فصل: باب التَّسْلِيمِ وَالِاسْتِئْذَانِ ثَلَاثًا

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فتح الباري شرح صحيح البخاري **


*3*باب السَّلَامِ لِلْمَعْرِفَةِ وَغَيْرِ الْمَعْرِفَةِ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب السلام للمعرفة وغير المعرفة‏)‏ أي من يعرفه المسلم ومن لا يعرفه، أي لا يخص بالسلام من يعرفه دون من لا يعرفه‏.‏

وصدر الترجمة لفظ حديث أخرجه البخاري في ‏"‏ الأدب المفرد ‏"‏ بسند صحيح عن ابن مسعود أنه ‏"‏ مر برجل فقال السلام عليك يا أبا عبد الرحمن، فرد عليه ثم قال‏:‏ إنه سيأتي على الناس زمان يكون السلام فيه للمعرفة ‏"‏ وأخرجه الطحاوي والطبراني والبيهقي في ‏"‏ الشعب ‏"‏ من وجه آخر عن ابن مسعود مرفوعا ولفظه‏:‏ ‏"‏ إن من أشراط الساعة أن يمر الرجل بالمسجد لا يصلي فيه، وأن لا يسلم إلا على من يعرفه ‏"‏ ولفظ الطحاوي ‏"‏ إن من أشراط الساعة السلام للمعرفة‏"‏‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ قَالَ حَدَّثَنِي يَزِيدُ عَنْ أَبِي الْخَيْرِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّ الْإِسْلَامِ خَيْرٌ قَالَ تُطْعِمُ الطَّعَامَ وَتَقْرَأُ السَّلَامَ عَلَى مَنْ عَرَفْتَ وَعَلَى مَنْ لَمْ تَعْرِفْ

الشرح‏:‏

حديث عبد الله بن عمر، قوله ‏(‏حدثني يزيد‏)‏ هو ابن أبي حبيب كما ذكر في رواية قتيبة عن الليث في كتاب الإيمان‏.‏

قوله ‏(‏عن أبي الخير‏)‏ هو مرثد بفتح الميم والمثلثة بينهما راء ساكنة وآخره دال مهملة والإسناد كله بصريون، وقد تقدم شرح الحديث في أوائل كتاب الإيمان، قال النووي معنى قوله ‏"‏ على من عرفت ومن لم تعرف ‏"‏ تسلم على من لقيته ولا تخص ذلك بمن تعرف، وفي ذلك إخلاص العمل لله واستعمال التواضع وإفشاء السلام الذي هو شعار هذه الأمة قلت‏:‏ وفيه من الفوائد أنه لو ترك السلام على من لم يعرف احتمل أن يظهر أنه من معارفه، فقد يوقعه في الاستيحاش منه، قال‏:‏ وهذا العموم مخصوص بالمسلم، فلا يبتدئ السلام على كافر‏.‏

قلت‏:‏ قد تمسك به من أجاز ابتداء الكافر بالسلام، ولا حجة فيه لأن الأصل مشروعية السلام للمسلم فيحمل قوله ‏"‏ من عرفت عليه ‏"‏ وأما ‏"‏ من لم تعرف ‏"‏ فلا دلالة فيه، بل إن عرف أنه مسلم فذاك وإلا فلو سلم احتياطا لم يمتنع حتى يعرف أنه كافر‏.‏

وقال ابن بطال في مشروعية السلام على غير المعرفة استفتاح للمخاطبة للتأنيس ليكون المؤمنون كلهم إخوة فلا يستوحش أحد من أحد، وفي التخصيص ما قد يوقع في الاستيحاش، ويشبه صدود المتهاجرين المنهي عنه‏.‏

وأورد الطحاوي في ‏"‏ المشكل ‏"‏ حديث أبي ذر في قصة إسلامه وفيه ‏"‏ فانتهيت إلى النبي صلى الله عليه وسلم - وقد صلى هو وصاحبه - فكنت أول من حياه بتحية الإسلام ‏"‏ قال الطحاوي وهذا لا ينافي حديث ابن مسعود في ذم السلام للمعرفة، لاحتمال أن يكون أبو ذر سلم على أبي بكر قبل ذلك، أو لأن حاجته كانت عند النبي صلى الله عليه وسلم دون أبي بكر‏.‏

قلت‏:‏ والاحتمال الثاني لا يكفي في تخصيص السلام، وأقرب منه أن يكون ذلك قبل تقرير الشرع بتعميم السلام، وقد ساق مسلم قصة إسلام أبي ذر بطولها ولفظه ‏"‏ وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى استلم الحجر وطاف بالبيت هو وصاحبه ثم صلى فلما قضى صلاته قال أبو ذر‏:‏ فكنت أول من حياه بتحية السلام فقال‏:‏ وعليك ورحمة الله ‏"‏ الحديث وفي لفظ قال ‏"‏ وصلى ركعتين خلف المقام فأتيته فإني لأول الناس حياه بتحية الإسلام فقال‏:‏ وعليك السلام‏.‏

من أنت ‏"‏‏؟‏ وعلى هذا فيحتمل أن يكون أبو بكر توجه بعد الطواف إلى منزله ودخل النبي صلى الله عليه وسلم منزله فدخل عليه أبو ذر وهو وحده، ويزيده ما أخرجه مسلم، وقد تقدم للبخاري أيضا في المبعث من وجه آخر عن أبي ذر في قصة إسلامه أنه قام يلتمس النبي صلى الله عليه وسلم ولا يعرفه ويكره أن يسأل عنه فرآه علي فعرفه أنه غريب، فاستتبعه حتى دخل به على النبي صلى الله عليه وسلم فأسلم‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ اللَّيْثِيِّ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثٍ يَلْتَقِيَانِ فَيَصُدُّ هَذَا وَيَصُدُّ هَذَا وَخَيْرُهُمَا الَّذِي يَبْدَأُ بِالسَّلَامِ وَذَكَرَ سُفْيَانُ أَنَّهُ سَمِعَهُ مِنْهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ

الشرح‏:‏

حديث أبي أيوب ‏"‏ لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه ‏"‏ الحديث تقدم شرحه في كتاب الأدب مستوفى، وهو متعلق بالركن الأول من الترجمة‏.‏

*3*باب آيَةِ الْحِجَابِ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب آية الحجاب‏)‏ أي الآية التي نزلت في أمر نساء النبي صلى الله عليه وسلم بالاحتجاب من الرجال‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ أَخْبَرَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ أَنَّهُ كَانَ ابْنَ عَشْرِ سِنِينَ مَقْدَمَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ فَخَدَمْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشْرًا حَيَاتَهُ وَكُنْتُ أَعْلَمَ النَّاسِ بِشَأْنِ الْحِجَابِ حِينَ أُنْزِلَ وَقَدْ كَانَ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ يَسْأَلُنِي عَنْهُ وَكَانَ أَوَّلَ مَا نَزَلَ فِي مُبْتَنَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِزَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ أَصْبَحَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَا عَرُوسًا فَدَعَا الْقَوْمَ فَأَصَابُوا مِنْ الطَّعَامِ ثُمَّ خَرَجُوا وَبَقِيَ مِنْهُمْ رَهْطٌ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَطَالُوا الْمُكْثَ فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَخَرَجَ وَخَرَجْتُ مَعَهُ كَيْ يَخْرُجُوا فَمَشَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَشَيْتُ مَعَهُ حَتَّى جَاءَ عَتَبَةَ حُجْرَةِ عَائِشَةَ ثُمَّ ظَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُمْ خَرَجُوا فَرَجَعَ وَرَجَعْتُ مَعَهُ حَتَّى دَخَلَ عَلَى زَيْنَبَ فَإِذَا هُمْ جُلُوسٌ لَمْ يَتَفَرَّقُوا فَرَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَجَعْتُ مَعَهُ حَتَّى بَلَغَ عَتَبَةَ حُجْرَةِ عَائِشَةَ فَظَنَّ أَنْ قَدْ خَرَجُوا فَرَجَعَ وَرَجَعْتُ مَعَهُ فَإِذَا هُمْ قَدْ خَرَجُوا فَأُنْزِلَ آيَةُ الْحِجَابِ فَضَرَبَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ سِتْرًا

الشرح‏:‏

حديث أنس من وجهين عنه‏.‏

وتقدم شرحه مستوفي في سورة الأحزاب، قوله في أول الطريق ‏(‏عن ابن شهاب أخبرني أنس بن مالك أنه قال كان‏)‏ قال الكرماني فيه التفات أو تجريد، و قوله ‏"‏ خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرا حياته ‏"‏ أي بقية حياته إلى أن مات، و قوله ‏"‏ وكنت أعلم الناس بشأن الحجاب ‏"‏ أي بسبب نزوله، وإطلاق مثل ذلك جائز للإعلام لا للإعجاب‏.‏

و قوله ‏"‏ وقد كان أبي بن كعب يسألني عنه ‏"‏ فيه إشارة إلى اختصاصه بمعرفته، لأن أبي بن كعب أكبر منه علما وسنا وقدرا‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ قَالَ أَبِي حَدَّثَنَا أَبُو مِجْلَزٍ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ لَمَّا تَزَوَّجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَيْنَبَ دَخَلَ الْقَوْمُ فَطَعِمُوا ثُمَّ جَلَسُوا يَتَحَدَّثُونَ فَأَخَذَ كَأَنَّهُ يَتَهَيَّأُ لِلْقِيَامِ فَلَمْ يَقُومُوا فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ قَامَ فَلَمَّا قَامَ قَامَ مَنْ قَامَ مِنْ الْقَوْمِ وَقَعَدَ بَقِيَّةُ الْقَوْمِ وَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَاءَ لِيَدْخُلَ فَإِذَا الْقَوْمُ جُلُوسٌ ثُمَّ إِنَّهُمْ قَامُوا فَانْطَلَقُوا فَأَخْبَرْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَاءَ حَتَّى دَخَلَ فَذَهَبْتُ أَدْخُلُ فَأَلْقَى الْحِجَابَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ وَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ الْآيَةَ قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ فِيهِ مِنْ الْفِقْهِ أَنَّهُ لَمْ يَسْتَأْذِنْهُمْ حِينَ قَامَ وَخَرَجَ وَفِيهِ أَنَّهُ تَهَيَّأَ لِلْقِيَامِ وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَقُومُوا

الشرح‏:‏

وقوله في آخره ‏"‏ فأنزل الله تعالى ‏(‏يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي‏)‏ الآية ‏"‏ كذا اتفق عليه الرواة عن معتمر بن سليمان وخالفهم عمرو بن علي الفلاس عن معتمر فقال ‏"‏ فأنزلت‏:‏ لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا ‏"‏ أخرجه الإسماعيلي وأشار إلى شذوذه فقال ‏"‏ جاء بآية غير الآية التي ذكرها الجماعة‏"‏‏.‏

وقوله ‏"‏معتمر ‏"‏ هو ابن سليمان التيمي، و قوله ‏"‏ قال أبي ‏"‏ بفتح الهمزة وكسر الموحدة مخففا والقائل هو معتمر، ووقع في الرواية المتقدمة في سورة الأحزاب ‏"‏ سمعت أبي‏"‏‏.‏

قوله ‏(‏حدثنا أبو مجلز عن أنس‏)‏ قد تقدم في ‏"‏ باب الحمد للعاطس ‏"‏ لسليمان التيمي حديث عن أنس بلا واسطة، وقد سمع من أنس عدة أحاديث، وروى عن أصحابه عنه عدة أحاديث، وفيه دلالة على أنه لم يدلس‏.‏

قوله ‏(‏قال أبو عبد الله‏)‏ هو البخاري‏.‏

قوله ‏(‏فيه‏)‏ أي في حديث أنس هذا‏.‏

قوله ‏(‏من الفقه أنه لم يستأذنهم حين قام وخرج، وفيه أنه تهيأ للقيام وهو يريد أن يقوموا‏)‏ ثبت هذا كله للمستملي وحده هنا وسقط للباقين، وهو أولى فإنه أفرد لذلك ترجمة كما سيأتي بعد اثنين وعشرين بابا‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ أَخْبَرَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ صَالِحٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَقُولُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ احْجُبْ نِسَاءَكَ قَالَتْ فَلَمْ يَفْعَلْ وَكَانَ أَزْوَاجُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْرُجْنَ لَيْلًا إِلَى لَيْلٍ قِبَلَ الْمَنَاصِعِ فَخَرَجَتْ سَوْدَةُ بِنْتُ زَمْعَةَ وَكَانَتْ امْرَأَةً طَوِيلَةً فَرَآهَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَهُوَ فِي الْمَجْلِسِ فَقَالَ عَرَفْتُكِ يَا سَوْدَةُ حِرْصًا عَلَى أَنْ يُنْزَلَ الْحِجَابُ قَالَتْ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ آيَةَ الْحِجَابِ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏حدثني إسحاق‏)‏ هو ابن راهويه كما جزم به أبو نعيم في ‏"‏ المستخرج‏"‏‏.‏

قوله ‏(‏أخبرنا يعقوب بن إبراهيم‏)‏ أي ابن سعد الزهري‏.‏

قوله ‏(‏عن صالح‏)‏ هو ابن كيسان وقد سمع إبراهيم بن سعد الكثير من ابن شهاب ربما أدخل بينه وبينه واسطة كهذا‏.‏

قوله ‏(‏كان عمر بن الخطاب يقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم احجب نسائك‏)‏ تقدم شرحه مستوفي في كتاب الطهارة، وقوله في آخره ‏"‏ قد عرفناك يا سودة، حرصا على أن ينزل الحجاب ‏"‏ فأنزل الله عز وجل الحجاب، ويجمع بينه وبين حديث أنس في نزول الحجاب بسبب قصة زينب أن عمر حرص على ذلك حتى قال لسودة ما قال، فاتفقت القصة للذين قعدوا في البيت في زواج زينب فنزلت الآية، فكان كل من الأمرين سببا لنزولها، وقد تقدم تقرير ذلك بزيادة فيه في تفسير سورة الأحزاب، وقد سبق إلى الجمع بذلك القرطبي‏:‏ فقال‏:‏ يحمل على أن عمر تكرر منه هذا القول قبل الحجاب وبعده، ويحتمل أن بعض الرواة ضم قصة إلى أخرى‏.‏

قال والأول أولى فإن عمر قامت عنده أنفة من أن يطلع أحد على حرم النبي صلى الله عليه وسلم فسأله أن يحجبهن، فلما نزل الحجاب كان قصده أن لا يخرجن أصلا فكان في ذلك مشقة فأذن لهن أن يخرجن لحاجتهن التي لا بد منها‏.‏

قال عياض‏:‏ خص أزواج النبي صلى الله عليه وسلم بستر الوجه والكفين، واختلف في ندبه في حق غيرهن، قالوا‏:‏ فلا يجوز لهن كشف ذلك لشهادة ولا غيرها، قال‏:‏ ولا يجوز إبراز أشخاصهن وإن كن مستترات إلا فيما دعت الضرورة إليه من الخروج إلى البراز، وقد كن إذا حدثن جلسن للناس من وراء الحجاب وإذا خرجن لحاجة حجبن وسترن انتهى‏.‏

وفي دعوى وجوب حجب أشخاصهن مطلقا إلا في حاجة البراز نظر، فقد كن يسافرن للحج وغيره ومن ضرورة ذلك الطواف والسعي وفيه بروز أشخاصهن، بل وفي حالة الركوب والنزول لا بد من ذلك، وكذا في خروجهن إلى المسجد النبوي وغيره‏.‏

‏(‏تنبيه‏)‏ حكى ابن التين عن الداودي أن قصة سودة هذه لا تدخل في باب الحجاب وإنما هي في لباس الجلابيب، وتعقب بأن إرخاء الجلابيب هو الستر عن نظر الغير إليهن وهو من جملة الحجاب‏.‏

*3*باب الِاسْتِئْذَانُ مِنْ أَجْلِ الْبَصَرِ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب الاستئذان من أجل البصر‏)‏ أي شرع من أجله، لأن المستأذن لو دخل بغير إذن لرأى بعض ما يكره من يدخل إليه أن يطلع عليه، وقد ورد التصريح بذلك فيما أخرجه البخاري في ‏"‏ الأدب المفرد ‏"‏ وأبو داود والترمذي وحسنه من حديث ثوبان رفعه ‏"‏ لا يحل لامرئ مسلم أن ينظر إلى جوف بيت حتى يستأذن فإن فعل فقد دخل ‏"‏ أي صار في حكم الداخل، وللأولين من حديث أبي هريرة بسند حسن رفعه ‏"‏ إذا دخل البصر فلا إذن ‏"‏ وأخرج البخاري أيضا عن عمر من قوله ‏"‏ من ملأ عينه من قاع بيت قبل أن يؤذن له فقد فسق‏"‏‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ الزُّهْرِيُّ حَفِظْتُهُ كَمَا أَنَّكَ هَا هُنَا عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ اطَّلَعَ رَجُلٌ مِنْ جُحْرٍ فِي حُجَرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِدْرًى يَحُكُّ بِهِ رَأْسَهُ فَقَالَ لَوْ أَعْلَمُ أَنَّكَ تَنْظُرُ لَطَعَنْتُ بِهِ فِي عَيْنِكَ إِنَّمَا جُعِلَ الِاسْتِئْذَانُ مِنْ أَجْلِ الْبَصَرِ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏سفيان‏)‏ قال الزهري كانت عادة سفيان كثيرا حذف الصيغة فيقول فلان عن فلان، لا يقول حدثنا ولا أخبرنا ولا عن، وقوله ‏"‏حفظته كما أنك هاهنا ‏"‏ هو قول سفيان وليس في ذلك تصريح بأنه سمعه من الزهري، لكن قد أخرج مسلم والترمذي الحديث المذكور من طرق عن سفيان فقالوا ‏"‏ عن الزهري ‏"‏ ورواه الحميدي وابن أبي عمر في مسنديهما عن سفيان فقالا ‏"‏ حدثنا الزهري ‏"‏ أخرجه أبو نعيم من طريق الحميدي والإسماعيلي من طريق ابن أبي عمر، وقوله ‏"‏كما أنك هاهنا ‏"‏ أي حفظته حفظا كالمحسوس لا شك فيه‏.‏

قوله ‏(‏عن سهل‏)‏ في رواية الحميدي ‏"‏ سمعت سهل بن سعد ‏"‏ ويأتي في الديات من رواية الليث عن الزهري أن سهلا أخبره، وقد تقدم بعض هذا في كتاب اللباس ووعدت بشرحه في الديات، وقوله في هذه الرواية ‏"‏ من جحر في حجر ‏"‏ الأول بضم الجيم وسكون المهملة وهو كل ثقب مستدير في أرض أو حائط، وأصلها مكامن الوحش، والثاني بضم المهملة وفتح الجيم جمع حجرة وهي ناحية البيت‏.‏

ووقع في رواية الكشميهني ‏"‏ حجرة ‏"‏ بالإفراد‏.‏

وقوله ‏"‏مدري يحك به ‏"‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ بها ‏"‏ والمدري تذكر وتؤنث‏.‏

وقوله ‏"‏لو أعلم أنك تنتظر ‏"‏ كذا للأكثر بوزن تفتعل، وللكشميهني ‏"‏ تنظر‏"‏‏.‏

و قوله ‏"‏ من أجل البصر ‏"‏ وقع فيه عند أبي داود بسبب آخر من حديث سعد، كذا عنده مبهم، وهو عند الطبراني عن سعد بن عبادة ‏"‏ جاء رجل فقام على باب النبي صلى الله عليه وسلم يستأذن مستقبل الباب، فقال له‏:‏ هكذا عنك، فإنما الاستئذان من أجل النظر ‏"‏ وأخرج أبو داود بسند قوي من حديث ابن عباس ‏"‏ كان الناس ليس لبيوتهم ستور فأمرهم الله بالاستئذان، ثم جاء الله بالخير فلم أر أحدا يعمل بذلك ‏"‏ قال ابن عبد البر‏:‏ أظنهم اكتفوا بقرع الباب‏.‏

وله من حديث عبد الله بن بسر ‏"‏ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتى باب قوم لم يستقبل الباب من تلقاء وجهه ولكن من ركنه الأيمن أو الأيسر، وذلك أن الدور لم يكن عليها ستور‏"‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَجُلًا اطَّلَعَ مِنْ بَعْضِ حُجَرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَامَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِشْقَصٍ أَوْ بِمَشَاقِصَ فَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ يَخْتِلُ الرَّجُلَ لِيَطْعُنَهُ

الشرح‏:‏

وقوله في حديث أنس ‏"‏ بمشقص أو مشاقص ‏"‏ بشين معجمة وقاف وصاد مهملة وهو شك من الراوي هل قاله شيخه بالإفراد أو بالجمع، والمشقص بكسر أوله وسكون ثانيه وفتح ثالثه‏:‏ نصل السهم إذا كان طويلا غير عريض‏.‏

و قوله ‏"‏ يختل ‏"‏ بفتح أوله وسكون المعجمة وكسر المثناة أي يطعنه وهو غافل، وسيأتي حكم من أصيبت عينه أو غيرها بسبب ذلك في كتاب الديات وهو مخصوص بمن تعمد النظر، وأما من وقع ذلك منه عن غير قصد فلا حرج عليه، ففي صحيح مسلم ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن نظرة الفجأة فقال‏:‏ اصرف بصرك ‏"‏ وقال لعلي ‏"‏ لا تتبع النظرة النظرة، فإن لك الأولى وليست لك الثانية ‏"‏ واستدل بقوله ‏"‏ من أجل البصر ‏"‏ على مشروعية القياس والعلل، فإنه دل على أن التحريم والتحليل يتعلق بأشياء متى وجدت في شيء وجب الحكم عليه، فمن أوجب الاستئذان بهذا الحديث وأعرض عن المعنى الذي لأجله شرع لم يعمل بمقتضى الحديث، واستدل به على أن المرء لا يحتاج في دخول منزله إلى الاستئذان لفقد العلة التي شرع لأجلها الاستئذان، نعم لو احتمل أن يتجدد فيه ما يحتاج معه إليه شرع له، ويؤخذ منه أنه يشرع الاستئذان على كل أحد حتى المحارم لئلا تكون منكشفة العورة، وقد أخرج البخاري في ‏"‏ الأدب المفرد ‏"‏ عن نافع ‏"‏ كان ابن عمر إذا بلغ بعض ولده الحلم لم يدخل عليه إلا بإذن ‏"‏ ومن طريق علقمة ‏"‏ جاء رجلا إلى ابن مسعود فقال‏:‏ أستأذن على أمي‏؟‏ فقال‏:‏ ما على كل أحيانها تريد أن تراها ‏"‏ ومن طريق مسلم بن نذير بالنون مصغر ‏"‏ سأل رجل حذيفة‏:‏ أستأذن على أمي‏؟‏ قال‏:‏ إن لم تستأذن عليها رأيت ما تكره ‏"‏ ومن طريق موسى بن طلحة ‏"‏ دخلت مع أبي على أمي فدخل واتبعته فدفع في صدري وقال‏:‏ تدخل بغير إذن ‏"‏‏؟‏ ومن طريق عطاء ‏"‏ سألت ابن عباس‏:‏ أستأذن على أختي‏؟‏ قال‏:‏ نعم‏.‏

قلت‏:‏ إنها في حجري، قال‏:‏ أتحب أن تراها عريانة ‏"‏‏؟‏ وأسانيد هذه الآثار كلها صحيحة‏.‏

وذكر الأصوليون هذا الحديث مثالا للتنصيص على العلة التي هي أحد أركان القياس‏.‏

*3*باب زِنَا الْجَوَارِحِ دُونَ الْفَرْجِ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب زنا الجوارح دون الفرج‏)‏ أي أن الزنا لا يختص إطلاقه بالفرج، بل يطلق على ما دون الفرج من نظر وغيره‏.‏

وفيه إشارة إلى حكمة النهي عن رؤية ما في البيت بغير استئذان لتظهر مناسبته الذي قبله‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ لَمْ أَرَ شَيْئًا أَشْبَهَ بِاللَّمَمِ مِنْ قَوْلِ أَبِي هُرَيْرَةَ ح حَدَّثَنِي مَحْمُودٌ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ مَا رَأَيْتُ شَيْئًا أَشْبَهَ بِاللَّمَمِ مِمَّا قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَى ابْنِ آدَمَ حَظَّهُ مِنْ الزِّنَا أَدْرَكَ ذَلِكَ لَا مَحَالَةَ فَزِنَا الْعَيْنِ النَّظَرُ وَزِنَا اللِّسَانِ الْمَنْطِقُ وَالنَّفْسُ تَمَنَّى وَتَشْتَهِي وَالْفَرْجُ يُصَدِّقُ ذَلِكَ كُلَّهُ وَيُكَذِّبُهُ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏عن ابن طاوس‏)‏ هو عبد الله، وفي مسند الحميدي عن سفيان ‏"‏ حدثنا عبد الله بن طاوس ‏"‏ وأخرجه أبو نعيم من طريقه‏.‏

قوله ‏(‏لم أر شيئا أشبه باللمم من قول أبي هريرة‏)‏ هكذا اقتصر البخاري على هذا القدر من طريق سفيان ثم عطف عليه رواية معمر عن ابن طاوس فساقه مرفوعا بتمامه، وكذا صنع الإسماعيلي فأخرجه من طريق ابن أبي عمر عن سفيان ثم عطف عليه رواية معمر، وهذا يوهم أن سياقهما سواء، وليس كذلك فقد أخرجه أبو نعيم من رواية بشر بن موسى عن الحميدي ولفظه ‏"‏ سئل ابن عباس عن اللمم فقال‏:‏ لم أر شيئا أشبه به من قول أبي هريرة‏:‏ كتب على ابن آدم حظه من الزنا ‏"‏ وساق الحديث موقوفا، فعرف من هذا أن رواية سفيان موقوفة ورواية معمر مرفوعة، ومحمود شيخه فيه هو ابن غيلان، وقد أفرده عنه في كتاب القدر وعلقه فيه لورقاء عن ابن طاوس فلم يذكر فيه ابن عباس بين طاوس وأبي هريرة، فكأن طاوسا سمعه من أبي هريرة بعد ذكر ابن عباس له ذلك، وسيأتي شرحه مستوفي في كتاب القدر إن شاء الله تعالى‏.‏

قال ابن بطال‏:‏ سمي النظر والنطق زنا لأنه يدعو إلى الزنا الحقيقي، ولذلك قال ‏"‏ والفرج يصدق ذلك ويكذبه ‏"‏ قال ابن بطال‏:‏ استدل أشهب بقوله ‏"‏ والفرج يصدق ذلك أو يكذبه ‏"‏ على أن القاذف إذا قال زنت يدك لا يحد، وخالفه ابن القاسم فقال يحد، وهو قول للشافعي وخالفه بعض أصحابه، واحتج للشافعي فيما ذكر الخطابي بأن الأفعال تضاف للأيدي لقوله تعالى ‏(‏فيما كسبت أيديكم‏)‏ وقوله ‏(‏بما قدمت يداك‏)‏ وليس المراد في الآيتين جناية الأيدي فقط بل جميع الجنايات اتفاقا فكأنه إذا قال زنت يدك وصف ذاته بالزنا لأن الزنا لا يتبعض ا ه‏.‏

وفي التعليل الأخير نظر، والمشهور عند الشافعية أنه ليس صريحا‏.‏

*3*باب التَّسْلِيمِ وَالِاسْتِئْذَانِ ثَلَاثًا

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب التسليم والاستئذان ثلاثا‏)‏ أي سواء اجتمعا أو انفردا، وحديث أنس شاهد للأول وحديث أبي موسى شاهد للثاني، وقد ورد في بعض طرقه الجمع بينهما، واختلف هل السلام شرط في الاستئذان أو لا‏؟‏ فقال المازري‏:‏ صلاة الاستئذان أن يقول‏:‏ السلام عليكم أأدخل‏؟‏ ثم هو بالخيار أن يسمي نفسه أو يقتصر على التسليم، كذا قال، وسيأتي ما يعكر عليه في ‏"‏ باب إذا قال من ذا‏؟‏ فقال‏:‏ أنا‏"‏‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا ثُمَامَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا سَلَّمَ سَلَّمَ ثَلَاثًا وَإِذَا تَكَلَّمَ بِكَلِمَةٍ أَعَادَهَا ثَلَاثًا

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏حدثنا إسحاق‏)‏ هو ابن منصور وعبد الصمد هو ابن عبد الوارث وعبد الله بن المثنى أي ابن عبد الله ابن أنس تقدم القول فيه في ‏"‏ باب من أعاد الحديث ثلاثا ‏"‏ في كتاب العلم، وقدم هنا السلام على الكلام وهناك بالعكس، وتقدم شرحه، وقول الإسماعيلي‏:‏ إن السلام إنما يشرع تكراره إذا اقترن بالاستئذان، والتعقب عليه، وأن السلام وحده قد يشرع تكراره إذا كان الجمع كثيرا ولم يسمع بعضهم وقصد الاستيعاب، وبهذا جزم النووي في معنى حديث أنس، وكذا لو سلم وظن أنه لم يسمع فتسن الإعادة فيعيد مرة ثانية وثالثة ولا يزيد على الثالثة‏.‏

وقال ابن بطال‏:‏ هذه الصيغة تقتضي العموم ولكن المراد الخصوص وهو غالب أحواله، كذا قال، وقد تقدم من كلام الكرماني مثله وفيه نظر، و ‏"‏ كان ‏"‏ بمجردها لا تقتضي مداومة ولا تكثيرا، لكن ذكر الفعل المضارع بعدها يشعر بالتكرار‏.‏

واختلف فيمن سلم ثلاثا فظن أنه لم يسمع، فعن مالك له أن يزيد حتى يتحقق، وذهب الجمهور وبعض المالكية إلى أنه لا يزيد اتباعا لظاهر الخبر‏.‏

وقال المازري‏:‏ اختلفوا فيما إذا ظن أنه لم يسمع هل يزيد على الثلاث‏؟‏ فقيل‏:‏ لا، وقيل‏:‏ نعم‏.‏

وقيل‏:‏ إذا كان الاستئذان بلفظ السلام لم يزد وإن كان بغير لفظ السلام زاد‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ خُصَيْفَةَ عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ كُنْتُ فِي مَجْلِسٍ مِنْ مَجَالِسِ الْأَنْصَارِ إِذْ جَاءَ أَبُو مُوسَى كَأَنَّهُ مَذْعُورٌ فَقَالَ اسْتَأْذَنْتُ عَلَى عُمَرَ ثَلَاثًا فَلَمْ يُؤْذَنْ لِي فَرَجَعْتُ فَقَالَ مَا مَنَعَكَ قُلْتُ اسْتَأْذَنْتُ ثَلَاثًا فَلَمْ يُؤْذَنْ لِي فَرَجَعْتُ وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا اسْتَأْذَنَ أَحَدُكُمْ ثَلَاثًا فَلَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فَلْيَرْجِعْ فَقَالَ وَاللَّهِ لَتُقِيمَنَّ عَلَيْهِ بِبَيِّنَةٍ أَمِنْكُمْ أَحَدٌ سَمِعَهُ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ وَاللَّهِ لَا يَقُومُ مَعَكَ إِلَّا أَصْغَرُ الْقَوْمِ فَكُنْتُ أَصْغَرَ الْقَوْمِ فَقُمْتُ مَعَهُ فَأَخْبَرْتُ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ذَلِكَ وَقَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ أَخْبَرَنِي ابْنُ عُيَيْنَةَ حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ خُصَيْفَةَ عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ بِهَذَا

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏حدثنا يزيد بن خصيفة‏)‏ بخاء معجمة وصاد مهملة وفاء مصغر، ووقع لمسلم عن عمرو الناقد ‏"‏ حدثنا سفيان حدثني والله يزيد بن خصيفة ‏"‏ وشيخه بسر بضم الموحدة وسكون المهملة، وقد صرح بسماعه من أبي سعيد في الرواية الثانية المعلقة‏.‏

قوله ‏(‏كنت في مجلس من مجالس الأنصار‏)‏ في رواية مسلم عن عمرو الناقد عن سفيان بسنده هذا إلى أبي سعيد قال ‏"‏ كنت جالسا بالمدينة ‏"‏ وفي رواية الحميدي عن سفيان ‏"‏ إني لفي حلقة فيها أبي بن كعب ‏"‏ أخرجه الإسماعيلي‏.‏

قوله ‏(‏إذ جاء أبو موسى كأنه مذعور‏)‏ في رواية عمرو الناقد ‏"‏ فأتانا أبو موسى فزعا أو مذعورا ‏"‏ وزاد ‏"‏ قلنا ما شأنك‏؟‏ فقال‏:‏ إن عمر أرسل إلي أن آتيه فأتيت بابه‏"‏‏.‏

قوله ‏(‏فقال استأذنت على عمر ثلاثا فلم يؤذن لي فرجعت‏)‏ في رواية مسلم ‏"‏ فسلمت على بابه ثلاثا فلم يردوا علي فرجعت ‏"‏ وتقدم في البيوع من طريق عبيد بن عمير ‏"‏ أن أبا موسى الأشعري استأذن على عمر بن الخطاب فلم يؤذن له وكأنه كان مشغولا، فرجع أبو موسى، ففزع عمر فقال‏:‏ ألم أسمع صوت عبد الله بن قيس‏؟‏ ائذنوا له‏.‏

قيل إنه رجع ‏"‏ وفي رواية بكير بن الأشج عن بسر عند مسلم ‏"‏ استأذنت على عمر أمس ثلاث مرات فلم يؤذن لي فرجعت، ثم جئت اليوم فدخلت عليه فأخبرته أني جئت أمس فسلمت ثلاثا ثم انصرفت، قال قد سمعناك ونحن حينئذ على شغل، فلو ما استأذنت حتى يؤذن لك‏؟‏ قال استأذنت كما سمعت ‏"‏ وله من طريق أبي نضرة عن أبي سعيد ‏"‏ أن أبا موسى أتى باب عمر فاستأذن، فقال عمر واحدة ثم استأذن فقال عمر ثنتان ثم استأذن فقال عمر ثلاث ثم انصرف فاتبعه فرده ‏"‏ وله من طريق طلحة بن يحيى عن أبي بردة ‏"‏ جاء أبو موسى إلى عمر فقال‏:‏ السلام عليكم هذا عبد الله بن قيس‏.‏

فلم يأذن له، فقال‏:‏ السلام عليكم هذا أبو موسى، السلام عليكم هذا الأشعري، ثم انصرف‏.‏

فقال‏:‏ ردوه على ‏"‏ وظاهر هذين السياقين التغاير، فإن الأول يقتضي أنه لم يرجع إلى عمر إلا في اليوم الثاني، وفي الثاني أنه أرسل إليه في الحال‏.‏

وقد وقع في رواية لمالك في الموطأ ‏"‏ فأرسل في أثره ‏"‏ ويجمع بينهما بأن عمر لما فرغ من الشغل الذي كان فيه تذكره فسأل عنه فأخبر برجوعه فأرسل إليه فلم يجده الرسول في ذلك الوقت وجاء هو إلى عمر في اليوم الثاني‏.‏

قوله ‏(‏فقال‏:‏ ما منعك‏؟‏ قلت‏:‏ استأذنت ثلاثا فلم يؤذن لي‏)‏ في رواية عبيد بن حنين عن أبي موسى عند البخاري في الأدب المفرد ‏"‏ فقال‏:‏ يا عبد الله اشتد عليك أن تحتبس على بابي‏؟‏ أعلم أن الناس كذلك يشتد عليهم أن يحتبسوا على بابك، فقلت بل استأذنت إلخ ‏"‏ وفي هذه الزيادة دلالة على أن عمر أراد تأديبه لما بلغه أنه قد يحتبس على الناس في حال إمرته، وقد كان عمر استخلفه على الكوفة، مع ما كان عمر فيه من الشغل‏.‏

قوله ‏(‏إذا استأذن أحدكم ثلاثا فلم يؤذن له فليرجع‏)‏ وقع في رواية عبيد بن عمير ‏"‏ كنا نؤمر بذلك ‏"‏ وفي رواية عبيد بن حنين عن أبي موسى ‏"‏ فقال عمر ممن سمعت هذا‏؟‏ قلت سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏ وفي رواية أبي نضرة ‏"‏ إن هذا شيء حفظته من رسول الله صلى الله عليه وسلم‏"‏‏.‏

قوله ‏(‏فقال والله لتقيمن عليه بينة‏)‏ زاد مسلم ‏"‏ وإلا أوجعتك‏"‏‏.‏

وفي رواية بكير بن الأشج ‏"‏ فوالله لأوجعن ظهرك وبطنك أو لتأتيني بمن يشهد لك على هذا ‏"‏ وفي رواية عبيد بن عمير لتأتيني على ذلك بالبينة‏.‏

وفي رواية أبي نضرة ‏"‏ وإلا جعلتك عظة‏"‏‏.‏

قوله ‏(‏أمنكم أحد سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم‏)‏ في رواية عبيد بن عمير ‏"‏ فانطلق إلى مجلس الأنصار فسألهم ‏"‏ وفي رواية أبي نضرة فقال ‏"‏ ألم تعلموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ الاستئذان ثلاث‏؟‏ قال فجعلوا يضحكون، فقلت أتاكم أخوكم وقد أفزع فتضحكون‏.‏

قوله ‏(‏فقال أبي‏)‏ هو ابن كعب وهو في رواية مسلم كذلك‏.‏

قوله ‏(‏لا يقوم معي إلا أصغر القوم‏)‏ في رواية بكير بن الأشج ‏"‏ فوالله لا يقوم معك إلا أحدثنا سنا، قم يا أبا سعيد‏"‏‏.‏

قوله ‏(‏فأخبرت عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ذلك‏)‏ في رواية مسلم ‏"‏ فقمت معه فذهبت إلى عمر فشهدت ‏"‏ وفي رواية أبي نضرة ‏"‏ فقال أبو سعيد‏:‏ انطلق، وأنا شريكك في هذه العقوبة ‏"‏ وفي رواية بكير ابن الأشج ‏"‏ فقمت حتى أتيت عمر فقلت‏:‏ قد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول هذا ‏"‏ واتفق الرواة على أن الذي شهد لأبي موسى عند عمر أبو سعيد، إلا ما عند البخاري في ‏"‏ الأدب المفرد ‏"‏ من طريق عبيد ابن حنين فإن فيه ‏"‏ فقام معي أبو سعيد الخدري أو أبو مسعود إلى عمر ‏"‏ هكذا بالشك‏.‏

وفي رواية لمسلم من طريق طلحة بن يحيى عن أبي بردة في هذه القصة ‏"‏ فقال عمر إن وجد بينه تجدوه عند المنبر عشية، وإن لم يجد بينة فلن تجدوه، فلما أن جاء بالعشي وجده قال‏:‏ يا أبا موسى ما تقول، أقد وجدت‏؟‏ قال‏:‏ نعم أبي بن كعب، قال‏:‏ عدل‏.‏

قال‏:‏ يا أبا الطفيل - وفي لفظ له يا أبا المنذر - ما يقول هذا‏؟‏ قال‏:‏ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ذلك يا ابن الخطاب، فلا تكون عذابا على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال‏:‏ سبحان الله، أنا سمعت شيئا فأحببت أن أثبت ‏"‏ هكذا وقع في هذه الطريق، وطلحة بن يحيى فيه ضعف، ورواية الأكثر أولى أن تكون محفوظة، ويمكن الجمع بأن أبي بن كعب جاء بعد أن شهد أبو سعيد‏.‏

وفي رواية عبيد بن حنين التي أشرت إليها في ‏"‏ الأدب المفرد ‏"‏ زيادة مفيدة وهي أن أبا سعيد أو أبا مسعود قال لعمر ‏"‏ خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم يوما وهو يريد سعد بن عبادة حتى أتاه فسلم فلم يؤذن له ثم سلم الثانية فلم يؤذن له ثم سلم الثالثة فلم يؤذن له فقال‏:‏ قضينا ما علينا ثم رجع، فأذن له سعد ‏"‏ الحديث، فثبت ذلك من قوله صلى الله عليه وسلم ومن فعله‏.‏

وقصة سعد بن عبادة هذه أخرجها أبو داود من حديث قيس بن سعد ابن عبادة مطولة بمعناه، وأحمد من طريق ثابت عن أنس أو غيره كذا فيه، وأخرجه البزار عن أنس بغير تردد، وأخرجه الطبراني من حديث أم طارق مولاة سعد، واتفق الرواة على أن أبا سعيد حدث بهذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏

وحكى قصة أبي موسى عنه إلا ما أخرجه مالك في الموطأ عن الثقة عن بكير بن الأشج عن بسر عن أبي سعيد عن أبي موسى بالحديث مختصرا دون القصة، وقد أخرجه مسلم من طريق عمرو بن الحارث عن بكير بطوله وصرح في روايته بسماع أبي سعيد له من النبي صلى الله عليه وسلم، وكذا وقع في رواية أخرى عنده ‏"‏ فقال أبو موسى إن كان سمع ذلك منكم أحد فليقم معي، فقالوا لأبي سعيد قم معه ‏"‏ وأغرب الداودي فقال‏:‏ روى أبو سعيد حديث الاستئذان عن أبي موسى وهو يشهد له عند عمر فأدى إلى عمر ما قال أهل المجلس، وكأنه نسي أسماءهم بعد ذلك فحدث به عن أبي موسى وحده لكونه صاحب القصة‏.‏

وتعقبه ابن التين بأنه مخالف لما في رواية الصحيح لأنه قال ‏"‏ فأخبرت عمر بأن النبي صلى الله عليه وسلم قاله‏"‏‏.‏

قلت‏:‏ وليس ذلك صريحا في رد ما قال الداودي‏.‏

وإنما المعتمد في التصريح بذلك رواية عمرو بن الحارث وهي من الوجه الذي أخرجه منه مالك، والتحقيق أن أبا سعيد حكى قصة أبي موسى عنه بعد وقوعها بدهر طويل، لأن الذين رووها عنه لم يدركوها، ومن جملة قصة أبي موسى الحديث المذكور، فكأن الراوي لما اختصرها واقتصر على المرفوع خرج منها أن أبا سعيد ذكر الحديث المذكور عن أبي موسى وغفل عما في آخرها من رواية أبي سعيد المرفوع عن النبي صلى الله عليه وسلم بغير واسطة، وهذا من آفات الاختصار، فينبغي لمن اقتصر على بعض الحديث أن يتفقد مثل هذا وإلا وقع في الخطأ وهو كحذف ما للمتن به تعلق، وتختلف الدلالة بحذفه؛ وقد اشتد إنكار ابن عبد البر على من زعم أن هذا الحديث إنما رواه أبو سعيد عن أبي موسى وقال إن الذي وقع في الموطأ لهما هو من النقلة لاختلاط الحديث عليهم‏.‏

وقال في موضع آخر‏:‏ ليس المراد أن أبا سعيد روى هذا الحديث عن أبي موسى، وإنما المراد عن أبي سعيد أن قصة أبي موسى والله أعلم‏.‏

وممن وافق أبا موسى على رواية الحديث المرفوع جندب بن عبد الله أخرجه الطبراني عنه بلفظ ‏"‏ إذا استأذن أحدكم ثلاثا فلم يؤذن له فليرجع‏"‏‏.‏

قوله ‏(‏وقال ابن المبارك‏)‏ هو عبد الله، وابن عيينة هو سفيان المذكور في الإسناد الأول، وأراد بهذا التعليق بيان سماع بسر له من أبي سعيد، وقد وصله أبو نعيم في ‏"‏ المستخرج ‏"‏ من طريق الحسن بن سفيان حدثنا حبان ابن موسى حدثنا عبد الله بن المبارك، وكذا وقع التصريح به عند مسلم عن عمرو الناقد، وأخرجه الحميدي عن سفيان‏.‏

حدثنا يزيد بن خصيفة سمعت بسر بن سعيد يقول حدثني أبو سعيد ‏"‏ وقد استشكل ابن العربي إنكار عمر على أبي موسى حديثه المذكور مع كونه وقع له مثل ذلك مع النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك في حديث ابن عباس الطويل في هجر النبي صلى الله عليه وسلم نساءه في المشربة، فإن فيه أن عمر استأذن مرة بعد مرة فلما لم يؤذن له في الثالثة رجع حتى جاءه الإذن وذلك بين في سياق البخاري، قال‏:‏ والجواب عن ذلك أنه لم يقض فيه بعلمه، أو لعله نسى ما كان وقع له‏.‏

ويؤيده قوله ‏"‏ شغلني الصفق بالأسواق‏"‏‏.‏

قلت‏:‏ والصورة التي وقعت لعمر ليست مطابقة لما رواه أبو موسى، بل استأذن في كل مرة فلم يؤذن له فرجع فلما رجع في الثالثة استدعى فأذن له، ولفظ البخاري الذي أحال عليه ظاهر فيما قلته، وقد استوفيت طرقه عند شرح الحديث في أواخر النكاح، وليس فيه ما ادعاه‏.‏

وتعلق بقصة عمر من زعم أنه كان لا يقبل خبر الواحد، ولا حجة فيه لأنه قبل خبر أبي سعيد المطابق لحديث أبي موسى ولا يخرج بذلك عن كونه خبر واحد، واستدل به من ادعى أن خبر العدل بمفرده لا يقبل حتى ينضم إليه غيره كما في الشهادة، قال ابن بطال‏:‏ وهو خطأ من قائله وجهل بمذهب عمر، فقد جاء في بعض طرقه أن عمر قال لأبي موسى ‏"‏ أما إني لم أتهمك ولكني أردت أن لا يتجرأ الناس على الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏ قلت‏:‏ وهذه الزيادة في الموطأ عن ربيعة عن غير واحد من علمائهم أن أبا موسى‏.‏‏.‏‏.‏فذكر القصة وفي آخره ‏"‏ فقال عمر لأبي موسى‏:‏ أما إني لم أتهمك، ولكني خشيت أن يتقول الناس على رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏ وفي رواية عبيد بن حنين التي أشرت إليها آنفا ‏"‏ فقال عمر لأبي موسى والله إن كنت لأمينا على حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن أحببت أن أستثبت ‏"‏ ونحوه في رواية أبي بردة حين قال أبي بن كعب لعمر ‏"‏ لا تكن عذابا على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال‏:‏ سبحان الله، إنما سمعت شيئا فأحببت أن أتثبت ‏"‏ قال ابن بطال‏:‏ فيؤخذ منه التثبت في خبر الواحد لما يجوز عليه من السهو وغيره، وقد قبل عمر خبر العدل الواحد بمفرده في توريث المرأة من دية زوجها وأخذ الجزية من المجوس إلى غير ذلك، لكنه كان يستثبت إذا وقع له ما يقتضي ذلك‏.‏

وقال ابن عبد البر‏:‏ يحتمل أن يكون حضر عنده من قرب عهده بالإسلام فخشي أن أحدهم يختلق الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عند الرغبة والرهبة طلبا للمخرج مما يدخل فيه، فأراد أن يعلمهم أن من فعل شيئا من ذلك ينكر عليه حتى يأتي بالمخرج‏.‏

وادعى بعضهم أن عمر لم يعرف أبا موسى، قال ابن عبد البر‏:‏ وهو قول خرج بغير رؤية من قائله ولا تدبر، فإن منزلة أبي موسى عند عمر مشهورة‏.‏

وقال ابن العربي‏:‏ اختلف في طلب عمر من أبي موسى البينة على عشرة أقوال فذكرها، وغالبها متداخل، ولا تزيد على ما قدمته‏.‏

واستدل بالخبر المرفوع على أنه لا تجوز الزيادة في الاستئذان على الثلاث، قال ابن عبد البر‏:‏ فذهب أكثر أهل العلم إلى ذلك وقال بعضهم‏:‏ إذا لم يسمع فلا بأس أن يزيد‏.‏

وروى سحنون عن ابن وهب عن مالك‏:‏ لا أحب أن يزيد على الثلاث إلا من علم أنه لم يسمع‏.‏

قلت‏:‏ وهذا هو الأصح عند الشافعية‏.‏

قال ابن عبد البر‏:‏ وقيل تجوز الزيادة مطلقا بناء على أن الأمر بالرجوع بعد الثلاث للإباحة والتخفيف عن المستأذن، فمن استأذن أكثر فلا حرج عليه قال‏:‏ الاستئذان أن يقول السلام عليكم أأدخل‏؟‏ كذا قال، ولا يتعين هذا اللفظ‏.‏

وحكى ابن العربي إن كان بلفظ الاستئذان لا يعيد وإن كان بلفظ آخر أعاد، قال‏:‏ والأصح لا يعيد، وقد تقدم ما حكاه المازري في ذلك‏.‏

وأخرج البخاري في ‏"‏ الأدب المفرد ‏"‏ عن أبي العالية قال‏:‏ أتيت أبا سعيد فسلمت فلم يؤذن لي ثم سلمت فلم يؤذن لي فتنحيت ناحية فخرج علي غلام فقال‏:‏ ادخل، فدخلت فقال لي أبو سعيد‏:‏ أما إنك لو زدت - يعني على الثلاث - لم يؤذن لك‏.‏

واختلف في حكمة الثلاث فروى ابن أبي شيبة من قول علي بن أبي طالب‏:‏ الأولى إعلام، والثانية مؤامرة، والثالثة عزمة إما أن يؤذن له وإما أن يرد‏.‏

قلت‏:‏ ويؤخذ من صنيع أبي موسى حيث ذكر اسمه أولا وكنيته ثانيا ونسبته ثالثا أن الأولى هي الأصل والثانية إذا جوز أن يكون التبس على من استأذن عليه والثالثة إذا غلب على ظنه أنه عرفه، قال ابن عبد البر‏:‏ وذهب بعضهم إلى أن أصل الثلاث في الاستئذان قوله تعالى ‏(‏يا أيها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم والذين لم يبلغوا الحلم منكم ثلاث مرات‏)‏ قال‏:‏ وهذا غير معروف في تفسيرها‏.‏

وإنما أطبق الجمهور على أن المراد بالمرات الثلاث الأوقات‏.‏

قلت‏:‏ وأخرج ابن أبي حاتم من طريق مقاتل بن حبان قال ‏"‏ بلغنا أن رجلا من الأنصار وامرأته أسماء بنت مرثد صنعا طعاما، فجعل الناس يدخلون بغير إذن، فقالت أسماء‏:‏ يا رسول الله ما أقبح هذا، إنه ليدخل على المرأة وزوجها غلامهما وهما في ثوب واحد بغير إذن، فنزلت ‏"‏ وأخرج أبو داود وابن أبي حاتم بسند قوي من حديث ابن عباس أنه سئل عن الاستئذان في العورات الثلاث فقال‏:‏ إن الله ستير يحب الستر، وكان الناس ليس لهم ستور على أبوابهم فربما فاجأ الرجل خادمه أو ولده وهو على أهله فأمروا أن يستأذنوا في العورات الثلاث‏.‏

ثم بسط الله الرزق فاتخذوا الستور والحجال فرأى الناس أن ذلك قد كفاهم الله به مما أمروا به‏.‏

ومن وجه آخر صحيح عن ابن عباس‏:‏ لم يعمل بها أكثر الناس، وإني لآمر جاريتي أن تستأذن علي‏.‏

وفي الحديث أيضا أن لصاحب المنزل إذا سمع الاستئذان أن لا يأذن سواء سلم مرة أم مرتين أم ثلاثا إذا كان في شغل له ديني أو دنيوي يتعذر بترك الإذن معه للمستأذن‏.‏

وفيه أن العالم المتبحر قد يخفى عليه من العلم ما يعلمه من هو دونه ولا يقدح ذلك في وصفه بالعلم والتبحر فيه‏.‏

قال ابن بطال‏:‏ وإذا جاز ذلك على عمر فما ظنك بمن هو دونه‏.‏

وفيه أن لمن تحقق براءة الشخص مما يخشى منه وأنه لا يناله بسبب ذلك مكروه أن يمازحه ولو كان قبل إعلامه بما يطمئن به خاطره مما هو فيه، لكن بشرط أن لا يطول الفصل لئلا يكون سببا في إدامة تأذي المسلمين بالهم الذي وقع له كما وقع للأنصار مع أبي موسى، وأما إنكار أبي سعيد عليهم فإنه اختار الأولى وهو المبادرة إلى إزالة ما وقع فيه قبل التشاغل بالممازحة‏.‏

*3*باب إِذَا دُعِيَ الرَّجُلُ فَجَاءَ هَلْ يَسْتَأْذِنُ

قَالَ سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي رَافِعٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ هُوَ إِذْنُهُ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب إذا دعي الرجل فجاء هل يستأذن‏)‏ ‏؟‏ يعني أو يكتفي بقرينة الطلب‏.‏

قوله ‏(‏وقال سعيد عن قتادة عن أبي رافع عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ هو إذنه‏)‏ كذا للأكثر ووقع للكشميهني ‏"‏ وقال شعبة ‏"‏ والأول هو المحفوظ‏.‏

وقد أخرجه المصنف في ‏"‏ الأدب المفرد ‏"‏ وأبو داود من طريق عبد الأعلى بن عبد الأعلى عن سعيد بن أبي عروبة وأخرجه البيهقي من طريق عبد الوهاب بن عطاء عن ابن أبي عروبة، ولفظ البخاري ‏"‏ إذا دعي أحدكم فجاء مع الرسول فهو إذنه ‏"‏ ولفظ أبي داود مثله وزاد ‏"‏ إلى طعام ‏"‏ قال أبو داود لم يسمع قتادة من أبي رافع، كذا في اللؤلؤي عن أبي داود ولفظه في رواية أبي الحسن بن العبد يقال لم يسمع قتادة من أبي رافع شيئا‏.‏

كذا قال، وقد ثبت سماعه منه في الحديث الذي سيأتي في البخاري في كتاب التوحيد من رواية سليمان التيمي عن قتادة أن أبا رافع حدثه، وللحديث مع ذلك متابع أخرجه البخاري في ‏"‏ الأدب المفرد ‏"‏ من طريق محمد بن سيرين عن أبي هريرة بلفظ ‏"‏ رسول الرجل إلى الرجل إذنه ‏"‏ وأخرج له شاهدا موقوفا على ابن مسعود قال ‏"‏ إذا دعي الرجل فهو إذنه ‏"‏ وأخرجه ابن أبي شيبة مرفوعا‏.‏

واعتمد المنذري على كلام أبي داود فقال‏:‏ أخرجه البخاري تعليقا لأجل الانقطاع، كذا قال، ولو كان عنده منقطعا لعلقه بصيغة التمريض كما هو الأغلب من صنيعه، وهو غالبا يجزم إذا صح السند إلى من علق عنه كما قال في الزكاة ‏"‏ وقال طاوس قال معاذ ‏"‏ فذكر أثرا وطاوس لم يدرك معاذا‏.‏

وكذا إذا كان فوق من علق عنه من ليس على شرطه كما قال في الطهارة ‏"‏ وقال بهز بن حكيم عن أبيه عن جده ‏"‏ وحيث وقع فيما طواه من ليس على شرطه مرضه كما قال في النكاح ‏"‏ ويذكر عن معاوية بن حيدة‏"‏، فذكر حديثا، ومعاوية هو جد بهز بن حكيم، وقد أوضحت ذلك في المقدمة‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ ذَرٍّ و حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ ذَرٍّ أَخْبَرَنَا مُجَاهِدٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ دَخَلْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَجَدَ لَبَنًا فِي قَدَحٍ فَقَالَ أَبَا هِرٍّ الْحَقْ أَهْلَ الصُّفَّةِ فَادْعُهُمْ إِلَيَّ قَالَ فَأَتَيْتُهُمْ فَدَعَوْتُهُمْ فَأَقْبَلُوا فَاسْتَأْذَنُوا فَأُذِنَ لَهُمْ فَدَخَلُوا

الشرح‏:‏

ثم أورد المصنف طرفا من حديث مجاهد عن أبي هريرة قال ‏"‏ دخلت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجد لبنا في قدح فقال‏:‏ أبا هر، الحق أهل الصفة فادعهم إلي‏.‏

قال‏:‏ فأتيهم فدعوتهم فأقبلوا، فاستأذنوا فأذن لهم، فدخلوا ‏"‏ أقتصر منه على هذا القدر لأنه الذي أحتاج إليه هنا، وساقه في الرقاق بتمامه كما سيأتي، وظاهره يعارض الحديث الأول ومن ثم لم يجزم بالحكم‏.‏

وجمع المهلب وغيره بتنزيل ذلك على اختلاف حالين‏:‏ إن طال العهد بين الطلب والمجيء احتاج إلى استئناف الاستئذان، وكذا إن لم يطل لكن كان المستدعي في مكان يحتاج معه إلى الإذن في العادة، وإلا لم يحتج إلى استئناف إذن‏.‏

وقال ابن التين‏:‏ لعل الأول فيمن علم أنه ليس عنده من يستأذن لأجله، والثاني بخلافه‏.‏

قال‏:‏ والاستئذان على كل حال أحوط‏.‏

وقال غيره‏:‏ إن حضر صحبه الرسول أغناه استئذان الرسول ‏"‏ ويكفيه سلام الملاقاة، وإن تأخر عن الرسول احتاج إلى الاستئذان‏.‏

وبهذا جمع الطحاوي، واحتج بقوله في الحديث الثاني ‏"‏ فأقبلوا فاستأذنوا ‏"‏ فدل على أن أبا هريرة لم يكن معهم وإلا لقال فأقبلنا، كذا قال‏.‏

*3*باب التَّسْلِيمِ عَلَى الصِّبْيَانِ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب التسليم على الصبيان‏)‏ سقط لفظ ‏"‏ باب ‏"‏ لأبي ذر وكأنه ترجم بذلك للرد على من قال لا يشرع لأن الرد فرض وليس الصبي من أهل الفرض‏.‏

وأخرج ابن أبي شيبة من طريق أشعث قال‏:‏ كان الحسن لا يرى التسليم على الصبيان، وعن ابن سيرين أنه كان يسلم على الصبيان ولا يسمعهم‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ عَنْ سَيَّارٍ عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ مَرَّ عَلَى صِبْيَانٍ فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ وَقَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْعَلُهُ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏عن سيار‏)‏ بفتح المهملة وتشديد التحتانية هو أبو الحكم مشهور باسمه وكنيته معا فيجيء غالبا هكذا عن سيار أبي الحكم، وهو عنزي بفتح المهملة والنون بعدها زاي واسطي من طبقة الأعمش، وتقدمت وفاته على وفاة شيخه ثابت البناني بسنة وقيل أكثر، وليس له في الصحيحين عن ثابت إلا هذا الحديث‏.‏

وقال البزار‏:‏ لم يسند سيار عن ثابت غيره‏.‏

قلت‏:‏ ورواية شعبة عنه من رواية الأقران، وقد حدث شعبة عن ثابت نفسه بعدة أحاديث، وكأنه لم يسمع هذا منه فأدخل بينهما واسطة‏.‏

وقد روى شعبة أيضا عن آخر اسمه سيار وهو ابن سلامة أبو المنهال وليس هو المراد هنا، ولم نقف له على رواية عن ثابت‏.‏

وأخرج النسائي حديث الباب من طريق جعفر بن سليمان عن ثابت بأتم من سياقه ولفظه ‏"‏ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزور الأنصار فيسلم على صبيانهما ويمسح على رءوسهم ويدعو لهم ‏"‏ وهو مشعر بوقوع ذلك منه غير مرة، بخلاف سياق الباب حيث قال ‏"‏ مر على صبيان فسلم عليهم ‏"‏ فإنها تدل على أنها واقعة حال، ولم أقف على أسماء الصبيان المذكورين، وأخرجه مسلم والنسائي وأبو داود من طريق سليمان بن المغيرة عن ثابت بلفظ ‏"‏ غلمان ‏"‏ بدل صبيان، ووقع لابن السني وأبي نعيم في ‏"‏ عمل يوم وليلة ‏"‏ من طريق عثمان بن مطر عن ثابت بلفظ ‏"‏ فقال السلام عليكم يا صبيان ‏"‏ وعثمان واه‏.‏

ولأبي داود من طريق حميد عن أنس ‏"‏ انتهى إلينا النبي صلى الله عليه وسلم وأنا غلام في الغلمان فسلم علينا، فأرسلني برسالة ‏"‏ الحديث، وسيأتي في ‏"‏ باب حفظ السر ‏"‏ وللبخاري في ‏"‏ الأدب المفرد ‏"‏ نحوه من هذا الوجه ولفظه ‏"‏ ونحن صبيان فسلم علينا، وأرسلني في حاجة، وجلس في الطريق ينتظرني حتى رجعت ‏"‏ قال ابن بطال‏:‏ في السلام على الصبيان تدريبهم على آداب الشريعة‏.‏

وفيه طرح الأكابر رداء الكبر وسلوك التواضع ولين الجانب‏.‏

قال أبو سعيد المتولي في ‏"‏ التتمة ‏"‏ من سلم على صبي لم يجب عليه الرد لأن الصبي ليس من أهل الفرض، وينبغي لوليه أن يأمره بالرد ليتمرن على ذلك، ولو سلم على جمع فيهم صبي فرد الصبي دونهم لم يسقط عنهم الفرض، وكذا قال شيخه القاضي حسين، ورده المستظهري‏.‏

وقال النووي‏:‏ الأصح لا يجزئ، ولو ابتدأ الصبي بالسلام وجب على البالغ الرد على الصحيح‏.‏

قلت‏:‏ ويستثنى من السلام على الصبي ما لو كان وضيئا وخشي من السلام عليه الافتتان فلا يشرع ولا سيما إن كان مراهقا منفردا‏.‏

*3*باب تَسْلِيمِ الرِّجَالِ عَلَى النِّسَاءِ وَالنِّسَاءِ عَلَى الرِّجَالِ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب تسليم الرجال على النساء والنساء على الرجال‏)‏ أشار بهذه الترجمة إلى رد ما أخرجه عبد الرزاق عن معمر عن يحيى بن أبي كثير‏:‏ بلغني أنه يكره أن يسلم الرجال على النساء والنساء على الرجال‏.‏

وهو مقطوع أو معضل‏.‏

والمراد بجوازه أن يكون عند أمن الفتنة‏.‏

وذكر في الباب حديثين يؤخذ الجواز منهما‏.‏

وورد فيه حديث ليس على شرطه، وهو حديث أسماء بنت يزيد ‏"‏ مر علينا النبي صلى الله عليه وسلم في نسوة فسلم علينا ‏"‏ حسنه الترمذي وليس على شرط البخاري فاكتفى بما هو على شرطه‏.‏

وله شاهد من حديث جابر عند أحمد‏.‏

وقال الحليمي‏:‏ كان النبي صلى الله عليه وسلم للعصمة مأمونا من الفتنة، فمن وثق من نفسه بالسلامة فليسلم وإلا فالصمت أسلم‏.‏

وأخرج أبو نعيم في ‏"‏ عمل يوم وليلة ‏"‏ من حديث واثلة مرفوعا ‏"‏ يسلم الرجال على النساء ولا تسلم النساء على الرجال ‏"‏ وسنده واه ومن حديث عمرو بن حريث مثله موقوفا عليه وسنده جيد، وثبت في مسلم حديث أم هانئ ‏"‏ أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يغتسل فسلمت عليه‏"‏‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ سَهْلٍ قَالَ كُنَّا نَفْرَحُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ قُلْتُ وَلِمَ قَالَ كَانَتْ لَنَا عَجُوزٌ تُرْسِلُ إِلَى بُضَاعَةَ قَالَ ابْنُ مَسْلَمَةَ نَخْلٍ بِالْمَدِينَةِ فَتَأْخُذُ مِنْ أُصُولِ السِّلْقِ فَتَطْرَحُهُ فِي قِدْرٍ وَتُكَرْكِرُ حَبَّاتٍ مِنْ شَعِيرٍ فَإِذَا صَلَّيْنَا الْجُمُعَةَ انْصَرَفْنَا وَنُسَلِّمُ عَلَيْهَا فَتُقَدِّمُهُ إِلَيْنَا فَنَفْرَحُ مِنْ أَجْلِهِ وَمَا كُنَّا نَقِيلُ وَلَا نَتَغَدَّى إِلَّا بَعْدَ الْجُمُعَةِ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏ابن أبي حازم‏)‏ هو عبد العزيز، واسم أبي حازم سلمة بن دينار‏.‏

قوله ‏(‏كنا نفرح يوم الجمعة‏)‏ في رواية الكشميهني بيوم بزيادة موحدة في أوله، وتقدم في الجمعة من وجه آخر عن أبي حازم بلفظ ‏"‏ كنا نتمنى يوم الجمعة ‏"‏ وذكر سبب الحديث ثم قال في آخره ‏"‏ كنا نفرح بذلك‏"‏‏.‏

قوله ‏(‏قلت لسهل ولم‏)‏ ‏؟‏ بكسر اللام للاستفهام، والقائل هو أبو حازم راوي الحديث والمجيب هو سهل‏.‏

قوله ‏(‏كانت لنا عجوز‏)‏ في الجمعة ‏"‏ امرأة ‏"‏ ولم أقف على اسمها‏.‏

قوله ‏(‏ترسل إلى بضاعة‏)‏ بضم الموحدة على المشهور وحكى كسرها وبتخفيف المعجمة وبالعين المهملة وذكره بعضهم بالصاد المهملة‏.‏

قوله ‏(‏قال ابن مسلمة نخل بالمدينة‏)‏ القائل هو عبد الله بن مسلمة شيخ البخاري فيه وهو القعنبي، وفسر بضاعة بأنها نخل بالمدينة، والمراد بالنخل البستان، ولذلك كان يؤتي منها بالسلق، وقد تقدم في كتاب الجمعة أنه كانت مزرعة للمرأة المذكورة، وفسرها غيره بأنها دور بني ساعدة، وبها بئر مشهورة وبها مال من أموال المدينة، كذا قال عياض ومراده بالمال البستان وقال الإسماعيلي‏:‏ في هذا الحديث بيان أن بئر بضاعة بئر بستان، فيدل على أن قول أبي سعيد في حديثه يعني الذي أخرجه أصحاب السنن أنها كانت تطرح فيها خرق الحيض وغيرها أنها كانت تطرح في البستان فيجريها المطر ونحوه إلى البئر‏.‏

قلت‏:‏ وذكر أبو داود ‏"‏ السنن ‏"‏ أنه رأى بئر بضاعة وزرعها ورأى ماءها وبسط ذلك في كتاب الطهارة من سننه، وادعى الطحاوي أنها كانت سيحا وروى ذلك عن الواقدي، وليس هذا موضع استيعاب ذلك‏.‏

قوله ‏(‏في قدر‏)‏ في رواية الكشميهني في القدر ‏(‏وتكركر‏)‏ أي تطحن كما تقدم في الجمعة، قال الخطابي‏:‏ الكركرة الطحن والجش‏.‏

وأصله الكر، وضوعف لتكرار عود الرحى في الطحن مرة أخرى، وقد تكون الكركرة بمعنى الصوت كالجرجرة، والكركرة أيضا شدة الصوت للضحك حتى يفحش وهو فوق القرقرة‏.‏

قوله ‏(‏حبات من شعير‏)‏ بين في الرواية التي في الجمعة أنها قبضة، وقد تقدمت بقية شرحه هناك‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا ابْنُ مُقَاتِلٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا عَائِشَةُ هَذَا جِبْرِيلُ يَقْرَأُ عَلَيْكِ السَّلَامَ قَالَتْ قُلْتُ وَعَلَيْهِ السَّلَامُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ تَرَى مَا لَا نَرَى تُرِيدُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَابَعَهُ شُعَيْبٌ وَقَالَ يُونُسُ وَالنُّعْمَانُ عَنْ الزُّهْرِيِّ وَبَرَكَاتُهُ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏ابن مقاتل‏)‏ هو محمد وعبد الله هو ابن المبارك‏.‏

قوله ‏(‏يا عائشة هذا جبريل يقرأ عليك السلام‏)‏ تقدم شرحه في المناقب، وحكى ابن التين أن الداودي اعترض فقال‏:‏ لا يقال للملائكة رجال، ولكن الله ذكرهم بالتذكير‏.‏

والجواب أن جبريل كان يأتي النبي صلى الله عليه وسلم على صورة الرجل، كما تقدم في بدء الوحي وقال ابن بطال عن المهلب‏:‏ سلام الرجال على النساء والنساء على الرجال جائز إذا أمنت الفتنة، وفرق المالكية بين الشابة والعجوز سدا للذريعة، ومنع منه ربيعة مطلقا‏.‏

وقال الكوفيون‏:‏ لا يشرع للنساء ابتداء السلام على الرجال لأنهن منعن من الأذان والإقامة والجهر بالقراءة، قالوا ويستثنى المحرم فيجوز لها السلام على محرمها‏.‏

قال المهلب‏:‏ وحجة مالك حديث سهل في الباب، فإن الرجال الذين كانوا يزورونها وتطعمهم لم يكونوا من محارمها انتهى‏.‏

وقال المتولي‏:‏ إن كان للرجل زوجة أو محرم أو أمة فكالرجل مع الرجل، وإن كانت أجنبية نظر‏:‏ إن كانت جميلة يخاف الافتتان بها لم يشرع السلام لا ابتداء ولا جوابا، فلو ابتدأ أحدهما كره للآخر الرد، وإن كانت عجوزا لا يفتتن بها جاز‏.‏

وحاصل الفرق بين هذا وبين المالكية التفصيل في الشابة بين الجمال وعدمه، فإن الجمال مظنة الافتتان، بخلاف مطلق الشابة‏.‏

فلو اجتمع في المجلس رجال ونساء جاز السلام من الجانبين عند أمن الفتنة‏.‏

قوله ‏(‏تابعه شعيب‏.‏

وقال يونس والنعمان عن الزهري‏:‏ وبركاته‏)‏ أما متابعة شعيب فوصلها المؤلف في الرقاق، وأما زيادة يونس وهو ابن يزيد فتقدم في الحديث بتمامه موصولا في كتاب المناقب، وأما متابعة النعمان وهو ابن رشد فوصلها الطبراني في الكبير، ووقعت لنا بعلو في ‏"‏ جزء هلال الحفار ‏"‏ قال الإسماعيلي‏:‏ قد أخرجنا فيه من حديث ابن المبارك ‏"‏ وبركاته ‏"‏ وكان ساقه من طريق أبي إبراهيم البناني ومن طريق حبان بن موسى كلاهما عن ابن المبارك وكذا قال عقيل وعبيد الله بن أبي زياد عن الزهري‏.‏