فصل: فَصْلٌ: وجوب بيات الزوج لَيْلَةً مِنْ كُلِّ أَرْبَعِ لَيَالٍ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: كشاف القناع عن متن الإقناع



.فَصْلٌ: وجوب بيات الزوج لَيْلَةً مِنْ كُلِّ أَرْبَعِ لَيَالٍ:

وَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَبِيت فِي الْمَضْجَعِ لَيْلَةً مِنْ كُلِّ أَرْبَعِ لَيَالٍ (عِنْدَ الْحُرَّةِ)، لِمَا رَوَى كَعْبُ بْنِ سَوَّارٍ أَنَّهُ كَانَ جَالِسًا عِنْدَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَجَاءَتْ امْرَأَةٌ فَقَالَتْ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَا رَأَيْتُ رَجُلًا قَطُّ أَفْضَلُ مِنْ زَوْجِي وَاَللَّهِ أَنَّهُ لِيَبِيتَ لَيْلَهُ قَائِمًا وَيَظَلُّ نَهَارَهُ صَائِمًا فَاسْتَغْفَرَ لَهَا وَأَثْنَى عَلَيْهَا وَاسْتَحْيَتْ الْمَرْأَةُ وَقَامَتْ رَاجِعَةً فَقَالَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ هَلَّا أَعْدَيْتِ الْمَرْأَةُ عَلَى زَوْجِهَا؟ فَقَالَ: وَمَا ذَاكَ؟ فَقَالَ: إنَّهَا جَاءَتْ تَشْكُوهُ: إذَا كَانَ هَذَا حَالُهُ فِي الْعِبَادَةِ مَتَى يَتَفَرَّغُ لَهَا فَبَعَثَ عُمَرُ إلَى زَوْجِهَا وَقَالَ لِكَعْبِ اقْضِ بَيْنَهُمَا فَإِنَّكَ فَهِمْتَ مِنْ أَمْرِهِمَا مَا لَمْ أَفْهَمْهُ قَالَ فَإِنِّي أَرَى أَنَّهَا امْرَأَةٌ عَلَيْهَا ثَلَاثٌ نِسْوَةٍ وَهِيَ رَابِعَتُهُنَّ فَاقْضِ لَهُ بِثَلَاثَةِ أَيَّام وَلَيَالِيهنَّ يَتَعَبَّدُ فِيهِنَّ وَلَهَا يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ فَقَالَ عُمَرُ وَاَللَّهِ مَا رَأْيُكَ الْأَوَّلُ بِأَعْجَب إلَيَّ مِنْ الْآخَرِ اذْهَبْ فَأَنْتَ قَاضٍ عَلَى الْبَصْرَةِ وَفِي لَفْظٍ قَالَ نِعْمَ الْقَاضِي أَنْتَ رَوَاهُ سَعِيدُ.
وَهَذِهِ قَضِيَّةٌ اُشْتُهِرَتْ وَلَمْ تُنْكَرْ فَكَانَتْ كَالْإِجْمَاعِ يُؤَيِّدهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ «إنَّ لِجَسَدِكَ عَلَيْكَ حَقًّا وَلِزَوْجِكَ عَلَيْكَ حَقًّا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَلِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَجِبْ لَهَا عَلَيْهِ حَقٌّ لَمَلِكَ الزَّوْجُ تَخْصِيصُ إحْدَى زَوْجَاتِهِ بِهِ كَالزِّيَادَةِ فِي النَّفَقَةِ عَلَى قَدْرِ الْوَاجِبِ.
(وَ) عَلَيْهِ أَنْ يَبِيتَ لَيْلَةً (مِنْ كُلِّ سَبْعِ عِنْدَ) الزَّوْجَةِ (الْأَمَةِ) لِأَنَّ أَكْثَرَ مَا يُمْكِنُ أَنْ يَجْمَعَ مَعَهَا ثَلَاثَ حَرَائِرَ لَهُنَّ سِتٌّ وَلَهَا السَّابِعَةُ وَمَحَلُّ وُجُوبِ مَا ذُكِرَ لِلْحُرَّةِ وَالْأَمَةِ (إنْ طَلَبْنَا ذَلِكَ مِنْهُ) لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمَا فَلَا يَجِبُ بِدُونِ الطَّلَبِ.
(وَلَهُ) أَيْ الزَّوْجِ (الِانْفِرَادُ فِي الْبَقِيَّةِ بِنَفْسِهِ أَوْ مَعَ سَرِيَّتِهِ)، فَإِنْ كَانَ تَحْتَهُ حُرَّةً وَأَمَةً قَسَّمَ لَهُنَّ ثَلَاثَ لَيَالٍ مِنْ ثَمَانٍ وَلَهُ الِانْفِرَادُ فِي خَمْسٍ، وَإِنْ كَانَ تَحْتَهُ حُرَّتَانِ وَأَمَةٌ فَلَهُنَّ خَمْسٌ، وَلَهُ ثَلَاثٌ، وَإِنْ كَانَ تَحْتَهُ حُرَّتَانِ وَأَمَتَانِ فَلَهُنَّ سِتٌّ وَلَهُ لَيْلَتَانِ قَالَ فِي الْمُبْدِع وَإِنْ كَانَتْ لَهُ أَمَةٌ فَلَهَا لَيْلَةٌ وَلَهُ سِتّ.
(قَالَ أَحْمَدُ: لَا يَبِيتُ وَحْدَهُ) قَالَ فِي الْمُبْدِع قَالَ أَحْمَدُ مَا أُحِبّ أَنْ يَبِيتَ وَحْدَهُ إلَّا أَنْ يُضْطَرَّ وَقَالَهُ فِي سَفَرِهِ وَحْدَهُ، وَعَنْهُ لَا يُعْجِبُنِي وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «أَنَّهُ لَعَنَ رَاكِبَ الْفَلَاةِ وَحْدَهُ وَالْبَائِتَ وَحْدَهُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَفِيهِ طَيِّبُ بْنُ مُحَمَّدٍ قِيلَ لَا يَكَادُ يُعْرَفُ وَلَهُ مَنَاكِيرُ، وَذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي الثِّقَات.
(وَ) يَجِبُ (عَلَيْهِ) أَيْ الزَّوْجِ (أَنْ يَطَأَهَا) أَيْ الزَّوْجَةَ (فِي كُلِّ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ مُرَّةً) إنْ لَمْ يَكُنْ عُذْرٌ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا لَمْ يَصِرْ بِالْيَمِينِ عَلَى تَرْكِهِ وَاجِبًا كَسَائِرِ مَا لَا يَجِبُ وَلِأَنَّ النِّكَاحَ شُرِعَ لِمَصْلَحَةِ الزَّوْجَيْنِ، وَدَفْعٍ الضَّرَرِ عَنْهُمَا، وَهُوَ مُفْضٍ إلَى دَفْعِ ضَرَرِ الشَّهْوَة مِنْ الْمَرْأَةِ كَإِفْضَائِهِ إلَى دَفْعِهِ عَنْ الرَّجُلِ، فَيَكُونُ الْوَطْءُ حَقًّا لَهُمْ جَمِيعًا وَلِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ لَهَا فِيهِ حَقّ لَمَا وَجَبَ اسْتِئْذَانُهَا فِي الْعَزْلِ كَالْأَمَةِ، وَاشْتُرِطَ فِي الْمَرْأَةِ أَنْ تَكُونَ ثُلُثَ سَنَةٍ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدَّرَ فِي حَقِّ الْمَوْلَى ذَلِكَ فَكَذَا فِي حَقّ غَيْرِهِ، وَأَنْ لَا يَكُونَ عُذْرٌ فَإِنْ كَانَ كَمَرَضٍ وَنَحْوِهِ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْلِ عُذْرِهِ (فَإِنْ أَبَى ذَلِكَ أَيْ الْوَطْءَ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، أَوْ) أَبَى (الْبَيْتُوتَةَ فِي الْيَوْمِ) أَيْ الزَّمَنِ (الْمُقَرَّرِ) وَهُوَ لَيْلَةٌ مِنْ أَرْبَعٍ لِلْحُرَّةِ، وَلَيْلَةٌ مِنْ سَبْعٍ لِلْأَمَةِ (حَتَّى مَضَتْ الْأَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ بِلَا عُذْرٍ لِأَحَدِهِمَا) أَيْ الزَّوْجَيْنِ (فُرِّقَ بَيْنَهُمَا بِطَلَبِهِمَا) كَالْمَوْلَى وَكَمَا لَوْ مَنَعَ النَّفَقَةَ وَتَعَذَّرَتْ عَلَيْهَا مِنْ قَبْلِهِ (وَلَوْ قَبْلَ الدُّخُولِ نَصَّ عَلَيْهِ) قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ (فِي رَجُلٍ) تَزَوُّج امْرَأَةً وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا (يَقُولُ غَدًا أَدْخُلُ بِهَا غَدًا أَدْخُلُ بِهَا إلَى شَهْرٍ هَلْ يُجْبَرُ عَلَى الدُّخُولِ قَالَ: اذْهَبْ إلَى أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ إنْ دَخَلَ بِهَا وَإِلَّا فُرِّقَ بَيْنَهُمَا)، فَجَعَلَهُ أَحْمَدُ كَالْمَوْلَى.
وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ جَعْفَرٍ لَمْ يَرْوِ مَسْأَلَةَ ابْنِ مَنْصُورٍ غَيْرُهُ وَفِيهَا نَظَرٌ قَالَ فِي شَرْحِ الْمُقْنِعِ.
وَظَاهِرُ قَوْلِ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ لَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا لِذَلِكَ، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ، لِأَنَّهُ لَوْ ضُرِبَتْ لَهُ الْمُدَّةُ لِذَلِكَ وَفُرِّقَ بَيْنَهُمَا لَمْ يَكُنْ لِلْإِيلَاءِ أَثَرٌ وَلَا خِلَاف فِي اعْتِبَارِهِ، (وَكَذَا لَوْ ظَاهَرَ وَلَمْ يُكَفِّرْ) فَلَهَا الْفَسْخ بَعْد الْأَرْبَعَة أَشْهُرٍ فَإِنْ لَمْ يَطَأْ لِعُذْرٍ فَلَا فَسْخَ لِعَدَمِ وُجُوبِهِ عَلَيْهِ إذَنْ.
(وَقَالَ الشَّيْخُ إنْ تَعَذَّرَ الْوَطْءُ) لِعَجْزِ الزَّوْجِ (فَهُوَ كَالنَّفَقَةِ) إذَا تَعَذَّرَتْ فَتُفْسَخُ.
(وَ) الْفَسْخُ لِتَعَذُّرِ الْوَطْءِ (أَوْلَى) مِنْ الْفَسْخِ لِتَعَذُّرِ النَّفَقَةِ (لِلْفَسْخِ بِتَعَذُّرِهِ) أَيْ الْوَطْءِ (إجْمَاعًا فِي الْإِيلَاءِ) وَقَالَهُ أَبُو يَعْلَى الصَّغِيرُ ذَكَرَهُ فِي الْمُبْدِع وَالْفَرْقُ أَنَّهَا لَا تَبْقَى بِدُونِ النَّفَقَةِ بِخِلَافِ الْوَطْءِ.
(وَلَوْ سَافَرَ) الزَّوْج (عَنْهَا لِعُذْرٍ وَحَاجَةٍ سَقَطَ حَقُّهَا مِنْ الْقَسْمِ وَالْوَطْءِ وَإِنْ طَالَ سَفَرُهُ) لِلْعُذْرِ (بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يُفْسَخ نِكَاحُ الْمَفْقُودِ إذَا تَرَكَ لِامْرَأَتِهِ نَفَقَتَهَا)، أَوْ وُجِدَ لَهُ مَالٌ يُنْفَقُ عَلَيْهَا مِنْهُ أَوْ مَنْ يَفْرِضُهَا عَلَيْهِ (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ) لِلْمُسَافِرِ (عُذْرٌ مَانِعٌ مِنْ الرُّجُوعِ وَغَابَ أَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَطَلَبَتْ قُدُومَهُ لَزِمَهُ ذَلِكَ) لِمَا رَوَى أَبُو حَفْصٍ بِإِسْنَادِهِ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَسْلَمَ قَالَ بَيْنَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَحْرُسُ الْمَدِينَةَ فَمَرَّ بِامْرَأَةٍ وَهِيَ تَقُولُ: تَطَاوَلَ هَذَا اللَّيْلُ وَاسْوَدَّ جَانِبُهُ وَطَالَ عَلَيَّ أَنْ لَا خَلِيلَ أُلَاعِبهُ فَوَاَللَّهِ لَوْلَا خَشْيَةُ اللَّهِ وَالْحَيَا لَحُرّك مِنْ هَذَا السَّرِيرِ جَوَانِبُهُ فَسَأَلَ عَنْهَا فَقِيلَ: لَهُ فُلَانَة زَوْجُهَا غَائِبٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَأَرْسَلَ إلَيْهَا امْرَأَةً تَكُونُ مَعَهَا وَبَعَثَ إلَى زَوْجِهَا فَأَقْفَلَهُ ثُمَّ دَخَلَ عَلَى حَفْصَةَ فَقَالَ: بُنَيَّةُ كَمْ تَصْبِرُ الْمَرْأَةُ عَنْ زَوْجِهَا فَقَالَتْ: سُبْحَانَ اللَّهِ مِثْلُك يَسْأَلُ مِثْلِي عَنْ هَذَا؟ فَقَالَ: لَوْلَا أَنِّي أُرِيدُ النَّظَرَ لِلْمُسْلِمِينَ مَا سَأَلْتُكِ فَقَالَتْ خَمْسَةُ أَشْهُرٍ سِتَّةُ أَشْهُرٍ فَوَقَّتَّ لِلنَّاسِ فِي مَغَازِيهِمْ سِتَّةَ أَشْهُرٍ يَسِيرُونَ شَهْرًا وَيُقِيمُونَ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَيَرْجِعُونَ فِي شَهْرٍ وَمَحَلُّ لُزُومِ قُدُومِهِ (إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عُذْرٌ) فِي سَفَرِهِ كَطَلَبِ عِلْمٍ (أَوْ كَانَ فِي غَزْوٍ أَوْ حَجٍّ وَاجِبَيْنِ أَوْ) فِي (طَلَبِ رِزْقٍ يَحْتَاجُ إلَيْهِ نَصًّا) فَلَا يَلْزَمُهُ الْقُدُومُ، لِأَنَّ صَاحِبَ الْعُذْر يُعْذَرُ مِنْ أَجْلِ عُذْرِهِ (فَيَكْتُبُ إلَيْهِ الْحَاكِم) لِيُقْدِمَ.
(فَإِنْ أَبَى أَنْ يُقْدِمَ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ بَعْدَ مُرَاسَلَةِ الْحَاكِمِ إلَيْهِ فَسَخَ) الْحَاكِمُ (نِكَاحَهُ نَصًّا) لِأَنَّهُ تَرَكَ حَقًّا عَلَيْهِ يَتَضَرَّرُ بِهِ أَشْبَهَ الْمَوْلَى وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ الْمُرَاسَلَةِ لَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْمُقْنِعِ وَلَا الْفُرُوعِ وَلَا الْإِنْصَافِ وَتَبِعَهُمْ فِي الْمُنْتَهَى وَحَكَاهُ فِي الشَّرْحِ عَنْ بَعْضِ الْأَصْحَابِ قَالَ وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ أَحْمَدَ وَذَكَرَهُ فِي الْمُبْدِعِ بِقِيلَ.
(وَإِنْ غَابَ) زَوْجٌ (غَيْبَةً ظَاهِرُهَا السَّلَامَةُ) كَتَاجِرٍ وَأَسِيرٍ عِنْدَ مَنْ لَيْسَتْ عَادَتُهُ الْقَتْلُ (وَلَمْ يُعْلَمْ خَبَرُهُ) أَيْ حَيَاتُهُ وَلَا مَوْتُهُ (وَتَضَرَّرَتْ زَوْجَتُهُ بِتَرْكِ النِّكَاحِ) مَعَ وُجُودِ النَّفَقَةِ عَلَيْهَا (لَمْ يُفْسَخْ نِكَاحُهَا) لِتَضَرُّرِهَا بِتَرْكِ الْوَطْءِ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ عُذْر.
(يُسَنُّ) لِمَنْ أَرَادَ وَطْئًا (أَنْ يَقُولَ عِنْدَ الْوَطْءِ بِسْمِ اللَّهِ اللَّهُمَّ جَنِّبْنَا الشَّيْطَانَ وَجَنِّبْ الشَّيْطَانَ مَا رَزَقْتَنَا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى «وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ» قَالَ عَطَاءٌ هُوَ التَّسْمِيَةُ عِنْدَ الْجِمَاعِ وَرَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيّ قَالَ «لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ إذَا أَتَى أَهْلَهُ قَالَ بِسْمِ اللَّهِ اللَّهُمَّ جَنِّبْنَا الشَّيْطَانَ وَجَنِّبْ الشَّيْطَانَ مَا رَزَقْتنَا فَوُلِدَ بَيْنَهُمَا وَلَدٌ لَمْ يَضُرَّهُ الشَّيْطَانُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
(قَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ: وَتَقُولُهُ الْمَرْأَةُ أَيْضًا) وَرَوَى ابْنُ شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ مَوْقُوفًا قَالَ «إذَا أَنْزَلَ يَقُولُ: اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلْ لِلشَّيْطَانِ فِيمَا رَزَقْتَنِي نَصِيبًا» قَالَ فِي الْإِنْصَافِ فَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُولَ ذَلِكَ عِنْد إنْزَالِهِ وَلَمْ أَرَهُ لِلْأَصْحَابِ وَهُوَ حَسَنٌ.
(وَ) يُسَنُّ (أَنْ يُلَاعِبَهَا قَبْلَ الْجِمَاعِ لِتَنْهَضَ شَهْوَتُهَا) فَتَنَالَ مِنْ لَذَّةِ الْجِمَاعِ مِثْلَ مَا يَنَالُهُ، وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ «لَا تُوَاقِعْهَا إلَّا وَقَدْ أَتَاهَا مِنْ الشَّهْوَةِ مِثْلُ مَا أَتَاكَ لِكَيْ لَا تَسْبِقَهَا بِالْفَرَاغِ».
(وَ) يُسَنُّ (أَنْ يُغَطِّيَ رَأْسَهُ عِنْدَ الْجِمَاعِ وَ) أَنْ يُغَطِّيَهَا (عِنْدَ الْخَلَاءِ) لِحَدِيثِ عَائِشَةَ قَالَتْ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا دَخَلَ الْخَلَاءَ غَطَّى رَأْسَهُ، وَإِذَا أَتَى أَهْلَهُ غَطَّى رَأْسَهُ».
(وَأَنْ لَا يَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ) عِنْدَ الْجِمَاعِ لِأَنَّ عَمْرَو بْنَ حَزْمٍ وَعَطَاءَ كَرِهَا ذَلِكَ قَالَهُ فِي الشَّرْحِ.
(وَيُسْتَحَبُّ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَتَّخِذَ خِرْقَةً تُنَاوِلُهَا لِلزَّوْجِ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ جِمَاعِهَا) لِيَمْسَحَ بِهَا وَهُوَ مَرْوِيٌّ، عَنْ عَائِشَةَ.
(قَالَ أَبُو حَفْصٍ يَنْبَغِي أَنْ لَا تَظْهَرَ الْخِرْقَةَ بَيْنَ يَدَيْ امْرَأَةٍ مِنْ أَهْلٍ دَارِهَا.
وَقَالَ الْحَلْوَانِيُّ فِي التَّبْصِرَةِ: يُكْرَهُ أَنْ يَمْسَح ذَكَرَهُ بِالْخِرْقَةِ الَّتِي تَمْسَحُ بِهَا فَرْجَهَا.
وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ بْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَاب أَحْكَامِ النِّسَاءِ: لَا يُكْرَهُ نَخْرُهَا لِلْجِمَاعِ وَلَا نَخْرُهُ وَقَالَ) الْإِمَامُ (مَالِكُ) بْنُ أَنَسٍ (لَا بَأْسَ بِالنَّخْرِ عِنْدَ الْجِمَاعِ وَأَرَادَ سَفَهًا فِي غَيْرِ ذَلِكَ يُعَابُ عَلَى فَاعِلِهِ وَتُكْرَه كَثْرَةُ الْكَلَامِ حَالَ الْوَطْءِ) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لَا تُكْثِرُوا الْكَلَامَ عِنْدَ مُجَامَعَةِ النِّسَاءِ فَإِنَّ مِنْهُ يَكُونُ الْخَرَسُ وَالْفَأْفَأَةُ» رَوَاهُ أَبُو حَفْصٍ، وَلِأَنَّهُ يُكْرَه الْكَلَامُ حَالَ الْبَوْلِ وَحَالُ الْجِمَاعِ فِي مَعْنَاهُ.
(وَيُسْتَحَبُّ) لِلْوَاطِئِ (أَنْ لَا يَنْزِعَ إذَا فَرَغَ) أَيْ أَنْزَلَ (قَبْلَهَا حَتَّى تَفْرَغَ فَلَوْ خَالَفَ) وَنَزَعَ قَبْلَهَا (كُرِهَ) لِمَا رَوَى أَنَسٌ مَرْفُوعًا «إذَا جَامَعَ الرَّجُلُ أَهْلَهُ فَلِيَقْصِدْهَا، ثُمَّ إذَا قَضَى حَاجَتَهُ فَلَا يُعَجِّلْهَا حَتَّى تَقْضِيَ حَاجَتَهَا» رَوَاهُ أَبُو حَفْصٍ وَلِأَنَّ فِي ذَلِكَ ضَرَرًا عَلَيْهَا وَمَنْعًا لَهَا مِنْ قَضَاء شَهْوَتهَا.
(وَيُكْرَهُ) الْوَطْءُ (وَهُمَا مُتَجَرِّدَانِ) لِمَا رَوَى عُتْبَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إذَا أَتَى أَحَدُكُمْ أَهْلَهُ فَلْيَسْتَتِرْ وَلَا يَتَجَرَّدْ تَجَرُّدَ الْعَيْرَيْنِ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالْعَيْرُ بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْمُثَنَّاةِ تَحْتَ حِمَارِ الْوَحْشِ شَبَهَهُمَا بِهِ تَنْفِيرًا عَنْ تِلْكَ الْحَالَةِ.
(وَ) يُكْرَه (تَحَدُّثُهُمَا بِهِ) أَيْ بِمَا جَرَى بَيْنَهُمَا (وَلَوْ لِضَرَّتِهَا، وَحَرَّمَهُ فِي الْغُنْيَةِ، لِأَنَّهُ مِنْ السِّرّ وَإِفْشَاءُ السِّرِّ حَرَامٌ) وَرَوَى الْحَسَنُ قَالَ «جَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْن الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ فَأَقْبَلَ عَلَى الرِّجَالِ فَقَالَ: لَعَلَّ أَحَدَكُمْ يُحَدِّثُ بِمَا يَصْنَعُ بِأَهْلِهِ إذَا خَلَا ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى النِّسَاءِ فَقَالَ لَعَلَّ إحْدَاكُنَّ تُحَدِّثُ النِّسَاءَ بِمَا يَصْنَعُ بِهَا زَوْجُهَا قَالَ فَقَالَتْ امْرَأَةٌ: إنَّهُمْ يَفْعَلُونَ وَإِنَّا لَنَفْعَلُ، فَقَالَ لَا تَفْعَلُوا إنَّمَا مَثَلُ ذَلِكُمْ كَمَثَلِ شَيْطَانٍ لَقِيَ شَيْطَانَةً فَجَامَعَهَا وَالنَّاسُ يَنْظُرُونَ» وَرَوَى أَبُو وَالنَّسَائِيَّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا مِثْلَهُ بِمَعْنَاهُ.
(وَيُكْرَهُ وَطْؤُهُ) لِزَوْجَتِهِ أَوْ سَرِيَّتِهِ (بِحَيْثُ يَرَاهُ غَيْرُ طِفْلٍ لَا يَعْقِل أَوْ) بِحَيْثُ (يَسْمَعُ حِسَّهُمَا) غَيْرُ طِفْلٍ لَا يَعْقِلُ (وَلَوْ رَضِيَا) أَيْ الزَّوْجَانِ قَالَ أَحْمَدُ كَانُوا يَكْرَهُونَ الْوَجْسَ وَهُوَ الصَّوْتُ الْخَفِيُّ وَهُوَ بِالْجِيمِ وَالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ، يُقَال تَوَجَّسَ إذَا تَسَمَّعَ الصَّوْتَ الْخَفِيَّ (إنْ كَانَا مَسْتُورَيْ الْعَوْرَةِ وَإِلَّا) يَكُونَا مَسْتُورَيْ الْعَوْرَة (حَرُمَ مَعَ رُؤْيَتِهَا) أَيْ الْعَوْرَةِ لِحَدِيثِ «احْفَظْ عَوْرَتَكَ» وَتَقَدَّمَ.
(وَيُكْرَهُ أَنْ يُقَبِّلَهَا) أَيْ زَوْجَتَهُ أَوْ سَرِيَّتَهُ (أَوْ يُبَاشِرَهَا عِنْد النَّاسِ) لِأَنَّهُ دَنَاءَةٌ (وَلَهُ الْجَمْعُ بَيْنَ) وَطْءِ (نِسَائِهِ وَإِمَائِهِ بِغُسْلٍ وَاحِدٍ)، لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «طَافَ عَلَى نِسَائِهِ فِي لَيْلَةٍ بِغُسْلٍ وَاحِدٍ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ، وَلِأَنَّ حَدَثَ الْجَنَابَةِ لَا يَمْنَعُ الْوَطْءَ بِدَلِيلِ إتْمَامِ الْجِمَاعِ.
(وَيُسَنُّ أَنْ يَتَوَضَّأَ لِمُعَاوَدَةِ الْوَطْءِ) لِمَا رَوَى أَبُو سَعِيدٍ مَرْفُوعًا «إذَا أَتَى أَحَدُكُمْ أَهْلَهُ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَعُودَ فَلْيَتَوَضَّأْ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَرَوَاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ وَالْحَاكِمُ وَزَادَ فَإِنَّهُ أَنْشَطُ لِلْعُودِ (وَالْغُسْلِ) لِمُعَاوَدَةِ الْوَطْءِ (أَفْضَلُ) لِحَدِيثِ أَبِي رَافِعٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «طَافَ عَلَى نِسَائِهِ جَمِيعًا فَاغْتَسَلَ عِنْدَ كُلِّ امْرَأَةٍ مِنْهُنَّ غُسْلًا فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ جَعَلْتَهُ غُسْلًا وَاحِدًا قَالَ هَذَا أَزْكَى وَأَطْيَبُ وَأَطْهَرُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد مِنْ حَدِيثِ أَبِي رَافِعٍ.
(وَلَيْسَ) وَاجِبًا (عَلَيْهَا خِدْمَةُ زَوْجِهَا فِي عَجْنٍ وَخَبْزٍ وَنَحْوِهِ) كَكَنْسِ الدَّارِ وَمَلْءِ الْمَاءِ مِنْ الْبِئْرِ وَطَحْنٍ (نَصًّا) لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ مَنْفَعَةُ الْبُضْعِ فَلَا يَمْلِكُ غَيْرَهُ مِنْ مَنَافِعهَا (لَكِنْ الْأَوْلَى لَهَا فِعْلُ مَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِقِيَامِهَا؛ بِهِ) لِأَنَّهُ الْعَادَةُ وَلَا يَصِلُ الْحَالُ إلَّا بِهِ وَلَا تَنْتَظِمُ الْمَعِيشَةُ بِدُونِهِ (وَأَوْجَبَ الشَّيْخُ الْمَعْرُوفُ مِنْ مِثْلِهَا لِمِثْلِهِ) وِفَاقًا لِلْمَالِكِيَّةِ.
وَقَالَهُ أَبُو بَكْرٍ بْنُ شَيْبَةَ وَأَبُو إِسْحَاقَ الْجَوْزَاجَانِيُّ وَاحْتَجَّا بِقَضِيَّةِ عَلِيٍّ وَفَاطِمَةَ «فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى عَلَى ابْنَتِهِ فَاطِمَةَ بِخِدْمَةِ الْبَيْتِ، وَعَلِيٍّ مَا كَانَ خَارِجًا مِنْ الْبَيْتِ مِنْ عَمَلٍ» رَوَاهُ الْجُوزَجَانِيُّ مِنْ طُرُقٍ.
(وَأَمَّا خِدْمَةُ نَفْسِهَا فِي ذَلِكَ) أَيْ فِي الْعَجْنِ وَالْخَبْزِ وَالطَّبْخِ وَنَحْوِهِ (ف) هِيَ (عَلَيْهَا) بِمَعْنَى أَنَّهَا لَا تُلْزَمُهُ (إلَّا أَنْ يَكُونَ مِثْلَهَا لَا يَخْدِمُ نَفْسَهَا) فَعَلَيْهِ خَادِمٌ لَهَا (وَيَأْتِي فِي النَّفَقَاتِ وَلَا يَصِحُّ إجَارَتُهَا).
أَيْ الزَّوْجَةِ (لِرَضَاعٍ وَخِدْمَةٍ إلَّا بِإِذْنِهِ) أَيْ الزَّوْجِ، لِأَنَّهُ عَقْدٌ يُفَوِّتُ بِهِ حَقَّ مَنْ ثَبَتَ لَهُ الْحَقُّ بِعَقْدٍ سَابِقٍ فَلَمْ يَصِحَّ كَإِجَارَةِ الْمُؤَجَّرِ، فَأَمَّا مَعَ إذْنِ الزَّوْجِ فَإِنَّ الْإِجَارَةِ تَصِحَّ وَيَلْزَم الْعَقْدُ لِأَنَّ الْحَقُّ لَهُمَا لَا يَخْرُج عَنْهُمَا (وَلَوْ) أَجَرَتْ نَفْسَهَا (لِعَمَلٍ فِي ذِمَّتِهَا) صَحَّ الْعَقْدُ لِأَنَّ ذِمَّتَهَا قَابِلَةٌ لِذَلِكَ (فَإِنْ عَمِلَتْ) أَيْ الْعَمَلَ الَّذِي اُسْتُؤْجِرَتْ لَهُ (بِنَفْسِهَا) عَمَلُهُ (مِنْ إقَامَتِهِ مُقَامِهَا اسْتَحَقَّتْ الْأُجْرَةَ) لِأَنَّهَا وَفَّتْ بِالْعَمَلِ (فَإِنْ أَجَرَتْ) نَفْسَهَا أَوْ أَجَرَهَا وَلِيُّهَا لِصِغَرِهَا مَثَلًا (ثُمَّ تَزَوَّجَتْ صَحَّ الْعَقْدُ) أَيْ عَقَدُ الْإِجَارَةِ.
(وَلَمْ يَمْلِكْ الزَّوْجُ فَسْخَ الْإِجَارَةِ وَلَا يَمْنَعُهَا مِنْ الرَّضَاعَةِ حَتَّى تَنْقَضِيَ الْمُدَّةُ) لِأَنَّ مَنَافِعَهَا مُلِكَتْ بِعَقْدٍ سَابِقٍ عَلَى نِكَاحِهِ (أَشْبَهَ مَا لَوْ اشْتَرَى أَمَةً مُسْتَأْجَرَةً أَوْ دَارًا مُسْتَعَارَةً) بِمَا يَطُولُ نَقْلُهُ مِنْهَا.
(فَإِذَا نَامَ الصَّبِيُّ) الَّذِي اُسْتُؤْجِرَتْ لِرَضَاعِهِ (أَوْ اشْتَغَلَ فَلِلزَّوْجِ الِاسْتِمْتَاعُ بِهَا) لِزَوَالِ الْمُعَارِض لِحَقِّهِ (وَلَيْسَ لِوَلِيِّ الصَّبِيِّ) مَنْعَهُ (أَيْ الزَّوْجُ مِنْ الِاسْتِمْتَاعِ بِهَا) (وَلَهُ) أَيْ الزَّوْجِ (الِاسْتِمْتَاعُ بِهَا) أَيْ بِزَوْجَتِهِ الْمُؤَجَّرَةِ لِرَضَاعٍ.
(وَلَوْ أَضَرَّ اللَّبَنَ)، لِأَنَّ وَطْءَ الزَّوْجِ مُسْتَحَقٌّ بِعَقْدِ التَّزْوِيجِ فَلَا يَسْقُطُ بِأَمْرٍ مَشْكُوكٍ فِيهِ كَمَا لَوْ أَذِنَ فِيهِ الْوَلِيُّ وَلَا يَمْلِك فَسْخَ النِّكَاحِ مَعَ جَهْلِهِ بِكَوْنِهَا مُؤَجَّرَةً (وَلَهُ) أَيْ الزَّوْجِ (مَنْعُهَا مِنْ رَضَاعِ وَلَدِهَا مِنْ غَيْرِهِ وَ) لَهُ مَنْعُهَا أَيْضًا مِنْ رَضَاعِ وَلَدِ غَيْرِهَا لِأَنَّ اشْتِغَالَهَا بِذَلِكَ يُفَوِّت عَلَيْهِ إكْمَالُ الِاسْتِمْتَاعِ بِهَا.
وَ(لَا) يَمْنَعُهَا مِنْ رَضَاع (وَلَدِهَا مِنْهُ) لِأَنَّهُ حَقٌّ لَهَا فَلَا يَمْنَعُهَا كَسَائِرِ حُقُوقِهَا وَمَحَلُّ مَنْعِهِ لَهَا مِنْ رَضَاعِ وَلَدِهَا مِنْ غَيْرِهِ وَمِنْ رَضَاعِ وَلَدِ غَيْرِهَا (إلَّا أَنْ يَضْطَرَّ) الرَّضِيعُ (إلَيْهَا وَيُخْشَى عَلَيْهِ) كَأَنْ لَا تُوجَدُ مُرْضِعَةً سِوَاهَا أَوْ لَا يَقْبَلُ ثَدْيَ غَيْرِهَا أَوْ تَكُونَ قَدْ شَرَطَتْ عَلَيْهِ فَلَا يَمْنَعُهَا مِنْهُ (نَصًّا وَيَأْتِي فِي نَفَقَةِ الْأَقَارِبِ) مُوَضَّحًا.
(وَلَا يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَ زَوْجَتَيْهِ) فَأَكْثَرَ (فِي مَسْكَنٍ وَاحِدٍ أَيْ بَيْتٍ وَاحِدٍ بِغَيْرِ رِضَاهُمَا لِأَنَّ) عَلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا ضَرَرًا لِمَا بَيْنَهُنَّ مِنْ الْغَيْرَة وَاجْتِمَاعِهِنَّ يُثِيرُ الْخُصُومَةَ، لِأَنَّ (كُلّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا تَسْمَعُ حِسَّهُ إذَا أَتَى الْأُخْرَى أَوْ تَرَى ذَلِكَ فَإِنْ رَضِيَتَا ذَلِكَ أَوْ) رَضِيَتَا (بِنَوْمِهِ بَيْنَهُمَا فِي لِحَافٍ وَاحِدٍ جَازَ) لِأَنَّ الْحَقّ لَهُمَا لَا يَعْدُوهُمَا فَلَهُمَا الْمُسَامَحَةُ بِتَرْكِهِ.
(وَإِنْ أَسْكَنَهُمَا فِي دَارٍ وَاحِدَةٍ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا فِي بَيْتٍ) مِنْهَا (جَازَ إذَا كَانَ) بَيْتُ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا (مَسْكَنَ مِثْلِهَا) لِأَنَّهُ لَا جَمْعَ فِي ذَلِكَ (وَكَذَلِكَ الْجَمْعُ بَيْنَ الزَّوْجَةِ وَالسَّرِيَّةِ) فِي بَيْتٍ وَاحِدٍ فَلَا يَجُوزُ (إلَّا بِرِضَا الزَّوْجَة) لِمَا تَقَدَّمَ (وَيَجُوزُ نَوْمُهُ) أَيْ الرَّجُلِ (مَعَ امْرَأَتِهِ بِلَا جِمَاعٍ بِحَضْرَةِ مَحْرَمٍ لَهَا)
«كَنَوْمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَيْمُونَةَ فِي طُولِ الْوِسَادَةِ» وَابْنُ عَبَّاسٍ لَمَّا بَاتَ عِنْدَهُ فِي عَرْضِهَا.
(وَلَهُ) أَيْ الزَّوْجِ (مَنْعُهَا) أَيْ الزَّوْجَةِ (مِنْ الْخُرُوجِ مِنْ مَنْزِلِهِ إلَى مَا لَهَا مِنْهُ بُدٌّ سَوَاءٌ أَرَادَتْ زِيَارَةَ وَالِدَيْهَا أَوْ عِيَادَتِهِمَا أَوْ حُضُورِ جِنَازَةِ أَحَدِهِمَا أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ) قَالَ أَحْمَدُ فِي امْرَأَةٍ لَهَا زَوْجٌ وَأُمٌّ مَرِيضَةٌ طَاعَةُ زَوْجِهَا: أَوْجَبُ عَلَيْهَا مِنْ أُمِّهَا إلَّا أَنْ يَأْذَنَ لَهَا (وَيَحْرُمُ عَلَيْهَا) أَيْ الزَّوْجَةِ (الْخُرُوجُ بِلَا إذْنِهِ) أَيْ الزَّوْجِ لِأَنَّ حَقَّ الزَّوْج وَاجِبٌ فَلَا يَجُوزُ تَرْكُهُ بِمَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ (فَإِنْ فَعَلَتْ) الزَّوْجَةُ أَيْ خَرَجَتْ بِلَا إذْنِهِ (فَلَا نَفَقَةَ لَهَا إذَنْ) أَيْ مَا دَامَتْ خَارِجَةً بِغَيْرِ إذْنِهِ لِعَدَمِ التَّمْكِينِ مِنْ الِاسْتِمْتَاعِ (هَذَا) أَيْ مَا ذُكِرَ مِنْ تَحْرِيمِ الْخُرُوجِ بِلَا إذْنِهِ وَسُقُوطِ نَفَقَتِهَا بِهِ (إذَا قَامَ) الزَّوْجُ (بِحَوَائِجِهَا) الَّتِي لَا بُدَّ لَهَا مِنْهَا.
(وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَقُمْ بِحَوَائِجِهَا (فَلَا بُدَّ لَهَا) مِنْ الْخُرُوجِ لِلضَّرُورَةِ فَلَا تَسْقُط نَفَقَتُهَا بِهِ.
(قَالَ الشَّيْخُ فِيمَنْ حَبَسَتْهُ امْرَأَةٌ بِحَقِّهَا: إنْ خَافَ خُرُوجَهَا بِلَا إذْنِهِ أَسْكَنَهَا حَيْثُ لَا يُمْكِنُهَا الْخُرُوجَ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَنْ يَحْفَظُهَا غَيْرُ نَفْسِهِ حُبِسَتْ مَعَهُ) لِيَحْفَظَهَا (يَعْنِي إذَا كَانَ الْحَبْسُ مَسْكَنَ مِثْلِهَا) وَلَمْ يُفْضِ إلَى اخْتِلَاطِهَا بِالرِّجَالِ (كَمَا يَأْتِي فِي الْبَابِ فَإِنْ عَجَزَ عَنْ حِفْظِهَا) بِالْحَبْسِ (أَوْ خِيفَ حُدُوثُ شَرٍّ) بِسَبَبِ حَبْسِهَا مَعَهُ (أُسْكِنَتْ فِي رِبَاطٍ وَنَحْوِهِ) دَفْعًا لِلْمَفْسَدَةِ (وَمَتَى كَانَ خُرُوجُهَا مَظِنَّةَ الْفَاحِشَةِ صَارَ حَقًّا لِلَّهِ يَجِبْ عَلَى وَلِيِّ الْأَمْرِ رِعَايَتُهُ فَإِنْ مَرَض بَعْضُ مَحَارِمِهَا) كَأَبَوَيْهَا وَإِخْوَتِهَا (أَوْ مَاتَ) بَعْضُ مَحَارِمهَا (لَا غَيْرَهُ) أَيْ الْمَحْرَمِ (مِنْ أَقَارِبهَا) كَأَوْلَادِ عَمِّهَا وَعَمَّتِهَا وَأَوْلَادِ خَالِهَا وَخَالَتِهَا.
(اُسْتُحِبَّ لَهُ) أَيْ الزَّوْجِ (أَنْ يَأْذَنَ لَهَا فِي الْخُرُوجِ إلَيْهِ) أَيْ إلَى تَمْرِيضِهِ أَوْ عِيَادَتِهَا أَوْ شُهُودِ جِنَازَتِهِ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ صِلَةِ الرَّحِم وَفِي مَنْعِهَا مِنْ ذَلِكَ قَطِيعَةُ رَحِمٍ وَرُبَّمَا حَمَلَهَا عَدَمُ إذْنِهِ عَلَى مُخَالَفَتِهِ وَ(لَا) يُسْتَحَبُّ أَنْ يَأْذَنَ لَهَا فِي الْخُرُوج (لِزِيَارَةِ أَبَوَيْهَا) مَعَ عَدَم الْمَرَضِ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ وَلِئَلَّا تَعْتَادُهُ (وَلَا يَمْلِكُ) الزَّوْجُ (مَنْعَهَا مِنْ كَلَامِهِمَا، وَلَا) يَمْلِكُ (مَنْعَهَا مِنْ زِيَارَتِهِمَا)، لِأَنَّهُ لَا طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ الْخَالِقِ (إلَّا مَعَ ظَنِّ حُصُولِ ضَرَرٍ يُعْرَفُ بِقَرَائِنِ الْحَالِ) بِسَبَبِ زِيَارَتِهِمَا فَلَهُ مَنْعُهَا إذَنْ مِنْ زِيَارَتِهِمَا دَفْعًا لِلضَّرَرِ.
(وَلَا يَلْزَمُهَا طَاعَةُ أَبَوَيْهَا فِي فِرَاقِهِ وَلَا) فِي (زِيَارَةٍ وَنَحْوِهَا بَلْ طَاعَةُ زَوْجِهَا أَحَقُّ) لِوُجُوبِهَا عَلَيْهَا وَرَوَى ابْنُ بَطَّةَ فِي أَحْكَامِ النِّسَاءِ عَنْ أَنَسٍ «أَنَّ رَجُلًا سَافَرَ وَمَنَعَ زَوْجَتَهُ الْخُرُوجَ، فَمَرِضَ أَبُوهَا فَاسْتَأْذَنَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حُضُورِ جِنَازَتِهِ فَقَالَ لَهَا: اتَّقِي اللَّهَ وَلَا تُخَالِفِي زَوْجَكَ فَأَوْحَى اللَّهُ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنِّي قَدْ غَفَرْتُ لَهَا بِطَاعَةِ زَوْجِهَا».