهْنِ وَثِيقَةً لِهَذَا وَجَمِيعُهُ وَثِيقَةً لِهَذَا فَلَا يُؤَدِّي إلَى الْإِشَاعَةِ.
قَوْلُهُ: (وَالْمَضْمُونُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حِصَّةُ دَيْنِهِ مِنْهَا) أَيْ مِنْ الْعَيْنِ؛ لِأَنَّ عِنْدَ الْهَلَاكِ يَصِيرُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُسْتَوْفِيًا حِصَّتَهُ إذْ الِاسْتِيفَاءُ مِمَّا يَتَجَزَّأُ فَكَانَ الْمَضْمُونُ عَلَيْهِ مِقْدَارَ ذَلِكَ.
قَوْلُهُ: (فَإِنْ قَضَى أَحَدُهُمَا دَيْنَهُ كَانَتْ كُلُّهَا رَهْنًا فِي يَدِ الْآخَرِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ) لِأَنَّهَا فِي أَيْدِيهِمَا رَهْنٌ وَاحِدٌ فَإِنْ هَلَكَ الرَّهْنُ عِنْدَهُ بَعْدَ قَضَاءِ دَيْنِ صَاحِبِهِ اسْتَرَدَّ مِنْ الدَّيْنِ قَضَاءَ مَا أَعْطَاهُ؛ لِأَنَّهُ مَا دَامَ فِي يَدِ الْآخَرِ فَحُكْمُ الرَّهْنِ بَاقٍ عَلَيْهِ فَصَارَ كَالرَّهْنِ مِنْ وَاحِدٍ إذَا اسْتَوْفَى دَيْنَهُ، ثُمَّ هَلَكَ الرَّهْنُ فِي يَدِهِ بَعْدَ ذَلِكَ.
قَوْلُهُ: (وَمَنْ بَاعَ عَبْدًا عَلَى أَنْ يَرْهَنَهُ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ شَيْئًا بِعَيْنِهِ فَامْتَنَعَ الْمُشْتَرِي مِنْ تَسْلِيمِ الرَّهْنِ لَمْ يُجْبَرْ عَلَيْهِ وَكَانَ الْبَائِعُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ رَضِيَ بِتَرْكِ الرَّهْنِ، وَإِنْ شَاءَ فَسَخَ الْبَيْعَ إلَّا أَنْ يَدْفَعَ الْمُشْتَرِي الثَّمَنَ حَالًّا، أَوْ يَدْفَعَ قِيمَةَ الرَّهْنِ رَهْنًا مَكَانَهُ) أَمَّا جَوَازُ شَرْطِ الرَّهْنِ فِي الْبَيْعِ فَهُوَ اسْتِحْسَانٌ، وَالْقِيَاسُ أَنْ يَفْسُدَ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّهُ شُرِطَ فِي الْعَقْدِ مَنْفَعَةٌ لِلْبَائِعِ لَا يَقْتَضِيهَا الْعَقْدُ وَوَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الثَّمَنَ الَّذِي بِهِ رَهْنٌ أَوْثَقُ مِنْ الثَّمَنِ الَّذِي لَا رَهْنَ بِهِ فَصَارَ ذِكْرُ ذَلِكَ صِفَةً فِي الثَّمَنِ وَشَرْطُ صِفَاتِ الثَّمَنِ لَا يُفْسِدُ الْعَقْدَ وَهَذَا إذَا كَانَ مُعَيَّنًا أَمَّا إذَا لَمْ يُعَيَّنْ الرَّهْنُ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ وَلِهَذَا شَرَطَ الشَّيْخُ بِقَوْلِهِ بِعَيْنِهِ وَلَوْ شَرَطَ فِي الْبَيْعِ رَهْنًا مَجْهُولًا وَاتَّفَقَا عَلَى تَعْيِينِ الرَّهْنِ فِي الْمَجْلِسِ جَازَ الْعَقْدُ وَقَوْلُهُ: فَامْتَنَعَ الْمُشْتَرِي مِنْ تَسْلِيمِ الرَّهْنِ لَمْ يُجْبَرْ عَلَيْهِ هَذَا قَوْلُنَا.
وَقَالَ زُفَرُ يُجْبَرُ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ إذَا شُرِطَ فِي الْبَيْعِ صَارَ حَقًّا مِنْ حُقُوقِهِ وَلَنَا أَنَّ الرَّهْنَ عَقْدُ تَبَرُّعٍ مِنْ جَانِبِ الرَّاهِنِ وَلَا إجْبَارَ عَلَى التَّبَرُّعَاتِ وَلَكِنَّ الْبَائِعَ بِالْخِيَارِ عَلَى مَا ذَكَرَ الشَّيْخُ؛ لِأَنَّهُ مَا رَضِيَ إلَّا بِهِ فَيُخَيَّرُ لِفَوَاتِهِ إلَّا أَنْ يَدْفَعَ الثَّمَنَ حَالًّا لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ وَمَنْ اشْتَرَى شَيْئًا بِدَرَاهِمَ فَقَالَ لِلْبَائِعِ: أَمْسِكْ هَذَا الثَّوْبَ حَتَّى أُعْطِيَكَ الثَّمَنَ فَالثَّوْبُ رَهْنٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِمَا يُنْبِئُ عَنْ مَعْنَى الرَّهْنِ وَهُوَ الْحَبْسُ إلَى وَقْتِ الْإِعْطَاءِ وَالْعِبْرَةُ فِي الْعُقُودِ لِلْمَعَانِي.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَزُفَرُ لَا يَكُونُ رَهْنًا بَلْ يَكُونُ وَدِيعَةً؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ أَمْسِكْ يَحْتَمِلُ الرَّهْنَ وَيَحْتَمِلُ الْإِيدَاعَ فَيُقْضَى بِأَقَلِّهِمَا ثُبُوتًا وَهِيَ الْوَدِيعَةُ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ: أَمْسِكْهُ بِدَيْنِك، أَوْ بِمَالِك فَإِنَّهُ لَمَّا قَابَلَهُ بِالدَّيْنِ فَقَدْ عَيَّنَ جِهَةَ الرَّهْنِ قُلْنَا: لَمَّا مَدَّهُ إلَى الْإِعْطَاءِ عُلِمَ أَنَّ مُرَادَهُ الرَّهْنُ.
قَوْلُهُ: (وَلِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَحْفَظَ الرَّهْنَ بِنَفْسِهِ وَزَوْجَتِهِ وَوَلَدِهِ وَخَادِمِهِ الَّذِي فِي عِيَالِهِ) يَعْنِي وَلَدَهُ الْكَبِيرَ الَّذِي فِي عِيَالِهِ، وَالْمُرَادُ بِخَادِمِهِ هُوَ الْحُرُّ الَّذِي أَجَرَ نَفْسَهُ.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ حَفِظَهُ بِغَيْرِ مَنْ فِي عِيَالِهِ، أَوْ أَوْدَعَهُ ضَمِنَ)؛ لِأَنَّ يَدَ الْمُرْتَهِنِ غَيْرُ أَيْدِيهِمْ فَصَارَ بِالدَّفْعِ مُتَعَدِّيًا وَهَلْ لِلرَّاهِنِ أَنْ يُضَمِّنَ الْمُودَعَ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا وَعِنْدَهُمَا إنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ فَإِنْ ضَمَّنَهُ رَجَعَ عَلَى الْمُودِعِ.
قَوْلُهُ: (وَإِذَا تَعَدَّى الْمُرْتَهِنُ فِي الرَّهْنِ ضَمَّنَهُ ضَمَانَ الْغَصْبِ بِجَمِيعِ قِيمَتِهِ) لِأَنَّهُ بِالتَّعَدِّي خَرَجَ مِنْ أَنْ يَكُونَ مُمْسِكًا لَهُ بِالْإِذْنِ وَصَارَ كَأَنَّهُ أَخَذَهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَيَصِيرُ غَاصِبًا وَلِأَنَّ الزِّيَادَةَ عَلَى مِقْدَارِ الدَّيْنِ أَمَانَةٌ، وَالْأَمَانَاتُ تُضْمَنُ بِالتَّعَدِّي فَإِنْ رَهَنَهُ خَاتَمًا فَجَعَلَهُ فِي خِنْصَرِهِ فَهُوَ ضَامِنٌ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ بِالِاسْتِعْمَالِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَأْذُونٍ فِيهِ، وَإِنَّمَا الْإِذْنُ بِالْحِفْظِ وَهَذَا لَيْسَ بِحِفْظٍ، وَالْيُمْنَى، وَالْيُسْرَى فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ، وَإِنْ جَعَلَهُ فِي بَقِيَّةِ الْأَصَابِعِ كَانَ رَهْنًا بِمَا فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُلْبَسُ كَذَلِكَ عَادَةً فَكَانَ حِفْظًا لَا لُبْسًا وَكَذَا الثَّوْبُ إنْ لَبِسَهُ لُبْسًا مُعْتَادًا ضَمِنَ، وَإِنْ جَعَلَهُ عَلَى عَاتِقِهِ لَمْ يَضْمَنْ، وَإِنْ لَبِسَ خَاتَمًا فَوْقَ خَاتَمٍ إنْ كَانَ مِمَّنْ عَادَتُهُ يَتَجَمَّلُ بِلُبْسِ خَاتَمَيْنِ ضَمِنَ، وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ لَا يَتَجَمَّلُ بِهِ فَهُوَ حَافِظٌ فَلَا يَضْمَنُ.
قَوْلُهُ: (وَإِذَا أَعَارَ الْمُرْتَهِنُ الرَّهْنَ لِلرَّاهِنِ فَقَبَضَهُ خَرَجَ مِنْ ضَمَانِهِ) لِأَنَّهُ بِاسْتِعَارَتِهِ وَقَبْضِهِ مِنْ الْمُرْتَهِنِ أَزَالَ الْقَبْضَ الْمُوجِبَ لِلضَّمَانِ.
قَوْلُهُ: (فَإِنْ هَلَكَ فِي يَدِ الرَّاهِنِ هَلَكَ بِغَيْرِ شَيْءٍ) لِفَوَاتِ الْقَبْضِ الْمَضْمُونِ.
قَوْلُهُ: (وَلِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَسْتَرْجِعَهُ إلَى يَدِهِ فَإِذَا أَخَذَهُ عَادَ الضَّمَانُ) يَعْنِي بِغَيْرِ اسْتِئْنَافِ عَقْدٍ؛ لِأَنَّ قَبْضَ الْعَارِيَّةِ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الِاسْتِحْقَاقُ فَبَقِيَ الرَّهْنُ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ وَلَوْ مَاتَ الرَّاهِنُ - وَالرَّهْنُ فِي يَدِهِ عَارِيَّةٌ - فَالْمُرْتَهِنُ أَحَقُّ بِهِ مِنْ سَائِرِ الْغُرَمَاءِ وَلَوْ أَعَارَهُ أَحَدُهُمَا أَجْنَبِيًّا بِإِذْنِ الْآخَرِ سَقَطَ حُكْمُ ضَمَانِ الرَّهْنِ فِي الْحَالِ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَرُدَّهُ رَهْنًا كَمَا كَانَ وَهَذَا بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ وَالْهِبَةِ مِنْ أَجْنَبِيٍّ إذَا بَاشَرَهُ أَحَدُهُمَا بِإِذْنِ الْآخَرِ حَيْثُ يَخْرُجُ مِنْ الرَّهْنِ وَلَا يَعُودُ إلَيْهِ إلَّا بِعَقْدٍ مُسْتَأْنَفٍ وَلَوْ مَاتَ الرَّاهِنُ قَبْلَ الرَّدِّ إلَى الْمُرْتَهِنِ كَانَ الْمُرْتَهِنُ أُسْوَةَ الْغُرَمَاءِ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ تَعَلَّقَ بِالرَّهْنِ حَقٌّ لَازِمٌ بِهَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ فَيَبْطُلُ بِهِ حَقُّ الرَّاهِنِ أَمَّا بِالْعَارِيَّةِ فَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حَقٌّ لَازِمٌ فَافْتَرَقَا.
وَإِنْ اسْتَعَارَهُ الْمُرْتَهِنُ مِنْ الرَّاهِنِ فَهَلَكَ قَبْلَ أَنْ يَأْخُذَ فِي الْعَمَلِ هَلَكَ عَلَى ضَمَانِ الْمُرْتَهِنِ لِبَقَاءِ يَدِ الْمُرْتَهِنِ وَكَذَا إذَا هَلَكَ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْعَمَلِ لِارْتِفَاعِ يَدِ الْعَارِيَّةِ وَبَقَاءِ يَدِ الرَّاهِنِ فَعَادَ ضَمَانُهُ وَإِنْ هَلَكَ فِي حَالَةِ الْعَمَلِ هَلَكَ بِغَيْرِ ضَمَانٍ؛ لِأَنَّ يَدَ الْعَارِيَّةِ أَمَانَةٌ وَهِيَ حَادِثَةٌ بَعْدَ زَوَالِ قَبْضِ الرَّهْنِ وَكَذَا إذَا أَذِنَ الرَّاهِنُ لِلْمُرْتَهِنِ بِالِاسْتِعْمَالِ وَمَنْ اسْتَعَارَ شَيْئًا لِيَرْهَنَهُ فَمَا رَهَنَهُ بِهِ مِنْ قَلِيلٍ، أَوْ كَثِيرٍ فَهُوَ جَائِزٌ وَهَذَا إذَا لَمْ يُسَمِّ لَهُ مَا يَرْهَنُهُ بِهِ فَإِنْ سَمَّى لَهُ قَدْرًا مِنْ الدَّيْنِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْهَنَهُ بِأَقَلَّ مِنْهُ وَلَا أَكْثَرَ وَكَذَا إذَا سَمَّى لَهُ صِنْفًا مِنْ الدَّيْنِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْهَنَهُ بِصِنْفٍ غَيْرِهِ وَإِنَّمَا لَمْ يَجُزْ أَنْ يَرْهَنَهُ بِأَقَلَّ مِمَّا سَمَّى؛ لِأَنَّ الْمُعِيرَ رَضِيَ أَنْ يَجْعَلَهُ مَضْمُونًا بِذَلِكَ الْقَدْرِ حَتَّى إذَا هَلَكَ رَجَعَ بِهِ فَإِذَا جَعَلَهُ مَضْمُونًا بِأَقَلَّ مِنْهُ لَمْ يَحْصُلْ الْغَرَضُ مِنْ الضَّمَانِ وَإِنَّمَا لَمْ يَجُزْ أَنْ يَرْهَنَهُ بِأَكْثَرَ مِمَّا سَمَّى لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرْضَ أَنْ يَسْتَوْفِيَ مِنْ مَالِهِ إلَّا ذَلِكَ الْقَدْرَ وَلِأَنَّ الْمُعِيرَ يَتَوَصَّلُ إلَى أَخْذِ عَارِيَّتِهِ بِقَضَاءِ دَيْنِ الْمُرْتَهِنِ فَإِذَا أَذِنَ فِي مِقْدَارٍ يَتَمَكَّنُ مِنْ أَدَائِهِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَرْهَنَهُ بِأَكْثَرَ مِنْهُ فَيَعْجَزَ عَنْ أَدَائِهِ فَإِنْ رَهَنَهُ بِغَيْرِ مَا سَمَّى لَهُ مِنْ الْقَدْرِ، أَوْ الصِّنْفِ فَهُوَ مُخَالِفٌ فَيَضْمَنُ قِيمَةَ الرَّهْنِ إنْ هَلَكَ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ؛ لِأَنَّهُ تَصَرَّفَ فِي مِلْكِهِ عَلَى وَجْهٍ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ فِيهِ فَصَارَ غَاصِبًا وَلِلْمُعِيرِ أَنْ يَأْخُذَهُ مِنْ الْمُرْتَهِنِ وَيَفْسَخَ الرَّهْنَ وَكَذَا إذَا اسْتَعَارَهُ لِيَرْهَنَهُ عِنْدَ رَجُلٍ بِعَيْنِهِ فَرَهَنَهُ عِنْدَ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الْمَالِكَ رَضِيَ بِيَدٍ مَخْصُوصَةٍ وَلَمْ يَرْضَ بِغَيْرِهَا.
وَكَذَا إذَا قَالَ لَهُ ارْهَنْهُ بِالْكُوفَةِ فَرَهَنَهُ بِالْبَصْرَةِ كَانَ ضَامِنًا؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ مُخَالِفٌ، ثُمَّ إنْ شَاءَ الْمُعِيرُ ضَمَّنَ الْمُسْتَعِيرَ وَيَتِمُّ عَقْدُ الرَّهْنِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُرْتَهِنِ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِأَدَاءِ الضَّمَانِ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ رَهَنَ مِلْكَ نَفْسِهِ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْمُرْتَهِنَ وَيَرْجِعُ الْمُرْتَهِنُ بِمَا ضَمِنَ وَبِالدَّيْنِ عَلَى الرَّاهِنِ فَإِنْ هَلَكَ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ وَقَدْ رَهَنَهُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي اسْتَعَارَهُ غَيْرَ مُخَالِفٍ ضَمِنَ الرَّاهِنُ لِلْمُعِيرِ قَدْرَ مَا سَقَطَ عَنْهُ بِهَلَاكِ الرَّهْنِ مِنْ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ وَفَّى دَيْنَهُ مِنْهُ بِأَمْرِهِ فَكَانَ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَيْهِ بِمَا وَفَّى وَلَا يَلْزَمُهُ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ، وَالْمُعِيرُ مُتَطَوِّعٌ فِي الزِّيَادَةِ وَلَوْ عَجَزَ الْمُسْتَعِيرُ عَنْ فِكَاكِ الرَّهْنِ فَافْتَكَّهُ مَالِكُهُ رَجَعَ بِمَا كَانَ الرَّهْنُ يَهْلِكُ بِهِ وَلَا يَرْجِعُ بِأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ بَيَانُهُ إذَا أَعَارَهُ عَبْدًا قِيمَتُهُ مِائَةٌ وَأَذِنَ لَهُ أَنْ يَرْهَنَهُ بِمِائَتَيْنِ فَافْتَكَّهُ الْمُعِيرُ بِمِائَتَيْنِ رَجَعَ بِمِائَةٍ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ لَوْ هَلَكَ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ صَارَ مُسْتَوْفِيًا لِهَذَا الْقَدْرِ وَلَمْ يَكُنْ لِلْمُعِيرِ أَنْ يَرْجِعَ بِأَكْثَرَ مِنْهُ فَكَذَا إذَا اقْتَضَى بِنَفْسِهِ لَمْ يَرْجِعْ بِأَكْثَرَ مِنْهُ.