فصل: فصل: إن قال‏:‏ إن أكلت ولبست فأنت طالق لم تطلق إلا بوجودهما جميعًا

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المغني **


فصل‏:‏

فإن قال‏:‏ إن أكلت ولبست فأنت طالق لم تطلق إلا بوجودهما جميعا سواء تقدم الأكل أو تأخر لأن الواو للعطف ولا تقتضي ترتيبا وإن قال‏:‏ إن أكلت أو لبست فأنت طالق طلقت بوجود أحدهما لأن أو لأحد الشيئين وكذلك إن قال‏:‏ إن أكلت‏,‏ أو إن لبست أو لا أكلت ولا لبست وإن قال‏:‏ أنت طالق لا أكلت ولبست لم تطلق إلا بفعلهما إلا على الرواية التي تقول‏:‏ يحنث بفعل بعض المحلوف عليه فإنه يحنث بأحدهما ها هنا وإن قال‏:‏ أنت طالق إن أكلت فلبست‏,‏ أو إن أكلت ثم لبست لم تطلق حتى تأكل ثم تلبس لأن الفاء وثم للترتيب وإن قال‏:‏ أنت طالق إن أكلت إذا لبست أو‏:‏ إن أكلت متى لبست أو‏:‏ إن أكلت إن لبست لم تطلق حتى تلبس ثم تأكل لأن اللفظ اقتضى تعليق الطلاق بالأكل بعد اللبس ويسميه النحويون اعتراض الشرط على الشرط‏,‏ فيقتضي تقديم المتأخر وتأخير المتقدم لأنه جعل الثاني في اللفظ شرطا للذي قبله والشرط يتقدم المشروط قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏ولا ينفعكم نصحي إن أردت أن أنصح لكم إن كان الله يريد أن يغويكم‏}‏ فلو قال لامرأته‏:‏ إن أعطيتك‏,‏ إن وعدتك إن سألتني فأنت طالق لم تطلق حتى تسأله‏,‏ ثم يعدها ثم يعطيها لأنه شرط في العطية الوعد وفي الوعد السؤال فكأنه قال‏:‏ إن سألتني‏,‏ فوعدتك فأعطيتك فأنت طالق وبهذا قال أبو حنيفة‏,‏ والشافعي وقال القاضي إذا كان الشرط بإذا كقولنا وفيما إذا كان بإن مثل قوله‏:‏ إن شربت إن أكلت أنها تطلق بوجودهما كيفما وجدا لأن أهل العرف لا يعرفون ما يقوله أهل العربية في هذا فتعلقت اليمين بما يعرفه أهل العرف‏,‏ بخلاف ما إذا كان الشرط بإذا والصحيح الأول وليس لأهل العرف في هذا عرف فإن هذا الكلام غير متداول بينهم ولا ينطقون به إلا نادرا‏,‏ فيجب الرجوع فيه إلى مقتضاه عند أهل الشأن كسائر مسائل هذا الفصل‏.‏

فصل‏:‏

فإن قال‏:‏ أنت طالق أن قمت بفتح الهمزة فقال أبو بكر‏:‏ تطلق في الحال لأن ‏"‏ أن ‏"‏ المفتوحة ليست للشرط‏,‏ وإنما هي للتعليل فمعناه‏:‏ أنت طالق لأنك قمت أو لقيامك كقول الله تعالى‏:‏ ‏{‏يمنون عليك أن أسلموا‏}‏ ‏{‏وتخر الجبال هدا أن دعوا للرحمن ولدا‏}‏ ‏{‏يخرجون الرسول وإياكم أن تؤمنوا بالله ربكم‏}‏ وقال القاضي‏:‏ قياس قول أحمد‏,‏ أنه إن كان نحويا وقع طلاقه وإن لم يكن نحويا فهي للشرط لأن العامي لا يريد بذلك إلا الشرط ولا يعرف أن مقتضاها التعليل‏,‏ فلا يريده فلا يثبت له حكم ما لا يعرفه ولا يريده كما لو نطق بكلمة الطلاق بلسان لا يعرفه وحكي عنابن حامد‏,‏ أنه قال في النحوي أيضا‏:‏ لا يقع طلاقه بذلك إلا أن ينويه لأن الطلاق يحمل على العرف في حقهما جميعا واختلف أصحاب الشافعي على ثلاثة أوجه أحدها يقع طلاقه في الحال والثاني‏,‏ يكون شرطا في حق العامي وتعليلا في حق النحوي والثالث يقع الطلاق إلا أن لا يكون من أهل الإعراب‏,‏ فيقول‏:‏ أردت الشرط فيقبل لأنه لا يجوز صرف الكلام عما يقتضيه إلا بقصده وإن قال‏:‏ أنت طالق إذ دخلت الدار طلقت في الحال لأن إذ للماضي ويحتمل أن لا يقع لأن الطلاق لا يقع في زمن ماض فأشبه قوله‏:‏ أنت طالق أمس‏.‏

فصل‏:‏

وإذا علق الطلاق بشرطين لم يقع قبل وجودهما جميعا‏,‏ في قول عامة أهل العلم وخرج القاضي وجها في وقوعه بوجود أحدهما بناء على إحدى الروايتين في من حلف أن لا يفعل شيئا ففعل بعضه وهذا بعيد جدا‏,‏ يخالف الأصول ومقتضى اللغة والعرف وعامة أهل العلم فإنه لا خلاف بينهم في المسائل التي ذكرناها في الشرطين جميعا وإذا اتفق العلماء على أنه لا يقع طلاقه لإخلاله بالترتيب في الشرطين المرتبين في مثل قوله‏:‏ إن أكلت ثم لبست فلإخلاله بالشرط كله أولى‏,‏ ثم يلزم على هذا ما لو قال‏:‏ إن أعطيتني درهمين فأنت طالق وإذا مضى شهران فأنت طالق فإنه لا خلاف في أنها لا تطلق قبل وجودهما جميعا وكان قوله يقتضي أن يقع الطلاق بإعطائه بعض درهم ومضى بعض يوم‏,‏ وأصول الشرع تشهد بأن الحكم المعلق بشرطين لا يثبت إلا بهما وقد نص أحمد على أنه إذا قال‏:‏ إن حضت حيضة فأنت طالق وإذا قال‏:‏ إذا صمت يوما فأنت طالق أنها لا تطلق حتى تحيض حيضة كاملة وإذا غابت الشمس من اليوم الذي تصوم فيه طلقت‏,‏ وأما اليمين فإنه متى كان في لفظه أو نيته ما يقتضي جميع المحلوف عليه لم يحنث إلا بفعل جميعه وفي مسألتنا ما يقتضي تعليق الطلاق بالشرطين معا لتصريحه بهما‏,‏ وجعلهما شرطا للطلاق والحكم لا يثبت بدون شرطه على أن اليمين مقتضاها المنع مما حلف عليه‏,‏ فيقتضي المنع من فعل جميعه لنهي الشارع عن شيء يقتضي المنع من كل جزء منه كما يقتضي المنع من جملته‏,‏ وما علق على شرط جعل جزاء وحكما له والجزاء لا يوجد بدون شرطه والحكم لا يتحقق قبل تمام شرطه‏,‏ لغة وعرفا وشرعا‏.‏

فصول في تعليق الطلاق‏:‏

إذا قال لامرأته‏:‏ إن حضت فأنت طالق فقالت‏:‏ قد حضت فصدقها طلقت‏,‏ وإن كذبها ففيه روايتان إحداهما يقبل قولها لأنها أمينة على نفسها وهذا قول أبي حنيفة‏,‏ والشافعي وهو ظاهر المذهب لأن الله تعالى قال‏:‏ ‏{‏ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن‏}‏ قيل‏:‏ هو الحيض والحمل ولولا أن قولها فيه مقبول لما حرم عليها كتمانه وصار هذا كما قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏ولا تكتموا الشهادة‏}‏ لما حرم كتمانها دل على قبولها‏,‏ كذا ها هنا ولأنه معنى فيها لا يعرف إلا من جهتها فوجب الرجوع إلى قولها فيه كقضاء عدتها والرواية الثانية‏,‏ لا يقبل قولها ويختبرها النساء بإدخال قطنة في الفرج في الزمان الذي ادعت الحيض فيه‏,‏ فإن ظهر الدم فهي حائض وإلا فلا قال أحمد في رواية مهنا‏,‏ في رجل قال لامرأته‏:‏ إذا حضت فأنت طالق وعبدي حر فقالت‏:‏ قد حضت‏:‏ ينظر إليها النساء فتعطى قطنة وتخرجها فإن خرج الدم فهي حائض‏,‏ تطلق ويعتق العبد وقال أبو بكر‏:‏ وبهذا أقول وهذا لأن الحيض يمكن التوصل إلى معرفته من غيرها فلم يقبل فيه مجرد قولها كدخول الدار والأول المذهب‏,‏ ولعل أحمد إنما اعتبر البينة في هذه الرواية من أجل عتق العبد فإن قولها إنما يقبل في حق نفسها دون غيرها وهل يعتبر يمينها إذا قلنا‏:‏ القول قولها‏؟‏ على وجهين بناء على ما إذا ادعت أن زوجها طلقها‏,‏ فأنكرها ولا يقبل قولها إلا في حق نفسها خاصة دون غيرها من طلاق أخرى أو عتق عبد نص عليه أحمد‏,‏ في رجل قال لامرأته‏:‏ إذا حضت فأنت طالق وهذه معك لامرأته الأخرى قالت‏:‏ قد حضت من ساعتها أو بعد ساعة تطلق هي ولا تطلق هذه حتى تعلم لأنها مؤتمنة على نفسها‏,‏ ولا يجعل طلاق هذه بيدها وهذا مذهب الشافعي وغيره لأنها مؤتمنة في حق نفسها دون غيرها فصارت كالمودع يقبل قوله في الرد على المودع دون غيره ولو قال‏:‏ قد حضت فأنكرت طلقت بإقراره فإن قال‏:‏ إن حضت فأنت وضرتك طالقتان فقالت‏:‏ قد حضت فصدقها‏,‏ طلقتا بإقراره وإن كذبها طلقت وحدها وإن ادعت الضرة أنها قد حاضت لم يقبل لأن معرفتها بحيض غيرها كمعرفة الزوج به‏,‏ وإنما اؤتمنت على نفسها في حيضها وإن قال‏:‏ قد حضت فأنكرت طلقتا بإقراره ولو قال لامرأتيه‏:‏ إن حضتما فأنتما طالقتان فقالتا‏:‏ قد حضنا فصدقهما طلقتا‏,‏ وإن كذبهما لم تطلق واحدة منهما لأن طلاق كل واحدة منهما معلق على شرطين حيضها‏,‏ وحيض ضرتها ولا يقبل قول ضرتها عليها فلم يوجد الشرطان وإن صدق إحداهما‏,‏ وكذب الأخرى طلقت المكذبة وحدها لأن قولها مقبول في حقها وقد صدق الزوج ضرتها فوجد الشرطان في طلاقها‏,‏ ولم تطلق المصدقة لأن قول ضرتها غير مقبول في حقها وما صدقها الزوج فلم يوجد شرط طلاقها‏.‏