فصل: الْبَابُ الثَّالِثُ وَالْعِشْرُونَ: فِي الْحِسْبَةِ عَلَى الْحَاكَةِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: نهاية الرتبة في طلب الحسبة



.فَصْلٌ:

وَأَمَّا الْعَنْبَرُ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَعْمَلُهُ مِنْ زَبَدِ الْبَحْرِ وَالصَّمْغِ الْأَسْوَدِ وَالشَّمْعِ الْأَبْيَضِ والسندروس وَجَوْزَةِ الطِّيبِ، وَيَخْدِمُهُ وَيَخْلِطُهُ بِمِثْلِهِ.
وَمِنْهُمْ مَنْ يَعْمَلُهُ مِنْ زَبَدِ الْبَحْرِ والسندروس وَالْعُودِ وَالسُّنْبُلِ وَبَعْرِ الضَّبِّ، وَيَخْدِمُهُ وَيَدْفِنُهُ فِي بُطُونِ الْخَيْلِ، ثُمَّ يُخْرِجُهُ وَيَخْلِطُهُ بِمِثْلِهِ؛ وَرُبَّمَا عُمِلَ عَلَى شَكْلِ تِمْثَالٍ، أَوْ قَلاَئِدَ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ.
وَمِنْهُمْ مَنْ يَعْمَلُهُ مِنْ الْمِسْكِ وَالشَّمْعِ وَالْعَنْبَرِ؛ وَقَدْ يَطْلُونَ جَمَاجِمَ الْعَنْبَرِ بالسندروس، فَيَجِبُ أَنْ تُحْرَقَ رُءُوسُهَا حَتَّى تُعْلَمَ سَلاَمَتُهَا مِنْهُ وَمِنْ غَيْرِهِ؛ وَرُبَّمَا حُفِرَتْ جَمَاجِمُ الْعَنْبَرِ وَأُلْقِيَ فِيهَا قِطَعُ الرَّصَاصِ.
وَمَعْرِفَةُ غِشِّ جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَاهُ أَنْ يُجْعَلَ مِنْهُ شَيْءٌ فِي النَّارِ، فَلاَ تَخْفَى رَائِحَةُ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَتَظْهَرُ رَائِحَةُ الْأَخْلاَطِ فِيهِ؛ وَأَيْضًا فَإِنَّهُ لاَ يَجِفُّ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ سندروس فَهُوَ يَتَفَتَّتُ.

.فَصْلٌ:

وَأَمَّا الْكَافُورُ، فَإِنَّ مِنْهُمْ مَنْ يَعْمَلُهُ بِنُخَالَةِ رُخَامِ الْخَرَّاطِينَ الْمُدَبَّرِ.
وَمِنْهُمْ مِنْ يَعْجِنُ الْكَافُورَ بِمَاءِ الصَّمْغِ الْأَبْيَضِ، وَيَنْجُرُهُ عَلَى الْغَرَابِيلِ.
وَمِنْهُمْ مَنْ يَعْمَلُهُ مِنْ حِجَارَةِ النُّوشَادِرِ، وَيُكَسِّرُهُ صِغَارًا ثُمَّ يَخْلِطُهُ بِهِ.
وَمِنْهُمْ مَنْ يَعْمَلُهُ مِنْ ذَرِيرَةٍ غَيْرِ مَفْتُونَةٍ، وَجِبْسِينٍ غَيْرِ مَشْوِيٍّ وَصَمْغٍ أَبْيَضَ، وَمِثْلُ الْجَمِيعِ كَافُورٌ.
وَمِنْهُمْ مَنْ يَعْمَلُهُ مِنْ خَشَبِ الْخِرْوَعِ النَّخِرِ، وَالْأُرْزِ الْمُدَبَّرِ.
وَمِنْهُمْ مِنْ يَعْمَلُهُ مِنْ نَوَى الْبَلَحِ بِدَقِّهِ حَتَّى يَصِيرَ مِثْلَ الزَّبَدِ، وَيُجْعَلُ عَلَيْهِ مِثْلُهُ كَافُورٌ، ثُمَّ يَعْجِنُهُ بِمَاءِ الْكَافُورِ، وَيَبْسُطُهُ رَقِيقًا، فَيَبْقَى مِثْلَ الْكَافُورِ.
وَمَعْرِفَةُ غُشُوشِ الْكَافُورِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا وَمَا لَمْ نَذْكُرْهَا هُوَ أَنْ يُلْقَى مِنْهُ شَيْءٌ فِي الْمَاءِ، فَإِنْ رَسَبَ فَهُوَ مَغْشُوشٌ، وَإِنْ طَفَا فَهُوَ خَالِصٌ؛ وَأَيْضًا يُلْقَى مِنْهُ شَيْءٌ عَلَى خِرْقَةٍ، ثُمَّ يُجْعَلُ عَلَى النَّارِ، فَإِنْ طَارَ وَلَمْ يَلْبَثْ فَهُوَ خَالِصٌ، وَإِنْ احْتَرَقَ وَصَارَ رَمَادًا فَهُوَ مَغْشُوشٌ.

.فَصْلٌ:

وَمِنْهُمْ مَنْ يَغُشُّ الزَّعْفَرَانَ الشَّعْرَ بِصُدُورِ الدَّجَاجِ وَلُحُومِ الْبَقَرِ، بَعْدَ سَلْقِهَا بِالْمَاءِ، ثُمَّ يَنْشُرُ مَا شَاءَ مِنْهَا وَيُقَدِّدُهُ وَيَصْبُغُهُ بِالزَّعْفَرَانِ، ثُمَّ يُجَفِّفُهُ وَيَخْلِطُهُ فِي السِّلاَلِ.
وَمَعْرِفَةُ غِشِّهِ أَنْ يَأْخُذَ الْمُحْتَسِبُ مِنْهُ شَيْئًا وَيَنْقَعَهُ فِي الْخَلِّ، فَإِنْ تَقَلَّصَ فَهُوَ مَغْشُوشٌ بِاللَّحْمِ؛ وَأَيْضًا يَتَغَيَّرُ لَوْنُهُ إذَا وُضِعَ فِي الْخَلِّ، وَالْخَالِصُ يَبْقَى لَوْنُهُ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ.
وَمِنْهُمْ مَنْ يَقْطَعُ الأكشوت مِثْلَ شَعْرَةِ الزَّعْفَرَانِ، ثُمَّ يَطْبُخُهُ بِمَطْبُوخِ الْبَقَّمِ، وَيُضِيفُ إلَيْهِ شَيْئًا مَصْبُوغًا بِمَاءِ الزَّعْفَرَانِ، وَيَذُرُّ عَلَيْهِ قَلِيلَ سُكَّرٍ مَدْقُوقٍ، لِيَثْقُلَ وَيَلْصَقَ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ، ثُمَّ يَخْلِطَهُ بِمِثْلِهِ زَعْفَرَانٍ وَيَرْفَعُهُ فِي السِّلاَلِ.
وَبَيَانُ غِشِّهِ أَنْ تَأْخُذَهُ فِي فِيكَ، فَإِنْ كَانَ حُلْوًا فَهُوَ مَغْشُوشٌ بِمَا ذَكَرْنَاهُ.
وَمِنْهُمْ مَنْ يَأْخُذُ نَبَاتَ الْحُلْبَةِ، وَيَنْقَعُهُ فِي خَمْرٍ عَتِيقٍ قَدْ تُرِكَ فِيهِ فُلْفُلٌ وَكُرْكُمٌ مَنْخُولاَنِ وَزَعْفَرَانُ أَيَّامًا مَعْلُومَةً، ثُمَّ يَبْسُطُهُ فِي الظِّلِّ، وَيَخْلِطُهُ فِي السِّلاَلِ.
وَمَعْرِفَةُ جَمِيعِ غُشُوشِ الزَّعْفَرَانِ أَنْ يَكُونَ يَابِسَ الشَّعْرَةِ، فَخُذْ مِنْ وَسَطِ السَّلَّةِ فَإِنَّهُ يَتَبَيَّنُ لَكَ الْغُشُوشُ بيباسته.
وَمِنْهُمْ مَنْ يَطْحَنُ الزَّعْفَرَانَ الْمَغْشُوشَ نَاعِمًا لِئَلاَ يَظْهَرَ غِشُّهُ، وَيَخْلِطُ مَعَهُ فِي الطَّحْنِ دَمَ الْأَخَوَيْنِ، لِيَبْقَى لَوْنُهُ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ، فَإِنَّ الْمَغْشُوشَ إذَا طُحِنَ ابْيَضَّ لَوْنُهُ، فَيَجْعَلُونَ مَعَهُ دَمَ الْأَخَوَيْنِ.
وَمَعْرِفَةُ غِشِّهِ أَنْ يُلْقَى مِنْهُ شَيْءٌ فِي الْمَاءِ فِي قَدَحِ زُجَاجٍ، فَإِنْ رَسَبَ مِنْهُ شَيْءٌ فَهُوَ مَغْشُوشٌ، وَإِنْ طَفَا فَهُوَ خَالِصٌ.
وَمِنْهُمْ مَنْ يَغُشُّهُ بِالزُّجَاجِ الْمَسْحُوقِ، وَمَعْرِفَةُ غِشِّهِ بِمَا ذَكَرْنَاهُ.
وَمِنْهُمْ مَنْ يَغُشُّهُ بِالنَّشَا الْمَسْحُوقِ، وَمَعْرِفَةُ غِشِّهِ أَنَّهُ إذَا وُضِعَ عَلَى النَّارِ فِي إنَاءٍ فِيهِ مَاءٌ فَإِنَّهُ يَنْعَقِدُ وَيَتَدَبَّقُ.
وَمِنْهُمْ مَنْ يَغُشُّهُ بِالْخَلُوقِ، وَمَعْرِفَةُ غِشِّهِ أَنَّهُ إذَا وُضِعَ فِي الْخَلِّ وَالْخَرْدَلِ احْمَرَّ لَوْنُهُ وَصُبِغَ.
وَقَدْ يَسْتَحِلُّ قَوْمٌ مِنْهُمْ أَنْ يُقِيمَ قِرْطَاسًا فِي وَسَطِ الْبَرْنِيَّةِ، وَيَمْلاَ جَانِبَهَا الْوَاحِدَ خَلُوقًا، وَالْجَانِبَ الْآخَرَ زَعْفَرَانًا مَسْحُوقًا، ثُمَّ يَدْفَعُ إلَى كُلٍّ بِمِقْدَارِ مَعْرِفَتِهِ.

.فَصْلٌ:

وَأَمَّا الْغَالِيَةُ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَجْعَلُ أَصْلَهَا مِنْ الْقَطْرَانِ الْمُدَبَّرِ، ثُمَّ يَجْعَلُ عَلَى كُلِّ دِرْهَمَيْنِ مِنْهُ دِرْهَمَ مِسْكٍ جَيِّدٍ، وَدِرْهَمَ عُودٍ مَسْحُوقٍ، وَدِرْهَمَ سَكٍّ لادن مَسْبُوكٍ عَلَى النَّارِ، وَيُضَيِّفُ إلَيْهِ نِصْفَ مِثْقَالِ عَنْبَرٍ، وَيَخْلِطُ الْجَمِيعَ فِي أَرْبَعَةِ مَثَاقِيلَ دُهْنِ بَانٍ، فَيَجِيءُ غَالِيَةٌ لاَ تَكَادُ تُعْرَفُ.
وَمِنْهُمْ مَنْ يَعْمَلُ جَسَدَهَا مِنْ نُخَالَةِ الرُّخَامِ الرَّخْوِ والشادوران الْمُدَبَّرِ، وَيَجْعَلُ عَلَى كُلِّ دِرْهَمَيْنِ مِنْهُ مَا قَدْ ذَكَرْنَا مِنْ الطِّيبِ.
وَمِنْهُمْ مَنْ يَعْمَلُ جَسَدَهَا مِنْ الْفُسْتُقِ، وَيَجْعَلُ عَلَيْهَا لِلْوَاحِدِ وَاحِدًا.
وَمِنْهُمْ مَنْ يَجْعَلُ جَسَدَهَا مِنْ السِّمْسِمِ الْحَدِيثِ الْمُقَشَّرِ وَالْقِرْطَاسِ الْمُحَرَّقِ، وَيَجْعَلُ عَلَيْهَا الطِّيبَ الْمَعْرُوفَ.
وَمِنْهُمْ مَنْ يَعْمَلُ جَسَدَهَا مِنْ شَمْعِ الشادوران وَعِيدَانِهِ، وَيَجْعَلُ عَلَيْهَا الطِّيبَ الْمَعْرُوفَ.
وَجَمِيعُ هَذِهِ الْغَوَالِي الْمَغْشُوشَةِ لاَ تَخْفَى عَلَى الْمُحْتَسِبِ وَالْعَرِيفِ، مِنْ اللَّوْنِ وَالرَّائِحَةِ وَالْقَوَامِ، فَيَجِبُ أَنْ يُرَاعِيَهَا كُلٌّ مِنْهُمَا بِعَيْنِهِ، فَأَكْثَرُ مَنْ يَبِيعُهَا الدَّوَّارُونَ وَاَلَّذِينَ يَجْلِسُونَ عَلَى الطُّرُقَاتِ، مِمَّنْ لاَ دِينَ لَهُ.
وَأَمَّا الزَّبَادُ فَغُشُوشُهُ كَثِيرَةٌ، وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ جَسَدِهِ وَجَسَدِ الْغَالِيَةِ فِي الْغِشِّ، وَإِنَّمَا الِاخْتِلاَفُ فِي وَزْنِ الْخَمِيرَةِ، فَأَعْرَضْت عَنْ ذَكَرِ ذَلِكَ لِشُهْرَتِهِ.

.فَصْلٌ:

وَمِنْهُمْ مَنْ يَغُشُّ الْعُودَ الْهِنْدِيَّ، فَيَأْخُذُ الصَّنْدَلَ يُبَرِّدُهُ نَظِيرَ الْعُودِ، وَيَنْقَعُهُ فِي مَطْبُوخِ الْكَرْمِ الْعَتِيقِ، ثُمَّ يُدْرِجُهُ وَيَخْلِطُهُ بِالْعُودِ الْهِنْدِيِّ.
وَمَعْرِفَةُ غِشِّهِ أَنْ يُلْقَى مِنْهُ شَيْءٌ فِي النَّارِ، فَتَظْهَرُ رَائِحَةُ الصَّنْدَلِ.
وَمِنْهُمْ مِنْ يَعْمَلُهُ مِنْ قُشُورِ خَشَبٍ يُقَالُ لَهُ الإبليق، فَيَنْقَعُهُ فِي مَاءِ الْوَرْدِ الْمُدَبَّرِ بِالْمِسْكِ وَالْكَافُورِ أَيَّامًا، ثُمَّ يُخْرِجُهُ وَيَغْلِيه وَيُدْرِجُهُ.
وَمِنْهُمْ مَنْ يَعْمَلُ هَذِهِ الصِّفَةَ مِنْ خَشَبِ الزَّيْتُونِ، وَمَعْرِفَةُ غِشِّهِ أَنْ يُلْقَى مِنْهُ شَيْءٌ فِي النَّارِ، فَلاَ يَخْفَى غِشُّهُ.

.فَصْلٌ:

وَمِنْهُمْ مَنْ يَغُشُّ دُهْنَ الْبَانِ، فَيَعْمَلُهُ مِنْ دُهْنِ حَبِّ الْقُطْنِ، أَوْ دُهْنِ نَوَى الْمِشْمِشِ، وَيُعَتِّقُهُ بِشَيْءٍ مِنْ الْمِسْكِ الصغدي وَالْأَفَاوِيهِ.
وَمِنْهُمْ مَنْ يَعْمَلُهُ أَيْضًا مِنْ زَيْتِ الْأَنْفَاقِ، ثُمَّ يُعَتِّقُهُ وَيَطْرَحُ فِيهِ أَطْرَافَ الْآسِ، فَيَجِيءُ فِيهِ خُضْرَةٌ، وَيُقَارِبُ الْمَدَائِنِيَّ.
وَمِنْهُمْ مَنْ يُصَعِّدُ عَقْدَ الصَّنَوْبَرِ وَقُشُورَ الكندر، فَلاَ يُشَكُّ أَنَّهُ مَاءُ الْكَافُورِ؛ وَمَعْرِفَةُ غِشِّهِ أَنْ يُقَطِّرَ الْمُحْتَسِبُ مِنْهُ شَيْئًا عَلَى خِرْقَةٍ بَيْضَاءَ، ثُمَّ يَغْسِلَهَا فَإِنْ عَلَقَ فِيهَا وَأَثَّرَ فَهُوَ مَغْشُوشٌ بِمَا ذَكَرْنَاهُ فِي هَذَا الْكِتَابِ.
وَلاَ يَتَجَاسَرُ عَلَى عَمَلِهِ وَبَيْعِهِ إلاَ الْغُرَبَاءُ الْأَعَاجِمُ، وَمَنْ يَدُورُ فِي خِلاَلِ الدُّرُوبِ، فَلاَ يُهْمِلُ الْمُحْتَسِبُ الْكَشْفَ عَنْ ذَلِكَ كُلِّهِ، وَإِشْهَارَ فَاعِلِهِ بِالتَّعْزِيرِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ.

.الْبَابُ التَّاسِعَ عَشَرَ: فِي الْحِسْبَةِ عَلَى الشرابيين:

لاَ يَعْقِدُ الْأَشْرِبَةَ وَيُرَكِّبُ الْمَعَاجِينَ والجوارشنات إلاَ مَنْ اشْتَهَرَتْ مَعْرِفَتُهُ، وَظَهَرَتْ خِبْرَتُهُ، وَكَثُرَتْ تَجْرِبَتُهُ، وَشَاهَدَ تَجْرِيبَ الْعَقَاقِيرِ وَمَقَادِيرَهَا مِنْ أَرْبَابِهَا وَأَهْلِ الْخِبْرَةِ بِهَا.
وَلاَ يُرَكِّبُهَا الشَّرَابِيُّ إلاَ مِنْ الْكُنَّاشَاتِ الْمَشْهُورَةِ، والأقراباذينات الْمَعْرُوفَةِ، مِثْلِ أقراباذين سابور، وَالْمَلْكِيِّ، وَالْقَانُونِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يُوثَقُ بِهِ.
وَعَلَيْهِ أَنْ يَتَّقِيَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ، وَيَخْشَى الْيَوْمَ الْآخَرَ مِنْ التَّهَاوُنِ بِهَا وَالتَّفْرِيطِ بِأَوْزَانِهَا، وَأَنْ يُدْخِلَ عَلَيْهَا مَا يُنَافِيهَا وَيَسْلُبُهَا خَاصِّيَّتَهَا، مِثْلَ عَسَلِ الْقَصَبِ الْمُدَبَّرِ بِاللَّبَنِ الْحَلِيبِ وَالْخَلِّ والإسفيداج؛ فَإِنَّ هَذَا يَعْمَلُهُ كَثِيرٌ مِنْهُمْ، فَيَخْرُجُ صَافِيَ اللَّوْنِ طَيِّبَ الطَّعْمِ وَالرَّائِحَةِ، فَيُرَكِّبُ مِنْهُ الْأَشْرِبَةَ وَالْمَعَاجِينَ بَدَلًا مِنْ السُّكَّرِ وَالْعَسَلِ النَّحْلِ.
فَيُحَلِّفُهُمْ الْمُحْتَسِبُ أَنَّهُمْ لاَ يَعْمَلُونَهُ؛ لِأَنَّهُ يَضُرُّ، وَيُحَرِّفُ الْأَمْزِجَةَ وَيُفْسِدُهَا.
وَمَعْرِفَةُ غِشِّهِ أَنَّهُ لاَ بُدَّ أَنْ يَرْجِعَ إلَى السَّوَادِ إذَا أُضِيفَ إلَى غَيْرِهِ مِنْ الْأَشْرِبَةِ، وَتَظْهَرُ فِيهِ رَائِحَةُ الْخَلِّ إذَا مَضَتْ عَلَيْهِ مُدَّةٌ.
وَأَيْضًا يَطْرَحُ الْمُحْتَسِبُ مِنْهُ شَيْئًا فِي وَسَطِ الرَّاحَةِ، وَيُقَطِّرُ عَلَيْهِ الْمَاءَ، ثُمَّ يَحُلُّهُ بِأُصْبُعِهِ، فَإِنَّ الْعَسَلَ يَبْيَضُّ مِثْلَ الفانيد.
وَيَنْبَغِي أَنْ يَعْتَبِرَ الْمُحْتَسِبُ عَلَيْهِمْ الْأَشْرِبَةَ فِي رَأْسِ كُلِّ شَهْرٍ، فَمَا وُجِدَ فِيهَا حَامِضًا لِتَطَاوُلِ الْمُدَّةِ عَلَيْهِ وَمُتَغَيِّرًا، فَلَيْسَ لِصَاحِبِهِ أَنْ يُعِيدَهُ إلَى الطَّبْخِ ثَانِيًا، لِفَسَادِ مِزَاجِهَا وَانْحِرَافِ طَبْعِهَا، سِوَى شَرَابِ الْوَرْدِ وَشَرَابِ الْبَنَفْسَجِ، فَإِنَّ تَغَيُّرَهُمَا يَكُونُ سَرِيعًا، وَرَدَّهُمَا إلَى الطَّبْخِ يَزِيدُهُمَا قُوَّةً وَبَقَاءً وَنَفْعًا لِلْمَعِدَةِ.
والسكنجبين البزوري، مَتَى كَانَ لَوْنُهُ مَائِلًا إلَى السَّوَادِ فَهُوَ مَغْشُوشٌ بِعَسَلِ الْقَصَبِ الْمَذْكُورِ؛ وَكَذَلِكَ الْمَعَاجِينُ، إذَا تَغَيَّرَتْ فِي الْبَرَانِيِّ وَحَمِضَتْ، أَوْ نَتُنَتْ تَكُونُ مَغْشُوشَةً بِمَا ذَكَرْنَاهُ.
وَيَنْبَغِي لِلصَّانِعِ أَنْ يُقَوِّيَ عَقْدَ جَمِيعِ الْأَشْرِبَةِ حَتَّى يَصِيرَ لَهَا قَوَامٌ، وَإِذَا عَقَدَ مِنْ الْعُنَّابِ شَرَابًا قَوَّاهُ بِكَثْرَتِهِ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ يَزِيدُ لُطْفِيَّ الدَّمِ.
وَمِنْهُمْ مَنْ يَعْجِنُ عَكِرَ الْخَلِّ بِدِبْسٍ وشادوران، ثُمَّ يَدْكُنُ وَيَبِيعُهُ عَلَى أَنَّهُ عُصَارَةُ برباريس.

.الْبَابُ الْعِشْرُونَ: فِي الْحِسْبَةِ عَلَى السَّمَّانِينَ:

يَعْتَبِرُ الْمُحْتَسِبُ عَلَيْهِمْ الْمَكَايِيلَ وَالْمَوَازِينَ وَالْأَرْطَالَ، عَلَى مَا قَدَّمْنَا ذِكْرَهُ فِي بَابِهِ، وَيُنْهَوْنَ عَنْ خَلْطِ الْبِضَاعَةِ الرَّدِيئَةِ بِالْجَيِّدَةِ، إذَا اشْتَرَوْا كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا عَلَى انْفِرَادِهَا بِسِعْرٍ، وَعَنْ خَلْطِ عَتِيقِ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ بِالْجَدِيدِ، وَأَلاَ يَرُشُّوا الْمَاءَ عَلَى التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ لِيُرَطِّبَهُ وَيَزِيدَ فِي وَزْنِهِ، وَأَلاَ يَدْهُنُوا الزَّبِيبَ بِالزَّيْتِ، لِيُصَفِّيَ لَوْنَهُ وَيُحَسِّنَ مَنْظَرَهُ.
وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْزُجُ الْعَسَلَ الْقَصَبَ بِالْمَاءِ الْحَارِّ، وَيَرُشُّهُ عَلَى الرُّطَبِ؛ وَمِنْهُمْ مَنْ يَغُشُّ الزَّيْتَ وَقْتَ نِفَاقِهِ بِدُهْنِ الْقُرْطُمِ، وَمَعْرِفَةُ غِشِّهِ أَنَّهُ إذَا تُرِكَ عَلَى النَّارِ يَكُونُ لَهُ دُخَانٌ عَظِيمٌ يَخْنُقُ.
وَمِنْهُمْ مَنْ يَخْلِطُ الشَّيْرَجَ لِوَقْتِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْزُجُ الزَّيْتَ الَّذِي قَدْ تَرَكَ فِيهِ الْجُبْنَ فِي الْخَوَابِي بِالزَّيْتِ الصَّافِي، وَمَعْرِفَةُ غِشِّهِ أَنَّهُ يَدْكَنُ فِي السِّرَاجِ؛ وَأَيْضًا يَكُونُ زَفَرًا.
وَأَكْثَرُهُمْ يَغُشُّ الْخَلَّ بِالْمَاءِ؛ وَمَعْرِفَةُ غِشِّهِ أَنَّ الْخَالِصَ إذَا صُبَّ مِنْهُ شَيْءٌ عَلَى الْأَرْضِ نَشَّ، وَالْمَشُوبُ بِالْمَاءِ لاَ يَنُشُّ؛ وَأَيْضًا إذَا وُضِعَتْ فِيهِ حَشِيشَةُ الطُّحْلُبِ فَإِنَّهَا تَشْرَبُ الْمَاءَ دُونَ الْخَلِّ.
وَكَذَلِكَ اللَّبَنُ الْمَشُوبُ بِالْمَاءِ إذَا طُرِحَتْ فِيهِ هَذِهِ الْحَشِيشَةُ فَصَلَتْ بَيْنَ الْمَاءِ وَاللَّبَنِ؛ وَأَيْضًا يُعْرَفُ غِشُّ اللَّبَنِ بِالْحَلِيبِ بِأَنْ يَغْمِسَ الْمُحْتَسِبُ فِيهِ شَعْرَةً، ثُمَّ يُخْرِجُهَا، فَإِنْ لَمْ يَعْلَقْ عَلَيْهَا شَيْءٌ مِنْ اللَّبَنِ يَكُونُ مَغْشُوشًا بِالْمَاءِ، وَإِنْ عَلَقَ اللَّبَنُ وَتَكَوْكَبَ كَانَ خَالِصًا.
وَيَعْتَبِرُ الْمُحْتَسِبُ عَلَيْهِمْ الْمُخَلَّلَ عَلَى اخْتِلاَفِ أَجْنَاسِهِ - إذَا طُرِحَ عَلَيْهِ الْكَرَجُ - فَكُلَّمَا كَانَ مِجَسُّهُ يَابِسًا قَوِيًّا أُعِيدَ إلَى الْخَلِّ الثَّقِيفِ، وَكُلَّمَا لاَنَ مِجَسُّهُ رُمِيَ بِهِ، فَإِنَّهُ قَدْ فَسَدَ.
وَمَتَى حَمُضَتْ عِنْدَهُمْ الْكَوَامِخُ يَأْمُرُ الْمُحْتَسِبُ بِإِرَاقَتِهَا خَارِجَ الْبَلَدِ، فَإِنَّهَا لاَ تَصْلُحُ بَعْدَ حَمْضِهَا.
وَكُلَّمَا تَغَيَّرَ عِنْدَهُمْ - أَوْ فَسَدَ وَدَوَّدَ - شَيْءٌ مِنْ الْجُبْنِ المكسود فِي الْخَوَابِي وَالشُّحُومِ وَالْأَدْهَانِ، فَلاَ يَجُوزُ لَهُمْ بَيْعُهُ لِمَا فِيهِ مِنْ الضَّرَرِ بِالنَّاسِ؛ وَكَذَلِكَ الْكَبَرُ إذَا دَوَّدَ فِي خَوَابِيهِ.
وَيَنْبَغِي أَنْ يَمْنَعَهُمْ الْمُحْتَسِبُ مِنْ عَمَلِ الْمَرِيِّ الْمَطْبُوخِ عَلَى النَّارِ، فَإِنَّهُ يُورِثُ الْجُذَامَ.
وَمِنْهُمْ مَنْ يَعْمَلُ مَرْيًا يَبِيعُهُ مِنْ يَوْمِهِ، وَهُوَ أَنْ يَأْخُذَ رُبَّ الخرنوب، أَوْ عَسَلَ الْقَصَبِ وَالْكَمُّونِ وَالْكَرَاوْيَا وَالسُّمَّاقِ، وَيَلُتُّ الْجَمِيعَ بِدَقِيقِ الشَّعِيرِ؛ وَهَذَا أَيْضًا كَثِيرُ الْمَضَرَّةِ، فَيَمْنَعُهُمْ الْمُحْتَسِبُ مِنْ عَمَلِهِ.
وَقَدْ يَخْلِطُونَ الْأَبَازِيرَ بَعْضَهَا بِبَعْضٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَخْلِطُ الكراويا بِبُزُورِ حَشِيشَةٍ يُقَالُ لَهَا عَيْنُ الْحَيَّةِ، تُشْبِهُ الكراويا فِي اللَّوْنِ، إلاَ أَنَّ حَبَّتَهَا أَكْبَرُ قَلِيلًا، وَلاَ رَائِحَةَ لَهَا؛ فَيَعْتَبِرُ الْمُحْتَسِبُ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ.
وَقَدْ يَغُشُّونَ الدِّبْسَ الْبَعْلَبَكَّيَّ بِدَقِيقِ الْحَوَارَيِّ وَالْكِدَّانِ: وَمَعْرِفَةُ غِشِّهِ أَنَّهُ إذَا جُعِلَ مِنْهُ شَيْءٌ فِي الْمَاءِ رَسَبَ الْحَوَارَيُّ فِي أَسْفَلِ الْإِنَاءِ، وَرُبَّمَا بَقِيَ لِلْمَاءِ رَغْوَةٌ.
وَأَكْثَرُهُمْ يَمْزُجُونَ الْعَسَلَ النَّحْلَ بِالْمَاءِ، وَعَلاَمَةُ غِشِّهِ أَنَّهُ يَبْقَى فِي زَمَنِ الشِّتَاءِ مُحَبَّبًا كَالسَّمِيذِ، وَفِي زَمَنِ الصَّيْفِ يَكُونُ مَائِعًا رَقِيقًا.
وَمِنْهُمْ مَنْ يَدُقُّ قُشُورَ الرُّمَّانِ وَيَغُشُّ بِهَا الْكُرْكُمَ؛ وَقَدْ يَحْشُونَ الْحِنَّا بِالرَّمَلِ وَالْخَطْمَيْ، وَمَعْرِفَةُ غِشِّهِ ظَاهِرَةٌ.
وَقَدْ يَغُشُّونَ الزِّفْتَ بِرَمَادِ الْقَصَبِ، أَوْ بِالرَّمْلِ، وَكَذَلِكَ يَغُشُّونَ الْقَارَ.

.فَصْلٌ:

وَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ بَضَائِعُهُمْ مَصُونَةً فِي الْبَرَانِيِّ والقطارميز، لِئَلاَ يَصِلَ إلَيْهَا شَيْءٌ مِنْ الذُّبَابِ وَهَوَامِّ الْأَرْضِ، أَوْ يَقَعَ عَلَيْهَا شَيْءٌ مِنْ التُّرَابِ وَالْغُبَارِ وَنَحْوِ ذَلِكَ؛ وَإِنْ وَضَعُوهَا فِي قُفَافِ الْخُوصِ فَلاَ بَأْسَ بِهَا إذَا كَانَتْ مُغَطَّاةً بالميازر؛ وَتَكُونُ الْمِذَبَّةُ فِي يَدِهِ، يَذُبُّ عَنْ الْبِضَاعَةِ بِهَا الذُّبَابَ.
وَيَأْمُرُهُمْ الْمُحْتَسِبُ بِنَظَافَةِ أَثْوَابِهِمْ، وَيَأْمُرُهُمْ بِغَسْلِ مَغَارِفِهِمْ وَآنِيَتِهِمْ وَأَيْدِيهِمْ، وَمَسْحِ مَوَازِينِهِمْ وَمَكَايِيلِهِمْ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ.
وَيَتَفَقَّدُ الْمُحْتَسِبُ أَصْحَابَ الْحَوَانِيتِ الْمُنْفَرِدَةِ فِي الْحَارَاتِ وَ الدُّرُوبِ الْخَارِجَةِ عَنْ الْأَسْوَاقِ، وَيَعْتَبِرُ عَلَيْهِمْ بَضَائِعَهُمْ وَمَوَازِينَهُمْ فِي كُلِّ أُسْبُوعٍ، عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْهُمْ، فَإِنَّ أَكْثَرَهُمْ يُدَلِّسُ بِمَا ذَكَرْنَاهُ.

.الْبَابُ الْحَادِي وَالْعِشْرُونَ: فِي الْحِسْبَةِ عَلَى الْبَزَّازِينَ:

وَيَنْبَغِي أَلاَ يَتَّجِرَ فِي الْبَزِّ إلاَ مَنْ عَرَفَ أَحْكَامَ الْبَيْعِ وَعُقُودَ الْمُعَامَلاَتِ، وَمَا يَحِلُّ لَهُ مِنْهَا وَمَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ، وَإِلاَ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وَارْتَكَبَ الْمَحْظُورَاتِ.
وَقَدْ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه: "لاَ يَتَّجِرُ فِي سُوقِنَا إلاَ مَنْ تَفَقَّهَ فِي دِينِهِ، وَإِلاَ أَكَلَ الرِّبَا، شَاءَ، أَوْ أَبَى".
وَقَدْ رَأَيْت فِي هَذَا الزَّمَانِ أَكْثَرَ بَاعَةِ الْبَزِّ فِي الْأَسْوَاقِ يَفْعَلُونَ فِي بِيَاعَاتِهِمْ مَا لاَ يَحِلُّ عَمَلُهُ، مِمَّا سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
فَمِنْ ذَلِكَ النَّجْشُ، وَهُوَ أَنْ يَزِيدَ الرَّجُلُ فِي ثَمَنِ السِّلْعَةِ، وَلاَ يُرِيدُ الشِّرَاءَ، لِيُغْرِ غَيْرَهُ، وَهَذَا حَرَامٌ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم «نَهَى عَنْ بَيْعِ النَّجْشِ».
رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لاَ تَنَاجَشُوا وَلاَ تَبَاغَضُوا، وَلاَ تَحَاسَدُوا وَلاَ تَدَابَرُوا، وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إخْوَانًا».
وَلاَ يَزِيدُ فِي السِّلْعَةِ أَكْثَرَ مِمَّا تُسَاوِي، لِيُغْرِ بِهَا النَّاسَ فَيَكُونُ حَرَامًا.
وَمِنْ ذَلِكَ الْبَيْعُ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ.
وَهُوَ أَنْ يَشْتَرِيَ الرَّجُلُ سِلْعَةً بِثَمَنٍ مَعْلُومٍ بِشَرْطِ الْخِيَارِ، فَيَقُولُ لَهُ رَجُلٌ آخَرَ: "رُدَّهَا وَأَنَا أَبِيعُك خَيْرًا مِنْهَا بِهَذَا الثَّمَنِ، أَوْ مِثْلَهَا بِدُونِ هَذَا الثَّمَنِ"؛ فَهَذَا الْفِعْلُ أَيْضًا حَرَامٌ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لاَ يَبِيعُ الرَّجُلُ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ، وَلاَ يَخْطُبُ عَلَى خُطْبَةِ أَخِيهِ».
وَمِنْهُمْ مَنْ يَسُومُ عَلَى سَوْمِ أَخِيهِ، وَهُوَ أَنْ يَشْتَرِيَ سِلْعَةً مِنْ رَجُلٍ، فَيَقُولُ لَهُ رَجُلٌ آخَرَ: " أَنَا أُعْطِيك أَجْوَدَ مِنْهَا بِهَذَا الثَّمَنِ، أَوْ مِثْلَهَا بِدُونِ هَذَا الثَّمَنِ، ثُمَّ يَعْرِضُ عَلَيْهِ السِّلْعَةَ فَيَرَاهَا الْمُشْتَرِي؛ وَهَذَا أَيْضًا حَرَامٌ، لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «لاَ يَسُومُ الرَّجُلُ عَلَى سَوْمِ أَخِيهِ».
وَمِنْهُمْ مِنْ يَقُولُ لِلْمُشْتَرِي: " بِعْتُك هَذَا الثَّوْبَ مِثْلَ مَا بَاعَ بِهِ فُلاَنٌ ثَوْبَهُ، أَوْ بِعْتُكَ هَذِهِ السِّلْعَةَ بِرَقْمِهَا ".
وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ لِلتَّاجِرِ: " بِعْتُك هَذَا الثَّوْبَ عَلَى أَنْ تَبِيعنِي ثَوْبَكَ، أَوْ بِعْتُكَ هَذَا الثَّوْبَ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ نَقْدًا، أَوْ بِعِشْرِينَ نَسِيئَةً ".
وَمِنْهُمْ مَنْ يَبِيعُ السِّلْعَةَ إلَى أَجَلٍ مَجْهُولٍ، أَوْ يَبِيعُهَا عَلَى شَرْطِ مُسْتَقْبَلٍ مَجْهُولٍ، وَهُوَ أَنْ يَقُولَ: " بِعْتُك هَذَا الثَّوْبَ إلَى قُدُومِ الْحَاجِّ، أَوْ إلَى دِرَاسِ الْغَلَّةِ، أَوْ عَلَى عَطَاءِ السُّلْطَانِ "، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ.
وَمِنْهُمْ مَنْ يَشْتَرِي سِلْعَةً مِنْ تَاجِرٍ مِثْلِهِ، ثُمَّ يَبِيعُهَا لِرَجُلٍ آخَرَ قَبْلَ الْقَبْضِ -؛ فَجَمِيعُ ذَلِكَ حَرَامٌ، لاَ يَجُوزُ لَهُمْ فِعْلُهُ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْهُ.
وَلاَ يَجُوزُ بَيْعُ الْمُلاَمَسَةِ، وَهُوَ أَنْ يَقُولَ الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي: " إذَا لَمَسْت الثَّوْبَ بِيَدِك وَلَمْ تَشْتَرِهِ لَزِمَك الْبَيْعُ ".
وَلاَ يَجُوزُ بَيْعُ الْمُنَابَذَةِ، وَهُوَ أَنْ يَقُولَ الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي: " بِعْتُك هَذَا الثَّوْبَ الَّذِي مَعِي بِالثَّوْبِ الَّذِي مَعَك "، فَإِذَا نَبَذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثَوْبَهُ إلَى الْآخَرِ فَقَدْ وَجَبَ الْبَيْعُ.
وَلاَ يَجُوزُ بَيْعُ الْحَصَاةِ، وَهُوَ أَنْ يَقُولَ الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي: " بِعْتُك مَا تَقَعُ عَلَيْهِ الْحَصَاةُ مِنْ أَرْضٍ، أَوْ ثَوْبٍ "، لِمَا رَوَى أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ رضي الله عنه «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ بَيْعِ الْمُلاَمَسَةِ وَالْمُنَابَذَةِ وَالْحَصَاةِ»، وَأَرَادَ بِهِ مَا ذَكَرْنَاهُ.

.فَصْلٌ:

وَيَعْتَبِرُ الْمُحْتَسِبُ عَلَيْهِمْ صِدْقَ الْقَوْلِ فِي أَخْبَارِ الشِّرَاءِ، وَمِقْدَارِ رَأْسِ الْمَالِ فِي بَيْعِ الْمُرَابَحَةِ، فَإِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَفْعَلُونَ مَا لاَ يَجُوزُ.
فَمِنْ ذَلِكَ أَنَّ أَحَدَهُمْ يَشْتَرِي سِلْعَةً بِثَمَنٍ مَعْلُومٍ إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ، ثُمَّ يُخْبِرُ بِرَأْسِ الْمَالِ فِي بَيْعِ الْمُرَابَحَةِ، وَهَذَا لاَ يَجُوزُ، لِأَنَّ الْأَجَلَ يُقَابِلُهُ قِسْطٌ مِنْ الثَّمَنِ.
وَمِنْهُمْ مَنْ يَشْتَرِي سِلْعَةً بِثَمَنٍ مَعْلُومٍ، فَإِذَا انْعَقَدَ الْعَقْدُ، وَطَلَبَ الْبَائِعُ الثَّمَنَ، نَقَصَهُ الْمُشْتَرِي مِنْهُ شَيْئًا، وَهَذَا لاَ يَجُوزُ بَعْدَ تَمَامِ الْعَقْدِ.
وَمِنْهُمْ مَنْ يَشْتَرِي سِلْعَةً بِثَمَنٍ مَعْلُومٍ، فَإِذَا وَجَدَ بِهَا عَيْبًا، وَرَجَعَ بِالْأَرْشِ عَلَى بَائِعِهَا، يُخْبِرُ بِرَأْسِ مَالِهَا الَّذِي اشْتَرَاهَا بِهِ أَوَّلًا مِنْ غَيْرِ أَرْشٍ.
وَمِنْهُمْ مَنْ يُوَاطِئُ جَارَهُ، أَوْ غُلاَمَهُ، فَيَبِيعُهُ ثَوْبًا بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ مَثَلًا، ثُمَّ يَشْتَرِيه مِنْهُ بِخَمْسَةَ عَشَرَ دِرْهَمًا، لِيُخْبِرَ بِهَا فِي بَيْعِ الْمُرَابَحَةِ، وَيَقُولُ اشْتَرَيْته بِخَمْسَةَ عَشَرَ دِرْهَمًا؛ وَجَمِيعُ ذَلِكَ حَرَامٌ لاَ يَجُوزُ.
فَإِذَا اشْتَرَى التَّاجِرُ ثَوْبًا بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ، ثُمَّ قَصَّرَهُ بِدِرْهَمٍ، وَطَرَّزَهُ بِدِرْهَمٍ، وَرَفَاهُ بِدِرْهَمٍ، فَإِنَّهُ لاَ يَقُولُ اشْتَرَيْته بِثَلاَثَةَ عَشَرَ دِرْهَمًا، لِأَنَّهُ يَكُونُ كَاذِبًا، بَلْ يَقُولُ قَامَ عَلَيَّ بِثَلاَثَةَ عَشَرَ دِرْهَمًا، أَوْ هُوَ عَلَيَّ بِثَلاَثَةَ عَشَرَ دِرْهَمًا.
وَإِنْ كَانَ هُوَ الَّذِي قَصَّرَهُ وَطَرَّزَهُ وَرَفَاهُ بِنَفْسِهِ، فَإِنَّهُ لاَ يَقُولُ قَامَ عَلَيَّ بِثَلاَثَةَ عَشَرَ دِرْهَمًا؛ لِأَنَّ عَمَلَ الْإِنْسَانِ لاَ يَقُومُ عَلَيْهِ، وَلاَ يَقُولُ رَأْسُ مَالِهِ ثَلاَثَةَ عَشَرَ دِرْهَمًا، لِأَنَّهُ يَكُونُ كَاذِبًا، بَلْ يَقُولُ اشْتَرَيْته بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ، وَعَمِلْت فِيهِ عَمَلًا يُسَاوِي ثَلاَثَةَ دَرَاهِمَ.
فَعَلَى الْمُحْتَسِبِ أَنْ يَعْتَبِرَ عَلَيْهِمْ جَمِيعَ مَا ذَكَرْنَاهُ، وَيَنْهَاهُمْ عَنْ فِعْلِ ذَلِكَ، وَيَتَفَقَّدَ مَوَازِينَهُمْ وَأَذْرِعَتِهِمْ؛ وَيَمْنَعَهُمْ مِنْ شَرِكَةِ الْمُنَادِي وَالدَّلاَلِ، وَيُرَاعِيَ حُسْنَ مُعَامَلَتِهِمْ مَعَ الْمُشْتَرِينَ وَجَلاَبِي الْبَضَائِعِ، وَصِدْقَ الْقَوْلِ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ.

.الْبَابُ الثَّانِي وَالْعِشْرُونَ: فِي الْحِسْبَةِ عَلَى الدَّلاَلِينَ وَالْمُنَادِينَ:

يَنْبَغِي أَنْ يَكُونُوا أَخْيَارًا ثِقَات، مِنْ أَهْلِ الدِّينِ وَالْأَمَانَةِ وَصِدْقِ الْقَوْلِ؛ لِأَنَّهُمْ يَتَسَلَّمُونَ بَضَائِعَ النَّاسِ، وَيُقَلِّدُونَهُمْ الْأَمَانَةَ فِي بَيْعِهَا.
وَلاَ يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْهُمْ أَنْ يَزِيدَ فِي السِّلْعَةِ مِنْ نَفْسِهِ، وَلاَ يَكُونُ شَرِيكًا لِلْبَزَّازِ، وَلاَ يَشْتَرِيهَا لِنَفْسِهِ، وَلاَ يَقْبِضُ ثَمَنَ السِّلْعَةِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُوَكِّلَهُ صَاحِبُهَا فِي الْقَبْضِ.
وَمِنْهُمْ مَنْ يَعْمِدُ إلَى صُنَّاعِ الْبَزِّ وَالْحَاكَةِ، وَيُعْطِيهِمْ ذَهَبًا عَلَى سَبِيلِ الْقَرْضِ، وَيَشْتَرِطُ عَلَيْهِمْ أَلاَ يَبِيعَ لَهُمْ شَيْئًا مِنْ مَتَاعِهِمْ إلاَ هُوَ؛ وَهَذَا حَرَامٌ؛ لِأَنَّهُ قَرْضٌ جَرَّ مَنْفَعَةً.
وَمِنْهُمْ مَنْ يَشْتَرِي السِّلْعَةَ لِنَفْسِهِ، وَيُوهِمُ صَاحِبَهَا أَنَّ بَعْضَ النَّاسِ اشْتَرَاهَا مِنْهُ، وَيُوَاطِئُ غَيْرَهُ عَلَى شِرَائِهَا مِنْهُ.
وَمِنْهُمْ مَنْ تَكُونُ السِّلْعَةُ لَهُ، فَيُنَادِي عَلَيْهَا وَيَزِيدُ فِي ثَمَنِهَا مِنْ عِنْدِهِ، وَيُوهِمُ النَّاسَ أَنَّهَا لِبَعْضِ التُّجَّارِ.
وَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَزَّازِ شَرْطٌ وَمُوَاطَأَةٌ عَلَى شَيْءٍ مَعْلُومٍ مِنْ الْأُجْرَةِ، فَإِذَا قَدِمَ إلَى الْبَزَّازِ تَاجِرٌ وَمَعَهُ مَتَاعٌ، فَإِنَّ الْبَزَّازَ يَسْتَدْعِي ذَلِكَ الْمُنَادِي لِبَيْعِ الْمَتَاعِ، فَإِذَا فَرَغَ الْبَيْعُ وَأَخَذَ الْأُجْرَةَ، أَعْطَى الْبَزَّازَ مَا كَانَ شَرْطُهُ لَهُ وَوَاطَأَهُ عَلَيْهِ؛ وَهَذَا حَرَامٌ عَلَى الْبَزَّازِ فِعْلُهُ.
وَمَتَى عَلِمَ الْمُنَادِي أَنَّ فِي السِّلْعَةِ عَيْبًا، وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يُعْلِمَ الْمُشْتَرِيَ بِهِ، وَيُوقِفَهُ عَلَيْهِ.
وَعَلَى الْمُحْتَسِبِ أَنْ يَعْتَبِرَ عَلَيْهِمْ جَمِيعَ مَا قُلْنَاهُ، وَيَتَفَقَّدَ أَحْوَالَهُمْ فِي ذَلِكَ.

.الْبَابُ الثَّالِثُ وَالْعِشْرُونَ: فِي الْحِسْبَةِ عَلَى الْحَاكَةِ:

يَجِبُ عَلَى الْمُحْتَسِبِ أَنْ يَأْمُرَهُمْ بِجَوْدَةِ عَمَلِ الشُّقَّةِ وَصَفَاقَتِهَا، وَنِهَايَةِ طُولِهَا الْمُتَعَارَفِ بِهِ، وَعَرْضِهَا وَدِقَّةِ غَزْلِهَا، وَتَنْقِيَتِهَا مِنْ الْقِشْرَةِ السَّوْدَاءِ بِالْحَجَرِ الْأَسْوَدِ الْخَشِنِ.
وَيَمْنَعَهُمْ مِنْ نَثْرِ الدَّقِيقِ والجبصين الْمَشْوِيِّ عَلَيْهَا فِي وَقْتِ نَسْجِهَا، فَإِنَّهُ يَسْتُرُ وَحَاشَهَا، فَتَبِينُ كَأَنَّهَا صَفِيقَةُ الرُّقْعَةِ، وَهَذَا تَدْلِيسٌ عَلَى النَّاسِ.
وَإِذَا نَسَجَ أَحَدُهُمْ ثَوْبًا مِنْ الْهُدَّابِ وَالْجِدَادِ الْمَعْقُودِ، فَإِنَّهُ يَبِيعُهُ مُفْرَدًا عَنْ الثِّيَابِ، وَإِلاَ كَانَ تَدْلِيسًا.
وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْسِجُ وَجْهَ الشُّقَّةِ مِنْ الْغَزْلِ الطَّيِّبِ الْمُصْطَحَبِ، ثُمَّ يَنْسِجُ بَاقِيهَا مِنْ الْغَزْلِ الْغَلِيظِ الْمُعَقَّدِ مِنْ الْهُدَّابِ؛ فَيُرَاعِيهِمْ الْعَرِيفُ، وَيَعْتَبِرُ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ.
وَإِذَا أَخَذَ أَحَدُهُمْ غَزْلًا لِإِنْسَانٍ لِيَنْسِجَهُ لَهُ ثَوْبًا، فَلْيَأْخُذْهُ بِالْوَزْنِ؛ فَإِذَا نَسَجَهُ ثَوْبًا غَسَلَهُ، ثُمَّ دَفَعَهُ إلَى صَاحِبِهِ بِالْوَزْنِ، لِيَكُونَ أُنْفَى لِلتُّهْمَةِ عَنْهُ؛ فَإِذَا ادَّعَى صَاحِبُ الْغَزْلِ أَنَّ الْحَائِكَ أَبْدَلَ غَزْلَهُ، عَرَضَهُ الْمُحْتَسِبُ عَلَى الْعَرِيفِ، فَإِنْ رَجَعَا إلَى قَوْلِهِ كَانَ بِهَا، وَإِلاَ حَمَلَهُمَا إلَى حُكْمِ الشَّرْعِ.
وَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ لَهُ عَلَى بَابِ حَانُوتِهِ جُرْنٌ مِنْ حَجَرٍ يَعْرُكُ شُقَّتَهُ فِيهِ، فَإِذَا انْصَرَفَ جَاءَتْ الْكِلاَبُ وَوَلَغَتْ فِيهِ؛ فَيُكَلِّفُهُمْ الْمُحْتَسِبُ أَنْ يَجْعَلُوا لَهَا أَغْطِيَةً مِنْ الْخَشَبِ، أَوْ يَغْسِلُوهَا كُلَّ يَوْمٍ سَبْعَ مَرَّاتٍ إحْدَاهُنَّ بِالتُّرَابِ، عَنْ الْحَاجَةِ إلَيْهَا.
وَيَنْبَغِي أَنْ يَمْنَعَهُمْ مِنْ أَنْ يَمْتَدَّ شُقَّاتُهُمْ فِي طُرُقَاتِ الْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّهَا تَضُرُّ بِالْمَارَّةِ؛ وَيَمْنَعَهُمْ أَيْضًا مِنْ أَنْ يُلْقُوا الطَّعَامَ الَّذِي فِيهَا مِنْ دَقِيقٍ وَنَحْوِهِ تَحْتَ أَقْدَامِ الْمُسْلِمِينَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

.الْبَابُ الرَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ: فِي الْحِسْبَةِ عَلَى الْخَيَّاطِينَ:

يُؤْمَرُونَ بِجَوْدَةِ التَّفْصِيلِ، وَحُسْنِ فَتْحِ الْجَيْبِ، وَسَعَةِ التَّخَارِيصِ، وَاعْتِدَالِ الْكُمَّيْنِ وَالْأَطْرَافِ، وَاسْتِوَاءِ الذَّيْلِ.
وَالْأَجْوَدُ أَنْ تَكُونَ الْخِيَاطَةُ دَرْزًا لاَ شَلًّا، وَالْإِبْرَةُ دَقِيقَةٌ، وَالْخَيْطُ فِي الْخُرْمِ قَصِيرًا؛ لِأَنَّهُ إذَا طَالَ انْسَلَخَ وَانْتَقَضَ فَتْلُهُ فَيَضْعُفُ، وَأَيْضًا كُلَّمَا نَتَرَ الْخَيَّاطُ ضَعُفَ.
وَيَنْبَغِي أَنْ لاَ يُفَصِّلَ الْخَيَّاطُ لِأَحَدٍ ثَوْبًا لَهُ قِيمَةٌ حَتَّى يُقَدِّرَهُ، ثُمَّ يَقْطَعَهُ بَعْدَ ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ ثَوْبًا لَهُ قِيمَةٌ كَالْحَرِيرِ وَالدِّيبَاجِ، فَلاَ يَأْخُذُهُ إلاَ بَعْدَ أَنْ يَزِنَهُ، فَإِذَا خَاطَهُ رَدَّهُ إلَى صَاحِبِهِ بِذَلِكَ الْوَزْنِ.
وَيَعْتَبِرُ الْمُحْتَسِبَ عَلَيْهِمْ مَا يَسْرِقُونَهُ مِنْ أَمْتِعَةِ النَّاسِ، فَمِنْهُمْ مَنْ إذَا خَاطَ ثَوْبًا حَرِيرًا وَنَحْوَهُ حَشَاهُ وَقْتَ كَفِّهِ رَمْلًا وأشراسا، وَيَسْرِقُ بِقَدْرِهِ مِنْ الثَّوْبِ إذَا كَانَ مَوْزُونًا عَلَيْهِ.
وَيَمْنَعُهُمْ أَنْ يُمَاطِلُوا النَّاسَ بِخَيَّاطَةِ أَمْتِعَتِهِمْ، بِاسْتِضْرَارِهِمْ بِالتَّرَدُّدِ إلَيْهِمْ، وَحَبْسِ الْأَمْتِعَةِ عَنْهُمْ.
وَلاَ يَتَكَلَّفُونَ لِلنَّاسِ عَمَلًا أَكْثَرَ مِنْ الْأُسْبُوعِ، إلاَ أَنْ يَشْرِطُوا لِصَاحِبِهِ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، وَلاَ يَتَعَدَّوْنَ الشَّرْطَ.
وَيَنْبَغِي أَنْ يُحَلِّفَ الْمُحْتَسِبُ الرَّفَّائِينَ أَنْ لاَ يَرْفُوا لِأَحَدٍ مِنْ الْقَصَّارِينَ، أَوْ الدَّقَّاقِينَ ثَوْبًا مَخْرُوقًا، إلاَ بِحَضْرَةِ صَاحِبِهِ.
وَلاَ يَنْقُلُ الْمُطَرِّزُ، أَوْ الرقام رَقْمَ ثَوْبٍ إلَى ثَوْبٍ يُحْضِرُهُ إلَيْهِ الْقَصَّارُ، أَوْ الدَّقَّاقُ، فَكَثِيرٌ مِنْهُمْ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ بِثِيَابِ النَّاسِ.
وَأَمَّا صُنَّاعُ الْقَلاَنِسِ، فَيَأْمُرُهُمْ الْمُحْتَسِبُ بِعَمَلِهَا مِنْ الْخِرَقِ الْجَدِيدَةِ وَخُيُوطِ الْإِبْرَيْسَمِ وَالْكَتَّانِ الْمَصْبُوغِ؛ وَلاَ يَعْمَلُونَهَا مِنْ الْخِرَقِ الْبَالِيَةِ الْمَصْبُوغَةِ، وَيُقَوُّونَهَا بالأشراس وَالنَّشَا، فَهَذَا تَدْلِيسٌ، فَيَمْنَعُهُمْ مِنْ فِعْلِهِ وَعَمَلِهِ.

.الْبَابُ الْخَامِسُ وَالْعِشْرُونَ: فِي الْحِسْبَةِ عَلَى الْقَطَّانِينَ:

لاَ يَخْلِطُونَ جَدِيدَ الْقُطْنِ بِقَدِيمِهِ، وَلاَ أَحْمَرَهُ بِأَبْيَضِهِ.
وَيَنْبَغِي أَنْ يُنْدَفَ الْقُطْنُ نَدْفًا مُكَرَّرًا، حَتَّى تَطِيرَ مِنْهُ الْقِشْرَةُ السَّوْدَاءُ وَالْحَبُّ الْمَكْسُورُ، لِأَنَّهُ إذَا بَقِيَ فِيهِ الْحَبُّ ظَهَرَ فِي وَزْنِهِ، وَإِذَا طُرِحَ فِي لِحَافٍ، أَوْ جُبَّةٍ أَوْ قَبَاءٍ قَرَضَهُ الْفَأْرُ.
وَلاَ يَخْلِطُونَ الَّذِي فِي أَسْفَلِ الْبَسْطَةِ مِنْ الصَّفَايَا، وَمَا يَطِيرُ عَلَى الْحِيطَانِ مِنْ الْقُطْنِ الصَّافِي.
وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْدِفُ الْقُطْنَ الرَّدِيءَ الْأَحْمَرَ وَيَجْعَلُهُ فِي أَسْفَلِ الْكُبَّةِ، ثُمَّ يُعْلِيه بِالْقُطْنِ الْأَبْيَضِ النَّقِيِّ، فَلاَ يَظْهَرُ إلاَ عِنْدَ غَزْلِهِ.
وَيَنْهَاهُمْ الْمُحْتَسِبُ أَنْ يُجْلِسُوا النِّسْوَانَ عَلَى أَبْوَابِ حَوَانِيتِهِمْ، لِانْتِظَارِ فَرَاغِ النَّدْفِ، وَيَنْهَاهُمْ عَنْ الْحَدِيثِ مَعَهُنَّ.
وَلاَ يَضَعُونَ الْقُطْنَ بَعْدَ نَدْفِهِ فِي الْمَوَاضِعِ النَّدِيَّةِ، فَإِنَّ ذَلِكَ يَزِيدُ فِي وَزْنِهِ، فَإِذَا جَفَّ نَقَصَ؛ وَهَذَا تَدْلِيسٌ يَفْعَلُهُ الْكُلُّ: فَيَمْنَعُهُمْ الْمُحْتَسِبُ مِنْ فِعْلِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

.الْبَابُ السَّادِسُ وَالْعِشْرُونَ: فِي الْحِسْبَةِ عَلَى الْكَتَّانِينَ:

أَجْوَدُ الْكَتَّانِ الْمِصْرِيُّ الْجِيزِيُّ، وَأَجْوَدُهُ النَّاعِمُ الْمُورِقُ، وَأَرْدَؤُهُ الْقَصِيرُ الْخَشِنُ، الَّذِي يَنْقَصِفُ تَحْتَ الصَّدَفَةِ.
فَلاَ يَخْلِطُونَ جَيِّدَهُ بِرَدِيئِهِ، وَلاَ الْكَتَّانَ النَّابْلُسِيَّ بِالْمِصْرِيِّ.
وَمِنْهُمْ مَنْ يَخْلِطُ القنداس - وَهُوَ مَا يَخْرُجُ مِنْ السِّرَاقَة - بِالْكَتَّانِ النَّاعِمِ بَعْدَ مَشْطِهِ، وَجَمِيعُ ذَلِكَ تَدْلِيسٌ.
وَلاَ يَتْرُكُونَ النِّسْوَانَ جُلُوسًا عَلَى أَبْوَابِ حَوَانِيتِهِمْ، كَمَا ذَكَرْنَا فِي الْقَطَّانِينَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

.الْبَابُ السَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ: فِي الْحِسْبَةِ عَلَى الْحَرِيرِيَّيْنِ:

لاَ يَصْبُغُونَ الْقَزَّ قَبْلَ تَبْيِيضِهِ، لِئَلاَ يَتَغَيَّرَ بَعْدَ ذَلِكَ؛ وَقَدْ يَفْعَلُونَهُ حَتَّى يَزِيدَ لَهُمْ.
وَمِنْهُمْ مَنْ يُثَقِّلُ الْحَرِيرَ بِالنَّشَا الْمُدَبَّرِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُثَقِّلُهُ بِالسَّمْنِ، أَوْ الزَّيْتِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَجْعَلُ فِي ظَهْرِهِ عُقَدًا مِنْ غَيْرِهِ.
فَيَعْتَبِرُ الْمُحْتَسِبُ عَلَيْهِمْ جَمِيعَ ذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.