فصل: المسألة الرابعة: في الإحداد:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الفقه الميسر في ضوء الكتاب والسنة



.المسألة الرابعة: في الإحداد:

تعريف الإحداد، ودليل مشروعيته:
1- تعريف الإحداد:
الإحداد لغة: الامتناع، يقال: حادٌّ ومُحِدٌّ، إذا تركت المرأة الزينة والطيب.
وشرعاً: هو ترك المرأة الزينةَ، والطيب، وغير ذلك مما يُرَغِّبُ فيها، ويدعو إلى جماعها.
2- دليل مشروعية الإحداد:
الإحداد واجب على المرأة المتوفى عنها؛ لحديث أم حبيبة رضي الله عنها أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث ليال، إلا على زوج أربعة أشهر وعشراً». وحديث أم عطية الأنصارية رضي الله عنها قالت: «كنا نُنهى أن نحد على ميت فوق ثلاث، إلا على زوج أربعة أشهر وعشراً، ولا نكتحل، ولا نتطيب، ولا نلبس ثوباً مصبوغاً إلا ثوب عَصْب …» الحديث.
ويجب في حقِّ المرأة المُحِدَّة ما يلي:
1- المنع عن مظاهر الزينة والطيب، فتمنع من لبس الثياب ذات الألوان الزاهية، ولا تكتحل، ولا تلبس الحلي ذهباً أو فضة أو غيرهما، ولا تستعمل شيئاً من الأصباغ؛ لحديث أم سلمة رضي الله عنها مرفوعاً: (المتوفى عنها لا تلبس المعصفر من الثياب، ولا المُمَشَّق، ولا الحلي، ولا تختضب، ولا تكتحل)، ولحديث أم عطية الأنصارية المتقدم قبل قليل.
2- وجوب ملازمتها بيتها الذي تعتد فيه ولا تخرج إلا لحاجة؛ لحديث الفُريعة بنت مالك رضي الله عنها الماضي ذكره.

.الباب التاسع: في الرضاع:

وفيه مسائل:

.المسألة الأولى: تعريف الرضاع، ودليل مشروعيته، وحكمه:

1- تعريف الرضاع:
الرضاع لغة- بفتح الراء ويجوز كسرها-: مص اللبن من الثدي، أو شربه.
وشرعاً: هو مص طفل دون الحولين لبناً ثاب عن حمل، أو شربه أو نحوه.
2- دليل مشروعية الرضاع:
الرضاع مشروع؛ لقوله تعالى: {وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى} [الطلاق: 6].
ولقوله تعالى: {وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلَادَكُمْ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ} [البقرة: 233].
3- حكم الرضاع:
حكم الرضاع حكم النسب في تحريم النكاح، وثبوت المحرمية، وإباحة الخلوة والنظر. فهو موجب للقرابة ناشر للتحريم بشروطه.
والدليل على التحريم بالرضاع: الكتاب، والسنة، والإجماع.
أما الكتاب: فقوله تعالى: {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ} [النساء: 23] وذلك في سياق بيان المحرمات من النساء.
وأما السنة: فحديث عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إن الرضاعة تُحَرِّم ما تحرم الولادة». وحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في بنت حمزة: «إنها لا تحل لي، إنها ابنة أخي من الرضاعة، ويحرم من الرضاعة ما يحرم من الرحم».
وأما الإجماع: فقد أجمع علماء الأمة على التحريم بالرضاع.

.المسألة الثانية: شروط الرضاع المحرم، وما يترتب على قرابة الرضاع:

1- شروط الرضاع المحرم:
لا يعد الرضاع موجباً للقرابة، وناشراً للتحريم، إلا بشرطين وهما:
1- أن يكون الإرضاع خلال السنتين الأوليين من عمر الرضيع، فلا يؤثر الرضاع بعد السنتين؛ لقوله تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} [البقرة: 233]، مع قوله تعالى: {وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ} [لقمان: 14].
ولحديث أم سلمة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لا يحرم من الرضاعة إلا ما فتق الأمعاء في الثدي، وكان قبل الفطام». ومعنى فتق الأمعاء: وصل إليها ووسعها؛ فالرضاع المحرم هو ما كان في الصغر، وقام مقام الغذاء، وذلك حيث يكون الرضيع طفلاً فيسدُّ اللبن جوعه وينبت لحمه.
2- أن ترضعه خمس رضعات مشبعات فأكثر؛ لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: (كان فيما نزل من القرآن: عشر رضعات معلومات يُحَرِّمن، ثم نسخن بخمس معلومات، فتوفي رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهن فيما يقرأ من القرآن). وهذا مما نسخت تلاوته وبقي حكمه.
ولو وصل اللبن إلى جوف الطفل بغير الرضاع، كأن يقطر في فمه، أو يشربه في إناء ونحوه، فحكمه حكم الرضاع، بشرط أن يحصل من ذلك خمس مرات.
2- ما يترتب على قرابة الرضاع:
يترتب على القرابة الناشئة بسبب الرضاع حكمان، وهما:
1- حكم يتعلق بالحرمة.
2- حكم يتعلق بالحل.
أما ما يتعلق بالحرمة: فإنَّ الإرضاع له من التأثير في حرمة النكاح مثل ما لقرابة النسب؛ فأمك من الرضاع وان علت، وبنتك وإن سفلت، وأختك لأبويك أو لأحدهما، محرمات عليك بسبب هذه القرابة التي جاءت عن طريق الرضاع.
وأما ما يتعلق بأثر الحل: فإن كل ما يحل بينك وبين قريبة لك من النسب كالأم والبنت، يحل بينك وبين من بينك وبينها رضاعة، فيحل بينهما النظر والخلوة؛ لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إن الرضاعة تحرم ما تحرم الولادة».

.المسألة الثالثة: إثبات الرضاع:

يثبت الرضاع بشهادة امرأة واحدة مرضية معروفة بالصدق، شهدت بذلك على نفسها أو على غيرها، أنها أرضعت طفلاً في الحولين خمس رضعات؛ وذلك لحديث عقبة بن الحارث قال: تزوجت امرأة، فجاءت امرأة فقالت: إني قد أرضعتكما، فأتيت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: «وكيف وقد قيل؟ دعها عنك» أو نحوه، ولأن هذه شهادة على عورة، فتقبل فيها شهادة النساء منفردات عن الرجال، كالولادة.

.الباب العاشر: في الحضانة، وأحكامها:

وفيه مسائل:

.المسألة الأولى: في تعريف الحضانة، وحكمها، ولمن تكون؟

أ- تعريف الحضانة:
لغة: تربية الصغير ورعايته، مشتقة من الحِضْن، وهو الجنب؛ لأن المربي والكافل يضم الطفل إلى جنبه.
والحاضن والحاضنة: الموكلان بالصبي يحفظانه ويرعيانه.
والحضانة شرعاً: هي القيام بحفظ من لا يميز ولا يستقل بأمره، وتربيته بما يصلحه بدنياً ومعنوياً، ووقايته عما يؤذيه.
ب- حكمها: وهي واجبة في حق الحاضن إذا لم يوجد غيره، أو وجد ولكن المحضون لم يقبل غيره؛ لأنه قد يهلك، أو يتضرر بترك الحفظ، فيجب حفظه عن الهلاك، والوجوب الكفائي يكون عند تعدد الحاضنين.
ج- لمن تكون؟: والحضانة تكون للنساء والرجال من المستحقين لها، إلا أن النساء يقدمن في الحضانة على الرجال؛ لأنهن أشفق وأرفق بالصغار، وإذا لم يكن لهن حق في الحضانة تصرف إلى الرجال؛ لأنهم على الحماية والصيانة وإقامة مصالح الصغار أقدر.
وحضانة الطفل تكون لوالديه إذا كان النكاح قائماً بينهما، أمَّا إذا تفرقا فالحضانة للأم ما لم تنكح زوجاً أجنبياً من المحضون؛ لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للمرأة التي طلقها زوجها وأراد أن ينتزع ولدها منها: «أنتِ أحق به ما لم تنكحي».
ومقتضى الحضانة: حفظ المحضون، وإمساكه عما يؤذيه، وتربيته حتى يكبر، وعمل جميع ما هو في صالحه: مِنْ تعهد طعامه، وشرابه، وغسله، ونظافته ظاهراً وباطناً، وتعهُّد نومه، ويقظته، والقيام بجميع حاجاته، ومتطلباته.

.المسألة الثانية: في شروط الحاضن، وموانع الحضانة:

1- الإسلام: فلا حضانة لكافر على مسلم؛ لأنه لا ولاية له على المسلم، وللخشية على المحضون من الفتنه في دينه وإخراجه من الإسلام إلى الكفر.
2- البلوغ والعقل: فلا حضانة لصغير ولا مجنون ولا معتوه؛ لأنهم عاجزون عن إدارة أمورهم، وفي حاجة لمن يحضنهم.
3- الأمانة في الدين والعفة: فلا حضانة لخائن وفاسق؛ لأنه غير مؤتمن، وفي بقاء المحضون عندهما ضرر عليه في نفسه وماله.
4- القدرة على القيام بشؤون المحضون بدنياً ومالياً: فلا حضانة لعاجز لكبر سن، أو صاحب عاهة كخرس وصمم، ولا حضانة لفقير معدم، أو مشغول بأعمال كثيرة يترتب عليها ضياع المحضون.
5- أن يكون الحاضن سليماً من الأمراض المعدية: كالجذام ونحوه.
6- أن يكون رشيداً: فلا حضانة لسفيه مبذر لئلا يتلف مال المحضون.
7- أن يكون الحاضن حراً: فلا حضانة لرقيق؛ لأن الحضانة ولاية، وليس الرقيق من أهل الولاية.
وهذه الشروط عامة في الرجال والنساء. وتزيد المرأة شرطاً آخر، وهو: أن لا تكون متزوجة من أجنبي من المحضون؛ لأنها تكون مشغولة بحق الزوج، ولقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أنتِ أحق به ما لم تنكحي». وتسقط الحضانة بوجود مانع من الموانع المذكورة، أو زوال شرط من شروط استحقاقها السابقة.

.المسألة الثالثة: من الأحكام المتعلقة بالحضانة:

- إذا سافر أحد أبوي المحضون سفراً طويلاً، ولم يقصد به المضارة، وكان الطريق آمناً، فالأب أحق بالحضانة، سواء أكان هو المسافر أم المقيم؛ لأنه هو الذي يقوم بتأديب الولد والمحافظة عليه، فإذا كان بعيداً ضاع الولد.
- إذا كان السفر لبلد قريب دون مسافة القصر، فالحضانة للأم، سواء أكانت هي المسافرة أم المقيمة؛ لأنها أتم شفقة ويمكن لأبيه الإشراف عليه، وتعهد حاله.
أما إذا كان السفر طويلاً ولحاجة، وكان الطريق غير آمن فالحضانة تكون للمقيم منهما.
- وتنتهي الحضانة عند سن السابعة، ويخير الذكر بعدها بين أبويه، فيكون عند من اختار منهما؛ لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يا غلام! هذا أبوك وهذه أمك؛ فخذ بيد أيهما شئت» فأخذ بيد أمه فانطلقت به، وقضى بالتخيير أيضاً: عمر وعليّ رضي الله عنهما، ولا يخير إلا إذا بلغ عاقلاً، وكان الأبوان من أهل الحضانة.
وقيد التخيير بالسبع؛ لأنه أول سن أمر فيه الشارع بمخاطبته بالصلاة. فإن اختار الولد أباه كان عنده ليلاً ونهاراً ليؤدبه ويربيه، ولا يمنعه من زيارة أمه، وان اختار أمه صار عندها ليلاً وعند أبيه نهاراً؛ ليؤدبه ويربيه، ولأن النهار وقت قضاء الحوائج، وعمل الصنائع.
والأنثى إذا بلغت سبع سنين فإنها تكون عند أبيها؛ لأنه أحفظ لها وأحق بولايتها من غيره، ولقربها من سن التزويج، والأب وليها وإنما تخطب منه، وهو الأعلم بالكفء ممن يتقدَّمون لها، ولا تمنع الأم من زيارتها عند عدم المحظور كخوف الفساد عليها أو غير ذلك. فإن كان الأب عاجزاً عن حفظها؛ لشغله، أو لكبره، أو لمرضه، أو لقلة دينه. والأم أصلح وأقدر فإنها أحق بها.
وكذلك إذا تزوج الأب وجعلها عند زوجته، تؤذيها وتقصر في حقها، فالأم أحق بالحضانة.
- أجرة الحضانة- سواء أكان الحاضن أماً أم غيرها- مستحقة من مال المحضون إن كان له مال، أو من مال وليه ومن تلزمه نفقته، إن لم يكن له مال.