فصل: فَصْلٌ: فِي وُجُوبِ الْأُجْرَةِ بِالْعَقْدِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: كشاف القناع عن متن الإقناع



.فَصْلٌ: فِي وُجُوبِ الْأُجْرَةِ بِالْعَقْدِ:

وَتَجِبُ الْأُجْرَةُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ (فَتَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ وَإِنْ تَأَخَّرَتْ الْمُطَالَبَةُ بِهَا) لِأَنَّهَا عِوَضٌ أَطْلَقَ فِي عَقْدِ مُعَاوَضَةٍ فَمَلَكَ بِمُطْلَقِ الْعَقْدِ كَالثَّمَنِ وَالصَّدَاقِ.
(وَلَهُ الْوَطْءُ إذَا كَانَتْ الْأُجْرَةُ أَمَةً) لِأَنَّهُ مَلَكَهَا بِالْعَقْدِ (سَوَاءٌ كَانَتْ) الْإِجَارَةُ إجَارَةَ عَيْنٍ كَعَبْدٍ وَدَارٍ مُعَيَّنَةٍ (أَوْ فِي الذِّمَّةِ) سَوَاءٌ اشْتَرَطَ الْحُلُولَ أَوْ أَطْلَقَ وَسَوَاءٌ كَانَتْ الْمُدَّةُ تَلِي الْعَقْدَ أَوْ لَا وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «وَرَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَاسْتَوْفَى مِنْهُ وَلَمْ يُوَفِّهِ أَجْرَهُ» فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ الْإِيتَاءَ عِنْدَ الشُّرُوعِ فِي الرِّضَاعِ أَوْ تَسْلِيمِ نَفْسِهَا وَكَذَلِكَ الْحَدِيثُ وَيُحَقِّقُهُ أَنَّ الْإِيتَاءَ فِي وَقْتٍ لَا يَمْنَعُ وُجُوبَهُ قَبْلَهُ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} وَالصَّدَاقُ يَجِبُ قَبْلَ الِاسْتِمْتَاعِ وَهَذَا هُوَ الْجَوَابُ عَنْ الْحَدِيثِ وَيَدُلُّ لَهُ أَنَّهُ إنَّمَا تَوَعَّدَ عَلَى تَرْكِ الْإِيفَاءِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْعَمَلِ، وَقَدْ قُلْتُمْ تَجِبُ الْأُجْرَةُ شَيْئًا فَشَيْئًا قَالَ فِي الْمُغْنِي: وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ تَوَعَّدَهُ عَلَى تَرْكِ الْإِيفَاءِ فِي الْوَقْتِ الَّذِي تَتَوَجَّهُ الْمُطَالَبَةُ فِيهِ عَادَةً.
(وَيَسْتَحِقُّ) الْأُجْرَةَ (كَامِلَةً) أَيْ يَمْلِكُ الْمُؤْجِرُ الْمُطَالَبَةَ بِهَا (وَيَجِبُ) عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ (تَسْلِيمُهَا بِتَسْلِيمِ الْعَيْنِ) مُعَيَّنَةً كَانَتْ فِي الْعَقْدِ أَوْ مَوْصُوفَةً فِي الذِّمَّةِ (لِمُسْتَأْجِرٍ) لِأَنَّ تَسْلِيمَ الْعَيْنِ يَجْرِي مَجْرَى تَسْلِيمِ نَفْعِهَا (أَوْ بَذْلِهَا لَهُ) بِأَنْ يَأْتِيَ الْمُؤْجِرُ بِالْعَيْنِ لِلْمُسْتَأْجِرِ لِيَسْتَوْفِيَ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ عَقْدُ الْإِيجَارَةِ مِنْ مَنْفَعَتِهَا فَيَمْتَنِعُ مِنْ تَسَلُّمِهَا لِأَنَّهُ فَعَلَ مَا عَلَيْهِ، كَمَا لَوْ بَذَلَ الْبَائِعُ الْعَيْنَ الْمَبِيعَةَ (أَوْ بِفَرَاغِ عَمَلٍ بِيَدِ مُسْتَأْجِرٍ وَيَدْفَعُهُ إلَيْهِ) أَيْ إلَى الْمُسْتَأْجِرِ (بَعْدَ عَمَلِهِ) هَكَذَا فِي التَّنْقِيحِ قَالَ فِي الْمُغْنِي: وَإِنَّمَا تَوَقَّفَ اسْتِحْقَاقُ تَسْلِيمِهِ عَلَى الْعَمَلِ لِأَنَّهُ عِوَضٌ فَلَا يَسْتَحِقُّ تَسْلِيمُهُ إلَّا مَعَ تَسْلِيمِ الْمُعَوَّضِ، كَالصَّدَاقِ وَالثَّمَنِ فِي الْبَيْعِ، وَعِبَارَةُ الْمُنْتَهَى، وَشَرْحِهِ.
: وَتَسْتَقِرُّ بِعَمَلِ مَا بِيَدِ مُسْتَأْجِرٍ، كَطَبَّاخٍ اُسْتُؤْجِرَ لِطَبْخِ شَيْءٍ فِي بَيْتِ الْمُسْتَأْجِرِ فَطَبَخَهُ وَفَرَغَ مِنْهُ (وَيَدْفَعُ غَيْرَهُ) أَيْ غَيْرَ مَا بِيَدِ مُسْتَأْجِرٍ، كَمَا لَوْ اتَّفَقَا عَلَى أَنَّ الطَّبَّاخَ يَطْبُخُ مَا اُسْتُؤْجِرَ عَلَى طَبْخِهِ فِي دَارِهِ، فَيَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ عِنْدَ إتْيَانِهِ إلَى الْمُسْتَأْجِرِ مَعْمُولًا لِأَنَّهُ فِي الْحَالَتَيْنِ قَدْ سَلَّمَ مَا عَلَيْهِ فَاسْتَحَقَّ تَسْلِيمَ عِوَضِهِ، وَهُوَ الْأُجْرَةُ انْتَهَى وَهُوَ مَعْنَى كَلَامِهِ فِي الْمُبْدِعِ.
، وَمَحَلُّ وُجُوبِ تَسْلِيمِ الْأُجْرَةِ (إنْ لَمْ تُؤَجَّلْ) فَإِنْ أُجِّلَتْ لَمْ يَجِبْ بَذْلُهَا حَتَّى تَحِلَّ، كَالثَّمَنِ وَالصَّدَاقِ (وَلَا يَجِبُ تَسْلِيمُ أُجْرَةِ الْعَمَلِ فِي الذِّمَّةِ حَتَّى يَتَسَلَّمَهُ) الْمُسْتَأْجِرُ وَإِنْ وَجَبَتْ بِالْعَقْدِ وَعَلَى هَذَا وَرَدَتْ النُّصُوصُ وَلِأَنَّ الْأَجِيرَ إنَّمَا يُوَفَّى أَجْرَهُ إذَا قَضَى عَمَلَهُ لِأَنَّهُ عِوَضٌ فَلَا يَسْتَحِقُّ تَسْلِيمَهُ إلَّا مَعَ تَسْلِيمِ الْعِوَضِ، كَالصَّدَاقِ وَالثَّمَنِ، وَفَارَقَ الْإِجَارَةَ عَلَى الْأَعْيَانِ لِأَنَّ تَسْلِيمَهَا أُجْرِيَ مَجْرَى تَسْلِيمِ نَفْعِهَا وَمَتَى كَانَتْ عَلَى عَمَلٍ فِي الذِّمَّةِ لَمْ يَحْصُلْ تَسْلِيمُ الْمَنْفَعَةِ، وَلَا مَا يَقُومُ مَقَامَهَا.
(وَتَسْتَقِرُّ) الْأُجْرَةُ (بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ) حَيْثُ سُلِّمَتْ إلَيْهِ الْعَيْنُ الَّتِي وَقَعَتْ الْإِجَارَةُ عَلَيْهَا وَلَا حَاجِزَ لَهُ عَنْ الِانْتِفَاعِ، وَلَوْ لَمْ يَنْتَفِعْ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ تَلِفَ تَحْتَ يَدِهِ وَهُوَ حَقُّهُ فَاسْتَقَرَّ عَلَيْهِ بَدَلُهُ كَثَمَنِ الْمَبِيعِ إذَا تَلِفَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي (أَوْ) أَيْ وَتَسْتَقِرُّ الْأُجْرَةُ أَيْضًا (بِفَرَاغِ الْعَمَلِ) هَكَذَا فِي التَّنْقِيحِ وَالْمُرَادُ إنْ كَانَ الْأَجِيرُ يَعْمَلُ بِبَيْتِ الْمُسْتَأْجِرِ وَإِلَّا فَبِتَسْلِيمِهِ مَعْمُولًا كَمَا تَقَدَّمَ، وَتَسْتَقِرُّ الْأُجْرَةُ أَيْضًا بِبَذْلِ تَسْلِيمِ عَيْنٍ لِعَمَلٍ فِي الذِّمَّةِ إذَا مَضَتْ مُدَّةٌ يُمْكِنُ الِاسْتِيفَاءُ فِيهَا، كَمَا لَوْ قَالَ: اكْتَرَيْتُ مِنْك هَذِهِ الدَّابَّةَ لِأَرْكَبَهَا إلَى بَلَدِ كَذَا بِكَذَا ذَهَابًا وَإِيَابًا وَسَلَّمَهَا إلَيْهِ الْمُؤْجِرُ وَمَضَتْ مُدَّةٌ يُمْكِنُ فِيهَا ذَهَابُهُ إلَى ذَلِكَ الْبَلَدِ، وَرُجُوعُهُ عَلَى الْعَادَةِ وَلَمْ يَفْعَلْ نُقِلَ ذَلِكَ فِي الْمُغْنِي عَنْ الْأَصْحَابِ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ تَلِفَتْ تَحْتَ يَدِهِ بِاخْتِيَارِهِ فَاسْتَقَرَّ الضَّمَانُ عَلَيْهِ.
(وَإِذَا انْقَضَتْ الْإِجَارَةُ وَفِي الْأَرْضِ) الَّتِي كَانَتْ مُؤَجَّرَةً (غِرَاسٌ أَوْ بِنَاءٌ شَرَطَ قَلْعَهُ عِنْدَ انْقِضَائِهَا) أَيْ الْإِجَارَةِ، لَزِمَ قَلْعُهُ مَجَّانًا (أَوْ) كَانَ شَرْطُ قَلْعِهِ (فِي وَقْتٍ) مُعَيَّنٍ (لَزِمَ) الْمُسْتَأْجِرَ (قَلْعُهُ) أَيْ الْغِرَاسِ أَوْ الْبِنَاءِ فِي مَحَلِّ الشَّرْطِ وَفَاءً بِمُوجِبِ شَرْطِهِ فَإِنْ قُلْت: إذَا كَانَ إطْلَاقُ الْعَقْدِ فِيهِمَا يَقْتَضِي التَّأْبِيدَ فَشَرْطُ الْقَلْعِ يُنَافِي مُقْتَضَى الْعَقْدِ فَيَفْسُدُ أُجِيبُ بِأَنَّ اقْتِضَاءَهُ التَّأْيِيدَ إنَّمَا هُوَ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْعَادَةَ تَبْقِيَتُهُمَا فَإِذَا أَطْلَقَا حُمِلَ عَلَى الْعَادَةِ فَإِذَا شَرَطَ خِلَافَهُ جَازَ، كَمَا لَوْ بَاعَ بِغَيْرِ نَقْدِ الْبَلَدِ وَحِينَئِذٍ يُقْلَعُ (مَجَّانًا فَلَا تَجِبُ عَلَى رَبِّ الْأَرْضِ غَرَامَةُ نَقْصِ) الْغِرَاسِ أَوْ الْبِنَاءِ.
(وَلَا) يَجِبُ عَلَى مُسْتَأْجِرٍ تَسْوِيَةُ حَفْرِ أَرْضٍ (وَلَا إصْلَاحُ أَرْضٍ) لِأَنَّهُمَا دَخَلَا عَلَى ذَلِكَ لِرِضَاهُمَا بِالْقَلْعِ (إلَّا بِشَرْطٍ) لِمَا تَقَدَّمَ.
فَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى إبْقَائِهِ بِأُجْرَةٍ أَوْ غَيْرِهَا جَازَ إذَا شَرَطَا مُدَّةً مَعْلُومَةً.
(وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ قَلْعَهُ) بِأَنْ أَطْلَقَا الْإِجَارَةَ (أَوْ شَرَطَ بَقَاءَهُ) أَيْ الْغِرَاسِ أَوْ الْبِنَاءِ (فَلِمَالِكِ الْأَرْضِ أَخْذُهُ بِالْقِيمَةِ إنْ كَانَ مِلْكُهُ) لِلْأَرْضِ (تَامًّا) وَيَأْتِي مَفْهُومُهُ فَيَدْفَعُ قِيمَةَ الْغِرَاسِ أَوْ الْبِنَاءِ فَيَمْلِكُهُ مَعَ أَرْضِهِ لِأَنَّ الضَّرَرَ يَزُولُ بِذَلِكَ (وَيَأْتِي فِي الشُّفْعَةِ كَيْفَ يُقَوَّمُ الْغِرَاسُ) وَالْبِنَاءُ، وَذَلِكَ بِأَنْ تُقَوَّمَ الْأَرْضُ مَغْرُوسَةً أَوْ مَبْنِيَّةً، ثُمَّ تُقَوَّمُ خَالِيَةً، فَمَا بَيْنَهُمَا قِيمَةُ الْغِرَاسِ وَالْبِنَاءِ.
(وَإِنْ كَانَ الْمُسْتَأْجِرُ شَرِيكًا فِي الْأَرْضِ شَرِكَةً شَائِعَةً فَبَنَى أَوْ غَرَسَ) بَعْدَ أَنْ اسْتَأْجَرَ حِصَّةَ شَرِيكِهِ (ثُمَّ انْقَضَتْ الْمُدَّةُ فَلِلْمُؤَجِّرِ أَخْذُ حِصَّةَ نَصِيبِهِ مِنْ الْأَرْضِ وَالْبِنَاءِ وَالْغِرَاسِ) يَعْنِي إنْ كَانَ يَمْلِكُ نِصْفَ الْأَرْضِ أَخَذَ نِصْفَ الْغِرَاسِ أَوْ الْبِنَاءِ بِنِصْفِ قِيمَتِهِ أَوْ الرُّبْعَ أَخَذَ رُبْعَهُمَا بِرُبْعِ الْقِيمَةِ وَهَكَذَا وَلَوْ قَالَ مِنْ الْبِنَاءِ لَكَانَ صَوَابًا كَمَا هِيَ عِبَارَةُ ابْنِ نَصْرِ اللَّهِ الَّتِي هِيَ أَصْلُهُ.
(وَلَيْسَ لَهُ) أَيْ الشَّرِيكِ الْمُؤْجِرِ (إلْزَامُهُ) أَيْ الشَّرِيكِ الْمُسْتَأْجِرِ (بِالْقَلْعِ) وَلَوْ ضَمِنَ لَهُ نَقْصَ مَا فِي نَصِيبِهِ (لِاسْتِلْزَامِهِ قَلْعَ مَا لَا يَجُوزُ قَلْعُهُ) لِعَدَمِ تَمْيِيزِ مَا يَخُصُّ نَصِيبَهُ مِنْ الْأَرْضِ مِنْ الْغِرَاسِ وَالْبِنَاءِ وَالضَّرَرُ لَا يُزَالُ بِالضَّرَرِ قَالَهُ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ.
(وَلَا يَتَمَلَّكُهُ) أَيْ الْغِرَاسَ أَوْ الْبِنَاءَ بَعْدَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ (غَيْرَ تَامِّ الْمِلْكِ كَالْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ وَالْمُسْتَأْجِرِ) وَالْمُوصَى لَهُ بِالْمَنْفَعَةِ لِقُصُورِ مِلْكِهِ وَلِذَلِكَ لَا يَأْخُذُ بِالشُّفْعَةِ، هَذَا تَخْرِيجٌ لِابْنِ رَجَبٍ.
وَفِي الْفَائِقِ لَوْ كَانَتْ الْأَرْضُ وَقْفًا لَمْ يَتَمَلَّكْ إلَّا بِشَرْطِ وَاقِفٍ أَوْ رِضًا مُسْتَحَقٍّ.
وَقَالَ فِي التَّنْقِيحِ: بَلْ إذَا حَصَلَ بِهِ نَفْعٌ كَانَ لَهُ ذَلِكَ انْتَهَى وَيَأْتِي فِي الْوَقْفِ أَنَّ الْمَوْقُوفَ عَلَيْهِ لَهُ تَمَلُّكُ زَرْعِ الْغَاصِبِ بِالنَّفَقَةِ وَمُقْتَضَى كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ، وَكَذَلِكَ جَوَّزَ ابْنُ رَجَبٍ أَيْضًا أَنْ يُقَالَ لِلْمُسْتَأْجِرِ تَمَلَّكْ الزَّرْعَ بِنَفَقَتِهِ، إذْ هُوَ مَالِكُ الْمَنْفَعَةِ وَخَرَجَ أَيْضًا عَلَى ذَلِكَ مَا إذَا غُصِبَتْ الْأَرْضُ الْمُوصَى بِمَنَافِعِهَا أَوْ الْمُسْتَأْجَرَةُ وَزَرْعٌ فِيهَا فَهَلْ يَتَمَلَّكُ الزَّرْعَ مَالِكُ الرَّقَبَةِ أَوْ مَالِكُ الْمَنْفَعَةِ؟ ذَكَرَهُ فِي الْقَاعِدَةِ التَّاسِعَةِ وَالسَّبْعِينَ.
وَقَالَ فِي كِتَابِهِ الْمُسَمَّى بِأَحْكَامِ الْخَرَاجِ، فِيمَا إذَا خَرَجَ مَنْ بِيَدِهِ الْأَرْضُ الْخَرَاجِيَّةُ مِنْهَا وَلَهُ غِرَاسٌ أَوْ بِنَاءٌ فِيهَا فَهَلْ يُقَالُ: لِلْإِمَامِ أَنْ يَتَمَلَّكَهُ لِلْمُسْلِمِينَ مِنْ مَالِ الْفَيْءِ إذَا رَآهُ أَصْلَحَ، كَمَا يَتَمَلَّكُ نَاظِرُ الْوَقْفِ مَا غُرِسَ فِيهَا أَوْ بُنِيَ بِالْقِيمَةِ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ؟ وَلَا يَبْعُدُ جَوَازُهُ، بَلْ أَوْلَى مِنْ نَاظِرِ الْوَقْفِ، لِلِاخْتِلَافِ فِي مِلْكِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ لِرَقَبَةِ الْوَقْفِ وَأَمَّا الْمُسْلِمُونَ فَإِنَّهُمْ يَمْلِكُونَ رَقَبَةَ أَرْضِ الْعَنْوَةِ فَظَاهِرُهُ جَوَازُهُ لِلنَّاظِرِ مُطْلَقًا إذَا رَآهُ مَصْلَحَةً انْتَهَى.
(وَ) لَا يَتَمَلَّكُهُ (مُرْتَهِنٌ) لِأَنَّهُ لَا مِلْكَ لَهُ وَإِنَّمَا لَهُ حَقُّ الِاسْتِيثَاقِ وَقَوْلُهُ (أَوْ تَرْكُهُ بِالْأُجْرَةِ أَوْ قَلْعُهُ) أَيْ الْغِرَاسِ أَوْ الْبِنَاءِ (وَضَمَانُ نَقْصِهِ) عَطْفٌ عَلَى أَخْذُهُ بِقِيمَتِهِ، لِمَا فِيهِ مِنْ الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَقَّيْنِ.
(وَلِصَاحِبِ الشَّجَرِ) أَوْ الْبِنَاءِ (بَيْعُهُ لِمَالِكِ الْأَرْضِ وَلِغَيْرِهِ) لِأَنَّ مِلْكَهُ عَلَيْهِ تَامٌّ فَلَهُ التَّصَرُّفُ فِيهِ بِمَا شَاءَ (فَيَكُونُ) الْمُشْتَرِي غَيْرَ مَالِكِ الْأَرْضِ (بِمَنْزِلَتِهِ) أَيْ الْمُسْتَأْجِرِ.
(وَفِي التَّلْخِيصِ وَغَيْرِهِ: إذَا اخْتَارَ الْمَالِكُ الْقَلْعَ وَضَمَانَ النَّقْصِ فَ) مُؤْنَةُ (الْقَلْعِ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ) وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنْتَهَى، لِأَنَّ عَلَيْهِ تَفْرِيغُ الْعَيْنِ الْمُؤَجَّرَةِ مِمَّا أَشْغَلَهَا بِهِ مِنْ مِلْكِهِ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ بِأَمْرِ الْمَالِكِ.
(وَلَيْسَ عَلَيْهِ) أَيْ الْمُسْتَأْجِرِ (تَسْوِيَةُ حَفْرٍ لِأَنَّ الْمُؤْجِرَ دَخَلَ عَلَى ذَلِكَ انْتَهَى).
(وَمَحَلُّ) كَوْنِ (الْخِيَرَةِ فِي ذَلِكَ لِرَبِّ الْأَرْضِ مَا لَمْ يَخْتَرْ مَالِكَهُ قَلْعَهُ فَإِنْ اخْتَارَهُ) مَالِكَهُ (فَلَهُ ذَلِكَ) وَلَيْسَ لِمَالِكِ الْأَرْضِ مَنْعُهُ لِيَتَمَلَّكهُ بِقِيمَتِهِ، أَوْ لِيَجِبَ عَلَيْهِ أَجْرُ مِثْلِهِ بِتَبْقِيَتِهِ لِأَنَّهُ مِلْكُ مَالِكِهِ، فَكَانَ لَهُ أَخْذُهُ مِنْ الْعَيْنِ الْمُؤَجَّرَةِ كَغَيْرِهِ مِنْ الْمَمْلُوكَاتِ.
(وَعَلَيْهِ) أَيْ الْمُسْتَأْجِرِ إنْ اخْتَارَ الْقَلْعَ دُونَ رَبِّ الْأَرْضِ تَسْوِيَةُ الْحَفْرِ لِأَنَّهُ أَدْخَلَ نَقْصًا عَلَى مِلْكِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ، فَكَانَ عَلَيْهِ مُؤْنَةُ إزَالَتِهِ (وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ، كَمَا قَالَهُ صَاحِبُ الْفُرُوعِ: لَا يَمْنَعُ الْخِيَرَةَ مِنْ أَخْذِ رَبِّ الْأَرْضِ لَهُ أَوْ قَلْعِهِ، وَضَمَانُ نَقْصِهِ أَوْ تَرْكِهِ بِالْأُجْرَةِ: كَوْنُ الْمُسْتَأْجِرِ) فَاعِلُ لَا يَمْنَعُ (وَقَفَ مَا غَرَسَهُ أَوْ بَنَاهُ) وَلَوْ نَحْوَ مَسْجِدٍ.
(فَإِذَا لَمْ يَتْرُكْهُ) رَبُّ الْأَرْضِ (فِي الْأَرْضِ لَمْ يَبْطُلُ الْوَقْفُ بِالْكُلِّيَّةِ بَلْ مَا يُؤْخَذُ بِسَبَبِ قَلْعِهِ وَضَمَانِ نَقْصِهِ، أَوْ) أُخِذَ بِسَبَبِ (تَمَلُّكِهِ بِالْقِيمَةِ يَكُونُ بِمَثَابَةِ مَا لَوْ أَتْلَفَ الْوَقْفَ وَأُخِذَتْ مِنْهُ) أَيْ الْمُتْلِفِ (قِيمَتُهُ يُشْتَرَى بِهَا مَا يَقُومُ مَقَامَهُ فَكَذَا هُنَا) يُشْتَرَى بِالْقِيمَةِ أَوْ بِمَا أُخِذَ مِنْ أَرْشِ الْقَلْعِ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ وَالظَّاهِرُ: أَنَّ الْآلَاتِ وَالْغِرَاسَ الْمَقْلُوعَ بَاقٍ عَلَى الْوَقْفِ فَإِنْ أَمْكَنَ وَضْعُهُ فِي مَحَلٍّ آخَرَ وَإِلَّا بِيعَ وَاشْتَرَى بِثَمَنِهِ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ (وَهُوَ) أَيْ الْحُكْمُ (كَمَا قَالَهُ) صَاحِبُ الْفُرُوعِ.
(وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ: لَا يُقْلَعُ الْغِرَاسُ) وَالْبِنَاءُ (إذَا كَانَتْ الْأَرْضُ وَقْفًا) وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا يَتَمَلَّكُ إلَّا تَامَّ الْمِلْكِ وَحِينَئِذٍ فَيَبْقَى بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ (بَلْ قَالَ الشَّيْخُ: لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَقْلَعَ غِرَاسَ الْمُسْتَأْجِرِ وَزَرْعَهُ صَحِيحَةً، كَانَتْ الْإِجَارَةُ أَوْ فَاسِدَةً) لِتَضَمُّنِهَا الْإِذْنَ فِي وَضْعِهِ (بَلْ إذَا بَقِيَ فَعَلَيْهِ) أَيْ مَالِكِهِ (أُجْرَةُ الْمِثْلِ، وَإِنْ أَبْقَاهُ) أَيْ الْغِرَاسَ أَوْ الْبِنَاءَ الْمَوْقُوفَ (بِالْأُجْرَةِ فَمَتَى بَادَ بَطَلَ الْوَقْفُ، وَأَخَذَ الْأَرْضَ صَاحِبُهَا فَانْتَفَعَ بِهَا).
وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِيمَنْ احْتَكَرَ أَرْضًا بَنَى فِيهَا مَسْجِدًا، أَوْ بِنَاءً وَقَفَهُ عَلَيْهِ: مَتَى فَرَغَتْ الْمُدَّةُ وَانْهَدَمَ الْبِنَاءُ زَالَ حُكْمُ الْوَقْفِ، وَأَخَذُوا أَرْضَهُمْ فَانْتَفَعُوا بِهَا، وَمَا دَامَ الْبِنَاءُ قَائِمًا فِيهَا فَعَلَيْهِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ قَالَ فِي الْإِنْصَافِ: وَهُوَ الصَّوَابُ وَلَا يَسَعُ النَّاسَ إلَّا ذَلِكَ.
(وَمَحَلُّ الْخِيَرَةِ) بَيْنَ مَا تَقَدَّمَ (أَيْضًا مَا لَمْ يَكُنْ الْبِنَاءُ مَسْجِدًا وَنَحْوَهُ) كَسِقَايَةٍ وَقَنْطَرَةٍ (فَلَا يُهْدَمُ وَلَا يُتَمَلَّكُ، وَتَلْزَمُ الْأُجْرَةُ إلَى زَوَالِهِ) لِأَنَّهُ الْعُرْفُ إذْ وَضْعُ هَذِهِ لِلدَّوَامِ (وَلَا يُعَادُ) الْمَسْجِدُ وَنَحْوُهُ لَوْ انْهَدَمَ (بِغَيْرِ رِضَا رَبِّ الْأَرْضِ) لِزَوَالِ حُكْمِ الْإِذْنِ بِزَوَالِ الْعَقْدِ.
(وَلَوْ غَرَسَ أَوْ بَنَى مُشْتَرٍ) فِيمَا اشْتَرَاهُ (ثُمَّ فُسِخَ الْبَيْعُ بِعَيْبٍ) أَوْ غَبْنٍ أَوْ إقَالَةٍ أَوْ خِيَارِ شَرْطٍ وَنَحْوِهِ (كَانَ لِرَبِّ الْأَرْضِ الْأَخْذُ) أَيْ أَخْذُ غِرَاسِ الْمُشْتَرِي أَوْ بِنَائِهِ (بِالْقِيمَةِ أَوْ الْقَلْعِ وَضَمَانُ النَّقْصِ) لِأَنَّهُ وُضِعَ بِحَقٍّ وَفِي ذَلِكَ جَمْعٌ بَيْنَ حَقِّ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي (وَ) لَهُ (تَرْكُهُ) أَيْ الْغِرَاسِ أَوْ الْبِنَاءِ (بِالْأُجْرَةِ) إنْ تَرَاضَيَا عَلَيْهَا لِأَنَّ الْحَقَّ لَا يَعْدُوهُمَا.
(وَأَمَّا الْمَبِيعُ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ إذَا غَرَسَ فِيهِ الْمُشْتَرِي أَوْ بَنَى، فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْمُسْتَعِيرِ إذَا غَرَسَ أَوْ بَنَى عَلَى مَا يَأْتِي فِي بَابِهِ) أَيْ فَلَا يَقْلَعُ غِرَاسَهُ وَلَا بِنَاءَهُ مَجَّانًا بَلْ لِرَبِّ الْأَرْضِ تَمَلُّكُهُ بِقِيمَتِهِ أَوْ قَلْعُهُ وَضَمَانُ نَقْصِهِ لِأَنَّ تَعَاطِيهِ الْعَقْدَ مَعَهُ وَإِنْ كَانَ فَاسِدًا يَتَضَمَّنُ الْإِذْنَ فِي الِانْتِفَاعِ وَكَذَا مُسْتَأْجَرٌ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ.
(وَإِنْ كَانَ فِيهَا) أَيْ الْأَرْضِ الَّتِي انْقَضَتْ إجَارَتُهَا (زَرْعٌ بَقَاؤُهُ بِتَفْرِيطِ مُسْتَأْجِرٍ مِثْلُ أَنْ يَزْرَعَ) الْمُسْتَأْجِرُ (زَرْعًا لَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِكَمَالِهِ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ فَحُكْمُهُ حُكْمُ زَرْعِ الْغَاصِبِ) لِأَنَّ بَقَاءَهُ فِيهَا بِعُدْوَانِهِ (لِلْمَالِكِ) لِلْأَرْضِ (أَخْذُهُ) أَيْ الزَّرْعِ (بِالْقِيمَةِ) هَكَذَا فِي الْمُقْنِعِ وَالْمُغْنِي وَالتَّنْقِيحِ وَالْمُنْتَهَى.
وَقَالَ الْمُوَضِّحُ: وَكَزَرْعِ غَاصِبٍ، قَالَهُ الْأَصْحَابُ فَيُؤْخَذُ بِنَفَقَتِهِ قَالَهُ فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ انْتَهَى وَهِيَ مِثْلُ الْبَذْرِ وَعُوِّضَ لَوَاحِقُهُ لِأَنَّهُمْ جَعَلُوهُ حُكْمَ الْغَاصِبِ وَهَذَا حُكْمُهُ.
(مَا لَمْ يَخْتَرْ مُسْتَأْجِرٌ قَلْعَ زَرْعِهِ فِي الْحَالِ، وَتَفْرِيغَ الْأَرْضِ فَإِنْ اخْتَارَهُ فَلَهُ ذَلِكَ) أَيْ قَلْعُهُ لِأَنَّهُ يُزِيلُ الضَّرَرَ وَيُسَلِّمُ الْأَرْضَ فَارِغَةً.
(وَلَا يَلْزَمُهُ) أَيْ الْمُسْتَأْجِرَ قَلْعُ زَرْعِهِ وَلَوْ طَلَبَهُ الْمَالِكُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، لِأَنَّ لَهُ حَدًّا يَنْتَهِي إلَيْهِ بِخِلَافِ الْغَرْسِ.
(وَلِلْمَالِكِ تَرْكُهُ) أَيْ الزَّرْعِ (بِالْأُجْرَةِ) كَزَرْعِ غَاصِبٍ.
(وَإِنْ كَانَ بَقَاؤُهُ) أَيْ الزَّرْعِ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ (بِغَيْرِ تَفْرِيطِ) الْمُسْتَأْجِرِ (مِثْلُ أَنْ يَزْرَعَ زَرْعًا يَنْتَهِي فِي الْمُدَّةِ) الْبَاقِيَةِ مِنْ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ (عَادَةً فَأَبْطَأَ) أَيْ تَأَخَّرَ انْتِهَاؤُهُ (لِبَرْدٍ أَوْ غَيْرِهِ لَزِمَهُ) أَيْ رَبَّ الْأَرْضِ (تَرْكُهُ بِأُجْرَةِ مِثْلِهِ إلَى أَنْ يَنْتَهِيَ) لِحُصُولِهِ فِي أَرْضِهِ بِإِذْنِهِ مِنْ غَيْرِ تَفْرِيطٍ أَشْبَهَ مَا لَوْ أَعَارَهُ أَرْضًا فَزَرَعَهَا ثُمَّ رَجَعَ قَبْلَ كَمَالِهِ (وَلَهُ الْمُسَمَّى) لِمُدَّةِ الْإِجَارَةِ (وَأُجْرَةُ الْمِثْلِ لِمَا زَادَ) عَنْ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ وَتَقَدَّمَ بَعْضُهُ.
(وَمَتَى أَرَادَ الْمُسْتَأْجِرُ زَرْعَ شَيْءٍ لَا يُدْرَكُ مِثْلُهُ) عَادَةً (فِي مُدَّةِ الْإِجَارَةِ فَلِلْمَالِكِ مَنْعُهُ) لِأَنَّهُ سَبَبٌ لِوُجُودِ زَرْعِهِ فِي أَرْضِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ.
(فَإِنْ زَرَعَ) مَا لَا يَكْمُلُ عَادَةً فِي الْمُدَّةِ (لَمْ يَمْلِكْ) رَبُّ الْأَرْضِ (مُطَالَبَتَهُ بِقَلْعِهِ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ) لِأَنَّهُ فِي أَرْضٍ يَمْلِكُ نَفْعَهَا وَلِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ ذَلِكَ بَعْدَ الْمُدَّةِ فَقَبْلَهَا أَوْلَى،.
وَإِنْ زَرَعَ مُؤَجِّرٌ فِي أَرْضٍ أَجَرَهَا قَبْلَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ زَرْعًا يَضُرُّ بِالْمُسْتَأْجِرِ، أَوْ غَرَسَ أَوْ بَنَى فَذَكَرَ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ أَنَّ الْجَمِيعَ يَقْلَعُ الزَّرْعَ هُنَا لِأَنَّ مَالِكَ الْأَرْضِ هُوَ الزَّارِعُ، وَالْمُتَعَلِّقُ حَقُّهُ بِهَا لَا يُمْكِنُ تَمَلُّكُهُ لِعَدَمِ مِلْكِهِ فَتَعَيَّنَ الْقَلْعُ قَالَ ابْنُ رَجَبٍ: وَفِيهِ نَظَرٌ، إذْ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ لِلْمُسْتَأْجِرِ: تَمَلَّكْ الزَّرْعَ بِنَفَقَتِهِ كَالْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ، يَتَمَلَّكُ زَرْعَ الْغَاصِبِ وَيُحْتَمَلُ تَخْرِيجُ ذَلِكَ عَلَى الْوَجْهَيْنِ فِي مِلْكِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ لِلشُّفْعَةِ فِي شَرِكَةِ الْوَقْفِ هَذَا حَاصِلُ كَلَامِهِ لَكِنْ يُفَرَّقُ بَيْنَ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ وَالْمُسْتَأْجِرِ أَنَّ الْمَوْقُوفَ عَلَيْهِ يَمْلِكُ الْعَيْنَ لَكِنْ مِلْكًا قَاصِرًا بِخِلَافِ الْمُسْتَأْجِرِ فَإِنَّهُ لَا مِلْكَ لَهُ فِي الْعَيْنِ.
(وَلَوْ اكْتَرَى أَرْضًا لِزَرْعٍ مُدَّةً لَا يَكْمُلُ) ذَلِكَ الزَّرْعُ (فِيهَا) عَادَةً (وَشَرَطَ) الْمُسْتَأْجِرُ (قَلْعَهُ بَعْدَهَا) أَيْ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ (صَحَّ) الْعَقْدُ لِأَنَّهُ لَا يُفْضِي إلَى الزِّيَادَةِ عَلَى مَدَّتِهِ وَقَدْ يَكُونُ لَهُ غَرَضٌ فِي ذَلِكَ لِأَخْذِهِ قَصِيلًا أَوْ غَيْرَهُ وَيَلْزَمُهُ مَا الْتَزَمَ.
(وَإِنْ شَرَطَ بَقَاءَهُ) أَيْ الزَّرْعِ (لِيُدْرَكَ) بَعْدَ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ فَسَدَتْ (أَوْ سَكَتَ) فَلَمْ يَشْتَرِطْ قَطْعًا وَلَا بَقَاءً (فَسَدَتْ) أَمَّا فِي الْأُولَى فَلِأَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ مُتَضَادَّيْنِ لِأَنَّ تَقْدِيرَهُ الْمُدَّةَ يَقْتَضِي التَّفْرِيغَ بَعْدَهَا وَشَرْطُ التَّبْقِيَةِ يُخَالِفُهُ، وَلِأَنَّ مُدَّةَ التَّبْقِيَةِ مَجْهُولَةٌ وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ: فَلِأَنَّهُ اكْتَرَاهَا لِزَرْعِ شَيْءٍ لَا يُنْتَفَعُ بِزَرْعِهِ فِي مُدَّةِ الْإِجَارَةِ أَشْبَهَ إجَارَةَ أَرْضِ السَّبْخَةِ لِلزَّرْعِ.
(وَإِذَا تَسَلَّمَ الْعَيْنَ) الْمَعْقُودَ عَلَيْهَا (فِي الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ حَتَّى انْقَضَتْ الْمُدَّةُ) أَوْ بَعْضُهَا أَوْ مُدَّةٌ يُمْكِنُ اسْتِيفَاءُ الْمَنْفَعَةِ فِيهَا أَوَّلًا (فَعَلَيْهِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ) لِمُدَّةِ بَقَائِهَا فِي يَدِهِ (سَكَنَ أَوْ لَمْ يَسْكُنْ) لِأَنَّ الْمَنَافِعَ تَلِفَتْ تَحْتَ يَدِهِ بِعِوَضٍ لَمْ يُسَلَّمْ لِلْمُؤَجِّرِ فَرَجَعَ إلَى قِيمَتِهَا كَمَا لَوْ اسْتَوْفَاهُ.
(وَإِنْ لَمْ يَتَسَلَّمْ) الْعَيْنَ فِي الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ (لَمْ يَلْزَمْهُ أُجْرَةٌ وَلَوْ بَذَلَهَا) أَيْ الْعَيْنِ (الْمَالِكُ) لِأَنَّ الْمَنَافِعَ لَمْ تَتْلَفْ تَحْتَ يَدِهِ وَالْعَقْدُ الْفَاسِدُ لَا أَثَرَ لَهُ بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ الصَّحِيحَةِ.
(وَإِنْ اكْتَرَى) الْمُسْتَأْجِرُ (بِدَرَاهِمَ وَأَعْطَاهُ) أَيْ الْمُؤْجِرَ (عَنْهَا دَنَانِيرَ) أَوْ ثِيَابًا أَوْ حَيَوَانًا أَوْ عَقَارًا أَوْ نَحْوَهُ (ثُمَّ انْفَسَخَ الْعَقْدُ) بِالْعَيْبِ أَوْ نَحْوِهِ (رَجَعَ الْمُسْتَأْجِرُ بِالدَّرَاهِمِ) لِأَنَّ الْعَقْدَ إذَا انْفَسَخَ رَجَعَ كُلٌّ مِنْ الْمُتَعَاقِدَيْنِ فِي الْعِوَضِ الَّذِي بَذَلَهُ وَعِوَضُ الْعَقْدِ هُوَ الدَّرَاهِمُ وَالْمُؤْجِرُ أَخَذَ الدَّنَانِيرَ وَنَحْوَهَا بِعَقْدٍ آخَرَ وَلَمْ يَنْفَسِخْ أَشْبَهَ مَا إذَا قَبَضَ الدَّرَاهِمَ ثُمَّ صَرَفَهَا بِدَنَانِيرَ، أَوْ اشْتَرَى بِهَا شَيْئًا وَكَذَلِكَ الْبَيْعُ وَنَحْوُهُ وَتَقَدَّمَ.
(وَإِذَا انْقَضَتْ الْمُدَّةُ) أَيْ مُدَّةُ الْإِجَارَةِ أَوْ اسْتَوْفَى الْعَمَلَ مِنْ الْعَيْنِ الْمُؤَجَّرَةِ (رَفَعَ الْمُسْتَأْجِرُ يَدَهُ عَنْ الْعَيْنِ الْمُؤَجَّرَةِ وَلَمْ يَلْزَمْهُ) أَيْ الْمُسْتَأْجِرَ (الرَّدُّ وَلَا مُؤْنَتُهُ كَمُودِعِ) لِأَنَّهُ عَقْدٌ لَا يَقْتَضِي الضَّمَانَ فَلَا يَقْتَضِي الرَّدَّ وَلَا مُؤْنَتَهُ بِخِلَافِ الْعَارِيَّةِ وَفِي التَّبْصِرَةِ يَلْزَمُ الْمُسْتَأْجِرَ رَدُّ الْعَيْنِ الْمُؤَجَّرَةِ إذَا شَرَطَ عَلَيْهِ.
(وَتَكُونُ) الْعَيْنُ الْمُؤَجَّرَةُ بَعْدَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ (فِي يَدِهِ) أَيْ الْمُسْتَأْجِرِ (أَمَانَةً) كَمَا كَانَتْ فِي الْمُدَّةِ.
فَ (إنْ تَلِفَتْ) الْمُؤَجَّرَةُ قَبْلَ رَدِّهَا (مِنْ غَيْرِ تَفْرِيطٍ) وَلَا تَعَدٍّ (فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ) كَالْوَدِيعَةِ لَكِنْ مَتَى طَلَبَهَا رَبُّهَا وَجَبَ تَمْكِينُهُ مِنْهَا فَإِنْ مَنَعَهُ لِغَيْرِ عُذْرٍ صَارَتْ مَضْمُونَةً كَالْمَغْصُوبَةِ، وَتَمْلَؤُهَا كَالْأَصْلِ.
فَلَوْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً فَوَلَدَتْ عِنْدَهُ كَانَ وَلَدُهَا أَمَانَةً كَأُمِّهِ، وَلَيْسَ لَهُ الِانْتِفَاعُ بِهِ لِأَنَّهُ غَيْرُ دَاخِلٍ فِي الْعَقْدِ وَهَلْ لَهُ إمْسَاكُهُ بِغَيْرِ إذْنِ مَالِكِهِ تَبَعًا لِأَصْلِهِ أَمْ لَا كَمَنْ أَطَارَتْ الرِّيحُ إلَى دَارِهِ ثَوْبَ غَيْرِهِ خَرَّجَهُ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ عَلَى وَجْهَيْنِ.
(وَلَا تُقْبَلُ دَعْوَاهُ) أَيْ الْمُسْتَأْجِرِ (الرَّدَّ) أَيْ رَدَّ الْعَيْنِ الْمُؤَجَّرَةِ إلَى مَالِكِهَا إذَا أَنْكَرَهُ (إلَّا بِبَيِّنَةٍ لِأَنَّهُ قَبَضَهُ) أَيْ الْمُؤْجِرُ (لِمَنْفَعَةِ نَفْسِهِ) فَهُوَ (كَالْمُرْتَهِنِ وَالْمُسْتَعِيرِ).
وَالْمُضَارِبِ.
تتمة:
قَالَ الْقَاضِي فِيمَنْ اسْتَأْجَرَ عَبْدًا لِلْخِدْمَةِ: أَنَّ لَهُ الْمُسَافَرَةَ بِهِ فِي الْعَقْدِ الْمُطْلَقِ قَالَ فَإِنْ شَرَطَ تَرْكَ الْمُسَافَرَةِ بِهِ لَزِمَ الشَّرْطَ وَقَالَ: لَيْسَ لِلسَّيِّدِ أَنْ يُسَافِرَ بِرَقِيقِهِ إذَا آجَرَهُ.