فصل: باب الِاسْتِعَارَةِ لِلْعَرُوسِ عِنْدَ الْبِنَاءِ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فتح الباري شرح صحيح البخاري **


*3*باب مَنْ اسْتَعَارَ مِنْ النَّاسِ الْفَرَسَ وَالدَّابَّةَ وَغَيْرَهَا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب من استعار من الناس الفرس‏)‏ زاد أبو ذر عن مشايخه ‏"‏ والدابة ‏"‏ وزاد عن الكشميهني ‏"‏ وغيرها ‏"‏ وثبت مثله لابن شبويه لكن قال‏:‏ ‏"‏ وغيرهما ‏"‏ بالتثنية، وذكر بعض الشراح ممن أدركناه قبل الباب ‏"‏ كتاب العارية ‏"‏ ولم أره في شيء من النسخ ولا الشروح، والبخاري أضاف العارية إلى الهبة لأنها هبة المنافع‏.‏

والعارية بتشديد التحتانية ويجوز تخفيفها، وحكي عارة براء خفيفة بغير تحتانية، قال الأزهري‏:‏ مأخوذة من عار إذا ذهب وجاء ومنه سمي العيار لأنه يكثر الذهاب والمجيء‏.‏

وقال البطليوسي‏:‏ هي من التعاور وهو التناوب‏.‏

وقال الجوهري‏.‏

منسوبة إلى العار لأن طلبها عار، وتعقب بوقوعها من الشارع ولا عار في فعله، وهذا التعقب وإن كان صحيحا في نفسه لكنه لا يرد على ناقل اللغة، وفعل الشارع في مثل ذلك لبيان الجواز‏.‏

وهي في الشرع هبة المنافع دون الرقبة، ويجوز توقيتها‏.‏

وحكم العارية إذا تلفت في يد المستعير أن يضمنها إلا فيما إذا كان ذلك من الوجه المأذون فيه، هذا قول الجمهور، وعن المالكية والحنفية إن لم يتعد لم يضمن‏.‏

وفي الباب عدة أحاديث ليس فيها شيء على شرط البخاري، أشهرها حديث أبي أمامة أنه ‏"‏ سمع النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع يقول‏:‏ العارية مؤداة، والزعيم غارم ‏"‏ أخرجه أبو داود وحسنه الترمذي وصححه ابن حبان‏.‏

قلت‏:‏ في الاستدلال به نظر، وليس فيه دلالة على التضمين لأن الله تعالى قال‏:‏ ‏(‏إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها‏)‏ وإذا تلفت الأمانة لم يلزم ردها‏.‏

نعم روى الأربعة وصححه الحاكم من حديث الحسن عن سمرة رفعه ‏"‏ على اليد ما أخذت حتى تؤديه ‏"‏ وسماع الحسن من سمرة مختلف فيه، فإن ثبت ففيه حجة لقول الجمهور، والله أعلم‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ سَمِعْتُ أَنَسًا يَقُولُ كَانَ فَزَعٌ بِالْمَدِينَةِ فَاسْتَعَارَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَسًا مِنْ أَبِي طَلْحَةَ يُقَالُ لَهُ الْمَنْدُوبُ فَرَكِبَ فَلَمَّا رَجَعَ قَالَ مَا رَأَيْنَا مِنْ شَيْءٍ وَإِنْ وَجَدْنَاهُ لَبَحْرًا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏كان فزع بالمدينة‏)‏ أي خوف من عدو‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏من أبي طلحة‏)‏ هو زيد بن سهل زوج أم أنس‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يقال له المندوب‏)‏ قيل سمي بذلك من الندب وهو الرهن عند السباق، وقيل لندب كان في جسمه وهو أثر الجرح، زاد في الجهاد من طريق سعيد عن قتادة ‏"‏ كان يقطف أو كان فيه قطاف ‏"‏ كذا فيه بالشك، والمراد أنه كان بطيء المشي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وإن وجدناه لبحرا‏)‏ في رواية المستملي ‏"‏ وإن وجدنا ‏"‏ بحذف الضمير، قال الخطابي‏:‏ إن هي النافية واللام في ‏"‏ لبحرا ‏"‏ بمعنى إلا أي ما وجدناه إلا بحرا، قال ابن التين هذا مذهب الكوفيين، وعند البصريين ‏"‏ أن ‏"‏ مخففة من الثقيلة واللام زائدة، كذا قال، قال الأصمعي‏:‏ يقال للفرس بحر إذا كان واسع الجري، أو لأن جريه لا ينفذ كما لا ينفذ البحر، ويؤيده ما في رواية سعيد عن قتادة ‏"‏ وكان بعد ذلك لا يجارى ‏"‏ وسيأتي في الجهاد، ويأتي الكلام عليه مستوفى هناك إن شاء الله تعالى‏.‏

*3*باب الِاسْتِعَارَةِ لِلْعَرُوسِ عِنْدَ الْبِنَاءِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب الاستعارة للعروس عند البناء‏)‏ أي الزفاف، وقيل له‏:‏ ‏"‏ بناء ‏"‏ لأنهم يبنون لمن يتزوج قبة يخلو بها مع المرأة‏.‏

ثم أطلق ذلك على التزويج‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَيْمَنَ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ دَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا وَعَلَيْهَا دِرْعُ قِطْرٍ ثَمَنُ خَمْسَةِ دَرَاهِمَ فَقَالَتْ ارْفَعْ بَصَرَكَ إِلَى جَارِيَتِي انْظُرْ إِلَيْهَا فَإِنَّهَا تُزْهَى أَنْ تَلْبَسَهُ فِي الْبَيْتِ وَقَدْ كَانَ لِي مِنْهُنَّ دِرْعٌ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَا كَانَتْ امْرَأَةٌ تُقَيَّنُ بِالْمَدِينَةِ إِلَّا أَرْسَلَتْ إِلَيَّ تَسْتَعِيرُهُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا عبد الواحد‏)‏ تقدم بهذا الإسناد في آخر العتق حديث، وفيه شرح حال أيمن والد عبد الواحد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وعليها درع قطر‏)‏ الدرع قميص المرأة وهو مذكر، قال الجوهري‏:‏ ودرع الحديد مؤنثة، وحكى أبو عبيدة أنه أيضا يذكر، ويؤنث‏.‏

والقطر بكسر القاف وسكون المهملة بعدها راء وفي رواية المستملي والسرخسي بضم القاف وآخره نون، والقطر ثياب من غليظ القطن وغيره، وقيل من القطن خاصة، وحكى ابن قرقول أنه في رواية ابن السكن والقابسي بالفاء المكسورة آخره راء وهو ضرب من ثياب اليمن تعرف بالقطرية فيها حمرة، قال البناسي‏:‏ والصواب بالقاف‏.‏

وقال الأزهري الثياب القطرية منسوبة إلى قطر قرية في البحرين فكسروا القاف للنسبة وخففوا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ثمن خمسة دراهم‏)‏ بنصب ثمن بتقدير فعل وخمسة بالخفض على الإضافة أو برفع الثمن وخمسة على حذف الضمير، والتقدير ثمنه خمسة، وروي بضم أوله وتشديد الميم على لفظ الماضي، ونصب خمسة على نزع الخافض، أي قوم بخمسة دراهم‏.‏

ووقع في رواية ابن شبويه وحده ‏"‏ خمسة الدراهم‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إلى جاريتي‏)‏ لم أعرف اسمها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏تزهى‏)‏ بضم أوله أي تأنف أو تتكبر، يقال زهي يزهى إذا دخله الزهو وهو الكبر، ومنه ما أزهاه، وهو من الحروف التي جاءت بلفظ البناء للمفعول وإن كانت بمعنى الفاعل مثل عني بالأمر ونتجت الناقة، قلت‏:‏ ورأيته في رواية أبي ذر ‏"‏ تزهى ‏"‏ بفتح أوله، وقد حكاها ابن دريد‏.‏

وقال الأصمعي‏:‏ لا يقال بالفتح‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏تقين‏)‏ بالقاف أي تزين، من قان الشيء قيانة أي أصلحه، والقينة تقال للماشطة وللمغنية وللأمة مطلقا‏.‏

وحكى ابن التين أنه روي ‏"‏ تفين ‏"‏ بالفاء أي تعرض وتجلى على زوجها‏.‏

قلت‏:‏ ولم يضبط ما بعد الفاء، ورأيته بخط بعض الحفاظ بمثناة فوقانية، قال ابن الجوزي‏:‏ أرادت عائشة رضي الله عنها أنهم كانوا أولا في حال ضيق، وكان الشيء المحتقر عندهم إذ ذاك عظيم القدر‏.‏

وفي الحديث أن عارية الثياب للعروس أمر معمول به مرغب فيه وأنه لا يعد من الشنع‏.‏

وفيه تواضع عائشة، وأمرها في ذلك مشهور‏.‏

وفيه حلم عائشة عن خدمها، ورفقها في المعاتبة، وإيثارها بما عندها مع الحاجة إليه، وتواضعها بأخذها السلفة في حال اليسار مع ما كان مشهورا عنها من الجود رضي الله عنها‏.‏

*3*باب فَضْلِ الْمَنِيحَةِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب فضل المنيحة‏)‏ حذف ‏"‏ باب ‏"‏ من رواية أبي ذر، والمنيحة بالنون والمهملة وزن عظيمة، هي في الأصل العطية، قال أبو عبيد المنيحة عند العرب على وجهين‏:‏ أحدهما أن يعطي الرجل صاحبه صلة فتكون له، والآخر أن يعطيه ناقة أو شاة ينتفع بحلبها ووبرها زمنا ثم يردها، والمراد بها في أول أحاديث الباب هنا عارية ذوات الألبان ليؤخذ لبنها ثم ترد هي لصاحبها‏.‏

وقال القزاز‏:‏ قيل لا تكون المنيحة إلا ناقة أو شاة، والأول أعرف‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ نِعْمَ الْمَنِيحَةُ اللِّقْحَةُ الصَّفِيُّ مِنْحَةً وَالشَّاةُ الصَّفِيُّ تَغْدُو بِإِنَاءٍ وَتَرُوحُ بِإِنَاءٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ وَإِسْمَاعِيلُ عَنْ مَالِكٍ قَالَ نِعْمَ الصَّدَقَةُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏نعم المنيحة اللقحة الصفي منحة‏)‏ اللقحة الناقة ذات اللبن القريبة العهد بالولادة، وهي مكسورة اللام ويجوز فتحها والمعروف أن اللقحة بفتح اللام المرة الواحدة من الحلب، والصفي بفتح الصاد وكسر الفاء أي الكريمة الغزيرة اللبن ويقال لها الصفية أيضا، كذا رواه يحيى بن بكير، وذكر المصنف بعده أن عبد الله بن يوسف وإسماعيل يعني ابن أبي أويس روياه بلفظ ‏"‏ نعم الصدقة اللقحة الصفي منحة ‏"‏ وهذا هو المشهور عن مالك‏.‏

وكذا رواه شعيب عن أبي الزناد كما سيأتي في الأشربة‏.‏

قال ابن التين‏:‏ من روى ‏"‏ نعم الصدقة ‏"‏ روى أحدهما بالمعنى لأن المنحة العطية والصدقة أيضا عطية‏.‏

قلت‏:‏ لا تلازم بينهما فكل صدقة عطية وليس كل عطية صدقة‏.‏

وإطلاق الصدقة على المنحة مجاز، ولو كانت المنحة صدقة لما حلت للنبي صلى الله عليه وسلم، بل هي من جنس الهبة والهدية، وقوله‏:‏ ‏"‏ منحة ‏"‏ منصوب على التمييز، قال ابن مالك‏:‏ فيه وقوع التمييز بعد فاعل نعم ظاهرا، وقد منعه سيبويه إلا مع الإضمار مثل‏:‏ ‏(‏بئس للظالمين بدلا‏)‏ وجوزه المبرد وهو الصحيح‏.‏

وقال أبو البقاء‏:‏ اللقحة هي المخصوصة بالمدح، ومنحة منصوب على التمييز توكيدا وهو كقول الشاعر‏:‏ فنعم الزاد زاد أبيك زادا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏تغدو بإناء وتروح بإناء‏)‏ أي من اللبن، أي تحلب إناء بالغداة وإناء بالعشي‏.‏

ووقع هذا الحديث في رواية مسلم من رواية سفيان عن أبي الزناد بلفظ ‏"‏ ألا رجل يمنح أهل بيت ناقة تغدو بإناء وتروح بإناء إن أجرها لعظيم‏"‏‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ حَدَّثَنَا يُونُسُ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ لَمَّا قَدِمَ الْمُهَاجِرُونَ الْمَدِينَةَ مِنْ مَكَّةَ وَلَيْسَ بِأَيْدِيهِمْ يَعْنِي شَيْئًا وَكَانَتْ الْأَنْصَارُ أَهْلَ الْأَرْضِ وَالْعَقَارِ فَقَاسَمَهُمْ الْأَنْصَارُ عَلَى أَنْ يُعْطُوهُمْ ثِمَارَ أَمْوَالِهِمْ كُلَّ عَامٍ وَيَكْفُوهُمْ الْعَمَلَ وَالْمَئُونَةَ وَكَانَتْ أُمُّهُ أُمُّ أَنَسٍ أُمُّ سُلَيْمٍ كَانَتْ أُمَّ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ فَكَانَتْ أَعْطَتْ أُمُّ أَنَسٍ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِذَاقًا فَأَعْطَاهُنَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمَّ أَيْمَنَ مَوْلَاتَهُ أُمَّ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ فَأَخْبَرَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا فَرَغَ مِنْ قَتْلِ أَهْلِ خَيْبَرَ فَانْصَرَفَ إِلَى الْمَدِينَةِ رَدَّ الْمُهَاجِرُونَ إِلَى الْأَنْصَارِ مَنَائِحَهُمْ الَّتِي كَانُوا مَنَحُوهُمْ مِنْ ثِمَارِهِمْ فَرَدَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أُمِّهِ عِذَاقَهَا وَأَعْطَى رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمَّ أَيْمَنَ مَكَانَهُنَّ مِنْ حَائِطِهِ وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ شَبِيبٍ أَخْبَرَنَا أَبِي عَنْ يُونُسَ بِهَذَا وَقَالَ مَكَانَهُنَّ مِنْ خَالِصِهِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏وليس بأيديهم‏)‏ كذا للجميع‏.‏

وفي رواية الأصيلي وكريمة يعني شيء وثبت لفظ ‏"‏ شيء ‏"‏ في رواية مسلم عن حرملة وأبي الطاهر عن ابن وهب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقاسمهم الأنصار إلخ‏)‏ ظاهره مغاير لقوله في حديث أبي هريرة الماضي في المزارعة ‏"‏ قالت الأنصار للنبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ اقسم بيننا وبين إخواننا النخيل قال لا ‏"‏ والجمع بينهما أن المراد بالمقاسمة هنا القسمة المعنوية، وهي التي أجابهم إليها في حديث أبي هريرة حيث قال‏:‏ ‏"‏ قالوا فيكفوننا المؤنة ونشركهم في الثمر ‏"‏ فكان المراد هنا مقاسمة الثمار والمنفي هناك مقاسمة الأصول‏.‏

وزعم الداودي وأقره ابن التين أن المراد بقوله هنا‏:‏ ‏"‏ قاسمهم الأنصار ‏"‏ أي حالفوهم، جعله من القسم بفتح القاف والمهملة لا من القسم بسكون المهملة، وقد تقدم تعقب ما زعمه في كتاب المزارعة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وكانت أمه أم أنس إلخ‏)‏ الضمير في أمه يعود على أنس وأم أنس بدل منه، وكذا أم سليم‏.‏

وفي رواية مسلم ‏"‏ وكانت أمه أم أنس بن مالك، وهي تدعى أم سليم ‏"‏ وكانت أم عبد الله بن أبي طلحة كان أخا أنس لأمه، والذي يظهر أن قائل ذلك هو الزهري الراوي عن أنس، لكن بقية السياق يقتضي أنه من رواية الزهري عن أنس فيحمل على التجريد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فكانت أعطت أم أنس‏)‏ أي كانت أم أنس أعطت‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عذاقا‏)‏ بكسر المهملة وبذال معجمة خفيفة جمع عذق بفتح ثم سكون كحبل وحبال والعذق النخلة، وقيل إنما يقال لها ذلك إذا كان حملها موجودا، والمراد أنها وهبت له ثمرها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال ابن شهاب‏)‏ هو موصول بالإسناد المذكور، وكذا هو عند مسلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إلى أمه‏)‏ أي إلى أم أنس وهي أم سليم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فأعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم أم أيمن مكانهن‏)‏ أي بدلهن‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏من حائطه‏)‏ أي بستانه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال أحمد بن شبيب أخبرنا أبي عن يونس بهذا‏)‏ أي بالإسناد والمتن‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال مكانهن من خالصه‏)‏ يعني أنه وافق ابن وهب في السياق إلا في قوله ‏"‏ من حائطه ‏"‏ فقال‏:‏ ‏"‏ من خالصه ‏"‏ أي من خالص ماله، قال ابن التين‏:‏ المعنى واحد لأن حائطه صار له خالصا‏.‏

قلت‏:‏ لكن لفظ ‏"‏ خالصه ‏"‏ أصرح في الاختصاص من حائطه، وطريق أحمد بن شبيب هذه وصلها البرقاني في ‏"‏ المصافحة ‏"‏ من طريق محمد بن علي الصائغ عن أحمد بن شبيب المذكور مثله، زاد مسلم في آخر الحديث ‏"‏ قال ابن شهاب‏:‏ وكان من شأن أم أيمن أنها كانت وصيفة لعبد الله بن عبد المطلب، وكانت من الحبشة، فلما ولدت آمنة رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدما توفي أبوه كانت أم أيمن تحضنه حتى كبر فأعتقها ثم أنكحها زيد بن حارثة، وتوفيت بعده صلى الله عليه وسلم بخمسة أشهر، وسيأتي في المغازي ذكر سبب إعطاء رسول الله صلى الله عليه وسلم لأم أيمن بدل العذاق، وفيه زيادة على رواية الزهري فإنه أخرج من طريق سليمان التيمي عن أنس قال‏:‏ ‏"‏ كان الرجل يجعل للنبي صلى الله عليه وسلم النخلات ‏"‏ الحديث، وفيه‏:‏ ‏"‏ وإن أهلي أمروني أن أسأل النبي صلى الله عليه وسلم الذي كانوا أعطوه‏.‏

وكان قد أعطاه أم أيمن، فجاءت أم أيمن فجعلت الثوب في عنقي تقول‏:‏ لا نعطيكم وقد أعطانيه، قال والنبي صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ لك كذا حتى أعطاها عشرة أمثاله ‏"‏ أو كما قال‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ حَدَّثَنَا الْأَوْزَاعِيُّ عَنْ حَسَّانَ بْنِ عَطِيَّةَ عَنْ أَبِي كَبْشَةَ السَّلُولِيِّ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَعُونَ خَصْلَةً أَعْلَاهُنَّ مَنِيحَةُ الْعَنْزِ مَا مِنْ عَامِلٍ يَعْمَلُ بِخَصْلَةٍ مِنْهَا رَجَاءَ ثَوَابِهَا وَتَصْدِيقَ مَوْعُودِهَا إِلَّا أَدْخَلَهُ اللَّهُ بِهَا الْجَنَّةَ قَالَ حَسَّانُ فَعَدَدْنَا مَا دُونَ مَنِيحَةِ الْعَنْزِ مِنْ رَدِّ السَّلَامِ وَتَشْمِيتِ الْعَاطِسِ وَإِمَاطَةِ الْأَذَى عَنْ الطَّرِيقِ وَنَحْوِهِ فَمَا اسْتَطَعْنَا أَنْ نَبْلُغَ خَمْسَ عَشْرَةَ خَصْلَةً

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن حسان بن عطية‏)‏ في رواية أحمد عن الوليد ‏"‏ حدثنا الأوزاعي حدثنا حسان بن عطية‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن أبي كبشة‏)‏ في رواية أحمد المذكورة ‏"‏ حدثني أبو كبشة ‏"‏ وهو بفتح الكاف وسكون الموحدة بعدها معجمة ‏(‏السلولي‏)‏ بفتح المهملة وتخفيف اللام المضمومة بعدها واو ساكنة ثم لام لا يعرف اسمه، وزعم الحاكم أن اسمه البراء بن قيس، ووهمه عبد الغني بن سعيد وبين أنه غيره، وليس لأبي كبشة ولا للراوي عنه حسان بن عطية في البخاري سوى هذا الحديث، وآخر في أحاديث الأنبياء‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏)‏ في رواية أحمد ‏"‏ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أربعون خصلة‏)‏ في رواية أحمد ‏"‏ أربعون حسنة‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏العنز‏)‏ بفتح المهملة وسكون النون بعدها زاي معروفة وهي واحدة المعز‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال حسان‏)‏ هو ابن عطية راوي الحديث، وهو موصول بالإسناد المذكور، قال ابن بطال ما ملخصه‏:‏ ليس في قول حسان ما يمنع من وجدان ذلك وقد حض صلى الله عليه وسلم على أبواب من أبواب الخير والبر لا تحصى كثيرة‏.‏

ومعلوم أنه صلى الله عليه وسلم كان عالما بالأربعين المذكورة إنما لم يذكرها لمعنى هو أنفع لنا من ذكرها، وذلك خشية أن يكون التعيين لها مزهدا في غيرها من أبواب البر، قال‏:‏ وقد بلغني أن بعضهم تطلبها فوجدها تزيد على الأربعين، فمما زاده إعانة الصانع، والصنعة للأخرق، وإعطاء شسع النعل، والستر على المسلم، والذب عن عرضه، وإدخال السرور عليه، والتفسح في المجلس، والدلالة على الخير، والكلام الطيب، والغرس، والزرع، والشفاعة، وعيادة المريض، والمصافحة، والمحبة في الله، والبغض لأجله، والمجالسة لله، والتزاور، والنصح، والرحمة - وكلها في الأحاديث الصحيحة، وفيها ما قد ينازع في كونه دون منيحة العنز، وحذفت مما ذكره أشياء قد تعقب ابن المنير بعضها وقال‏:‏ الأولى أن لا يعتنى بعدها لما تقدم‏.‏

وقال الكرماني‏:‏ جميع ما ذكره رجم بالغيب، ثم إني عرف أنها أدنى من المنيحة‏؟‏ قلت‏.‏

وإنما أردت بما ذكرته منها تقريب الخمس عشرة التي عدها حسان بن عطية، وهي إن شاء الله تعالى لا تخرج عما ذكرته، ومع ذلك فأنا موافق لابن بطال في إمكان تتبع أربعين خصلة من خصال الخير أدناها منيحة العنز، وموافق لابن المنير في رد كثير مما ذكره ابن بطال مما هو ظاهر أنه فوق المنيحة، والله أعلم‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا الْأَوْزَاعِيُّ قَالَ حَدَّثَنِي عَطَاءٌ عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كَانَتْ لِرِجَالٍ مِنَّا فُضُولُ أَرَضِينَ فَقَالُوا نُؤَاجِرُهَا بِالثُّلُثِ وَالرُّبُعِ وَالنِّصْفِ

فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ كَانَتْ لَهُ أَرْضٌ فَلْيَزْرَعْهَا أَوْ لِيَمْنَحْهَا أَخَاهُ فَإِنْ أَبَى فَلْيُمْسِكْ أَرْضَهُ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا الْأَوْزَاعِيُّ حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ حَدَّثَنِي عَطَاءُ بْنُ يَزِيدَ حَدَّثَنِي أَبُو سَعِيدٍ قَالَ جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَهُ عَنْ الْهِجْرَةِ فَقَالَ وَيْحَكَ إِنَّ الْهِجْرَةَ شَأْنُهَا شَدِيدٌ فَهَلْ لَكَ مِنْ إِبِلٍ قَالَ نَعَمْ قَالَ فَتُعْطِي صَدَقَتَهَا قَالَ نَعَمْ قَالَ فَهَلْ تَمْنَحُ مِنْهَا شَيْئًا قَالَ نَعَمْ قَالَ فَتَحْلُبُهَا يَوْمَ وِرْدِهَا قَالَ نَعَمْ قَالَ فَاعْمَلْ مِنْ وَرَاءِ الْبِحَارِ فَإِنَّ اللَّهَ لَنْ يَتِرَكَ مِنْ عَمَلِكَ شَيْئًا

الشرح‏:‏

حديث جابر ‏"‏ كانت لرجال منا فضول أرضين ‏"‏ تقدم في المزارعة مع الكلام عليه، والغرض منه هنا قوله‏:‏ ‏"‏ أو ليمنحها أخاه‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال محمد بن يوسف‏)‏ يحتمل أن يكون معطوفا على الذي قبله فيكون موصولا، لكن صرح الإسماعيلي وأبو نعيم بأنه لم يذكر فيه الخبر، ويؤيده أنه أورده في الهجرة موصولا من طريق الوليد بن مسلم قال‏:‏ ‏"‏ وقال محمد بن يوسف ‏"‏ كلاهما عن الأوزاعي، فلو أراد هنا أن يعطفه لقال هناك ‏"‏ حدثنا محمد بن يوسف ‏"‏ كعادته‏.‏

نعم زعم المزي أنه أخرجه في الهبة ‏"‏ عن محمد بن يوسف ‏"‏ وفي الهجرة ‏"‏ وقال محمد بن يوسف ‏"‏ فالله أعلم‏.‏

وقد وصله الإسماعيلي وأبو نعيم من طريق محمد بن يوسف المذكور، وسيأتي شرحه في الهجرة إن شاء الله تعالى‏.‏

والغرض منه قوله‏:‏ ‏"‏ فهل تمنح منها شيئا‏؟‏ قال‏:‏ نعم ‏"‏ فإن فيه إثبات فضيلة المنيحة، وقوله‏:‏ ‏"‏ لن يترك ‏"‏ أي لن ينقصك‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ عَمْرٍو عَنْ طَاوُسٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَعْلَمُهُمْ بِذَاكَ يَعْنِي ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ إِلَى أَرْضٍ تَهْتَزُّ زَرْعًا فَقَالَ لِمَنْ هَذِهِ فَقَالُوا اكْتَرَاهَا فُلَانٌ فَقَالَ أَمَا إِنَّهُ لَوْ مَنَحَهَا إِيَّاهُ كَانَ خَيْرًا لَهُ مِنْ أَنْ يَأْخُذَ عَلَيْهَا أَجْرًا مَعْلُومًا

الشرح‏:‏

حديث ابن عباس، وقد تقدم في المزارعة أيضا، والمراد منه هنا ما دل من قوله‏:‏ ‏"‏ لو منحها إياه كان خيرا له ‏"‏ على فضل المنيحة‏.‏

*3*باب إِذَا قَالَ أَخْدَمْتُكَ هَذِهِ الْجَارِيَةَ عَلَى مَا يَتَعَارَفُ النَّاسُ فَهُوَ جَائِزٌ

وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ هَذِهِ عَارِيَّةٌ وَإِنْ قَالَ كَسَوْتُكَ هَذَا الثَّوْبَ فَهُوَ هِبَةٌ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب إذا قال أخدمتك هذه الجارية على ما يتعارف الناس فهو جائز‏.‏

وقال بعض الناس‏:‏ هذه عارية، وإن قال كسوتك هذا الثوب فهذه هبة‏)‏ أورد فيه طرفا من حديث أبي هريرة في قصة إبراهيم وهاجر وقال فيه ‏"‏ وأخدم وليدة ‏"‏ قال‏:‏ وقال ابن سيرين عن أبي هريرة‏:‏ ‏"‏ فأخدمها هاجر ‏"‏ وسيأتي موصولا في أحاديث الأنبياء مع الكلام عليه، قال ابن بطال‏:‏ لا أعلم خلافا أن من قال أخدمتك هذه الجارية أنه قد وهب له الخدمة خاصة، فإن الإخدام لا يقتضي تمليك الرقبة، كما أن الإسكان لا يقتضي تمليك الدار‏.‏

قال‏:‏ واستدلاله بقوله‏:‏ ‏"‏ فأخدمها هاجر ‏"‏ على الهبة لا يصح، وإنما صحت الهبة في هذه القصة من قوله‏:‏ ‏"‏ فأعطوها هاجر ‏"‏ قال‏:‏ ولم يختلف العلماء فيمن قال‏:‏ كسوتك هذا الثوب مدة معينة أن له شرطه، وإن لم يذكر أجلا فهو هبة، وقد قال تعالى‏:‏ ‏(‏فكفارته إطعام عشرة مساكين‏)‏ أو كسوتهم، ولم تختلف الأمة أن ذلك تمليك للطعام والكسوة انتهى‏.‏

والذي يظهر أن البخاري لا يخالف ما ذكره عند الإطلاق، وإنما مراده أنه إن وجدت قرينة تدل على العرف حمل عليها، وإلا فهو على الوضع في الموضعين، فإن كان جرى بين قوم عرف في تنزيل الإخدام منزلة الهبة فأطلقه شخص وقصد التمليك نفذ، ومن قال هي عارية في كل حال فقد خالفه، والله أعلم‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ هَاجَرَ إِبْرَاهِيمُ بِسَارَةَ فَأَعْطَوْهَا آجَرَ فَرَجَعَتْ فَقَالَتْ أَشَعَرْتَ أَنَّ اللَّهَ كَبَتَ الْكَافِرَ وَأَخْدَمَ وَلِيدَةً وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْدَمَهَا هَاجَرَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب إذا قال أخدمتك هذه الجارية على ما يتعارف الناس فهو جائز‏.‏

وقال بعض الناس‏:‏ هذه عارية، وإن قال كسوتك هذا الثوب فهذه هبة‏)‏ أورد فيه طرفا من حديث أبي هريرة في قصة إبراهيم وهاجر وقال فيه ‏"‏ وأخدم وليدة ‏"‏ قال‏:‏ وقال ابن سيرين عن أبي هريرة‏:‏ ‏"‏ فأخدمها هاجر ‏"‏ وسيأتي موصولا في أحاديث الأنبياء مع الكلام عليه، قال ابن بطال‏:‏ لا أعلم خلافا أن من قال أخدمتك هذه الجارية أنه قد وهب له الخدمة خاصة، فإن الإخدام لا يقتضي تمليك الرقبة، كما أن الإسكان لا يقتضي تمليك الدار‏.‏

قال‏:‏ واستدلاله بقوله‏:‏ ‏"‏ فأخدمها هاجر ‏"‏ على الهبة لا يصح، وإنما صحت الهبة في هذه القصة من قوله‏:‏ ‏"‏ فأعطوها هاجر ‏"‏ قال‏:‏ ولم يختلف العلماء فيمن قال‏:‏ كسوتك هذا الثوب مدة معينة أن له شرطه، وإن لم يذكر أجلا فهو هبة، وقد قال تعالى‏:‏ ‏(‏فكفارته إطعام عشرة مساكين‏)‏ أو كسوتهم، ولم تختلف الأمة أن ذلك تمليك للطعام والكسوة انتهى‏.‏

والذي يظهر أن البخاري لا يخالف ما ذكره عند الإطلاق، وإنما مراده أنه إن وجدت قرينة تدل على العرف حمل عليها، وإلا فهو على الوضع في الموضعين، فإن كان جرى بين قوم عرف في تنزيل الإخدام منزلة الهبة فأطلقه شخص وقصد التمليك نفذ، ومن قال هي عارية في كل حال فقد خالفه، والله أعلم‏.‏

*3*باب إِذَا حَمَلَ رَجُلًا عَلَى فَرَسٍ فَهُوَ كَالْعُمْرَى وَالصَّدَقَةِ

وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِيهَا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب إذا حمل رجلا على فرس فهو كالعمرى والصدقة‏.‏

وقال بعض الناس‏:‏ له أن يرجع فيها‏)‏ أورد فيه حديث عمر ‏"‏ حملت على فرس ‏"‏ مختصرا، وقد تقدم الكلام عليه قبل أبواب‏.‏

قال ابن بطال‏:‏ ما كان من الحمل على الخيل تمليكا للمحمول عليه بقوله هو لك فهو كالصدقة، فإذا قبضها لم يجز الرجوع فيها، وما كان منه تحبيسا في سبيل الله فهو كالوقف لا يجوز الرجوع فيه عند الجمهور، وعن أبي حنيفة أن الحبس باطل في كل شيء انتهى‏.‏

والذي يظهر أن البخاري أراد الإشارة إلى الرد على من قالا بجواز الرجوع في الهبة، ولو كانت للأجنبي، وإلا فقد قدمنا تقرير أن الحمل المذكور في قصة عمر كان تمليكا، وأن قول من قال كان تحبيسا احتمال بعيد والله أعلم‏.‏

وسيأتي مزيد بسط لذلك قريبا في كتاب الوقف إن شاء الله تعالى‏.‏

‏(‏خاتمة‏)‏ اشتمل كتاب الهبة وما معها من أحاديث العمرى والعارية على تسعة وتسعين حديثا مائة إلا واحد، المعلق منها ثلاثة وعشرون والبقية موصولة، المكرر منها فيه وفيما مضى ثمانية وستون حديثا والخالص أحد وثلاثون، وافقه مسلم على تخريجها سوى حديث أبي هريرة ‏"‏ لو دعيت إلى كراع ‏"‏ وحديث أم سلمة في الهدية، وحديث أنس في الطيب، وحديث عائشة ‏"‏ كان يقبل الهدية ‏"‏ وحديث ابن عباس ‏"‏ من أهديت له هدية فجلساؤه شركاؤه ‏"‏ وحديث ابن عمر في قصة فاطمة في ستر بابها، وحديث ابن عمر في قصة صهيب، وحديث عائشة في الدرع، وحديث عبد الله بن عمرو بن العاص في الأربعين خصلة‏.‏

وفيه من الآثار عن الصحابة ومن بعدهم ثلاثة عشر أثرا‏.‏

والله أعلم‏.‏