فصل: باب إِذَا قَاصَّ أَوْ جَازَفَهُ فِي الدَّيْنِ تَمْرًا بِتَمْرٍ أَوْ غَيْرِهِ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فتح الباري شرح صحيح البخاري **


*3*باب إِذَا قَاصَّ أَوْ جَازَفَهُ فِي الدَّيْنِ تَمْرًا بِتَمْرٍ أَوْ غَيْرِهِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب إذا قاص أو جازفه في الدين‏)‏ أي عند الأداء فهو جائز ‏(‏تمرا بتمر أو غيره‏)‏ قال المهلب‏:‏ لا يجوز عند أحد من العلماء أن يأخذ من له دين تمر من غريمه تمرا مجازفة بدينه لما فيه من الجهل والغرر، وإنما يجوز أن يأخذ مجازفة في حقه أقل من دينه إذا علم الآخذ ذلك ورضي ا هـ‏.‏

وكأنه أراد بذلك الاعتراض على ترجمة البخاري ومراد البخاري ما أثبته المعترض لا ما نفاه، وغرضه بيان أنه يغتفر في القضاء من المعاوضة ما لا يغتفر ابتداء لأن بيع الرطب بالتمر لا يجوز في غير العرايا، ويجوز في المعاوضة عند الوفاء، وذلك بين في حديث الباب، فإنه صلى الله عليه وسلم سأل الغريم أن يأخذ تمر الحائط وهو مجهول القدر في الأوساق التي هي له وهي معلومة، وكان تمر الحائط دون الذي له كما وقع التصريح بذلك في كتاب الصلح من وجه آخر وفيه ‏"‏ فأبوا ولم يروا أن فيه وفاء ‏"‏ وقد أخذ الدمياطي كلام المهلب فاعترض به فقال‏:‏ هذا لا يصح‏.‏

ثم اعتل بنحو ما ذكره المهلب، وتعقبه ابن المنير بنحو ما أجبت به فقال‏:‏ بيع المعلوم بالمجهول مزابنة فإن كان تمرا نحوه فمزابنة وربا، لكن اغتفر ذلك في الوفاء لأن التفاوت متحقق في العرف فيخرج عن كونه مزابنة، وسيأتي الكلام على بقية فوائده في ‏"‏ علامات النبوة ‏"‏ إن شاء الله تعالى‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ حَدَّثَنَا أَنَسٌ عَنْ هِشَامٍ عَنْ وَهْبِ بْنِ كَيْسَانَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّ أَبَاهُ تُوُفِّيَ وَتَرَكَ عَلَيْهِ ثَلَاثِينَ وَسْقًا لِرَجُلٍ مِنْ الْيَهُودِ فَاسْتَنْظَرَهُ جَابِرٌ فَأَبَى أَنْ يُنْظِرَهُ فَكَلَّمَ جَابِرٌ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَشْفَعَ لَهُ إِلَيْهِ فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَلَّمَ الْيَهُودِيَّ لِيَأْخُذَ ثَمَرَ نَخْلِهِ بِالَّذِي لَهُ فَأَبَى فَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّخْلَ فَمَشَى فِيهَا ثُمَّ قَالَ لِجَابِرٍ جُدَّ لَهُ فَأَوْفِ لَهُ الَّذِي لَهُ فَجَدَّهُ بَعْدَمَا رَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَوْفَاهُ ثَلَاثِينَ وَسْقًا وَفَضَلَتْ لَهُ سَبْعَةَ عَشَرَ وَسْقًا فَجَاءَ جَابِرٌ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيُخْبِرَهُ بِالَّذِي كَانَ فَوَجَدَهُ يُصَلِّي الْعَصْرَ فَلَمَّا انْصَرَفَ أَخْبَرَهُ بِالْفَضْلِ فَقَالَ أَخْبِرْ ذَلِكَ ابْنَ الْخَطَّابِ فَذَهَبَ جَابِرٌ إِلَى عُمَرَ فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ لَقَدْ عَلِمْتُ حِينَ مَشَى فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيُبَارَكَنَّ فِيهَا

الشرح‏:‏

قوله في هذا الإسناد ‏"‏ حدثنا أنس ‏"‏ هو ابن عياض أبو ضمرة، وهشام هو ابن عروة، ووهب هو ابن كيسان والإسناد كله مدنيون‏.‏

*3*بَاب مَنْ اسْتَعَاذَ مِنْ الدَّيْنِ

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ ح و حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ حَدَّثَنِي أَخِي عَنْ سُلَيْمَانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عَتِيقٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَخْبَرَتْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَدْعُو فِي الصَّلَاةِ وَيَقُولُ اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْمَأْثَمِ وَالْمَغْرَمِ فَقَالَ لَهُ قَائِلٌ مَا أَكْثَرَ مَا تَسْتَعِيذُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مِنْ الْمَغْرَمِ قَالَ إِنَّ الرَّجُلَ إِذَا غَرِمَ حَدَّثَ فَكَذَبَ وَوَعَدَ فَأَخْلَفَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا أبو اليمان‏)‏ تقدم بهذا الإسناد والمتن في أواخر صفة الصلاة، وسياقه هناك أتم، وتقدم شرحه ثم، والسياق الذي هنا كأنه للإسناد الثاني، ويؤيده أن رواية أبي اليمان المفردة هناك صرح فيها بالإخبار من عروة للزهري وذكر هاهنا بالعنعنة‏.‏

وإسماعيل المذكور هنا هو ابن أبي أويس، وأخوه هو عبد الحميد أبو بكر وهو بكنيته أشهر، وسليمان هو ابن بلال، والإسناد كله مدنيون‏.‏

قال المهلب‏:‏ يستفاد من هذا الحديث سد الذرائع؛ لأنه صلى الله عليه وسلم استعاذ من الدين، لأنه في الغالب ذريعة إلى الكذب في الحديث والخلف في الوعد مع ما لصاحب الدين عليه من المقال ا هـ‏.‏

ويحتمل أن يراد بالاستعاذة من الدين الاستعاذة من الاحتياج إليه حتى لا يقع في هذه الغوائل، أو من عدم القدرة على وفائه حتى لا تبقى تبعته، ولعل ذلك هو السر في إطلاق الترجمة‏.‏

ثم رأيت في حاشية ابن المنير‏:‏ لا تناقض بين الاستعاذة من الدين وجواز الاستدانة، لأن الذي استعيذ منه غوائل الدين، من أدان وسلم منها فقد أعاذه الله وفعل جائزا‏.‏

*3*باب الصَّلَاةِ عَلَى مَنْ تَرَكَ دَيْنًا

الشرح‏:‏

قوله‏.‏

‏(‏باب الصلاة على من ترك دينا‏)‏ قال ابن المنير‏:‏ أراد بهذه الترجمة أن الدين لا يخل بالدين، وأن الاستعاذة منه ليست لذاته بل لما يخشى من غوائله، وأورد الحديث الذي فيه ‏"‏ من ترك دينا فليأتني ‏"‏ وأشار به إلى بقيته وهو أنه كان لا يصلي على من عليه دين، فلما فتحت الفتوح صار يصلي عليه، وقد مضى بتمامه في الكفالة‏.‏

ويأتي بقية شرحه في تفسير الأحزاب وفي الفرائض إن شاء الله تعالى‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ تَرَكَ مَالًا فَلِوَرَثَتِهِ وَمَنْ تَرَكَ كَلًّا فَإِلَيْنَا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏"‏ كلا ‏"‏ بالفتح والتشديد أي عيالا‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ حَدَّثَنَا فُلَيْحٌ عَنْ هِلَالِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَمْرَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَا مِنْ مُؤْمِنٍ إِلَّا وَأَنَا أَوْلَى بِهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ اقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ فَأَيُّمَا مُؤْمِنٍ مَاتَ وَتَرَكَ مَالًا فَلْيَرِثْهُ عَصَبَتُهُ مَنْ كَانُوا وَمَنْ تَرَكَ دَيْنًا أَوْ ضَيَاعًا فَلْيَأْتِنِي فَأَنَا مَوْلَاهُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏"‏ ضياعا ‏"‏ بفتح المعجمة أي عيالا أيضا، قال الخطابي‏:‏ جعل اسما لكل ما هو بصدد أن يضيع من ولد أو خدم، وأنكر الخطابي كسر الضاد، وجوزه غيره على أنه جمع ضائع كجياع وجائع‏.‏

*3*باب مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب مطل الغني ظلم‏)‏ ترجم بلفظ الحديث، وهو طرف من حديث مضى تاما في الحوالة مع الكلام عليه‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ أَخِي وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ

الشرح‏:‏

عبد الأعلى الذي في الإسناد هو ابن عبد الأعلى البصري‏.‏

*3*باب لِصَاحِبِ الْحَقِّ مَقَالٌ

وَيُذْكَرُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيُّ الْوَاجِدِ يُحِلُّ عُقُوبَتَهُ وَعِرْضَهُ قَالَ سُفْيَانُ عِرْضُهُ يَقُولُ مَطَلْتَنِي وَعُقُوبَتُهُ الْحَبْسُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب لصاحب الحق مقال‏)‏ كر فيه حديث أبي هريرة المقدم قريبا وهو نص في ذلك، وذكر الحديث المعلق لما فيه من تفسير المقال، وقد تقدم شرح حديث أبي هريرة قريبا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ويذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ لي الواجد يحل عرضه وعقوبته‏)‏ اللي بالفتح المطل، لوى يلوي‏.‏

والواجد بالجيم الغني، من الوجد بالضم بمعنى القدرة‏.‏

ويحل بضم أوله أي يجوز وصفه بكونه ظالما‏.‏

والحديث المذكور وصله أحمد وإسحاق في مسنديهما وأبو داود والنسائي من حديث عمرو بن الشريد بن أوس الثقفي عن أبيه بلفظه وإسناده حسن، وذكر الطبراني أنه لا يروى إلا بهذا الإسناد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال سفيان‏:‏ عرضه يقول مطلني وعقوبته الحبس‏)‏ وصله البيهقي من طريق الفريابي وهو من شيوخ البخاري عن سفيان بلفظ ‏"‏ عرضه أن يقول مطلني حقي وعقوبته أن يسجن ‏"‏ وقال إسحاق‏:‏ فسر سفيان عرضه أذاه بلسانه‏.‏

وقال أحمد‏:‏ لما رواه وكيع بسنده قال وكيع ‏"‏ عرضه شكايته ‏"‏ وقال كل منهما‏:‏ عقوبته حبسه‏.‏

واستدل به على مشروعية حبس المدين إذا كان قادرا على الوفاء تأديبا له وتشديدا عليه كما سيأتي نقل الخلاف فيه، وبقوله‏:‏ ‏"‏ الواجد ‏"‏ على أن المعسر لا يحبس‏.‏

‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ وقع في الرافعي في المتن المرفوع ‏"‏ لي الواجد ظلم وعقوبته حبسه ‏"‏ وهو تغيير، وتفسير العقوبة بالحبس إنما هو من بعض الرواة كما ترى‏.‏

*3*باب إِذَا وَجَدَ مَالَهُ عِنْدَ مُفْلِسٍ فِي الْبَيْعِ وَالْقَرْضِ وَالْوَدِيعَةِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ

وَقَالَ الْحَسَنُ إِذَا أَفْلَسَ وَتَبَيَّنَ لَمْ يَجُزْ عِتْقُهُ وَلَا بَيْعُهُ وَلَا شِرَاؤُهُ وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ قَضَى عُثْمَانُ مَنْ اقْتَضَى مِنْ حَقِّهِ قَبْلَ أَنْ يُفْلِسَ فَهُوَ لَهُ وَمَنْ عَرَفَ مَتَاعَهُ بِعَيْنِهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب إذا وجد ماله عند مفلس في البيع والقرض والوديعة فهو أحق به‏)‏ المفلس شرعا من تزيد ديونه على موجوده، سمي مفلسا لأنه صار ذا فلوس بعد أن كان ذا دراهم ودنانير إشارة إلى أنه صار لا يملك إلا أدنى الأموال وهي الفلوس، أو سمي بذلك لأنه يمنع التصرف إلا في الشيء التافه كالفلوس لأنهم ما كانوا يتعاملون بها إلا في الأشياء الحقيرة، أو لأنه صار إلى حالة لا يملك فيها فلسا، فعلى هذا فالهمزة في أفلس للسلب، وقوله ‏"‏في البيع ‏"‏ إشارة إلى ما ورد في بعض طرقه نصا، وقوله‏:‏ ‏"‏ والقرض ‏"‏ هو بالقياس عليه أو لدخوله في عموم الخبر وهو قول الشافعي في آخرين، والمشهور عن المالكية التفرقة بين القرض والبيع‏.‏

وقوله‏:‏ ‏"‏ والوديعة ‏"‏ هو بالإجماع‏.‏

وقال ابن المنير‏:‏ أدخل هذه الثلاثة إما لأن الحديث مطلق وإما لأنه وارد في البيع، والآخران أولى لأن ملك الوديعة لم ينتقل، والمحافظة على وفاء من اصطنع بالقرض معروفا مطلوب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال الحسن‏:‏ إذا أفلس وتبين لم يجز عتقه ولا بيعه ولا شراؤه‏)‏ أما قوله‏:‏ ‏"‏ وتبين ‏"‏ فإشارة إلى أنه لا يمنع التصرف قبل حكم الحاكم، وأما العتق فمحله ما إذا أحاط الدين بماله فلا ينفذ عتقه ولا هبته ولا سائر تبرعاته، وأما البيع والشراء فالصحيح من قول العلماء أنهما لا ينفذان أيضا إلا إذا وقع منه البيع لوفاء الدين‏.‏

وقال بعضهم‏:‏ يوقف وهو قول الشافعي، واختلف في إقراره فالجمهور على قبوله وكأن البخاري أشار بأثر الحسن إلى معارضة قول إبراهيم النخعي‏:‏ بيع المحجور وابتياعه جائز‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال سعيد بن المسيب‏:‏ قضى عثمان‏)‏ أي ابن عفان الخ، وصله أبو عبيد في ‏"‏ كتاب الأموال ‏"‏ والبيهقي بإسناد صحيح إلى سعيد ولفظه ‏"‏ أفلس مولى لأم حبيبة فاختصم فيه إلى عثمان فقضى ‏"‏ فذكره وقال فيه ‏"‏ قبل أن يبين إفلاسه ‏"‏ بدل قوله قبل أن يفلس، والباقي سواء‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَخْبَرَهُ أَنَّ أَبَا بَكْرِ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَنْ أَدْرَكَ مَالَهُ بِعَيْنِهِ عِنْدَ رَجُلٍ أَوْ إِنْسَانٍ قَدْ أَفْلَسَ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ مِنْ غَيْرِهِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا زهير‏)‏ هو ابن معاوية الجعفي، ويحيى بن سعيد هو الأنصاري، وفي هذا السند أربعة من التابعين هو أولهم وكلهم ولي القضاء وكلهم سوى أبي بكر بن عبد الرحمن من طبقة واحدة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم‏)‏ هو شك من أحد رواته وأظنه من زهير، فإني لم أر في رواية أحد ممن رواه عن يحيى مع كثرتهم فيه التصريح بالسماع، وهذا مشعر بأنه كان لا يرى الرواية بالمعنى أصلا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏من أدرك ماله بعينه‏)‏ استدل به على أن شرط استحقاق صاحب المال دون غيره أن يجد ماله بعينه لم يتغير ولم يتبدل، وإلا فإن تغيرت العين في ذاتها بالنقص مثلا أو في صفة من صفاتها فهي أسوة للغرماء، وأصرح منه رواية ابن أبي حسين عن أبي بكر بن محمد بسند حديث الباب عند مسلم بلفظ ‏"‏ إذا وجد عنده المتاع ولم يفرقه ‏"‏ ووقع في رواية مالك عن ابن شهاب عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث مرسلا ‏"‏ أيما رجل باع متاعا فأفلس الذي ابتاعه ولم يقيض البائع من ثمنه شيئا فوجده بعينه فهو أحق به ‏"‏ فمفهومه أنه إذا قبض من ثمنه شيئا كان أسوة الغرماء وبه صرح ابن شهاب فيما رواه عبد الرزاق عن معمر عنه، وهذا وإن كان مرسلا فقد وصله عبد الرزاق في مصنفه عن مالك، لكن المشهور عن مالك إرساله، وكذا عن الزهري، وقد وصله الزبيدي عن الزهري أخرجه أبو داود وابن خزيمة وابن الجارود، ولابن أبي شيبة عن عمر بن عبد العزيز أحد رواة هذا الحديث قال‏:‏ ‏"‏ قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أحق به من الغرماء إلا أن يكون اقتضى من ماله شيئا فهو أسوة الغرماء ‏"‏ وإليه يشير اختيار البخاري لاستشهاده بأثر عثمان المذكور، وكذلك رواه عبد الرزاق عن طاوس وعطاء صحيحا وبذلك قال جمهور من أخذ بعموم حديث الباب، إلا أن للشافعي قولا هو الراجح في مذهبه أن لا فرق بين تغير السلعة أو بقائها، ولا بين قبض بعض ثمنها أو عدم قبض شيء منه، على التفاصيل المشروحة في كتب الفروع‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عند رجل أو إنسان‏)‏ شك من الراوي أيضا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قد أفلس‏)‏ أي تبين إفلاسه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فهو أحق به من غيره‏)‏ أي كائنا من كان وارثا وغريما وبهذا قال جمهور العلماء، وخالف الحنفية فتأولوه لكونه خبر واحد خالف الأصول، لأن السلعة صارت بالبيع ملكا للمشتري ومن ضمانه واستحقاق البائع أخذها منه نقض لملكه، وحملوا الحديث على صورة وهي ما إذا كان المتاع وديعة أو عارية أو لقطة، وتعقب بأنه لو كان كذلك لم يقيد بالفلس ولا جعل أحق بها لما يقتضيه صيغة أفعل من الاشتراك، وأيضا فما ذكروه ينتقض بالشفعة، وأيضا فقد ورد التنصيص في حديث الباب على أنه في صورة المبيع، وذلك فيما رواه سفيان الثوري في جامعه وأخرجه من طريقه ابن خزيمة وابن حبان وغيرهما عن يحيى بن سعيد بهذا الإسناد بلفظ ‏"‏ إذا ابتاع الرجل سلعة ثم أفلس وهي عنده بعينها فهو أحق بها من الغرماء ‏"‏ ولابن حبان من طريق هشام بن يحيى المخزومي عن أبي هريرة بلفظ ‏"‏ إذا أفلس الرجل فوجد البائع سلعته ‏"‏ والباقي مثله، ولمسلم في رواية ابن أبي حسين المشار إليها قبل ‏"‏ إذا وجد عنده المتاع أنه لصاحبه الذي باعه ‏"‏ وفي مرسل ابن أبي مليكة عند عبد الرزاق ‏"‏ من باع سلعة من رجل لم ينقده ثم أفلس الرجل فوجدها بعينها فليأخذها من بين الغرماء‏"‏، وفي مرسل مالك المشار إليه ‏"‏ أيما رجل باع متاعا ‏"‏ وكذا هو عند من قدمنا أنه وصله، فظهر أن الحديث وارد في صورة البيع، ويلتحق به القرض وسائر ما ذكر من باب الأولى‏.‏

‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ وقع في الرافعي سياق الحديث بلفظ الثوري الذي قدمته، فقال السبكي في ‏"‏ شرح المنهاج ‏"‏ هذا الحديث أخرجه مسلم بهذا اللفظ وهو صريح في المقصود، فإن اللفظ المشهور أي الذي في البخاري عام أو محتمل، بخلاف لفظ البيع فإنه نص لا احتمال فيه وهو لفظ مسلم، قال‏:‏ وجاء بلفظه بسند آخر صحيح انتهى‏.‏

واللفظ المذكور ما هو في صحيح مسلم وإنما فيه ما قدمته والله المستعان‏.‏

وحمله بعض الحنفية أيضا على ما إذا أفلس المشتري قبل أن يقبض السلعة، وتعقب بقوله في حديث الباب ‏"‏ عند رجل ‏"‏ ولابن حبان من طريق سفيان الثوري عن يحيى بن سعيد ‏"‏ ثم أفلس وهي عنده ‏"‏ وللبيهقي من طريق ابن شهاب عن يحيى ‏"‏ إذا أفلس الرجل وعنده متاع ‏"‏ فلو كان لم يقبضه ما نص في الخبر على أنه عنده، واعتذارهم بكونه خبر واحد فيه نظر، فإنه مشهور من غير هذا الوجه، أخرجه ابن حبان من حديث ابن عمر وإسناده صحيح، وأخرجه أحمد وأبو داود من حديث سمرة وإسناده حسن، وقضى به عثمان وعمر بن عبد العزيز كما مضى، وبدون هذا يخرج الخبر عن كونه فردا غريبا، قال ابن المنذر‏:‏ لا نعرف لعثمان في هذا مخالفا من الصحابة‏.‏

وتعقب بما روى ابن أبي شيبة عن علي أنه أسوة الغرماء، وأجيب بأنه اختلف على علي في ذلك بخلاف عثمان‏.‏

وقال القرطبي في ‏"‏ المفهم ‏"‏‏:‏ تعسف بعض الحنفية في تأويل هذا الحديث بتأويلات لا تقوم على أساس‏.‏

وقال النووي‏:‏ تأوله بتأويلات ضعيفة مردودة انتهى‏.‏

واختلف القائلون في صورة - وهي ما إذا مات ووجدت السلعة - فقال الشافعي‏:‏ الحكم كذلك وصاحب السلعة أحق بها من غيره‏.‏

وقال مالك وأحمد‏:‏ هو أسوة الغرماء، واحتجا بما في مرسل مالك ‏"‏ وإن مات الذي ابتاعه فصاحب المتاع فيه أسوة الغرماء ‏"‏ وفرقوا بين الفلس والموت بأن الميت خربت ذمته فليس للغرماء محل يرجعون إليه فاستووا في ذلك، بخلاف المفلس‏.‏

واحتج الشافعي بما رواه من طريق عمر بن خلدة قاضي المدينة عن أبي هريرة قال‏:‏ ‏"‏ قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أيما رجل مات أو أفلس فصاحب المتاع أحق بمتاعه إذا وجده بعينه ‏"‏ وهو حديث حسن يحتج بمثله، أخرجه أيضا أحمد وأبو داود وابن ماجة وصححه الحاكم، وزاد بعضهم في آخره ‏"‏ إلا أن يترك صاحبه وفاء ‏"‏ ورجحه الشافعي على المرسل وقال‏:‏ يحتمل أن يكون آخره من رأى أبي بكر بن عبد الرحمن، لأن الذين وصلوه عنه لم يذكروا قضية الموت، وكذلك الذين رووا عن أبي هريرة وغيره لم يذكروا ذلك، بل صرح ابن خلدة عن أبي هريرة بالتسوية بين الإفلاس والموت فتعين المصير إليه لأنها زيادة من ثقة‏.‏

وجزم ابن العربي المالكي بأن الزيادة التي في مرسل مالك من قول الراوي، وجمع الشافعي أيضا بين الحديثين بحمل حديث ابن خلدة على ما إذا مات مفلسا، وحديث أبي بكر بن عبد الرحمن على ما إذا مات مليئا والله أعلم‏.‏

ومن فروع المسألة ما إذا أراد الغرماء أو الورثة إعطاء صاحب السلعة الثمن، فقال مالك‏:‏ يلزمه القبول‏.‏

وقال الشافعي وأحمد‏:‏ لا يلزمه ذلك لما فيه من المنة، ولأنه ربما ظهر غريم آخر فزاحمه فيما أخذ‏.‏

وأغرب ابن التين فحكى عن الشافعي أنه قال‏:‏ لا يجوز له ذلك، ليس له إلا سلعته‏.‏

ويلتحق بالمبيع المؤجر فيرجع مكتري الدابة أو الدار إلى عين دابته وداره ونحو ذلك، وهذا هو الصحيح عن الشافعية والمالكية‏.‏

وإدراج الإجارة في هذا الحكم متوقف على أن المنافع يطلق عليها اسم المتاع أو المال، أو يقال اقتضى الحديث أن يكون أحق بالعين، ومن لوازم ذلك الرجوع في المنافع، فثبت بطريق اللزوم‏.‏

واستدل به على حلول الدين المؤجل بالفلس من حيث أن صاحب الدين أدرك متاعه بعينه فيكون أحق به، ومن لوازم ذلك أن يجوز له المطالبة بالمؤجل وهو قول الجمهور، لكن الراجح عند الشافعية أن المؤجل لا يحل بذلك لأن الأجل حق مقصود له فلا يفوت، واستدل به على أن لصاحب المتاع أن يأخذه وهو الأصح من قولي العلماء، والقول الآخر يتوقف على حكم الحاكم كما يتوقف ثبوت الفلس، واستدل به على فسخ البيع إذا امتنع المشتري من أداء الثمن مع قدرته بمطل أو هرب قياسا على الفلس بجامع تعذر الوصول إليه حالا، والأصح من قولي العلماء أنه لا يفسخ، واستدل به على أن الرجوع إنما يقع في عين المتاع دون زوائده المنفصلة لأنها حدثت على ملك المشتري وليست بمتاع البائع‏.‏

والله أعلم‏.‏

*3*باب مَنْ أَخَّرَ الْغَرِيمَ إِلَى الْغَدِ أَوْ نَحْوِهِ وَلَمْ يَرَ ذَلِكَ مَطْلًا

وَقَالَ جَابِرٌ اشْتَدَّ الْغُرَمَاءُ فِي حُقُوقِهِمْ فِي دَيْنِ أَبِي فَسَأَلَهُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَقْبَلُوا ثَمَرَ حَائِطِي فَأَبَوْا فَلَمْ يُعْطِهِمْ الْحَائِطَ وَلَمْ يَكْسِرْهُ لَهُمْ وَقَالَ سَأَغْدُو عَلَيْكَ غَدًا فَغَدَا عَلَيْنَا حِينَ أَصْبَحَ فَدَعَا فِي ثَمَرِهَا بِالْبَرَكَةِ فَقَضَيْتُهُمْ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب من أخر الغريم إلى الغد أو نحوه ولم ير ذلك مطلا‏)‏ ذكر فيه حديث جابر في قصة دين أبيه معلقا، وقد تقدم موصولا قريبا من طريق ابن كعب بن مالك عن جابر، لكنه ليس فيه قوله‏:‏ ‏"‏ ولم يكسره لهم ‏"‏ وذكرها في حديثه في كتاب الهبة كما سيأتي، واستنبط من قوله صلى الله عليه وسلم ‏"‏سأغدو عليكم ‏"‏ جواز تأخير القسمة لانتظار ما فيه مصلحة لمن عليه الدين ولا يعد ذلك مطلا‏.‏

‏(‏تنبيه‏)‏ سقطت هذه الترجمة وحديثها من رواية النسفي، ولم يذكرها ابن بطال ولا أكثر الشراح‏.‏

*3*باب مَنْ بَاعَ مَالَ الْمُفْلِسِ أَوْ الْمُعْدِمِ فَقَسَمَهُ بَيْنَ الْغُرَمَاءِ أَوْ أَعْطَاهُ حَتَّى يُنْفِقَ عَلَى نَفْسِهِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب من باع مال المفلس أو المعدم فقسمه بين الغرماء، أو أعطاه حتى ينفق على نفسه‏)‏ ذكر فيه حديث المدبر مختصرا وسيأتي الكلام عليه في العتق‏.‏

قال ابن بطال‏:‏ لا يفهم من الحديث معنى قوله في الترجمة ‏"‏ فقسمه بين الغرماء ‏"‏ لأن الذي دبر لم يكن له مال غير الغلام كما سيأتي في الأحكام، وليس فيه أنه كان عليه دين، وإنما باعه لأن من سنته أن لا يتصدق المرء بماله كله ويبقى فقيرا‏.‏

ولذلك قال‏:‏ ‏"‏ خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى ‏"‏ انتهى‏.‏

وأجاب ابن المنير بأنه لما احتمل أن يكون باعه عليه لما ذكر الشارح‏.‏

واحتمل أن يكون باعه عليه لكونه مديانا ومال المديان إما أن يقسمه الإمام بنفسه أو يسلمه إلى المديان ليقسمه، فلهذا ترجم على القديرين‏.‏

مع أن أحد الأمرين يخرج من الآخر، لأنه إذا باعه عليه لحق نفسه فلأن يبيعه عليه لحق الغرماء أولى انتهى‏.‏

والذي يظهر لي أن في الترجمة لفا ونشرا، والتقدير من باع مال المفلس فقسمه بين الغرماء، ومن باع مال المعدم فأعطاه حتى ينفق على نفسه‏.‏

و ‏"‏ أو ‏"‏ في الموضعين للتنويع، ويخرج أحدهما من الآخر كما قال ابن المنير، وقد ثبت في بعض طرق حديث جابر في قصة المدبر أنه كان عليه دين أخرجه النسائي وغيره‏.‏

وفي الباب حديث في ذلك أخرجه مسلم وأصحاب السنن من حديث أبي سعيد الخدري وفيه ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ خذوا ما وجدتم وليس لكم إلا ذلك ‏"‏ وذهب الجمهور إلى أن من ظهر فلسه فعلى الحاكم الحجر عليه في ماله حتى يبيعه عليه ويقسمه بين غرمائه على نسبة ديونهم، وخالف الحنفية واحتجوا بقصة جابر حيث قال في دين أبيه ‏"‏ فلم يعطهم الحائط ولم يكسره لهم ‏"‏ ولا حجة فيه لأنه أخر القسمة ليحضر فتحصل البركة في الثمر بحضوره فيحصل الخير للفريقين، وكذلك كان‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ حَدَّثَنَا حُسَيْنٌ الْمُعَلِّمُ حَدَّثَنَا عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ أَعْتَقَ رَجُلٌ غُلَامًا لَهُ عَنْ دُبُرٍ

فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ يَشْتَرِيهِ مِنِّي فَاشْتَرَاهُ نُعَيْمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ فَأَخَذَ ثَمَنَهُ فَدَفَعَهُ إِلَيْهِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب من باع مال المفلس أو المعدم فقسمه بين الغرماء، أو أعطاه حتى ينفق على نفسه‏)‏ ذكر فيه حديث المدبر مختصرا وسيأتي الكلام عليه في العتق‏.‏

قال ابن بطال‏:‏ لا يفهم من الحديث معنى قوله في الترجمة ‏"‏ فقسمه بين الغرماء ‏"‏ لأن الذي دبر لم يكن له مال غير الغلام كما سيأتي في الأحكام، وليس فيه أنه كان عليه دين، وإنما باعه لأن من سنته أن لا يتصدق المرء بماله كله ويبقى فقيرا‏.‏

ولذلك قال‏:‏ ‏"‏ خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى ‏"‏ انتهى‏.‏

وأجاب ابن المنير بأنه لما احتمل أن يكون باعه عليه لما ذكر الشارح‏.‏

واحتمل أن يكون باعه عليه لكونه مديانا ومال المديان إما أن يقسمه الإمام بنفسه أو يسلمه إلى المديان ليقسمه، فلهذا ترجم على القديرين‏.‏

مع أن أحد الأمرين يخرج من الآخر، لأنه إذا باعه عليه لحق نفسه فلأن يبيعه عليه لحق الغرماء أولى انتهى‏.‏

والذي يظهر لي أن في الترجمة لفا ونشرا، والتقدير من باع مال المفلس فقسمه بين الغرماء، ومن باع مال المعدم فأعطاه حتى ينفق على نفسه‏.‏

و ‏"‏ أو ‏"‏ في الموضعين للتنويع، ويخرج أحدهما من الآخر كما قال ابن المنير، وقد ثبت في بعض طرق حديث جابر في قصة المدبر أنه كان عليه دين أخرجه النسائي وغيره‏.‏

وفي الباب حديث في ذلك أخرجه مسلم وأصحاب السنن من حديث أبي سعيد الخدري وفيه ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ خذوا ما وجدتم وليس لكم إلا ذلك ‏"‏ وذهب الجمهور إلى أن من ظهر فلسه فعلى الحاكم الحجر عليه في ماله حتى يبيعه عليه ويقسمه بين غرمائه على نسبة ديونهم، وخالف الحنفية واحتجوا بقصة جابر حيث قال في دين أبيه ‏"‏ فلم يعطهم الحائط ولم يكسره لهم ‏"‏ ولا حجة فيه لأنه أخر القسمة ليحضر فتحصل البركة في الثمر بحضوره فيحصل الخير للفريقين، وكذلك كان‏.‏

*3*باب إِذَا أَقْرَضَهُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى أَوْ أَجَّلَهُ فِي الْبَيْعِ

قَالَ ابْنُ عُمَرَ فِي الْقَرْضِ إِلَى أَجَلٍ لَا بَأْسَ بِهِ وَإِنْ أُعْطِيَ أَفْضَلَ مِنْ دَرَاهِمِهِ مَا لَمْ يَشْتَرِطْ

وَقَالَ عَطَاءٌ وَعَمْرُو بْنُ دِينَارٍ هُوَ إِلَى أَجَلِهِ فِي الْقَرْضِ وَقَالَ اللَّيْثُ حَدَّثَنِي جَعْفَرُ بْنُ رَبِيعَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هُرْمُزَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ ذَكَرَ رَجُلًا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ سَأَلَ بَعْضَ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنْ يُسْلِفَهُ فَدَفَعَهَا إِلَيْهِ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَذَكَرَ الْحَدِيثَ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب إذا أقرضه إلى أجل مسمى أو أجله في البيع‏)‏ أما القرض إلى أجل فهو مما اختلف فيه، والأكثر على جوازه في كل شيء، ومنعه الشافعي‏.‏

وأما البيع إلى أجل فجائز اتفاقا‏.‏

وكأن البخاري احتج للجواز في القرض بالجواز في البيع مع ما استظهر به من أثر ابن عمر وحديث أبي هريرة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال ابن عمر الخ‏)‏ وصله ابن أبي شيبة من طريق المغيرة قال‏:‏ ‏"‏ قلت لابن عمر‏:‏ إني أسلف جيراني إلى العطاء فيقضوني أجود من دراهمي، قال‏:‏ لا بأس به ما لم تشترط‏"‏‏.‏

وروى مالك في ‏"‏ الموطأ ‏"‏ بإسناد صحيح ‏"‏ أن ابن عمر استسلف من رجل دراهم فقضاه خيرا منها ‏"‏ وقد تقدم الكلام على هذا الشق في ‏"‏ باب استقراض الإبل‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال عطاء وعمرو بن دينار‏:‏ هو إلى أجله في القرض‏)‏ وصله عبد الرزاق عن ابن جريج عنهما‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال الليث الخ‏)‏ ذكر طرفا من حديث الذي أسلف ألف دينار، وقد تقدم الكلام عليه مستوفى في ‏"‏ باب الكفالة‏"‏‏.‏

*3*باب الشَّفَاعَةِ فِي وَضْعِ الدَّيْنِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب الشفاعة في وضع الدين‏)‏ أي في تخفيفه، ذكر فيه حديث جابر في دين أبيه، وفيه حديثه في قصة بيع الجمل جمعهما في سياق واحد، والمقصود منه قوله‏:‏ ‏"‏ فطلبت إلى أصحاب الدين أن يضعوا بعضا فأبوا، فاستشفعت بالنبي صلى الله عليه وسلم عليهم فأبوا ‏"‏ الحديث‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُوسَى حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ مُغِيرَةَ عَنْ عَامِرٍ عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ أُصِيبَ عَبْدُ اللَّهِ وَتَرَكَ عِيَالًا وَدَيْنًا فَطَلَبْتُ إِلَى أَصْحَابِ الدَّيْنِ أَنْ يَضَعُوا بَعْضًا مِنْ دَيْنِهِ فَأَبَوْا فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاسْتَشْفَعْتُ بِهِ عَلَيْهِمْ فَأَبَوْا فَقَالَ صَنِّفْ تَمْرَكَ كُلَّ شَيْءٍ مِنْهُ عَلَى حِدَتِهِ عِذْقَ ابْنِ زَيْدٍ عَلَى حِدَةٍ وَاللِّينَ عَلَى حِدَةٍ وَالْعَجْوَةَ عَلَى حِدَةٍ ثُمَّ أَحْضِرْهُمْ حَتَّى آتِيَكَ فَفَعَلْتُ ثُمَّ جَاءَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَعَدَ عَلَيْهِ وَكَالَ لِكُلِّ رَجُلٍ حَتَّى اسْتَوْفَى وَبَقِيَ التَّمْرُ كَمَا هُوَ كَأَنَّهُ لَمْ يُمَسَّ وَغَزَوْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى نَاضِحٍ لَنَا فَأَزْحَفَ الْجَمَلُ فَتَخَلَّفَ عَلَيَّ فَوَكَزَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ خَلْفِهِ قَالَ بِعْنِيهِ وَلَكَ ظَهْرُهُ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلَمَّا دَنَوْنَا اسْتَأْذَنْتُ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي حَدِيثُ عَهْدٍ بِعُرْسٍ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَا تَزَوَّجْتَ بِكْرًا أَمْ ثَيِّبًا قُلْتُ ثَيِّبًا أُصِيبَ عَبْدُ اللَّهِ وَتَرَكَ جَوَارِيَ صِغَارًا فَتَزَوَّجْتُ ثَيِّبًا تُعَلِّمُهُنَّ وَتُؤَدِّبُهُنَّ ثُمَّ قَالَ ائْتِ أَهْلَكَ فَقَدِمْتُ فَأَخْبَرْتُ خَالِي بِبَيْعِ الْجَمَلِ فَلَامَنِي فَأَخْبَرْتُهُ بِإِعْيَاءِ الْجَمَلِ وَبِالَّذِي كَانَ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَوَكْزِهِ إِيَّاهُ فَلَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَدَوْتُ إِلَيْهِ بِالْجَمَلِ فَأَعْطَانِي ثَمَنَ الْجَمَلِ وَالْجَمَلَ وَسَهْمِي مَعَ الْقَوْمِ

الشرح‏:‏

وقوله في هذه الرواية ‏"‏ صنف تمرك ‏"‏ أي اجعل كل صنف وحده، وقوله‏:‏ ‏"‏ على حدة ‏"‏ بكسر الحاء وتخفيف الدال أي على انفراد، وقوله‏:‏ ‏"‏ عذق ابن زيد ‏"‏ بفتح العين وسكون الذال المعجمة نوع جيد من التمر، والعذق بالفتح النخلة، واللين بكسر اللام وسكون التحتانية نوع من التمر، وقيل هو الرديء‏.‏

وقوله‏:‏ ‏"‏ فأزحف ‏"‏ بفتح الهمزة وسكون الزاي وفتح المهملة أي كل وأعيا، وأصله أن البعير إذا تعب يجر رسنه وكأنهم كنوا بقولهم أزحف رسنه أي جره من الإعياء ثم حذفوا المفعول لكثرة الاستعمال‏.‏

وحكى ابن التين أن في بعض النسخ بضم الهمزة وزعم أن الصواب زحف الجمل من الثلاثي، وكأنه لم يقف على ما قدمناه‏.‏

وقوله‏:‏ ‏"‏ ووكزه ‏"‏ كذا للأكثر بالواو أي ضربه بالعصا‏.‏

وفي رواية أبي ذر عن المستملي والحموي ‏"‏ وركزه ‏"‏ بالراء أي ركز فيه العصا والمراد المبالغة في ضربه بها، سيأتي بقية الكلام على دين أبيه في علامات النبوة، وعلى بيع جمله في الشروط إن شاء الله تعالى‏.‏

*3*باب مَا يُنْهَى عَنْ إِضَاعَةِ الْمَالِ

وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ وَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ

وَقَالَ فِي قَوْلِهِ أَصَلَوَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ وَقَالَ وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ وَالْحَجْرِ فِي ذَلِكَ وَمَا يُنْهَى عَنْ الْخِدَاعِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب ما ينهى عن إضاعة المال، وقول الله تبارك وتعالى‏:‏ والله لا يحب الفساد‏)‏ كذا للأكثر، ووقع في رواية النسفي ‏"‏ إن الله لا يحب الفساد ‏"‏ والأول هو الذي وقع في التلاوة‏.‏

قوله ‏(‏ولا يصلح عمل المفسدين‏)‏ كذا للأكثر، ولابن شبويه والنسفي ‏"‏ لا يحب ‏"‏ بدل لا يصلح، قيل وهو سهو، ‏"‏ ووجهه عندي - إن ثبت - أنه لم يقصد التلاوة لأن أصل التلاوة ‏(‏إن الله لا يصلح عمل المفسدين‏)‏ ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال‏:‏ أصلواتك تأمرك أن نترك - إلى قوله - ما نشاء‏)‏ قال المفسرون‏:‏ كان ينهاهم عن إفسادها فقالوا ذلك، أي إن شئنا حفظناها وان شئنا طرحناها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال ‏(‏ولا تؤتوا السفهاء أموالكم‏)‏ الآية‏)‏ قال الطبري بعد أن حكى أقوال المفسرين في المراد بالسفهاء‏:‏ الصواب عندنا أنها عامة في حق كل سفيه صغيرا كان أو كبيرا ذكرا كان أو أنثى، والسفيه هو الذي يضيع المال ويفسده بسوء تدبيره‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏والحجر في ذلك‏)‏ أي في السفه، وهو معطوف على قوله‏:‏ ‏"‏ إضاعة المال ‏"‏ والحجر في اللغة المنع، وفي الشرع المنع من التصرف في المال، فتارة يقع لمصلحة المحجور عليه وتارة لحق غير المحجور عليه، والجمهور على جواز الحجر على الكبير، وخالف أبو حنيفة وبعض الظاهرية ووافق أبو يوسف ومحمد، قال الطحاوي لم أر عن أحد من الصحابة منع الحجر عن الكبير ولا عن التابعين إلا عن إبراهيم النخعي وابن سيرين، ومن حجة الجمهور حديث ابن عباس أنه كتب إلى نجدة ‏"‏ وكتبت تسألني متى ينقضي يتم اليتيم‏؟‏ فلعمري إن الرجل لتنبت لحيته وإنه لضعيف الأخذ لنفسه ضعيف العطاء، فإذا أخذ لنفسه من صالح ما أخذ الناس فقد ذهب عنه اليتم ‏"‏ وهو وإن كان موقوفا فقد ورد ما يؤيده كما سيأتي بعد بابين‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وما ينهى عن الخداع‏)‏ أي في حق من يسيء التصرف في ماله وإن لم يحجر عليه‏.‏

ثم ساق المصنف حديث ابن عمر في قصة الذي كان يخدع في البيوع، وقد تقدم الكلام عليه في ‏"‏ باب ما يكره من الخداع في البيع ‏"‏ من كتاب البيوع، وفيه توجيه الاحتجاج به للحجر على الكبير، ورد قول من احتج به لمنع ذلك والله المستعان‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عُثْمَانُ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ وَرَّادٍ مَوْلَى الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَيْكُمْ عُقُوقَ الْأُمَّهَاتِ وَوَأْدَ الْبَنَاتِ وَمَنَعَ وَهَاتِ وَكَرِهَ لَكُمْ قِيلَ وَقَالَ وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ وَإِضَاعَةَ الْمَالِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثني عثمان‏)‏ هو ابن أبي شيبة، وجرير هو ابن عبد الحميد، ومنصور هو ابن المعتمر، والإسناد كله كوفيون لكن سكن جرير الري، ومنصور وشيخه وشيخ شيخه تابعيون في نسق‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إن الله حرم عليكم عقوق الأمهات‏)‏ يل خص الأمهات بالذكر لأن العقوق إليهن أسرع من الآباء لضعف النساء، ولينبه على أن بر الأم مقدم على بر الأب في التلطف والحنو ونحو ذلك، والمقصود من إيراد هذا الحديث هنا قوله فيه ‏"‏ وإضاعة المال ‏"‏ وقد قال الجمهور‏:‏ إن المراد به السرف في إنفاقه، وعن سعيد بن جبير إنفاقه في الحرام، وسيأتي بقية الكلام عليه في كتاب الأدب إن شاء الله تعالى‏.‏

*3*باب الْعَبْدُ رَاعٍ فِي مَالِ سَيِّدِهِ وَلَا يَعْمَلُ إِلَّا بِإِذْنِهِ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب العبد راع في مال سيده ولا يعمل إلا بإذنه‏)‏ ذكر فيه حديث ابن عمر ‏"‏ كلكم راع ومسئول عن رعيته ‏"‏ وفيه ‏"‏ والخادم في مال سيده وهو مسئول كذا في رواية أبي ذر ولغيره ‏"‏ في مال سيده راع وهو مسئول ‏"‏ ولفظ الترجمة يأتي في النكاح من طريق أيوب عن نافع عن ابن عمر فذكر الحديث وفيه ‏"‏ والعبد راع على مال سيده وهو مسئول ‏"‏ وكأن المصنف استنبط قوله‏:‏ ‏"‏ ولا يعمل إلا بإذنه ‏"‏ من قوله ‏"‏ وهو مسئول ‏"‏ لأن الظاهر أنه يسأل هل جاوز ما أمره به أو وقف عنده‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ كُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ فَالْإِمَامُ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَالرَّجُلُ فِي أَهْلِهِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَالْمَرْأَةُ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا رَاعِيَةٌ وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا وَالْخَادِمُ فِي مَالِ سَيِّدِهِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ قَالَ فَسَمِعْتُ هَؤُلَاءِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَحْسِبُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ وَالرَّجُلُ فِي مَالِ أَبِيهِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ فَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏فسمعت هؤلاء من النبي صلى الله عليه وسلم، وأحسب النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ والرجل راع في مال أبيه‏)‏ هذا ظاهر في أن القائل ‏"‏ وأحسب ‏"‏ هو ابن عمر، وقد قدمت جزم الكرماني في ‏"‏ باب الجمعة في القرى ‏"‏ بأنه يونس الراوي له عن الزهري وتعقبته، وسيأتي الكلام على شرح الحديث في أول الأحكام إن شاء الله تعالى‏.‏