فصل: (فَصْلٌ): الْمُودَعُ أَمِينٌ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: كشاف القناع عن متن الإقناع



.(فَصْلٌ): الْمُودَعُ أَمِينٌ:

لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى سَمَّاهَا أَمَانَةً بِقَوْلِهِ: {إنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إلَى أَهْلِهَا}.
(وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ فِيمَا يَدَّعِيهِ مِنْ رَدٍّ)؛ لِأَنَّهُ لَا مَنْفَعَةَ لَهُ فِي قَبْضِهَا، فَقُبِلَ قَوْلُهُ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ (وَلَوْ) ادَّعَى الرَّدَّ (عَلَى يَدِ عَبْدِهِ) أَيْ: عَبْدِ الْمَلِكِ (أَوْ زَوْجَتِهِ، أَوْ خَازِنِهِ)، أَوْ وَكِيلِهِ، أَوْ حَافِظِ مَالِهِ،؛ لِأَنَّ أَيْدِيَهُمْ كَيَدِهِ، قَالَهُ فِي الْقَاعِدَةِ الرَّابِعَةِ وَالْأَرْبَعِينَ،.
وَإِنْ دَفَعَ الْمُسْتَوْدِعُ الْوَدِيعَةَ لِزَوْجَتِهِ نَفْسِهِ أَوْ خَازِنِهِ وَنَحْوِهِمَا وَادَّعَوْا الرَّدَّ فَقَوْلُهُمْ بِيَمِينِهِمْ، قَالَ فِي الْمُبْدِعِ بَعْدَ أَنْ قَدَّمَ مَا جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ سَابِقًا مِنْ أَنَّ لِلْمُودِعِ دَفْعُ الْوَدِيعَةِ إلَى مَنْ يَحْفَظُ مَالَهُ عَادَةً كَزَوْجَتِهِ وَخَازِنِهِ وَذَكَرَ مُقَابِلَهُ: وَعَلَى الْأَوَّلِ يُصَدَّقُ فِي دَعْوَى الرَّدِّ أَوْ التَّلَفِ كَالْمُودَعِ انْتَهَى.
وَقَالَ الْأَزَجِيُّ: إنْ ادَّعَى الرَّدَّ إلَى رَسُولٍ مُوَكَّلٍ وَمُودِعٍ فَأَنْكَرَ الْمُوَكَّلُ ضَمِنَ لِتَعَلُّقِ الدَّفْعِ بِثَالِثٍ، وَيُحْتَمَلُ لَا وَذَكَرَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: لَوْ أَوْدَعَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ حَيْثُ جَازَ وَادَّعَى الْوَدِيعُ الرَّدَّ إلَيْهِ قُبِلَ، كَمَا يُقْبَلُ عَلَى الْمَالِكِ الْمَحْضِ.
، وَإِنْ ادَّعَى الرَّدَّ عَلَى الشَّرِيكِ الْآخَرِ لَمْ يُقْبَلْ إلَّا بِبَيِّنَةٍ (أَوْ) ادَّعَى الرَّدَّ (بَعْدَ مَوْتِ رَبِّهَا) أَيْ: الْوَدِيعَةِ (إلَيْهِ) أَيْ: إلَى رَبِّ الْوَدِيعَةِ، بِأَنْ ادَّعَى وَرَثَةُ الْمَالِكِ عَلَى الْمُودَعِ الْوَدِيعَةِ، فَقَالَ: رَدَدْتُهَا إلَيْهِ قَبْلَ مَوْتِهِ قُبِلَ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ، كَمَا لَوْ كَانَ الْمَالِكُ هُوَ الْمُدَّعِي وَأَنْكَرَ (وَكَذَا دَعْوَى تَلَفٍ) مِنْ مُسْتَوْدَعٍ فَتُقْبَلُ بِيَمِينِهِ.
(وَلَوْ) كَانَ التَّلَفُ (بِسَبَبٍ خَفِيٍّ مِنْ سَرِقَةٍ، أَوْ ضَيَاعٍ وَنَحْوِهِ) لِتَعَذُّرِ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَى ذَلِكَ، فَلَوْ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ فِيهِ لَامْتَنَعَ النَّاسُ مِنْ قَبُولِ الْأَمَانَاتِ مَعَ الْحَاجَةِ إلَيْهِ، قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ كُلُّ مَنْ نَحْفَظُ عَنْهُ أَنَّ الْمُسْتَوْدَع إذَا أَحْرَزَ الْوَدِيعَةَ ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهَا ضَاعَتْ قُبِلَ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ.
(فَإِنْ ادَّعَاهُ) أَيْ: ادَّعَى الْمُسْتَوْدَعُ التَّلَفَ (بِسَبَبٍ ظَاهِرٍ كَحَرِيقٍ وَغَرَقٍ وَغَارَةٍ وَنَحْوِهَا) كَنَهْبِ جَيْشٍ (لَمْ يُقْبَلْ) مِنْهُ ذَلِكَ (إلَّا بِبَيِّنَةٍ) تَشْهَدُ (بِوُجُودِ ذَلِكَ السَّبَبِ فِي تِلْكَ النَّاحِيَةِ) فَإِنْ عَجَزَ عَنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ بِالسَّبَبِ الظَّاهِرِ ضَمِنَهَا؛ لِأَنَّهُ لَا تَتَعَذَّرُ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ بِهِ، وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ.
(وَيَكْفِي فِي ثُبُوتِهِ) أَيْ: السَّبَبِ الظَّاهِرِ (الِاسْتِفَاضَةُ) قَالَهُ فِي التَّلْخِيصِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَغَيْرِهَا، فَعَلَى هَذَا: إذَا عَلِمَهُ الْقَاضِي بِالِاسْتِفَاضَةِ قُبِلَ قَوْلُ الْوَدِيعِ بِيَمِينِهِ وَلَمْ يُكَلِّفْهُ بَيِّنَةً تَشْهَدُ بِالسَّبَبِ وَلَا يَكُونُ مِنْ الْقَضَاءِ بِالْعِلْمِ، كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي الطُّرُقِ الْحُكْمِيَّةِ فِي الْحُكْمِ بِالِاسْتِفَاضَةِ لَا فِي خُصُوصِ هَذِهِ.
(فَإِذَا ثَبَتَ) السَّبَبُ الظَّاهِرُ بِالْبَيِّنَةِ أَوْ الِاسْتِفَاضَةِ (فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ) أَيْ: الْوَدِيعِ (فِي التَّلَفِ مَعَ يَمِينِهِ) فَيَحْلِفُ أَنَّهَا ضَاعَتْ بِهِ (وَتَقَدَّمَ فِي الرَّهْنِ وَالْوَكَالَةِ) نَحْوُ ذَلِكَ.
(وَيُقْبَلُ قَوْلُهُ) أَيْ: الْمُسْتَوْدَعِ (فِي الْإِذْنِ) أَيْ: أَنَّ الْمَالِكَ أَذِنَ لَهُ (فِي دَفْعِهَا) أَيْ: الْوَدِيعَةِ (إلَى إنْسَانٍ) عَيَّنَهُ (وَأَنَّهُ دَفَعَ) هَا إلَيْهِ مَعَ إنْكَارِ الْمَالِكِ الْإِذْنَ وَلَا بَيِّنَةَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ ادَّعَى دَفْعًا يَبْرَأُ بِهِ مِنْ الْوَدِيعَةِ، فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فِيهِ كَمَا لَوْ ادَّعَى رَدَّهَا إلَى مَالِكِهَا، وَلَا يَلْزَمُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِلْمَالِكِ غَيْرَ الْيَمِينِ لِمَا لَمْ يُقِرَّ بِقَبْضِهِ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ،.
وَلَوْ اعْتَرَفَ الْمَالِكُ بِالْإِذْنِ وَأَنْكَرَ الدَّفْعَ قُبِلَ قَوْلُ الْمُسْتَوْدَعِ، ثُمَّ يُنْظَرُ فِي الْمَدْفُوعِ إلَيْهِ، فَإِنْ أَقَرَّ لَهُ بِالْقَبْضِ فَلَا كَلَامَ، وَإِنْ أَنْكَرَ حَلَفَ وَبَرِئَ أَيْضًا، وَفَاتَتْ عَلَى رَبِّهَا إنْ كَانَ الثَّانِي وَدِيعًا، وَإِنْ كَانَ ذَا دَيْنٍ قُبِلَ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ وَضَمِنَ الدَّافِعُ إنْ لَمْ يَشْهَدْ لِتَقْصِيرِهِ، صَدَّقَهُ الْمَالِكُ، أَوْ كَذَّبَهُ، وَتَقَدَّمَ فِي الْوَكَالَةِ.
(وَ) يُقْبَلُ قَوْلُ الْمُسْتَوْدَعِ أَيْضًا فِي نَفْيِ (مَا يُدَّعَى عَلَيْهِ مِنْ خِيَانَةٍ وَتَفْرِيطٍ)؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُمَا.
(وَلَا تُقْبَلُ دَعْوَاهُ) أَيْ: الْمُسْتَوْدَعِ (الرَّدَّ إلَى وَرَثَةِ الْمَالِكِ وَ) لَا دَعْوَاهُ الرَّدَّ إلَى (الْحَاكِمِ) إلَّا بِبَيِّنَةٍ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَأْتَمِنُوهُ، وَكَذَا وَرَثَةُ الْمُودَعِ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُمْ فِي الدَّفْعِ إلَى الْمَالِكِ وَلَا إلَى غَيْرِهِ، لِأَنَّهُمْ غَيْرُ مُؤْتَمِنِينَ عَلَيْهَا مِنْ قِبَلِ مَالِكِهَا.
(فَإِنْ مَنَعَ) الْمُسْتَوْدَعُ (رَبَّهَا) أَيْ: الْوَدِيعَةِ (مِنْهَا) أَيْ: مِنْ أَخْذِهَا (أَوْ مَطَلَهُ) أَيْ: أَخَّرَ دَفْعَهَا إلَى مُسْتَحِقِّهَا (بِلَا عُذْرٍ ثُمَّ ادَّعَى تَلَفًا) لِلْوَدِيعَةِ (لَمْ يُقْبَلْ) مِنْهُ ذَلِكَ (إلَّا بِبَيِّنَةٍ)؛ لِأَنَّهُ بِالْمَنْعِ، أَوْ الْمَطْلِ بَطَلَ الِاسْتِئْمَانُ، قُلْتُ: هُوَ لَا يَزِيدُ عَلَى الْغَاصِبِ، وَهُوَ يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي التَّلَفِ بِيَمِينِهِ وَيَضْمَنُ الْبَدَلَ.
(وَلَوْ سَلَّمَ الْمُسْتَوْدَعُ وَدِيعَةً إلَى غَيْرِ رَبِّهَا كُرْهًا) لَمْ يَضْمَنْ (أَوْ صَادَّهُ سُلْطَانٌ لَمْ يَضْمَنْ) الْوَدِيعَةَ؛ لِأَنَّ الْإِكْرَاهَ عُذْرٌ يُبِيحُ لَهُ دَفْعَهَا (كَمَا لَوْ أَخَذَهَا) السُّلْطَانُ (مِنْهُ) أَيْ: الْمُسْتَوْدَعِ (كُرْهًا) أَيْ: قَهْرًا وَعِنْدَ أَبِي الْوَفَاءِ: إنْ ظَنَّ أَخْذَهَا مِنْهُ بِإِقْرَارِهِ كَانَ دَالًّا، وَيَضْمَنُ.
(وَإِنْ آلَ الْأَمْرُ إلَى الْحَلِفِ) أَيْ:، وَإِنْ طُلِبَ مِنْ الْمُسْتَوْدَعِ أَنْ يَحْلِفَ أَنَّهُ لَيْسَ عِنْدَهُ وَدِيعَةٌ لِفُلَانٍ (وَلَا بُدَّ) أَيْ: وَلَمْ يَجِدْ بُدًّا مِنْ الْحَلِفِ بِأَنْ كَانَ الطَّالِبُ لِيَمِينِهِ مُتَغَلِّبًا عَلَيْهِ بِسَلْطَنَةٍ، أَوْ تَلَصُّصٍ وَلَا يُمْكِنُهُ الْخَلَاصُ مِنْهُ إلَّا بِالْحَلِفِ (حَلَفَ مُتَأَوِّلًا) فَيَنْوِي لَا وَدِيعَةَ عِنْدِي لِفُلَانٍ فِي مَوْضِعِ كَذَا مِنْ الْمَوَاضِعِ الَّتِي لَيْسَتْ بِهَا وَنَحْوِهِ وَلَمْ يَحْنَثْ، وَقَالَ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ: لَهُ أَخْذُهَا (فَإِنْ لَمْ يَحْلِفْ حَتَّى أُخِذَتْ مِنْهُ وَجَبَ الضَّمَانُ) لِتَفْرِيطِهِ بِتَرْكِ الْحَلِفِ.
(وَإِنْ حَلَفَ) الْمُسْتَوْدَعُ أَنَّهُ لَا وَدِيعَةَ لِفُلَانٍ عِنْدَهُ وَلَمْ يَتَأَوَّلْ (أَثِمَ) لِحَلِفِهِ كَاذِبًا، لَكِنَّ إثْمَ حَلِفِهِ دُونَ إثْمِ إقْرَارِهِ بِهَا (وَوَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ) لِحِنْثِهِ بِالْحَلِفِ بِلَا تَأْوِيلٍ.
(وَإِنْ أُكْرِهَ عَلَى الْيَمِينِ بِالطَّلَاقِ) أَنَّهُ لَا وَدِيعَةَ عِنْدَهُ لِفُلَانٍ (فَكَمَا لَوْ، أُكْرِهَ عَلَى إيقَاعِ الطَّلَاقِ) أَيْ: فَلَا تَنْعَقِدُ قَالَهُ أَبُو الْخَطَّابِ.
(قَالَ الْحَارِثِيُّ) وَفِيهِ بَحْثٌ (وَحَاصِلُهُ) أَيْ: الْبَحْثِ (إنْ كَانَ الضَّرَرُ الْحَاصِلُ بِالتَّغْرِيمِ كَثِيرًا يُوَازِي الضَّرَرَ فِي صُوَرِ الْإِكْرَاهِ فَهُوَ إكْرَاهٌ لَا يَقَعُ وَإِلَّا وَقَعَ) عَلَى الْمَذْهَبِ انْتَهَى.
(وَإِنْ نَادَى السُّلْطَانُ: أَنَّ مَنْ لَمْ يَحْمِلْ وَدِيعَةَ فُلَانٍ عُمِلَ بِهِ كَذَا وَكَذَا) مِنْ أَنْوَاعِ التَّهْدِيدِ (فَحَمَلَهَا مِنْ غَيْرِ مُطَالَبَةٍ أَثِمَ وَضَمِنَ) قَالَ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ: إنْ لَمْ يُعَيِّنْهُ، أَوْ عَيَّنَهُ وَتَهَدَّدَهُ وَلَمْ يَنَلْهُ بِعَذَابٍ أَثِمَ وَضَمِنَ وَإِلَّا فَلَا انْتَهَى وَفِيمَا إذَا عَيَّنَهُ وَتَهَدَّدَهُ نَظَرَ إذَا كَانَ قَادِرًا عَلَى الْإِيقَاعِ بِهِ؛ لِأَنَّهُ إكْرَاهٌ.
(وَإِنْ سَلَّمَ) الْمُسْتَوْدَعُ (الْوَدِيعَةَ إلَى مَنْ يَظُنُّهُ صَاحِبَهَا فَتَبَيَّنَ خَطَؤُهُ ضَمِنَهَا)؛ لِأَنَّهُ فَوَّتَهَا عَلَى رَبِّهَا.
(وَإِنْ) أَنْكَرَ الْمُسْتَوْدَعُ الْإِيدَاعَ بِأَنْ (قَالَ: لَمْ تُودِعْنِي، ثُمَّ أَقَرَّ بِهَا) أَيْ الْوَدِيعَةِ (أَوْ ثَبَتَ) الْإِيدَاعُ بِبَيِّنَةٍ فَادَّعَى رَدًّا أَوْ تَلَفًا سَابِقَيْنِ لِجُحُودِهِ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ ذَلِكَ (وَإِنْ أَقَامَ بِهِ بَيِّنَةً)؛ لِأَنَّهُ صَارَ ضَامِنًا بِجُحُودِهِ وَمُعْتَرِفًا عَلَى نَفْسِهِ بِالْكَذِبِ الْمُنَافِي لِلْأَمَانَةِ وَلِأَنَّهُ مُكَذِّبٌ لِبَيِّنَةٍ بِجُحُودِهِ.
(وَإِنْ كَانَ) مَا ادَّعَاهُ مِنْ الرَّدِّ أَوْ التَّلَفِ (بَعْدَ جُحُودِهِ) كَمَا لَوْ ادَّعَى عَلَيْهِ الْوَدِيعَةِ يَوْمَ الْخَمِيسِ فَجَحَدَهَا ثُمَّ أَقَرَّ بِهَا يَوْمَ السَّبْتِ ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهُ رَدَّهَا، أَوْ تَلِفَتْ بِغَيْرِ تَفْرِيطِهِ يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ وَأَقَامَ بِذَلِكَ بَيِّنَةً (قُبِلَتْ) بَيِّنَتُهُ (بِهِمَا) أَيْ بِالرَّدِّ، أَوْ التَّلَفِ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَيْسَ بِمُكَذِّبٍ لَهَا.
(فَإِنْ شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ بِالتَّلَفِ أَوْ الرَّدِّ) بَعْدَ جُحُودِ الْإِيدَاعِ (وَلَمْ يُعَيَّنْ هَلْ ذَلِكَ) التَّلَفُ أَوْ الرَّدُّ (قَبْلَ جُحُودِهِ أَوْ بَعْدَهُ، وَاحْتَمَلَ الْأَمْرَيْنِ لَمْ يَسْقُطْ الضَّمَانُ)؛ لِأَنَّ وُجُوبَهُ مُتَحَقِّقٌ فَلَا يُنْفَى بِأَمْرٍ مُتَرَدَّدٍ فِيهِ.
(وَيَأْتِي وَإِنْ قَالَ) الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِوَدِيعَةٍ (مَا لَكَ عِنْدِي شَيْءٌ، أَوْ لَا حَقَّ لَكَ عَلَيَّ) عَلَيَّ أَوْ قِبَلِي ثُمَّ أَقَرَّ بِالْإِيدَاعِ أَوْ ثَبَتَ بِبَيِّنَةٍ (قُبِلَ قَوْلُهُ فِي الرَّدِّ وَالتَّلَفِ) بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُنَافِي جَوَابَهُ، لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ أَوْدَعَهُ ثُمَّ تَلِفَتْ عِنْدَهُ بِغَيْرِ تَفْرِيطٍ، أَوْ رَدَّهَا فَلَا يَكُونُ لَهُ عِنْدَهُ شَيْءٌ.
(لَكِنْ إنْ وَقَعَ التَّلَفُ بَعْدَ الْجُحُودِ وَجَبَ الضَّمَانُ) لِاسْتِقْرَارِ حُكْمِهِ بِالْجُحُودِ فَيُشْبِهُ الْغَاصِبَ قُلْت: وَظَاهِرُهُ وَلَوْ أَقَامَ بِهِ بَيِّنَةً.
(وَلَوْ قَالَ) إنْسَانٌ لِآخَرَ (لَكَ عِنْدِي وَدِيعَةٌ ثُمَّ ادَّعَى) الْمُقِرُّ (ظَنَّ الْبَقَاءِ) أَيْ قَالَ: كُنْتُ أَظُنُّهَا بَاقِيَةً (ثُمَّ عَلِمْتُ تَلَفَهَا لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ)؛ لِأَنَّهُ رُجُوعٌ عَنْ إقْرَارٍ بِحَقٍّ لِآدَمِيٍّ وَقَالَ الْقَاضِي: يُقْبَلُ وَيَأْتِي فِي الْإِقْرَارِ مَا فِيهِ.
(وَإِنْ مَاتَ الْمُودِعُ وَادَّعَى وَارِثُهُ الرَّدَّ) إلَى الْمَالِكِ، أَوْ غَيْرِهِ (أَوْ) ادَّعَى الْوَارِثُ (أَنَّ مُوَرِّثَهُ) كَانَ (رَدَّهَا) لَمْ يُقْبَلْ إلَّا بِبَيِّنَةٍ (أَوْ ادَّعَاهُ) أَيْ الرَّدَّ (الْمُلْتَقَطُ، أَوْ) ادَّعَاهُ (مَنْ أَطَارَتْ الرِّيحُ إلَى دَارِهِ ثَوْبًا لَمْ يُقْبَلْ إلَّا بِبَيِّنَةٍ)؛ لِأَنَّ الْمَالِكَ لَمْ يَأْتَمِنْهُمْ.
(وَمَنْ حَصَلَ فِي يَدِهِ أَمَانَةٌ بِغَيْرِ رِضَا صَاحِبِهَا كَاللُّقَطَةِ وَمَنْ أَطَارَتْ الرِّيحُ إلَى دَارِهِ ثَوْبًا وَجَبَتْ) عَلَيْهِ (الْمُبَادَرَةُ إلَى الرَّدِّ مَعَ الْعِلْمِ بِصَاحِبِهَا وَ) مَعَ (التَّمَكُّنِ مِنْهُ، وَكَذَا إعْلَامُهُ) أَيْ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ أَحَدُ أَمْرَيْنِ: إمَّا الرَّدُّ، أَوْ الْإِعْلَامُ (ذَكَرَهُ جَمْعٌ) مِنْهُمْ: صَاحِبُ الْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ وَنَحْوُهُ، ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَحَكَاهُ فِي الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ.
(قَالَ فِي الْإِنْصَافِ: وَهُوَ مُرَادُ غَيْرِهِمْ)؛ لِأَنَّ مُؤْنَةَ الرَّدِّ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا الْوَاجِبُ التَّمْكِينُ مِنْ الْأَخْذِ قَالَهُ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّانِيَةِ وَالْأَرْبَعِينَ (وَكَذَا الْوَدِيعَةُ وَالْمُضَارَبَةُ وَالرَّهْنُ وَنَحْوُهَا) كَالْعَيْنِ الْمُشْتَرَكَةِ.
(إذَا مَاتَ الْمُؤْتَمَنُ وَانْتَقَلَتْ إلَى وَارِثِهِ) وَجَبَ عَلَى مَنْ هِيَ بِيَدِهِ الْمُبَادَرَةُ إلَى الرَّدِّ مَعَ الْعِلْمِ بِصَاحِبِهَا وَالتَّمَكُّنِ مِنْهُ، أَوْ إعْلَامِهِ (لِزَوَالِ الِائْتِمَانِ، وَكَذَا لَوْ فَسَخَ الْمَالِكُ) فِي حَضْرَةِ الْأَمِينِ أَوْ غِيبَتِهِ عَقْدَ الِائْتِمَانِ فِي الْأَمَانَاتِ كَالْوَدِيعَةِ: وَالْوِكَالَةِ وَالشَّرِكَةِ وَالْمُضَارَبَةِ يَجِبُ الرَّدُّ عَلَى الْفَوْرِ لِزَوَالِ الِائْتِمَانِ قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ: وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَيْ الْقَاضِي أَنَّهُ يَجِبُ فِعْلُ الرَّدِّ فَإِنَّ الْعِلْمَ هُنَا حَاصِلٌ لِلْمَالِكِ انْتَهَى قُلْتُ: وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ مُؤْنَةَ الرَّدِّ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ.
وَلَوْ دَخَلَ حَيَوَانٌ لِغَيْرِهِ أَوْ عَبْدٌ لَهُ إلَى دَارِهِ فَعَلَيْهِ أَنْ يُخْرِجَهُ لِيَذْهَبَ كَمَا جَاءَ؛ لِأَنَّ يَدَهُ لَمْ تَثْبُتْ عَلَيْهِمَا بِخِلَافِ الثَّوْبِ ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ قَالَهُ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّالِثَةِ وَالْأَرْبَعِينَ.
(وَإِنْ تَلِفَتْ) الْوَدِيعَةُ أَوْ نَحْوُهَا (عِنْدَ الْوَارِث قَبْلَ إمْكَانِ رَدِّهَا لَمْ يَضْمَنْهَا)؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُفَرِّطْ.
(وَإِلَّا) بِأَنْ أَخَّرَ الرَّدَّ أَوْ الْإِعْلَامَ فَوْقَ مَا يُمْكِنُهُ وَتَلِفَتْ (ضَمِنَهَا) لِتَفْرِيطِهِ بِالتَّأْخِيرِ.
(وَيَجِبُ) عَلَى الْمُسْتَوْدَعِ (رَدُّ الْوَدِيعَةِ إلَى مَالِكِهَا) أَيْ تَمْكِينُهُ مِنْ أَخْذِهَا لِمَا يَأْتِي.
(إذَا طَلَبَهَا فَإِنْ أَخَّرَهُ) أَيْ الرَّدَّ (بَعْدَ طَلَبِهَا بِلَا عُذْرٍ ضَمِنَ) إنْ تَلِفَتْ، أَوْ نَقَصَتْ كَالْغَاصِبِ، وَإِنْ طَلَبَهَا فِي وَقْتٍ لَا يُمْكِنُ دَفْعُهَا إلَيْهِ لِبُعْدِهَا، أَوْ لِمَخَافَةٍ فِي طَرِيقِهَا، أَوْ لِلْعَجْزِ عَنْ حَمْلِهَا، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ مُعْتَدِيًا بِتَرْكِ تَسْلِيمِهَا وَلَمْ يَضْمَنْهَا لِعَدَمِ عُدْوَانِهِ.
(وَيُمْهَلُ) الْمُسْتَوْدَعُ إذَا طُلِبَ مِنْهُ الرَّدُّ (لِأَكْلٍ وَشُرْبٍ وَنَوْمٍ وَهَضْمِ طَعَامٍ وَمَطَرٍ كَثِيرٍ وَنَحْوِهِ) كَطَهَارَةٍ وَصَلَاةٍ (بِقَدْرِهِ) أَيْ بِقَدْرِ ذَلِكَ فَلَا يَضْمَنُهَا إنْ تَلِفَتْ زَمَنَ عُذْرِهِ لِعَدَمِ عُدْوَانِهِ.
(وَكَذَا لَوْ أَمَرَهُ بِالرَّدِّ) أَيْ رَدِّ الْوَدِيعَةِ (إلَى وَكِيلِهِ فَتَمَكَّنَ) الْمُسْتَوْدَعُ مِنْ رَدِّهَا لِلْوَكِيلِ (وَأَبَى) رَدَّهَا (ضَمِنَ) الْمُسْتَوْدَعُ الْوَدِيعَةَ إنْ تَلِفَتْ سَوَاءٌ (طَلَبَهَا الْوَكِيلُ أَمْ لَا)؛ لِأَنَّهُ أَمْسَكَ مَالَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ (وَمِثْلُهُ) أَيْ الْوَدِيعَةِ (مَنْ أَخَّرَ دَفْعَ مَالٍ أُمِرَ بِدَفْعِهِ بِلَا عُذْرٍ) وَتَلَفَ فَيَضْمَنُهُ لِمَا تَقَدَّمَ.
(وَلَيْسَ عَلَى الْمُسْتَوْدَعِ مُؤْنَةُ الرَّدِّ) أَيْ رَدِّ الْوَدِيعَةِ (وَ) لَا مُؤْنَةَ (حَمْلِهَا إلَى رَبِّهَا إذَا كَانَتْ مِمَّا كَانَتْ لِحَمْلِهِ مُؤْنَةً قَلَّتْ الْمُؤْنَةُ، أَوْ كَثُرَتْ) بَلْ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ التَّمْكِينُ مِنْ الْأَخْذِ فَقَطْ؛ لِأَنَّهُ قَبَضَ الْعَيْنَ لِمَنْفَعَةِ مَالِكِهَا عَلَى الْخُصُوصِ بِخِلَافِ مُسْتَعِيرٍ.
(فَإِنْ سَافَرَ) الْمُسْتَوْدَعُ (بِهَا) أَيْ الْوَدِيعَةِ (بِغَيْرِ إذْنِ رَبِّهَا لَزِمَهُ) مُؤْنَةُ (رَدِّهَا إلَى بَلَدِهَا) وَلَعَلَّ الْمُرَادَ فِي حَالٍ لَا يَجُوزُ لَهُ السَّفَرُ بِهَا وَإِلَّا فَقَالَ الْقَاضِي: لَهُ مَا أَنْفَقَ بِنِيَّةِ الرُّجُوعِ أَيْ؛ لِأَنَّ مُؤْنَةَ الرَّدِّ عَلَى رَبِّهَا وَقَدْ قَامَ بِهَا عَنْهُ الْوَدِيعُ بِنِيَّةِ الرُّجُوعِ.
(وَتَثْبُتُ الْوَدِيعَةُ بِإِقْرَارِ الْمَيِّتِ) بِأَنْ كَانَ أَقَرَّ أَنَّهَا لِفُلَانٍ (أَوْ) إقْرَارِ (وَرَثَتِهِ، أَوْ بَيِّنَتَهُ) كَسَائِرِ الْحُقُوقِ.
(وَإِنْ وُجِدَ عَلَيْهَا مَكْتُوبٌ: وَدِيعَةٌ لَمْ يَكُنْ حُجَّةً)؛ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّ الْوِعَاءَ كَانَتْ فِيهِ وَدِيعَةً قَبْلَ هَذِهِ، أَوْ كَانَ وَدِيعَةً لِلْمَيِّتِ عِنْدَ غَيْرِهِ وَنَحْوُ ذَلِكَ اخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ وَابْنُ عَقِيلٍ وَالْمُوَفَّقُ وَقَدَّمَهُ الشَّارِحُ وَنَصَرَهُ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالنَّظْمِ وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ كَمَا فِي الْإِنْصَافِ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ يُعْمَلُ بِهِ وُجُوبًا وَقَطَعَ بِهِ فِي التَّنْقِيحِ وَتَبِعَهُ فِي الْمُنْتَهَى.
(وَإِنْ وَجَدَ) وَارِثٌ (خَطَّ مُورَثِهِ: لِفُلَانٍ عِنْدِي وَدِيعَةٌ، أَوْ) وَجْدَ (عَلَى كِيسٍ وَنَحْوِهِ) مَكْتُوبٌ (هَذَا لِفُلَانٍ عَمِلَ) الْوَارِثُ (بِهِ وُجُوبًا) كَمَا يَعْمَلُ بِإِقْرَارِهِ بِاللَّفْظِ.
(وَإِنْ وَجَدَ) وَارِثٌ (خَطَّهُ) أَيْ خَطَّ مُوَرِّثِهِ (بِدَيْنٍ لَهُ عَلَى فُلَانٍ، جَازَ لِلْوَارِثِ الْحَلِفُ) إذَا أَقَامَ بِهِ شَاهِدًا مَثَلًا وَكَانَ يَعْلَمُ أَنَّ مُوَرِّثَهُ لَا يَكْتُبُ إلَّا حَقًّا وَأَنَّهُ صَادِقٌ أَمِينٌ (وَدَفَعَ) الدَّيْنَ (إلَيْهِ) فَيَجُوزُ الْحَلِفُ عَلَى مَا لَا تَجُوزُ الشَّهَادَةُ بِهِ إذْ لَا يَشْهَدُ عَلَى شَهَادَةِ أَبِيهِ، أَوْ غَيْرِهَا إذَا رَآهَا بِخَطِّهِ.
(وَإِنْ وَجَدَ) وَارِثٌ (خَطَّهُ) أَيْ خَطَّ مُورَثِهِ (بِدَيْنٍ عَلَيْهِ) لِمُعَيَّنٍ (عَمِلَ الْوَارِثُ بِهِ) وُجُوبًا (وَدَفَعَ) الدَّيْنَ (إلَى مَنْ هُوَ مَكْتُوبٌ بِاسْمِهِ) كَالْوَدِيعَةِ.
(وَإِنْ ادَّعَى الْوَدِيعَةَ اثْنَانِ، فَأَقَرَّ) الْمُسْتَوْدَعُ (بِهَا لِأَحَدِهِمَا فَهِيَ لَهُ) أَيْ لِلْمُقَرِّ لَهُ (مَعَ يَمِينِهِ)؛ لِأَنَّ الْيَدَ كَانَتْ لِلْمُودَعِ، وَقَدْ نَقَلَهَا إلَى الْمُدَّعِي فَصَارَتْ الْيَدُ لَهُ.
وَمَنْ كَانَتْ الْيَدُ لَهُ قُبِلَ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ وَمِنْ أَفْرَادِ ذَلِكَ لَوْ قَالَ الْمُودَعُ: أَوْدَعَنِيهَا الْمَيِّتُ وَقَالَ هِيَ لِفُلَانٍ وَقَالَ وَرَثَتُهُ: بَلْ هِيَ لَهُ أَفْتَى الشَّيْخُ التَّقِيُّ: بِأَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْمُودَعِ مَعَ يَمِينِهِ.
(وَيَحْلِفُ الْمُودَعُ أَيْضًا لِلْمُدَّعِي الْآخَرِ) الَّذِي أَنْكَرَهُ؛ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ لِدَعْوَاهُ وَتَكُونُ يَمِينُهُ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ قَالَهُ فِي الْمُبْدِعِ (فَإِنْ) حَلَفَ بَرِئَ، وَإِنْ (نَكَلَ لَزِمَهُ بَدَلُهَا لَهُ؛ لِأَنَّهُ فَوَّتَهَا) عَلَيْهِ، وَكَذَا لَوْ أَقَرَّ لَهُ بِهَا بَعْدَ أَنْ أَقَرَّ بِهَا لِلْأَوَّلِ فَتُسَلَّمُ لِلْأَوَّلِ وَيَغْرَمُ قِيمَتَهَا لِلثَّانِي نَصًّا.
(وَإِنْ أَقَرَّ بِهَا لَهُمَا) مَعًا (فَهِيَ لَهُمَا) أَيْ بَيْنَهُمَا كَمَا لَوْ كَانَتْ بِأَيْدِيهِمَا وَتَدَاعَيَاهَا (وَيَحْلِفُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا) يَمِينًا عَلَى نِصْفِهَا (فَإِنْ نَكَلَ) عَنْ الْيَمِينِ (لَزِمَهُ بَدَلُ نِصْفِهَا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا) وَإِنْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ لِأَحَدِهِمَا فَقَطْ لَزِمَهُ لِمَنْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ لَهُ عِوَضُ نِصْفِهَا (وَيَلْزَمُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْحَلِفُ لِصَاحِبِهِ)؛ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ لِدَعْوَاهُ.
(وَإِنْ قَالَ) الْمُودَعُ: هِيَ (لِأَحَدِهِمَا وَلَا أَعْرِفُ عَيْنَهُ فَإِنْ صَدَقَاهُ، أَوْ سَكَتَا) عَنْ تَصْدِيقِهِ وَتَكْذِيبِهِ (فَلَا يَمِينَ) عَلَيْهِ إذْ لَا اخْتِلَافَ (وَيُقْرَعُ بَيْنَهُمَا) فَمَنْ خَرَجَتْ لَهُ الْقُرْعَةُ سُلِّمَتْ إلَيْهِ بِيَمِينِهِ.
(وَإِنْ كَذَبَاهُ) بِأَنْ قَالَا: بَلْ تَعْرِفُ أَيُّنَا صَاحِبُهَا حَلَفَ لَهُمَا (يَمِينًا وَاحِدَةً أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ) عَيْنَهُ، وَكَذَا إنْ كَذَّبَهُ أَحَدُهُمَا وَحْدَهُ (وَيُقْرَعُ بَيْنَهُمَا فَمَنْ قُرِعَ) أَيْ خَرَجَتْ لَهُ الْقُرْعَةُ (حَلَفَ) أَنَّهَا لَهُ، لِاحْتِمَالِ عَدَمِهِ.
(وَأَخَذَهَا) بِمُقْتَضَى الْقُرْعَةِ (فَإِنْ نَكَلَ) الْمُودَعُ عَنْ الْيَمِينِ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ صَاحِبَهَا (حُكِمَ عَلَيْهِ) بِالنُّكُولِ (وَأُلْزِمَ التَّعْيِينَ) أَيْ تَعْيِينَ صَاحِبِهَا (فَإِنْ أَبَى) التَّعْيِينَ (أُجْبِرَ عَلَى الْقِيمَةِ) إذْ كَانَتْ مُتَقَوِّمَةً وَعَلَى الْمِثْلِ إنْ كَانَتْ مِثْلِيَّةً (فَتُؤْخَذُ الْقِيمَةُ)، أَوْ الْمِثْلُ (أَوْ الْعَيْنُ) فَيَقْتَرِعَانِ عَلَيْهِمَا.
(أَوْ يَتَّفِقَانِ) عَلَيْهِمَا قَالَ فِي التَّلْخِيصِ وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ: أَعْلَمُ الْمُسْتَحِقَّ وَلَا أَحْلِفُ (ثُمَّ إنْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ بِالْعَيْنِ لِآخِذِ الْقِيمَةِ سُلِّمَتْ إلَيْهِ) الْعَيْنُ لِلْبَيِّنَةِ وَتَقْدِيمِهَا عَلَى الْقُرْعَةِ (وَرُدَّتْ الْقِيمَةُ إلَى الْمُودَعِ وَلَا شَيْءَ لِلْقَارِعِ) عَلَى الْمُودَعِ لِأَنَّهُ لَمْ يُفَوِّتْ عَلَيْهِ شَيْئًا، بَلْ الْمُفَوِّتُ الْبَيِّنَةُ.
(وَإِنْ أَوَدَعُهُ اثْنَانِ مَكِيلًا مَثَلًا أَوْ مَوْزُونًا يَنْقَسِمُ) إجْبَارًا بِأَنْ لَا يَنْقُصَ بِتَفَرُّقِهِ (فَطَلَبَ أَحَدُهُمَا حَقَّهُ) مِنْ الْمُودَعِ (لِغَيْبَةِ شَرِيكِهِ، أَوْ) حُضُورِهِ وَ(امْتِنَاعِهِ) مِنْ الْأَخْذِ وَمِنْ الْإِذْنِ لِصَاحِبِهِ فِي أَخْذِ حَقِّهِ (سَلَّمَهُ) الْمُودَعُ (إلَيْهِ) أَيْ إلَى الْمُطَالِبِ وُجُوبًا؛ لِأَنَّهُ أَمْكَنَ تَمْيِيزُ نَصِيبِ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ مِنْ نَصِيبِ الْآخَرِ بِغَيْرِ غَبْنٍ وَلَا ضَرَرٍ فَإِذَا طَلَبَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ لَزِمَ دَفْعُهُ إلَيْهِ، كَمَا لَوْ كَانَ مُتَمَيِّزًا وَقَالَ الْقَاضِي لَا يَجُوزُ ذَلِكَ إلَّا بِإِذْنِ الْحَاكِمِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَحْتَاجُ إلَى قِسْمَةٍ وَيَفْتَقِرُ إلَى حُكْمٍ أَوْ اتِّفَاقٍ وَلَيْسَ ذَلِكَ إلَى الْمُودَعِ وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِهِ فِي الْقِسْمَةِ وَعُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ: أَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ فِي غَيْرِ الْمِثْلِيِّ؛ لِأَنَّ قِسْمَتَهُ لَا يُؤْمَنُ فِيهَا الْحَيْفُ، لِافْتِقَارِهَا إلَى التَّقْوِيمِ وَهُوَ ظَنٌّ وَتَخْمِينٌ.
(وَإِنْ غُصِبَتْ الْوَدِيعَةُ فَلِلْمُودِعِ الْمُطَالَبَةُ بِهَا)؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِحِفْظِهَا وَذَلِكَ مِنْهُ وَعَبَّرَ فِي الْفُرُوعِ بِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ (وَكَذَا مُضَارِبٌ وَمُرْتَهِنٌ وَمُسْتَأْجِرٌ) قُلْتُ: وَمُسْتَعِيرٌ وَمُجَاعِلٌ عَلَى عَمَلِهَا.
(وَإِنْ قَالَ) رَبُّ الْوَدِيعَةِ لِلْمُودَعِ (كُلَّمَا خُنْتَ ثُمَّ عُدْتَ إلَى الْأَمَانَةِ فَأَنْتَ أَمِينٌ صَحَّ) لِصِحَّةِ تَعْلِيقِ الْإِيدَاعِ عَلَى الشَّرْطِ، كَالْوِكَالَةِ.