فصل: باب بُنْيَانُ الْكَعْبَةِ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فتح الباري شرح صحيح البخاري **


*3*باب بُنْيَانُ الْكَعْبَةِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب بنيان الكعبة‏)‏ أي على يد قريش في حياة النبي صلى الله عليه وسلم قبل بعثته، وقد تقدم ما يتعلق ببناء إبراهيم عليه السلام قبل بناء قريش، وما يتعلق ببناء عبد الله بن الزبير في الإسلام‏.‏

وروى الفاكهي من طريق ابن جريج عن عبد الله بن عبيد الله بن عمير قال‏:‏ ‏"‏ كانت الكعبة فوق القامة، فأرادت قريش رفعها وتسقيفها ‏"‏ وسيأتي بيان ذلك في الباب الذي يليه‏.‏

وروى يعقوب بن سفيان بإسناد صحيح عن الزهري ‏"‏ أن امرأة جمرت الكعبة، فطارت شرارة في ثياب الكعبة فأحرقتها ‏"‏ فذكر قصة بناء قريش لها، وسيأتي في الحديث الثالث من الباب الذي يليه تتمة هذه القصة‏.‏

وذكر ابن إسحاق وغيره أن قريشا لما بنت الكعبة كان عمر النبي صلى الله عليه وسلم خمسا وعشرين سنة‏.‏

وروى إسحاق بن راهويه من طريق خالد بن عرعرة عن علي في قصة بناء إبراهيم البيت قال ‏"‏ فمر عليه الدهر فانهدم، فبنته العمالقة، فمر عليه الدهر فانهدم فبنته جرهم، فمر عليه الدهر فانهدم فبنته قريش، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ شاب، فلما أرادوا أن يضعوا الحجر الأسود اختصموا فيه فقالوا‏:‏ نحكم بيننا أول من يخرج من هذه السكة، فكان النبي صلى الله عليه وسلم أول من خرج منها، فحكم بينهم أن يجعلوه في ثوب ثم يرفعه من كل قبيلة رجل ‏"‏ وذكر أبو داود الطيالسي في هذا الحديث أنهم قالوا نحكم أول من يدخل من باب بني شيبة، فكان النبي صلى الله عليه وسلم أول من دخل منه، فأخبروه، فأمر بثوب فوضع الحجر في وسطه، وأمر كل فخذ أن يأخذوا بطائفة من الثوب فرفعوه، ثم أخذه فوضعه بيده ‏"‏ وروى الفاكهي أن الذي أشار عليهم أن يحكموا أول داخل أبو أمية بن المغيرة المخزومي أخو الوليد، وقد تقدم في أوائل الحج من حديث أبي الطفيل قصة بناء قريش الكعبة مطولا فأغنى عن إعادته هنا‏.‏

وعند موسى بن عقبة أن الذي أشار عليهم بذلك هو الوليد بن المغيرة المخزومي، وأنه قال لهم ‏"‏ لا تجعلوا فيها مالا أخذ غصبا، ولا قطعت فيه رحم، ولا انتهكت فيه ذمة ‏"‏ وعند ابن إسحاق أن الذي أشار عليهم أن لا يبنوها إلا من مال طيب هو أبو وهب بن عمرو بن عامر بن عمران بن مخزوم‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنِي مَحْمُودٌ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ أَخْبَرَنِي ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ لَمَّا بُنِيَتْ الْكَعْبَةُ ذَهَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَبَّاسٌ يَنْقُلَانِ الْحِجَارَةَ فَقَالَ عَبَّاسٌ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اجْعَلْ إِزَارَكَ عَلَى رَقَبَتِكَ يَقِيكَ مِنْ الْحِجَارَةِ فَخَرَّ إِلَى الْأَرْضِ وَطَمَحَتْ عَيْنَاهُ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ أَفَاقَ فَقَالَ إِزَارِي إِزَارِي فَشَدَّ عَلَيْهِ إِزَارَهُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ في حديث جابر ‏(‏لما بنيت الكعبة‏)‏ هو من مراسيل الصحابة، ولعل جابرا سمعه من العباس بن عبد المطلب، وتقدم بيان ذلك واضحا في كتاب الحج‏.‏

وقوله‏:‏ ‏"‏ يقك من الحجارة فخر إلى الأرض ‏"‏ فيه حذف تقديره‏:‏ ففعل ذلك فخر‏.‏

وفي حديث أبي الطفيل المذكور آنفا ‏"‏ فبينما رسول الله صلى الله عليه وسلم ينقل الحجارة معهم إذ انكشفت عورته، فنودي يا محمد غط عورتك، فذلك في أول ما نودي، فما رؤيت له عورة قبل ولا بعد ‏"‏ وقوله‏:‏ ‏"‏ طمحت عيناه إلى السماء ‏"‏ أي ارتفعت‏.‏

وذكر ابن إسحاق في المبعث ‏"‏ وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما ذكر لي يحدث عما كان الله يحفظه في صغره أنه قال‏:‏ لقد رأيتني في غلمان من قريش ننقل حجارة لبعض مما تلعب به الغلمان، كلنا قد تعرى وأخذ إزاره فجعله على رقبته يحمل عليه الحجارة، إذ لكمني لاكم ما أراه، ثم قال‏:‏ شد عليك إزارك، قال فشددته علي، ثم جعلت أحمل وإزاري علي من بين أصحابي ‏"‏ قال السهيلي‏:‏ إنما وردت هذه القصة في بنيان الكعبة، فإن صح أن ذلك كان في صغره فهي قصة أخرى‏:‏ مرة في الصغر ومرة في حال الاكتهال‏.‏

قلت‏:‏ وقد يطلق على الكبير غلام إذا فعل فعل الغلمان فلا يستحيل اتحاد القصة اعتمادا على التصريح بالأولية في حديث أبي الطفيل‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي يَزِيدَ قَالَا لَمْ يَكُنْ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَوْلَ الْبَيْتِ حَائِطٌ كَانُوا يُصَلُّونَ حَوْلَ الْبَيْتِ حَتَّى كَانَ عُمَرُ فَبَنَى حَوْلَهُ حَائِطًا قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ جَدْرُهُ قَصِيرٌ فَبَنَاهُ ابْنُ الزُّبَيْرِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏قالا‏:‏ لم يكن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم حول البيت حائط‏)‏ هذا مرسل، وقيل‏:‏ منقطع، لأن عمرو بن دينار وعبيد الله بن أبي يزيد من أصاغر التابعين‏.‏

وأما قوله‏:‏ ‏"‏ حتى كان عمر ‏"‏ فمنقطع فإنهما لم يدركا عمر أيضا‏.‏

وأما قوله ‏"‏ قال عبيد الله جدره قصير ‏"‏ هو بفتح الجيم، والجدر والجدار بمعنى‏.‏

وقوله‏:‏ ‏"‏ فبناه ابن الزبير ‏"‏ هذا القدر هو الموصول من هذا الحديث، وقد أخرجه الإسماعيلي من طريق حماد بن زيد عن عبيد الله بن أبي يزيد بتمامه وقال فيه‏:‏ ‏"‏ وكان أول من جعل الحائط على البيت عمر ‏"‏ قال عبيد الله وكان جدره قصيرا حتى كان زمن ابن الزبير فزاد فيه ‏"‏ وذكر الفاكهي أن المسجد كان محاطا بالدور على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر، فضاق على الناس، فوسعه عمر واشترى دورا فهدمها، وأعطى من أبى أن يبيع ثمن داره، ثم أحاط عليه بجدار قصير دون القامة، ورفع المصابيح على الجدر ‏"‏ قال‏:‏ ‏"‏ ثم كان عثمان فزاد في سعته من جهات أخر، ثم وسعه عبد الله بن الزبير، ثم أبو جعفر المنصور، ثم ولده المهدي ‏"‏ قال‏:‏ ‏"‏ ويقال إن ابن الزبير سقفه أو سقف بعضه، ثم رفع عبد الملك بن مروان جدرانه وسقفه بالساج، وقيل‏:‏ بل الذي صنع ذلك ولده الوليد وهو أثبت، وكان ذلك سنة ثمان وثمانين‏"‏‏.‏

*3*باب أَيَّامُ الْجَاهِلِيَّةِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب أيام الجاهلية‏)‏ أي مما كان بين المولد النبوي والمبعث، هذا هو المراد به هنا، ويطلق غالبا على ما قبل البعثة ومنه ‏(‏يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية‏)‏ وقوله‏:‏ ‏(‏ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى‏)‏ ومنه أكثر أحاديث الباب، وأما جزم النووي في عدة مواضع من شرح مسلم أن هذا هو المراد حيث أتى ففيه نظر فإن هذا اللفظ وهو ‏"‏ الجاهلية ‏"‏ يطلق على ما مضى والمراد ما قبل إسلامه، وضابط آخره غالبا فتح مكة، ومنه قول مسلم في مقدمة صحيحه ‏"‏ أن أبا عثمان وأبا رافع أدركا الجاهلية ‏"‏ وقول أبي رجاء العطاردي ‏"‏ رأيت في الجاهلية قردة زنت ‏"‏ وقول ابن عباس ‏"‏ سمعت أبي يقول في الجاهلية‏:‏ اسقنا كأسا دهاقا ‏"‏ وابن عباس إنما ولد بعد البعثة، وأما قول عمر ‏"‏ نذرت في الجاهلية ‏"‏ فمحتمل، وقد نبه على ذلك شيخنا العراقي في الكلام على المخضرمين من علوم الحديث‏.‏

وذكر فيه أحاديث‏:‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى حَدَّثَنَا هِشَامٌ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ كَانَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ يَوْمًا تَصُومُهُ قُرَيْشٌ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُهُ فَلَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ صَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ فَلَمَّا نَزَلَ رَمَضَانُ كَانَ مَنْ شَاءَ صَامَهُ وَمَنْ شَاءَ لَا يَصُومُهُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏كان عاشوراء‏)‏ تقدم شرحه في كتاب الصيام، وذكرت هناك احتمالا أنهم أخذوا ذلك عن أهل الكتاب، ثم وجدت في بعض الأخبار أنهم كانوا أصابهم قحط ثم رفع عنهم فصاموه شكرا‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ حَدَّثَنَا ابْنُ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ كَانُوا يَرَوْنَ أَنَّ الْعُمْرَةَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ مِنْ الْفُجُورِ فِي الْأَرْضِ وَكَانُوا يُسَمُّونَ الْمُحَرَّمَ صَفَرًا وَيَقُولُونَ إِذَا بَرَا الدَّبَرْ وَعَفَا الْأَثَرْ حَلَّتْ الْعُمْرَةُ لِمَنْ اعْتَمَرْ قَالَ فَقَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ رَابِعَةً مُهِلِّينَ بِالْحَجِّ وَأَمَرَهُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَجْعَلُوهَا عُمْرَةً قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الْحِلِّ قَالَ الْحِلُّ كُلُّهُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏كانوا يرون‏)‏ أي يعتقدون أن أشهر الحج لا ينسك فيها إلا بالحج وأن غيرها من الأشهر للعمرة، وقد تقدم بيان ذلك في كتاب الحج‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ كَانَ عَمْرٌو يَقُولُ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ جَاءَ سَيْلٌ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَكَسَا مَا بَيْنَ الْجَبَلَيْنِ قَالَ سُفْيَانُ وَيَقُولُ إِنَّ هَذَا لَحَدِيثٌ لَهُ شَأْنٌ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏كان عمرو‏)‏ هو ابن دينار‏.‏

وفي رواية الإسماعيلي من طريق عبد الرحمن بن بشر عن سفيان ‏"‏ حدثنا عمرو بن دينار‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن جده‏)‏ هو حزن بفتح المهملة وسكون الزاي وهو ابن أبي وهب الذي قدمنا أنه أشار على قريش بأن تكون النفقة في بناء الكعبة من مال طيب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏جاء سيل في الجاهلية فطبق ما بين الجبلين‏)‏ أي ملأ ما بين الجبلين اللذين في جانبي الكعبة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال سفيان ويقول إن هذا الحديث له شأن‏)‏ أي قصة، وذكر موسى بن عقبة أن السيل كان يأتي من فوق الردم الذي بأعلى مكة فيجريه، فتخوفوا أن يدخل الماء الكعبة فأرادوا تشييد بنيانها، وكان أول من طلعها وهدم منها شيئا الوليد بن المغيرة، وذكر القصة في بنيان الكعبة قبل المبعث النبوي‏.‏

وأخرج الشافعي في ‏"‏ الأم ‏"‏ بسند له عن عبد الله بن الزبير أن كعبا قال له وهو يعمل بناء مكة اشدده وأوثقه، فإنا نجد في الكتب أن السيول ستعظم في آخر الزمان ا هـ‏.‏

فكان الشأن المشار إليه أنهم استشعروا من ذلك السيل الذي لم يعهدوا مثله أنه مبدأ السيول المشار إليها‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ بَيَانٍ أَبِي بِشْرٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ قَالَ دَخَلَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى امْرَأَةٍ مِنْ أَحْمَسَ يُقَالُ لَهَا زَيْنَبُ فَرَآهَا لَا تَكَلَّمُ فَقَالَ مَا لَهَا لَا تَكَلَّمُ قَالُوا حَجَّتْ مُصْمِتَةً قَالَ لَهَا تَكَلَّمِي فَإِنَّ هَذَا لَا يَحِلُّ هَذَا مِنْ عَمَلِ الْجَاهِلِيَّةِ فَتَكَلَّمَتْ فَقَالَتْ مَنْ أَنْتَ قَالَ امْرُؤٌ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ قَالَتْ أَيُّ الْمُهَاجِرِينَ قَالَ مِنْ قُرَيْشٍ قَالَتْ مِنْ أَيِّ قُرَيْشٍ أَنْتَ قَالَ إِنَّكِ لَسَئُولٌ أَنَا أَبُو بَكْرٍ قَالَتْ مَا بَقَاؤُنَا عَلَى هَذَا الْأَمْرِ الصَّالِحِ الَّذِي جَاءَ اللَّهُ بِهِ بَعْدَ الْجَاهِلِيَّةِ قَالَ بَقَاؤُكُمْ عَلَيْهِ مَا اسْتَقَامَتْ بِكُمْ أَئِمَّتُكُمْ قَالَتْ وَمَا الْأَئِمَّةُ قَالَ أَمَا كَانَ لِقَوْمِكِ رُءُوسٌ وَأَشْرَافٌ يَأْمُرُونَهُمْ فَيُطِيعُونَهُمْ قَالَتْ بَلَى قَالَ فَهُمْ أُولَئِكِ عَلَى النَّاسِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏دخل‏)‏ أي أبو بكر الصديق‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏على امرأة من أحمس‏)‏ بمهملتين وزن أحمد، وهي قبيلة من بجيلة‏.‏

وأغرب ابن التين فقال‏:‏ المراد امرأة من الحمس وهي من قريش‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يقال لها زينب بنت المهاجر‏)‏ روى حديثها محمد بن سعد في الطبقات من طريق عبد الله بن جابر الأحمسي عن عمته زينب بنت المهاجر قالت‏:‏ ‏"‏ خرجت حاجة ‏"‏ فذكر الحديث، وذكر أبو موسى المديني في ‏"‏ ذيل الصحابة ‏"‏ أن ابن مندة ذكر في ‏"‏ تاريخ النساء ‏"‏ له أن زينب بنت جابر أدركت النبي صلى الله عليه وسلم وروت عن أبي بكر، وروى عنها عبد الله بن جابر وهي عمته قال‏:‏ وقيل‏:‏ هي بنت المهاجر بن جابر، وذكر الدار قطني في ‏"‏ العلل ‏"‏ أن في رواية شريك وغيره عن إسماعيل بن أبي خالد في حديث الباب أنها زينب بنت عوف، قال‏:‏ وذكر ابن عيينة عن إسماعيل أنها جدة إبراهيم بن المهاجر، والجمع بين هذه الأقوال ممكن بأن من قال بنت المهاجر نسبها إلى أبيها أو بنت جابر نسبها إلى جدها الأدنى أو بنت عوف نسبها إلى جد لها أعلى، والله أعلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏مصمتة‏)‏ بضم الميم وسكون المهملة أي ساكته يقال أصمت وصمت بمعنى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فإن هذا لا يحل‏)‏ يعني ترك الكلام‏.‏

ووقع عند الإسماعيلي من وجه آخر عن أبي بكر الصديق أن المرأة قالت له‏:‏ ‏"‏ كان بيننا وبين قومك في الجاهلية شر، فحلفت إن الله عافانا من ذلك أن لا أكلم أحدا حتى أحج، فقال‏:‏ إن الإسلام يهدم ذلك، فتكلمي ‏"‏ وللفاكهي من طريق زيد بن وهب عن أبي بكر نحوه، وقد استدل بقول أبي بكر هذا من قال بأن من حلف أن لا يتكلم استحب له أن يتكلم ولا كفارة عليه، لأن أبا بكر لم يأمرها بالكفارة، وقياسه أن من نذر أن لا يتكلم لم ينعقد نذره، لأن أبا بكر أطلق أن ذلك لا يحل وأنه من فعل الجاهلية وأن الإسلام هدم ذلك ولا يقول أبو بكر مثل هذا إلا عن توقيف فيكون في حكم المرفوع، ويؤيد ذلك حديث ابن عباس في قصة أبي إسرائيل الذي نذر أن يمشي ولا يركب ولا يستظل ولا يتكلم فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يركب ويستظل ويتكلم، وحديث علي رفعه ‏"‏ لا يتم بعد احتلام ولا صمت يوم إلى الليل ‏"‏ أخرجه أبو داود، قال الخطابي في شرحه‏:‏ كان من نسك أهل الجاهلية الصمت، فكان أحدهم يعتكف اليوم والليلة ويصمت، فنهوا عن ذلك وأمروا بالنطق بالخير، وقد تقدمت الإشارة إلى حديث ابن عباس في كتاب الحج، ويأتي الكلام عليه في كتاب الأيمان والنذور إن شاء الله تعالى‏.‏

وقال ابن قدامة في ‏"‏ المغني ‏"‏‏:‏ ليس من شريعة الإسلام الصمت عن الكلام، وظاهر الأخبار تحريمه، واحتج بحديث أبي بكر وبحديث علي المذكور قال‏:‏ فإن نذر ذلك لم يلزمه الوفاء به، وبهذا قال الشافعي وأصحاب الرأي ولا نعلم فيه مخالفا ا هـ‏.‏

وكلام الشافعية يقتضي أن مسألة النذر ليست منقولة، فإن الرافعي ذكر في كتاب النذر أن في تفسير أبي نصر القشيري عن القفال قال من نذر أن لا يكلم الآدميين يحتمل أن يقال يلزمه لأنه مما يتقرب به‏.‏

ويحتمل أن يقال لا، لما فيه من التضييق والتشديد وليس ذلك من شرعنا، كما لو نذر الوقوف في الشمس، قال أبو نصر‏:‏ فعلى هذا يكون نذر الصمت في تلك الشريعة لا في شريعتنا، ذكره في تفسير سورة مريم عند قولها ‏(‏إني نذرت للرحمن صوما‏)‏ وفي ‏"‏ التتمة ‏"‏ لأبي سعيد المتولي‏:‏ من قال شرع من قبلنا شرع لنا جعل ذلك قربة‏.‏

وقال ابن الرفعة في قول الشيخ أبي إسحاق في ‏"‏ التنبيه ‏"‏‏:‏ ويكره له صمت يوم إلى الليل، قال في شرحه‏:‏ إذ لم يؤثر ذلك بل جاء في حديث ابن عباس النهي عنه‏.‏

ثم قال‏:‏ نعم، قد ورد في شرع من قبلنا، فإن قلنا إنه شرع لنا لم يكره، إلا أنه لا يستحب قاله ابن يونس، قال‏:‏ وفيه نظر، لأن الماوردي قال‏:‏ روي عن ابن عمر مرفوعا صمت الصائم تسبيح، قال؛ فإن صح دل على مشروعية الصمت، وإلا فحديث ابن عباس أقل درجاته الكراهة‏.‏

قال‏:‏ وحيث قلنا إن شرع من قبلنا شرع لنا، فذاك إذا لم يرد في شرعنا ما يخالفه انتهى‏.‏

وهو كما قال‏.‏

وقد ورد النهي‏.‏

والحديث المذكور لا يثبت‏.‏

وقد أورده صاحب ‏"‏ مسند الفردوس ‏"‏ من حديث ابن عمر وفي إسناده الربيع بن بدر وهو ساقط، ولو ثبت لما أفاد المقصود لأن لفظه ‏"‏ صمت الصائم تسبيح، ونومه عبادة، ودعاؤه مستجاب ‏"‏ فالحديث مساق في أن أفعال الصائم كلها محبوبة، لا أن الصمت بخصوصه مطلوب‏.‏

وقد قال الروياني في ‏"‏ البحر ‏"‏ في آخر الصيام‏:‏ فرع جرت عادة الناس بترك الكلام في رمضان، وليس له أصل في شرعنا بل في شرع من قبلنا، فيخرج جواز ذلك على الخلاف في المسألة انتهى‏.‏

وليتعجب ممن نسب تخريج مسألة النذر إلى نفسه من المتأخرين، وأما الأحاديث الواردة في الصمت وفضله كحديث ‏"‏ من صمت نجا ‏"‏ أخرجه الترمذي من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص، وحديث ‏"‏ أيسر العبادة الصمت ‏"‏ أخرجه ابن أبي الدنيا بسند مرسل رجاله ثقات، إلى غير ذلك، فلا يعارض ما جزم به الشيخ أبو إسحاق من الكراهة لاختلاف المقاصد في ذلك، فالصمت المرغب فيه ترك الكلام الباطل، وكذا المباح إن جر إلى شيء من ذلك، والصمت المنهي عنه ترك الكلام في الحق لمن يستطيعه، وكذا المباح المستوي الطرفين والله أعلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إنك‏)‏ بكسر الكاف‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لسئول‏)‏ أي كثيرة السؤال، وهذه الصيغة يستوي فيها المذكر والمؤنث‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ما بقاؤنا على هذا الأمر الصالح‏)‏ أي دين الإسلام وما اشتمل عليه من العدل واجتماع الكلمة ونصر المظلوم ووضع كل شيء في محله‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ما استقامت بكم‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ لكم‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أئمتكم‏)‏ أي لأن الناس على دين ملوكهم، فمن حاد من الأئمة عن الحال مال وأمال‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنِي فَرْوَةُ بْنُ أَبِي الْمَغْرَاءِ أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ أَسْلَمَتْ امْرَأَةٌ سَوْدَاءُ لِبَعْضِ الْعَرَبِ وَكَانَ لَهَا حِفْشٌ فِي الْمَسْجِدِ قَالَتْ فَكَانَتْ تَأْتِينَا فَتَحَدَّثُ عِنْدَنَا فَإِذَا فَرَغَتْ مِنْ حَدِيثِهَا قَالَتْ وَيَوْمُ الْوِشَاحِ مِنْ تَعَاجِيبِ رَبِّنَا أَلَا إِنَّهُ مِنْ بَلْدَةِ الْكُفْرِ أَنْجَانِي فَلَمَّا أَكْثَرَتْ قَالَتْ لَهَا عَائِشَةُ وَمَا يَوْمُ الْوِشَاحِ قَالَتْ خَرَجَتْ جُوَيْرِيَةٌ لِبَعْضِ أَهْلِي وَعَلَيْهَا وِشَاحٌ مِنْ أَدَمٍ فَسَقَطَ مِنْهَا فَانْحَطَّتْ عَلَيْهِ الْحُدَيَّا وَهِيَ تَحْسِبُهُ لَحْمًا فَأَخَذَتْهُ فَاتَّهَمُونِي بِهِ فَعَذَّبُونِي حَتَّى بَلَغَ مِنْ أَمْرِي أَنَّهُمْ طَلَبُوا فِي قُبُلِي فَبَيْنَاهُمْ حَوْلِي وَأَنَا فِي كَرْبِي إِذْ أَقْبَلَتْ الْحُدَيَّا حَتَّى وَازَتْ بِرُءُوسِنَا ثُمَّ أَلْقَتْهُ فَأَخَذُوهُ فَقُلْتُ لَهُمْ هَذَا الَّذِي اتَّهَمْتُمُونِي بِهِ وَأَنَا مِنْهُ بَرِيئَةٌ

الشرح‏:‏

حديث عائشة في قصة المرأة السوداء، لم أقف على اسمها، وذكر عمر بن شبة في طريق له أنها كانت بمكة وأنه لما وقع لها ذلك هاجرت إلى المدينة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وكان لها حفش‏)‏ بكسر المهملة وسكون الفاء بعدها معجمة هو البيت الضيق الصغير‏.‏

وقال أبو عبيدة‏:‏ الحفش هو الدرج في الأصل ثم سمي به البيت الصغير لشبهه به في الضيق‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وازت‏)‏ أي قابلت، وقد تقدم شرح هذه القصة في أبواب المساجد من كتاب الصلاة، ووجه دخولها هنا من جهة ما كان عليه أهل الجاهلية من الجفاء في الفعل والقول‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَلَا مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلَا يَحْلِفْ إِلَّا بِاللَّهِ فَكَانَتْ قُرَيْشٌ تَحْلِفُ بِآبَائِهَا فَقَالَ لَا تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ

الشرح‏:‏

حديث ابن عمر في النهي عن الحلف بالآباء، وسيأتي شرحه في كتاب الأيمان والنذور‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عَمْرٌو أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الْقَاسِمِ حَدَّثَهُ أَنَّ الْقَاسِمَ كَانَ يَمْشِي بَيْنَ يَدَيْ الْجَنَازَةِ وَلَا يَقُومُ لَهَا وَيُخْبِرُ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُومُونَ لَهَا يَقُولُونَ إِذَا رَأَوْهَا كُنْتِ فِي أَهْلِكِ مَا أَنْتِ مَرَّتَيْنِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏أن القاسم‏)‏ هو ابن محمد بن أبي بكر الصديق‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ولا يقوم لها‏)‏ أي الجنازة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏كان أهل الجاهلية يقومون لها‏)‏ ظاهره أن عائشة لم يبلغها أمر الشارع بالقيام لها، فرأت أن ذلك من الأمور التي كانت في الجاهلية وقد جاء الإسلام بمخالفتهم، وقد قدمت في الجنائز بيان الاختلاف في المسألة وهل نسخ هذا الحكم أم لا‏؟‏ وعلى القول بأنه نسخ هل نسخ الوجوب ويقي الاستحباب أم لا‏؟‏ أو مطلق الجواز‏؟‏ واختار بعض الشافعية الأخير، وأكثر الشافعية الكراهة، وادعى المحاملي فيه الاتفاق، وخالف المتولي فقال‏:‏ يستحب، واختاره النووي وقال‏:‏ هذا من جملة الأحكام التي استدركتها عائشة على الصحابة لكن كان جانبهم فيها أرجح‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏كنت في أهلك ما أنت مرتين‏)‏ أي يقولون ذلك مرتين وما موصولة وبعض الصلة محذوف والتقدير‏:‏ كنت في أهلك الذي كنت فيه أي الذي أنت فيه الآن كنت في الحياة مثله، لأنهم كانوا لا يؤمنون بالبعث بل كانوا يعتقدون أن الروح إذا خرجت تطير طيرا فإن كان ذلك من أهل الخير كان روحه من صالحي الطير إلا فبالعكس، ويحتمل أن يكون قولهم هذا دعاء للميت، ويحتمل أن تكون ‏"‏ ما ‏"‏ نافية ولفظ ‏"‏ مرتين ‏"‏ من تمام الكلام أي لا تكوني في أهلك مرتين‏:‏ المرة الواحد التي كنت فيهم انقضت وليست بعائدة إليهم مرة أخرى‏.‏

ويحتمل أن تكون ‏"‏ ما ‏"‏ استفهامية أي كنت في أهلك شريفة فأي شيء أنت الآن‏؟‏ يقولون ذلك حزنا وتأسفا عليه‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ عَبَّاسٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ قَالَ قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِنَّ الْمُشْرِكِينَ كَانُوا لَا يُفِيضُونَ مِنْ جَمْعٍ حَتَّى تَشْرُقَ الشَّمْسُ عَلَى ثَبِيرٍ فَخَالَفَهُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَفَاضَ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ

الشرح‏:‏

حديث عمر في قولهم ‏"‏ أشرق ثبير ‏"‏ وقد تقدم شرحه في كتاب الحج مستوفى، وقوله‏:‏ ‏"‏ حتى تشرق الشمس ‏"‏ قال ابن التين‏:‏ ضبط بفتح أوله وضم الراء، والمعروف بضم أوله وكسرها‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ قُلْتُ لِأَبِي أُسَامَةَ حَدَّثَكُمْ يَحْيَى بْنُ الْمُهَلَّبِ حَدَّثَنَا حُصَيْنٌ عَنْ عِكْرِمَةَ وَكَأْسًا دِهَاقًا قَالَ مَلْأَى مُتَتَابِعَةً قَالَ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ اسْقِنَا كَأْسًا دِهَاقًا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثكم يحيى بن المهلب‏)‏ هو البجلي يكنى أبا كدينة بالتصغير والنون، وهو كوفي موثق ماله في البخاري سوى هذا الموضع‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ملأى متتابعة‏)‏ كذا جمع بينهما، وهما قولان لأهل اللغة تقول‏:‏ أدهقت الكأس إذا ملأتها، وأدهقت له إذا تابعت له السقي، وقيل‏:‏ أصل الدهق الضغط، والمعنى أنه ملأ اليد بالكأس حتى لم يبق فيها متسع لغيرها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال وقال ابن عباس‏)‏ القائل هو عكرمة، وهو موصول بالإسناد المذكور‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏سمعت أبي‏)‏ هو العباس بن عبد المطلب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏في الجاهلية‏)‏ أي وقع سماعي لذلك منه في الجاهلية، والمراد بها جاهلية نسبية لا المطلقة لأن ابن عباس لم يدرك ما قبل البعثة، بل لم يولد إلا بعد البعث بنحو عشر سنين، فكأنه أراد أنه سمع العباس يقول ذلك قبل أن يسلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏اسقنا كأسا دهاقا‏)‏ في رواية الإسماعيلي من وجه آخر عن حصين عن عكرمة عن ابن عباس ‏"‏ سمعت أبي يقول لغلامه‏:‏ ادهق لنا، أي املأ لنا، أو تابع لنا ‏"‏ انتهى‏.‏

وهو بمعنى ما ساقه البخاري‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصْدَقُ كَلِمَةٍ قَالَهَا الشَّاعِرُ كَلِمَةُ لَبِيدٍ أَلَا كُلُّ شَيْءٍ مَا خَلَا اللَّهَ بَاطِلٌ وَكَادَ أُمَيَّةُ بْنُ أَبِي الصَّلْتِ أَنْ يُسْلِمَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏سفيان‏)‏ هو الثوري‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن عبد الملك‏)‏ هو ابن عمير، ولأحمد عن عبد الرحمن بن مهدي عن الثوري ‏"‏ حدثنا عبد الملك بن عمير‏"‏‏.‏

ولمسلم من هذا الوجه عن عبد الملك ‏"‏ حدثنا أبو سلمة‏"‏، وله من طريق إسرائيل عن عبد الملك عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ‏"‏ سمعت أبا هريرة‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أصدق كلمة قالها الشاعر‏)‏ يحتمل أن يريد بالكلمة البيت الذي ذكر شطره، ويحتمل أن يريد القصيدة كلها، ويؤيد الأول رواية مسلم من طريق شعبة وزائدة فرقهما عن عبد الملك بلفظ ‏"‏ إن أصدق بيت قاله الشاعر ‏"‏ وليس في رواية شعبة ‏"‏ إن ‏"‏ ووقع عنده في رواية شريك عن عبد الملك بلفظ ‏"‏ أشعر كلمة تكلمت بها العرب ‏"‏ فلولا أن في حفظ شريك مقالا لرفع هذا اللفظ الإشكال الذي أبداه السهيلي على لفظ رواية الصحيح بلفظ ‏"‏ أصدق ‏"‏ إذ لا يلزم من لفظ ‏"‏ أشعر ‏"‏ أن يكون أصدق، نعم السؤال باق في التعبير بوصف كل شيء بالبطلان مع اندراج الطاعات والعبادات في ذلك وهي حق لا محالة، وكذا قوله صلى الله عليه وسلم في دعائه بالليل ‏"‏ أنت الحق وقولك الحق والجنة حق والنار حق إلخ ‏"‏ وأجيب عن ذلك بأن المراد بقول الشاعر ما عدا الله أي ما عداه وعدا صفاته الذاتية والفعلية من رحمته وعذابه وغير ذلك، فلذلك ذكر الجنة والنار، أو المراد في البيت بالبطلان الفناء لا الفساد، فكل شيء سوى الله جائز عليه الفناء لذاته حتى الجنة والنار، وإنما يبقيان بإبقاء الله لهما وخلق الدوام لأهلهما، والحق على الحقيقة من لا يجوز عليه الزوال، ولعل هذا هو السر في إثبات الألف واللام في قوله‏:‏ ‏"‏ أنت الحق وقولك الحق ووعدك الحق ‏"‏ وحذفهما عند ذكر غيرهما والله أعلم‏.‏

وفي إيراد البخاري هذا الحديث في هذا الباب تلميح بما وقع لعثمان بن مظعون بسبب هذا البيت مع ناظمه لبيد بن ربيعة قبل إسلامه، والنبي صلى الله عليه وسلم يومئذ بمكة وقريش في غاية الأذية للمسلمين، فذكر ابن إسحاق عن صالح بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف عمن حدثه عن عثمان بن مظعون أنه ‏"‏ لما رجع من الهجرة الأولى إلى الحبشة دخل مكة في جوار الوليد بن المغيرة، فلما رأى المشركين يؤذون المسلمين وهو آمن رد على الوليد جواره، فبينما هو في مجلس لقريش وقد وفد عليهم لبيد بن ربيعة فقعد ينشدهم من شعره فقال لبيد ‏"‏ ألا كل شيء ما خلا الله باطل ‏"‏ فقال عثمان بن مظعون‏:‏ صدقت، فقال لبيد ‏"‏ وكل نعيم لا محالة زائل ‏"‏ فقال عثمان‏:‏ كذبت، نعيم الجنة لا يزول‏.‏

فقال لبيد‏:‏ متى كان يؤذي جليسكم يا معشر قريش‏؟‏ فقام رجل منهم فلطم عثمان فاخضرت عينه، فلامه الوليد على رد جواره فقال‏:‏ قد كنت في ذمة منيعة، فقال عثمان‏:‏ إن عيني الأخرى لما أصاب أختها لفقيرة، فقال له الوليد‏:‏ فعد إلى جوارك، فقال‏:‏ بل أرضي بجوار الله تعالى‏.‏

قلت‏:‏ وقد أسلم لبيد بعد ذلك، وهو ابن ربيعة بن عامر بن مالك بن جعفر بن كلاب بن ربيعة بن عامر العامري ثم الكلابي ثم الجعفري، يكنى أبا عقيل‏.‏

وذكره في الصحابة البخاري وابن أبي خيثمة وغيرهما‏.‏

وقال لعمر لما سأله عما قاله من الشعر في الإسلام‏:‏ قد أبدلني الله بالشعر سورة البقرة‏.‏

ثم سكن الكوفة ومات بها في خلافة عثمان، وعاش مائة وخمسين سنة وقيل‏:‏ أكثر، وهو القائل‏:‏ ولقد سئمت من الحياة وطولها وسؤال هذا الناس‏:‏ كيف لبيد‏؟‏ وهذا يعكر على من قال إنه لم يقل شعرا منذ أسلم، إلا أن يريد القطع المطولة لا البيت والبيتين‏.‏

والله أعلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وكاد أمية بن أبي الصلت أن يسلم‏)‏ اسم أبي الصلت ربيعة بن عوف بن عقدة بن غيرة - بكسر المعجمة وفتح التحتانية - ابن عوف بن ثقيف الثقفي، وقيل في نسبه غير ذلك، أبو عثمان‏.‏

كان ممن طلب الدين ونظر في الكتب ويقال إنه ممن دخل في النصرانية، وأكثر في شعره من ذكر التوحيد والبعث يوم القيامة، وزعم الكلاباذي أنه كان يهوديا‏.‏

وروى الطبراني من حديث معاوية بن أبي سفيان عن أبيه أنه سافر مع أمية، فذكر قصته وأنه سأله عن عتبة بن ربيعة وعن سنه ورياسته فأعلمه أنه متصف بذلك فقال‏:‏ أزرى به ذلك، فغضب أبو سفيان، فأخبره أمية أنه نظر في الكتب أن نبيا يبعث من العرب أظل زمانه، قال‏:‏ فرجوت أن أكونه قال‏:‏ ثم نظرت فإذا هو من بني عبد مناف، فنظرت فيهم فلم أر مثل عتبة، فلما قلت لي إنه رئيس وإنه جاوز الأربعين عرفت أنه ليس هو، قال أبو سفيان‏:‏ فما مضت الأيام حتى ظهر محمد صلى الله عليه وسلم فقلت لأمية، قال‏:‏ نعم إنه لهو، قلت أفلا نتبعه‏؟‏ قال‏:‏ أستحيي من نسيات ثقيف، إني كنت أقول لهن إنني أنا هو ثم أصير تابعا لغلام من بني عبد مناف‏.‏

وذكر أبو الفرج الأصبهاني أنه قال عند موته‏:‏ أنا أعلم أن الحنيفية حق، ولكن الشك يداخلني في محمد‏.‏

وروى الفاكهي وابن منده من حديث ابن عباس ‏"‏ أن الفارعة بنت أبي الصلت أخت أمية أتت النبي صلى الله عليه وسلم فأنشدته من شعره فقال‏:‏ آمن شعره وكفر قلبه ‏"‏ وروى مسلم من حديث عمرو بن الشريد عن أبيه قال‏:‏ ‏"‏ ردفت النبي صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ هل معك من شعر أمية‏؟‏ قلت‏:‏ نعم، فأنشدته مائة بيت، فقال‏:‏ لقد كاد أن يسلم في شعره ‏"‏ وروى ابن مردويه بإسناد قوي عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال في قوله تعالى‏:‏ ‏(‏واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها‏)‏ قال‏:‏ نزلت في أمية بن أم الصلت‏.‏

وروي من أوجه أخرى أنها نزلت في بلعام الإسرائيلي وهو المشهور‏.‏

وعاش أمية حتى أدرك وقعة بدر ورثى من قتل بها من الكفار كما سيأتي من ذلك في أبواب الهجرة، ومات أمية بعد ذلك سنة تسع، وقيل‏:‏ مات سنة اثنتين ذكره سبط ابن الجوزي، واعتمد في ذلك ما نقله عن ابن هشام‏:‏ أن أمية قدم من الشام على أن يأخذ ماله من الطائف ويهاجر إلى المدينة، فنزل في طريقه ببدر، قيل له‏:‏ أتدري من في القليب‏؟‏ قال لا، قيل‏:‏ فيه عتبة وشيبة وهما ابنا خالك وفلان وفلان، فشق ثيابه وجدع ناقته وبكى ورجع إلى الطائف فمات بها‏.‏

قلت‏:‏ ولا يلزم من قوله فمات بها أن يكون مات في تلك السنة‏.‏

وأغرب الكلاباذي فقال‏:‏ إنه مات في حصار الطائف‏.‏

فإن كان محفوظا فذلك سنة ثمان، ولموته قصة طويلة أخرجها البخاري في تاريخه والطبراني وغيرهما‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ حَدَّثَنِي أَخِي عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ كَانَ لِأَبِي بَكْرٍ غُلَامٌ يُخْرِجُ لَهُ الْخَرَاجَ وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يَأْكُلُ مِنْ خَرَاجِهِ فَجَاءَ يَوْمًا بِشَيْءٍ فَأَكَلَ مِنْهُ أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ لَهُ الْغُلَامُ أَتَدْرِي مَا هَذَا فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ وَمَا هُوَ قَالَ كُنْتُ تَكَهَّنْتُ لِإِنْسَانٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَمَا أُحْسِنُ الْكِهَانَةَ إِلَّا أَنِّي خَدَعْتُهُ فَلَقِيَنِي فَأَعْطَانِي بِذَلِكَ فَهَذَا الَّذِي أَكَلْتَ مِنْهُ فَأَدْخَلَ أَبُو بَكْرٍ يَدَهُ فَقَاءَ كُلَّ شَيْءٍ فِي بَطْنِهِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا إسماعيل‏)‏ هو ابن أبي أويس، وأخوه أبو بكر عبد الحميد، ويحيى بن سعيد هو الأنصاري، والإسناد كله مدنيون، وفيه رواية القرين عن القرين ورواية الأكبر سنا عن الأصغر منه يحيى بن سعيد عن عبد الرحمن بن القاسم، وقد أخرجه البيهقي في ‏"‏ الشعب ‏"‏ من طريق جعفر الفريابي عن أحمد بن محمد المقدمي عن إسماعيل بن أبي أويس بهذا السند، لكن قال فيه عن عبيد بن عمر بدل عبد الرحمن بن القاسم، فلعل ليحيى بن سعيد فيه شيخين‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏كان لأبي بكر غلام‏)‏ لم أقف على اسمه، ووقع لأبي بكر مع النعيمان بن عمرو أحد الأحرار من الصحابة قصة ذكرها عبد الرزاق بإسناد صحيح ‏"‏ أنهم نزلوا بماء، فجعل النعيمان يقول لهم‏:‏ يكون كذا، فيأتونه بالطعام فيرسله إلى أصحابه‏.‏

فبلغ أبا بكر فقال‏:‏ أراني آكل كهانة النعيمان منذ اليوم، ثم أدخل يده في حلقه فاستقاءه ‏"‏ وفي ‏"‏ الورع لأحمد ‏"‏ عن إسماعيل عن أيوب عن ابن سيرين ‏"‏ لم أعلم أحدا استقاء من طعام غير أبي بكر فإنه أتي بطعام فأكل ثم قيل له جاء به ابن النعيمان، قال فأطعمتموني كهانة ابن النعيمان، ثم استقاء ‏"‏ ورجاله ثقات لكنه مرسل، ولأبي بكر قصة أخرى في نحو هذا أخرجها يعقوب بن أبي شيبة في مسنده من طريق نبيح العنزي عن أبي سعيد قال‏:‏ ‏"‏ كنا ننزل رفاقا، فنزلت في رفقه فيها أبو بكر على أهل أبيات فيهن امرأة حبلى ومعنا رجل، فقال لها‏:‏ أبشرك أن تلدي ذكرا، قالت نعم، فسجع لها أسجاعا‏.‏

فأعطته شاة فذبحها وجلسنا نأكل، فلما علم أبو بكر بالقصة قام فتقايأ كل شيء أكله‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يخرج له الخراج‏)‏ أي يأتيه بما يكسبه، والخراج ما يقرره السيد على عبده من مال يحضره له من كسبه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يأكل من خراجه‏)‏ في رواية الإسماعيلي من وجه آخر من طريق إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم ‏"‏ كان لأبي بكر غلام، فكان يجيء بكسبه فلا يأكل منه حتى يسأله، فأتاه ليلة بكسبه فأكل منه ولم يسأله، ثم سأله‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏كنت تكهنت لإنسان في الجاهلية‏)‏ لم أعرف اسمه ويحتمل أن يكون المرأة المذكورة في حديث أبي سعيد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فأعطاني بذلك‏)‏ أي عوض تكهني له، قال ابن التين‏:‏ إنما استقاء أبو بكر تنزها لأن أمر الجاهلية وضع ولو كان في الإسلام لغرم مثل ما أكل أو قيمته ولم يكفه القيء، كذا قال، والذي يظهر أن أبا بكر إنما قاء لما ثبت عنده من النهي عن حلوان الكاهن، وحلوان الكاهن ما يأخذه على كهانته، والكاهن من يخبر بما سيكون عن غير دليل شرعي، وكان ذلك قد كثر في الجاهلية خصوصا قبل ظهور النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ أَخْبَرَنِي نَافِعٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَتَبَايَعُونَ لُحُومَ الْجَزُورِ إِلَى حَبَلِ الْحَبَلَةِ قَالَ وَحَبَلُ الْحَبَلَةِ أَنْ تُنْتَجَ النَّاقَةُ مَا فِي بَطْنِهَا ثُمَّ تَحْمِلَ الَّتِي نُتِجَتْ فَنَهَاهُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ

الشرح‏:‏

حديث ابن عمر في حبل الحبلة، وقد تقدم شرحه مستوفى في البيوع، والغرض منه قوله ‏"‏ إنهم كانوا يتبايعونه في الجاهلية‏"‏‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ حَدَّثَنَا مَهْدِيٌّ قَالَ غَيْلَانُ بْنُ جَرِيرٍ كُنَّا نَأْتِي أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ فَيُحَدِّثُنَا عَنْ الْأَنْصَارِ وَكَانَ يَقُولُ لِي فَعَلَ قَوْمُكَ كَذَا وَكَذَا يَوْمَ كَذَا وَكَذَا وَفَعَلَ قَوْمُكَ كَذَا وَكَذَا يَوْمَ كَذَا وَكَذَا

الشرح‏:‏

حديث أنس الذي تقدم في أول مناقب الأنصار، وأدخله هنا لقوله ‏"‏ فعل قومك كذا يوم كذا ‏"‏ لأنه يحتمل أن يشير به إلى وقائعهم في الجاهلية كما يحتمل أن يشير به إلى وقائعهم في الإسلام أو لما هو أعم من ذلك، وخاطب أنس غيلان بأن الأنصار قومه، وليس هو من الأنصار، لكن ذلك باعتبار النسبية الأعمية إلى الأزد فإنها تجمعهم، والله أعلم‏.‏

*3*باب الْقَسَامَةُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ

الشرح‏:‏

حديث القسامة في الجاهلية بطوله، وثبت عند أكثر الرواة عن الفربري هنا ترجمة ‏"‏ القسامة في الجاهلية‏"‏، ولم يقع عند النسفي وهو أوجه، لأن الجميع من ترجمة أيام الجاهلية، ويظهر ذلك من الأحاديث التي أوردها تلو هذا الحديث‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ حَدَّثَنَا قَطَنٌ أَبُو الْهَيْثَمِ حَدَّثَنَا أَبُو يَزِيدَ الْمَدَنِيُّ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ إِنَّ أَوَّلَ قَسَامَةٍ كَانَتْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ لَفِينَا بَنِي هَاشِمٍ كَانَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ اسْتَأْجَرَهُ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ مِنْ فَخِذٍ أُخْرَى فَانْطَلَقَ مَعَهُ فِي إِبِلِهِ فَمَرَّ رَجُلٌ بِهِ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ قَدْ انْقَطَعَتْ عُرْوَةُ جُوَالِقِهِ فَقَالَ أَغِثْنِي بِعِقَالٍ أَشُدُّ بِهِ عُرْوَةَ جُوَالِقِي لَا تَنْفِرُ الْإِبِلُ فَأَعْطَاهُ عِقَالًا فَشَدَّ بِهِ عُرْوَةَ جُوَالِقِهِ فَلَمَّا نَزَلُوا عُقِلَتْ الْإِبِلُ إِلَّا بَعِيرًا وَاحِدًا فَقَالَ الَّذِي اسْتَأْجَرَهُ مَا شَأْنُ هَذَا الْبَعِيرِ لَمْ يُعْقَلْ مِنْ بَيْنِ الْإِبِلِ قَالَ لَيْسَ لَهُ عِقَالٌ قَالَ فَأَيْنَ عِقَالُهُ قَالَ فَحَذَفَهُ بِعَصًا كَانَ فِيهَا أَجَلُهُ فَمَرَّ بِهِ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ فَقَالَ أَتَشْهَدُ الْمَوْسِمَ قَالَ مَا أَشْهَدُ وَرُبَّمَا شَهِدْتُهُ قَالَ هَلْ أَنْتَ مُبْلِغٌ عَنِّي رِسَالَةً مَرَّةً مِنْ الدَّهْرِ قَالَ نَعَمْ قَالَ فَكَتَبَ إِذَا أَنْتَ شَهِدْتَ الْمَوْسِمَ فَنَادِ يَا آلَ قُرَيْشٍ فَإِذَا أَجَابُوكَ فَنَادِ يَا آلَ بَنِي هَاشِمٍ فَإِنْ أَجَابُوكَ فَسَلْ عَنْ أَبِي طَالِبٍ فَأَخْبِرْهُ أَنَّ فُلَانًا قَتَلَنِي فِي عِقَالٍ وَمَاتَ الْمُسْتَأْجَرُ فَلَمَّا قَدِمَ الَّذِي اسْتَأْجَرَهُ أَتَاهُ أَبُو طَالِبٍ فَقَالَ مَا فَعَلَ صَاحِبُنَا قَالَ مَرِضَ فَأَحْسَنْتُ الْقِيَامَ عَلَيْهِ فَوَلِيتُ دَفْنَهُ قَالَ قَدْ كَانَ أَهْلَ ذَاكَ مِنْكَ فَمَكُثَ حِينًا ثُمَّ إِنَّ الرَّجُلَ الَّذِي أَوْصَى إِلَيْهِ أَنْ يُبْلِغَ عَنْهُ وَافَى الْمَوْسِمَ فَقَالَ يَا آلَ قُرَيْشٍ قَالُوا هَذِهِ قُرَيْشٌ قَالَ يَا آلَ بَنِي هَاشِمٍ قَالُوا هَذِهِ بَنُو هَاشِمٍ قَالَ أَيْنَ أَبُو طَالِبٍ قَالُوا هَذَا أَبُو طَالِبٍ قَالَ أَمَرَنِي فُلَانٌ أَنْ أُبْلِغَكَ رِسَالَةً أَنَّ فُلَانًا قَتَلَهُ فِي عِقَالٍ فَأَتَاهُ أَبُو طَالِبٍ فَقَالَ لَهُ اخْتَرْ مِنَّا إِحْدَى ثَلَاثٍ إِنْ شِئْتَ أَنْ تُؤَدِّيَ مِائَةً مِنْ الْإِبِلِ فَإِنَّكَ قَتَلْتَ صَاحِبَنَا وَإِنْ شِئْتَ حَلَفَ خَمْسُونَ مِنْ قَوْمِكَ إِنَّكَ لَمْ تَقْتُلْهُ فَإِنْ أَبَيْتَ قَتَلْنَاكَ بِهِ فَأَتَى قَوْمَهُ فَقَالُوا نَحْلِفُ فَأَتَتْهُ امْرَأَةٌ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ كَانَتْ تَحْتَ رَجُلٍ مِنْهُمْ قَدْ وَلَدَتْ لَهُ فَقَالَتْ يَا أَبَا طَالِبٍ أُحِبُّ أَنْ تُجِيزَ ابْنِي هَذَا بِرَجُلٍ مِنْ الْخَمْسِينَ وَلَا تُصْبِرْ يَمِينَهُ حَيْثُ تُصْبَرُ الْأَيْمَانُ فَفَعَلَ فَأَتَاهُ رَجُلٌ مِنْهُمْ فَقَالَ يَا أَبَا طَالِبٍ أَرَدْتَ خَمْسِينَ رَجُلًا أَنْ يَحْلِفُوا مَكَانَ مِائَةٍ مِنْ الْإِبِلِ يُصِيبُ كُلَّ رَجُلٍ بَعِيرَانِ هَذَانِ بَعِيرَانِ فَاقْبَلْهُمَا عَنِّي وَلَا تُصْبِرْ يَمِينِي حَيْثُ تُصْبَرُ الْأَيْمَانُ فَقَبِلَهُمَا وَجَاءَ ثَمَانِيَةٌ وَأَرْبَعُونَ فَحَلَفُوا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا حَالَ الْحَوْلُ وَمِنْ الثَّمَانِيَةِ وَأَرْبَعِينَ عَيْنٌ تَطْرِفُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا قطن‏)‏ بفتح القاف والمهملة ثم نون هو ابن كعب القطعي بضم القاف البصري، ثقة عندهم، وشيخه أبو يزيد المدني بصري أيضا ويقال له المديني بزيادة تحتانية، ولعل أصله كان من المدينة، ولكن لم يرو عنه أحد من أهل المدينة، وسئل عنه مالك فلم يعرفه ولا يعرف اسمه وقد وثقه ابن معين وغيره، ولا له ولا للراوي عنه في البخاري إلا هذا الموضع‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إن أول قسامة‏)‏ بفتح القاف وتخفيف المهملة اليمين، وهي في عرف الشرع حلف معين عند التهمة بالقتل على الإثبات أو النفي‏.‏

وقيل‏:‏ هي مأخوذة من قسمة الأيمان على الحالفين‏.‏

وسيأتي بيان الاختلاف في حكمها في كتاب الديات إن شاء الله تعالى‏.‏

وقوله‏:‏ ‏(‏لفينا بني هاشم‏)‏ اللام للتأكيد وبني هاشم مجرور على البدل من الضمير المجرور‏.‏

ويحتمل أن يكون نصبا على التمييز، أو على النداء بحذف الأداة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏كان رجل من بني هاشم‏)‏ هو عمرو بن علقمة بن المطلب بن عبد مناف، جزم بذلك الزبير بن بكار في هذه القصة فكأنه نسب هذه الرواية إلى بني هاشم مجازا لما كان بين بني هاشم وبني المطلب من المودة والمؤاخاة والمناصرة، وسماه ابن الكلبي عامرا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏استأجره رجل من قريش من فخذ أخرى‏)‏ كذا في رواية الأصيلي وأبي ذر، وكذا أخرجه الفاكهي من وجه آخر عن أبي معمر شيخ البخاري فيه‏.‏

وفي رواية كريمة وغيرها ‏"‏ استأجر رجلا من قريش ‏"‏ وهو مقلوب، والأول هو الصواب‏.‏

والفخذ بكسر المعجمة وقد تسكن‏.‏

وجزم الزبير بن بكار بأن استأجر المذكور هو خداش - بمعجمتين ودال مهملة - ابن عبد الله بن أبي قيس العامري‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فمر به‏)‏ أي بالأجير ‏(‏رجل من بني هاشم‏)‏ لم أقف على اسمه‏.‏

وقوله‏:‏ ‏(‏عروة جوالقه‏)‏ بضم الجيم وفتح اللام الوعاء من جلود وثياب وغيرها، فارسي معرب، وأصله كواله‏:‏ وجمعه جواليق وحكي جوالق بحذف التحتانية، والعقال الحبل‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فأين عقاله‏؟‏ قال فحذفه‏)‏ كذا في النسخ وفيه حذف يدل عليه سياق الكلام، وقد بينته رواية الفاكهي ‏"‏ فقال مر بي رجل من بني هاشم قد انقطع عروة‏:‏ جوالقه، واستغاث بي فأعطيته، فحذفه ‏"‏ أي رماه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏كان فيها أجله‏)‏ أي أصاب مقتله‏.‏

وقوله‏:‏ ‏"‏ فمات ‏"‏ أي أشرف على الموت، بدليل قوله‏:‏ ‏"‏ فمر به رجل من أهل اليمن قبل أن يقضي ولم أقف على اسم هذا المار أيضا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أتشهد الموسم‏)‏ أي موسم الحج‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فكتب‏)‏ بالمثناة ثم الموحدة ولغير أبي ذر والأصيلي بضم الكاف وسكون النون ثم المثناة والأول أوجه‏.‏

وفي رواية الزبير بن بكار ‏"‏ فكتب إلى أبي طالب يخبره بذلك ومات منها ‏"‏ وفي ذلك يقول أبو طالب‏:‏ أفي فضل حبل لا أبالك ضربه بمنسأة، قد جاء حبل أو أحبل قوله‏:‏ ‏(‏يا آل قريش‏)‏ بإثبات الهمزة وبحذفها على الاستغاثة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قتلني في عقال‏)‏ أي بسبب عقال‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ومات المستأجر‏)‏ بفتح الجيم أي بعد أن أوصى اليماني بما أوصاه به‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فوليت‏)‏ بكسر اللام‏.‏

وفي رواية ابن الكلبي ‏"‏ فقال أصابه قدره، فصدقوه ولم يظنوا به غير ذلك ‏"‏ وقوله‏:‏ ‏"‏ وافى الموسم أي أتاه‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يا بني هاشم‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ يا آل بني هاشم‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏من أبو طالب‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ أين أبو طالب ‏"‏ زاد ابن الكلبي ‏"‏ فأخبره بالقصة وخداش يطوف بالبيت لا يعلم بما كان، فقام رجال من بني هاشم إلى خداش فضربوه وقالوا‏:‏ قتلت صاحبنا، فجحد‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏اختر منا إحدى ثلاث‏)‏ يحتمل أن تكون هذه الثلاث كانت معروفة بينهم، ويحتمل أن تكون شيئا اخترعه أبو طالب‏.‏

وقال ابن التين‏:‏ لم ينقل أنهم تشاوروا في ذلك ولا تدافعوا فدل على أنهم كانوا يعرفون القسامة قبل ذلك‏.‏

كذا قال، وفيه نظر، لقول ابن عباس راوي الحديث ‏"‏ أنها أول قسامة ‏"‏ ويمكن أن يكون مراد ابن عباس الوقوع وإن كانوا يعرفون الحكم قبل ذلك‏.‏

وحكى الزبير بن بكار أنهم تحاكموا في ذلك إلى الوليد بن المغيرة فقضى أن يحلف خمسون رجلا من بني عامر عند البيت ما قتله خداش، وهذا يشعر بالأولية مطلقا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فأتته امرأة من بني هاشم‏)‏ هي زينب بنت علقمة أخت المقتول ‏(‏كانت تحت رجل منهم‏)‏ هو عبد العزى بن أبي قيس العامري، واسم ولدها منه حويطب بمهملتين مصغر، وذكر ذلك الزبير‏.‏

وقد عاش حويطب بعد هذا دهرا طويلا، وله صحبة، وسيأتي حديثه في كتاب الأحكام‏.‏

ونسبتها إلى بني هاشم مجازية والتقدير كانت زوجا لرجل من بني هاشم‏.‏

ويحتمل قولها فولدت له ولدا أي غير حويطب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أن تجيز ابني‏)‏ بالجيم والزاي، أي تهبه ما يلزمه من اليمين‏.‏

وقولها‏:‏ ‏(‏ولا تصبر يمينه‏)‏ بالمهملة ثم الموحدة، أصل الصبر الحبس والمنع، ومعناه في الأيمان الإلزام، تقول صبرته أي ألزمته أن يحلف بأعظم الأيمان حتى لا يسعه أن لا يحلف‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حيث تصبر الأيمان‏)‏ أي بين الركن والمقام، قاله ابن التين‏.‏

قال‏:‏ ومن هنا استدل الشافعي على أنه لا يحلف بين الركن والمقام على أقل من عشرين دينارا نصاب الزكاة، كذا قال، ولا أدري كيف يستقيم هذا الاستدلال، ولم يذكر أحد من أصحاب الشافعي أن الشافعي استدل لذلك بهذه القصة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فأتاه رجل منهم‏)‏ لم أقف على اسمه ولا على اسم أحد من سائر الخمسين إلا من تقدم، وزاد ابن الكلبي ‏"‏ ثم حلفوا عند الركن أن خداشا بريء من دم للمقتول‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فو الذي نفسي بيده‏)‏ قال ابن التين‏:‏ كأن الذي أخبر ابن عباس بذلك جماعة اطمأنت نفسه إلى صدقهم حتى وسعه أن يحلف على ذلك‏.‏

قلت‏:‏ يعني أنه كان حين القسامة لم يولد، ويحتمل أن يكون الذي أخبره بذلك هو النبي صلى الله عليه وسلم، وهو أمكن في دخول هذا الحديث في الصحيح‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فما حال الحول‏)‏ أي من يوم حلفوا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ومن الثمانية وأربعين‏)‏ في رواية أبي ذر ‏"‏ وفي الثمانية ‏"‏ وعند الأصيلي ‏"‏ والأربعين ‏"‏ قوله‏:‏ ‏"‏ عين تطرف ‏"‏ بكسر الراء أي تتحرك‏.‏

زاد ابن الكلبي ‏"‏ وصارت رباع الجميع لحويطب، فبذلك كان أكثر من بمكة رباعا‏"‏‏.‏

وروى الفاكهي من طريق ابن أبي نجيح عن أبيه قال‏:‏ ‏"‏ حلف ناس عند البيت قسامة على باطل، ثم خرجوا فنزلوا تحت صخرة فانهدمت عليهم ‏"‏ ومن طريق طاوس قال‏:‏ ‏"‏ كان أهل الجاهلية لا يصيبون في الحرم شيئا إلا عجلت لهم عقوبته ‏"‏ ومن طريق حويطب إن أمة في الجاهلية عاذت بالبيت‏.‏

فجاءتها سيدتها فجبذتها فشلت يدها ‏"‏ وروينا في ‏"‏ كتاب مجابي الدعوة لابن أبي الدنيا ‏"‏ في قصة طويلة في معنى سرعة الإجابة بالحرم للمظلوم فيمن ظلمه قال‏:‏ ‏"‏ فقال عمر‏:‏ كان يفعل بهم ذلك في الجاهلية ليتناهوا عن الظلم لأنهم كانوا لا يعرفون البعث، فلما جاء الإسلام أخر القصاص إلى يوم القيامة ‏"‏ وروى الفاكهي من وجه آخر عن طاوس قال‏:‏ ‏"‏ يوشك أن لا يصيب أحد في الحرم شيئا إلا عجلت له العقوبة ‏"‏ فكأنه أشار إلى أن ذلك يكون في آخر الزمان عند قبض العلم وتناسى أهل ذلك الزمان أمور الشريعة فيعود الأمر غريبا كما بدأ، والله أعلم‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنِي عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ كَانَ يَوْمُ بُعَاثٍ يَوْمًا قَدَّمَهُ اللَّهُ لِرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ افْتَرَقَ مَلَؤُهُمْ وَقُتِّلَتْ سَرَوَاتُهُمْ وَجُرِّحُوا قَدَّمَهُ اللَّهُ لِرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي دُخُولِهِمْ فِي الْإِسْلَامِ وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنَا عَمْرٌو عَنْ بُكَيْرِ بْنِ الْأَشَجِّ أَنَّ كُرَيْبًا مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ حَدَّثَهُ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ لَيْسَ السَّعْيُ بِبَطْنِ الْوَادِي بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ سُنَّةً إِنَّمَا كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَسْعَوْنَهَا وَيَقُولُونَ لَا نُجِيزُ الْبَطْحَاءَ إِلَّا شَدًّا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن هشام‏)‏ هو ابن عروة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يوم بعاث‏)‏ تقدم شرحه في أول مناقب الأنصار وأنه كان قبل البعث على الراجح، وقوله فيه‏:‏ ‏"‏ وجرحوا ‏"‏ بالجيم المضمومة ثم الحاء المهملة، ولبعضهم ‏"‏ وخرجوا ‏"‏ بفتح المعجمة وتخفيف الراء بعدها جيم، والأول أرجح، وقد تقدم من تسمية من جرح منهم في تلك الوقعة حضير الكتائب والد أسيد فمات منها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال ابن وهب إلخ‏)‏ وصله أبو نعيم في ‏"‏ المستخرج ‏"‏ من طريق حرملة بن يحيى عن عبد الله بن وهب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ليس السعي‏)‏ أي شدة المشي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏سنة‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ بسنة ‏"‏ قال ابن التين خولف ابن عباس في ذلك بل قالوا إنه فريضة‏.‏

قلت‏:‏ لم يرد ابن عباس أصل السعي، وإنما أراد شدة العدو، وليس ذلك فريضة‏.‏

وقد تقدم في أحاديث الأنبياء في ترجمة إبراهيم عليه السلام في قصة هاجر أن مبدأ السعي بين الصفا والمروة كان من هاجر، وهو من رواية ابن عباس أيضا، فظهر أن الذي أراد أن مبدأه من أهل الجاهلية هي شدة العدو‏.‏

نعم قوله‏:‏ ‏"‏ ليس بسنة ‏"‏ إن أراد به أنه لا يستحب فهو يخالف ما عليه الجمهور، وهو نظير إنكاره استحباب الرمل في الطواف‏.‏

ويحتمل أن يريد بالسنة الطريقة الشرعية وهي تطلق كثيرا على المفروض، ولم يرد السنة باصطلاح أهل الأصول، وهو ما ثبت دليل مطلوبيته من غير تأثيم تاركه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لا نجيز‏)‏ بضم أوله أي لا نقطع‏.‏

والبطحاء مسيل الوادي، تقول جزت الموضع إذا سرت فيه، وأجزته إذا خلفته وراءك‏.‏

وقيل‏:‏ هما بمعنى‏.‏

وقوله‏:‏ إلا شدا أي لا نقطعها إلا بالعدو الشديد‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْجُعْفِيُّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ أَخْبَرَنَا مُطَرِّفٌ سَمِعْتُ أَبَا السَّفَرِ يَقُولُ سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَقُولُ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اسْمَعُوا مِنِّي مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأَسْمِعُونِي مَا تَقُولُونَ وَلَا تَذْهَبُوا فَتَقُولُوا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ مَنْ طَافَ بِالْبَيْتِ فَلْيَطُفْ مِنْ وَرَاءِ الْحِجْرِ وَلَا تَقُولُوا الْحَطِيمُ فَإِنَّ الرَّجُلَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ كَانَ يَحْلِفُ فَيُلْقِي سَوْطَهُ أَوْ نَعْلَهُ أَوْ قَوْسَهُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا مطرف‏)‏ بالمهملة وتشديد الراء هو ابن طريف بالمهملة أيضا الكوفي، وأبو السفر بفتح المهملة والفاء هو سعيد بن يحمد بالتحتانية المضمومة والمهملة الساكنة كوفي أيضا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يا أيها الناس اسمعوا مني ما أقول لكم وأسمعوني‏)‏ بهمزة قطع أي أعيدوا علي قولي لأعرف أنكم حفظتموه، كأنه خشي أن لا يفهموا ما أراد فيخبروا عنه بخلاف ما قال، فكأنه قال‏:‏ اسمعوا مني سماع ضبط وإتقان، ولا تقولوا ‏"‏ قال ‏"‏ من قبل أن تضبطوا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏من طاف بالبيت فليطف من وراء الحجر‏)‏ في رواية ابن أبي عمر عن سفيان ‏"‏ وراء الجدر ‏"‏ والمراد به الحجر، والسبب فيه أن الذي يلي البيت إلى جهة الحجر من البيت، وقد تقدم بيانه وما قيل في مقداره في أوائل كتاب الحج‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ولا تقولوا الحطيم‏)‏ في رواية سعيد بن منصور عن خديج بن معاوية عن أبي إسحاق عن أبي السفر في هذه القصة ‏"‏ فقال رجل‏:‏ ما الحطيم‏؟‏ فقال ابن عباس‏:‏ إنه لا حطيم، كان الرجل إلخ ‏"‏ زاد أبو نعيم في ‏"‏ المستخرج ‏"‏ من طريق خالد الطحان عن مطرف ‏"‏ فإن أهل الجاهلية كانوا يسمونه - أي الحجر - الحطيم، كانت فيه أصنام قريش ‏"‏ وللفاكهي من طريق يونس بن أبي إسحاق عن أبي السفر نحوه وقال‏:‏ ‏"‏ كان أحدهم إذا أراد أن يحلف وضع محجنه ثم حلف، فمن طاف فليطف من ورائه‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏كان يحلف‏)‏ بالحاء المهملة الساكنة وتخفيف اللام المكسورة‏.‏

وفي رواية خالد الطحان المذكورة ‏"‏ كان إذا حلف ‏"‏ بضم المهملة وتشديد اللام والأول أوجه، والمعنى أنهم كانوا إذا حالف بعضهم بعضا ألقى الحليف في الحجر نعلا أو سوطا أو قوسا أو عصا علامة لقصد حلفهم فسموه الحطيم لذلك، لكونه يحطم أمتعتهم، وهو فعيل بمعنى فاعل، ويحتمل أن يكون ذلك كان شأنهم إذا أرادوا أن يحلفوا على نفي شيء، وقيل‏:‏ إنما سمي الحطيم لأن بعضهم كان إذا دعا على من ظلمه في ذلك الموضع هلك‏.‏

وقال ابن الكلبي‏:‏ سمي الحجر حطيما لما تحجر عليه، أو لأنه قصر به عن ارتفاع البيت وأخرج عنه، فعلى هذا فعيل بمعنى مفعول، أو لأن الناس يحطم فيه بعضهم بعضا من الزحام عند الدعاء فيه‏.‏

وقال غيره‏:‏ الحطيم هو بئر الكعبة التي كان يلقى فيها ما يهدى لها‏.‏

وقيل‏:‏ بين الركن الأسود والمقام‏.‏

وقيل‏:‏ من أول الركن الأسود إلى أول الحجر يسمى الحطيم‏.‏

وحديث ابن عباس حجة في رد أكثر هذه الأقوال، زاد في رواية خديج ‏"‏ ولكنه الجدر ‏"‏ بفتح الجيم وسكون المهملة، وهو من البيت‏.‏

ووقع عند الإسماعيلي والبرقاني في آخر الحديث عن ابن عباس ‏"‏ وأيما صبي حج به أهله فقد قضى حجه ما دام صغيرا، فإذا بلغ فعليه حجة أخرى، وأيما عبد حج به أهله ‏"‏ الحديث، وهذه الزيادة عند البخاري أيضا في غير الصحيح، وحذفها منه عمدا لعدم تعلقها بالترجمة ولكونها موقوفة، وأما أول الحديث فهو وإن كان موقوفا من حديث ابن عباس إلا أن الغرض منه حاصل بالنسب لنقل ابن عباس ما كان في الجاهلية مما رآه النبي صلى الله عليه وسلم فأقره أو أزاله، فمهما لم ينكره واستمرت مشروعيته فيكون له حكم المرفوع، ومهما أنكره فالشرع بخلافه‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ عَنْ حُصَيْنٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ قَالَ رَأَيْتُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ قِرْدَةً اجْتَمَعَ عَلَيْهَا قِرَدَةٌ قَدْ زَنَتْ فَرَجَمُوهَا فَرَجَمْتُهَا مَعَهُمْ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا نعيم بن حماد‏)‏ في رواية بعضهم حدثنا نعيم غير منسوب، وهو المروزي نزيل مصر، وقل أن يخرج له البخاري موصولا بل عادته أن يذكر عنه بصيغة التعليق‏.‏

ووقع في رواية القابسي ‏"‏ حدثنا أبو نعيم ‏"‏ وصوبه بعضهم وهو غلط‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن حصين‏)‏ في رواية البخاري في ‏"‏ التاريخ ‏"‏ في هذا الحديث ‏"‏ حدثنا حصين ‏"‏ فأمن بذلك ما يخشى من تدليس هشيم الراوي عنه، وقرن فيه أيضا مع حصين أبا المليح‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏رأيت في الجاهلية قردة‏)‏ بكسر القاف وسكون الراء واحدة القرود، وقوله‏:‏ ‏"‏ اجتمع عليها قردة ‏"‏ بفتح الراء جمع قرد، وقد ساق الإسماعيلي هذه القصة من وجه آخر مطولة من طريق عيسى بن حطان عن عمرو بن ميمون قال‏:‏ ‏"‏ كنت في اليمن في غنم لأهلي وأنا على شرف، فجاء قرد من قردة فتوسد يدها، فجاء قرد أصغر منه فغمزها، فسلت يدها من تحت رأس القرد الأول سلا رفيقا وتبعته، فوقع عليها وأنا أنظر، ثم رجعت فجعلت تدخل يدها تحت خد الأول برفق، فاستيقظ فزعا، فشمها فصاح، فاجتمعت القرود، فجعل يصيح ويومئ إليها بيده، فذهب القرود يمنة ويسرة، فجاءوا بذلك القرد أعرفه، فحفروا لهما حفرة فرجموهما، فلقد رأيت الرجم في غير بني آدم ‏"‏ قال ابن التين‏:‏ لعل هؤلاء كانوا من نسل الذين مسخوا فبقي فيهم ذلك الحكم‏.‏

ثم قال‏:‏ أن الممسوخ لا ينسل قلت‏:‏ وهذا هو المعتمد، لما ثبت في صحيح مسلم ‏"‏ أن الممسوخ لا نسل له ‏"‏ وعنده من حديث ابن مسعود مرفوعا ‏"‏ إن الله لم يهلك قوما فيجعل لهم نسلا ‏"‏ وقد ذهب أبو إسحاق الزجاج وأبو بكر بن العربي إلى أن الموجود من القردة من نسل الممسوخ، وهو مذهب شاذ اعتمد من ذهب إليه ما ثبت أيضا في صحيح مسلم ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أتي بالضب قال‏:‏ لعله من القرون التي مسخت ‏"‏ وقال في الفأر ‏"‏ فقدمت أمة من بني إسرائيل لا أراها إلا الفأر ‏"‏ وأجاب الجمهور عن ذلك بأنه صلى الله عليه وسلم قال ذلك قبل أن يوحى إليه بحقيقة الأمر في ذلك، ولذلك لم يأت الجزم عنه بشيء من ذلك، بخلاف النفي فإنه جزم به كما في حديث ابن مسعود، ولكن لا يلزم أن تكون القرود المذكورة من النسل، فيحتمل أن يكون الذين مسخوا لما صاروا على هيئة القردة مع بقاء أفهامهم عاشرتهم القردة الأصلية للمشابهة في الشكل فتلقوا عنهم بعض ما شاهدوه من أفعالهم فحفظوها وصارت فيهم، واختص القرد بذلك لما فيه من الفطنة الزائدة على غيره من الحيوان وقابلية التعليم لكل صناعة مما ليس لأكثر الحيوان، ومن خصاله أنه يضحك ويطرب ويحكي ما يراه، وفيه من شدة الغيرة ما يوازي الآدمي ولا يتعدى أحدهم إلى غير زوجته، فلا يدع في الغالب أن يحملها ما ركب فيها من غيرة على عقوبة من اعتدى إلى ما لم يختص به من الأنثى، ومن خصائصه أن الأنثى تحمل أولادها كهيئة الآدمية، وربما مشى القرد على رجليه لكن لا يستمر على ذلك، ويتناول الشيء بيده ويأكل بيده، وله أصابع مفصلة إلى أنامل وأظفار، ولشفر عينيه أهداب‏.‏

وقد استنكر ابن عبد البر قصة عمرو بن ميمون هذه وقال‏:‏ فيها إضافة الزنا إلى غير مكلف وإقامة الحد على البهائم وهذا منكر عند أهل العلم، قال‏:‏ فإن كانت الطريق صحيحة فلعل هؤلاء كانوا من الجن لأنهم من جملة المكلفين، وإنما قال ذلك لأنه تكلم على الطريق التي أخرجها الإسماعيلي حسب، وأجيب بأنه لا يلزم من كون صورة الواقعة صورة الزنا والرجم أن يكون ذلك زنا حقيقة ولا حدا، وإنما أطلق ذلك عليه لشبهه به، فلا يستلزم ذلك إيقاع التكليف على الحيوان‏.‏

وأغرب الحميدي في الجمع بين الصحيحين فزعم أن هذا الحديث وقع في بعض نسخ البخاري، وأن أبا مسعود وحده ذكره في ‏"‏ الأطراف ‏"‏ قال‏:‏ وليس في نسخ البخاري أصلا فلعله من الأحاديث المقحمة في كتاب البخاري‏.‏

وما قاله مردود، فإن الحديث المذكور في معظم الأصول التي وقفنا عليها، وكفى بإيراد أبي ذر الحافظ له عن شيوخه الثلاثة الأئمة المتقنين عن الفربري حجة، وكذا إيراد الإسماعيلي وأبي نعيم في مستخرجيهما وأبي مسعود له في أطرافه، نعم سقط من رواية النسفي وكذا الحديث الذي بعده، ولا يلزم من ذلك أن لا يكون في رواية الفربري، فإن روايته تزيد على رواية النسفي عدة أحاديث قد نبهت على كثير منها فيما مضى وفيما سيأتي إن شاء الله تعالى، وأما تجويزه أن يزاد في صحيح البخاري ما ليس منه فهذا ينافي ما عليه العلماء من الحكم بتصحيح جميع ما أورده البخاري في كتابه، ومن اتفاقهم على أنه مقطوع بنسبته إليه، وهذا الذي قاله تخيل فاسد يتطرق منه عدم الوثوق بجميع ما في الصحيح، لأنه إذا جاز في واحد لا بعينه جاز في كل فرد فرد، فلا يبقى لأحد الوثوق بما في الكتاب المذكور، واتفاق العلماء ينافي ذلك، والطريق التي أخرجها البخاري دافعة لتضعيف ابن عبد البر للطريق التي أخرجها الإسماعيلي، وقد أطنبت في هذا الموضع لئلا يغتر ضعيف بكلام الحميدي فيعتمده، وهو ظاهر الفساد، وقد ذكر أبو عبيدة معمر بن المثنى في ‏"‏ كتاب الخيل ‏"‏ له من طريق الأوزاعي أن مهرا أنزي على أمه فامتنع، فأدخلت في بيت وجللت بكساء وأنزي عليها فنزى، فلما شم ريح أمه عمد إلى ذكره فقطعه بأسنانه من أصله، فإذا كان هذا الفهم في الخيل مع كونها أبعد في الفطنة من القرد فجوازها في القرد أولى‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ خِلَالٌ مِنْ خِلَالِ الْجَاهِلِيَّةِ الطَّعْنُ فِي الْأَنْسَابِ وَالنِّيَاحَةُ وَنَسِيَ الثَّالِثَةَ قَالَ سُفْيَانُ وَيَقُولُونَ إِنَّهَا الِاسْتِسْقَاءُ بِالْأَنْوَاءِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن عبيد الله‏)‏ بالتصغير وهو ابن أبي يزيد المكي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن ابن عباس‏)‏ في نسخة أنس وهو غلط‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏خلال من خلال الجاهلية‏)‏ أي من خصال‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏الطعن في الأنساب‏)‏ أي القدح من بعض الناس في نسب بعض بغير علم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏والنياحة‏)‏ أي على الميت، وقد تقدم ذكر حكمها في كتاب الجنائز في ‏"‏ باب ما يكره من النياحة على الميت ‏"‏ وقد تقدم هناك الكلام على حديث أنس ‏"‏ ليس منا من ضرب الخدود وشق الجيوب ودعا بدعوى الجاهلية‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ونسي الثالثة‏)‏ وقع في رواية ابن أبي عمر عن سفيان ‏"‏ ونسي عبيد الله الثالثة ‏"‏ فعين الناسي أخرجه الإسماعيلي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ويقولون إنها الاستسقاء بالأنواء‏)‏ أي يقولون‏:‏ مطرنا بنوء كذا، وقد تقدم شرح ذلك في كتاب الاستسقاء، ووقع عند أبي نعيم من رواية شريح بن يونس عن سفيان مدرجا ولفظه ‏"‏ والأنواء ‏"‏ ولم يقل ‏"‏ ونسي إلخ ‏"‏ ومن رواية عبد الجبار بن العلاء عن سفيان بدل قوله‏:‏ ونسي الثالثة ‏"‏ والتفاخر بالأحساب ‏"‏ وهو وهم منهما، لما بينته رواية ابن أبي عمر، وعلي شيخ البخاري فيه هو ابن المديني، وقد جاء من حديث أنس ذكر هذه الثلاثة، وهي الطعن والنياحة والاستسقاء أخرجه أبو يعلى بإسناد قوي، وجاء عن ابن عباس من وجه آخر ذكر فيه الخصال الأربع أخرجه ابن عدي من طريق عمر بن راشد عن يحيى بن أبي كثير عن عكرمة عنه، والمحفوظ في هذا ما أخرجه مسلم وابن حبان وغيرهما من طريق أبان بن يزيد وغيره عن يحيى بن أبي كثير عن زيد بن سلام عن أبي سلام عن أبي مالك الأشعري مرفوعا بلفظ ‏"‏ أربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهن‏:‏ الفخر في الأحساب، والطعن في الأنساب، والاستسقاء بالأنواء؛ والنياحة‏"‏‏.‏

‏(‏خاتمة‏)‏ ‏:‏ اشتملت أحاديث المناقب وما اتصل بها من ذكر بعض ما وقع قبل البعث من الأحاديث المرفوعة على مائتي حديث وثلاثة وثلاثين حديثا، المعلق منها ثلاثة وثلاثون طريقا والبقية موصولة، المكرر منها فيه وفيما مضى مائة وثمانية وثلاثون حديثا والخالص خمسة وتسعون حديثا، وافقه مسلم على تخريجها سوى حديث عائشة ‏"‏ كان أبو بكر في الغار ‏"‏ وحديث ابن عباس فيه، وحديث أبي سعيد فيه، وحديث ابن عمر ‏"‏ كنا نخير ‏"‏ وحديث ابن الزبير ‏"‏ لو كنت متخذا خليلا ‏"‏ وحديث ابن عمار ‏"‏ وما معه إلا خمسة ‏"‏ وحديث أبي الدرداء ‏"‏ قد غامر‏"‏، وحديث عائشة في طرف من حديث السقيفة، وحديث علي ‏"‏ خير الناس‏"‏، وحديث عبد الله بن عمرو ‏"‏ أشد ما صنع المشركون‏"‏، وحديث ابن مسعود ‏"‏ ما زلنا أعزة ‏"‏ وحديث ابن عمر في شأن عمر، وحديث عبد الله بن هشام فيه، وحديث عثمان ‏"‏ ما بايعت‏"‏، وحديث علي ‏"‏ اقضوا كما كنتم تقضون‏"‏، وحديث أبي هريرة في جعفر، وحديث ابن عمر فيه، وحديث أبي بكر ‏"‏ ارقبوا ‏"‏ وحديثه ‏"‏ لقرابة رسول الله أحب إلي‏"‏، وحديث عثمان في الزبير، وحديث ابن عباس فيه، وحديث الزبير في اليرموك، وحديث طلحة وسعد، وحديث مس يد طلحة، وحديث سعد في إسلامه، وحديث ابن عمر في ابن أسامة، وحديث أسامة ‏"‏ إني أحبهما‏"‏، وحديث أنس في الحسين، وحديثه في الحسن، وحديث ابن عمر فيهما، وحديث عمر في بلال، وحديث حذيفة في ابن مسعود، وحديث معاوية في الوتر، وحديث ابن عباس في عائشة، وحديث عمار فيها، وحديث أنس في الأنصار، وحديث زيد بن أرقم فيهم، وحديث سعد في عبد الله بن سلام، وحديث ابن سلام مع أبي بردة، وحديث ابن عمر، وحديث ابن عمر في زيد بن عمرو، وحديث أسماء فيه، وحديث ابن الزبير في بناء المسجد الحرام، وحديث جد سعيد بن المسيب، وحديث أبي بكر مع امرأة من أحمس، وحديث عائشة في القيام للجنازة، وحديث ابن عباس في كأسا دهاقا، وحديث أبي بكر مع الذي تكهن، وحديث ابن عباس في القسامة، وحديثه في السعي، وحديثه في الحطيم، وحديث عمرو بن ميمون في القردة، وحديث ابن عباس ‏"‏ ثلاث من خلال الجاهلية ‏"‏ فجملة ذلك اثنان وخمسون حديثا ما بين معلق وموصول، فوافقه منها على ثلاثة وأربعين حديثا فقط، والسبب في ذلك أن الكثير منها صورته أنه موقوف وإن كان قد يتمحل له حكم المرفوع، ومسلم في الغالب يحرص على تخريج الأحاديث الصريحة في الرفع‏.‏

وفيه من الآثار عن الصحابة فمن بعدهم سبعة عشر أثرا، والله سبحانه وتعالى أعلم‏.‏