فصل: باب الرُّؤْيَا بِالنَّهَارِ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فتح الباري شرح صحيح البخاري **


*3*باب رُؤْيَا اللَّيْلِ رَوَاهُ سَمُرَةُ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب رؤيا الليل‏)‏ أي رؤيا الشخص في الليل هل تساوي رؤياه بالنهار أو تتفاوتان، وهل بين زمان كل منهما تفاوت‏؟‏ وكأنه يشير إلى حديث أبي سعيد ‏"‏ أصدق الرؤيا بالأسحار ‏"‏ أخرجه أحمد مرفوعا وصححه ابن حبان، وذكر نصر بن يعقوب الدينوري أن الرؤيا أول الليل يبطئ تأويلها ومن النصف الثاني يسرع بتفاوت أجزاء الليل وأن أسرعها تأويلا رؤيا السحر ولا سيما عند طلوع الفجر، وعن جعفر الصادق أسرعها تأويلا رؤيا القيلولة‏.‏

قوله ‏(‏رواه سمرة‏)‏ يشير إلى حديثه الطويل الآتي في آخر كتاب التعبير وفيه ‏"‏ أنه أتاني الليلة آتيان ‏"‏ وسيأتي الكلام عليه هناك‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمِقْدَامِ الْعِجْلِيُّ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الطُّفَاوِيُّ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ الْكَلِمِ وَنُصِرْتُ بِالرُّعْبِ وَبَيْنَمَا أَنَا نَائِمٌ الْبَارِحَةَ إِذْ أُتِيتُ بِمَفَاتِيحِ خَزَائِنِ الْأَرْضِ حَتَّى وُضِعَتْ فِي يَدِي قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ فَذَهَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنْتُمْ تَنْتَقِلُونَهَا

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏عن محمد‏)‏ هو ابن سيرين، وصرح به في رواية أسلم بن سهل عن أحمد بن المقدام شيخ البخاري فيه عند أبي نعيم، والسند كله بصريون‏.‏

قوله ‏(‏أعطيت مفاتيح الكلم، ونصرت بالرعب‏)‏ كذا في هذه الرواية، وقد أخرجه الإسماعيلي عن الحسن بن سفيان وعبد الله بن يس كلاهما عن أحمد بن المقدام شيخ البخاري فيه بلفظ ‏"‏ أعطيت جوامع الكلم ‏"‏ وأخرجه عن أبي القاسم البغوي عن أحمد بن المقدام باللفظ الذي ذكره البخاري، ووقع في رواية أسلم بن سهل بلفظ ‏"‏ فواتح الكلم ‏"‏ وسيأتي بعد أبواب من رواية سعيد بن المسيب عن أبي هريرة بلفظ ‏"‏ بعثت بجوامع الكلم ‏"‏ قال البغوي فيما ذكره عنه الإسماعيلي‏:‏ لا أعلم حدث به عن أيوب غير محمد بن عبد الرحمن‏.‏

قوله ‏(‏وبينما أنا نائم البارحة إذ أتيت بمفاتيح خزائن الأرض‏)‏ سيأتي شرحه مستوفى إن شاء الله تعالى في كتاب الاعتصام‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أُرَانِي اللَّيْلَةَ عِنْدَ الْكَعْبَةِ فَرَأَيْتُ رَجُلًا آدَمَ كَأَحْسَنِ مَا أَنْتَ رَاءٍ مِنْ أُدْمِ الرِّجَالِ لَهُ لِمَّةٌ كَأَحْسَنِ مَا أَنْتَ رَاءٍ مِنْ اللِّمَمِ قَدْ رَجَّلَهَا تَقْطُرُ مَاءً مُتَّكِئًا عَلَى رَجُلَيْنِ أَوْ عَلَى عَوَاتِقِ رَجُلَيْنِ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ فَسَأَلْتُ مَنْ هَذَا فَقِيلَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ ثُمَّ إِذَا أَنَا بِرَجُلٍ جَعْدٍ قَطَطٍ أَعْوَرِ الْعَيْنِ الْيُمْنَى كَأَنَّهَا عِنَبَةٌ طَافِيَةٌ فَسَأَلْتُ مَنْ هَذَا فَقِيلَ الْمَسِيحُ الدَّجَّالُ

الشرح‏:‏

حديث ابن عمر في رؤيته صلى الله عليه وسلم المسيح بن مريم والمسيح الدجال‏.‏

قوله ‏(‏أراني الليلة عند الكعبة‏)‏ سيأتي في ‏"‏ باب الطواف بالكعبة ‏"‏ من وجه آخر عن ابن عمر بلفظ ‏"‏ بينا أنا نائم رأيتني أطوف بالكعبة ‏"‏ الحديث، وسيأتي الكلام عليه هناك إن شاء الله تعالى‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا يَحْيَى حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ يُونُسَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ كَانَ يُحَدِّثُ أَنَّ رَجُلًا أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ إِنِّي أُرِيتُ اللَّيْلَةَ فِي الْمَنَامِ وَسَاقَ الْحَدِيثَ وَتَابَعَهُ سُلَيْمَانُ بْنُ كَثِيرٍ وَابْنُ أَخِي الزُّهْرِيِّ وَسُفْيَانُ بْنُ حُسَيْنٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ الزُّبَيْدِيُّ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ أَوْ أَبَا هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ شُعَيْبٌ وَإِسْحَاقُ بْنُ يَحْيَى عَنْ الزُّهْرِيِّ كَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يُحَدِّثُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ مَعْمَرٌ لَا يُسْنِدُهُ حَتَّى كَانَ بَعْدُ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏حدثنا يحيى‏)‏ هو ابن عبد الله بن بكير‏.‏

قوله ‏(‏أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ إني أريت الليلة في المنام‏)‏ وساق الحديث‏.‏

كذا اقتصر من الحديث على هذا القدر وساقه بعد خمسة وثلاثين بابا عن يحيى بن بكير بهذا السند بتمامه، وسيأتي شرحه هناك إن شاء الله تعالى‏.‏

قوله ‏(‏وتابعه سليمان بن كثير وابن أخي الزهري وسفيان بن حسين إلخ‏)‏ أما متابعة سليمان بن كثير فوصلها مسلم من رواية محمد بن كثير عن أخيه، ووقع لنا بعلو في مسند الدارمي، وأما متابعة ابن أخي الزهري فوصلها الذهلي في ‏"‏ الزهريات‏"‏‏.‏

وأما متابعة سفيان بن حسين فوصلها أحمد بن يزيد بن هارون عنه‏.‏

قوله ‏(‏وقال الزبيدي عن الزهري‏)‏ فذكره بالشك في ابن عباس أو أبي هريرة قلت‏:‏ وصلها مسلم أيضا‏.‏

قوله ‏(‏وقال شعيب وإسحاق بن يحيى عن الزهري كان أبو هريرة يحدث‏)‏ قلت‏:‏ وصلهما الذهلي في ‏"‏ الزهريات‏"‏‏.‏

قوله ‏(‏وكان معمر لا يسنده حتى كان بعد‏)‏ وصله إسحاق بن راهويه في مسنده عن عبد الرزاق عن معمر عن الزهري كرواية يونس ولكن قال ‏"‏ عن ابن عباس كان أبو هريرة يحدث ‏"‏ قال إسحاق ‏"‏ قال عبد الرزاق كان معمر يحدث به فيقول كان ابن عباس ‏"‏ يعني ولا يذكر عبيد الله بن عبد الله في السند حتى جاءه زمعة بكتاب فيه عن الزهري عن عبيد الله عن ابن عباس فكان لا يشك فيه بعد، وأخرجه مسلم عن محمد بن رافع، وأفاد الإسماعيلي فيه اختلافا آخر عن الزهري فساقه من رواية صالح بن كيسان عنه فقال ‏"‏ عن سليمان ابن يسار عن ابن عباس ‏"‏ والمحفوظ قول من قال ‏"‏ عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة‏"‏‏.‏

*3*باب الرُّؤْيَا بِالنَّهَارِ

وَقَالَ ابْنُ عَوْنٍ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ رُؤْيَا النَّهَارِ مِثْلُ رُؤْيَا اللَّيْلِ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب رؤيا النهار‏)‏ كذا لأبي ذر، ولغيره ‏"‏ باب الرؤيا بالنهار‏"‏‏.‏

قوله ‏(‏وقال ابن عون‏)‏ هو عبد الله ‏(‏عن ابن سيرين‏)‏ هو محمد‏.‏

قوله ‏(‏رؤيا النهار مثل الليل‏)‏ في رواية السرخسي ‏"‏ مثل رؤيا الليل ‏"‏ وهذا الأثر وصله علي بن أبي طالب القيرواني في كتاب التعبير له من طريق مسعدة بن اليسع عن عبد الله بن عون به ذكر ذلك مغلطاي‏.‏

قال القيرواني‏:‏ ولا فرق في حكم العبارة بين رؤيا الليل والنهار وكذا رؤيا النساء والرجال‏.‏

وقال المهلب نحوه، وقد تقدم نحو ما نقل عن بعضهم في التفاوت، وقد يتفاوتان أيضا في مراتب الصدق‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْخُلُ عَلَى أُمِّ حَرَامٍ بِنْتِ مِلْحَانَ وَكَانَتْ تَحْتَ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ فَدَخَلَ عَلَيْهَا يَوْمًا فَأَطْعَمَتْهُ وَجَعَلَتْ تَفْلِي رَأْسَهُ فَنَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ اسْتَيْقَظَ وَهُوَ يَضْحَكُ قَالَتْ فَقُلْتُ مَا يُضْحِكُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ نَاسٌ مِنْ أُمَّتِي عُرِضُوا عَلَيَّ غُزَاةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَرْكَبُونَ ثَبَجَ هَذَا الْبَحْرِ مُلُوكًا عَلَى الْأَسِرَّةِ أَوْ مِثْلَ الْمُلُوكِ عَلَى الْأَسِرَّةِ شَكَّ إِسْحَاقُ قَالَتْ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ فَدَعَا لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ وَضَعَ رَأْسَهُ ثُمَّ اسْتَيْقَظَ وَهُوَ يَضْحَكُ فَقُلْتُ مَا يُضْحِكُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ نَاسٌ مِنْ أُمَّتِي عُرِضُوا عَلَيَّ غُزَاةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَا قَالَ فِي الْأُولَى قَالَتْ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ قَالَ أَنْتِ مِنْ الْأَوَّلِينَ فَرَكِبَتْ الْبَحْرَ فِي زَمَانِ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ فَصُرِعَتْ عَنْ دَابَّتِهَا حِينَ خَرَجَتْ مِنْ الْبَحْرِ فَهَلَكَتْ

الشرح‏:‏

حديث أنس في قصة نوم النبي صلى الله عليه وسلم عند أم حرام وفيه ‏"‏ فدخل عليها يوما فأطعمته وجعلت تفلي رأسه فنام ‏"‏ وقد تقدم شرحه مستوفى في كتاب الاستئذان في ‏"‏ باب من رأى قوما فقال عندهم ‏"‏ أي من القائلة، وذكر ابن التين أن بعضهم زعم أن في الحديث دليلا على صحة خلافة معاوية لقوله في الحديث فركبت البحر زمن معاوية، وفيه نظر لأن المراد بزمنه زمن إمارته على الشام في خلافة عثمان، مع أنه لا تعرض في الحديث إلى إثبات الخلافة ولا نفيها بل فيه إخبار بما سيكون فكان كما أخبر ولو وقع ذلك في الوقت الذي كان معاوية خليفة لم يكن في ذلك معارضة لحديث الخلافة بعدي ثلاثون سنة لأن المراد به خلافة النبوة وأما معاوية ومن بعده فكان أكثرهم على طريقة الملوك ولو سموا خلفاء، والله أعلم‏.‏

*3*باب رُؤْيَا النِّسَاءِ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب رؤيا النساء‏)‏ تقدم كلام القيرواني وغيره في ذلك، وذكر أيضا أن المرأة إذا رأت ما ليست له أهلا فهو لزوجها وكذا حكم العبد لسيده كما أن رؤيا الطفل لأبويه، وذكر ابن بطال الاتفاق على أن رؤيا المؤمنة الصالحة داخلة في قوله ‏"‏ رؤيا المؤمن الصالح جزء من أجزاء النبوة‏"‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ حَدَّثَنِي اللَّيْثُ حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَخْبَرَنِي خَارِجَةُ بْنُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّ أُمَّ الْعَلَاءِ امْرَأَةً مِنْ الْأَنْصَارِ بَايَعَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَتْهُ أَنَّهُمْ اقْتَسَمُوا الْمُهَاجِرِينَ قُرْعَةً قَالَتْ فَطَارَ لَنَا عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ وَأَنْزَلْنَاهُ فِي أَبْيَاتِنَا فَوَجِعَ وَجَعَهُ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ فَلَمَّا تُوُفِّيَ غُسِّلَ وَكُفِّنَ فِي أَثْوَابِهِ دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْكَ أَبَا السَّائِبِ فَشَهَادَتِي عَلَيْكَ لَقَدْ أَكْرَمَكَ اللَّهُ

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا يُدْرِيكِ أَنَّ اللَّهَ أَكْرَمَهُ فَقُلْتُ بِأَبِي أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَمَنْ يُكْرِمُهُ اللَّهُ

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَّا هُوَ فَوَاللَّهِ لَقَدْ جَاءَهُ الْيَقِينُ وَاللَّهِ إِنِّي لَأَرْجُو لَهُ الْخَيْرَ وَ وَاللَّهِ مَا أَدْرِي وَأَنَا رَسُولُ اللَّهِ مَاذَا يُفْعَلُ بِي فَقَالَتْ وَاللَّهِ لَا أُزَكِّي بَعْدَهُ أَحَدًا أَبَدًا حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ بِهَذَا وَقَالَ مَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِهِ قَالَتْ وَأَحْزَنَنِي فَنِمْتُ فَرَأَيْتُ لِعُثْمَانَ عَيْنًا تَجْرِي فَأَخْبَرْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ ذَلِكَ عَمَلُهُ

الشرح‏:‏

حديث أم العلاء في قصة عثمان بن مظعون ورؤياها له العين الجارية، وقد مضى شرحه في أوائل الجنائز، وذكر في الشهادات وفي الهجرة، ويأتي الكلام على العين الجارية بعد ثلاثة عشر بابا إن شاء الله تعالى‏.‏

وقوله هنا ‏"‏ فوجع ‏"‏ أي مرض وزنه ومعناه، ويجوز ضم الواو‏.‏

*3*باب الْحُلْمُ مِنْ الشَّيْطَانِ فَإِذَا حَلَمَ فَلْيَبْصُقْ عَنْ يَسَارِهِ وَلْيَسْتَعِذْ بِاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب الحلم من الشيطان، وإذا حلم فليبصق عن يساره وليستعذ بالله‏)‏ هكذا ترجم لبعض ألفاظ الحديث، وقد تقدم شرحه قريبا، والحلم بضم المهملة وسكون اللام وقد تضم‏:‏ ما يراه النائم، ولم يحك النووي غير السكون يقال حلم بفتح اللام يحل م بضمها، وأما من الحلم بكسر أوله وسكون ثانيه فيقال حلم بضم اللام وجمع الحلم بالضم والحلم بالكسر أحلام‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ أَنَّ أَبَا قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيَّ وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفُرْسَانِهِ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ الرُّؤْيَا مِنْ اللَّهِ وَالْحُلْمُ مِنْ الشَّيْطَانِ فَإِذَا حَلَمَ أَحَدُكُمْ الْحُلُمَ يَكْرَهُهُ فَلْيَبْصُقْ عَنْ يَسَارِهِ وَلْيَسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنْهُ فَلَنْ يَضُرَّهُ

الشرح‏:‏

حديث أبي قتادة وسيأتي الإلمام بشيء منه في شرح حديث أبي هريرة في ‏"‏ باب القيد في المنام ‏"‏ وإضافة الحلم إلى الشيطان بمعنى أنها تناسب صفته من الكذب والتهويل وغير ذلك، بخلاف الرؤيا الصادقة فأضيفت إلى الله إضافة تشريف وإن كان الكل بخلق الله وتقديره، كما أن الجميع عباد الله ولو كانوا عصاة كما قال ‏(‏يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم‏)‏ وقوله تعالى ‏(‏إن عبادي ليس لك عليهم سلطان‏"‏‏.‏

*3*باب اللَّبَنِ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب اللبن‏)‏ أي إذا رئي في المنام بماذا يعبر‏؟‏ قال المهلب يدل على الفطرة والسنة والقرآن والعلم قلت‏:‏ وقد جاء في بعض الأحاديث المرفوعة تأويله بالفطرة كما أخرجه البزار من حديث أبي هريرة رفعه ‏"‏ اللبن في المنام فطرة ‏"‏ وعند الطبراني من حديث أبي بكرة رفعه ‏"‏ من رأى أنه شرب لبنا فهو الفطرة ‏"‏ ومضى في حديث أبي هريرة في أول الأشربة ‏"‏ أنه صلى الله عليه وسلم لما أخذ قدح اللبن قال له جبريل‏:‏ الحمد لله الذي هداك للفطرة ‏"‏ وذكر الدينوري أن اللبن المذكور في هذا يختص بالإبل، وإنه لشاربه مال حلال وعلم وحكمة، قال‏:‏ ولبن البقر خصب السنة ومال حلال وفطرة أيضا، ولبن الشاة مال وسرور وصحة جسم، وألبان الوحش شك في الدين، وألبان السباع غير محمودة، إلا أن لبن اللبوة مال مع عداوة لذي أمر‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدَانُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا يُونُسُ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَخْبَرَنِي حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ أُتِيتُ بِقَدَحِ لَبَنٍ فَشَرِبْتُ مِنْهُ حَتَّى إِنِّي لَأَرَى الرِّيَّ يَخْرُجُ مِنْ أَظْفَارِي ثُمَّ أَعْطَيْتُ فَضْلِي يَعْنِي عُمَرَ قَالُوا فَمَا أَوَّلْتَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ الْعِلْمَ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏حدثنا عبدان‏)‏ كذا للجميع، ووقع في أطراف المزي أن البخاري أخرج هذا الحديث في التعبير عن أبي جعفر محمد بن الصلت وفي فضل عمر عن عبدان، والموجود في الصحيح بالعكس، وعبد الله هو ابن المبارك، ويونس هو ابن يزيد، وحمزة الراوي عن ابن عمر هو ولده‏.‏

ووقع في الباب الذي يليه من وجه آخر عن الزهري عن حمزة أنه سمع عبد الله بن عمر‏.‏

قال ابن العربي‏:‏ لم يخرج البخاري هذا الحديث من غير هذه الطريق، وكان ينبغي - على طريقته - أن يخرجه عن غيره لو وجده‏.‏

قلت‏:‏ بل وجده وأخرجه كما تقدم في فضل عمر من طريق سالم أخي حمزة عن أبيهما، وإشارته إلى أن طريقة البخاري أن يخرج الحديث من طريقين فصاعدا - إلا أن لا يجد - في مقام المنع‏.‏

قوله ‏(‏حتى إني لأرى الري خارج في أظافيري‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ من أظافيري ‏"‏ وفي رواية صالح ابن كيسان ‏"‏ من أطرافي ‏"‏ وهذه الرؤيا يحتمل أن تكون بصرية وهو الظاهر، ويحتمل أن تكون علمية، ويؤيد الأول ما عند الحاكم والطبراني من طريق أبي بكر بن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه عن جده في هذا الحديث ‏"‏ فشربت حتى رأيته يجري في عروقي بين الجلد واللحم ‏"‏ على أنه محتمل أيضا‏.‏

قوله ‏(‏ثم أعطيت فضلي يعني عمر‏)‏ كذا في الأصل كأن بعض رواته شك، ووقع في رواية صالح بن كيسان بالجزم ولفظه ‏"‏ فأعطيت فضلي عمر بن الخطاب ‏"‏ وفي رواية أبي بكر بن سالم ‏"‏ ففضلت فضلة فأعطيتها عمر‏"‏‏.‏

قوله ‏(‏قالوا فما أولته‏)‏ في رواية صالح ‏"‏ فقال من حوله ‏"‏ وفي رواية سفيان بن عيينة عن الزهري عند سعيد بن منصور ‏"‏ ثم ناول فضله عمر، قال ما أولته ‏"‏‏؟‏ وظاهره أن السائل عمر، ووقع في رواية أبي بكر بن سالم أنه صلى الله عليه وسلم ‏"‏ قال لهم أولوها، قالوا‏:‏ يا نبي الله هذا علم أعطاكه الله فملأك منه، ففضلت فضلة فأعطيتها عمر، قال‏:‏ أصبتم ‏"‏ ويجمع بأن هذا وقع أولا ثم احتمل عندهم أن يكون عنده في تأويلها زيادة على ذلك فقالوا ما أولته إلخ، وقد تقدم بعض شرح هذا الحديث في كتاب العلم وبعضه في مناقب عمر، قال ابن العربي‏:‏ اللبن رزق يخلقه الله طيبا بين أخباث من دم وفرث كالعلم نور يظهره الله في ظلمة الجهل، فضرب به المثل في المنام‏.‏

قال بعض العارفين‏:‏ الذي خلص اللبن من بين فرث ودم قادر على أن يخلق المعرفة من بين شك وجهل ويحفظ العمل عن غفلة وزلل، وهو كما قال‏:‏ لكن أطردت العادة بأن العلم بالتعلم، والذي ذكره قد يقع خارقا للعادة فيكون من باب الكرامة‏.‏

وقال ابن أبي جمرة‏:‏ تأول النبي صلى الله عليه وسلم اللبن بالعلم اعتبارا بما بين له أول الأمر حين أتي بقدح خمر وقدح لبن فأخذ اللبن، فقال له جبريل‏:‏ أخذت الفطرة الحديث، قال‏:‏ وفي الحديث مشروعية قص الكبير رؤياه على من دونه، وإلقاء العالم المسائل واختبار أصحابه في تأويلها، وأن من الأدب أن يرد الطالب علم ذلك إلى معلمه‏.‏

قال‏:‏ والذي يظهر أنه لم يرد منهم أن يعبروها وإنما أراد أن يسألوه عن تعبيرها، ففهموا مراده فسألوه فأفادهم، وكذلك ينبغي أن يسلك هذا الأدب في جميع الحالات‏.‏

قال‏:‏ وفيه أن علم النبي صلى الله عليه وسلم بالله لا يبلغ أحد درجته فيه، لأنه شرب حتى رأى الري يخرج من أطرافه، وأما إعطاؤه فضله عمر ففيه إشارة إلى ما حصل لعمر من العلم بالله بحيث كان لا يأخذه في الله لومة لائم‏.‏

قال‏:‏ وفيه أن من الرؤيا ما يدل على الماضي والحال والمستقبل، قال‏:‏ وهذه أولت على الماضي، فإن رؤياه هذه تمثيل بأمر قد وقع، لأن الذي أعطيه من العلم كان قد حصل له وكذلك أعطيه عمر، فكانت فائدة هذه الرؤيا تعريف قدر النسبة بين ما أعطيه من العلم وما أعطيه عمر‏.‏

*3*باب إِذَا جَرَى اللَّبَنُ فِي أَطْرَافِهِ أَوْ أَظَافِيرِهِ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب إذا جرى اللبن في أطرافه أو أظافيره‏)‏ يعني في المنام‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ صَالِحٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ حَدَّثَنِي حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ أُتِيتُ بِقَدَحِ لَبَنٍ فَشَرِبْتُ مِنْهُ حَتَّى إِنِّي لَأَرَى الرِّيَّ يَخْرُجُ مِنْ أَطْرَافِي فَأَعْطَيْتُ فَضْلِي عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَقَالَ مَنْ حَوْلَهُ فَمَا أَوَّلْتَ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ الْعِلْمَ

الشرح‏:‏

حديث ابن عمر قد تقدم شرحه‏.‏

*3*باب الْقَمِيصِ فِي الْمَنَامِ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب القميص في المنام‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ القمص ‏"‏ بضمتين بالجمع، وكلاهما في الخبر‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ صَالِحٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو أُمَامَةَ بْنُ سَهْلٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَمَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُ النَّاسَ يُعْرَضُونَ عَلَيَّ وَعَلَيْهِمْ قُمُصٌ مِنْهَا مَا يَبْلُغُ الثَّدْيَ وَمِنْهَا مَا يَبْلُغُ دُونَ ذَلِكَ وَمَرَّ عَلَيَّ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَعَلَيْهِ قَمِيصٌ يَجُرُّهُ قَالُوا مَا أَوَّلْتَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ الدِّينَ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏حدثنا يعقوب بن إبراهيم‏)‏ أي ابن سعد بن إبراهيم، وقد مضى في كتاب الإيمان من وجه آخر عن إبراهيم بن سعد أعلى من هذا، وصالح هو ابن كيسان‏.‏

قوله ‏(‏رأيت الناس‏)‏ هو من الرؤية البصرية، وقوله ‏"‏يعرضون، حال ويجوز أن يكون من الرؤيا العلمية، ويعرضون مفعول ثان والناس بالنصب على المفعولية ويجوز فيه الرفع‏"‏‏.‏

قوله ‏(‏يعرضون‏)‏ تقدم في الإيمان بلفظ ‏"‏ يعرضون علي ‏"‏ وفي رواية عقيل الآتية بعد ‏"‏ عرضوا‏"‏‏.‏

قوله ‏(‏منها ما يبلغ الثدي‏)‏ بضم المثلثة وكسر الدال وتشديد الياء جمع ثدي بفتح ثم سكون والمعنى أن القميص قصير جدا بحيث لا يصل من الحلق إلى نحو السرة بل فوقها، وقوله ‏"‏ومنها ما يبلغ دون ذلك ‏"‏ يحتمل أن يريد دونه من جهة السفل وهو الظاهر فيكون أطول، ويحتمل أن يريد دونه من جهة العلو فيكون أقصر، ويؤيد الأول ما في رواية الحكيم الترمذي من طريق أخرى عن ابن المبارك عن يونس عن الزهري في هذا الحديث ‏"‏ فمنهم من كان قميصه إلى سرته، ومنهم من كان قميصه إلى ركبته، ومنهم من كان قميصه إلى أنصاف ساقيه‏"‏‏.‏

قوله ‏(‏ومر علي عمر بن الخطاب‏)‏ في رواية عقيل ‏"‏ وعرض علي عمر بن الخطاب‏"‏‏.‏

قوله ‏(‏قميص يجره‏)‏ في رواية عقيل ‏"‏ يجتره‏"‏‏.‏

قوله ‏(‏قالوا ما أولته‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ أولت ‏"‏ بغير ضمير، وتقدم في الإيمان أول الكتاب بلفظ ‏"‏ فما أولت ذلك ‏"‏ ووقع عند الترمذي الحكيم في الرواية المذكورة ‏"‏ فقال له أبو بكر على ما تأولت هذا يا رسول الله‏"‏‏.‏

قوله ‏(‏قال الدين‏)‏ بالنصب والتقدير أولت، ويجوز الرفع‏.‏

ووقع في رواية الحكيم المذكورة ‏"‏ قال على الإيمان‏"‏‏.‏

*3*باب جَرِّ الْقَمِيصِ فِي الْمَنَامِ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب جر القميص في المنام‏)‏ ذكر فيه حديث أبي سعيد المذكور قبله من وجه آخر عن ابن شهاب

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ حَدَّثَنِي اللَّيْثُ حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَخْبَرَنِي أَبُو أُمَامَةَ بْنُ سَهْلٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُ النَّاسَ عُرِضُوا عَلَيَّ وَعَلَيْهِمْ قُمُصٌ فَمِنْهَا مَا يَبْلُغُ الثَّدْيَ وَمِنْهَا مَا يَبْلُغُ دُونَ ذَلِكَ وَعُرِضَ عَلَيَّ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَعَلَيْهِ قَمِيصٌ يَجْتَرُّهُ قَالُوا فَمَا أَوَّلْتَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ الدِّينَ

الشرح‏:‏

حديث أبي سعيد المذكور قبله من وجه آخر عن ابن شهاب، وقد أشرت إلى الاختلاف في اسم صحابي هذا الحديث في مناقب عمر، قالوا وجه تعبير القميص بالدين أن القميص يستر العورة في الدنيا والدين يسترها في الآخرة ويحجبها عن كل مكروه، والأصل فيه قوله تعالى ‏(‏ولباس التقوى ذلك خير‏)‏ الآية‏.‏

والعرب تكني عن الفضل والعفاف بالقميص، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم لعثمان ‏"‏ إن الله سيلبسك قميصا فلا تخلعه ‏"‏ وأخرجه أحمد والترمذي وابن ماجه وصححه ابن حبان، واتفق أهل التعبير على أن القميص يعبر بالدين وأن طوله يدل على بقاء آثار صاحبه من بعده‏.‏

وفي الحديث أن أهل الدين يتفاضلون في الدين بالقلة والكثرة وبالقوة والضعف، وتقدم تقرير ذلك في كتاب الإيمان، وهذا من أمثلة ما يحمد في المنام ويذم في اليقظة شرعا أعني جر القميص، لما ثبت من الوعيد في تطويل، ومثله ما سيأتي في ‏"‏ باب القيد ‏"‏ وعكس هذا ما يذم في المنام ويحمد في اليقظة‏.‏

وفي الحديث مشروعية تعبير الرؤيا وسؤال العالم بها عن تعبيرها ولو كان هو الرائي، وفيه الثناء على الفاضل بما فيه لإظهار منزلته عند السامعين، ولا يخفى أن محل ذلك إذا أمن عليه من الفتنة بالمدح كالإعجاب، وفيه فضيلة لعمر وقد تقدم الجواب عما يستشكل من ظاهره وإيضاح أنه لا يستلزم أن يكون أفضل من أبي بكر وملخصه أن المراد بالأفضل من يكون أكثر ثوابا والأعمال علامات الثواب فمن كان عمله أكثر فدينه أقوى ومن كان دينه أقوى فثوابه أكثر ومن كان ثوابه أكثر فهو أفضل فيكون عمر أفضل من أبي بكر، وملخص الجواب أنه ليس في الحديث تصريح بالمطلوب، فيحتمل أن يكون أبو بكر لم يعرض في أولئك الناس إما لأنه كان قد عرض قبل ذلك وإما لأنه لا يعرض أصلا، وأنه لما عرض كان عليه قميص أطول من قميص عمر، ويحتمل أن يكون سر السكوت عن ذكره الاكتفاء بما علم من أفضليته، ويحتمل أن يكون وقع ذكره فذهل عنه الراوي، وعلى التنزل بأن الأصل عدم جميع هذه الاحتمالات فهو معارض بالأحاديث الدالة على أفضلية الصديق وقد تواترت تواترا معنويا فهي المعتمدة وأقوى هذه الاحتمالات أن لا يكون أبو بكر عرض مع المذكورين، والمراد من الخبر التنبيه على أن عمر ممن حصل لهم الفضل البالغ في الدين وليس فيه ما يصرح بانحصار ذلك فيه‏.‏

وقال ابن العربي‏:‏ إنما أوله النبي صلى الله عليه وسلم بالدين لأن الدين يستر عورة الجهل كما يستر الثوب عورة البدن، قال‏:‏ وأما غير عمر فالذي كان يبلغ الثدي هو الذي يستر قلبه عن الكفر وإن كان يتعاطى المعاصي، والذي كان يبلغ أسفل من ذلك وفرجه باد هو الذي لم يستر رجليه عن المشي إلى المعصية، والذي يستر رجليه هو الذي احتجب بالتقوى من جميع الوجوه، والذي يجر قميصه زائدا على ذلك بالعمل الصالح الخالص‏.‏

قال ابن أبي جمرة ما ملخصه‏:‏ المراد بالناس في هذا الحديث المؤمنون لتأويله القميص بالدين، قال‏:‏ والذي يظهر أن المراد خصوص هذه الأمة المحمدية بل بعضها، والمراد بالدين العمل بمقتضاه كالحرص على امتثال الأوامر واجتناب المناهي، وكان لعمر في ذلك المقام العالي‏.‏

قال‏:‏ ويؤخذ من الحديث أن كل ما يرى في القميص من حسن أو غيره فإنه يعبر بدين لابسه، قال‏:‏ والنكتة في القميص أن لابسه إذا اختار نزعه وإذا اختار بقاءه، فلما ألبس الله المؤمنين لباس الإيمان واتصفوا به كان الكامل في ذلك سابغ الثوب ومن لا فلا، وقد يكون نقص الثوب بسبب نقص الإيمان، وقد يكون بسبب نقص العمل والله أعلم‏.‏

وقال غيره‏:‏ القميص في الدنيا ستر عورة فما زاد على ذلك كان مذموما، وفي الآخرة زينة محضة فناسب أن يكون تعبيره بحسب هيئته من زيادة أو نقص ومن حسن وضده، فمهما زاد من ذلك كان من فضل لابسه، وينسب لكل ما يليق به من دين أو علم أو جمال أو حلم أو تقدم في فئة وضده لضده‏.‏

*3*باب الْخُضَرِ فِي الْمَنَامِ وَالرَّوْضَةِ الْخَضْرَاءِ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب الخضر في المنام والروضة الخضراء‏)‏ الخضر بضم الخاء وسكون الضاد المعجمتين جمع أخضر وهو اللون المعروف في الثياب وغيرها، ووقع في رواية النسفي ‏"‏ الخضرة ‏"‏ بسكون الضاد وفي آخرها هاء تأنيث وكذا في رواية أبي أحمد الجرجاني وبعض الشروح، قال القيرواني‏:‏ الروضة التي لا يعرف نبتها تعبر بالإسلام لنضارتها وحسن بهجتها، وتعبر أيضا بكل مكان فاضل، وقد تعبر بالمصحف وكتب العلم والعالم ونحو ذلك‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْجُعْفِيُّ حَدَّثَنَا حَرَمِيُّ بْنُ عُمَارَةَ حَدَّثَنَا قُرَّةُ بْنُ خَالِدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ قَالَ قَيْسُ بْنُ عُبَادٍ كُنْتُ فِي حَلْقَةٍ فِيهَا سَعْدُ بْنُ مَالِكٍ وَابْنُ عُمَرَ فَمَرَّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ فَقَالُوا هَذَا رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَقُلْتُ لَهُ إِنَّهُمْ قَالُوا كَذَا وَكَذَا قَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ مَا كَانَ يَنْبَغِي لَهُمْ أَنْ يَقُولُوا مَا لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ إِنَّمَا رَأَيْتُ كَأَنَّمَا عَمُودٌ وُضِعَ فِي رَوْضَةٍ خَضْرَاءَ فَنُصِبَ فِيهَا وَفِي رَأْسِهَا عُرْوَةٌ وَفِي أَسْفَلِهَا مِنْصَفٌ وَالْمِنْصَفُ الْوَصِيفُ فَقِيلَ ارْقَهْ فَرَقِيتُهُ حَتَّى أَخَذْتُ بِالْعُرْوَةِ فَقَصَصْتُهَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمُوتُ عَبْدُ اللَّهِ وَهُوَ آخِذٌ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏حدثنا الحرمي‏)‏ بمهملتين مفتوحتين هو اسم بلفظ النسب تقدم بيانه‏.‏

قوله ‏(‏عن محمد بن سيرين قال قيس بن عباد‏)‏ حذف قال الثانية على العادة في حذفها خطأ والتقدير عن محمد بن سيرين أنه قال قال قيس، ووقع في رواية ابن عون كما سيأتي بعد بابين عن محمد وهو ابن سيرين ‏"‏ حدثني قيس بن عباد ‏"‏ وهو بضم أوله وتخفيف الموحدة وآخره دال تقدم ذكره في مناقب عبد الله بن سلام بهذا الحديث، وتقدم له حديث آخر في تفسير سورة الحج وفي غزوة بدر أيضا، وليس له في البخاري سوى هذين الحديثين، وهو بصري تابعي ثقة كبير له إدراك، قدم المدينة في خلافة عمر، ووهم من عده في الصحابة‏.‏

قوله ‏(‏كنت في حلقة‏)‏ بفتح أوله وسكون اللام‏.‏

قوله ‏(‏فيها سعد بن مالك‏)‏ يعني ابن أبي وقاص، وابن عمر هو عبد الله بن عمر بن الخطاب‏.‏

قوله ‏(‏فمر عبد الله بن سلام‏)‏ هو الصحابي المشهور الإسرائيلي وأبوه بتخفيف اللام اتفاقا، وقد تقدم بيان نسبه في مناقبه من كتاب مناقب الصحابة، ووقع في رواية ابن عون الماضية في المناقب بلفظ ‏(‏كنت جالسا في مسجد المدينة فدخل رجل على وجهه أثر الخشوع، فقالوا هذا رجل من أهل الجنة ‏"‏ زاد مسلم من هذا الوجه ‏"‏ كنت بالمدينة في ناس فيهم بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاء رجل في وجهه أثر من خشوع‏"‏‏.‏

قوله ‏(‏فقالوا هذا رجل من أهل الجنة‏)‏ في رواية ابن عون المشار إليها عند مسلم ‏"‏ فقال بعض القوم‏:‏ هذا رجل من أهل الجنة وكررها ثلاثا ‏"‏ وفي رواية خرشة بفتح الخاء المعجمة والراء والشين المعجمة ابن الحر بضم الحاء وتشديد الراء المهملتين الفزاري عند مسلم أيضا ‏"‏ كنت جالسا في حلقة في مسجد المدينة وفيها شيخ حسن الهيئة وهو عبد الله بن سلام، فجعل يحدثهم حديثا حسنا، فلما قام قال القوم‏:‏ من سره أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا ‏"‏ وفي رواية النسائي من هذا الوجه ‏"‏ فجاء شيخ يتوكأ على عصا له ‏"‏ فذكر نحوه، ويجمع بينهما بأنهما قصتان اتفقتا لرجلين، فكأنه كان في مجلس يتحدث كما في رواية خرشة فلما قام ذاهبا مر على الحلقة التي فيها سعد بن أبي وقاص وابن عمر فحضر ذلك قيس بن عباد كما في روايته، وكل من خرشة وقيس اتبع عبد الله بن سلام ودخل عليه منزله وسأله فأجابه، ومن ثم اختلف الجواب بالزيادة والنقص كما سأبينه سواء كان زمن اجتماعهما بعبد الله بن سلام اتحد أم تعدد‏.‏

قوله ‏(‏فقلت له إنهم قالوا كذا وكذا‏)‏ بين في رواية ابن عون عند مسلم أن قائل ذلك رجل واحد، وفيه عنده زيادة ولفظه ثم خرج فاتبعته فدخل منزله ودخلت فتحدثنا، فلما استأنس قلت له‏:‏ إنك لما دخلت قبل قال رجل كذا وكذا، وكأنه نسب القول للجماعة والناطق به واحد لرضاهم به وسكوتهم عليه‏.‏

وفي رواية خرشة ‏"‏ فقلت والله لأتبعنه فلأعلمن مكان بيته، فانطلق حتى كان يخرج من المدينة ثم دخل منزله، فاستأذنت عليه فأذن لي فقال‏:‏ ما حاجتك يا ابن أخي‏؟‏ فقلت‏:‏ سمعت القوم يقولون ‏"‏ فذكر اللفظ الماضي وفيه ‏"‏ فأعجبني أن أكون معك ‏"‏ وسقطت هذه القصة في رواية النسائي وعنده ‏"‏ فلما قضى صلاته قلت‏:‏ زعم هؤلاء‏"‏‏.‏

قوله ‏(‏قال سبحان الله، ما كان ينبغي لهم أن يقولوا ما ليس لهم به علم‏)‏ تقدم بيان المراد من هذا في المناقب مفصلا، ووقع في رواية خرشة ‏"‏ فقال‏:‏ الله أعلم بأهل الجنة، وسأحدثك مما قالوا ذلك ‏"‏ فذكر المنام، وهذا يقوي احتمال أنه أنكر عليهم الجزم ولم ينكر أصل الإخبار بأنه من أهل الجنة، وهذا شأن المراقب الخائف المتواضع‏.‏

ووقع في رواية النسائي ‏"‏ الجنة لله يدخلها من يشاء ‏"‏ زاد ابن ماجه من هذا الوجه ‏"‏ الحمد لله‏"‏‏.‏

قوله ‏(‏إنما رأيت كأنما عمود وضع في روضة خضراء‏)‏ بين في رواية ابن عون أن العمود كان في وسط الروضة، ولم يصف الروضة في هذه الرواية، وتقدم في المناقب من رواية ابن عون ‏"‏ رأيت كأني في روضة ‏"‏ ذكر من سعتها وخضرتها‏.‏

قال الكرماني‏:‏ يحتمل أن يراد بالروضة جميع ما يتعلق بالدين، وبالعمود الأركان الخمسة، وبالعروة الوثقى الإيمان‏.‏

قوله ‏(‏فنصب فيها‏)‏ بضم النون وكسر المهملة بعدها موحدة‏.‏

وفي رواية المستملي والكشميهني ‏"‏ قبضت ‏"‏ بفتح القاف والموحدة بعدها ضاد معجمة ساكنة ثم تاء المتكلم‏.‏

قوله ‏(‏وفي رأسها عروة‏)‏ في رواية ابن عون‏:‏ ‏"‏ وفي أعلى العمود عروة ‏"‏ وفي روايته في المناقب ‏"‏ ووسطها عمود من حديد أسفله في الأرض وأعلاه في السماء في أعلاه عروة ‏"‏ وعرف من هذا أن الضمير في قوله وفي رأسها للعمود والعمود مذكر وكأنه أنث باعتبار الدعامة‏.‏

قوله ‏(‏وفي أسفلها منصف‏)‏ تقدم ضبطه في المناقب‏.‏

قوله ‏(‏والمنصف الوصيف‏)‏ هذا مدرج في الخبر، وهو تفسير من ابن سيرين بدليل قوله في رواية مسلم ‏"‏ فجاءني منصف ‏"‏ قال ابن عون‏:‏ والمنصف الخادم ‏"‏ فقال بثيابي من خلف ‏"‏ ووصف أنه رفعه من خلفه بيده‏.‏

قوله ‏(‏فرقيت‏)‏ بكسر القاف على الأفصح ‏(‏فاستمسكت بالعروة‏)‏ زاد في رواية المناقب ‏"‏ فرقيت حتى كنت في أعلاها أخذت بالعروة فاستمسكت فاستيقظت وإنها لفي يدي ‏"‏ ووقع في رواية خرشة حتى أتى بي عمودا رأسه في السماء وأسفله في الأرض في أعلاه حلقة فقال لي‏:‏ اصعد فوق هذا، قال قلت‏:‏ كيف أصعد‏؟‏ فأخذ بيدي فزجل بي ‏"‏ وهو بزاي وجيم أي رفعني ‏(‏فإذا أنا متعلق بالحلقة، ثم ضرب العمود فخر وبقيت متعلقا بالحلقة حتى أصبحت ‏"‏ وفي رواية خرشة أيضا زيادة في أول المنام ولفظه ‏"‏ إني بينما أنا نائم إذ أتاني رجل فقال لي‏:‏ قم، فأخذ بيدي فانطلقت معه، فإذا أنا بجواد ‏"‏ بجيم ودال مشددة جمع جادة وهي الطريق المسلوكة ‏"‏ عن شمالي‏.‏

قال فأخذت لآخذ فيها أي أسير فقال‏:‏ لا تأخذ فيها فإنها طرق أصحاب الشمال ‏"‏ وفي رواية النسائي من طريقه ‏"‏ فبينا أنا أمشي إذ عرض لي طريق عن شمالي فأردت أن أسلكها فقال إنك لست من أهلها‏"‏‏.‏

رجع إلى رواية مسلم قال ‏"‏ وإذا منهج على يميني فقال لي‏:‏ خذ هاهنا، فأتى بي جبلا فقال لي‏:‏ اصعد، قال فجعلت إذا أردت أن أصعد خررت حتى فعلت ذلك مرارا ‏"‏ وفي رواية النسائي وابن ماجه ‏"‏ جبلا زلقا فأخذ بيدي فزجل بي فإذا أنا في ذروته، فلم أتقار ولم أتماسك، وإذا عمود حديد في ذروته حلقة من ذهب، فأخذ بيدي فزجل بي حتى أخذت بالعروة فقال‏:‏ استمسك، فاستمسكت، قال فضرب العمود برجله فاستمسكت بالعروة‏"‏‏.‏

قوله ‏(‏فقصصتها على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ يموت عبد الله وهو آخذ بالعروة الوثقى‏)‏ زاد في رواية ابن عون فقال ‏"‏ تلك الروضة روضة الإسلام، وذلك العمود عمود الإسلام، وتلك العروة عروة الوثقى لا تزال مستمسكا بالإسلام حتى تموت ‏"‏ وزاد في رواية خرشة عند النسائي وابن ماجه ‏"‏ فقال رأيت خيرا، أما المنهج فالمحشر، وأما الطريق ‏"‏ وفي رواية مسلم ‏"‏ فقال أما الطرق التي عن يسارك فهي طرق أصحاب الشمال، والطرق التي عن يمينك طرق أصحاب اليمين ‏"‏ وفي رواية النسائي ‏"‏ طرق أهل النار وطرق أهل الجنة ‏"‏ ثم اتفقا ‏"‏ وأما الجبل فهو منزل الشهداء ‏"‏ زاد مسلم ‏"‏ ولن تناله وأما العمود ‏"‏ إلى آخره، وزاد النسائي وابن ماجه في آخره ‏"‏ فأنا أرجو أن أكون من أهلها، وفي الحديث منقبة لعبد الله بن سلام وفيه من تعبير الرؤيا معرفة اختلاف الطرق وتأويل للعمود والجبل والروضة الخضراء والعروة وفيه من أعلام النبوة أن عبد الله بن سلام لا يموت شهيدا فوقع كذلك مات على فراشه في أول خلافة معاوية بالمدينة‏.‏

ونقل ابن التين عن الداودي أن القوم إنما قالوا في عبد الله بن سلام أنه من أهل الجنة لأنه كان من أهل بدر، كذا قال والذي أوردته من طرق القصة يدل على أنهم إنما أخذوا ذلك من قوله لما ذكر طريق الشمال ‏"‏ إنك لست من أهلها ‏"‏ وإنما قال ‏"‏ ما كان ينبغي لهم أن يقولوا ما ليس لهم به علم، على سبيل التواضع كما تقدم، وكراهة أن يشار إليه بالأصابع خشية أن يدخله العجب، ثم إنه ليس من أهل بدر أصلا‏.‏

والله أعلم‏.‏

*3*باب كَشْفِ الْمَرْأَةِ فِي الْمَنَامِ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب كشف المرأة في المنام‏)‏ وقوله بعده‏:‏ ‏(‏باب ثياب الحرير في المنام‏)‏ ذكر فيهما حديث عائشة في رؤية النبي صلى الله عليه وسلم لها في المنام قبل أن يتزوجها، وساقه في الأول من طريق أبي أسامة وفي الثاني من طريق أبي معاوية كلاهما عن هشام وهو ابن عروة بن الزبير عن أبيه عنها، وزاد في رواية أبي أسامة ‏"‏ فيقول‏:‏ هذه امرأتك ‏"‏ وبهذه الزيادة ينتظم الكلام، وزاد في رواية أبي معاوية قبل ‏"‏ أن أتزوجك ‏"‏ وأعاد فيها صورة المنام بيانا لقوله أريتك مرتين فقال في روايته ‏"‏ رأيت الملك، يحملك ‏"‏ ثم قال ‏"‏ أريتك يحملك ‏"‏ وقال في المرتين ‏"‏ فقلت له اكشف ‏"‏ ووقع في رواية أبي أسامة ‏"‏ فاكشفها ‏"‏ والضمير لقوله ‏"‏ امرأتك ‏"‏ وقد تقدم في السيرة النبوية قبل الهجرة إلى المدينة من طريق وهيب بن خالد عن هشام بنحو سياق أبي أسامة، وتقدم في النكاح من طريق حماد بن زيد عن هشام ولفظه ‏"‏ فقال لي‏:‏ هذه امرأتك، فكشفت عن وجهك ‏"‏ ويجمع هذا الاختلاف أن نسبة الكشف إليه لكونه الأمر به وأن الذي باشر الكشف هو الملك ووقع في هذه الطريق عند مسلم والإسماعيلي بعد قوله المنام ‏"‏ ثلاث ليال ‏"‏ فلعل البخاري حذفها لأن الأكثر رووه بلفظ مرتين، وكذلك أخرجه مسلم من رواية عبد الله بن إدريس وأبو عوانة من رواية مالك ومن رواية يونس بن بكير ومن رواية عبد العزيز بن المختار كلهم عن هشام ابن عروة جازمين بمرتين، ومن رواية حماد بن سلمة عن هشام فقال في روايته ‏"‏ مرتين أو ثلاثا ‏"‏ بالشك فيحتمل أن يكون الشك من هشام فاقتصر البخاري على المحقق وهو قوله ‏"‏ مرتين ‏"‏ وتأكد ذلك عنده برواية أبي معاوية المفسرة، وحذف لفظ ثلاث من رواية حماد بن زيد لأن أصل الحديث ثابت، وقوله ‏"‏فإذا هي أنت ‏"‏ قال القرطبي يريد أنه رآها في النوم كما رآها في اليقظة، فكانت المراد بالرؤيا لا غيرها وقد بين حماد بن سلمة في روايته المراد ولفظه ‏"‏ أتيت بجارية في سرقة من حرير بعد وفاة خديجة فكشفتها فإذا هي أنت ‏"‏ الحديث، وهذا يدفع الاحتمال الذي ذكره ابن بطال ومن تبعه حيث جوزوا أن هذه الرؤية قبل أن يوحى إليه، وقد تقدم تفسير السرقة وضبطها، وأن الملك المذكور هو جبريل، وكثير من مباحثه في كتاب النكاح، وذكرت احتمالا عن عياض في قوله ‏"‏ إن يكن هذا من عند الله يمضه ‏"‏ ثم وجدته أخذ أكثره من كلام ابن بطال‏.‏

ومحمد في السند الثاني جزم السرخسي في رواية أبي ذر عنه أنه أبو كريب محمد بن العلاء، وكلام الكلاباذي يقتضي أنه ابن سلام، قال ابن بطال‏:‏ رؤيا المرأة في المنام يختلف على وجوه‏:‏ منها أن يتزوج الرائي حقيقة بمن يراها أو شبهها، ومنها أن يدل على حصول دنيا أو منزلة فيها أو سعة في الرزق، وهذا أصل عند المعبرين في ذلك‏.‏

وقد تدل المرأة بما يقترن بها في الرؤيا على فتنة تحصل للرائي‏.‏

وأما ثياب الحرير فيدل اتخاذها للنساء في المنام على النكاح وعلى العزاء وعلى الغنى وعلى زيادة في البدن، قالوا‏:‏ والملبوس كله يدل على جسم لابسه لكونه يشتمل عليه، ولا سيما واللباس في العرف دال على أقدار الناس وأحوالهم‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُرِيتُكِ فِي الْمَنَامِ مَرَّتَيْنِ إِذَا رَجُلٌ يَحْمِلُكِ فِي سَرَقَةٍ مِنْ حَرِيرٍ فَيَقُولُ هَذِهِ امْرَأَتُكَ فَأَكْشِفُهَا فَإِذَا هِيَ أَنْتِ فَأَقُولُ إِنْ يَكُنْ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ يُمْضِهِ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب كشف المرأة في المنام‏)‏ وقوله بعده‏:‏ ‏(‏باب ثياب الحرير في المنام‏)‏ ذكر فيهما حديث عائشة في رؤية النبي صلى الله عليه وسلم لها في المنام قبل أن يتزوجها، وساقه في الأول من طريق أبي أسامة وفي الثاني من طريق أبي معاوية كلاهما عن هشام وهو ابن عروة بن الزبير عن أبيه عنها، وزاد في رواية أبي أسامة ‏"‏ فيقول‏:‏ هذه امرأتك ‏"‏ وبهذه الزيادة ينتظم الكلام، وزاد في رواية أبي معاوية قبل ‏"‏ أن أتزوجك ‏"‏ وأعاد فيها صورة المنام بيانا لقوله أريتك مرتين فقال في روايته ‏"‏ رأيت الملك، يحملك ‏"‏ ثم قال ‏"‏ أريتك يحملك ‏"‏ وقال في المرتين ‏"‏ فقلت له اكشف ‏"‏ ووقع في رواية أبي أسامة ‏"‏ فاكشفها ‏"‏ والضمير لقوله ‏"‏ امرأتك ‏"‏ وقد تقدم في السيرة النبوية قبل الهجرة إلى المدينة من طريق وهيب بن خالد عن هشام بنحو سياق أبي أسامة، وتقدم في النكاح من طريق حماد بن زيد عن هشام ولفظه ‏"‏ فقال لي‏:‏ هذه امرأتك، فكشفت عن وجهك ‏"‏ ويجمع هذا الاختلاف أن نسبة الكشف إليه لكونه الأمر به وأن الذي باشر الكشف هو الملك ووقع في هذه الطريق عند مسلم والإسماعيلي بعد قوله المنام ‏"‏ ثلاث ليال ‏"‏ فلعل البخاري حذفها لأن الأكثر رووه بلفظ مرتين، وكذلك أخرجه مسلم من رواية عبد الله بن إدريس وأبو عوانة من رواية مالك ومن رواية يونس بن بكير ومن رواية عبد العزيز بن المختار كلهم عن هشام ابن عروة جازمين بمرتين، ومن رواية حماد بن سلمة عن هشام فقال في روايته ‏"‏ مرتين أو ثلاثا ‏"‏ بالشك فيحتمل أن يكون الشك من هشام فاقتصر البخاري على المحقق وهو قوله ‏"‏ مرتين ‏"‏ وتأكد ذلك عنده برواية أبي معاوية المفسرة، وحذف لفظ ثلاث من رواية حماد بن زيد لأن أصل الحديث ثابت، وقوله ‏"‏فإذا هي أنت ‏"‏ قال القرطبي يريد أنه رآها في النوم كما رآها في اليقظة، فكانت المراد بالرؤيا لا غيرها وقد بين حماد بن سلمة في روايته المراد ولفظه ‏"‏ أتيت بجارية في سرقة من حرير بعد وفاة خديجة فكشفتها فإذا هي أنت ‏"‏ الحديث، وهذا يدفع الاحتمال الذي ذكره ابن بطال ومن تبعه حيث جوزوا أن هذه الرؤية قبل أن يوحى إليه، وقد تقدم تفسير السرقة وضبطها، وأن الملك المذكور هو جبريل، وكثير من مباحثه في كتاب النكاح، وذكرت احتمالا عن عياض في قوله ‏"‏ إن يكن هذا من عند الله يمضه ‏"‏ ثم وجدته أخذ أكثره من كلام ابن بطال‏.‏

ومحمد في السند الثاني جزم السرخسي في رواية أبي ذر عنه أنه أبو كريب محمد بن العلاء، وكلام الكلاباذي يقتضي أنه ابن سلام، قال ابن بطال‏:‏ رؤيا المرأة في المنام يختلف على وجوه‏:‏ منها أن يتزوج الرائي حقيقة بمن يراها أو شبهها، ومنها أن يدل على حصول دنيا أو منزلة فيها أو سعة في الرزق، وهذا أصل عند المعبرين في ذلك‏.‏

وقد تدل المرأة بما يقترن بها في الرؤيا على فتنة تحصل للرائي‏.‏

وأما ثياب الحرير فيدل اتخاذها للنساء في المنام على النكاح وعلى العزاء وعلى الغنى وعلى زيادة في البدن، قالوا‏:‏ والملبوس كله يدل على جسم لابسه لكونه يشتمل عليه، ولا سيما واللباس في العرف دال على أقدار الناس وأحوالهم‏.‏

*3*باب ثِيَابِ الْحَرِيرِ فِي الْمَنَامِ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب كشف المرأة في المنام‏)‏ وقوله بعده‏:‏ ‏(‏باب ثياب الحرير في المنام‏)‏ ذكر فيهما حديث عائشة في رؤية النبي صلى الله عليه وسلم لها في المنام قبل أن يتزوجها، وساقه في الأول من طريق أبي أسامة وفي الثاني من طريق أبي معاوية كلاهما عن هشام وهو ابن عروة بن الزبير عن أبيه عنها، وزاد في رواية أبي أسامة ‏"‏ فيقول‏:‏ هذه امرأتك ‏"‏ وبهذه الزيادة ينتظم الكلام، وزاد في رواية أبي معاوية قبل ‏"‏ أن أتزوجك ‏"‏ وأعاد فيها صورة المنام بيانا لقوله أريتك مرتين فقال في روايته ‏"‏ رأيت الملك، يحملك ‏"‏ ثم قال ‏"‏ أريتك يحملك ‏"‏ وقال في المرتين ‏"‏ فقلت له اكشف ‏"‏ ووقع في رواية أبي أسامة ‏"‏ فاكشفها ‏"‏ والضمير لقوله ‏"‏ امرأتك ‏"‏ وقد تقدم في السيرة النبوية قبل الهجرة إلى المدينة من طريق وهيب بن خالد عن هشام بنحو سياق أبي أسامة، وتقدم في النكاح من طريق حماد بن زيد عن هشام ولفظه ‏"‏ فقال لي‏:‏ هذه امرأتك، فكشفت عن وجهك ‏"‏ ويجمع هذا الاختلاف أن نسبة الكشف إليه لكونه الأمر به وأن الذي باشر الكشف هو الملك ووقع في هذه الطريق عند مسلم والإسماعيلي بعد قوله المنام ‏"‏ ثلاث ليال ‏"‏ فلعل البخاري حذفها لأن الأكثر رووه بلفظ مرتين، وكذلك أخرجه مسلم من رواية عبد الله بن إدريس وأبو عوانة من رواية مالك ومن رواية يونس بن بكير ومن رواية عبد العزيز بن المختار كلهم عن هشام ابن عروة جازمين بمرتين، ومن رواية حماد بن سلمة عن هشام فقال في روايته ‏"‏ مرتين أو ثلاثا ‏"‏ بالشك فيحتمل أن يكون الشك من هشام فاقتصر البخاري على المحقق وهو قوله ‏"‏ مرتين ‏"‏ وتأكد ذلك عنده برواية أبي معاوية المفسرة، وحذف لفظ ثلاث من رواية حماد بن زيد لأن أصل الحديث ثابت، وقوله ‏"‏فإذا هي أنت ‏"‏ قال القرطبي يريد أنه رآها في النوم كما رآها في اليقظة، فكانت المراد بالرؤيا لا غيرها وقد بين حماد بن سلمة في روايته المراد ولفظه ‏"‏ أتيت بجارية في سرقة من حرير بعد وفاة خديجة فكشفتها فإذا هي أنت ‏"‏ الحديث، وهذا يدفع الاحتمال الذي ذكره ابن بطال ومن تبعه حيث جوزوا أن هذه الرؤية قبل أن يوحى إليه، وقد تقدم تفسير السرقة وضبطها، وأن الملك المذكور هو جبريل، وكثير من مباحثه في كتاب النكاح، وذكرت احتمالا عن عياض في قوله ‏"‏ إن يكن هذا من عند الله يمضه ‏"‏ ثم وجدته أخذ أكثره من كلام ابن بطال‏.‏

ومحمد في السند الثاني جزم السرخسي في رواية أبي ذر عنه أنه أبو كريب محمد بن العلاء، وكلام الكلاباذي يقتضي أنه ابن سلام، قال ابن بطال‏:‏ رؤيا المرأة في المنام يختلف على وجوه‏:‏ منها أن يتزوج الرائي حقيقة بمن يراها أو شبهها، ومنها أن يدل على حصول دنيا أو منزلة فيها أو سعة في الرزق، وهذا أصل عند المعبرين في ذلك‏.‏

وقد تدل المرأة بما يقترن بها في الرؤيا على فتنة تحصل للرائي‏.‏

وأما ثياب الحرير فيدل اتخاذها للنساء في المنام على النكاح وعلى العزاء وعلى الغنى وعلى زيادة في البدن، قالوا‏:‏ والملبوس كله يدل على جسم لابسه لكونه يشتمل عليه، ولا سيما واللباس في العرف دال على أقدار الناس وأحوالهم‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ أَخْبَرَنَا هِشَامٌ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُرِيتُكِ قَبْلَ أَنْ أَتَزَوَّجَكِ مَرَّتَيْنِ رَأَيْتُ الْمَلَكَ يَحْمِلُكِ فِي سَرَقَةٍ مِنْ حَرِيرٍ فَقُلْتُ لَهُ اكْشِفْ فَكَشَفَ فَإِذَا هِيَ أَنْتِ فَقُلْتُ إِنْ يَكُنْ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ يُمْضِهِ ثُمَّ أُرِيتُكِ يَحْمِلُكِ فِي سَرَقَةٍ مِنْ حَرِيرٍ فَقُلْتُ اكْشِفْ فَكَشَفَ فَإِذَا هِيَ أَنْتِ فَقُلْتُ إِنْ يَكُ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ يُمْضِهِ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب كشف المرأة في المنام‏)‏ وقوله بعده‏:‏ ‏(‏باب ثياب الحرير في المنام‏)‏ ذكر فيهما حديث عائشة في رؤية النبي صلى الله عليه وسلم لها في المنام قبل أن يتزوجها، وساقه في الأول من طريق أبي أسامة وفي الثاني من طريق أبي معاوية كلاهما عن هشام وهو ابن عروة بن الزبير عن أبيه عنها، وزاد في رواية أبي أسامة ‏"‏ فيقول‏:‏ هذه امرأتك ‏"‏ وبهذه الزيادة ينتظم الكلام، وزاد في رواية أبي معاوية قبل ‏"‏ أن أتزوجك ‏"‏ وأعاد فيها صورة المنام بيانا لقوله أريتك مرتين فقال في روايته ‏"‏ رأيت الملك، يحملك ‏"‏ ثم قال ‏"‏ أريتك يحملك ‏"‏ وقال في المرتين ‏"‏ فقلت له اكشف ‏"‏ ووقع في رواية أبي أسامة ‏"‏ فاكشفها ‏"‏ والضمير لقوله ‏"‏ امرأتك ‏"‏ وقد تقدم في السيرة النبوية قبل الهجرة إلى المدينة من طريق وهيب بن خالد عن هشام بنحو سياق أبي أسامة، وتقدم في النكاح من طريق حماد بن زيد عن هشام ولفظه ‏"‏ فقال لي‏:‏ هذه امرأتك، فكشفت عن وجهك ‏"‏ ويجمع هذا الاختلاف أن نسبة الكشف إليه لكونه الأمر به وأن الذي باشر الكشف هو الملك ووقع في هذه الطريق عند مسلم والإسماعيلي بعد قوله المنام ‏"‏ ثلاث ليال ‏"‏ فلعل البخاري حذفها لأن الأكثر رووه بلفظ مرتين، وكذلك أخرجه مسلم من رواية عبد الله بن إدريس وأبو عوانة من رواية مالك ومن رواية يونس بن بكير ومن رواية عبد العزيز بن المختار كلهم عن هشام ابن عروة جازمين بمرتين، ومن رواية حماد بن سلمة عن هشام فقال في روايته ‏"‏ مرتين أو ثلاثا ‏"‏ بالشك فيحتمل أن يكون الشك من هشام فاقتصر البخاري على المحقق وهو قوله ‏"‏ مرتين ‏"‏ وتأكد ذلك عنده برواية أبي معاوية المفسرة، وحذف لفظ ثلاث من رواية حماد بن زيد لأن أصل الحديث ثابت، وقوله ‏"‏فإذا هي أنت ‏"‏ قال القرطبي يريد أنه رآها في النوم كما رآها في اليقظة، فكانت المراد بالرؤيا لا غيرها وقد بين حماد بن سلمة في روايته المراد ولفظه ‏"‏ أتيت بجارية في سرقة من حرير بعد وفاة خديجة فكشفتها فإذا هي أنت ‏"‏ الحديث، وهذا يدفع الاحتمال الذي ذكره ابن بطال ومن تبعه حيث جوزوا أن هذه الرؤية قبل أن يوحى إليه، وقد تقدم تفسير السرقة وضبطها، وأن الملك المذكور هو جبريل، وكثير من مباحثه في كتاب النكاح، وذكرت احتمالا عن عياض في قوله ‏"‏ إن يكن هذا من عند الله يمضه ‏"‏ ثم وجدته أخذ أكثره من كلام ابن بطال‏.‏

ومحمد في السند الثاني جزم السرخسي في رواية أبي ذر عنه أنه أبو كريب محمد بن العلاء، وكلام الكلاباذي يقتضي أنه ابن سلام، قال ابن بطال‏:‏ رؤيا المرأة في المنام يختلف على وجوه‏:‏ منها أن يتزوج الرائي حقيقة بمن يراها أو شبهها، ومنها أن يدل على حصول دنيا أو منزلة فيها أو سعة في الرزق، وهذا أصل عند المعبرين في ذلك‏.‏

وقد تدل المرأة بما يقترن بها في الرؤيا على فتنة تحصل للرائي‏.‏

وأما ثياب الحرير فيدل اتخاذها للنساء في المنام على النكاح وعلى العزاء وعلى الغنى وعلى زيادة في البدن، قالوا‏:‏ والملبوس كله يدل على جسم لابسه لكونه يشتمل عليه، ولا سيما واللباس في العرف دال على أقدار الناس وأحوالهم‏.‏

*3*باب الْمَفَاتِيحِ فِي الْيَدِ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب المفاتيح في اليد‏)‏ أي إذا رئيت في المنام، قال أهل التعبير‏:‏ المفتاح مال وعز وسلطان، فمن رأى أنه فتح باب بمفتاح فإنه يظفر بحاجته بمعونة من له بأس، وإن رأى أن بيده مفاتيح فإنه يصيب سلطانا عظيما‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ بُعِثْتُ بِجَوَامِعِ الْكَلِمِ وَنُصِرْتُ بِالرُّعْبِ وَبَيْنَا أَنَا نَائِمٌ أُتِيتُ بِمَفَاتِيحِ خَزَائِنِ الْأَرْضِ فَوُضِعَتْ فِي يَدِي قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ وَبَلَغَنِي أَنَّ جَوَامِعَ الْكَلِمِ أَنَّ اللَّهَ يَجْمَعُ الْأُمُورَ الْكَثِيرَةَ الَّتِي كَانَتْ تُكْتَبُ فِي الْكُتُبِ قَبْلَهُ فِي الْأَمْرِ الْوَاحِدِ وَالْأَمْرَيْنِ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ

الشرح‏:‏

حديث أبي هريرة الماضي في ‏"‏ باب رؤيا الليل ‏"‏ من وجه آخر عنه بلفظ ‏"‏ بعثت بجوامع الكلم ‏"‏ وفيه ‏"‏ وبينا أنا نائم أتيت بمفاتيح خزائن الأرض فوضعت في يدي ‏"‏ وقد تقدم في الباب المذكور بلفظ ‏"‏ وبينما أنا نائم البارحة‏"‏‏.‏

قوله في آخره ‏(‏قال أبو عبد الله‏)‏ كذا لأبي ذر، ووقع في رواية كريمة ‏"‏ قال محمد ‏"‏ فقال بعض الشراح‏:‏ لا منافاة لأنه اسمه، والقائل هو البخاري، والذي يظهر لي أن الصواب ما عند كريمة فإن هذا الكلام ثبت عن الزهري واسمه محمد بن مسلم، وقد ساقه البخاري هنا من طريقه فيبعد أن يأخذ كلامه فينسبه لنفسه‏.‏

وكأن بعضهم لما رأى ‏"‏ وقال محمد ‏"‏ ظن أنه البخاري فأراد تعظيمه فكناه فأخطأ، لأن محمدا هو الزهري وليست كنيته أبا عبد الله بل هو أبو بكر، وسيأتي الكلام على جوامع الكلم، وسيأتي الحديث في الاعتصام إن شاء الله تعالى‏.‏

*3*باب التَّعْلِيقِ بِالْعُرْوَةِ وَالْحَلْقَةِ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب التعليق بالعروة والحلقة‏)‏ ذكر فيه حديث عبد الله بن سلام ‏"‏ رأيت كأني في روضة ‏"‏ وقد تقدم قبل هذا بأربعة أبواب أتم من هذا، وتقدم شرحه هناك‏.‏

قال أهل التعبير‏:‏ الحلقة والعروة المجهولة تدل لمن تمسك بها على قوته في دينه وإخلاصه فيه‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا أَزْهَرُ عَنْ ابْنِ عَوْنٍ ح و حَدَّثَنِي خَلِيفَةُ حَدَّثَنَا مُعَاذٌ حَدَّثَنَا ابْنُ عَوْنٍ عَنْ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا قَيْسُ بْنُ عُبَادٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ قَالَ رَأَيْتُ كَأَنِّي فِي رَوْضَةٍ وَوَسَطَ الرَّوْضَةِ عَمُودٌ فِي أَعْلَى الْعَمُودِ عُرْوَةٌ فَقِيلَ لِي ارْقَهْ قُلْتُ لَا أَسْتَطِيعُ فَأَتَانِي وَصِيفٌ فَرَفَعَ ثِيَابِي فَرَقِيتُ فَاسْتَمْسَكْتُ بِالْعُرْوَةِ فَانْتَبَهْتُ وَأَنَا مُسْتَمْسِكٌ بِهَا فَقَصَصْتُهَا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ تِلْكَ الرَّوْضَةُ رَوْضَةُ الْإِسْلَامِ وَذَلِكَ الْعَمُودُ عَمُودُ الْإِسْلَامِ وَتِلْكَ الْعُرْوَةُ عُرْوَةُ الْوُثْقَى لَا تَزَالُ مُسْتَمْسِكًا بِالْإِسْلَامِ حَتَّى تَمُوتَ

الشرح‏:‏

حديث عبد الله بن سلام ‏"‏ رأيت كأني في روضة ‏"‏ وقد تقدم قبل هذا بأربعة أبواب أتم من هذا، وتقدم شرحه هناك‏.‏

قال أهل التعبير‏:‏ الحلقة والعروة المجهولة تدل لمن تمسك بها على قوته في دينه وإخلاصه فيه‏.‏