فصل: باب نِسْبَةِ الْيَمَنِ إِلَى إِسْمَاعِيلَ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فتح الباري شرح صحيح البخاري **


*3*باب نِسْبَةِ الْيَمَنِ إِلَى إِسْمَاعِيلَ

مِنْهُمْ أَسْلَمُ بْنُ أَفْصَى بْنِ حَارِثَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ مِنْ خُزَاعَةَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب نسبة اليمن إلى إسماعيل‏)‏ أي ابن إبراهيم الخليل‏.‏

ونسبة مضر وربيعة إلى إسماعيل متفق عليها، وأما اليمن فجماع نسبهم ينتهي إلى قحطان، واختلف في نسبه فالأكثر أنه ابن عابر بن شالخ بن أرفشخذ بن سام بن نوح، وقيل هو من ولد هود عليه السلام، وقيل ابن أخيه‏.‏

ويقال إن قحطان أول من تكلم بالعربية وهو والد العرب المتعربة، وأما إسماعيل فهو والد العرب المستعربة، وأما العرب العاربة فكانوا قبل ذلك كعاد وثمود وطسم وجديس وعمليق وغيرهم‏.‏

وقيل‏:‏ إن قحطان أول من قيل له أبيت اللعن وعم صباحا، وزعم الزبير بن بكار إلى أن قحطان من ذرية إسماعيل وأنه قحطان بن الهميسع بن تيم بن نبت بن إسماعيل عليه السلام، وهو ظاهر قول أبي هريرة المتقدم في قصة هاجر حيث قال وهو يخاطب الأنصار ‏"‏ فتلك أمكم يا بني ماء السماء ‏"‏ هذا هو الذي يترجح في نقدي، وذلك أن عدد الآباء بين المشهورين من الصحابة وغيرهم وبين قحطان متقارب من عدد الآباء بين المشهورين من الصحابة وغيرهم وبين عدنان، فلو كان قحطان هو هودا أو ابن أخيه أو قريبا من عصره لكان في عداد عاشر جد لعدنان على المشهور أن بين عدنان وبين إسماعيل أربعة آباء أو خمسة، وأما على القول بأن بين عدنان وإسماعيل نحو أربعين أبا فذاك أبعد، وهو قول غريب عند الأكثر، مع أنه حكاه كثيرون وهو أرجح عند من يقول إن معد بن عدنان كان في عصر بختنصر، وقد وقع في ذلك اضطراب شديد واختلاف متفاوت حتى أعرض الأكثر عن سياق النسب بين عدنان وإسماعيل، وقد جمعت مما وقع لي من ذلك أكثر من عشرة أقوال، فقرأت في كتاب النسب لأبي رؤبة على محمد بن نصر ‏"‏ فذكر فيه فصلا في نسب عدنان فقال‏:‏ قالت طائفة هو ابن أد بن أدد بن زيد بن معد بن مقدم بن هميسع بن نبت بن قيدار بن إسماعيل‏.‏

وقالت طائفة‏:‏ ابن أدد بن هميسع بن نبت بن سلامان بن حمل بن نبت بن قيدار‏.‏

وقالت طائفة‏:‏ ابن أدد بن هميسع المقوم بن ناحور بن يسرح بن يشجب بن مالك بن أيمن بن نبت بن قيدار‏.‏

وقالت طائفة هو ابن أد بن أدد بن الهميسع بن يشجب بن سعد بن بريح بن نمير بن حميل منحيم بن لافث بن الصابوح بن كنانة بن العوام بن نابت بن قيدار‏.‏

وقالت طائفة‏:‏ بين عدنان وإسماعيل أربعون أبا قال‏:‏ واستخرجوا ذلك من كتاب رخيا كاتب أرميا النبي، وكان رخيا قد حمل معد بن عدنان من جزيرة العرب ليالي بختنصر خوفا عليه من معرة الجيش فأثبت نسب معد بن عدنان في كتبه فهو معروف عند علماء أهل الكتاب‏.‏

قال‏:‏ ووجدت طائفة من علماء العرب قد حفظت لمعد أربعين أبا بالعربية إلى إسماعيل، واحتجت في أسمائهم بأشعار من كان عالما بأمر الجاهلية كأمية بن أبي الصلت، قال‏:‏ فقابلته بقول أهل الكتاب فوجدت العدد متفقا واللفظ مختلفا‏.‏

ثم ساق أسماء أربعين أبا بينهما‏.‏

وقد وجدت لغيره حكاية خلاف أزيد مما حكاه، فعند ابن إسحاق أنه عدنان بن أدد بن يشجب بن يعرب بن قندر، وعنه أيضا عدنان بن أد بن مقوم بن ناحور بن يبرح بن يعرب بن يشجب بن نابت بن إسماعيل، وعن إبراهيم بن المنذر هو عدنان بن أد بن أدد بن الهميسع بن نابت بن إسماعيل، وحكاه مرة عن عبد الله بن عمران المدني فزاد فيه بين أدد والهميسع زيدا، وحكى أبو الفرج الأصبهاني عن دغفل النسابة أنه ساق بين عدنان وإسماعيل سبعة وثلاثين أبا فذكرها وهي مغايرة للمذكور قبل‏.‏

وقال هشام بن الكلبي في ‏"‏ كتاب النسب ‏"‏ له ونقله ابن سعد عنه قال‏:‏ أخبرت عن أبي ولم أسمع منه أنه ساق بين عدنان وإسماعيل أربعين أبا‏.‏

قلت‏:‏ فذكرها وفيها مغايرة لما تقدم، قال هشام‏:‏ وأخبرني رجل من أهل تدمر يكنى أبا يعقوب من مسلمي أهل الكتاب وعلمائهم أن رخيا كاتب أرمياء أثبت نسب معد بن عدنان والأسماء التي عنده نحو هذه الأسماء، والخلاف من قبل اللغة‏.‏

قال‏:‏ وسمعت من يقول‏:‏ إن معد بن عدنان كان على عهد عيسى ابن مريم، كذا قال، وحكى الهمداني في الأنساب ما حكاه ابن الكلبي ثم ساق الأسماء سياقة أخرى بأكثر من هذا العدد باثنين ثم قال‏:‏ وهذا مما أنكره، ومما ينبغي أن يعقل ولا يذكر ولا يستعمل بمخالفتها لما هو المشهور بين الناس، كذا قال، والذي ترجح في نظري أن الاعتماد على ما قاله ابن إسحاق أولى، وأولى منه ما أخرجه الحاكم والطبراني، من حديث أم سلمة قالت‏:‏ عدنان هو ابن أد بن زيد بن بري ابن أعراق الثري، وأعراق الثري هو إسماعيل، وهو موافق لما ذكرته آنفا عن إبراهيم بن المنذر عن عبد الله بن عمران، وهو موافق من يقول إن قحطان من ذرية إسماعيل لأنه والحالة هذه يتقارب عدد الآباء بين كل من قحطان وعدنان وبين إسماعيل، وعلى هذا فيكون معد بن عدنان كما قال بعضهم في عهد موسى عليه السلام لا في عهد عيسى عليه السلام، وهذا أولى لأن عدد الآباء بين نبينا وبين عدنان نحو العشرين، فيبعد مع كون المدة التي بين نبينا وبين عيسى عليه السلام كانت ستمائة سنة كما سيأتي في صحيح البخاري مع ما عرف من طول أعمارهم أن يكون معد في زمن عيسى، وإنما رجح من رجح كون بين عدنان وإسماعيل العدد الكثير الذي تقدم مع الاضطراب فيه استبعادهم أن يكون بين معد وهو في عصر عيسى ابن مريم وبين إسماعيل أربعة آباء أو خمسة مع طول المدة، وما فروا منه وقعوا في نظيره كما أشرت إليه، فالأقرب ما حررته وهو إن ثبت أن معد بن عدنان كان في زمن عيسى فالمعتمد أن يكون بينه وبين إسماعيل العدد الكثير من الآباء وإن كان في زمن موسى فالمعتمد أن بينهما العدد القليل، والله أعلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏منهم أسلم بن أفصى‏)‏ بفتح الهمزة وسكون الفاء بعدها مهملة مقصورا، ووقع في رواية الجرجاني أفعى بعين مهملة بدل الصاد وهو تصحيف، وقوله ابن حارثة بن عمرو بن عامر أي ابن حارثة بن امرئ القيس بن ثعلبة بن مازن بن الأزد، قال الرشاطي‏:‏ الأزد جرثومة من جراثيم قحطان، وفيهم قبائل، فمنهم الأنصار وخزاعة وغسان وبارق وغامد والعتيك وغيرهم، وهو الأزد بن الغوث بن نبت بن مالك بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان، وأراد المصنف أن نسب حارثة بن عمرو متصل باليمن، وقد خاطب النبي صلى الله عليه وسلم بني أسلم بأنهم من بني إسماعيل كما في حديث سلمة بن الأكوع الذي في هذا الباب، فدل على أن اليمن من بني إسماعيل‏.‏

وفي هذا الاستدلال نظر لأنه لا يلزم من كون بني أسلم من بني إسماعيل أن يكون جميع من ينسب إلى قحطان من بني إسماعيل لاحتمال أن يكون وقع في أسلم ما وقع في إخوتهم خزاعة من الخلاف هل هم من بني قحطان أو من بني إسماعيل، وقد ذكر ابن عبد البر من طريق القعقاع بن أبي حدرد في حديث الباب ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بناس من أسلم وخزاعة وهم يتناضلون فقال‏:‏ ارموا بني إسماعيل ‏"‏ فعلى هذا فلعل من كان هناك من خزاعة كانوا أكثر فقال ذلك على سبيل التغليب، وأجاب الهمداني النسابة عن ذلك بأن قوله لهم‏:‏ ‏"‏ يا بني إسماعيل ‏"‏ لا يدل على أنهم من ولد إسماعيل من جهة الآباء، بل يحتمل أن يكون ذلك لكونهم من بني إسماعيل من جهة الأمهات، لأن القحطانية والعدنانية قد اختلطوا بالصهارة، فالقحطانية من بني إسماعيل من جهة الأمهات، وقد تقدمت مباحث هذا الحديث في كتاب الجهاد، ومما استدل به على أن اليمن من ولد إسماعيل قول ابن المنذر بن عمرو بن حرام جد حسان بن ثابت‏:‏ ورثنا من البهلول عمرو بن عامر وحارثة الغطريف مجدا مؤثلا مآثر من آل ابن بنت ابن مالك وبنت ابن إسماعيل ما إن تحولا وهذا أيضا مما يمكن تأويله كما قال الهمداني، والله أعلم‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ عَنْ الْحُسَيْنِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ قَالَ حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ يَعْمَرَ أَنَّ أَبَا الْأَسْوَدِ الدِّيلِيَّ حَدَّثَهُ عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لَيْسَ مِنْ رَجُلٍ ادَّعَى لِغَيْرِ أَبِيهِ وَهُوَ يَعْلَمُهُ إِلَّا كَفَرَ وَمَنْ ادَّعَى قَوْمًا لَيْسَ لَهُ فِيهِمْ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب‏)‏ كذا هو بلا ترجمة وهو كالفصل من الباب الذي قبله، ووجه تعلقه به من الحديثين الأولين ظاهر وهو الزجر عن الادعاء إلى غير الأب الحقيقي، لأن اليمن إذا ثبت نسبهم إلى إسماعيل فلا ينبغي لهم أن ينسبوا إلى غيره، وأما الحديث الثالث فله تعلق بأصل الباب وهو أن عبد القيس ليسوا من مضر، وأما الرابع فللإشارة إلى ما وقع في بعض طرقه من الزيادة بذكر ربيعة ومضر‏.‏

فأما حديث أبي ذر فقوله في الإسناد ‏"‏ عن الحسين ‏"‏ هو ابن واقد المعلم، ووقع في رواية مسلم ‏"‏ حدثنا حسين المعلم ‏"‏ وقوله‏:‏ ‏"‏ عن أبي ذر ‏"‏ في رواية الإسماعيلي ‏"‏ حدثني أبو ذر ‏"‏ وفي الإسناد ثلاثة من التابعين في نسق، وقوله‏:‏ ‏"‏ ليس من رجل ‏"‏ من زائدة، والتعبير بالرجل للغالب وإلا فالمرأة كذلك حكمها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ادعى لغير أبيه وهو يعلمه إلا كفر بالله‏)‏ كذا وقع هنا كفر بالله ولم يقع قوله‏:‏ ‏"‏ بالله ‏"‏ في غير رواية أبي ذر ولا في رواية مسلم ولا الإسماعيلي وهو أولى، وإن ثبت ذاك فالمراد من استحل ذلك مع علمه بالتحريم، وعلى الرواية المشهورة فالمراد كفر النعمة، وظاهر اللفظ غير مراد وإنما ورد على سبيل التغليظ والزجر لفاعل ذلك، أو المراد بإطلاق الكفر أن فاعله فعل فعلا شبيها بفعل أهل الكفر، وقد تقدم تقرير هذه المسألة في كتاب الإيمان، وقوله‏:‏ ‏"‏ ومن ادعى قوما ليس له فيهم نسب فليتبوأ مقعده من النار ‏"‏ في رواية مسلم والإسماعيلي ‏"‏ ومن ادعى ما ليس له فليس منا، وليتبوأ مقعده من النار ‏"‏ وهو أعم مما تدل عليه رواية البخاري، على أن لفظة ‏"‏ نسب ‏"‏ وقعت في رواية الكشميهني دون غيره ومع حذفها يبقى متعلق الجار والمجرور محذوفا فيحتاج إلى تقدير، ولفظ نسب أولى ما قدر لوروده في بعض الروايات، وقوله‏:‏ ‏"‏ فليتبوأ ‏"‏ أي ليتخذ منزلا من النار، وهو إما دعاء أو خبر بلفظ الأمر ومعناه هذا جزاؤه إن جوزي، وقد يعفى عنه، وقد يتوب فيسقط عنه، وقد تقدم تقرير ذلك في كتاب الإيمان ‏(‏صوابه كتاب العلم‏)‏ في حديث ‏"‏ من كذب علي ‏"‏ وفي الحديث تحريم الانتفاء من النسب المعروف والادعاء إلى غير، وقيد في الحديث بالعلم ولا بد منه في الحالتين إثباتا ونفيا لأن الإثم إنما يترتب على العالم بالشيء المتعمد له، وفيه جواز إطلاق الكفر على المعاصي لقصد الزجر كما قررناه، ويؤخذ من رواية مسلم تحريم الدعوى بشيء ليس هو للمدعي، فيدخل فيه الدعاوي الباطلة كلها مالا وعلما وتعلما ونسبا وحالا وصلاحا ونعمة وولاء وغير ذلك، ويزداد التحريم بزيادة المفسدة المترتبة على ذلك، واستدل به ابن دقيق العيد للمالكية في تصحيحهم الدعوى على الغائب بغير مسخر لدخول المسخر في دعوى ما ليس له وهو يعلم أنه ليس له، والقاضي الذي يقيمه أيضا يعلم أن دعواه باطلة، قال‏:‏ وليس هذا القانون منصوصا في الشرع حتى يخص به عموم هذا الوعيد، وإنما المقصود إيصال الحق لمستحقه فترك مراعاة هذا القدر، وتحصيل المقصود من إيصال الحق لمستحقه أولى من الدخول تحت هذا الوعيد العظيم‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَيَّاشٍ حَدَّثَنَا حَرِيزٌ قَالَ حَدَّثَنِي عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّصْرِيُّ قَالَ سَمِعْتُ وَاثِلَةَ بْنَ الْأَسْقَعِ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ الْفِرَى أَنْ يَدَّعِيَ الرَّجُلُ إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ أَوْ يُرِيَ عَيْنَهُ مَا لَمْ تَرَ أَوْ يَقُولُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا لَمْ يَقُلْ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا علي بن عياش‏)‏ بتحتانية ومعجمة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا حريز‏)‏ هو بفتح المهملة وكسر الراء وآخره زاي وهو ابن عثمان الحمصي من صغار التابعين، وهذا الإسناد من عوالي البخاري، وشيخه عبد الواحد بن عبد الله النصري بالنون المفتوحة بعدها صاد مهملة وهو دمشقي، واسم جده كعب بن عمير ويقال بسر بن كعب، وهو من بني نصر بن معاوية بن بكر بن هوازن، وهو من صغار التابعين، ففي الإسناد رواية القرين عن القرين، وقد ولي إمرة الطائف لعمر بن عبد العزيز، ثم ولي إمرة المدينة ليزيد بن عبد الملك، وكان محمود السيرة ومات سنة بضع ومائة، وليس له في البخاري سوى هذا الحديث الواحد‏.‏

وقد رواه عنه أيضا زيد بن أسلم وهو أكبر منه سنا ولقاء للمشايخ‏.‏

لكنه أدخل بين عبد الواحد وواثلة عبد الوهاب بن بخت رأيته في مستخرج ابن عبدان على الصحيحين من رواية هشام بن سعد عن زيد وهشام فيه مقال، وهذا عندي من المزيد في متصل الأسانيد، أو هو مقلوب كأنه عن زيد بن أسلم عن عبد الوهاب بن بخت عن عبد الواحد، والله أعلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إن من أعظم الفرا‏)‏ بكسر الفاء مقصور وممدود وهو جمع فرية والفرية الكذب والبهت تقول فرى بفتح الراء فلان كذا إذا اختلق يفري بفتح أوله وافترى اختلق‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أو يري‏)‏ بضم التحتانية أوله وكسر الراء أي يدعي أن عينيه رأتا في المنام شيئا ما رأتاه، ولأحمد وابن حبان والحاكم من وجه آخر عن واثلة ‏"‏ أن يفتري الرجل على عينيه فيقول رأيت ولم ير في المنام شيئا‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أو يقول‏)‏ بفتح التحتانية أوله وضم القاف وسكون الواو‏.‏

وفي رواية المستملي بفتح المثناة والقاف وتثقيل الواو المفتوحة‏.‏

وفي الحديث تشديد الكذب في هذه الأمور الثلاثة وهي الخبر عن الشيء أنه رآه في المنام ولم يكن رآه، والادعاء إلى غير الأب، والكذب على النبي صلى الله عليه وسلم فأما هذا الأخير فتقدم البحث فيه في كتاب العلم، وأما ما يتعلق بالمنام فيأتي في التعبير، وأما الادعاء فتقدم قريبا فيما قبله، وتقدم بيان الحكمة في التشديد فيه، والحكمة في التشديد في الكذب على النبي صلى الله عليه وسلم واضح فإنه إنما يخبر عن الله فمن كذب عليه كذب على الله عز وجل، وقد اشتد النكير على من كذب على الله تعالى في قوله تعالى‏:‏ ‏(‏فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بآياته‏)‏ فسوى بين من كذب عليه وبين الكافر‏.‏

وقال‏:‏ ‏(‏ويوم القيامة ترى الذين كذبوا على الله وجوههم مسودة‏)‏ والآيات في ذلك متعددة، وقد تمسك بعض أهل الجهل بقوله تعالى‏:‏ ‏(‏ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا ليضل الناس بغير علم‏)‏ وجاء في بعض طرق الحديث ‏"‏ من كذب علي ‏"‏ وأما المنام فإنه لما كان جزءا من الوحي كان المخبر عنه بما لم يقع كالمخبر عن الله بما لم يلقه إليه، أو لأن الله يرسل ملك الرؤيا فيرى النائم ما شاء، فإذا أخبر عن ذلك بالكذب يكون كاذبا على الله وعلى الملك، كما أن الذي يكذب على النبي صلى الله عليه وسلم ينسب إليه شرعا لم يقله، والشرع غالبا إنما تلقاه النبي صلى الله عليه وسلم على لسان الملك فيكون الكاذب في ذلك كاذبا على الله وعلى الملك‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ أَبِي جَمْرَةَ قَالَ سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَقُولُ قَدِمَ وَفْدُ عَبْدِ الْقَيْسِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا مِنْ هَذَا الْحَيِّ مِنْ رَبِيعَةَ قَدْ حَالَتْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ كُفَّارُ مُضَرَ فَلَسْنَا نَخْلُصُ إِلَيْكَ إِلَّا فِي كُلِّ شَهْرٍ حَرَامٍ فَلَوْ أَمَرْتَنَا بِأَمْرٍ نَأْخُذُهُ عَنْكَ وَنُبَلِّغُهُ مَنْ وَرَاءَنَا قَالَ آمُرُكُمْ بِأَرْبَعٍ وَأَنْهَاكُمْ عَنْ أَرْبَعٍ الْإِيمَانِ بِاللَّهِ شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ وَأَنْ تُؤَدُّوا إِلَى اللَّهِ خُمْسَ مَا غَنِمْتُمْ وَأَنْهَاكُمْ عَنْ الدُّبَّاءِ وَالْحَنْتَمِ وَالنَّقِيرِ وَالْمُزَفَّتِ

الشرح‏:‏

حديث ابن عباس ‏"‏ قدم وفد عبد القيس ‏"‏ تقدم الكلام عليه في كتاب الإيمان، ويأتي ما يتعلق بالأشربة منه في موضعه إن شاء الله تعالى، وقوله‏:‏ ‏"‏ عن أبي جمرة ‏"‏ هو بالجيم، وقوله‏:‏ ‏"‏ آمركم بأربعة وأنهاكم عن أربعة ‏"‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ بأربع ‏"‏ في الموضعين، والشيء إذا لم يذكر مميزه يجوز تذكيره وتأنيثه، ومناسبة هذا الحديث للترجمة من جهة أن جل العرب هم ربيعة ومضر، ولا خلاف في نسبتهم إلى إسماعيل‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ حَدَّثَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ أَلَا إِنَّ الْفِتْنَةَ هَا هُنَا يُشِيرُ إِلَى الْمَشْرِقِ مِنْ حَيْثُ يَطْلُعُ قَرْنُ الشَّيْطَانِ

الشرح‏:‏

حديث ابن عمر في أن الفتنة من قبل المشرق، وقد تقدم قريبا، ويأتي شرحه في كتاب الفتن أن شاء الله تعالى‏.‏

ومناسبته للترجمة من جهة ذكر المشرق، وكلهم من مضر وربيعة كما تقدم قريبا‏.‏

وفي بعض طرق هذا الحديث ‏"‏ والإيمان يمان ‏"‏ ففيه إشارة إلى ذكر الأصول الثلاثة، فاثنان لا خلاف أنهم من بني إسماعيل وإنما الخلاف في الثالث‏.‏

*3*باب ذِكْرِ أَسْلَمَ وَغِفَارَ وَمُزَيْنَةَ وَجُهَيْنَةَ وَأَشْجَعَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب ذكر أسلم وغفار ومزينة وجهينة وأشجع‏)‏ هذه خمس قبائل كانت في الجاهلية في القوة والمكانة دون بني عامر بن صعصعة وبني تميم بن مر وغيرهما من القبائل، فلما جاء الإسلام كانوا أسرع دخولا فيه من أولئك فانقلب الشرف إليهم بسبب ذلك، فأما أسلم فقد تقدم ذكر نسبهم في الباب الماضي، وأما غفار فبكسر الغين المعجمة وتخفيف الفاء وهم بنو غفار بن مليل بميم ولامين مصغر ابن ضمرة بن بكر بن عبد مناة بن كنانة، وسبق منهم إلى الإسلام أبو ذر الغفاري وأخوه أنيس كما سيأتي شرح ذلك قريبا، ورجع أبو ذر إلى قومه فأسلم الكثير منهم‏.‏

وأما مزينة فبضم الميم وفتح الزاي وسكون التحتانية بعدها نون وهو اسم امرأة عمرو بن أد بن طابخة بالموحدة ثم المعجمة ابن إلياس بن مضر، وهي مزينة بنت كلب بن وبرة، وهي أم أوس وعثمان ابني عمرو، فولد هذين يقال لهم بنو مزينة والمزنيون، ومن قدماء الصحابة منهم عبد الله بن مغفل بن عبد نهم المزني وعمه خزاعي بن عبد نهم وإياس بن هلال وابنه قرة بن إياس وهذا جد القاضي إياس بن معاوية بن قرة وآخرون وأما جهينة فهم بنو جهينة بن زيد بن عقبة بن عامر الجهني وغيره، واختلف في قضاعة فالأكثر أنهم من حمير فيرجع نسبهم إلى قحطان، وقيل هم من ولد معد بن عدنان‏.‏

وأما أشجع فبالمعجمة والجيم وزن أحمر وهم بنو أشجع بن ريث بفتح الراء وسكون التحتانية بعدها مثلثة ابن غطفان بن سعد بن قيس، من مشهوري الصحابة منهم نعيم بن مسعود بن عامر بن أنيف‏.‏

والحاصل أن هذه القبائل الخمس من مضر، أما مزينة وغفار وأشجع فبالاتفاق، وأما أسلم وجهينة فعلى قول ويرجحه أن الذين ذكروا في مقابلهم وهم تميم وأسد وغطفان وهوازن جميعهم من مضر بالاتفاق، وكانت منازل بني أسد بن خزيمة ظاهر مكة حتى وقع بينهم وبين خزاعة فقتل فضالة بن عبادة بن مرارة الأسدي هلال بن أمية الخزاعي فقتلت خزاعة فضالة بصاحبها فنشبت الحرب بينهم فبرحت بنو أسد عن منازلهم فحالفوا غطفان فصار يقال للطائفتين الحليفان أسد وغطفان، وتأخر من بني أسد آل جحش بن رياب فحالفوا بن أمية، فلما أسلم آل جحش وهاجروا احتوى أبو سفيان على دورهم بذلك الحلف، ذكر ذلك عمر بن شبة في ‏"‏ أخبار مكة‏"‏‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هُرْمُزَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُرَيْشٌ وَالْأَنْصَارُ وَجُهَيْنَةُ وَمُزَيْنَةُ وَأَسْلَمُ وَغِفَارُ وَأَشْجَعُ مَوَالِيَّ لَيْسَ لَهُمْ مَوْلًى دُونَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏قريش والأنصار‏)‏ تقدم ذكر قريش، وسيأتي ذكر الأنصار في أوائل الهجرة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏موالي‏)‏ بتشديد التحتانية إضافة إلى النبي صلى الله عليه وسلم أي أنصاري، وهذا هو المناسب هنا وإن كان للموالي عدة معان، ويروى بتخفيف التحتانية والمضاف محذوف أي موالي الله ورسوله، ويدل عليه قوله‏:‏ ‏"‏ ليس لهم مولى دون الله ورسوله ‏"‏ وهذه فضيلة ظاهرة لهؤلاء القبائل، والمراد من آمن منهم، والشرف يحصل للشيء إذا حصل لبعضه، قيل إنما خصوا بذلك لأنهم بادروا إلى الإسلام فلم يسبوا كما سبي غيرهم، وهذا إذا سلم يحمل على الغالب، وقيل‏:‏ المراد بهذا الخبر النهي عن استرقاقهم وأنهم لا يدخلون تحت الرق، وهذا بعيد‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ غُرَيْرٍ الزُّهْرِيُّ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ صَالِحٍ حَدَّثَنَا نَافِعٌ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ عَلَى الْمِنْبَرِ غِفَارُ غَفَرَ اللَّهُ لَهَا وَأَسْلَمُ سَالَمَهَا اللَّهُ وَعُصَيَّةُ عَصَتْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ

الشرح‏:‏

حديث ‏"‏ غفار غفر الله لها‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا محمد بن غرير‏)‏ هو بالمعجمة والراء المكررة مصغر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أن عبد الله‏)‏ هو ابن عمر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏غفار غفر الله لها‏)‏ هو لفظ خبر يراد به الدعاء، ويحتمل أن يكون خبرا على بابه، ويؤيده قوله في آخره‏:‏ ‏"‏ وعصية عصت الله ورسوله ‏"‏ وعصية هم بطن من بني سليم ينسبون إلى عصية بمهملتين مصغر ابن خفاف بضم المعجمة وفاءين مخفف ابن امرئ القيس بن بهثة بضم الموحدة وسكون الهاء بعدها مثلثة ابن سليم، وإنما قال فيهم صلى الله عليه وسلم ذلك لأنهم عاهدوه فغدروا كما سيأتي بيان ذلك في كتاب المغازي في غزوة بئر معونة، وقد تقدمت له طرق في الاستسقاء، وحكى ابن التين أن بني غفار كانوا يسرقون الحاج في الجاهلية فدعا لهم النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن أسلموا ليمحي عنهم ذلك العار، ووقع في هذا الحديث من استعمال جناس الاشتقاق ما يلذ على السمع لسهولته وانسجامه، وهو من الاتفاقات اللطيفة‏.‏

‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ وقع هنا في رواية كريمة وغيرها ‏"‏ باب ابن أخت القوم منهم ‏"‏ وذكر فيه حديث أنس في ذلك، وهو عند ابن ذر قبل ‏"‏ باب قصة الحبش ‏"‏ وسيأتي‏.‏

ووقع بعده أيضا عندهم ‏"‏ باب قصة زمزم ‏"‏ وفيه حديث إسلام أبي ذر، وهو عند أبي ذر بعد ‏"‏ باب قصة خزاعة ‏"‏ وسيأتي شرح هذين البابين في مكانهما إن شاء الله تعالى‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَسْلَمُ سَالَمَهَا اللَّهُ وَغِفَارُ غَفَرَ اللَّهُ لَهَا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا محمد‏)‏ هو ابن سلام، وقرأت بخط مغلطاي‏:‏ قيل هو ابن سلام وقيل ابن يحيى الذهلي، وهذا الثاني وهم فإن الذهلي لم يدرك عبد الوهاب الثقفي، والصواب أنه ابن سلام كما ثبت عند أبي علي بن السكن في غير هذا الحديث، ويحتمل أن يكون ابن حوشب فقد خرج البخاري في تفسير ‏(‏اقتربت‏)‏ وفي الإكراه عن محمد بن عبد الله بن حوشب عن عبد الله الثقفي فهو أولى أن يفسر به من محمد بن يحيى، وقد أخرجه الإسماعيلي وأبو يعلى من طريق محمد بن المثنى عن عبد الوهاب فيحتمل أن يكون هو فإنه من شيوخ البخاري‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن أيوب‏)‏ هو السختياني، ومحمد هو ابن سيرين، وذكر الإسماعيلي عن المنيعي أن عبد الوهاب الثقفي تفرد برواية هذا الحديث عن أيوب‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا ابْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ جُهَيْنَةُ وَمُزَيْنَةُ وَأَسْلَمُ وَغِفَارُ خَيْرًا مِنْ بَنِي تَمِيمٍ وَبَنِي أَسَدٍ وَمِنْ بَنِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ غَطَفَانَ وَمِنْ بَنِي عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ فَقَالَ رَجُلٌ خَابُوا وَخَسِرُوا فَقَالَ هُمْ خَيْرٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ وَمِنْ بَنِي أَسَدٍ وَمِنْ بَنِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ غَطَفَانَ وَمِنْ بَنِي عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏أرأيتم‏)‏ المخاطب بذلك الأقرع بن حابس كما في الرواية التي بعدها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏خيرا من بني تميم‏)‏ أي ابن مر بضم الميم وتشديد الراء ابن أد بضم الألف وتشديد الدال ابن طابخة بن إلياس بن مضر، وفيهم بطون كثيرة جدا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وبني أسد‏)‏ أي ابن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر، وكانوا عددا كثيرا، وقد ظهر مصداق ذلك عقب وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فارتد هؤلاء مع طليحة بن خويلد، وارتد الذين قبلهم وهم بنو تميم مع سجاح‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ومن بني عبد الله بن غطفان‏)‏ بفتح المعجمة ثم المهملة ثم الفاء والتخفيف أي ابن سعد بن قيس عيلان بن مضر، وكان اسم عبد الله بن غطفان في الجاهلية عبد العزى فصيره النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله، وبنوه يعرفون ببني المحولة، ‏(‏ومن بني عامر بن صعصعة‏)‏ أي ابن معاوية بن بكر بن هوازن، وسيأتي نسب هوازن في الحديث الذي بعده‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقال رجل نعم‏)‏ هو الأقرع بن حابس التميمي كما في الرواية التي بعد هذه‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي يَعْقُوبَ قَالَ سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي بَكْرَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ الْأَقْرَعَ بْنَ حَابِسٍ قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا بَايَعَكَ سُرَّاقُ الْحَجِيجِ مِنْ أَسْلَمَ وَغِفَارَ وَمُزَيْنَةَ وَأَحْسِبُهُ وَجُهَيْنَةَ ابْنُ أَبِي يَعْقُوبَ شَكَّ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ أَسْلَمُ وَغِفَارُ وَمُزَيْنَةُ وَأَحْسِبُهُ وَجُهَيْنَةُ خَيْرًا مِنْ بَنِي تَمِيمٍ وَبَنِي عَامِرٍ وَأَسَدٍ وَغَطَفَانَ خَابُوا وَخَسِرُوا قَالَ نَعَمْ قَالَ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّهُمْ لَخَيْرٌ مِنْهُمْ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن محمد بن أبي يعقوب‏)‏ هو محمد بن عبد الله بن أبي يعقوب نسب إلى جده وهو بصري من بني تميم، قال شعبة‏:‏ حدثني محمد بن أبي يعقوب وهو سيد بني تميم وهو ثقة عند الجميع‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أن الأقرع بن حابس‏)‏ بمهملة وموحدة مكسورة وبعدها سين مهملة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إنما بايعك سراق الحجيج‏)‏ بالموحدة وبعد الألف تحتانية‏.‏

وفي رواية بالمثناة وبعد الألف موحدة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ابن أبي يعقوب شك‏)‏ هو مقول شعبة وقد ظهر من الرواية التي قبلها أن لا أثر لشنكه، وأن ذلك ثابت في الخبر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لأخير منهم‏)‏ كذا فيه بوزن أفعل وهي لغة قليلة، والمشهورة ‏"‏ لخير منهم ‏"‏ وثبت كذلك في رواية الترمذي، وإنما كانوا خيرا منهم لأنهم سبقوهم إلى الإسلام، والمراد الأكثر الأغلب‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ أَسْلَمُ وَغِفَارُ وَشَيْءٌ مِنْ مُزَيْنَةَ وَجُهَيْنَةَ أَوْ قَالَ شَيْءٌ مِنْ جُهَيْنَةَ أَوْ مُزَيْنَةَ خَيْرٌ عِنْدَ اللَّهِ أَوْ قَالَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ أَسَدٍ وَتَمِيمٍ وَهَوَازِنَ وَغَطَفَانَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن أبي هريرة رضي الله عنه قال‏:‏ قال أسلم وغفار‏)‏ كذا فيه بحذف فاعل قال الثاني، وهو اصطلاح لمحمد بن سيرين إذا قال عن أبي هريرة قال‏:‏ ‏"‏ قال ‏"‏ ولم يسم قائلا والمراد به النبي صلى الله عليه وسلم وقد نبه على ذلك الخطيب وتبعه ابن الصلاح، وقد أخرج مسلم هذا الحديث عن زهير بن حرب عن ابن علية عن أيوب فقال فيه‏:‏ ‏"‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا أخرجه أحمد من طريق معمر عن أيوب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وشيء من مزينة وجهينة‏)‏ فيه تقييد لما أطلق في حديث أبي بكرة الذي قبله، وكذا في قوله‏:‏ ‏"‏ يوم القيامة ‏"‏ لأن المعتبر بالخير والشر إنما يظهر في ذلك الوقت‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وهوازن وغطفان‏)‏ أما غطفان فتقدم ذكره في حديث أبي هريرة، وأما هوازن فذكرت في حديث أبي هريرة بدل بني عامر بن صعصعة، وبنو عامر بن صعصعة من بني هوازن من غير عكس، فذكر هوازن أشمل من ذكر بني عامر، ومن قبائل هوازن غير بني عامر بنو نصر بن معاوية وبنو سعد بن بكر بن هوازن وثقيف وهو قيس بن منبه بن بكر بن هوازن، والجميع يجمعهم هوازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة - بفتح المعجمة ثم المهملة ثم الفاء والتخفيف - ابن قيس‏.‏

*3*باب ذِكْرِ قَحْطَانَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب ذكر قحطان‏)‏ تقدم القول فيه وهل هو من ذرية إسماعيل أم لا‏؟‏ وإلى قحطان تنتهي أنساب أهل اليمن من حمير وكندة وهمدان وغيرهم‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ عَنْ ثَوْرِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَبِي الْغَيْثِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَخْرُجَ رَجُلٌ مِنْ قَحْطَانَ يَسُوقُ النَّاسَ بِعَصَاهُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن ثور بن زيد‏)‏ هو الديلي المدني، وأبو الغيث شيخه اسمه سالم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لا تقوم الساعة حتى يخرج رجل من قحطان‏)‏ لم أقف على اسمه ولكن جوز القرطبي أن يكون جهجاه الذي وقع ذكره في مسلم من طريق أخرى عن أبي هريرة بلفظ ‏"‏ لا تذهب الأيام والليالي حتى يملك رجل يقال له جهجاه ‏"‏ أخرجه عقب حديث القحطاني‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يسوق الناس بعصاه‏)‏ هو كناية عن الملك، شبهه بالراعي وشبه الناس بالغنم، ونكتة التشبيه التصرف الذي يملكه الراعي في الغنم، وهذا الحديث يدخل في علامات النبوة من جملة ما أخبر به صلى الله عليه وسلم قبل وقوعه ولم يقع بعد، وقد روى نعيم بن حماد في الفتن من طريق أرطأة بن المنذر - أحد التابعين من أهل الشام - أن القحطاني يخرج بعد المهدي ويسير على سيرة المهدي‏.‏

وأخرج أيضا من طريق عبد الرحمن بن قيس بن جابر الصدفي عن أبيه عن جده مرفوعا ‏"‏ يكون بعد المهدي القطحاني، والذي بعثني بالحق ما هو دونه ‏"‏ وهذا الثاني مع كونه مرفوعا ضعيف الإسناد، والأول مع كونه موقوفا أصلح إسنادا منه، فإن ثبت ذلك فهو في زمن عيسى ابن مريم، لما تقدم أن عيسى عليه السلام إذا نزل يجد المهدي إمام المسلمين‏.‏

وفي رواية أرطاة بن المنذر ‏"‏ أن القحطاني يعيش في الملك عشرين سنة ‏"‏ واستشكل ذلك كيف يكون في زمن عيسى يسوق الناس بعصاه والأمر إنما هو لعيسى‏؟‏ ويجاب بجواز أن يقيمه عيسى نائبا عنه في أمور مهمة عامة، وسيأتي مزيد لذلك في كتاب الفتن إن شاء الله تعالى‏.‏

*3*باب مَا يُنْهَى مِنْ دَعْوَةِ الْجَاهِلِيَّةِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب ما ينهى من دعوى الجاهلية‏)‏ ينهى بضم أوله ودعوى الجاهلية الاستغاثة عند إرادة الحرب‏.‏

كانوا يقولون‏:‏ يا آل فلان، فيجتمعون فينصرون القائل ولو كان ظالما، فجاء الإسلام بالنهي عن ذلك، وكأن المصنف أشار إلى ما ورد في بعض طرق جابر المذكور، وهو ما أخرجه إسحاق بن راهويه والمحاملي في ‏"‏ الفوائد الأصبهانية ‏"‏ من طريق أبي الزبير عن جابر قال‏:‏ ‏"‏ اقتتل غلام من المهاجرين وغلام من الأنصار ‏"‏ فذكر الحديث، وفيه ‏"‏ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أدعوى الجاهلية‏؟‏ قالوا لا‏.‏

قال‏:‏ لا بأس، ولينصر الرجل أخاه ظالما أو مظلوما، فإن كان ظالما فلينهه فإنه له نصر ‏"‏ وعرف من هذا أن الاستغاثة ليست حراما وإنما الحرام ما يترتب عليها من دعوى الجاهلية‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ أَخْبَرَنَا مَخْلَدُ بْنُ يَزِيدَ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ غَزَوْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ ثَابَ مَعَهُ نَاسٌ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ حَتَّى كَثُرُوا وَكَانَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ رَجُلٌ لَعَّابٌ فَكَسَعَ أَنْصَارِيًّا فَغَضِبَ الْأَنْصَارِيُّ غَضَبًا شَدِيدًا حَتَّى تَدَاعَوْا وَقَالَ الْأَنْصَارِيُّ يَا لَلْأَنْصَارِ وَقَالَ الْمُهَاجِرِيُّ يَا لَلْمُهَاجِرِينَ فَخَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ مَا بَالُ دَعْوَى أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ ثُمَّ قَالَ مَا شَأْنُهُمْ فَأُخْبِرَ بِكَسْعَةِ الْمُهَاجِرِيِّ الْأَنْصَارِيَّ قَالَ

فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعُوهَا فَإِنَّهَا خَبِيثَةٌ وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ ابْنُ سَلُولَ أَقَدْ تَدَاعَوْا عَلَيْنَا لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ فَقَالَ عُمَرُ أَلَا نَقْتُلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا الْخَبِيثَ لِعَبْدِ اللَّهِ

فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَتَحَدَّثُ النَّاسُ أَنَّهُ كَانَ يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا محمد‏)‏ كذا للجميع غير منسوب، وهو ابن سلام كما جزم به أبو نعيم في ‏"‏ المستخرج‏"‏، وأبو علي الجباني، ويؤيد ذلك ما وقع في ‏"‏ الوصايا ‏"‏ بمثل هذه الطريق، فعند الأكثر حدثنا محمد غير منسوب، وعند أبي ذر حدثنا محمد بن سلام‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏غزونا‏)‏ هذه الغزوة هي غزوة المريسيع‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ثاب معه‏)‏ بمثلثة وموحدة أي اجتمع‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏رجل لعاب‏)‏ أي بطال، وقيل‏:‏ كان يلعب بالحراب كما تصنع الحبشة، وهذا الرجل هو جهجاه بن قيس الغفاري وكان أجير عمر بن الخطاب، والأنصاري هو سنان بن وبرة حليف بني سالم الخزرجي، وسيأتي بيان ذلك في تفسير سورة المنافقين‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فكسع‏)‏ بفتح الكاف والمهملتين أي ضربه على دبره‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حتى تداعوا‏)‏ كذا للأكثر بسكون الواو بصيغة الجمع، وفي بعض النسخ عن أبي ذر ‏"‏ تداعوا ‏"‏ بفتح العين والواو بصيغة التثنية، والمشهور في هذا تداعيا بالياء عوض الواو، وكأنه بقاها على أصلها بالواو‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏دعوها فإنها خبيثة‏)‏ أي دعوى الجاهلية، وقيل‏:‏ الكسعة، والأول هو المعتمد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ألا نقتل‏)‏ بالنون وبالمثناة أيضا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا الخبيث لعبد الله‏)‏ اللام بمعنى عن والتقدير قال عمر يريد عبد الله ألا نقتل هذا الخبيث‏؟‏ وسيأتي بقية شرح هذا الحديث في التفسير إن شاء الله تعالى‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنِي ثَابِتُ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُرَّةَ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ح وَعَنْ سُفْيَانَ عَنْ زُبَيْدٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَيْسَ مِنَّا مَنْ ضَرَبَ الْخُدُودَ وَشَقَّ الْجُيُوبَ وَدَعَا بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏وعن سفيان عن زبيد‏)‏ هو معطوف على قوله‏:‏ ‏"‏ حدثنا سفيان عن الأعمش ‏"‏ وهو موصول وليس بمعلق، وقد تقدم في الجنائز من رواية أبي نعيم عن سفيان عن زبيد، ومن رواية عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان عن الأعمش، فكأنه كان عند ثابت بن محمد عن سفيان عن شيخه، وكأنه سمعه منه مفرقا فحدث به؛ فنقل عنه كذلك‏.‏