فصل: فصل: لو قال‏:‏ أنت مطلقة أنت مسرحة‏ أنت مفارقة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المغني **


فصل‏:‏

فإن قال‏:‏ أنت طالق ثم مضى زمن طويل ثم أعاد ذلك للمدخول بها طلقت ثانية‏,‏ ولم يقبل قوله‏:‏ نويت التوكيد لأن التوكيد تابع للكلام فشرطه أن يكون متصلا به كسائر التوابع من العطف‏,‏ والصفة والبدل‏.‏

فصل‏:‏

وكل طلاق يترتب في الوقوع ويأتي بعضه بعد بعض‏,‏ لا يقع بغير المدخول بها منه أكثر من طلقة واحدة لما ذكرناه ويقع بالمدخول بها ثلاث إذا أوقعها مثل قوله‏:‏ أنت طالق فطالق‏,‏ فطالق أو‏:‏ أنت طالق ثم طالق ثم طالق أو‏:‏ أنت طالق ثم طالق وطالق أو‏:‏ فطالق وأشباه ذلك لأن هذه حروف تقتضي الترتيب‏,‏ فتقع بها الأولى فتبينها فتأتي الثانية فتصادفها بائنا غير زوجة فلا تقع بها وأما المدخول بها‏,‏ فتأتي الثانية فتصادف محل النكاح فتقع وكذلك الثالثة وكذلك لو قال‏:‏ أنت طالق‏,‏ بل طالق وطالق ذكره أبو الخطاب ولو قال‏:‏ أنت طالق طلقة قبل طلقة أو‏:‏ بعد طلقة أو بعدها طلقة أو‏:‏ طلقة فطلقة أو‏:‏ طلقة ثم طلقة وقع بغير المدخول بها طلقة‏,‏ وبالمدخول بها طلقتان لما ذكرنا من أن هذا يقتضي طلقة بعد طلقة‏.‏

فصل‏:‏

وإن قال‏:‏ أنت طالق طلقة قبلها طلقة فكذلك ذكره القاضي وهذا ظاهر مذهب الشافعي وقال بعضهم‏:‏ لا يقع بغير المدخول بها شيء بناء على قولهم في المسألة السريجية وقال أبو بكر‏:‏ يقع طلقتان وهو قول أبي حنيفة لأنه استحال وقوع الطلقة الأخرى قبل الطلقة الموقعة‏,‏ فوقعت معها لأنها لما تأخرت عن الزمن الذي قصد إيقاعها فيه لكونه زمنا ماضيا وجب إيقاعها في أقرب الأزمنة إليه‏,‏ وهو معها ولا يلزم تأخرها إلى ما بعدها لأن قبله زمن يمكن الوقوع فيه وهو زمن قريب‏,‏ فلا يؤخر إلى البعيد مع إمكان القريب ولنا أن هذا طلاق بعضه قبل بعض فلم يقع بغير المدخول بها جميعه‏,‏ كما لو قال‏:‏ طلقة بعد طلقة ولا يمتنع أن يقع المتأخر في لفظه متقدما كما لو قال‏:‏ طلقة بعد طلقة أو قال‏:‏ أنت طالق طلقة غدا وطلقة اليوم ولو قال‏:‏ جاء زيد بعد عمرو أو‏:‏ جاء زيد وقبله عمرو أو‏:‏ أعط زيدا بعد عمرو وكان كلاما صحيحا‏,‏ يفيد تأخير المتقدم لفظا عن المذكور بعده وليس هذا طلاقا في زمن ماض‏,‏ وإنما يقع إيقاعه في المستقبل مرتبا على الوجه الذي رتبه ولو قدر أن إحداهما موقعة في زمن ماض لامتنع وقوعها وحدها‏,‏ ووقعت الأخرى وحدها وهذا تعليل القاضي لكونه لا يقع إلا واحدة‏,‏ والأول من التعليل أصح -إن شاء الله تعالى-‏.‏

فصل‏:‏

فإن قال‏:‏ أنت طالق طلقة معها طلقة وقع بها طلقتان وإن قال‏:‏ معها اثنتان وقع بها ثلاث في قياس المذهب وهو أحد الوجهين لأصحاب الشافعي وقال أبو يوسف‏:‏ يقع طلقة لأن الطلقة إذا وقعت مفردة لم يمكن أن يكون معها شيء ولنا‏,‏ أنه أوقع ثلاث طلقات بلفظ يقتضي وقوعهن معا فوقعن كلهن‏,‏ كما لو قال‏:‏ أنت طالق ثلاثا ولا نسلم أن الطلقة تقع مفردة فإن الطلاق لا يقع بمجرد التلفظ به إذ لو وقع بذلك‏,‏ لما صح تعليقه بشرط ولا صح وصفه بالثلاث ولا بغيرها‏,‏ وكذلك الحكم لو قال‏:‏ إذا طلقتك فأنت طالق معها طلقة ثم قال‏:‏ أنت طالق فإنها تطلق طلقتين لما ذكرنا‏.‏

فصل‏:‏

فإن قال‏:‏ أنت طالق طلقة بعدها طلقة ثم قال‏:‏ أردت إني أوقع بعدها طلقة دين وهل يقبل في الحكم‏؟‏ يخرج على روايتين وإن قال‏:‏ أنت طالق طلقة قبلها طلقة وقال‏:‏ أردت إني طلقتها قبل هذا في نكاح آخر أو أن زوجا قبلي طلقها دين‏,‏ وهل يقبل في الحكم‏؟‏ على ثلاثة أوجه أحدها يقبل والآخر لا يقبل والثالث‏,‏ يقبل إن كان وجد وإن لم يكن وجد لم يقبل والصحيح أنه إذا لم يكن وجد لا يقبل لأنه لا يحتمل ما قاله‏.‏

فصل‏:‏

فإن قال‏:‏ أنت طالق طالق طالق وقال‏:‏ أردت التوكيد قبل منه لأن الكلام يكرر للتوكيد كقوله عليه السلام‏:‏ ‏"‏ فنكاحها باطل باطل باطل ‏"‏ وإن قصد الإيقاع‏,‏ وكرر الطلقات طلقت ثلاثا وإن لم ينو شيئا لم يقع إلا واحدة لأنه لم يأت بينهما بحرف يقتضي المغايرة‏,‏ فلا يكن متغايرات وإن قال‏:‏ أنت طالق وطالق وطالق وقال‏:‏ أردت بالثانية التأكيد لم يقبل لأنه غاير بينها وبين الأولى بحرف يقتضي العطف والمغايرة وهذا يمنع التأكيد وأما الثالثة فهي كالثانية في لفظها فإن قال‏:‏ أردت بها التوكيد دين‏,‏ وهل يقبل في الحكم‏؟‏ يخرج على روايتين إحداهما يقبل وهي مذهب الشافعي لأنه كرر لفظ الطلاق مثل الأول فقبل تفسيره بالتأكيد كما لو قال‏:‏ أنت طالق‏,‏ أنت طالق والثانية لا يقبل لأن حرف العطف للمغايرة فلا يقبل ما يخالف ذلك‏,‏ كما لا يقبل في الثانية ولو قال‏:‏ أنت طالق فطالق فطالق أو‏:‏ أنت طالق ثم طالق ثم طالق فالحكم فيها كالتي عطفها بالواو وإن غاير بين الحروف‏,‏ فقال‏:‏ أنت طالق وطالق ثم طالق أو‏:‏ طالق ثم طالق وطالق أو‏:‏ طالق وطالق فطالق ونحو ذلك لم يقبل في شيء منها إرادة التوكيد لأن كل كلمة مغايرة لما قبلها‏,‏ مخالفة لها في لفظها والتوكيد إنما يكون بتكرير الأول بصورته‏.‏

فصل‏:‏

ولو قال‏:‏ أنت مطلقة أنت مسرحة‏,‏ أنت مفارقة وقال‏:‏ أردت التوكيد بالثانية والثالثة قبل لأنه لم يغاير بينهما بالحروف الموضوعة للمغايرة بين الألفاظ بل أعاد اللفظة بمعناها ومثل هذا يعاد توكيدا وإن قال‏:‏ أنت مطلقة‏,‏ ومسرحة ومفارقة وقال‏:‏ أردت التوكيد احتمل أن يقبل منه لأن اللفظ المختلف يعطف بعضه على بعض توكيدا كقوله‏:‏

فألفى قولها كذبا ومينا

ويحتمل أن لا يقبل لأن الواو تقتضي المغايرة‏,‏ فأشبه ما لو كان بلفظ واحد‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏وإذا قال لغير مدخول بها‏:‏ أنت طالق وطالق وطالق لزمه الثلاث لأنه نسق وهو مثل قوله‏:‏ أنت طالق ثلاثا‏]‏

وبهذا قال مالك والأوزاعي‏,‏ والليث وربيعة وابن أبي ليلى وحكي عنالشافعي في القديم ما يدل عليه وقال الثوري‏,‏ وأبو حنيفة والشافعي وأبو ثور‏:‏ لا يقع إلا واحدة لأنه أوقع الأولى قبل الثانية‏,‏ فلم يقع عليها شيء آخر كما لو فرقها ولنا أن الواو تقتضي الجمع‏,‏ ولا ترتيب فيها فيكون موقعا للثلاث جميعا فيقعن عليها‏,‏ كقوله‏:‏ أنت طالق ثلاثا أو‏:‏ طلقة معها طلقتان ويفارق ما إذا فرقها فإنها لا تقع جميعا وكذلك إذا عطف بعضها على بعض بحرف يقتضي الترتيب‏,‏ فإن الأولى تقع قبل الثانية بمقتضى إيقاعه وهاهنا لا تقع الأولى حين نطقه بها حتى يتم كلامه بدليل أنه لو ألحقه استثناء‏,‏ أو شرطا أو صفة لحق به‏,‏ ولم يقع الأول مطلقا ولو كان يقع حين تلفظه لم يلحقه شيء من ذلك‏,‏ وإذا ثبت أنه يقف وقوعه على تمام الكلام فإنه يقع عند تمام كلامه على الوجه الذي اقتضاه لفظه ولفظه يقتضي وقوع الطلقات الثلاث مجتمعات‏,‏ وهو معنى قول الخرقي‏:‏ لأنه نسق أي غير مفترق فإن قيل‏:‏ إنما وقف أول الكلام على آخره مع الشرط والاستثناء لأنه مغير له والعطف لا يغير فلا يقف عليه‏,‏ ونتبين أنه وقع أول ما لفظ به ولذلك لو قال لها‏:‏ أنت طالق أنت طالق لم يقع إلا واحدة قلنا‏:‏ ما لم يتم الكلام‏,‏ فهو عرضة للتغيير إما بما يخصه بزمن أو يقيده بقيد كالشرط‏,‏ وإما بما يمنع بعضه كالاستثناء وإما بما يبين عدد الواقع كالصفة بالعدد‏,‏ وأشباه هذا فيجب أن يكون واقعا ولولا ذلك لما وقع بغير المدخول بها ثلاث بحال لأنه لو قال لها‏:‏ أنت طالق ثلاثا فوقعت بها طلقة قبل قوله ثلاثا لم يمكن أن يقع بها شيء آخر وأما إذا قال‏:‏ أنت طالق‏,‏ أنت طالق فهاتان جملتان لا تتعلق إحداهما بالأخرى ولو تعقب إحداهما شرط أو استثناء أو صفة لم يتناول الأخرى‏,‏ ولا وجه لوقوف إحداهما على الأخرى والمعطوف مع المعطوف عليه شيء واحد لو تعقبه شرط لعاد إلى الجميع‏,‏ ولأن المعطوف لا يستقل بنفسه ولا يفيد بمفرده بخلاف قوله‏:‏ أنت طالق فإنها جملة مفيدة‏,‏ لا تعلق لها بالأخرى فلا يصح قياسها عليها‏.‏

فصل‏:‏

فإن قال‏:‏ أنت طالق طلقتين ونصفا فهي عندنا كالتي قبلها يقع الثلاث وقال مخالفونا‏:‏ يقع طلقتان وإن قال‏:‏ إن دخلت الدار فأنت طالق وكرر ذلك ثلاثا‏,‏ فدخلت طلقت في قول الجميع لأن الصفة وجدت‏,‏ فاقتضى وقوع دفعة واحدة وإن قال‏:‏ إن دخلت الدار فأنت طالق وطالق وطالق فدخلت الدار طلقت ثلاثا وبه قال أبو يوسف‏,‏ ومحمد وأصحاب الشافعي في أحد الوجهين وقال أبو حنيفة‏:‏ يقع واحدة لأن الطلاق المعلق إذا وجدت الصفة يكون كأنه أوقعه في تلك الحال على صفته‏,‏ ولو أوقعه كذلك لم يقع إلا واحدة ولنا أنه وجد شرط وقوع ثلاث طلقات‏,‏ غير مرتبات فوقع الثلاث كالتي قبلها وإن قال‏:‏ إذا دخلت الدار فأنت طالق طلقة معها طلقتان فدخلت‏,‏ طلقت ثلاثا وذكر مثل هذا بعض أصحاب الشافعي ولم يحك عنهم فيه خلافا‏.‏

فصل‏:‏

وإن قال لغير مدخول بها‏:‏ أنت طالق ثم طالق ثم طالق إن دخلت الدار أو‏:‏ إن دخلت الدار فأنت طالق ثم طالق ثم طالق أو‏:‏ إن دخلت فأنت طالق فطالق فطالق فدخلت‏,‏ طلقت واحدة فبانت بها ولم يقع غيرها وبهذا قال الشافعي وذهب القاضي إلى أنها تطلق في الحال واحدة‏,‏ تبين بها وهو قول أبي حنيفة في الصورة الأولى لأن ‏"‏ ثم ‏"‏ تقطع الأولى عما بعدها لأنها للمهلة فتكون الأولى موقعة‏,‏ والثانية معلقة بالشرط وقال أبو يوسف ومحمد‏:‏ لا يقع حتى تدخل الدار فيقع بها ثلاث لأن دخول الدار شرط لثلاث فوقعت‏,‏ كما لو قال‏:‏ إن دخلت الدار فأنت طالق وطالق وطالق ولنا أن ‏"‏ ثم ‏"‏ للعطف وفيها ترتيب‏,‏ فتعلقت التطليقات كلها بالدخول لأن العطف لا يمنع تعليق الشرط بالمعطوف عليه ويجب الترتيب فيها كما يجب لو لم يعلقه بالشرط‏,‏ وفي هذا انفصال عما ذكروه ولأن الأولى تلي الشرط فلم يجز وقوعها بدونه‏,‏ كما لو لم يعطف عليها ولأنه جعل الأولى جزاء للشرط وعقبه إياها بفاء التعقيب‏,‏ الموضوعة للجزاء فلم يجز تقديمها عليه كسائر نظائره ولأنه لو قال‏:‏ إن دخل زيد داري‏,‏ فأعطه درهما لم يجز أن يعطيه قبل دخوله فكذا ها هنا وما ذكروه تحكم ليس له شاهد في اللغة‏,‏ ولا أصل في الشرع‏.‏

فصل‏:‏

وإن قال لمدخول بها‏:‏ إن دخلت الدار فأنت طالق ثم طالق ثم طالق لم يقع بها شيء حتى تدخل الدار فتقع بها الثلاث وبهذا قال الشافعي وأبو يوسف ومحمد وذهب القاضي إلى وقوع طلقتين في الحال‏,‏ وتبقى الثالثة معلقة بالدخول وهو ظاهر الفساد فإنه يجعل الشرط المتقدم للمعطوف دون المعطوف عليه‏,‏ ويعلق به ما يبعد عنه دون ما يليه ويجعل جزاءه ما لم توجد فيه الفاء التي يجازى بها‏,‏ دون ما وجدت فيه تحكما لا يعرف عليه دليلا ولا نعلم له نظيرا وإن قال لها‏:‏ إن دخلت الدار فأنت طالق فطالق فطالق فدخلت‏,‏ طلقت ثلاثا في قولهم جميعا‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏إذا طلق ثلاثا وهو ينوي واحدة فهي ثلاث‏]‏

وجملة ذلك أن الرجل إذا قال لامرأته‏:‏ أنت طالق ثلاثا فهي ثلاث‏,‏ وإن نوى واحدة لا نعلم فيه خلافا لأن اللفظ صريح في الثلاث والنية لا تعارض الصريح لأنها أضعف من اللفظ‏,‏ ولذلك لا نعمل بمجردها والصريح قوي يعمل بمجرده من غير نية‏,‏ فلا يعارض القوي بالضعيف كما لا يعارض النص بالقياس ولأن النية إنما تعمل في صرف اللفظ إلى بعض محتملاته‏,‏ والثلاث نص فيها لا يحتمل الواحدة بحال فإذا نوى واحدة‏,‏ فقد نوى ما لا يحتمله فلا يصح كما لو قال‏:‏ له على ثلاثة دراهم وقال‏:‏ أردت واحدا‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏وإن طلق واحدة‏,‏ وهو ينوي ثلاثا فهي واحدة‏]‏

أما إذا قال‏:‏ أنت طالق واحدة ونوى ثلاثا لم يقع إلا واحدة لأن لفظه لا يحتمل أكثر منها‏,‏ فإذا نوى ثلاثا فقد نوى ما لا يحتمله لفظه فلو وقع أكثر من ذلك‏,‏ لوقع بمجرد النية ومجرد النية لا يقع بها طلاق وقال أصحاب الشافعي في أحد الوجهين‏:‏ يقع ثلاث لأنه يحتمل واحدة معها اثنتان وهذا فاسد‏,‏ فإن قوله‏:‏ معها اثنتان لا يؤديه معنى الواحدة ولا يحتمله فنيته فيه نية مجردة‏,‏ فلا تعمل كما لو نوى الطلاق من غير لفظ وأما إذا قال‏:‏ أنت طالق ونوى ثلاثا فهذا فيه روايتان إحداهما‏,‏ لا يقع إلا واحدة وهو قول الحسن وعمرو بن دينار‏,‏ والثوري والأوزاعي وأصحاب الرأي لأن هذا اللفظ لا يتضمن عددا‏,‏ ولا بينونة فلم تقع به الثلاث كما لو قال‏:‏ أنت طالق واحدة بيانه أن قوله‏:‏ أنت طالق إخبار عن صفة هي عليها‏,‏ فلم يتضمن العدد كقوله‏:‏ قائمة وحائض‏,‏ وطاهر والرواية الثانية إذا نوى ثلاثا وقع الثلاث وهو قول مالك‏,‏ والشافعي وأبي عبيد وابن المنذر لأنه لفظ لو قرن به لفظ الثلاث‏,‏ كان ثلاثا فإذا نوى به الثلاث كان ثلاثا‏,‏ كالكنايات ولأنه نوى بلفظه ما يحتمله فوقع ذلك به‏,‏ كالكناية وبيان احتمال اللفظ للعدد أنه يصح تفسيره به فيقول‏:‏ أنت طالق ثلاثا ولأن قوله‏:‏ طالق اسم فاعل واسم الفاعل يقتضي المصدر‏,‏ كما يقتضيه الفعل والمصدر يقع على القليل والكثير وفارق قوله‏:‏ أنت حائض وطاهر لأن الحيض والطهر لا يمكن تعدده في حقها‏,‏ والطلاق يمكن تعدده‏.‏

فصل‏:‏

فإن قال‏:‏ أنت طالق طلاقا ونوى ثلاثا وقع لأنه صرح بالمصدر والمصدر يقع على القليل والكثير‏,‏ فقد نوى بلفظه ما يحتمله وإن نوى واحدة فهي واحدة‏,‏ وإن أطلق فهي واحدة لأنه اليقين وإن قال‏:‏ أنت طالق الطلاق وقع ما نواه وإن لم ينو شيئا فحكى فيها القاضي روايتين إحداهما‏:‏ يقع الثلاث نص عليها أحمد‏,‏ في رواية مهنا لأن الألف واللام للاستغراق فيقتضي استغراق الكل وهو ثلاث والثانية‏,‏ إنها واحدة لأنه يحتمل أن تعود الألف واللام إلى معهود يريد الطلاق الذي أوقعته ولأن اللام في أسماء الأجناس تستعمل لغير الاستغراق كثيرا كقوله‏:‏ ومن أكره على الطلاق وإذا عقل الصبي الطلاق واغتسلت بالماء وتيممت بالتراب وقرأت العلم والحديث والفقه هذا مما يراد به ذلك الجنس‏,‏ ولا يفهم منه الاستغراق فعند ذلك لا يحمل على التعميم إلا بنية صارفة إليه وهكذا لو قال لامرأته‏:‏ أنت الطلاق فإن أحمد قال‏:‏ إن أراد ثلاثا‏,‏ فهي ثلاث وإن نوى واحدة فهي واحدة‏,‏ وإن لم ينو شيئا فكلام أحمد يقتضي أن تكون ثلاثا لأنه إذا قال‏:‏ أنت الطلاق فهذا قد بين أي شيء بقي هي ثلاث وهذا اختيار أبي بكر ويخرج فيها أنها واحدة بناء على المسألة قبلها ووجه القولين ما تقدم‏,‏ ومما يبين أنه يراد بها الواحد قول الشاعر‏:‏

فأنت الطلاق وأنت الطلاق ** وأنت الطلاق ثلاثا تماما

فجعل المكرر ثلاثا ثلاثا ولو كان للاستغراق لكان ذلك تسعا‏.‏

فصل‏:‏

ولو قال‏:‏ الطلاق يلزمني أو‏:‏ الطلاق لي لازم فهو صريح فإنه يقال لمن وقع طلاقه‏:‏ لزمه الطلاق وقالوا‏:‏ إذا عقل الصبي الطلاق فطلق‏,‏ لزمه ولعلهم أرادوا‏:‏ لزمه حكمه فحذفوا المضاف وأقاموا المضاف إليه مقامه ثم اشتهر ذلك‏,‏ حتى صار من الأسماء العرفية وانغمرت الحقيقة فيه ويقع به ما نواه من واحدة أو اثنتين‏,‏ أو ثلاث وإن أطلق ففيه روايتان وجههما ما تقدم وإن قال‏:‏ على الطلاق فهو بمثابة قوله‏:‏ الطلاق يلزمني لأن من لزمه شيء فهو عليه كالدين‏,‏ وقد اشتهر استعمال هذا في إيقاع الطلاق ويخرج فيه في حالة الإطلاق الروايتان هل هو ثلاث أو واحدة‏؟‏ والأشبه في هذا جميعه أن يكون واحدة لأن أهل العرف لا يعتقدونه ثلاثا ولا يعلمون أن الألف واللام للاستغراق ولهذا ينكر أحدهم أن يكون طلق ثلاثا‏,‏ ولا يعتقد أنه طلق إلا واحدة فمقتضى اللفظ في ظنهم واحدة فلا يريدون إلا ما يعتقدونه مقتضى للفظهم‏,‏ فيصير كأنهم نووا الواحدة‏.‏

فصل‏:‏

وإن قال‏:‏ أنت طالق للسنة طلقت واحدة في وقت السنة وذهب أبو حنيفة إلى أنها تطلق ثلاثا في ثلاثة قروء بناء منه على أن هذا هو السنة وقد بينا أن طلاق السنة طلقة واحدة‏,‏ في طهر لم يصبها فيه وإن قال‏:‏ أنت طالق طلاق السنة وقعت بها واحدة في طهر لم يصبها فيه أيضا إلا أن ينوي الثلاث فتكون ثلاثا لأنه ذكر المصدر‏,‏ والمصدر يقع على الكثير والقليل بخلاف التي قبلها‏.‏

فصل‏:‏

وإن قال العجمي‏:‏ بهشتم لبسيار طلقت امرأته ثلاثا نص عليه أحمد لأن معناه‏:‏ أنت طالق كثيرا وإن قال‏:‏ بهشتم فحسب طلقت واحدة‏,‏ إلا أن ينوي ثلاثا فتكون ثلاثا نص عليه أحمد في رواية ابن منصور وقال القاضي‏:‏ يتخرج فيه روايتان بناء على قوله‏:‏ أنت طالق لأن هذا صريح‏,‏ وذاك صريح فهما سواء والصحيح أنه يقع ما نواه لأن معناها خليتك وخليتك يقع بها ما نواه‏,‏ وكذا ها هنا وإنما صارت صريحة لشهرة استعمالها في الطلاق وتعينها له‏,‏ وذلك لا ينفي معناها ولا يمنع العمل به إذا أراده وإن قال‏:‏ فارقتك أو‏:‏ سرحتك ونوى واحدة أو أطلق‏,‏ فهي واحدة وإن نوى ثلاثا فهي ثلاث لأنه فعل يمكن أن يعبر به عن القليل والكثير وكذلك لو قال‏:‏ طلقتك‏.‏

فصل‏:‏

ولا يقع الطلاق بغير لفظ الطلاق‏,‏ إلا في موضعين أحدهما من لا يقدر على الكلام كالأخرس إذا طلق بالإشارة‏,‏ طلقت زوجته وبهذا قال مالك والشافعي وأصحاب الرأي ولا نعلم عن غيرهم خلافهم وذلك لأنه لا طريق له إلى الطلاق إلا بالإشارة‏,‏ فقامت إشارته مقام الكلام من غير نية كالنكاح فأما القادر‏,‏ فلا يصح طلاقه بالإشارة كما لا يصح نكاحه بها فإن أشار الأخرس بأصابعه الثلاث إلى الطلاق‏,‏ طلقت ثلاثا لأن إشارته جرت مجرى نطق غيره ولو قال الناطق‏:‏ أنت طالق وأشار بأصابعه الثلاث لم يقع إلا واحدة لأن إشارته لا تكفي وإن قال‏:‏ أنت طالق هكذا وأشار بأصابعه الثلاث طلقت ثلاثا لأن قوله هكذا تصريح بالتشبيه بالأصابع في العدد وذلك يصلح بيانا‏,‏ كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏الشهر هكذا وهكذا وهكذا‏)‏ وأشار بيديه مرة ثلاثين ومرة تسعا وعشرين وإن قال‏:‏ أردت الإشارة بالأصبعين المقبوضتين قبل منه لأنه يحتمل ما يدعيه الموضع الثاني إذا كتب الطلاق‏,‏ فإن نواه طلقت زوجته وبهذا قال الشعبي والنخعي والزهري‏,‏ والحكم وأبو حنيفة ومالك وهو المنصوص عن الشافعي وذكر بعض أصحابه‏,‏ أن له قولا آخر أنه لا يقع به طلاق وإن نواه لأنه فعل من قادر على النطق‏,‏ فلم يقع به الطلاق كالإشارة ولنا أن الكتابة حروف يفهم منها الطلاق‏,‏ فإذا أتى فيها بالطلاق وفهم منها ونواه‏,‏ وقع كاللفظ ولأن الكتابة تقوم مقام قول الكاتب بدلالة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان مأمورا بتبليغ رسالته فحصل ذلك في حق البعض بالقول‏,‏ وفي حق آخرين بالكتابة إلى ملوك الأطراف ولأن كتاب القاضي يقوم مقام لفظه في إثبات الديون والحقوق فأما إن كان كتب ذلك من غير نية فقال أبو الخطاب‏:‏ قد خرجها القاضي الشريف في ‏"‏ الإرشاد ‏"‏ على روايتين إحداهما‏,‏ يقع وهو قول الشعبي والنخعي والزهري‏,‏ والحكم لما ذكرنا والثانية‏:‏ لا يقع إلا بنية وهو قول أبي حنيفة ومالك ومنصوص الشافعي لأن الكتابة محتملة‏,‏ فإنه يقصد بها تجربة القلم وتجويد الخط وغم الأهل‏,‏ من غير نية ككنايات الطلاق فإن نوى بذلك تجويد خطه أو تجربة قلمه‏,‏ لم يقع لأنه لو نوى باللفظ غير الإيقاع لم يقع فالكتابة أولى وإذا ادعى ذلك دين فيما بينه وبين الله تعالى‏,‏ ويقبل أيضا في الحكم في أصح الوجهين لأنه يقبل ذلك في اللفظ الصريح في أحد الوجهين فهاهنا مع أنه ليس بلفظ أولى وإن قال‏:‏ نويت غم أهلي فقد قال في رواية أبي طالب‏,‏ في من كتب طلاق زوجته ونوى الطلاق‏:‏ وقع وإن أراد أن يغم أهله‏,‏ فقد عمل في ذلك أيضا يعني أنه يؤاخذ به لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏إن الله عفا لأمتي عما حدثت به أنفسها ما لم تكلم أو تعمل به‏)‏ فظاهر هذا أنه أوقع الطلاق لأن غم أهله يحصل بالطلاق فيجتمع غم أهله ووقوع طلاقه كما لو قال‏:‏ أنت طالق يريد به غمها ويحتمل أن لا يقع لأنه أراد غم أهله بتوهم الطلاق‏,‏ دون حقيقته فلا يكون ناويا للطلاق والخبر إنما يدل على مؤاخذته بما نواه عند العمل به‏,‏ أو الكلام وهذا لم ينو طلاقا فلا يؤاخذ به‏.‏

فصل‏:‏

وإن كتبه بشيء لا يبين مثل أن كتب بأصبعه على وسادة‏,‏ أو في الهواء فظاهر كلام أحمد أنه لا يقع وقال أبو حفص العكبري‏:‏ يقع ورواه الأثرم عن الشعبي لأنه كتب حروف الطلاق‏,‏ فأشبه ما لو كتبه بشيء يبين والأول أولى لأن الكتابة التي لا تبين كالهمس بالفم بما لا يتبين‏,‏ وثم لا يقع فهاهنا أولى‏.‏

فصل‏:‏

إذا كتب لزوجته‏:‏ أنت طالق ثم استمد فكتب‏:‏ إذا أتاك كتابي أو علقه بشرط‏,‏ أو استثناء وكان في حال كتابته للطلاق مريدا للشرط لم يقع طلاقه في الحال لأنه لم ينو الطلاق في الحال‏,‏ بل نواه في وقت آخر وإن كان نوى الطلاق في الحال غير معلق بشرط‏,‏ طلقت للحال وإن لم ينو شيئا وقلنا‏:‏ إن المطلق يقع به الطلاق نظرنا فإن كان استمدادا لحاجة‏,‏ أو عادة لم يقع طلاق قبل وجود الشرط لأنه لو قال‏:‏ أنت طالق ثم أدركه النفس أو شيء يسكته‏,‏ فسكت لذلك ثم أتى بشرط تعلق به فالكتابة أولى وإن استمد لغير حاجة ولا عادة‏,‏ وقع الطلاق كما لو سكت بعد قوله‏:‏ أنت طالق لغير حاجة ثم ذكر شرطا وإن قال‏:‏ إنني كتبته مريدا للشرط فقياس قول أصحابنا‏,‏ أنها لا تطلق قبل الشرط إلا أنه يدين وهل يقبل في الحكم‏؟‏ على وجهين بناء على قولهم في من قال‏:‏ أنت طالق ثم قال‏:‏ أردت تعليقه على شرط وإن كتب إلى امرأته‏:‏ أما بعد فأنت طالق طلقت في الحال سواء وصل إليها الكتاب‏,‏ أو لم يصل وعدتها من حين كتبه وإن كتب إليها‏:‏ إذا وصلك كتابي فأنت طالق فأتاها الكتاب طلقت عند وصوله إليها وإن ضاع ولم يصلها‏,‏ لم تطلق لأن الشرط وصوله وإن ذهبت كتابته بمحو أو غيره ووصل الكاغد‏,‏ لم تطلق لأنه ليس بكتاب وكذلك إن انطمس ما فيه لعرق أو غيره لأن الكتاب عبارة عما فيه الكتابة وإن ذهبت حواشيه أو تخرق منه شيء لا يخرجه عن كونه كتابا‏,‏ ووصل باقيه طلقت لأن الباقي كتاب وإن تخرق بعض ما فيه الكتابة سوى ما فيه ذكر الطلاق فوصل طلقت لأن المقصود باق فينصرف الاسم إليه وإن تخرق ما فيه ذكر الطلاق فذهب ووصل باقيه‏,‏ لم تطلق لأن المقصود ذاهب فإن قال لها‏:‏ إذا أتاك طلاقي فأنت طالق ثم كتب إليها‏:‏ إذا أتاك كتابي فأنت طالق فأتاها الكتاب طلقت طلقتين لوجود الصفتين في مجيء الكتاب فإن قال‏:‏ أردت إذا أتاك كتابي فأنت طالق بذلك الطلاق الذي علقته دين وهل يقبل في الحكم‏؟‏ يخرج على روايتين‏.‏

فصل‏:‏

ولا يثبت الكتاب بالطلاق إلا بشاهدين عدلين‏,‏ أن هذا كتابه قال أحمد في رواية حرب في امرأة أتاها كتاب زوجها بخطه وخاتمه بالطلاق‏:‏ لا تتزوج حتى يشهد عندها شهود عدول قيل له‏:‏ فإن شهد حامل الكتاب‏؟‏ قال‏:‏ لا إلا شاهدان فلم يقبل قول حامل الكتاب وحده حتى يشهد معه غيره لأن الكتب المثبتة للحقوق لا تثبت إلا بشاهدين‏,‏ ككتاب القاضي وظاهر كلام أحمد أن الكتاب يثبت عندها بشهادتهما بين يديها وإن لم يشهدا به عند الحاكم لأن أثره في حقها في العدة‏,‏ وجواز التزويج بعد انقضائها وهذا معنى يختص به لا يثبت به حق على الغير فاكتفى فيه بسماعها للشهادة ولو شهد شاهدان‏,‏ أن هذا خط فلان لم يقبل لأن الخط يشبه به ويزور ولهذا لم يقبله الحاكم‏,‏ ولو اكتفى بمعرفة الخط لاكتفى بمعرفتها له من غير شهادة وذكر القاضي أنه لا يصح شهادة الشاهدين حتى يشاهداه يكتبه‏,‏ ثم لا يغيب عنهما حتى يؤديا الشهادة وهذا مذهب الشافعي والصحيح أن هذا ليس بشرط فإن كتاب القاضي لا يشترط فيه ذلك فهذا أولى وقد يكون صاحب الكتاب لا يعرف الكتابة وإنما يستنيب فيها وقد يستنيب فيها من يعرفها بل متى أتاها بكتاب وقرأه عليهما وقال‏:‏ هذا كتابي كان لهما أن يشهدا به‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏وإذا قال لها‏:‏ نصفك طالق أو يدك أو عضو من أعضائك طالق أو قال لها‏:‏ أنت طالق نصف تطليقة أو ربع تطليقة وقعت بها واحدة‏]‏

الكلام في هذه المسألة في فصلين‏:‏ الفصل الأول أنه إذا طلق جزءا منها والثاني إذا طلق جزءا من طلقة فأما الأول فإنه متى طلق من المرأة جزءا من أجزائها الثابتة طلقت كلها سواء كان جزءا شائعا كنصفها أو سدسها أو جزءا من ألف جزء منها أو جزءا معينا كيدها أو رأسها أو أصبعها وهذا قول الحسن ومذهب الشافعي وأبي ثور وابن القاسم صاحب مالك وذهب أصحاب الرأي إلى أنه إن أضافه إلى جزء شائع أو واحد من أعضاء خمسة الرأس والوجه والرقبة والظهر والفرج طلقت وإن أضافه إلى جزء معين غير هذه الخمسة لم تطلق لأنه جزء تبقى الجملة منه بدونه أو جزء لا يعبر به عن الجملة فلم تطلق المرأة بإضافة الطلاق إليه كالسن والظفر ولنا أنه أضاف الطلاق إلى جزء ثابت استباحه بعقد النكاح فأشبه الجزء الشائع والأعضاء الخمسة ولأنها جملة لا تتبعض في الحل والحرمة وجد فيها ما يقتضي التحريم والإباحة فغلب فيها حكم التحريم كما لو اشترك مسلم ومجوسي في قتل صيد وفارق ما قاسوا عليه فإنه ليس بثابت والشعر والظفر ليس بثابت فإنهما يزولان ويخرج غيرهما ولا ينقض مسهما الطهارة‏.‏

الفصل الثاني‏:‏

إذا طلقها نصف تطليقة أو جزءا منها وإن قل فإنه يقع بها طلقة كاملة في قول عامة أهل العلم إلا داود قال‏:‏ لا تطلق بذلك قال ابن المنذر‏:‏ أجمع كل من أحفظ عنه من أهل العلم على أنها تطلق بذلك منهم الشعبي والحارث العكلي والزهري وقتادة والشافعي وأصحاب الرأي وأبو عبيد قال أبو عبيد‏:‏ وهو قول مالك وأهل الحجاز والثوري وأهل العراق وذلك لأن ذكر بعض ما لا يتبعض في الطلاق ذكر لجميعه كما لو قال‏:‏ نصفك طالق‏.‏

فصل‏:‏

فإن قال‏:‏ أنت طالق نصفي طلقة وقعت طلقة لأن نصفي الشيء كله وإن قال‏:‏ ثلاثة أنصاف طلقة طلقت طلقتين لأن ثلاثة أنصاف طلقة ونصف فكمل النصف فصارا طلقتين وهذا وجه لأصحاب الشافعي ولهم وجه آخر أنها لا تطلق إلا واحدة لأنه جعل الأنصاف من طلقة واحدة فيسقط ما ليس منها وتقع طلقة ولا يصح لأن إسقاط الطلاق الموقع من الأهل في المحل لا سبيل إليه وإنما الإضافة إلى الطلقة الواحدة غير صحيحة فلغت الإضافة وإن قال‏:‏ أنت طالق نصف طلقتين طلقت واحدة لأن نصف الطلقتين طلقة وذكر أصحاب الشافعي وجها آخر أنه يقع طلقتان لأن اللفظ يقتضي النصف من كل واحدة منهما ثم يكمل وما ذكرناه أولى لأن التنصيف يتحقق به وفيه عمل باليقين وإلغاء الشك وإيقاع ما أوقعه من غير زيادة فكان أولى وإن قال‏:‏ أنت طالق نصفي طلقتين وقعت طلقتان لأن نصفي الشيء جميعه فهو كما لو قال‏:‏ أنت طالق طلقتين وإن قال‏:‏ أنت طالق نصف ثلاث طلقات طلقت طلقتين لأن نصفها طلقة ونصف ثم يكمل النصف فتصير طلقتين‏.‏

فصل‏:‏

وإن قال‏:‏ أنت طالق نصف وثلث وسدس طلقة وقعت طلقة لأنها أجزاء الطلقة ولو قال‏:‏ أنت طالق نصف طلقة وثلث طلقة وسدس طلقة فقال أصحابنا‏:‏ يقع ثلاث لأنه عطف جزءا من طلقة على جزء من طلقة فظاهره أنها طلقات متغايرة ولأنها لو كانت الثانية هي الأولى لجاء بها فاللام التعريف فقال‏:‏ ثلث الطلقة وسدس الطلقة فإن أهل العربية قالوا‏:‏ إذا ذكر لفظ ثم أعيد منكرا فالثاني غير الأول وإن أعيد معرفا بالألف واللام فالثاني هو الأول كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏فإن مع العسر يسرًا إن مع العسر يسرًا‏}‏ فالعسر الثاني هو الأول لإعادته معرفا واليسر الثاني غير الأول لإعادته منكرا ولهذا قيل‏:‏ لن يغلب عسر يسرين وقيل‏:‏ لو أراد بالثانية الأولى لذكرها بالضمير لأنه الأولى وإن قال‏:‏ أنت طالق نصف طلقة ثلث طلقة سدس طلقة طلقت طلقة لأنه لم يعطف بواو العطف فيدل على أن هذه الأجزاء من طلقة غير متغايرة ولأنه يكون الثاني ها هنا بدلا من الأول والثالث من الثاني والبدل هو المبدل أو بعضه فلم يقتض المغايرة وعلى هذا التعليل لو قال‏:‏ أنت طالق طلقة نصف طلقة أو طلقة طلقة لم تطلق إلا طلقة فإن قال‏:‏ أنت طالق نصفا وثلثا وسدسا لم يقع إلا طلقة لأن هذه أجزاء الطلقة إلا أن يريد من كل طلقة جزءا فتطلق ثلاثا ولو قال‏:‏ أنت طالق نصفا وثلثا وربعا طلقت طلقتين لأنه يزيد على الطلقة نصف سدس ثم يكمل وإن أراد من كل طلقة جزءا طلقت ثلاثا وإن قال‏:‏ أنت طلقة أو‏:‏ أنت نصف طلقة أو أنت نصف طلقة ثلث طلقة سدس طلقة أو أنت نصف طالق وقع بها طلقة بناء على قولنا في‏:‏ أنت الطلاق أنه صريح في الطلاق وهاهنا مثله‏.‏

فصل‏:‏

فإن قال لأربع نسوة له‏:‏ أوقعت بينكن طلقة طلقت كل واحدة منهن طلقة كذلك قال الحسن والشافعي وابن القاسم وأبو عبيد وأصحاب الرأي لأن اللفظ اقتضى قسمها بينهن لكل واحدة ربعها ثم تكملت وإن قال‏:‏ بينكن طلقة فكذلك نص عليه أحمد لأن معناه أوقعت بينكن طلقة وإن قال‏:‏ أوقعت بينكن طلقتين وقع بكل واحدة طلقة ذكره أبو الخطاب وهو قول أبي حنيفة والشافعي وقال أبو بكر والقاضي‏:‏ تطلق كل واحدة طلقتين وروي عن أحمد ما يدل عليه فإنه روي عنه في رجل قال‏:‏ أوقعت بينكن ثلاث تطليقات‏:‏ ما أرى إلا قد بن منه لأننا إذا قسمنا كل طلقة بينهن حصل لكل واحدة جزءان من طلقتين ثم تكمل والأول أولى لأنه لو قال‏:‏ أنت طالق نصف طلقتين طلقت واحدة ويكمل نصيبها من الطلاق في واحدة فيكون لكل واحدة نصف ثم يكمل طلقة واحدة وإنما يقسم بالأجزاء مع الاختلاف كالدور ونحوها من المختلفات أما الجمل المتساوية من جنس كالنقود فإنما تقسم برءوسها ويكمل نصيب كل واحد من واحد كأربعة لهم درهمان صحيحان فإنه يجعل لكل واحد نصف من درهم واحد والطلقات لا اختلاف فيها ولأن فيما ذكرناه أخذا باليقين فكان أولى من إيقاع طلقة زائدة بالشك فإن أراد قسمة كل طلقة بينهن فهو على ما قال أبو بكر وإن قال‏:‏ أوقعت بينكن ثلاث طلقات أو أربع طلقات فعلى قولنا‏:‏ تطلق كل واحدة طلقة وعلى قولهما يطلقن ثلاثا ثلاثا وإن قال‏:‏ أوقعت بينكن خمس طلقات وقع بكل واحدة طلقتان كذلك قال الحسن وقتادة والشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي لأن نصيب كل واحدة طلقة وربع ثم تكمل وكذلك إن قال‏:‏ ستا أو سبعا أو ثمانيا وإن قال‏:‏ أوقعت بينكن تسعا طلقن ثلاثا ثلاثا‏.‏

فصل‏:‏

فإن قال‏:‏ أوقعت بينكن طلقة وطلقة وطلقة وقع بكل واحدة منهن ثلاث لأنه لما عطف وجب قسم كل طلقة على حدتها ويستوي في ذلك المدخول بها وغيرها في قياس المذهب لأن الواو لا تقتضي ترتيبا وإن قال‏:‏ أوقعت بينكن نصف طلقة وثلث طلقة وسدس طلقة فكذلك لأن هذا يقتضي وقوع ثلاث على ما قدمنا وإن قال‏:‏ أوقعت بينكن طلقة فطلقة فطلقة أو طلقة ثم طلقة ثم طلقة أو أوقعت بينكن طلقة وأوقعت بينكن طلقة وأوقعت بينكن طلقة طلقن ثلاثا إلا التي لم يدخل بها فإنها لا تطلق إلا واحدة لأنها بانت بالأولى فلم يلحقها ما بعدها‏.‏

فصل‏:‏

فإن قال لنسائه‏:‏ أنتن طوالق ثلاثا أو‏:‏ طلقتكن ثلاثا طلقن ثلاثا ثلاثا نص عليه أحمد لأن قوله طلقتكن يقتضي تطليق كل واحدة منهن وتعميمهن به ثم وصف ما عمهن به من الطلاق بأنه ثلاث فصار لكل واحدة ثلاث بخلاف قوله‏:‏ أوقعت بينكن ثلاثا فإنه يقتضي قسمة الثلاث عليهن لكل واحدة منهن جزء منها وجزء الواحدة من الثلاث ثلاثة أرباع تطليقة‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏وإن قال لها‏:‏ شعرك أو ظفرك طالق لم تطلق‏]‏

لأن الشعر والظفر يزولان ويخرج غيرهما فليس هما كالأعضاء الثابتة وبهذا قال أصحاب الرأي وقال مالك والشافعي‏:‏ تطلق بذلك‏,‏ ونحوه عن الحسن لأنه جزء يستباح بنكاحها فتطلق بطلاقه كالأصبع ولنا أنه جزء ينفصل عنها في حال السلامة فلم تطلق بطلاقه كالحمل والريق فإنه لا خلاف فيهما وفارق الأصبع فإنها لا تنفصل في حال السلامة ولأن الشعر لا روح فيه ولا ينجس بموت الحيوان ولا ينقض الوضوء مسه فأشبه العرق والريق واللبن ولأن الحمل متصل بها وإنما لم تطلق بطلاقه لأن مآله إلى الانفصال وهذه كذلك والسن في معناهما لأنها تزول من الصغير ويخلف غيرها وتنقلع من الكبير‏.‏

فصل‏:‏

وإن أضافه إلى الريق والدمع والعرق والحمل لم تطلق لا نعلم فيه خلافا لأن هذه ليست من جسمها وإنما الريق والدمع والعرق فضلات تخرج من جسمها فهو كلبنها والحمل مودع فيها قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏وهو الذي أنشأكم من نفس واحدة فمستقر ومستودع‏}‏ قيل‏:‏ مستودع في بطن الأم وإن أضافه إلى الزوج فقال أبو بكر‏:‏ لا يختلف قول أحمد في الطلاق والعتاق والظهار والحرام أن هذه الأشياء لا تقع إذا ذكر أربعة أشياء الشعر والسن والظفر والروح جرد القول عنه مهنا بن يحيى والفضل بن زياد القطان فبذلك أقول ووجهه أن الروح ليست عضوا ولا شيئا يستمتع به‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏وإذا لم يدر أطلق أم لا فلا يزول يقين النكاح بشك الطلاق‏]‏

وجملة ذلك أن من شك في طلاقه لم يلزمه حكمه نص عليه أحمد وهو مذهب الشافعي وأصحاب الرأي لأن النكاح ثابت بيقين فلا يزول بشك والأصل في هذا حديث عبد الله بن زيد عن ‏(‏النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه سئل عن الرجل يخيل إليه أنه يجد الشيء في الصلاة فقال‏:‏ لا ينصرف حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا‏)‏ متفق عليه فأمره بالبناء على اليقين واطراح الشك ولأنه شك طرأ على يقين فوجب اطراحه كما لو شك المتطهر في الحدث أو المحدث في الطهارة والورع التزام الطلاق فإن كان المشكوك فيه طلاقا رجعيا راجع امرأته إن كانت مدخولا بها أو جدد نكاحها إن كانت غير مدخول بها أو قد انقضت عدتها وإن شك في طلاق ثلاث طلقها واحدة وتركها لأنه إذا لم يطلقها فيقين نكاحه باق فلا تحل لغيره‏,‏ وحكي عنشريك أنه إذا شك في طلاقه طلقها واحدة ثم راجعها لتكون الرجعة عن طلقة فتكون صحيحة في الحكم وليس بشيء لأن التلفظ بالرجعة ممكن مع الشك في الطلاق ولا يفتقر إلى ما تفتقر إليه العبادات من النية ولأنه لو شك في طلقتين فطلق واحدة لصار شاكا في تحريمها عليه فلا تفيده الرجعة‏.‏