فصل: باب الْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي الْأَمْوَالِ وَالْحُدُودِ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فتح الباري شرح صحيح البخاري **


*3*باب بُلُوغِ الصِّبْيَانِ وَشَهَادَتِهِمْ

وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمْ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا

وَقَالَ مُغِيرَةُ احْتَلَمْتُ وَأَنَا ابْنُ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً وَبُلُوغُ النِّسَاءِ فِي الْحَيْضِ لِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنْ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِلَى قَوْلِهِ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ أَدْرَكْتُ جَارَةً لَنَا جَدَّةً بِنْتَ إِحْدَى وَعِشْرِينَ سَنَةً

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب بلوغ الصبيان وشهادتهم‏)‏ أي حد بلوغهم وحكم شهادتهم قبل ذلك، فأما حد البلوغ فسأذكره، وأما شهادة الصبيان فردها الجمهور، واعتبرها مالك في جراحاتهم بشرط أن يضبط أول قولهم قبل أن يتفرقوا، وقبل الجمهور أخبارهم إذا انضمت إليها قرينة، وقد اعترض بأنه ترجم بشهادتهم وليس في حديثي الباب ما يصرح بها، وأجيب بأنه مأخوذ من الاتفاق على أن من حكم ببلوغه قبلت شهادته إذا اتصف بشرط القبول، ويرشد إليه قول عمر بن عبد العزيز ‏"‏ إنه لحد بين الصغير والكبير‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقول الله عز وجل‏:‏ وإذا بلع الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا‏)‏ في هذه الآية تعليق الحكم ببلوغه الحلم، وقد أجمع العلماء على أن الاحتلام في الرجال والنساء يلزم به العبادات والحدود وسائر الأحكام، وهو إنزال الماء الدافق سواء كان بجماع أو غير سواء كان في اليقظة أو المنام، وأجمعوا على أن لا أثر للجماع في المنام إلا مع الإنزال‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال مغيرة‏)‏ هو ابن مقسم الضبي الكوفي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وأنا ابن ثنتي عشرة سنة‏)‏ جاء مثله عن عمرو بن العاص، فإنهم ذكروا أنه لم يكن بينه وبين ابنه عبد الله بن عمرو في السن سوى اثنتي عشرة سنة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وبلوغ النساء إلى الحيض لقوله عز وجل‏:‏ ‏(‏واللائي يئسن من المحيض من نسائكم - إلى قوله - أن يضعن حملهن‏)‏ هو بقية من الترجمة، ووجه الانتزاع من الآية للترجمة تعليق الحكم في العدة بالأقراء على حصول الحيض، وأما قبله وبعده فبالأشهر، فدل على أن وجود الحيض ينقل الحكم، وقد أجمع العلماء على أن الحيض بلوغ في حق النساء‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال الحسن بن صالح‏)‏ هو ابن حي الهمداني الفقيه الكوفي تقدم نسبه في أوائل الكتاب، وأثره هذا رويناه موصولا في ‏"‏ المجالسة ‏"‏ للدينوري من طريق يحيى بن آدم عنه نحوه وزاد فيه ‏"‏ وأقل أوقات الحمل تسع سنين ‏"‏ وقد ذكر الشافعي أيضا أنه رأى جدة بنت إحدى وعشرين سنة وأنها حاضت لاستكمال تسع ووضعت بنتا لاستكمال عشر ووقع لبنتها مثل ذلك، واختلف العلماء في أقل سن تحيض فيه المرأة ويحتلم فيه الرجل، وهل تنحصر العلامات في ذلك أم لا‏؟‏ وفي السن الذي إذا جاوزه الغلام ولم يحتلم والمرأة ولم تحض يحكم حينئذ بالبلوغ، فاعتبر مالك والليث وأحمد وإسحاق وأبو ثور الإنبات، إلا أن مالكا لا يقيم به الحد للشبهة، واعتبره الشافعي في الكافر، واختلف قوله في المسلم‏.‏

وقال أبو حنيفة‏:‏ سن البلوغ تسع عشرة أو ثمان عشرة للغلام وسبع عشرة للجارية‏.‏

وقال أكثر المالكية‏:‏ حده فيهما سبع عشرة أو ثمان عشرة‏.‏

وقال الشافعي وأحمد وابن وهب والجمهور‏:‏ حده فيهما استكمال خمس عشرة سنة على ما في حديث ابن عمر في هذا الباب‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ قَالَ حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنِي نَافِعٌ قَالَ حَدَّثَنِي ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَرَضَهُ يَوْمَ أُحُدٍ وَهُوَ ابْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً فَلَمْ يُجِزْنِي ثُمَّ عَرَضَنِي يَوْمَ الْخَنْدَقِ وَأَنَا ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً فَأَجَازَنِي قَالَ نَافِعٌ فَقَدِمْتُ عَلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَهُوَ خَلِيفَةٌ فَحَدَّثْتُهُ هَذَا الْحَدِيثَ فَقَالَ إِنَّ هَذَا لَحَدٌّ بَيْنَ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ وَكَتَبَ إِلَى عُمَّالِهِ أَنْ يَفْرِضُوا لِمَنْ بَلَغَ خَمْسَ عَشْرَةَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا عبيد الله بن سعيد‏)‏ كذا في جميع الأصول عبيد الله بالتصغير، وهو أبو قدامة السرخسي، ووقع بخط ابن العكلي الحافظ عبيد بن إسماعيل وبذلك جزم البيهقي في الخلافيات فأخرج الحديث من طريق محمد بن الحسين الخثعمي عن عبيد بن إسماعيل ثم قال‏:‏ أخرجه البخاري عن عبيد الله بن إسماعيل‏.‏

قلت‏:‏ وهو معروف بالرواية عن أبي أسامة، وقد أخرج النسائي هذا الحديث عن أبي قدامة السرخسي فقال‏:‏ ‏"‏ عن يحيى بن سعيد القطان ‏"‏ بدل أبي أسامة فهذا يرجح ما قال البيهقي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عرضه يوم أحد وهو ابن أربع عشرة سنة فلم يجزني‏)‏ فيه التفات أو تجريد إذ كان السياق يقتضي أن يقول فلم يجزه لكنه التفت، أو جرد من نفسه أولا شخصا فعبر عنه بالماضي ثم التفت فقال‏:‏ ‏"‏ عرضني ‏"‏ ووقع في رواية يحيى القطان عن عبيد الله بن عمر كما سيأتي في المغازي ‏"‏ فلم يجزه ‏"‏ وفي رواية مسلم عن ابن نمير عن أبيه عن عبد الله بن عمر ‏"‏ عرضني رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد في القتال فلم يجزني ‏"‏ وقوله‏:‏ ‏"‏ فلم يجزني ‏"‏ بضم أوله من الإجازة‏.‏

وفي رواية ابن إدريس وغيره عن عبيد الله عند مسلم ‏"‏ فاستصغرني‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ثم عرضني يوم الخندق وأنا ابن خمس عشرة سنة فأجازني‏)‏ لم تختلف الرواة عن عبيد الله بن عمر في ذلك وهو الاقتصار على ذكر أحد والخندق، وكذا أخرجه ابن حبان من طريق مالك عن نافع، وأخرجه ابن سعد في الطبقات عن يزيد بن هارون عن أبي معشر عن نافع عن ابن عمر فزاد فيه ذكر بدر ولفظه ‏"‏ عرضت على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر وأنا ابن ثلاث عشرة فردني، وعرضت عليه يوم أحد ‏"‏ الحديث، قال ابن سعد‏:‏ قال يزيد بن هارون ينبغي أن يكون في الخندق ابن ست عنوة سنة ا هـ، وهو أقدم من نعرفه استشكل قول ابن عمر هذا، وإنما بناه على قول ابن إسحاق، وأكثر أهل السير أن الخندق كانت في سنة خمس من الهجرة وإن اختلفوا في تعيين شهرها كما سيأتي في المغازي، واتفقوا على أن أحدا كانت في شوال سنة ثلاث، وإذا كان كذلك جاء ما قال يزيد أنه يكون حينئذ ابن ست عشرة سنة، لكن البخاري جنح إلى قول موسى بن عقبة في المغازي أن الخندق كانت في شوال سنة أربع، وقد روى يعقوب بن سفيان في تاريخه ومن طريقه البيهقي عن عروة نحو قول موسى بن عقبة، وعن مالك الجزم بذلك، وعلى هذا لا إشكال، لكن اتفق أهل المغازي على أن المشركين لما توجهوا في أحد نادوا المسلمين‏:‏ موعدكم العام المقبل بدر، وأنه صلى الله عليه وسلم خرج إليها من السنة المقبلة في شوال فلم يجد بها أحدا، وهذه هي التي تسمى ‏"‏ بدر الموعد ‏"‏ ولم يقع بها قتال فتعين ما قال ابن إسحاق إن الخندق كانت في سنة خمس فيحتاج حينئذ إلى الجواب عن الإشكال، وقد أجاب عنه البيهقي وغيره بأن قول ابن عمر ‏"‏ عرضت يوم أحد وأنا ‏"‏ بن أربع عشرة ‏"‏ أي دخلت فيها، وأن قوله‏:‏ ‏"‏ عرضت يوم الخندق وأنا ابن خمس عشرة ‏"‏ أي تجاوزتها فألغي الكسر في الأولى وجبره في الثانية، وهو شائع مسموع في كلامهم، وبه يرتفع الإشكال المذكور وهو أولى من الترجيح والله أعلم‏.‏

‏(‏تنبيهان‏)‏ ‏:‏ الأول زعم ابن التين أنه ورد في بعض الروايات أن عرض ابن عمر كان ببدر فلم يجزه ثم بأحد فأجازه، قال‏:‏ وفي رواية عرض يوم أحد وهو ابن ثلاث عشرة فلم يجزه وعرض يوم الخندق وهو ابن أربع عشرة سنة فأجازه، ولا وجود لذلك، وإنما وجد ما أشرت إليه عن ابن سعد أخرجه البيهقي من وجه آخر عن أبي معشر، وأبو معشر مع ضعفه لا يخالف ما زاده من ذكر بدر ما رواه الثقات بل يوافقهم‏.‏

الثاني زعم ابن ناصر أنه وقع في ‏"‏ الجمع ‏"‏ للحميدي هنا ‏"‏ يوم الفتح ‏"‏ بدل يوم الخندق، قال ابن ناصر‏:‏ والسابق إلى ذلك ابن مسعود أو خلف فتبعه شيخنا ولم يتدبره، والصواب ‏"‏ يوم الخندق ‏"‏ في جميع الروايات، وتلقى ذلك ابن الجوزي عن ابن ناصر وبالغ في التشنيع على من وهم في ذلك، وكان الأولى ترك ذلك فإن الغلط لا يسلم منه كثيرا أحد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال نافع فقدمت على عمر‏)‏ هو موصول بالإسناد المذكور‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إن هذا الحد بين الصغير والكبير‏)‏ في رواية ابن عيينة عن عبيد الله بن عمر عند الترمذي ‏"‏ فقال هذا حد ما بين الذرية والمقاتلة‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وكتب إلى عماله أن يفرضوا لمن بلغ خمس عشرة‏)‏ زاد مسلم في روايته ‏"‏ ومن كان دون ذلك فاجعلوه في العيال ‏"‏ وقوله‏:‏ ‏"‏ أن يفرضوا ‏"‏ أي يقدروا لهم رزقا في ديوان الجند‏.‏

وكانوا يفرقون بين المقاتلة وغيرهم في العطاء، وهو الرزق الذي يجمع في بيت المال ويفرق على مستحقيه‏.‏

واستدل بقصة ابن عمر على أن من استكمل خمس عشرة سنة أجريت عليه أحكام البالغين وإن لم يحتلم، فيكلف بالعبادات وإقامة الحدود، ويستحق سهم الغنيمة، ويقتل إن كان حربيا، ويفك عنه الحجر إن أونس رشده وغير ذلك من الأحكام‏.‏

وقد عمل بذلك عمر بن عبد العزيز وأقره عليه راوية نافع‏.‏

وأجاب الطحاوي وابن القصار وغيرهما ممن لم يأخذ به بأن الإجازة المذكورة جاء التصريح بأنها كانت في القتال، وذلك يتعلق بالقوة والجلد‏.‏

وأجاب بعض المالكية بأنها واقعة عين فلا عموم لها، ويحتمل أن يكون صادف أنه كان عند تلك السن قد احتلم فلذلك أجازه‏.‏

وتجاسر بعضهم فقال‏:‏ إنما رده لضعفه لا لسنه، وإنما أجازه لقوته لا لبلوغه‏.‏

ويرد على ذلك ما أخرجه عبد الرزاق عن ابن جريج، ورواه أبو عوانة وابن حبان في صحيحيهما من وجه آخر عن ابن جريج ‏"‏ أخبرني نافع ‏"‏ فذكر هذا الحديث بلفظ ‏"‏ عرضت على النبي صلى الله عليه وسلم يوم الخندق فلم يجزني ولم يرني بلغت ‏"‏ وهي زيادة صحيحة لا مطعن فيها، لجلالة ابن جريج وتقدمه على غيره في حديث نافع، وقد صرح فيها بالتحديث فانتفى ما يخشى من تدليسه، وقد نص فيها لفظ ابن عمر بقوله‏:‏ ‏"‏ ولم يرني بلغت ‏"‏ وابن عمر أعلم بما روى من غيره ولا سيما في قصة تتعلق به‏.‏

وفي الحديث أن الإمام يستعرض من يخرج معه للقتال قبل أن تقع الحرب فمن وجده أهلا استصحبه وإلا رده، وقد وقع ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم في بدر وأحد وغيرهما، وستأتي الإشارة إليه في كتاب المغازي إن شاء الله تعالى‏.‏

وعند المالكية والحنفية لا تتوقف الإجازة للقتال على البلوغ، بل للإمام أن يجيز من الصبيان من فيه قوة ونجدة، فرب مراهق أقوى من بالغ‏.‏

وحديث ابن عمر حجة عليهم ولا سيما الزيادة التي ذكرتها عن ابن جريج، والله أعلم‏.‏

‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ ظاهر الترجمة مع سياق الآية أن الولد يطلق عليه صبي وطفل إلى أن يبلغ وهو كذلك، وأما ما ذكره بعض أهل اللغة وجزم به غير واحد أن الولد يقال له جنين حتى يوضع، ثم صبي حتى يفطم، ثم غلام إلى سبع ثم يافع إلى عشر، ثم حزور إلى خمس عشرة‏.‏

ثم قمد إلى خمس وعشرين، ثم عنطنط إلى ثلاثين، ثم ممل إلى أربعين، ثم كهل إلى خمسين، ثم شيخ إلى ثمانين، ثم هم إذا زاد فلا يمنع إطلاق شيء من ذلك على غيره مما يقاربه به تجوزا‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا صَفْوَانُ بْنُ سُلَيْمٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ غُسْلُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن أبي سعيد‏)‏ هو الخدري‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم‏)‏ تقدم في الجمعة من طريق أخرى عن صفوان بن سليم بلفظ ‏"‏ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏غسل يوم الجمعة‏)‏ في رواية أحمد عن سفيان ‏"‏ الغسل يوم الجمعة ‏"‏ وقد تقدم الحديث ومباحثه في كتاب الجمعة، وفيه إشارة إلى أن البلوغ يحصل بالإنزال لأنه المراد بالاحتلام هنا‏.‏

ويستفاد مقصود الترجمة بالقياس على بقية الأحكام من حيث تعلق الوجوب بالاحتلام‏.‏

*3*باب سُؤَالِ الْحَاكِمِ الْمُدَّعِيَ هَلْ لَكَ بَيِّنَةٌ قَبْلَ الْيَمِينِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب سؤال الحاكم المدعي‏:‏ هل لك بينة‏؟‏ قبل اليمين‏)‏ أورد فيه حديث الأشعث ‏"‏ كان بيني وبين رجل أرض فجحدني، فقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ألك بينة‏؟‏ قلت‏:‏ لا‏.‏

قال‏:‏ يحلف ‏"‏ وفيه حديث ابن مسعود‏.‏

وقوله في الترجمة ‏"‏ قبل اليمين ‏"‏ أي قبل يمين المدعى عليه، وهو المطابق للترجمة ولا يصح حمله على المدعي بأن يطلب منه الحاكم يمين الاستظهار بأن بينته شهدت له بحق لأنه ليس في حديث الأشعث تعرض لذلك، بل فيه ما قد يتمسك به في أن يمين الاستظهار غير واجبة، والله أعلم‏.‏

وسيأتي مباحث حديثي الأشعث وابن مسعود في التفسير والأيمان والنذور إن شاء الله تعالى‏.‏

وفي الحديث حجة لمن قال‏:‏ لا تعرض اليمين على المدعى عليه إذا اعترف المدعي أن له بينة‏.‏

*3*باب الْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي الْأَمْوَالِ وَالْحُدُودِ

وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَاهِدَاكَ أَوْ يَمِينُهُ وَقَالَ قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ ابْنِ شُبْرُمَةَ كَلَّمَنِي أَبُو الزِّنَادِ فِي شَهَادَةِ الشَّاهِدِ وَيَمِينِ الْمُدَّعِي فَقُلْتُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنْ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذْكِرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى قُلْتُ إِذَا كَانَ يُكْتَفَى بِشَهَادَةِ شَاهِدٍ وَيَمِينِ الْمُدَّعِي فَمَا تَحْتَاجُ أَنْ تُذْكِرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى مَا كَانَ يَصْنَعُ بِذِكْرِ هَذِهِ الْأُخْرَى

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب اليمين على المدعى عليه في الأموال والحدود‏)‏ أي دون المدعي، ويستلزم ذلك شيئين‏:‏ أحدهما أن لا تجب يمين الاستظهار، والثاني أن لا يصح القضاء بشاهد واحد ويمين المدعي‏.‏

واستشهاد المصنف بقصة ابن شبرمة يشير إلى أنه أراد الثاني‏.‏

وقوله‏:‏ ‏"‏ في الأموال والحدود ‏"‏ يشير بذلك إلى الرد على الكوفيين في تخصيصهم اليمين على المدعى عليه في الأموال دون الحدود، وذهب الشافعي والجمهور إلى القول بعموم ذلك في الأموال والحدود والنكاح ونحوه، واستثنى مالك النكاح والطلاق والعتاق والفدية فقال‏:‏ لا يجب في شيء منها اليمين حتى يقيم المدعي البينة ولو شاهدا واحدا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال النبي صلى الله عليه وسلم شاهداك أو يمينه‏)‏ وصله في آخر الباب من حديث الأشعث، والغرض منه أنه أطلق اليمين في جانب المدعى عليه ولم يقيده بشيء دون شيء، وارتفع ‏"‏ شاهداك ‏"‏ على أنه خبر مبتدأ محذوف تقديره المثبت لك أو الحجة أو ما يثبت لك، والمعنى ما يثبت لك شهادة شاهديك أو لك إقامة شاهديك فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه فأعرب إعرابه فارتفع، وحذف الخبر للعلم به‏.‏

وقد تقدم في الرهن بلفظ ‏"‏ شهودك ‏"‏ وأنه روي بالرفع والنصب، وتقدم توجيهه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال قتيبة حدثنا سفيان‏)‏ هو ابن عيينة، ورأيت بخط القطب أنه رأى في بعض النسخ ‏"‏ حدثنا قتيبة ‏"‏ ورد ذلك مغلطاي بأن البخاري لم يحتج بابن شبرمة، وهو عجيب، فإنه أخرج له في الشواهد كما سيأتي في كتاب الأدب، وهذا من الشواهد فإنه حكاية واقعة اتفقت له مع ابن عيينة ليس فيها حديث مرفوع يحتج به‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن ابن شبرمة‏)‏ بضم المعجمة والراء بينهما موحدة ساكنة، وهو عبد الله بن شبرمة بن الطفيل بن حسان الضبي قاضي الكوفة للمنصور، مات سنة أربع وأربعين ومائة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏كلمني أبو الزناد‏)‏ هو قاضي المدينة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏في شهادة الشاهد ويمين المدعي‏)‏ أي في القول بجوازها، وكان مذهب أبي الزناد القضاء بذلك كأهل بلده، ومذهب ابن شبرمة خلافه كأهل بلده، فاحتج عليه أبو الزناد بالخبر الوارد في ذلك، فاحتج عليه ابن شبرمة بما ذكر في الآية الكريمة، وإنما تتم له الحجة بذلك على أصل مختلف فيه بين الفريقين وهو أن الخبر إذا ورد متضمنا لزيادة على ما في القرآن هل يكون نسخا والسنة لا تنسخ القرآن‏؟‏ أو لا يكون نسخا بل زيادة مستقلة بحكم مستقل إذا ثبت سنده وجب القول به‏؟‏ والأول مذهب الكوفيين، والثاني مذهب الحجازيين، ومع قطع النظر عن ذلك لا تنتهض حجة ابن شبرمة لأنه يصير معارضة للنص بالرأي وهو غير معتبر به، وقد أجاب عنه الإسماعيلي فقال؛ الحاجة إلى إذكار الأخرى إنما هو فيما إذا شهدتا، وإن لم تشهدا قامت مقامهما يمين الطالب ببيان السنة الثابتة، واليمين ممن هي عليه لو انفردت لحلت محل البينة في الأداء والإبراء، فكذلك حلت اليمين هنا محل المرأتين في الاستحقاق بها مضافة للشاهد الواحد‏.‏

قال‏:‏ ولو لزم إسقاط القول بالشاهد واليمين لأنه ليس في القرآن للزم إسقاط الشاهد والمرأتين لأنهما ليستا في السنة لأنه صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏ شاهداك أو يمينه ‏"‏ ا هـ‏.‏

وحاصله أنه لا يلزم من التنصيص على الشيء نفيه عما عداه، لكن مقتضى ما بحثه أن لا يقضي باليمين مع الشاهد الواحد إلا عند فقد الشاهدين أو ما قام مقامهما من الشاهد والمرأتين، وهو وجه للشافعية، وصححه الحنابلة، ويؤيده ما رواه الدار قطني من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا ‏"‏ قضى الله ورسوله في الحق بشاهدين فإن جاء بشاهدين اخذ حقه وإن جاء بشاهد واحد حلف مع شاهده ‏"‏ وأجاب بعض الحنفية بأن الزيادة على القرآن نسح، وأخبار الآحاد لا تنسخ المتواتر، ولا تقبل الزيادة من الأحاديث إلا إذا كان الخبر بها مشهورا، وأجيب بأن النسخ رفع الحكم ولا رفع هنا، وأيضا فالناسخ والمنسوخ لا بد أن يتواردا على محل واحد وهذا غير متحقق في الزيادة على النص، وغاية ما فيه أن تسمية الزيادة كالتخصيص نسخا اصطلاح فلا يلزم منه نسخ الكتاب بالسنة، لكن تخصيص الكتاب بالسنة جائز وكذلك الزيادة عليه كما في قوله تعالى‏:‏ ‏(‏وأحل لكم ما وراء ذلكم‏)‏ وأجمعوا على تحريم نكاح العمة مع بنت أخيها، وسند الإجماع في ذلك السنة الثابتة، وكذلك قطع رجل السارق في المرة الثانية، وأمثلة ذلك كثيرة‏.‏

وقد أخذ من رد الحكم بالشاهد واليمين لكونه زيادة على القرآن بأحاديث كثيرة في أحكام كثيرة كلها زائدة على ما في القرآن كالوضوء بالنبيذ والوضوء من القهقهة ومن القيء والمضمضة والاستنشاق في الغسل دون الوضوء واستبراء المسبية وترك قطع من سرق ما يسرع إليه الفساد وشهادة المرأة الواحدة في الولادة ولا قود إلا بالسيف ولا جمعة إلا في مصر جامع ولا تقطع الأيدي في الغزو ولا يرث الكافر المسلم ولا يؤكل الطافي من السمك ويحرم كل ذي ناب من السباع ومخلب من الطير ولا يقتل الوالد بالولد ولا يرث القاتل من القتيل وغير ذلك من الأمثلة التي تتضمن الزيادة على عموم الكتاب، وأجابوا بأنها أحاديث شهيرة موجب العمل بها لشهرتها، فيقال لهم وحديث القضاء بالشاهد واليمين جاء من طرق كثيرة مشهورة، بل ثبت من طرق صحيحة متعددة، فمنها ما أخرجه مسلم من حديث ابن عباس ‏"‏ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بيمين وشاهد ‏"‏ وقال في اليمين إنه حديث صحيح لا يرتاب في صحته‏.‏

وقال ابن عبد البر لا مطعن لأحد في صحته ولا إسناده، وأما قول الطحاوي‏:‏ إن قيس بن سعد لا تعرف له رواية عن عمرو بن دينار، لا يقدح في صحة الحديث لأنهما تابعيان ثقتان مكيان وقد سمع قيس من أقدم من عمرو، وبمثل هذا لا ترد الأخبار الصحيحة‏.‏

ومنها حديث أبي هريرة ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى باليمين مع الشاهد ‏"‏ وهو عند أصحاب السنن ورجاله مدنيون ثقات، ولا يضره أن سهيل بن أبي صالح نسيه بعد أن حدث به ربيعة لأنه كان بعد ذلك يرويه عن ربيعة عن نفسه عن أبيه، وقصته بذلك مشهورة في سنن أبي داود وغيرها‏.‏

ومنها حديث جابر مثل حديث أبي هريرة أخرجه الترمذي وابن ماجة وصححه ابن خزيمة وأبو عوانة‏.‏

وفي الباب عن نحو من عشرين من الصحابة فيها الحسان والضعاف، وبدون ذلك تثبت الشهرة، ودعوى نسخه مردودة لأن النسخ لا يثبت بالاحتمال‏.‏

وأما احتجاج مالك في الموطأ بأن اليمين تتوجه على المدعي عند النكول ورد اليمين بغير حلف فإذا حلف ثبت الحق بغير خلاف فيكون حلف المدعي ومعه شاهد آخر أولى، فهو متعقب، ولا يرد على الحنفية لأنهم لا يقولون برد اليمين‏.‏

وقال الشافعي القضاء بشاهد ويمين لا يخالف ظاهر القرآن لأنه لم يمنع أن يجوز أقل مما نص عليه، يعني والمخالف لذلك لا يقول بالمفهوم فضلا عن مفهوم العدد والله أعلم‏.‏

وقال ابن العربي‏:‏ أظرف ما وجدت لهم في رد الحكم بالشاهد واليمين أمران‏:‏ أحدهما أن المراد قضى بيمين المنكر مع شاهد الطالب، والمراد أن الشاهد الواحد لا يكفي في ثبوت الحق فيجب اليمين على المدعى عليه، فهذا المراد بقوله قضى بالشاهد واليمين‏.‏

وتعقبه ابن العربي بأنه جهل باللغة، لأن المعية تقتضي أن تكون من شيئين في جهة واحدة لا في المتضادين‏.‏

ثانيهما حمله على صورة مخصوصة وهي أن رجلا اشترى من آخر عبدا مثلا فادعى المشتري أن به عيبا وأقام شاهدا واحدا فقال البائع بعته بالبراءة فيحلف المشتري أنه ما اشترى بالبراءة ويرد العبد، وتعقبه بنحو ما تقدم، ولأنها صورة نادرة ولا يحمل الخبر عليها‏.‏

قلت‏:‏ وفي كثير من الأحاديث الواردة في ذلك ما يبطل هذا التأويل والله أعلم‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا نَافِعُ بْنُ عُمَرَ عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ قَالَ كَتَبَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى بِالْيَمِينِ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ

الشرح‏:‏

حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى باليمين على المدعى عليه، هكذا أخرجه في الرهن، وهنا مختصرا من طريق نافع بن عمر الجمحي عن ابن أبي مليكة، وأخرجه في تفسير آل عمران من طريق ابن جريج عن ابن أبي مليكة مثله، وذكر فيه قصة المرأتين اللتين ادعت إحداهما على الأخرى أنها جرحتها، وقد أخرجه الطبراني من رواية سفيان عن نافع عن ابن عمر بلفظ ‏"‏ البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه ‏"‏ وقال‏:‏ لم يروه عن سفيان إلا الفريابي، وأخرجه الإسماعيلي من رواية ابن جريج بلفظ ‏"‏ ولكن البينة على الطالب واليمين على المطلوب ‏"‏ وأخرجه البيهقي من طريق عبد الله بن إدريس عن ابن جريج وعثمان بن الأسود عن ابن أبي مليكة قال‏:‏ كنت قاضيا لابن الزبير على الطائف، فذكر قصة المرأتين، فكتبت إلى ابن عباس، فكتب إلي‏:‏ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏ لو يعطي الناس بدعواهم لادعى رجال أموال قوم ودماءهم، ولكن البينة على المدعي واليمين على من أنكر ‏"‏ وهذه الزيادة ليست في الصحيحين، وإسنادها حسن‏.‏

وقد بين صلى الله عليه وسلم الحكمة في كون البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه بقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ لو يعطي الناس بدعواهم لادعى ناس دماء رجال وأموالهم ‏"‏ وسيأتي في تفسير آل عمران‏.‏

وقال العلماء الحكمة في ذلك لأن جانب المدعي ضعيف لأنه يقول خلاف الظاهر فكلف الحجة القوية وهي البينة لأنها لا تجلب لنفسها نفعا ولا تدفع عنها ضررا فيقوى بها ضعف المدعي، وجانب المدعى عليه قوي لأن الأصل فراغ في ذمته فاكتفي منه باليمين وهي حجة ضعيفة لأن الحالف يجلب لنفسه النفع ويدفع الضرر فكان ذلك في غاية الحكمة‏.‏

واختلف الفقهاء في تعريف المدعي والمدعى عليه، والمشهور فيه تعريفان‏:‏ الأول المدعي من يخالف قوله الظاهر والمدعى عليه بخلافه‏.‏

والثاني من إذا سكت ترك وسكوته والمدعى عليه من لا يخلى إذا سكت، والأول أشهر، والثاني أسلم‏.‏

وقد أورد على الأول بأن المودع إذا ادعى الرد أو التلف فإن دعواه تخالف الظاهر، ومع ذلك فالقول قوله وقيل في تعريفهما غير ذلك‏.‏

واستدل بقوله‏:‏ ‏"‏ اليمين على المدعى عليه ‏"‏ للجمهور بحمله على عمومه في حق كل واحد سواء كان بين المدعي والمدعى عليه اختلاط أم لا، وعن مالك لا تتوجه اليمين إلا على من بينه وبين المدعي اختلاط لئلا يبتذل أهل السفه أهل الفضل بتحليفهم مرارا، وقريب من مذهب مالك قول الإصطخري من الشافعية‏:‏ إن قرائن الحال إذا شهدت بكذب المدعي لم يلتفت إلى دعواه، واستدل بقوله‏:‏ ‏"‏ لادعى ناس دماء ناس وأموالهم ‏"‏ على إبطال قول المالكية في التدمية، ووجه الدلالة تسويته صلى الله عليه وسلم بين الدماء والأموال‏.‏

وأجيب بأنهم لم يسندوا القصاص مثلا إلى قول المدعي بل للقسامة، فيكون قوله ذلك لوثا يقوي جانب المدعي في بداءته بالأيمان‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ أَبِي وَائِلٍ قَالَ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ يَسْتَحِقُّ بِهَا مَالًا لَقِيَ اللَّهَ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ تَصْدِيقَ ذَلِكَ إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ إِلَى عَذَابٌ أَلِيمٌ ثُمَّ إِنَّ الْأَشْعَثَ بْنَ قَيْسٍ خَرَجَ إِلَيْنَا فَقَالَ مَا يُحَدِّثُكُمْ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَحَدَّثْنَاهُ بِمَا قَالَ فَقَالَ صَدَقَ لَفِيَّ أُنْزِلَتْ كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَ رَجُلٍ خُصُومَةٌ فِي شَيْءٍ فَاخْتَصَمْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ شَاهِدَاكَ أَوْ يَمِينُهُ فَقُلْتُ لَهُ إِنَّهُ إِذًا يَحْلِفُ وَلَا يُبَالِي

فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ يَسْتَحِقُّ بِهَا مَالًا وَهُوَ فِيهَا فَاجِرٌ لَقِيَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَصْدِيقَ ذَلِكَ ثُمَّ اقْتَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ

الشرح‏:‏

حديث الأشعث وعبد الله بن مسعود في سبب نزول قوله تعالى‏.‏

(‏إن الذين يشترون بعهد الله‏)‏ الآية‏.‏

وقد مضت الإشارة إليه قبل بباب‏.‏

والمراد منه قوله‏:‏ ‏"‏ شاهداك أو يمينه ‏"‏ وقد روي نحو هذه القصة وائل بن حجر وزاد فيها ‏"‏ ليس لك إلا ذلك ‏"‏ أخرجه مسلم وأصحاب السنن واستدل بهذا الحصر على رد القضاء باليمين والشاهد، وأجيب بأن المراد بقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ شاهداك ‏"‏ أي بينتك سواء كانت رجلين أو رجلا وامرأتين أو رجلا ويمين الطالب، وإنما خص الشاهدين بالذكر لأنه الأكثر الأغلب، فالمعنى شاهداك أو ما يقوم مقامهما، ولو لزم من ذلك رد الشاهد واليمين لكونه لم يذكر للزم رد الشاهد والمرأتين لكونه لم يذكر فوضح التأويل المذكور، والملجئ إليه ثبوت الخبر باعتبار الشاهد واليمين، فدل على أن ظاهر لفظ الشاهدين غير مراد بل المراد هو أو ما يقوم مقامه‏.‏

*3*باب إِذَا ادَّعَى أَوْ قَذَفَ فَلَهُ أَنْ يَلْتَمِسَ الْبَيِّنَةَ وَيَنْطَلِقَ لِطَلَبِ الْبَيِّنَةِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب إذ ادعى أو قذف فله أن يلتمس البينة وينطلق لطلب البينة‏)‏ أورد فيه طرفا من حديث ابن عباس في قصة المتلاعنين، وسيأتي الكلام عليه مستوفي في مكانه، والغرض منه تمكين القاذف من إقامة البينة على زنا المقذوف لدفع الحد عنه، ولا يرد عليه أن الحديث ورد في الزوجين، والزوج له مخرج عن الحد باللعان إن عجز عن البينة بخلاف الأجنبي، لأنا نقول‏:‏ إنما كان ذلك قبل نزول آيه اللعان حيث كان الزوج والأجنبي سواء، وإذا ثبت ذلك للقاذف ثبت لكل مدع من باب الأولى‏.‏

*3*باب الْيَمِينِ بَعْدَ الْعَصْرِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب اليمين بعد العصر‏)‏ ذكر فيه حديث أبي هريرة ‏"‏ ثلاثة لا يكلمهم الله ‏"‏ الحديث، وفيه ‏"‏ ورجل ساوم بسلعة بعد العصر فحلف ‏"‏ الحديث، وسيأتي الكلام عليه في الأحكام، ونذكر ما يتعلق به من تغليظ اليمين بالزمان في الباب الذي بعده إن شاء الله تعالى‏.‏

قال المهلب‏:‏ إنما خص النبي صلى الله عليه وسلم هذا الوقت بتعظيم الإثم على من حلف فيه كاذبا لشهود ملائكة الليل والنهار ذلك الوقت انتهى‏.‏

وفيه نظر، لأن بعد صلاة الصبح يشاركه في شهود الملائكة، ولم يأت فيه ما أتى في وقت العصر، ويمكن أن يكون اختص بذلك لكونه وقت ارتفاع الأعمال‏.‏