فصل: باب كَرَاهِيَةِ التَّطَاوُلِ عَلَى الرَّقِيقِ وَقَوْلِهِ عَبْدِي أَوْ أَمَتِي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فتح الباري شرح صحيح البخاري **


*3*باب مَنْ مَلَكَ مِنْ الْعَرَبِ رَقِيقًا فَوَهَبَ وَبَاعَ وَجَامَعَ وَفَدَى وَسَبَى الذُّرِّيَّةَ

وَقَوْلِهِ تَعَالَى ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْدًا مَمْلُوكًا لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَمَنْ رَزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْرًا هَلْ يَسْتَوُونَ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب من ملك من العرب رقيقا فوهب وباع وجامع وفدى وسبى الذرية‏)‏ هذه الترجمة معقودة لبيان الخلاف في استرقاق العرب، وهي مسألة مشهورة، والجمهور على أن العربي إذا سبي جاز أن يسترق، وإذا تزوج أمة بشرطه كان ولدها رقيقا‏.‏

وذهب الأوزاعي والثوري وأبو ثور إلى أن على سيد الأمة تقويم الولد ويلزم أبوه بأداء القيمة ولا يسترق الولد أصلا، وقد جنح المصنف إلى الجواز، وأورد الأحاديث الدالة على ذلك، ففي حديث المسور ما ترجم به من الهبة‏.‏

وفي حديث أنس ما ترجم به من الفداء، وفي حديث ابن عمر ما ترجم به من سبي الذرية، وفي حديث أبي سعيد ما ترجم به من الجماع ومن الفدية أيضا، ويتضمن ما ترجم به من البيع، وفي حديث أبي هريرة ما ترجم به من البيع لقوله في بعض طرقه ‏"‏ ابتاعي ‏"‏ كما سأبينه، وقوله في الترجمة‏:‏ ‏"‏ وقوله الله تعالى‏:‏ ‏(‏عبدا مملوكا‏)‏ إلى آخر الآية ‏"‏ قال ابن المنير‏:‏ مناسبة الآية للترجمة من جهة أن الله تعالى أطلق العبد المملوك ولم يقيده بكونه عجميا فدل على أن لا فرق في ذلك بين العربي والعجمي انتهى‏.‏

وقال ابن بطال‏:‏ تأول بعض الناس من هذه الآية أن العبد لا يملك، وفي الاستدلال بها لذلك نظر لأنها نكرة في سياق الإثبات فلا عموم فيها، وقد ذكر قتادة أن المراد به الكافر خاصة‏.‏

نعم ذهب الجمهور إلى كونه لا يملك شيئا واحتجوا بحديث ابن عمر الماضي ذكره في الشرب وغيره‏.‏

وقالت طائفة‏:‏ إنه يملك، روي ذلك عن عمر وغيره‏.‏

واختلف قول مالك فقال‏:‏ من باع عبدا وله مال فماله للذي باعه إلا بشرط‏.‏

وقال فيمن أعتق عبدا وله مال‏:‏ فإن المال للعبد إلا بشرط‏.‏

قال‏:‏ وحجته في البيع حديثه عن نافع المذكور وهو نص في ذلك، وحجته في العتق ما رواه عبيد الله بن أبي جعفر عن بكير بن الأشج عن نافع عن ابن عمر رفعه ‏"‏ من أعتق عبدا فمال العبد له، إلا أن يستثنيه بسيده‏"‏‏.‏

قلت‏:‏ وهو حديث أخرجه أصحاب السنن بإسناد صحيح، وفرق بعض أصحاب مالك بأن الأصل أنه لا يملك، لكن لما كان العتق صورة إحسان إليه ناسب ذلك أن لا ينزع منه ما بيده تكميلا للإحسان، ومن ثم شرعت المكاتبة وساغ له أن يكتسب ويؤدي إلى سيده، ولولا أن له تسلطا على ما بيده في صورة العتق ما أغنى ذلك عنه شيئا، والله أعلم‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ قَالَ أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ ذَكَرَ عُرْوَةُ أَنَّ مَرْوَانَ وَالْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ أَخْبَرَاهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ حِينَ جَاءَهُ وَفْدُ هَوَازِنَ فَسَأَلُوهُ أَنْ يَرُدَّ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَسَبْيَهُمْ فَقَالَ إِنَّ مَعِي مَنْ تَرَوْنَ وَأَحَبُّ الْحَدِيثِ إِلَيَّ أَصْدَقُهُ فَاخْتَارُوا إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ إِمَّا الْمَالَ وَإِمَّا السَّبْيَ وَقَدْ كُنْتُ اسْتَأْنَيْتُ بِهِمْ وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْتَظَرَهُمْ بِضْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً حِينَ قَفَلَ مِنْ الطَّائِفِ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْرُ رَادٍّ إِلَيْهِمْ إِلَّا إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ قَالُوا فَإِنَّا نَخْتَارُ سَبْيَنَا فَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النَّاسِ فَأَثْنَى عَلَى اللَّهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ثُمَّ قَالَ أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ إِخْوَانَكُمْ قَدْ جَاءُونَا تَائِبِينَ وَإِنِّي رَأَيْتُ أَنْ أَرُدَّ إِلَيْهِمْ سَبْيَهُمْ فَمَنْ أَحَبَّ مِنْكُمْ أَنْ يُطَيِّبَ ذَلِكَ فَلْيَفْعَلْ وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَكُونَ عَلَى حَظِّهِ حَتَّى نُعْطِيَهُ إِيَّاهُ مِنْ أَوَّلِ مَا يُفِيءُ اللَّهُ عَلَيْنَا فَلْيَفْعَلْ فَقَالَ النَّاسُ طَيَّبْنَا لَكَ ذَلِكَ قَالَ إِنَّا لَا نَدْرِي مَنْ أَذِنَ مِنْكُمْ مِمَّنْ لَمْ يَأْذَنْ فَارْجِعُوا حَتَّى يَرْفَعَ إِلَيْنَا عُرَفَاؤُكُمْ أَمْرَكُمْ فَرَجَعَ النَّاسُ فَكَلَّمَهُمْ عُرَفَاؤُهُمْ ثُمَّ رَجَعُوا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرُوهُ أَنَّهُمْ طَيَّبُوا وَأَذِنُوا فَهَذَا الَّذِي بَلَغَنَا عَنْ سَبْيِ هَوَازِنَ وَقَالَ أَنَسٌ قَالَ عَبَّاسٌ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَادَيْتُ نَفْسِي وَفَادَيْتُ عَقِيلًا

الشرح‏:‏

قصة هوازن سيأتي شرحها مستوفى في المغازي، وقوله في هذه الطريق عن ابن شهاب ‏"‏ قال ذكر عروة ‏"‏ سيأتي في الشروط من طريق معمر عن الزهري ‏"‏ أخبرني عروة ‏"‏ وقوله‏:‏ ‏"‏ استأنيت ‏"‏ بالمثناة قبل الألف المهموزة الساكنة ثم نون مفتوحة وتحتانية ساكنة أي انتظرت، وقوله‏:‏ ‏"‏ حتى يفيء ‏"‏ بفتح أوله ثم فاء مكسورة وهمزة بعد التحتانية الساكنة أي يرجع إلينا من مال الكفار من خراج أو غنيمة أو غير ذلك، ولم يرد الفيء الاصطلاحي وحده‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ شَقِيقٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا ابْنُ عَوْنٍ قَالَ كَتَبْتُ إِلَى نَافِعٍ فَكَتَبَ إِلَيَّ إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَغَارَ عَلَى بَنِي الْمُصْطَلِقِ وَهُمْ غَارُّونَ وَأَنْعَامُهُمْ تُسْقَى عَلَى الْمَاءِ فَقَتَلَ مُقَاتِلَتَهُمْ وَسَبَى ذَرَارِيَّهُمْ وَأَصَابَ يَوْمَئِذٍ جُوَيْرِيَةَ حَدَّثَنِي بِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَكَانَ فِي ذَلِكَ الْجَيْشِ

الشرح‏:‏

قصة بني المصطلق من حديث ابن عمر فعبد الله المذكور في الإسناد هو ابن المبارك، وقوله‏:‏ ‏"‏ أغار على بني المصطلق ‏"‏ بضم الميم وسكون المهملة وفتح الطاء وكسر اللام بعدها قاف، وبنو المصطلق بطن شهير من خزاعة وهو المصطلق بن سعيد بن عمرو بن ربيعة بن حارثة بن عمرو بن عامر، ويقال إن المصطلق لقب واسمه جذيمة بفتح الجيم بعدها ذال معجمة مكسورة، وسيأتي شرح هذه الغزاة في كتاب المغازي إن شاء الله تعالى، وقوله‏:‏ ‏"‏ وهم غارون ‏"‏ بالغين المعجمة وتشديد الراء جمع غار بالتشديد أي غافل، أي أخذهم على غرة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وأصاب يومئذ جويرية‏)‏ بالجيم مصغرا بنت الحارث بن أبي ضرار بكسر المعجمة وتخفيف الراء ابن الحارث بن مالك بن المصطلق، وكان أبوها سيد قومه وقد أسلم بعد ذلك، وقد روى مسلم هذا الحديث من وجه آخر عن ابن عون وبين فيه أن نافعا استدل بهذا الحديث على نسخ الأمر بالدعاء إلى الإسلام قبل القتال، وسيأتي البحث في ذلك في ‏"‏ باب الدعوة قبل الق تال ‏"‏ من كتاب الجهاد إن شاء الله تعالى‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ عَنْ ابْنِ مُحَيْرِيزٍ قَالَ رَأَيْتُ أَبَا سَعِيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَسَأَلْتُهُ فَقَالَ خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ بَنِي الْمُصْطَلِقِ فَأَصَبْنَا سَبْيًا مِنْ سَبْيِ الْعَرَبِ فَاشْتَهَيْنَا النِّسَاءَ فَاشْتَدَّتْ عَلَيْنَا الْعُزْبَةُ وَأَحْبَبْنَا الْعَزْلَ فَسَأَلْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ مَا عَلَيْكُمْ أَنْ لَا تَفْعَلُوا مَا مِنْ نَسَمَةٍ كَائِنَةٍ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِلَّا وَهِيَ كَائِنَةٌ

الشرح‏:‏

حديث أبي سعيد فسيأتي الكلام عليه في كتاب النكاح مستوفى إن شاء الله تعالى حيث ساقه هناك تاما، وقوله هنا‏:‏ ‏"‏ ابن حبان ‏"‏ هو بفتح أوله والموحدة الثقيلة، وابن محيريز بالمهملة وراء وزاي مصغر، وقوله‏:‏ ‏"‏ نسمة ‏"‏ بفتح النون والمهملة أي نفس‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ الْقَعْقَاعِ عَنْ أَبِي زُرْعَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ لَا أَزَالُ أُحِبُّ بَنِي تَمِيمٍ و حَدَّثَنِي ابْنُ سَلَامٍ أَخْبَرَنَا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ عَنْ الْمُغِيرَةِ عَنْ الْحَارِثِ عَنْ أَبِي زُرْعَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَعَنْ عُمَارَةَ عَنْ أَبِي زُرْعَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ مَا زِلْتُ أُحِبُّ بَنِي تَمِيمٍ مُنْذُ ثَلَاثٍ سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِيهِمْ سَمِعْتُهُ يَقُولُ هُمْ أَشَدُّ أُمَّتِي عَلَى الدَّجَّالِ قَالَ وَجَاءَتْ صَدَقَاتُهُمْ

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذِهِ صَدَقَاتُ قَوْمِنَا وَكَانَتْ سَبِيَّةٌ مِنْهُمْ عِنْدَ عَائِشَةَ فَقَالَ أَعْتِقِيهَا فَإِنَّهَا مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ

الشرح‏:‏

حديث أبي هريرة أورده المصنف عن شيخين له كل منهما حدثه به عن جرير لكنه فرقهما، لأن أحدهما زاد فيه عن جرير إسنادا آخر، وساقه هنا على لفظ أحدهما وهو محمد بن سلام، وسيأتي في المغازي على لفظ الآخر وهو زهير بن حرب، ومغيرة هو ابن مقسم الضبي، والحارث هو ابن يزيد، والعكلي بضم المهملة وسكون الكاف وليس له في البخاري إلا هذا الحديث، وقد أغفله الكلاباذي من رجال البخاري، وهو ثقة جليل القدر من أقران الراوي عنه مغيرة لكنه تقدم عليه في الوفاة، والإسناد كله كوفيون غير طرفيه الصحابي وشيخ البخاري‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ما زلت أحب بني تميم‏)‏ أي القبيلة الكبيرة المشهورة ينتسبون إلى تميم بن مر بضم الميم بلا هاء ابن أد بضم أوله وتشديد الدال ابن طابخة بموحدة مكسورة ومعجمة ابن إلياس بن مضر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏منذ ثلاث‏)‏ أي من حين سمعت الخصال الثلاث، زاد أحمد من وجه آخر عن أبي زرعة عن أبي هريرة ‏"‏ وما كان قوم من الأحياء أبغض إلي منهم فأحببتهم ‏"‏ ا هـ، وكان ذلك لما كان يقع بينهم وبين قومه في الجاهلية من العداوة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هم أشد أمتي على الدجال‏)‏ في رواية الشعبي عن أبي هريرة عند مسلم ‏"‏ هم أشد الناس قتالا في الملاحم ‏"‏ وهي أعم من رواية أبي زرعة‏.‏

ويمكن أن يحمل العام في ذلك على الخاص فيكون المراد بالملاحم أكبرها وهو قتال الدجال، أو ذكر الدجال ليدخل غيره بطريق الأولى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذه صدقات قومنا‏)‏ إنما نسبهم إليه لاجتماع نسبهم بنسبه صلى الله عليه وسلم في إلياس بن مضر، ووقع عند الطبراني في ‏"‏ الأوسط ‏"‏ من طريق الشعبي عن أبي هريرة في هذا الحديث ‏"‏ وأتي النبي صلى الله عليه وسلم بنعم من صدقة بني سعد، فلما راعه حسنها قال‏:‏ هذه صدقة قومي ‏"‏ ا هـ، وبنو سعد بطن كبير شهير من تميم، ينسبون إلى سعد بن زيد مناة بن تميم، من أشهرهم في الصحابة قيس بن عاصم بن سنان بن خالد السعدي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ هذا سيد أهل الوبر‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وكانت سبية منهم عند عائشة‏)‏ أي من بني تميم، والمراد بطن منهم أيضا، وقد وقع عند الإسماعيلي من طريق أبي معمر عن جرير ‏"‏ وكانت على عائشة نسمة من بني إسماعيل فقدم سبي خولان فقالت عائشة يا رسول الله أبتاع منهم‏؟‏ قال‏:‏ لا‏.‏

فلما قدم سبي بني العنبر قال‏:‏ ابتاعي فإنهم ولد إسماعيل‏"‏، ووقع عند أبي عوانة من طريق الشعبي عن أبي هريرة أيضا ‏"‏ وجيء بسبي بني العنبر ‏"‏ ا هـ، وبنو العنبر بطن شهير أيضا من بني تميم ينسبون إلى العنبر - وهو بلفظ الطيب المعروف - ابن عمرو بن تميم‏.‏

‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ وقع في نسخة الصحيحين ‏"‏ سبية ‏"‏ بوزن فعيلة مفتوح الأول من السبي أو من السبا، ولم أقف على اسمها، لكن عند الإسماعيلي من طريق هارون بن معروف عن جرير ‏"‏ نسمة ‏"‏ بفتح النون والمهملة أي نفس، وله من رواية أبي معمر المذكورة ‏"‏ وكانت على عائشة نسمة من بني إسماعيل ‏"‏ وفي رواية الشعبي المذكورة عند أبي عوانة ‏"‏ وكان على عائشة محرر ‏"‏ وبين الطبراني في ‏"‏ الأوسط ‏"‏ في رواية الشعبي المذكورة المراد بالذي كان عليها وأنه كان نذرا ولفظه ‏"‏ نذرت عائشة أن تعتق محررا من بني إسماعيل ‏"‏ وله في ‏"‏ الكبير ‏"‏ من حديث دريح وهو بمهملات مصغرا ابن ذؤيب بن شعثم بضم المعجمة والمثلثة بينهما عين مهملة العنبري ‏"‏ أن عائشة قالت‏:‏ يا نبي الله إني نذرت عتيقا من ولد إسماعيل، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ اصبري حتى يجيء فيء بني العنبر غدا، فجاء فيء بني العنبر فقال لها‏:‏ خذي منهم أربعة، فأخذت رديحا وزبيبا وزخيا وسمرة ‏"‏ ا هـ‏.‏

فأما رديح فهو المذكور، وأما زبيب فهو بالزاي والموحدة مصغر أيضا - وضبطه العسكري بنون ثم موحدة - وهو ابن ثعلبة بن عمرو، وزخي بالزاي والخاء المعجمة مصغر أيضا وضبطه ابن عون بالراء أوله، وسمرة وهو ابن عمرو بن قرط بضم القاف وسكون الراء، قال في الحديث المذكور ‏"‏ فمسح النبي رءوسهم وبرك عليهم ثم قال‏:‏ يا عائشة هؤلاء من بني إسماعيل قصدا ‏"‏ ا هـ‏.‏

والذي تعين لعتق عائشة من هؤلاء الأربعة إما رديح وإما زخي، ففي سنن أبي داود من حديث الزبيب بن ثعلبة ما يرشد إلى ذلك، وفي أول الحديث عنده ‏"‏ بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم جيشا إلى بني العنبر فأخذوهم بركبة من ناحية الطائف فاستاقوهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏ وركبة بضم الراء وسكون الكاف بعدها موحدة موضع معروف وهي غير ركوبة الثنية المعروفة التي بين مكة والمدينة، وذكر ابن سعد أن سرية عيينة بن حصن هذه كانت في المحرم سنة تسع من الهجرة وأنه سبى إحدى عشرة امرأة وثلاثين صبيا والله أعلم‏.‏

وفي قوله صلى الله عليه وسلم لعائشة‏:‏ ‏"‏ ابتاعيها فأعتقيها ‏"‏ دليل للجمهور في حصة تملك العربي، وإن كان الأفضل عتق من يسترق منهم، ولذلك قال عمر‏:‏ ‏"‏ من العار أن يملك الرجل ابن عمه وبنت عمه ‏"‏ حكاه ابن بطال عن المهلب‏.‏

وقال ابن المنير‏:‏ لا بد في هذه المسألة من تفصيل، فلو كان العربي مثلا من ولد فاطمة عليهما السلام وتزوج أمة بشرطه لاستبعدنا استرقاق ولده، قال‏:‏ وإذا أفاد كون المسبي من ولد إسماعيل يقتضي استحباب إعتاقه فالذي بالمثابة التي فرضناها يقتضي وجوب حريته حتما، والله أعلم‏.‏

وفي الحديث أيضا فضيلة ظاهرة لبني تميم، وكان فيهم في الجاهلية وصدر الإسلام جماعة من الأشراف والرؤساء‏.‏

وفيه الإخبار عما سيأتي من الأحوال الكائنة في آخر الزمان‏.‏

وفيه الرد على من نسب جميع اليمن إلى بني إسماعيل لتفرقته صلى الله عليه وسلم بين خولان وهم من اليمن وبين بني العنبر وهم من مضر، والمشهور في خولان أنه ابن عمرو بن مالك بن الحارث من ولد كهلان بن سبأ‏.‏

وقال ابن الكلبي خولان بن عمرو بن الحاف بن قضاعة، وسيأتي بسط القول في ذلك في أوائل المناقب إن شاء الله تعالى‏.‏

*3*باب فَضْلِ مَنْ أَدَّبَ جَارِيَتَهُ وَعَلَّمَهَا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب فضل من أدب جاريته‏)‏ سقط لفظ ‏"‏ فضل ‏"‏ من رواية أبي ذر والنسفي، وزاد النسفي ‏"‏ وأعتقها ‏"‏ أورد فيه حديث أبي موسى مختصرا، وسيأتي الكلام عليه مستوفى في كتاب النكاح إن شاء الله تعالى‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ سَمِعَ مُحَمَّدَ بْنَ فُضَيْلٍ عَنْ مُطَرِّفٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ كَانَتْ لَهُ جَارِيَةٌ فَعَالَهَا فَأَحْسَنَ إِلَيْهَا ثُمَّ أَعْتَقَهَا وَتَزَوَّجَهَا كَانَ لَهُ أَجْرَانِ

الشرح‏:‏

مطرف المذكور في السند هو ابن طريف كوفي مشهور‏.‏

وقوله في هذه الرواية‏:‏ ‏"‏ فعلمها ‏"‏ في رواية أبي ذر عن المستملي والسرخسي ‏"‏ فعالها‏"‏

*3*باب قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعَبِيدُ إِخْوَانُكُمْ فَأَطْعِمُوهُمْ مِمَّا تَأْكُلُونَ

وَقَوْلِهِ تَعَالَى وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ ذِي الْقُرْبَى الْقَرِيبُ وَالْجُنُبُ الْغَرِيبُ الْجَارُ الْجُنُبُ يَعْنِي الصَّاحِبَ فِي السَّفَرِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب قول النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ العبيد إخوانكم فأطعموهم مما تأكلون‏)‏ لفظ هذه الترجمة أورد المصنف معناه من حديث أبي ذر، وقد رويناه في ‏"‏ كتاب الإيمان لابن منده ‏"‏ بلفظ ‏"‏ إنهم إخوانكم، فمن لامكم منهم فأطعموهم مما تأكلون واكسوهم مما تكتسون ‏"‏ وأخرجه أبو داود من طريق مورق عن أبي ذر بلفظ ‏"‏ من لامكم من مملوكيكم فأطعموهم مما تأكلون واكسوهم مما تلبسون ‏"‏ وروى البخاري في ‏"‏ الأدب المفرد ‏"‏ من طريق سلام بن عمرو عن رجل من الصحابة مرفوعا قال‏:‏ ‏"‏ أرقاؤكم إخوانكم ‏"‏ الحديث، ومن حديث جابر‏:‏ ‏"‏ كان النبي صلى الله عليه وسلم يوصي بالمملوكين خيرا ويقول‏:‏ أطعموهم مما تأكلون ‏"‏ ومن حديث أبي اليسر - بفتح التحتانية والمهملة - واسمه كعب بن عمرو الأنصاري رفعه ‏"‏ أطعموهم مما تطعمون واكسوهم مما تلبسون ‏"‏ وفيه قصته‏.‏

وأخرجه مسلم في آخر كتابه في أثناء حديث طويل‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقول الله تعالى‏:‏ واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا وبذي القربى واليتامى والمساكين - إلى قوله - مختالا فخورا‏)‏ كذا لأبي ذر، وساق في رواية كريمة الآية كلها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال أبو عبد الله‏:‏ ذي القربى القريب، والصاحب بالجنب الغريب‏)‏ هو تفسير أبي عبيدة في ‏"‏ كتاب المجاز ‏"‏ وقد خولف في الصاحب بالجنب فقيل هو المرأة، وقيل الرفيق في السفر‏.‏

والمراد بذكر هذه الآية هنا قوله تعالى‏:‏ ‏(‏وما ملكت أيمانكم‏)‏ فدخلوا فيمن أمر بالإحسان إليهم لعطفهم عليهم‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا وَاصِلٌ الْأَحْدَبُ قَالَ سَمِعْتُ الْمَعْرُورَ بْنَ سُويْدٍ قَالَ رَأَيْتُ أَبَا ذَرٍّ الْغِفَارِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَعَلَيْهِ حُلَّةٌ وَعَلَى غُلَامِهِ حُلَّةٌ فَسَأَلْنَاهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ إِنِّي سَابَبْتُ رَجُلًا فَشَكَانِي إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعَيَّرْتَهُ بِأُمِّهِ ثُمَّ قَالَ إِنَّ إِخْوَانَكُمْ خَوَلُكُمْ جَعَلَهُمْ اللَّهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ فَمَنْ كَانَ أَخُوهُ تَحْتَ يَدِهِ فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَأْكُلُ وَلْيُلْبِسْهُ مِمَّا يَلْبَسُ وَلَا تُكَلِّفُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ فَإِنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ فَأَعِينُوهُمْ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا واصل الأحدب‏)‏ هو ابن حيان بالمهملة والتحتانية الثقيلة، وهو كوفي ثقة مشهور من طبقة الأعمش، والمعرور بالعين المهملة وهو كوفي أيضا يكنى أبا أمية من كبار التابعين يقال عاش مائة وعشرين سنة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏رأيت أبا ذر‏)‏ تقدم الكلام على ذلك في كتاب الإيمان وتسمية الرجل الذي سابه أبو ذر والكلام على الحلة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أعيرته بأمه‏؟‏ ثم قال‏:‏ إن إخوانكم‏)‏ كذا هنا، وتقدم في الإيمان من وجه آخر عن شعبة بزيادة ‏"‏ إنك امرؤ فيك جاهلية، إخوانكم خولكم ‏"‏ والاختصار فيه من آدم شيخ البخاري فإن البيهقي أخرجه من وجه آخر عن آدم كذلك، ويحتمل أن يكون شعبة اختصره له لما حدثه به‏.‏

والخول بفتح المعجمة والواو هم الخدم سموا بذلك لأنهم يتخولون الأمور أي يصلحونها، ومنه الخولي لمن يقوم بإصلاح البستان، ويقال الخول جمع خائل وهو الراعي، وقيل التخويل التمليك تقول خولك الله كذا أي ملكك إياه‏.‏

وقوله‏:‏ ‏"‏ عيرته ‏"‏ أي نسبته إلى العار‏.‏

وفي قوله‏:‏ ‏"‏ بأمه ‏"‏ رد على من زعم أنه لا يتعدى بالباء وإنما يقال عيرته أمه، ومثل الحديث قول الشاعر‏:‏ ‏"‏ أيها الشامت المعير بالدهر ‏"‏ والعار العيب، وفي تقديم لفظ إخوانكم على خولكم إشارة إلى الاهتمام بالأخوة وقوله‏:‏ ‏"‏ تحت أيديكم ‏"‏ مجاز عن القدرة أو الملك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فليطعمه مما يأكل‏)‏ أي من جنس ما يأكل للتبعيض الذي دلت عليه ‏"‏ من‏"‏، ويؤيد ذلك حديث أبي هريرة الآتي بعد بابين ‏"‏ فإن لم يجلسه معه فليناوله لقمة ‏"‏ فالمراد المواساة لا المساواة من كل جهة‏.‏

لكن من أخذ بالأكمل كأبي ذر فعل المساواة وهو الأفضل، فلا يستأثر المرء على عياله من ذلك وإن كان جائزا، وفي الموطأ ومسلم عن أبي هريرة مرفوعا ‏"‏ للمملوك طعامه وكسوته بالمعروف، ولا يكلف من العمل ما لا يطيق ‏"‏ وهو يقتضي الرد في ذلك إلى العرف، فمن زاد عليه كان متطوعا‏.‏

وأما ما حكاه ابن بطال عن مالك أنه سئل عن حديث أبي ذر فقال‏:‏ ‏"‏ كانوا يومئذ ليس لهم هذا القوت ‏"‏ واستحسنه ففيه نظر لا يخفى، لأن ذلك لا يمنع حمل الأمر على عمومه في حق كل أحد بحسبه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ولا تكلفوهم ما يغلبهم‏)‏ أي عمل ما تصير قدرتهم فيه مغلوبة، أي ما يعجزون عنه لعظمه أو صعوبته، والتكليف تحميل النفس شيئا معه كلفة، وقيل هو الأمر بما يشق‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فإن كلفتوهم‏)‏ أي ما يغلبهم، وحذف للعلم به، والمراد أن يكلف العبد جنس ما يقدر عليه، فإن كان يستطيعه وحده وإلا فليعنه بغيره‏.‏

وفي الحديث النهي عن سب الرقيق وتعييرهم بمن ولدهم، والحث على الإحسان إليهم والرفق بهم، ويلتحق بالرقيق من في معناهم من أجير وغيره‏.‏

وفيه عدم الترفع على المسلم والاحتقار له‏.‏

وفيه المحافظة على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإطلاق الأخ على الرقيق، فإن أريد القرابة فهو على سبيل المجاز لنسبة الكل إلى آدم، أو المراد أخوة الإسلام ويكون العبد الكافر بطريق التبع، أو يختص الحكم بالمؤمن‏.‏

*3*باب الْعَبْدِ إِذَا أَحْسَنَ عِبَادَةَ رَبِّهِ وَنَصَحَ سَيِّدَهُ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب العبد إذا أحسن عبادة ربه ونصح سيده‏)‏ أي بيان فضله أو ثوابه‏.‏

أورد فيه أربعة أحاديث‏:‏ أحدها حديث ابن عمر المصرح بأن لمن فعل ذلك أجرين‏.‏

ثانيها‏:‏ حديث أبي موسى مثله وزيادة ذكر من كانت له جارية فعلمها وأعتقها فتزوجها، وهو طرف من حديث تقدم في الإيمان بلفظ ‏"‏ ثلاثة يؤتون أجرهم مرتين ‏"‏ فذكر فيه أيضا مؤمن أهل الكتاب‏.‏

ثالثها‏:‏ حديث أبي هريرة ‏"‏ للعبد المملوك الصالح أجران‏"‏، واسم الصلاح يشمل ما تقدم من الشرطين وهما إحسان العبادة والنصح للسيد، ونصيحة السيد تشمل أداء حقه من الخدمة وغيرها، وسيأتي في الباب الذي يليه من حديث أبي موسى بلفظ ‏"‏ ويؤدي إلى سيده الذي له عليه من الحق والنصيحة والطاعة ‏"‏ حديث أبي هريرة أيضا نعم ما لأحدهم يحسن عبادة ربه وينصح لسيده ‏"‏ وهو مفسر للحديث الذي قبله موافق للحديثين الآخرين‏.‏

‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ وقع لابن بطال عزو حديث أبي هريرة ثالث أحاديث الباب لأبي موسى، وهو غلط فاحش‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الْعَبْدُ إِذَا نَصَحَ سَيِّدَهُ وَأَحْسَنَ عِبَادَةَ رَبِّهِ كَانَ لَهُ أَجْرُهُ مَرَّتَيْنِ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب العبد إذا أحسن عبادة ربه ونصح سيده‏)‏ أي بيان فضله أو ثوابه‏.‏

أورد فيه أربعة أحاديث‏:‏ أحدها حديث ابن عمر المصرح بأن لمن فعل ذلك أجرين‏.‏

ثانيها‏:‏ حديث أبي موسى مثله وزيادة ذكر من كانت له جارية فعلمها وأعتقها فتزوجها، وهو طرف من حديث تقدم في الإيمان بلفظ ‏"‏ ثلاثة يؤتون أجرهم مرتين ‏"‏ فذكر فيه أيضا مؤمن أهل الكتاب‏.‏

ثالثها‏:‏ حديث أبي هريرة ‏"‏ للعبد المملوك الصالح أجران‏"‏، واسم الصلاح يشمل ما تقدم من الشرطين وهما إحسان العبادة والنصح للسيد، ونصيحة السيد تشمل أداء حقه من الخدمة وغيرها، وسيأتي في الباب الذي يليه من حديث أبي موسى بلفظ ‏"‏ ويؤدي إلى سيده الذي له عليه من الحق والنصيحة والطاعة ‏"‏ حديث أبي هريرة أيضا نعم ما لأحدهم يحسن عبادة ربه وينصح لسيده ‏"‏ وهو مفسر للحديث الذي قبله موافق للحديثين الآخرين‏.‏

‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ وقع لابن بطال عزو حديث أبي هريرة ثالث أحاديث الباب لأبي موسى، وهو غلط فاحش‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ صَالِحٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّمَا رَجُلٍ كَانَتْ لَهُ جَارِيَةٌ فَأَدَّبَهَا فَأَحْسَنَ تَأْدِيبَهَا وَأَعْتَقَهَا وَتَزَوَّجَهَا فَلَهُ أَجْرَانِ وَأَيُّمَا عَبْدٍ أَدَّى حَقَّ اللَّهِ وَحَقَّ مَوَالِيهِ فَلَهُ أَجْرَانِ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب العبد إذا أحسن عبادة ربه ونصح سيده‏)‏ أي بيان فضله أو ثوابه‏.‏

أورد فيه أربعة أحاديث‏:‏ أحدها حديث ابن عمر المصرح بأن لمن فعل ذلك أجرين‏.‏

ثانيها‏:‏ حديث أبي موسى مثله وزيادة ذكر من كانت له جارية فعلمها وأعتقها فتزوجها، وهو طرف من حديث تقدم في الإيمان بلفظ ‏"‏ ثلاثة يؤتون أجرهم مرتين ‏"‏ فذكر فيه أيضا مؤمن أهل الكتاب‏.‏

ثالثها‏:‏ حديث أبي هريرة ‏"‏ للعبد المملوك الصالح أجران‏"‏، واسم الصلاح يشمل ما تقدم من الشرطين وهما إحسان العبادة والنصح للسيد، ونصيحة السيد تشمل أداء حقه من الخدمة وغيرها، وسيأتي في الباب الذي يليه من حديث أبي موسى بلفظ ‏"‏ ويؤدي إلى سيده الذي له عليه من الحق والنصيحة والطاعة ‏"‏ حديث أبي هريرة أيضا نعم ما لأحدهم يحسن عبادة ربه وينصح لسيده ‏"‏ وهو مفسر للحديث الذي قبله موافق للحديثين الآخرين‏.‏

‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ وقع لابن بطال عزو حديث أبي هريرة ثالث أحاديث الباب لأبي موسى، وهو غلط فاحش‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا يُونُسُ عَنْ الزُّهْرِيِّ سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ يَقُولُ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْعَبْدِ الْمَمْلُوكِ الصَّالِحِ أَجْرَانِ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْحَجُّ وَبِرُّ أُمِّي لَأَحْبَبْتُ أَنْ أَمُوتَ وَأَنَا مَمْلُوكٌ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏والذي نفسي بيده لولا الجهاد في سبيل الله والحج وبر أمي لأحببت أن أموت وأنا مملوك‏)‏ ظاهر هذا السياق رفع هذه الجمل إلى آخرها وعلى ذلك مجرى الخطابي فقال‏:‏ لله أن يمتحن أنبياءه وأصفياءه بالرق كما امتحن يوسف ا هـ‏.‏

وجزم الداودي وابن بطال وغير واحد بأن ذلك مدرج من قول أبي هريرة، ويدل عليه من حيث المعنى قوله‏:‏ ‏"‏ وبر أمي ‏"‏ فإنه لم يكن للنبي صلى الله عليه وسلم حينئذ أم يبرها، ووجهه الكرماني فقال أراد بذلك تعليم أمته، أو أورده على سبيل فرض حياتها أو المراد أمه التي أرضعته ا هـ‏.‏

وفاته التنصيص على إدراج ذلك فقد فصله الإسماعيلي من طريق أخرى عن ابن المبارك ولفظه ‏"‏ والذي نفس أبي هريرة بيده إلخ ‏"‏ وكذلك أخرجه الحسين بن الحسن المروزي في ‏"‏ كتاب البر والصلة ‏"‏ عن ابن المبارك، وكذلك أخرجه مسلم من طريق عبد الله بن وهب وأبي صفوان الأموي والمصنف في ‏"‏ الأدب المفرد ‏"‏ من طريق سليمان بن بلال والإسماعيلي من طريق سعيد بن يحيى اللخمي وأبو عوانة من طريق عثمان بن عمر كلهم عن يونس، زاد مسلم في آخر طريق ابن وهب ‏"‏ قال - يعني الزهري - وبلغنا أن أبا هريرة لم يكن يحج حتى ماتت أمه لصحبتها ‏"‏ ولأبي عوانة وأحمد من طريق سعيد عن أبيه عن أبي هريرة أنه كان يسمعه يقول‏:‏ ‏"‏ لولا أمران لأحببت أن أكون عبدا، وذلك أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ ما خلق الله عبدا يؤدي حق الله عليه وحق سيده إلا وفاه الله أجره مرتين ‏"‏ فعرف بذلك أن الكلام المذكور من استنباط أبي هريرة، ثم استدل له بالمرفوع؛ وإنما استثنى أبو هريرة هذه الأشياء لأن الجهاد والحج يشترط فيهما إذن السيد، وكذلك بر الأم فقد يحتاج فيه إلى إذن السيد في بعض وجوهه، بخلاف بقية العبادات البدنية‏.‏

ولم يتعرض للعبادات المالية إما لكونه كان إذ ذاك لم يكن له مال يزيد على قدر حاجته فيمكنه صرفه في القربات بدون إذن السيد، وإما لأنه كان يرى أن للعبد أن يتصرف في ماله بغير إذن السيد‏.‏

‏(‏فائدة‏)‏ ‏:‏ اسم أم أبي هريرة أميمة بالتصغير وقيل ميمونة، وهي صحابية ذكر إسلامها في ‏"‏ صحيح مسلم ‏"‏ وبيان اسمها في ‏"‏ ذيل المعرفة ‏"‏ لأبي موسى قال ابن عبد البر‏:‏ معنى هذا الحديث عندي أن العبد لما اجتمع عليه أمران واجبان طاعة ربه في العبادات وطاعة سيده في المعروف فقام بهما جميعا كان له ضعف أجر الحر المطيع لطاعته، لأنه قد ساواه في طاعة الله وفضل عليه بطاعة من أمره الله بطاعته، قال ومن هنا أقول‏:‏ إن من اجتمع عليه فرضان فأداهما أفضل ممن ليس له عليه إلا فرض واحد فأداه كمن وجب عليه صلاة وزكاة فقام بهما فهو أفضل ممن وجبت عليه صلاة فقط، ومقتضاه أن من اجتمعت عليه فروض فلم يؤد منها شيئا كان عصيانه أكثر من عصيان من لم يجب عليه إلا بعضها ا هـ ملخصا‏.‏

والذي يظهر أن مزيد الفضل للعبد الموصوف بالصفة لما يدخل عليه من مشقة الرق، وإلا فلو كان التضعيف بسبب اختلاف جهة العمل لم يختص العبد بذلك‏.‏

وقال ابن التين‏:‏ المراد أن كل عمل يعمله يضاعف له، قال‏:‏ وقيل سبب التضعيف أنه زاد لسيده نصحا وفي عبادة ربه إحسانا فكان له أجر الواجبين وأجر الزيادة عليهما‏.‏

قال‏:‏ والظاهر خلاف هذا وأنه بين ذلك لئلا يظن أنه غير مأجور على العبادة ا هـ‏.‏

وما ادعى أنه الظاهر لا ينافي ما نقله قبل ذلك، فإن قيل يلزم أن يكون أجر المماليك ضعف أجر السادات أجاب الكرماني بأن لا محذور في ذلك أو يكون أجره مضاعفا من هذه الجهة، وقد يكون للسيد جهات أخرى يستحق بها أضعاف أجر العبد، أو المراد ترجيح العبد المؤدي للحقين على العبد المؤدي لأحدهما ا هـ‏.‏

ويحتمل أن يكون تضعيف الأجر مختصا بالعمل الذي يتحد فيه طاعة الله وطاعة السيد فيعمل عملا واحدا ويؤجر عليه أجرين بالاعتبارين، وأما العمل المختلف الجهة فلا اختصاص له بتضعيف الأجر فيه على غيره من الأحرار والله أعلم‏.‏

واستدل به على أن العبد لا جهاد عليه ولا حج في حال العبودية وإن صح ذلك منه‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ الْأَعْمَشِ حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِعْمَ مَا لِأَحَدِهِمْ يُحْسِنُ عِبَادَةَ رَبِّهِ وَيَنْصَحُ لِسَيِّدِهِ

الشرح‏:‏

قوله في حديث أبي هريرة ‏(‏حدثنا إسحاق بن نصر‏)‏ هو إسحاق بن إبراهيم بن نصر، نسب إلى جده‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏نعما لأحدهم‏)‏ بفتح النون وكسر العين وإدغام الميم في الأخرى، ويجوز كسر النون، وتكسر النون وتفتح أيضا مع إسكان العين وتحريك الميم، فتلك أربع لغات‏.‏

قال الزجاج ‏"‏ ما ‏"‏ بمعنى الشيء فالتقدير نعم الشيء‏.‏

ووقع لبعض رواة مسلم ‏"‏ نعمى ‏"‏ بضم النون وسكون العين مقصور بالتنوين وغيره، وهو متجه المعنى إن ثبتت به الرواية‏.‏

وقال ابن التين‏:‏ وقع في نسخة الشيخ أبي الحسن أي القابسي ‏"‏ نعم ما ‏"‏ بتشديد الميم الأولى وفتحها ولا وجه له، وإنما صوابه إدغامها في ‏"‏ ما ‏"‏ وهي كقوله تعالى‏:‏ ‏(‏إن الله نعما يعظكم به‏)‏ ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يحسن‏)‏ هو مبين للمخصوص بالمدح في قوله‏:‏ ‏"‏ نعم‏"‏، زاد مسلم من طريق همام عن أبي هريرة ‏"‏ نعما للمملوك أن يتوفى يحسن عبادة الله ‏"‏ أي يموت على ذلك، وفيه إشارة إلى أن الأعمال بالخواتيم‏.‏

*3*باب كَرَاهِيَةِ التَّطَاوُلِ عَلَى الرَّقِيقِ وَقَوْلِهِ عَبْدِي أَوْ أَمَتِي

وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ وَقَالَ عَبْدًا مَمْلُوكًا وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ وَقَالَ مِنْ فَتَيَاتِكُمْ الْمُؤْمِنَاتِ وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُومُوا إِلَى سَيِّدِكُمْ وَ اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ عِنْدَ سَيِّدِكَ وَمَنْ سَيِّدُكُمْ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب كراهية التطاول على الرقيق‏)‏ أي الترفع عليهم، والمراد مجاوزة الحد في ذلك، والمراد بالكراهة كراهة التنزيه‏.‏

قوله ‏(‏عبدي أو أمتي‏)‏ أي وكراهية ذلك من غير تحريم، ولذلك استشهد للجواز بقوله تعالى‏:‏ ‏(‏والصالحين من عبادكم وإمائكم‏)‏ وبغيرها من الآيات والأحاديث الدالة على الجواز، ثم أردفها بالحديث الوارد في النهي عن ذلك، واتفق العلماء على أن النهي الوارد في ذلك للتنزيه، حتى أهل الظاهر، إلا ما سنذكره عن ابن بطال في لفظ الرب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ قوموا إلى سيدكم‏)‏ هو طرف من حديث أبي سعيد في قصة سعد بن معاذ وحكمه على بني قريظة، وسيأتي تاما في المغازي مع الكلام عليه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ومن سيدكم‏)‏ سقط هذا من رواية النسفي وأبي ذر وأبي الوقت وثبت للباقين، وهو طرف من حديث أخرجه المؤلف في ‏"‏ الأدب المفرد ‏"‏ من طريق حجاج الصواف عن أبي الزبير قال‏:‏ ‏"‏ حدثنا جابر قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ من سيدكم يا بني سلمة‏؟‏ قلنا‏:‏ الجد بن قيس، على أنا نبخله‏.‏

قال‏:‏ وأي داء أدوى من البخل‏؟‏ بل سيدكم عمرو بن الجموح ‏"‏ وكان عمرو يعترض على أصنامهم في الجاهلية، وكان يولم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا تزوج‏.‏

وأخرجه الحاكم من طريق محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة نحوه، ورواه ابن عائشة في نوادره من طريق الشعبي مرسلا وزاد‏:‏ قال فقال بعض الأنصار في ذلك‏:‏ وقال رسول الله والقول قوله لمن قال منا من تسمون سيدا فقالوا له جد بن قيس على التي نبخله فيها وإن كان أسودا فسود عمرو بن الجموح لجوده وحق لعمرو بالندى أن يسودا انتهى‏.‏

والجد بفتح الجيم وتشديد الدال هو ابن قيس بن صخر بن خنساء بن سنان بن عبيد بن عدي بن غنم بسكون النون ابن كعب بن سلمة بكسر اللام، يكنى أبا عبد الله، له ذكر في حديث جابر أنه حمله معه في بيعة العقبة‏.‏

قال ابن عبد البر‏:‏ كان يرمى بالنفاق، ويقال‏:‏ إنه تاب وحسنت توبته، وعاش إلى أن مات في خلافة عثمان‏.‏

وأما عمرو بن الجموح بفتح الجيم وضم الميم الخفيفة وآخره مهملة ابن زيد بن حرام بمهملتين ابن كعب بن غنم بن كعب بن سلمة، قال ابن إسحاق‏:‏ كان من سادات بني سلمة، وذكر له قصة في صنمه وسبب إسلامه وقوله فيه‏:‏ تالله لو كنت إلها لم تكن أنت وكلب وسط بئر في قرن‏.‏

وروى أحمد، وعمر بن شبة في ‏"‏ أخبار المدينة ‏"‏ بإسناد حسن عن أبي قتادة أن عمرو بن الجموح أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ أرأيت إن قاتلت حتى أقتل في سبيل الله تراني أمشي برجلي هذه صحيحة في الجنة‏؟‏ فقال‏:‏ نعم‏.‏

وكانت عرجاء‏.‏

زاد عمر فقتل يوم أحد رحمه الله‏.‏

وقد روى ابن منده وأبو الشيخ في ‏"‏ الأمثال ‏"‏ والوليد بن أبان في ‏"‏ كتاب الجود ‏"‏ له من حديث كعب بن مالك ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ من سيدكم يا بني سلمة‏؟‏ قالوا جد بن قيس ‏"‏ فذكر الحديث، فقال‏:‏ ‏"‏ سيدكم بشر بن البراء بن معرور ‏"‏ وهو بسكون العين المهملة ابن صخر يجتمع مع عمرو بن الجموح في صخر، ورجال هذا الإسناد ثقات، إلا أنه اختلف في وصله وإرساله على الزهري، ويمكن الجمع بأن تحمل قصة بشر على أنها كانت بعد قتل عمرو بن الجموح جمعا بين الحديثين، ومات بشر المذكور بعد خيبر، أكل مع النبي صلى الله عليه وسلم من الشاة التي سم فيها، وكان قد شهد العقبة وبدرا، ذكره ابن إسحاق وغيره‏.‏

وما ذكره المصنف يحتاج إلى تأويل الحديث الوارد في النهي عن إطلاق السيد على المخلوق، وهو في حديث مطرف بن عبد الله بن الشخير عن أبيه عند أبي داود والنسائي والمصنف في ‏"‏ الأدب المفرد ‏"‏ ورجاله ثقات وقد صححه غير واحد، ويمكن الجمع بأن يحمل النهي عن ذلك على إطلاقه على غير المالك، والإذن بإطلاقه على المالك وقد كان بعض أكابر العلماء يأخذ بهذا ويكره أن يخاطب أحدا بلفظه أو كتابته بالسيد، ويتأكد هذا إذا كان المخاطب غير تقي، فعند أبي داود والمصنف في الأدب من حديث بريدة مرفوعا ‏"‏ لا تقولوا للمنافق سيدا ‏"‏ الحديث ونحوه عند الحاكم‏.‏

ثم أورد المصنف في الباب غير هذين المعلقين سبعة أحاديث‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ حَدَّثَنِي نَافِعٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِذَا نَصَحَ الْعَبْدُ سَيِّدَهُ وَأَحْسَنَ عِبَادَةَ رَبِّهِ كَانَ لَهُ أَجْرُهُ مَرَّتَيْنِ

الشرح‏:‏

حديثا ابن عمر وأبي موسى في العبد الذي له أجران وقد تقدما من وجهين آخرين في الباب الذي قبله‏.‏

والغرض منهما قوله في حديث ابن عمر ‏"‏ إذا نصح سيده ‏"‏ وفي حديث أبي موسى ‏"‏ ويؤدي إلى سيده‏"‏‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ بُرَيْدٍ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الْمَمْلُوكُ الَّذِي يُحْسِنُ عِبَادَةَ رَبِّهِ وَيُؤَدِّي إِلَى سَيِّدِهِ الَّذِي لَهُ عَلَيْهِ مِنْ الْحَقِّ وَالنَّصِيحَةِ وَالطَّاعَةِ لَهُ أَجْرَانِ

الشرح‏:‏

حديثا ابن عمر وأبي موسى في العبد الذي له أجران وقد تقدما من وجهين آخرين في الباب الذي قبله‏.‏

والغرض منهما قوله في حديث ابن عمر ‏"‏ إذا نصح سيده ‏"‏ وفي حديث أبي موسى ‏"‏ ويؤدي إلى سيده‏"‏‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يُحَدِّثُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ لَا يَقُلْ أَحَدُكُمْ أَطْعِمْ رَبَّكَ وَضِّئْ رَبَّكَ اسْقِ رَبَّكَ وَلْيَقُلْ سَيِّدِي مَوْلَايَ وَلَا يَقُلْ أَحَدُكُمْ عَبْدِي أَمَتِي وَلْيَقُلْ فَتَايَ وَفَتَاتِي وَغُلَامِي

الشرح‏:‏

حديث أبي هريرة، ومحمد شيخ المؤلف فيه لم أره منسوبا في شيء من الروايات إلا في رواية أبي علي بن شبويه فقال‏:‏ ‏"‏ حدثنا محمد بن سلام ‏"‏ وكذا حكاه الجياني عن رواية أبي علي بن السكن، وحكي عن الحاكم أنه الذهلي‏.‏

قلت‏:‏ وقد أخرجه مسلم عن محمد بن رافع عن عبد الرزاق فيحتمل أن يكون هو شيخ البخاري فيه، فقد حدث عنه في الصحيح أيضا، وكلام الطرقي يشير إليه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لا يقل أحدكم أطعم ربك إلخ‏)‏ هي أمثلة، وإنما ذكرت دون غيرها لغلبة استعمالها في المخاطبات، ويجوز في ألف ‏"‏ اسق ‏"‏ الوصل والقطع‏.‏

وفيه نهي العبد أن يقول لسيده ربي، كذلك نهي غيره فلا يقول له أحد ربك، ويدخل في ذلك أن يقول السيد ذلك عن نفسه فإنه قد يقول لعبده اسق ربك فيضع الظاهر موضع الضمير على سبيل التعظيم لنفسه، والسبب في النهي أن حقيقة الربوبية لله تعالى، لأن الرب هو المالك والقائم بالشيء فلا توجد حقيقة ذلك إلا لله تعالى‏.‏

قال الخطابي‏:‏ سبب المنع أن الإنسان مربوب متعبد بإخلاص التوحيد لله وترك الإشراك معه، فكره له المضاهاة في الاسم لئلا يدخل في معنى الشرك، ولا فرق في ذلك بين الحر والعبد، فأما ما لا تعبد عليه من سائر الحيوانات والجمادات فلا يكره إطلاق ذلك عليه عند الإضافة كقوله رب الدار ورب الثوب‏.‏

وقال ابن بطال‏:‏ لا يجوز أن يقال لأحد غير الله رب، كما لا يجوز أن يقال له إله أ هـ‏.‏

والذي يختص بالله تعالى إطلاق الرب بلا إضافة، أما مع الإضافة فيجوز إطلاقه كما في قوله تعالى حكاية عن يوسف عليه السلام ‏(‏اذكرني عند ربك‏)‏ ‏.‏

وقوله‏:‏ ‏(‏ارجع إلى ربك‏)‏ وقوله عليه الصلاة والسلام في أشراط الساعة ‏"‏ أن تلد الأمة ربها ‏"‏ فدل على أن النهي في ذلك محمول على الإطلاق، ويحتمل أن يكون النهي للتنزيه، وما ورد من ذلك فلبيان الجواز‏.‏

وقيل هو مخصوص بغير النبي صلى الله عليه وسلم ولا يرد ما في القرآن، أو المراد النهي عن الإكثار من ذلك واتخاذ استعمال هذه اللفظة عادة، وليس المراد النهي عن ذكرها في الجملة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وليقل سيدي مولاي‏)‏ فيه جواز إطلاق العبد على مالكه سيدي، قال القرطبي وغيره‏:‏ إنما فرق بين الرب والسيد لأن الرب من أسماء الله تعالى اتفاقا، واختلف في السيد، ولم يرد في القرآن أنه من أسماء الله تعالى‏.‏

فإن قلنا إنه ليس من أسماء الله تعالى فالفرق واضح إذ لا التباس وإن قلنا إنه من أسمائه فليس في الشهرة والاستعمال كلفظ الرب فيحصل الفرق بذلك أيضا، وقد روى أبو داود والنسائي وأحمد والمصنف في ‏"‏ الأدب المفرد ‏"‏ من حديث عبد الله بن الشخير عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏ السيد الله ‏"‏ وقال الخطابي‏:‏ إنما أطلقه لأن مرجع السيادة إلى معنى الرياسة على من تحت يده والسياسة له وحسن التدبير لأمره، ولذلك سمي الزوج سيدا، قال‏:‏ وأما المولى فكثير التصرف في الوجوه المختلفة من ولي وناصر وغير ذلك، ولكن لا يقال السيد ولا المولى على الإطلاق من غير إضافة إلا في صفة الله تعالى انتهى‏.‏

وفي الحديث جواز إطلاق مولاي أيضا، وأما ما أخرجه مسلم والنسائي من طريق الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة في هذا الحديث نحوه وزاد ‏"‏ ولا يقل أحدكم مولاي فإن مولاكم الله، ولكن ليقل سيدي ‏"‏ فقد بين مسلم الاختلاف في ذلك على الأعمش وأن منهم من ذكر هذه الزيادة ومنهم من حذفها‏.‏

وقال عياض‏:‏ حذفها أصح‏.‏

وقال القرطبي‏:‏ المشهور حذفها قال‏:‏ وإنما صرنا إلى الترجيح للتعارض مع تعذر الجمع وعدم العلم بالتاريخ انتهى‏.‏

ومقتضى ظاهر هذه الزيادة أن إطلاق السيد أسهل من إطلاق المولى، وهو خلاف المتعارف، فإن المولى يطلق على أوجه متعددة منها الأسفل والأعلى، والسيد لا يطلق إلا على الأعلى، فكان إطلاق المولى أسهل وأقرب إلى عدم الكراهة والله أعلم‏.‏

وقد رواه محمد بن سيرين عن أبي هريرة فلم يتعرض للفظ المولى إثباتا ولا نفيا، أخرجه أبو داود والنسائي والمصنف في ‏"‏ الأدب المفرد ‏"‏ بلفظ ‏"‏ لا يقولن أحدكم عبدي ولا أمتي ولا يقل المملوك ربي وربتي، ولكن ليقل المالك فتاي وفتاتي والمملوك سيدي وسيدتي، فإنكم المملوكون والرب الله تعالى ‏"‏ ويحتمل أن يكون المراد النهي عن الإطلاق كما تقدم من كلام الخطابي، ويؤيد كلامه حديث ابن الشخير المذكور والله أعلم، وعن مالك تخصيص الكراهة بالنداء فيكره أن يقول يا سيدي ولا يكره في غير النداء‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ولا يقل أحدكم عبدي أمتي‏)‏ زاد المصنف في ‏"‏ الأدب المفرد ‏"‏ ومسلم من طريق العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة ‏"‏ كلكم عبيد الله وكل نسائكم إماء الله ‏"‏ ونحو ما قدمته من رواية ابن سيرين، فأرشد صلى الله عليه وسلم إلى العلة في ذلك لأن حقيقة العبودية إنما يستحقها الله تعالى، ولأن فيها تعظيما لا يليق بالمخلوق استعماله لنفسه‏.‏

قال الخطابي‏:‏ المعنى في ذلك كله راجع إلى البراءة من الكبر والتزام الذل والخضوع لله عز وجل، وهو الذي يليق بالمربوب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وليقل فتاي وفتاتي وغلامي‏)‏ زاد مسلم في الرواية المذكورة ‏"‏ وجاريتي ‏"‏ إلى ما يؤدي المعنى مع السلامة من التعاظم، لأن لفظ الفتى والغلام ليس دالا على محض الملك كدلالة العبد، فقد كثر استعمال الفتى في الحر وكذلك الغلام والجارية، قال النووي‏:‏ المراد بالنهي من استعمله على جهة التعاظم لا من أراد التعريف انتهى‏.‏

ومحله ما إذا لم يحصل التعريف بدون ذلك استعمالا للأدب في اللفظ كما دل عليه الحديث‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ أَعْتَقَ نَصِيبًا لَهُ مِنْ الْعَبْدِ فَكَانَ لَهُ مِنْ الْمَالِ مَا يَبْلُغُ قِيمَتَهُ يُقَوَّمُ عَلَيْهِ قِيمَةَ عَدْلٍ وَأُعْتِقَ مِنْ مَالِهِ وَإِلَّا فَقَدْ عَتَقَ مِنْهُ

الشرح‏:‏

حديث ابن عمر ‏"‏ من أعتق نصيبا له من عبد ‏"‏ قد تقدم شرحه قريبا، والمراد منه إطلاق لفظ العبد، وكأن مناسبته للترجمة من جهة أنه لو لم يحكم عليه بعتق كله إذا كان موسرا لكان بذلك متطاولا عليه‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنِي نَافِعٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ كُلُّكُمْ رَاعٍ فَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ فَالْأَمِيرُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُمْ وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُمْ وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ بَعْلِهَا وَوَلَدِهِ وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْهُمْ وَالْعَبْدُ رَاعٍ عَلَى مَالِ سَيِّدِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُ أَلَا فَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ

الشرح‏:‏

حديث ‏"‏ كلكم راع ‏"‏ سيأتي الكلام عليه في أول الأحكام، والغرض منه هنا قوله‏:‏ ‏"‏ والعبد راع على مال سيده ‏"‏ فإنه إن كان ناصحا له في خدمته مؤديا له الأمانة ناسب أن يعينه ولا يتعاظم عليه‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ الزُّهْرِيِّ حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَزَيْدَ بْنَ خَالِدٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِذَا زَنَتْ الْأَمَةُ فَاجْلِدُوهَا ثُمَّ إِذَا زَنَتْ فَاجْلِدُوهَا ثُمَّ إِذَا زَنَتْ فَاجْلِدُوهَا فِي الثَّالِثَةِ أَوْ الرَّابِعَةِ بِيعُوهَا وَلَوْ بِضَفِيرٍ

الشرح‏:‏

حديث أبي هريرة وزيد بن خالد ‏"‏ إذا زنت الأمة فاجلدوها ‏"‏ سيأتي الكلام عليه مستوفى في كتاب الحدود إن شاء الله تعالى‏.‏

والغرض منه هنا ذكر الأمة وأنها إذا عصت تؤدب، فإن لم تنجع وإلا بيعت، وكل ذلك مباين للتعاظم عليها‏.‏