فصل: باب مَنَاقِبِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ الزُّهْرِيِّ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فتح الباري شرح صحيح البخاري **


*3*باب مَنَاقِبِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ الزُّهْرِيِّ

وَبَنُو زُهْرَةَ أَخْوَالُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ سَعْدُ بْنُ مَالِكٍ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏مناقب سعد بن أبي وقاص الزهري‏)‏ أي أحد العشرة يكنى أبا إسحاق‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وبنو زهرة أخوال النبي صلى الله عليه وسلم أي لأن أمه آمنة منهم، وأقارب الأم أخوال‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وهو سعد بن مالك‏)‏ أي اسم أبي وقاص مالك بن وهيب - ويقال أهيب - ابن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة، يجتمع مع النبي صلى الله عليه وسلم في كلاب بن مرة، وعدد ما بينهما من الآباء متقارب‏.‏

وأمه حمنة بنت سفيان بن أمية بن عبد شمس لم تسلم، مات بالعقيق سنة خمس وخمسين وقيل‏:‏ بند ذلك إلى ثمانية وخمسين، وعاش نحوا من ثمانين سنة‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ قَالَ سَمِعْتُ يَحْيَى قَالَ سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ قَالَ سَمِعْتُ سَعْدًا يَقُولُ جَمَعَ لِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَوَيْهِ يَوْمَ أُحُدٍ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏جمع لي النبي صلى الله عليه وسلم أبويه يوم أحد‏)‏ أي في التفدية، وهي قوله‏:‏ ‏"‏ فداك أبي وأمي ‏"‏ وبينه حديث علي ‏"‏ ما جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم أبويه لأحد غير سعد بن مالك، فإنه جعل يقول له يوم أحد‏:‏ ارم فداك أبي وأمي ‏"‏ وقد تقدم في الجهاد‏.‏

وفي هذا الحصر نظر لما تقدم في ترجمة الزبير أنه صلى الله عليه وسلم جمع له أبويه يوم الخندق ويجمع بينهما بأن عليا رضي الله عنه لم يطلع على ذلك، أو مراده بذلك بقيد يوم أحد، والله أعلم‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ حَدَّثَنَا هَاشِمُ بْنُ هَاشِمِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ يَقُولُ سَمِعْتُ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ يَقُولُ مَا أَسْلَمَ أَحَدٌ إِلَّا فِي الْيَوْمِ الَّذِي أَسْلَمْتُ فِيهِ وَلَقَدْ مَكَثْتُ سَبْعَةَ أَيَّامٍ وَإِنِّي لَثُلُثُ الْإِسْلَامِ تَابَعَهُ أَبُو أُسَامَةَ حَدَّثَنَا هَاشِمٌ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏ما أسلم أحد إلا في اليوم الذي أسلمت فيه‏)‏ ظاهره أنه لم يسلم أحد قبله لكن اختلف في هذه اللفظة كما سأذكره‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ولقد مكثت سبعة أيام وإني لثلث الإسلام‏)‏ سيأتي القول فيه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وإني لثلث الإسلام‏)‏ قال ذلك بحسب اطلاعه، والسب فيه أن من كان أسلم في ابتداء الأمر كان يخفي إسلامه، ولعله أراد بالاثنين الآخرين خديجة وأبا بكر، أو النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر، وقد كانت خديجة أسلمت قطعا فلعله خصن الرجال، وقد تقدم في ترجمة الصديق حديث عمار ‏"‏ رأيت النبي صلى الله عليه وسلم وما معه إلا خمسة أعبد وأبو بكر ‏"‏ وهو يعارض حديث سعد، والجمع بينهما ما أشرت إليه، أو يحمل قول سعد على الأحرار البالغين ليخرج الأعبد المذكورون وعلي رضي الله عنه، أو لم يكن اطلع على أولئك، ويدل على هذا الأخير أنه وقع عند الإسماعيلي من رواية يحيى بن سعيد الأموي عن هاشم بلفظ ‏"‏ ما أسلم أحد قبلي ‏"‏ ومثله عند ابن سعد من وجه آخر عن عامر بن سعد عن أبيه، وهذا مقتضى رواية الأصيلي، وهي مشكله؛ لأنه قد أسلم قبله جماعة، لكن يحمل ذلك على مقتضى ما كان اتصل بعلمه حينئذ وقد رأيت في ‏"‏ المعرفة لابن منده ‏"‏ من طريق أبي بدر عن هاشم بلفظ ‏"‏ ما أسلم أحد في اليوم الذي أسلمت فيه ‏"‏ وهذا لا إشكال فيه إذ لا مانع أن لا يشاركه أحد في الإسلام يوم أسلم، لكن أخرجه الخطيب من الوجه الذي أخرجه ابن منده فأثبت فيه ‏"‏ إلا ‏"‏ كبقية الروايات فتعين الحمل على ما قلته‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏تابعه أبو أسامة حدثنا هاشم‏)‏ وصله المؤلف في ‏"‏ باب إسلام سعد ‏"‏ من السيرة النبوية وهو مثل رواية ابن أبي زائدة هذه‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ إِسْمَاعِيلَ عَنْ قَيْسٍ قَالَ سَمِعْتُ سَعْدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ إِنِّي لَأَوَّلُ الْعَرَبِ رَمَى بِسَهْمٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَكُنَّا نَغْزُو مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا لَنَا طَعَامٌ إِلَّا وَرَقُ الشَّجَرِ حَتَّى إِنَّ أَحَدَنَا لَيَضَعُ كَمَا يَضَعُ الْبَعِيرُ أَوْ الشَّاةُ مَا لَهُ خِلْطٌ ثُمَّ أَصْبَحَتْ بَنُو أَسَدٍ تُعَزِّرُنِي عَلَى الْإِسْلَامِ لَقَدْ خِبْتُ إِذًا وَضَلَّ عَمَلِي وَكَانُوا وَشَوْا بِهِ إِلَى عُمَرَ قَالُوا لَا يُحْسِنُ يُصَلِّي

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏إني لأول العرب رمى‏)‏ كان ذلك في سرية عبيدة بن الحارث بن المطلب، وكان القتال فيها أول حرب وقعت بين المشركين والمسلمين، وهي أول سرية بعثها رسول الله صلى الله عليه وسلم في السنة الأولى من الهجرة، بعث ناسا من المسلمين إلى رابغ ليلقوا عيرا لقريش فتراموا بالسهام ولم يكن بينهم مسايفة، فكان سعد أول من رمى، ذكر ذلك الزبير بن بكار بسند له وقال فيه عن سعد أنه أنشد يومئذ‏:‏ ألا هل أتى رسول الله أني حميت صحابتي بصدور نبلي وذكرها يونس بن بكير في زيادة المغازي من طريق الزهري نحوه، وابن سعد من وجه آخر عن سعد ‏"‏ أنا أول من رمى بسهم ثم خرجنا مع عبيدة بن الحارث ستين راكبا‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ماله خلط‏)‏ بكسر المعجمة أي لا يختلط بعضه ببعض من شدة جفافه وتفتته‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ثم أصبحت بنو أسد‏)‏ أي ابن خزيمة بن مدركة، وكانوا ممن شكاه لعمر في القصة التي تقدم بيانها في صفة الصلاة، ووقع عند ابن بطال أنه عرض في ذلك بعمر بن الخطاب وليس بصواب، فإن عمر من بني عدي بن كعب بن لؤي ليس من بني أسد‏.‏

ووقع عند النووي ‏"‏ أسد بن عبد العزى ‏"‏ يعني رهط الزبير بن العوام، وهو وهم أيضا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏تعزرني على الإسلام‏)‏ أي تؤدبني، والمعنى تعلمني الصلاة، أو تعيرني بأني لا أحسنها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏خبت‏)‏ أي إن كنت محتاجا إلى تعليمهم، وقد تقدمت قصته مع الذي زعموا أنه لا يحسن يصلي في صفة الصلاة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وضل عملي‏)‏ في رواية ابن سعد عن يعلى بن عبيد عن إسماعيل ‏"‏ وضل عمليه ‏"‏ بزيادة هاء السكت‏.‏

*3*باب ذِكْرِ أَصْهَارِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

مِنْهُمْ أَبُو الْعَاصِ بْنُ الرَّبِيعِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏ذكر أصهار النبي صلى الله عليه وسلم‏)‏ أي الذين تزوجوا إليه، والصهر يطلق على جميع أقارب المرأة والرجل، ومنهم من يخصه بأقارب المرأة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏منهم أبو العاص بن الربيع‏)‏ أي ابن ربيعة بن عبد العزى بن عبد شمس بن عبد مناف، ويقال بإسقاط ربيعة، وهو مشهور بكنيته، واختلف في اسمه على أقوال أثبتها عند الزبير مقسم‏.‏

وأمه هالة بنت خويلد أخت خديجة فكان ابن أختها، وأصل المصاهرة المقاربة‏.‏

وقال الراغب‏:‏ الصهر الختن، وأهل بيت المرأة يقال لهم الأصهار قاله الخليل‏.‏

وقال ابن الأعرابي‏:‏ الأصهار ما يتحرم بجوار أو نسب أو تزوج، وكأنه لمح بالترجمة إلى ما جاء عن عبد الله بن أبي أوفى رفعه ‏"‏ سألت ربي أن لا أتزوج أحدا من أمتي ولا أتزوج إليه إلا كان معي في الجنة، فأعطاني ‏"‏ أخرجه الحاكم في مناقب علي‏.‏

وله شاهد عن عبد الله بن عمر وعند الطبراني في ‏"‏ الأوسط ‏"‏ بسند واه‏.‏

وقال النووي الصهر يطلق على أقارب الزوجين، والمصاهرة مقاربة بين المتباعدين، وعلى هذا عمل البخاري فإن أبا العاص بن الربيع ليس من أقارب نساء النبي صلى الله عليه وسلم إلا من جهة كونه ابن أخت خديجة، وليس المراد هنا نسبته إليها بل إلى تزوجه بابنتها، وتزوج زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل البعثة وهي أكبر بنات النبي صلى الله عليه وسلم وقد أسر أبو العاص ببدر مع المشركين وفدته زينب فشرط عليه النبي صلى الله عليه وسلم أن يرسلها إليه فوفى له بذلك، فهذا معنى قوله في آخر الحديث ‏"‏ ووعدني فوفى لي‏"‏، ثم أسر أبو العاص مرة أخرى فأجارته زينب فأسلم، فردها النبي صلى الله عليه وسلم إلى نكاحه، وولدت أمامة التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يحملها وهو يصلي كما تقدم في الصلاة، وولدت له أيضا ابنا اسمه علي كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم مراهقا، فيقال إنه مات قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، وأما أبو العاص فمات سنة اثنتي عشرة وأشار المصنف بقوله ‏"‏ منهم ‏"‏ إلى من لم يذكره ممن تزوج إلى النبي 50 كعثمان وعلي، وقد تقدم ترجمة كل منهما، ولم يتزوج أحد من بنات النبي صلى الله عليه وسلم غير هؤلاء الثلاثة، إلا ابن أبي لهب فإنه كان تزوج رقية قبل عثمان ولم يدخل بها، فأمره أبوه بمفارقتها ففارقها، فتزوجها عثمان‏.‏

وأما من تزوج النبي صلى الله عليه وسلم إليه فلم يقصده البخاري بالذكر هنا، والله أعلم‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ حُسَيْنٍ أَنَّ الْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ قَالَ إِنَّ عَلِيًّا خَطَبَ بِنْتَ أَبِي جَهْلٍ فَسَمِعَتْ بِذَلِكَ فَاطِمَةُ فَأَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ يَزْعُمُ قَوْمُكَ أَنَّكَ لَا تَغْضَبُ لِبَنَاتِكَ وَهَذَا عَلِيٌّ نَاكِحٌ بِنْتَ أَبِي جَهْلٍ فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَمِعْتُهُ حِينَ تَشَهَّدَ يَقُولُ أَمَّا بَعْدُ أَنْكَحْتُ أَبَا الْعَاصِ بْنَ الرَّبِيعِ فَحَدَّثَنِي وَصَدَقَنِي وَإِنَّ فَاطِمَةَ بَضْعَةٌ مِنِّي وَإِنِّي أَكْرَهُ أَنْ يَسُوءَهَا وَاللَّهِ لَا تَجْتَمِعُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِنْتُ عَدُوِّ اللَّهِ عِنْدَ رَجُلٍ وَاحِدٍ فَتَرَكَ عَلِيٌّ الْخِطْبَةَ وَزَادَ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ حَلْحَلَةَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنْ مِسْوَرٍ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذَكَرَ صِهْرًا لَهُ مِنْ بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ فَأَثْنَى عَلَيْهِ فِي مُصَاهَرَتِهِ إِيَّاهُ فَأَحْسَنَ قَالَ حَدَّثَنِي فَصَدَقَنِي وَوَعَدَنِي فَوَفَى لِي

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏إن عليا خطب بنت أبي جهل‏)‏ اسمها جويرية كما سيأتي، ويقال العوراء ويقال جميلة، وكان علي قد أخذ بعموم الجواز، فلما أنكر النبي صلى الله عليه وسلم أعرض علي عن الخطبة، فيقال تزوجها عتاب بن أسيد، وإنما خطب النبي صلى الله عليه وسلم ليشيع الحكم المذكور بين الناس ويأخذوا به إما على سبيل الإيجاب وإما على سبيل الأولوية‏.‏

وغفل الشريف المرتضى عن هذه النكتة فزعم أن هذا الحديث موضوع لأنه من رواية المسور وكان فيه انحراف عن علي، وجاء من رواية ابن الزبير وهو أشد في ذلك، ورد كلامه بأطباق أصحاب الصحيح على تخريجه، وسيأتي بسط ما يتعلق بذلك في كتاب النكاح إن شاء الله تعالى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وهذا علي ناكح بنت أبي جهل‏)‏ في رواية الطبراني عن أبي اليمان ‏"‏ وهذا علي ناكحا ‏"‏ بالنصب، وكذا عند مسلم من هذا الوجه، أطلقت عليه اسم ناكح مجازا باعتبار ما كان قصد يفعل، واختلف في اسم ابنة أبي جهل فروى الحاكم في ‏"‏ الإكليل ‏"‏ جويرية وهو الأشهر، وفي بعض الطرق اسمها العوراء أخرجه ابن طاهر في ‏"‏ المبهمات‏"‏، وقيل اسمها الحنفاء ذكره ابن جرير الطبري، وقيل‏:‏ جرهمة حكاه السهيلي، وقيل‏:‏ اسمها جميلة ذكره شيخنا ابن الملقن في شرحه‏.‏

وكان لأبي جهل بنت تسمى صفية تزوجها سهل بن عمرو سماها ابن السكيت وغيره وقال هي الحيفاء المذكورة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثني فصدقني‏)‏ لعله كان شرط على نفسه أن لا يتزوج على زينب، وكذلك علي، فإن لم يكن كذلك فهو محمول على أن عليا نسي ذلك الشرط فلذلك أقدم على الخطبة، أو لم يقع عليه شرط إذ لم يصرح بالشرط لكن كان ينبغي له أن يراعي هذا القدر فلذلك وقعت المعاتبة، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قل أن يواجه أحدا بما يعاب به، ولعله إنما جهر بمعاتبة علي مبالغة في رضا فاطمة عليها السلام، وكانت هذه الواقعة بعد فتح مكة، ولم يكن حينئذ تأخر من بنات النبي صلى الله عليه وسلم غيرها، وكانت أصيبت بعد أمها بإخوتها فكان إدخال الغيرة عليها مما يزيد حزنها، وزاد محمد بن عمرو بن حلحلة - بمهملتين مفتوحتين ولامين الأولى ساكنة - وقد تقدم هذا الحديث من روايته موصولا في أوائل فرض الخمس مطولا وفيه ذكر بعض ما يتعلق به‏.‏

*3*باب مَنَاقِبِ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ

مَوْلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ الْبَرَاءُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْتَ أَخُونَا وَمَوْلَانَا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏مناقب زيد بن حارثه مولى النبي صلى الله عليه وسلم‏)‏ وهو من بني كلب، أسر في الجاهلية فاشتراه حكيم بن حزام لعمته خديجة فاستوهبه النبي صلى الله عليه وسلم منها، ذكر قصته محمد بن إسحاق في السيرة وأن أباه وعمته أتيا مكة فوجداه فطلبا أن يفدياه فخيره النبي صلى الله عليه وسلم بين أن يدفعه إليهما أو يثبت عنده فاختار أن يبقى عنده، وقد أخرج ابن منده في ‏"‏ معرفة الصحابة ‏"‏ وتمام فوائده بإسناد مستغرب عن آل بيت زيد بن حارثة أن حارثة أسلم يومئذ، وهو حارثة بن شرحبيل بن كعب بن عبد العزى الكلبي‏.‏

وأخرج الترمذي من طريق جبلة بن حارثة قال‏:‏ قلت‏:‏ يا رسول الله، ابعث معي أخي زيدا قال‏:‏ إن انطلق منك لم أمنعه، فقال زيد‏:‏ يا رسول الله والله لا أختار عليك أحدا‏.‏

واستشهد زيد بن حارثة في غزوة مؤتة، ومات أسامة بن زيد بالمدينة أو بوادي القرى سنة أربع وخمسين وقيل قبل ذلك، وكان قد سكن المزة من عمل دمشق مدة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال البراء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنت أخونا ومولانا‏)‏ هو طرف من الحديث المشار إليه في ترجمة جعفر بن أبي طالب‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ قَالَ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ بَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْثًا وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ فَطَعَنَ بَعْضُ النَّاسِ فِي إِمَارَتِهِ

فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تَطْعُنُوا فِي إِمَارَتِهِ فَقَدْ كُنْتُمْ تَطْعُنُونَ فِي إِمَارَةِ أَبِيهِ مِنْ قَبْلُ وَايْمُ اللَّهِ إِنْ كَانَ لَخَلِيقًا لِلْإِمَارَةِ وَإِنْ كَانَ لَمِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَيَّ وَإِنَّ هَذَا لَمِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَيَّ بَعْدَهُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا سليمان‏)‏ هو ابن بلال‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بعث النبي صلى الله عليه وسلم بعثا‏)‏ هو البعث الذي أمر بتجهيز في مرض وفاته وقال‏:‏ ‏"‏ أنفذوا بعث أسامة ‏"‏ فأنفذه أبو بكر رضي الله عنه بعده، وسيأتي بيانه في أواخر الوفاة النبوية إن شاء الله تعالى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فطعن بعض الناس في إمارته‏)‏ سمى ممن طعن في ذلك عياش بن أبي ربيعة المخزومي كما سيأتي بسط ذلك في آخر المغازي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏تطعنون‏)‏ بفتح العين يقال طعن يطعن بالفتح في العرض والنسب، وبالضم بالرمح واليد، ويقال هما لغتان فيهما‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقد كنتم تطعنون في إمارة أبيه من قبل‏)‏ يشير إلى إمارة زيد بن حارثة في غزوة مؤتة، وعند النسائي عن عائشة قالت‏:‏ ‏"‏ ما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة في جيش قط إلا أمره عليهم ‏"‏ وفيه جواز إمارة المولى وتولية الصغار على الكبار والمفضول على الفاضل‏.‏

لأنه كان في الجيش - الذي كان عليهم أسامة - أبو بكر وعمر‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ قَزَعَةَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ دَخَلَ عَلَيَّ قَائِفٌ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَاهِدٌ وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ وَزَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ مُضْطَجِعَانِ فَقَالَ إِنَّ هَذِهِ الْأَقْدَامَ بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ قَالَ فَسُرَّ بِذَلِكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَعْجَبَهُ فَأَخْبَرَ بِهِ عَائِشَةَ

الشرح‏:‏

حديث عائشة في قصة القائف سيأتي شرحه مستوفى في كتاب الفرائض وفيه تسمية القائف المذكور‏.‏

*3*باب ذِكْرِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏ذكر أسامة بن زيد‏)‏ ذكر فيه حديث المخزومية التي سرقت، وسيأتي شرحه مستوفى في الحدود، والغرض منه قوله في بعض طرقه ‏"‏ ومن يجترئ أن يكلمه إلا أسامة بن زيد حب رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏ وكانوا يسمون أسامة حب رسول الله صلى الله عليه وسلم بكسر المهملة أي محبوبه لما يعرفون من منزلته عنده، لأنه كان يحب أباه قله حتى تبناه فكان يقال له زيد ابن محمد‏.‏

وأمه أم أيمن حاضنة رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏

وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ‏"‏ هي أمي بعد أمي ‏"‏ وكان يجلسه على فخذه بعد أن كبر كما سيأتي في مناقب الحسن عن قريب‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنِي الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا أَبُو عَبَّادٍ يَحْيَى بْنُ عَبَّادٍ حَدَّثَنَا الْمَاجِشُونُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ قَالَ نَظَرَ ابْنُ عُمَرَ يَوْمًا وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ إِلَى رَجُلٍ يَسْحَبُ ثِيَابَهُ فِي نَاحِيَةٍ مِنْ الْمَسْجِدِ فَقَالَ انْظُرْ مَنْ هَذَا لَيْتَ هَذَا عِنْدِي قَالَ لَهُ إِنْسَانٌ أَمَا تَعْرِفُ هَذَا يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ هَذَا مُحَمَّدُ بْنُ أُسَامَةَ قَالَ فَطَأْطَأَ ابْنُ عُمَرَ رَأْسَهُ وَنَقَرَ بِيَدَيْهِ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ قَالَ لَوْ رَآهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَأَحَبَّهُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا الحسن بن محمد‏)‏ هو الزعفراني وأبو عباد هو يحيى بن عباد الضبعي البصري، والمراد بالماجشون عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ليت هذا عندي‏)‏ أي قريبا مني حتى أنصحه وأعظه، وقد روي بالباء الموحدة من العبودية، وكأنه على ما قيل كان أسود اللون‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال له إنسان‏)‏ لم أقف على اسمه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لو رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم لأحبه‏)‏ إنما جزم ابن عمر بذلك لما رأى من محبة النبي صلى الله عليه وسلم لزيد بن حارثة وأم أيمن وذريتهما فقاس ابن أسامة على ذلك‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ قَالَ سَمِعْتُ أَبِي حَدَّثَنَا أَبُو عُثْمَانَ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا حَدَّثَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يَأْخُذُهُ وَالْحَسَنَ فَيَقُولُ اللَّهُمَّ أَحِبَّهُمَا فَإِنِّي أُحِبُّهُمَا وَقَالَ نُعَيْمٌ عَنْ ابْنِ الْمُبَارَكِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَخْبَرَنِي مَوْلًى لِأُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ أَنَّ الْحَجَّاجَ بْنَ أَيْمَنَ بْنِ أُمِّ أَيْمَنَ وَكَانَ أَيْمَنُ بْنُ أُمِّ أَيْمَنَ أَخَا أُسَامَةَ لِأُمِّهِ وَهُوَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ فَرَآهُ ابْنُ عُمَرَ لَمْ يُتِمَّ رُكُوعَهُ وَلَا سُجُودَهُ فَقَالَ أَعِدْ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏اللهم أحبهما فإني أحبهما‏)‏ هذا يشعر بأنه صلى الله عليه وسلم ما كان يحب إلا لله وفي الله، ولذلك رتب محبة الله على محبته، وفي ذلك أعظم منقبة لأسامة والحسن‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال نعيم‏)‏ هو ابن حماد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أخبرني مولى لأسامة‏)‏ في رواية ابن أبي الدنيا ‏"‏ أخبرني ابن حرملة مولى أسامة ‏"‏ وابن حرملة هو إياس، ويقال إنه حرملة بن إياس في الرواية التي بعده‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وهو رجل من الأنصار‏)‏ أي أيمن ابن أم أيمن، وأبوه هو عبيد بن عمرو بن هلال من بني الحبلي من الخزرج، ويقال إنه كان حبشيا من موالي الخزرج وتزوج أم أيمن زيد بن حارثة فولدت له أيمن، واستشهد أيمن يوم حنين مع النبي صلى الله عليه وسلم، ونسب أيمن إلى أمه لشرفها على أبيه وشهرتها عند أهل البيت النبوي، وتزوج زيد بن حارثة أم أيمن، وكانت حاضنة النبي صلى الله عليه وسلم ورثها من أبيه فولدت له أسامة بن زيد وعاشت أم أيمن بعد النبي صلى الله عليه وسلم قليلا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فرآه ابن عمر‏)‏ هو معطوف على شيء مقدر تقديره أن الحجاج بن أيمن دخل المسجد فصلى فرآه ابن عمر، يوضح ذلك الرواية التي بعد هذه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقاله أعد‏)‏ أي أعد صلاتك‏.‏

وفي رواية الإسماعيلي ‏"‏ فقال أي ابن أخي، تحسب أنك قد صليت‏؟‏ إنك لم تصل، فأعد صلاتك‏"‏‏.‏

الحديث‏:‏

قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ و حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ نَمِرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ حَدَّثَنِي حَرْمَلَةُ مَوْلَى أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ أَنَّهُ بَيْنَمَا هُوَ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ إِذْ دَخَلَ الْحَجَّاجُ بْنُ أَيْمَنَ فَلَمْ يُتِمَّ رُكُوعَهُ وَلَا سُجُودَهُ فَقَالَ أَعِدْ فَلَمَّا وَلَّى قَالَ لِي ابْنُ عُمَرَ مَنْ هَذَا قُلْتُ الْحَجَّاجُ بْنُ أَيْمَنَ بْنِ أُمِّ أَيْمَنَ فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ لَوْ رَأَى هَذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَأَحَبَّهُ فَذَكَرَ حُبَّهُ وَمَا وَلَدَتْهُ أُمُّ أَيْمَنَ قَالَ و حَدَّثَنِي بَعْضُ أَصْحَابِي عَنْ سُلَيْمَانَ وَكَانَتْ حَاضِنَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏بينما هو‏)‏ فيه تجريد، كأن حرملة قال‏:‏ بينما أنا، فجرد من نفسه شخصا فقال‏:‏ بينما هو‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فذكر حبه وما ولدته أم أيمن‏)‏ كذا ثبت بواو العطف في رواية أبي ذر، والضمير على هذا لأسامة في قوله ‏"‏ فذكر حبه ‏"‏ أي ميله‏.‏

وفي رواية غير أبي ذر ‏"‏ فذكر حبه ما ولدته أم أيمن ‏"‏ فعلى هذا فالضمير للنبي صلى الله عليه وسلم، و ‏"‏ ما ولدته إلخ ‏"‏ هو المفعول، والمراد بما ولدته أم أيمن ما ولدته من ذكر وأنثى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وزادني بعض أصحابي‏)‏ هو إما يعقوب بن سفيان فإنه رواه في تاريخه عن سليمان بن عبد الرحمن بالإسناد المذكور وزاد فيه ‏"‏ وكانت أم أيمن حاضنة النبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏ وأما الذهلي فإنه أخرجه في الزهريات عن سليمان أيضا، وأخرجه الطبراني في ‏"‏ مسند الشاميين ‏"‏ عن أبي عامر محمد بن إبراهيم الصوري عن سليمان كذلك، وأخرجه الإسماعيلي وأبو نعيم من طريق إبراهيم الزهري عن سليمان كذلك، وكأن هذا القدر لم يسمعه البخاري من سليمان فحمله عن بعض أصحابه فبين ما سمعه مما لم يسمعه‏.‏

*3*باب مَنَاقِبِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏مناقب عبد الله بن عمر بن الخطاب‏)‏ وهو أحد العبادلة وفقهاء الصحابة والمكثرين منهم، وأمه زينب ويقال رائطة بنت مظعون أخت عثمان وقدامة ابني مظعون، للجميع صحبة، وكان مولده في السنة الثانية أو الثالثة من المبعث، لأنه ثبت أنه كان يوم بدر ابن ثلاث عشرة سنة، وكانت بدر بعد البعثة بخمس عشرة سنة، وقد تقدم تاريخ وفاته في الصلاة وأنها كانت بسبب من دسه عليه الحجاج فمس رجله بحربة مسمومة فمرض بها إلى أن مات أوائل سنة أربع وسبعين‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ كَانَ الرَّجُلُ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا رَأَى رُؤْيَا قَصَّهَا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَمَنَّيْتُ أَنْ أَرَى رُؤْيَا أَقُصُّهَا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكُنْتُ غُلَامًا شَابًّا أَعْزَبَ وَكُنْتُ أَنَامُ فِي الْمَسْجِدِ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ كَأَنَّ مَلَكَيْنِ أَخَذَانِي فَذَهَبَا بِي إِلَى النَّارِ فَإِذَا هِيَ مَطْوِيَّةٌ كَطَيِّ الْبِئْرِ وَإِذَا لَهَا قَرْنَانِ كَقَرْنَيْ الْبِئْرِ وَإِذَا فِيهَا نَاسٌ قَدْ عَرَفْتُهُمْ فَجَعَلْتُ أَقُولُ أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ النَّارِ أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ النَّارِ فَلَقِيَهُمَا مَلَكٌ آخَرُ فَقَالَ لِي لَنْ تُرَاعَ فَقَصَصْتُهَا عَلَى حَفْصَةَ فَقَصَّتْهَا حَفْصَةُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ نِعْمَ الرَّجُلُ عَبْدُ اللَّهِ لَوْ كَانَ يُصَلِّي بِاللَّيْلِ قَالَ سَالِمٌ فَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ لَا يَنَامُ مِنْ اللَّيْلِ إِلَّا قَلِيلًا

الشرح‏:‏

حديث ابن عمر في رؤياه وفيه ‏"‏ نعم الرجل عبد الله لو كان يصلي من الليل ‏"‏ وقد تقدم توجيهه في ‏"‏ باب قيام الليل ‏"‏ وقوله في أوله‏:‏ ‏"‏ حدثنا محمد حدثنا إسحاق بن نصر ‏"‏ كذا لأبي ذر وحده، وبين أن محمدا هو المصنف‏.‏

ووقع عند ابن السكن وحده ‏"‏ حدثنا إسحاق بن منصور ‏"‏ وقوله‏:‏ ‏"‏ لن ترع ‏"‏ كذا للقابسي، قال ابن التين‏:‏ هي لغة قليلة، يعني الجزم بلن، قال القزاز‏:‏ ولا أحفظ لها شاهدا‏.‏

وروى الأكثر بلفظ ‏"‏ لن تراع ‏"‏ وهو الوجه‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ أُخْتِهِ حَفْصَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهَا إِنَّ عَبْدَ اللَّهِ رَجُلٌ صَالِحٌ

الشرح‏:‏

أورد المصنف من طريق يونس عن الزهري عن سالم عن ابن عمر عن أخته حفصة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها‏:‏ ‏"‏ إن عبد الله رجل صالح ‏"‏ وهو طرف من الحديث الذي قبله، وهذا القدر هو الذي يتعلق منه بمسند حفصة، وسيأتي في التعبير من طريق نافع عن ابن عمر عن حفصة مثله وزاد ‏"‏ لو كان يصلي من الليل ‏"‏ وتقدمت الإشارة إلى ذلك أيضا في قيام الليل، ويأتي بقية ذلك في التعبير إن شاء الله تعالى‏.‏

*3*باب مَنَاقِبِ عَمَّارٍ وَحُذَيْفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب مناقب عمار وحذيفة‏)‏ أما عمار فهو ابن ياسر، يكنى أبا اليقظان العنسي بالنون، وأمه سمية بالمهملة مصغر، أسلم هو وأبوه قديما، وعذبوا لأجل الإسلام، وقتل أبو جهل أمه فكانت أول شهيد في الإسلام ومات أبوه قديما، وعاش هو إلى أن قتل بصفين مع علي رضي الله عنهم، وكان قد ولي شيئا من أمور الكوفة لعمر فلهذا نسبه أبو الدرداء إليها‏.‏

وأما حذيفة فهو ابن اليمان بن جابر بن عمرو العبسي بالموحدة حليف بني عبد الأشهل من الأنصار، وأسلم هو وأبوه اليمان كما سيأتي، وولي حذيفة بعض أمور الكوفة لعمر، وولي إمرة المدائن، ومات بعد قتل عثمان بيسير بها، وكان عمار من السابقين الأولين، وحذيفة من القدماء في الإسلام أيضا إلا أنه متأخر فيه عن عمار، وإنما جمع المصنف بينهما في الترجمة لوقوع الثناء عليهما من أبي الدرداء في حديث واحد وقد أفرد ذكر ابن مسعود، وإن كان ذكر معهما لوجوده ما يوافق شرطه غير ذلك من مناقبه، وقد أفرد ذكر حذيفة في أواخر المناقب، وهو مما يؤيد ما سنذكره أنه لم يهذب ترتيب من ذكره من أصحاب هذه المناقب، ويحتمل أن يكون إفراده بالذكر لأنه أراد ذكر ترجمة والده اليمان‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ عَنْ الْمُغِيرَةِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ قَالَ قَدِمْتُ الشَّأْمَ فَصَلَّيْتُ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ قُلْتُ اللَّهُمَّ يَسِّرْ لِي جَلِيسًا صَالِحًا فَأَتَيْتُ قَوْمًا فَجَلَسْتُ إِلَيْهِمْ فَإِذَا شَيْخٌ قَدْ جَاءَ حَتَّى جَلَسَ إِلَى جَنْبِي قُلْتُ مَنْ هَذَا قَالُوا أَبُو الدَّرْدَاءِ فَقُلْتُ إِنِّي دَعَوْتُ اللَّهَ أَنْ يُيَسِّرَ لِي جَلِيسًا صَالِحًا فَيَسَّرَكَ لِي قَالَ مِمَّنْ أَنْتَ قُلْتُ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ قَالَ أَوَلَيْسَ عِنْدَكُمْ ابْنُ أُمِّ عَبْدٍ صَاحِبُ النَّعْلَيْنِ وَالْوِسَادِ وَالْمِطْهَرَةِ وَفِيكُمْ الَّذِي أَجَارَهُ اللَّهُ مِنْ الشَّيْطَانِ يَعْنِي عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوَلَيْسَ فِيكُمْ صَاحِبُ سِرِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي لَا يَعْلَمُهُ أَحَدٌ غَيْرُهُ ثُمَّ قَالَ كَيْفَ يَقْرَأُ عَبْدُ اللَّهِ وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى فَقَرَأْتُ عَلَيْهِ وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى وَالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى قَالَ وَاللَّهِ لَقَدْ أَقْرَأَنِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ فِيهِ إِلَى فِيَّ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن إبراهيم عن علقمة مال‏:‏ قدمت الشام‏)‏ في رواية شعبة التي بعد هذه عن إبراهيم قال‏:‏ ‏"‏ ذهب علقمة إلى الشام ‏"‏ وهذا الثاني صورته مرسل، لكن قال في أثنائه ‏"‏ قال‏:‏ قلت‏:‏ بلى ‏"‏ فاقتضى أنه موصول، ووقع في التفسير من وجه آخر عن إبراهيم عن علقمة قال‏:‏ ‏"‏ قدمت الشام في نفر من أصحاب ابن مسعود، فسمع بنا أبو الدرداء فأتانا‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حتى يجلس إلى جنبي‏)‏ أي يجعل غاية مجيئه جلوسه، وعبر بلفظ المضارع مبالغة، زاد الإسماعيلي في روايته ‏"‏ فقلت‏:‏ الحمد لله، إني لأرجو أن يكون الله استجاب دعوتي‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قالوا أبو الدرداء‏)‏ لم أقف على اسم القائل‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال أو ليس عندكم ابن أم عبد‏)‏ يعني عبد الله بن مسعود، ومراد أبي الدرداء بذلك أنه فهم منهم أنهم قدموا في طلب العلم، فبين لهم أن عندهم من العلماء من لا يحتاجون معهم إلى غيرهم، ويستفاد منه أن المحدث لا يرحل عن بلده حتى يستوعب ما عند مشايخها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏صاحب النعلين‏)‏ أي نعلي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان ابن مسعود يحملهما ويتعاهدهما‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏والوساد‏)‏ في رواية شعبة ‏"‏ صاحب السواك - بالكاف - أو السواد ‏"‏ بالدال ووقع في رواية الكشميهني هنا ‏"‏ الوساد ‏"‏ ورواية غيره أوجه، والسواد السرار براءين يقال ساودته سوادا أي ساررته سرارا، وأصله أدنى السواد وهو الشخص من السواد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏والمطهرة‏)‏ في رواية السرخسي ‏"‏ والمطهر ‏"‏ بغير هاء، وأغرب الداودي فقال‏:‏ معناه أنه لم يكن يملك من الجهاز غير هذه الأشياء الثلاثة، كذا قال، وتعقب ابن التين كلامه فأصاب، وقد روى مسلم عن ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له‏:‏ ‏"‏ إذنك علي أن ترفع الحجاب وتسمع سوادي ‏"‏ أي سراري، وهي خصوصية لابن مسعود، وسيأتي في مناقبه قريبا حديث أبي موسى ‏"‏ قدمت أنا وأختي من اليمن، فمكثنا حينا لا نرى إلا أن عبد الله بن مسعود رجل من أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، لما نرى من دخوله ودخول أمه ‏"‏ والصواب ما قال غير الداودي أن المراد الثناء عليه بخدمة النبي صلى الله عليه وسلم وأنه لشدة ملازمته له لأجل هذه الأمور ينبغي أن يكون عنده من العلم ما يستغني طالبه به عن غيره‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أفيكم‏)‏ بهمزة الاستفهام‏.‏

وفي رواية الكشميهني ‏"‏ وفيكم ‏"‏ بواو العطف‏.‏

وفي رواية شعبة ‏"‏ أليس فيكم أو منكم ‏"‏ بالشك في الموضعين‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ مُغِيرَةَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ ذَهَبَ عَلْقَمَةُ إِلَى الشَّأْمِ فَلَمَّا دَخَلَ الْمَسْجِدَ قَالَ اللَّهُمَّ يَسِّرْ لِي جَلِيسًا صَالِحًا فَجَلَسَ إِلَى أَبِي الدَّرْدَاءِ فَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ مِمَّنْ أَنْتَ قَالَ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ قَالَ أَلَيْسَ فِيكُمْ أَوْ مِنْكُمْ صَاحِبُ السِّرِّ الَّذِي لَا يَعْلَمُهُ غَيْرُهُ يَعْنِي حُذَيْفَةَ قَالَ قُلْتُ بَلَى قَالَ أَلَيْسَ فِيكُمْ أَوْ مِنْكُمْ الَّذِي أَجَارَهُ اللَّهُ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْنِي مِنْ الشَّيْطَانِ يَعْنِي عَمَّارًا قُلْتُ بَلَى قَالَ أَلَيْسَ فِيكُمْ أَوْ مِنْكُمْ صَاحِبُ السِّوَاكِ وَالْوِسَادِ أَوْ السِّرَارِ قَالَ بَلَى قَالَ كَيْفَ كَانَ عَبْدُ اللَّهِ يَقْرَأُ وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى قُلْتُ وَالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى قَالَ مَا زَالَ بِي هَؤُلَاءِ حَتَّى كَادُوا يَسْتَنْزِلُونِي عَنْ شَيْءٍ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏الذي أجاره الله من الشيطان، يعني على لسان نبيه‏)‏ في رواية شعبة ‏"‏ أجاره الله على لسان نبيه يعني من الشيطان ‏"‏ وزاد في رواية شعبة ‏"‏ يعني عمارا ‏"‏ وزعم ابن التين أن المراد بقوله‏:‏ ‏"‏ على لسان نبيه ‏"‏ قول النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ ويح عمار يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار ‏"‏ وهو محتمل، ويحتمل أن يكون المراد بذلك حديث عائشة مرفوعا ‏"‏ ما خير عمار بين أمرين إلا اختار أرشدهما ‏"‏ أخرجه الترمذي، ولأحمد من حديث ابن مسعود مثله أخرجهما الحاكم، فكونه يختار أرشد الأمرين دائما يقتضي أنه قد أجبر من الشيطان الذي من شأنه الأمر بالغي، وروى البزار من حديث عائشة ‏"‏ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ مليء إيمانا إلى مشاشه ‏"‏ يعني عمارا وإسناده صحيح، ولابن سعد في ‏"‏ الطبقات ‏"‏ من طريق الحسن قال‏:‏ ‏"‏ قال عمار‏:‏ نزلنا منزلا فأخذت قربتي ودلوي لأستقي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ سيأتيك من يمنعك من الماء، فلما كنت على رأس الماء إذا رجل أسود كأنه مرس، فصرعته ‏"‏ فذكر الحديث، وفيه قول النبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏ ذاك الشيطان ‏"‏ فلعل ابن مسعود أشار إلى هذه القصة، ويحتمل أن تكون الإشارة بالإجازة المذكورة إلى ثباته على الإيمان لما أكرهه المشركون على النطق بكلمة الكفر، فنزلت فيه‏:‏ ‏(‏إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان‏)‏ وقد جاء في حديث آخر ‏"‏ إن عمارا مليء إيمانا إلى مشاشه ‏"‏ أخرجه النسائي بسند صحيح، والمشاش بضم الميم ومعجمتين الأولى خفيفة، وهذه الصفة لا تقع إلا ممن أجاره الله من الشيطان، وقد تقدم شرح الحديث الذي أشار إليه ابن التين في ‏"‏ باب التعاون في بناء المسجد ‏"‏ مستوفى ولله الحمد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أو ليس فيكم صاحب سر النبي صلى الله عليه وسلم الذي لا يعلم أحد غيره‏)‏ كذا فيه بحذف المفعول‏.‏

وفي رواية الكشميهني ‏"‏ الذي لا يعلمه ‏"‏ والمراد بالسر ما أعلمه به النبي صلى الله عليه وسلم من أحوال المنافقين‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ثم قال‏:‏ كيف يقرأ عبد الله‏)‏ يعني ابن مسعود، وسيأتي الكلام على ما يتعلق بهذا القدر من القراءة في تفسير ‏(‏والليل إذا يغشى‏)‏ إن شاء الله تعالى حيث أورده المصنف وفيه زيادة فيما يتعلق به على ما هنا‏.‏

‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ توارد أبو هريرة في وصف المذكورين مع أبي الدرداء بما وصفهم به وزاد عليه، فروى الترمذي من طريق خيثمة بن عبد الرحمن قال‏:‏ ‏"‏ أتيت المدينة فسألت الله أن يسر لي جليسا صالحا، فيسر لي أبا هريرة فقال‏:‏ ممن أنت‏؟‏ قلت‏:‏ من الكوفة، جئت ألتمس الخير، قال‏:‏ أليس منكم سعد بن مالك مجاب الدعوة، وابن مسعود صاحب طهور رسول الله صلى الله عليه وسلم ونعليه، وحذيفة صاحب سره، وعمار الذي أجاره الله من الشيطان على لسان نبيه، وسلمان صاحب الكتابين‏"‏‏.‏

*3*باب مَنَاقِبِ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب مناقب أبي عبيدة بن الجراح‏)‏ كذا أخر ذ كره عن إخوانه من العشرة، ولم أقف في شيء من نسخ البخاري على ترجمة لمناقب عبد الرحمن بن عوف، ولا لسعيد بن زيد، وهما من العشرة، وإن كان قد أفرد ذكر إسلام سعيد بن زيد بترجمة في أوائل السيرة النبوية، وأظن ذلك من تصرف الناقلين لكتاب البخاري، كما تقدم مرارا أنه ترك الكتاب مسودة، فإن أسماء من ذكرهم هنا لم يقع فيهم مراعاة الأفضلية ولا السابقية ولا الأسنية، وهذه جهات التقديم في الترتيب، فلما لم يراع واحدا منها دل على أنه كتب كل ترجمة على حدة فضم بعض النقلة بعضها إلى بعض حسبما اتفق‏.‏

وأبو عبيدة اسمه عامر بن عبد الله بن الجراح بن هلال بن أهيب بن ضبة بن الحارث بن فهر، يجتمع مع النبي صلى الله عليه وسلم في فهر بن مالك، وعدد ما بينهما من الآباء متفاوت جدا بخمسة آباء، فيكون أبو عبيدة من حيث العدد في درجة عبد مناف، ومنهم من أدخل في نسبه بين الجراح وهلال ربيعة فيكون على هذا في درجة هاشم، وبذلك جزم أبو الحسن بن سميع ولم يذكره غيره، وأم أبي عبيدة هي من بنات عم أبيه، ذكر أبو أحمد الحاكم أنها أسلمت وقتل أبوه كافرا يوم بدر، ويقال إنه هو الذي قتله، ورواه الطبراني وغيره من طريق عبد الله بن شوذب مرسلا، ومات أبو عبيدة وهو أمير على الشام من قبل عمر بالطاعون سنه ثمان عشرة باتفاق‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى حَدَّثَنَا خَالِدٌ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ قَالَ حَدَّثَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَمِينًا وَإِنَّ أَمِينَنَا أَيَّتُهَا الْأُمَّةُ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا عبد الأعلى‏)‏ هو ابن عبد الأعلى البصري السامي بالمهملة من بني سامة بن لؤي، وخالد شيخه هو الحذاء‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إن لكل أمة أمينا إن أميننا أيتها الأمة‏)‏ صورته صورة النداء، لكن المراد فيه الاختصاص أي أمتنا مخصوصون من بين الأمم، وعلى هذا فهو بالنصب على الاختصاص، ويجوز الرفع، والأمين هو الثقة الرضي وهذه الصفة وإن كانت مشتركة بينه وبين غيره لكن السياق يشعر بأن له مزيدا في ذلك، لكن خص النبي صلى الله عليه وسلم كل واحد من الكبار بفضيلة ووصفه بها، فأشعر بقدر زائد فيها على غيره، كالحياء لعثمان، والقضاء لعلي ونحو ذلك‏.‏

‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ أورد الترمذي وابن حبان هذا الحديث من طريق عبد الوهاب الثقفي عن خالد الحذاء بهذا الإسناد مطولا وأوله ‏"‏ أرحم أمتي بأمي أبو بكر، وأشدهم في أمر الله عمر، وأصدقهم حياء عثمان، وأقرأهم لكتاب الله أبي، وأفرضهم زيد، وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ، ألا وإن لكل أمة أمينا ‏"‏ الحديث وإسناده صحيح، إلا أن الحفاظ قالوا‏:‏ إن الصواب في أوله الإرسال والموصول منه ما اقتصر عليه البخاري، والله أعلم‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ صِلَةَ عَنْ حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَهْلِ نَجْرَانَ لَأَبْعَثَنَّ يَعْنِي عَلَيْكُمْ يَعْنِي أَمِينًا حَقَّ أَمِينٍ فَأَشْرَفَ أَصْحَابُهُ فَبَعَثَ أَبَا عُبَيْدَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن صلة‏)‏ بكسر المهملة وتخفيف اللام هو ابن زفر وذكر الجياني أنه وقع هنا في رواية القابسي صلة بن حذيفة وهو تحريف‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن حذيفة‏)‏ وقع في رواية النسائي ‏"‏ عن صلة عن ابن مسعود ‏"‏ وسيأتي بيان ذلك في المغازي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لأهل نجران‏)‏ هم أهل بلد قريب من اليمن، وهم العاقب واسمه عبد المسيح والسيد ومن معهما، ذكر ابن سعد أنهم وفدوا على النبي صلى الله عليه وسلم في سنة تسع وسماهم، وسيأتي شرح ذلك مطولا في أواخر المغازي حيث ذكره المصنف إن شاء الله تعالى‏.‏

ووقع في حديث أنس عند مسلم ‏"‏ أن أهل اليمن قدموا على النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا‏:‏ ابعث معنا رجلا يعلمنا السنة والإسلام، فأخذ بيد أبي عبيدة وقال‏:‏ هذا أمين هذه الأمة ‏"‏ فإن كان الراوي تجوز عن أهل نجران بقوله‏:‏ ‏"‏ أهل اليمن ‏"‏ لقرب نجران من اليمن وإلا فهما واقعتان، والأول أرجح، والله أعلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لأبعثن حق أمين‏)‏ في رواية غير أبي ذر ‏"‏ لأبعثن - يعني عليكم - أمينا حق أمين ‏"‏ ولمسلم ‏"‏ لأبعثن إليكم رجلا أمينا حق أمين‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فأشرف أصحابه‏)‏ في رواية مسلم والإسماعيلي ‏"‏ فاستشرف لها أصحاب رسولا الله صلى الله عليه وسلم والله أعلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فبعث أبا عبيدة‏)‏ في رواية أبي يعلى ‏"‏ قم يا أبا عبيدة، فأرسله معهم ‏"‏ ووقع في رواية لأبي يعلى من طريق سالم عن أبيه ‏"‏ سمعت عمر يقول‏:‏ ما أحببت الإمارة قط إلا مرة واحدة ‏"‏ فذكر القصة‏.‏

وقال في الحديث ‏"‏ فتعرضت أن تصيبني، فقال‏:‏ قم يا أبا عبيدة‏"‏‏.‏

*3*باب مَنَاقِبِ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا

قَالَ نَافِعُ بْنُ جُبَيْرٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَانَقَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحَسَنَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب مناقب الحسن والحسين‏)‏ كأنه جمعهما لما وقع لهما من الاشتراك في كثير من المناقب‏.‏

وكان مولد الحسن في رمضان سنة ثلاث من الهجرة عند الأكثر، وقيل بعد ذلك، ومات بالمدينة مسموما سنة خمسين ويقال قبلها ويقال بعدها‏.‏

وكان مولد الحسين في شعبان سنة أربع في قول الأكثر وقتل يوم عاشوراء سنة إحدى وستين بكربلاء من أرض العراق، وكان أهل الكوفة لما مات معاوية واستخلف يزيد كاتبوا الحسين بأنهم في طاعته، فخرج الحسين إليهم، فسبقه عبيد الله بن زياد إلى الكوفة فخذل غالب الناس عنه فتأخروا رغبة ورهبة، وقتل ابن عمه مسلم بن عقيل، وكان الحسين قد قدمه قبله ليبايع له الناس، ثم جهز إليه عسكرا فقاتلوه إلى أن قتل هو وجماعة من أهل بيته، والقصة مشهورة فلا نطيل بشرحها، وعسى أن يقع لنا إلمام بها في كتاب الفتن‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال نافع بن جبير‏)‏ أي ابن مطعم، وحديثه المذكور طرف من حديث تقدم موصولا في البيوع‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا صَدَقَةُ حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ حَدَّثَنَا أَبُو مُوسَى عَنْ الْحَسَنِ سَمِعَ أَبَا بَكْرَةَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمِنْبَرِ وَالْحَسَنُ إِلَى جَنْبِهِ يَنْظُرُ إِلَى النَّاسِ مَرَّةً وَإِلَيْهِ مَرَّةً وَيَقُولُ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ وَلَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُصْلِحَ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ

الشرح‏:‏

حديث أبي بكرة ‏"‏ إن ابني هذا سيد ‏"‏ وسيأتي شرحه مستوفى في كتاب الفتن، وزاد أبو ذر هنا‏:‏ أبو موسى اسمه إسرائيل بن موسى من أهل البصرة نزل الهند، لم يروه عن الحسن غيره‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ قَالَ سَمِعْتُ أَبِي قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو عُثْمَانَ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يَأْخُذُهُ وَالْحَسَنَ وَيَقُولُ اللَّهُمَّ إِنِّي أُحِبُّهُمَا فَأَحِبَّهُمَا أَوْ كَمَا قَالَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏سمعت أبي‏)‏ هو سليمان التيمي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا أبو عثمان‏)‏ وقع في رواية الأدب من وجه آخر عن معتمر عن أبيه سمعت أبا تميمة يحدث عن أبي عثمان، قال الإسماعيلي‏:‏ كأن سليمان سمعه من أبي تميمة عن أبي عثمان، ثم لقي أبا عثمان فسمعه منه‏.‏

قلت‏:‏ بل هما حديثان، فإن لفظ سليمان عن أبي عثمان ‏"‏ اللهم إني أحبهما ‏"‏ ولفظ سليمان عن أبي تميمة ‏"‏ إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليأخذني فيضعني على فخذه ويضع على الفخذ الأخر الحسن بن علي ثم يضمهما ثم يقول‏:‏ اللهم ارحمهما فإني أرحمهما‏"‏‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ قَالَ حَدَّثَنِي حُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أُتِيَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ زِيَادٍ بِرَأْسِ الْحُسَيْنِ عَلَيْهِ السَّلَام فَجُعِلَ فِي طَسْتٍ فَجَعَلَ يَنْكُتُ وَقَالَ فِي حُسْنِهِ شَيْئًا فَقَالَ أَنَسٌ كَانَ أَشْبَهَهُمْ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ مَخْضُوبًا بِالْوَسْمَةِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثني محمد بن الحسين بن إبراهيم‏)‏ هو ابن أشكاب أخو علي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا جرير‏)‏ هو ابن أبي حازم ‏(‏عن محمد‏)‏ هو ابن سيرين‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أتى عبيد الله بن زياد‏)‏ هو بالتصغير، وزياد هو الذي يقال له ابن أبي سفيان وكان أمير الكوفة عن يزيد بن معاوية وقتل الحسين في إمارته كما تقدم فأتي برأسه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فجعل ينكت‏)‏ في رواية الترمذي وابن حبان من طريق حفصة بنت سيرين عن أنس‏:‏ فجعل يقول بقضيب له في أنفه، وللطبراني من حديث زيد بن أرقم‏:‏ فجعل قضيبا في يده في عينه وأنفه، فقلت ارفع قضيبك فقد رأيت فم رسول الله صلى الله عليه وسلم في موضعه‏.‏

وله من وجه آخر عن أنس نحوه وسيأتي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏كان أشبههم برسول الله صلى الله عليه وسلم‏)‏ أي أشبه أهل البيت، وزاد البزار من وجه آخر عن أنس قال‏:‏ ‏"‏ فقلت له إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يلثم حيث تضع قضيبك، قال‏:‏ ‏"‏ فانقبض‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وكان مخضوبا‏)‏ أي الحسين ‏(‏بالوسمة‏)‏ بفتح الواو - وأخطأ من ضمها - وبسكون المهملة ويجوز فتحها‏:‏ نبت يختضب به يميل إلى سواد، وسيأتي البحث في ذلك في كتاب اللباس إن شاء الله تعالى‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ أَخْبَرَنِي عَدِيٌّ قَالَ سَمِعْتُ الْبَرَاءَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ عَلَى عَاتِقِهِ يَقُولُ اللَّهُمَّ إِنِّي أُحِبُّهُ فَأَحِبَّهُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏والحسن بن علي‏)‏ وقع عند الإسماعيلي من طريق عمرو بن مرزوق عن شعبة ‏"‏ الحسن أو الحسين ‏"‏ بالشك، ثم ذكر أن أكثر أصحاب شعبة رووه فقالوا ‏"‏ الحسن ‏"‏ بغير شك، ثم عد منهم ثمانية‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدَانُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ أَخْبَرَنِي عُمَرُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ أَبِي حُسَيْنٍ عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ رَأَيْتُ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَحَمَلَ الْحَسَنَ وَهُوَ يَقُولُ بِأَبِي شَبِيهٌ بِالنَّبِيِّ لَيْسَ شَبِيهٌ بِعَلِيٍّ وَعَلِيٌّ يَضْحَكُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن ابن أبي مليكة عن عقبة بن الحارث‏)‏ هذا هو الصحيح‏.‏

وقال زمعة بن صالح عن ابن أبي مليكة ‏"‏ كانت فاطمة تنقز - بالقاف والزاي أي ترقص - الحسن بن علي ‏"‏ فذكر هذا الحديث، وأخرجه أحمد، ويحتمل إن كان حفظه أن يكون كل من أبي بكر وفاطمة توافقا على ذلك، أو يكون أبو بكر عرف أن فاطمة كانت تقول ذلك فتابعها على تلك المقالة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بأبي شبيه بالنبي‏)‏ تقدم في أول صفة النبي صلى الله عليه وسلم، ووقع عند أحمد من وجه آخر عن ابن أبي مليكة قال‏:‏ ‏"‏ وكانت فاطمة عليها السلام ترقص الحسن وتقول‏:‏ ابني شبيه بالنبي ليس شبيها بعلي ‏"‏ وفيه إرسال، فإن كان محفوظا فلعلها تواردت في ذلك مع أبي بكر أو تلقي ذلك أحدهما من الآخر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ليس شبيه بعلي‏)‏ قال ابن مالك كذا وقع برفع ‏"‏ شبيه ‏"‏ على أن ليس حرف عطف وهو مذهب كوفي، قال‏:‏ ويجوز أن يكون ‏"‏ شبيه ‏"‏ اسم ليس، ويكون خبرها ضميرا متصلا حذف استغناء عن لفظه بنيته، ونحوه قوله في خطبة يوم النحر ‏"‏ أليس ذو الحجة ‏"‏ وقال الطيبي في قوله‏:‏ ‏"‏ بأبي شبيه بالنبي ‏"‏ يحتمل أن يكون التقدير هو مفدى بأبي شبيه فيكون خبرا بعد خبر أو أفديه بأبي وشبيه بالنبي خبر مبتدأ محذوف‏.‏

وفيه إشعار بعلية الشبه للتفدية‏.‏

وفي قوله‏:‏ ‏"‏ شبيه بالنبي ‏"‏ ما قد يعارض قول علي في صفة النبي صلى الله عليه وسلم - ‏"‏ لم أر قبله ولا بعده مثله ‏"‏ أخرجه الترمذي في الشمائل، والجواب أن يحمل المنفي على عموم الشبه والمثبت على معظمه، والله أعلم‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَصَدَقَةُ قَالَا أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ وَاقِدِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ قَالَ أَبُو بَكْرٍ ارْقُبُوا مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَهْلِ بَيْتِهِ

الشرح‏:‏

حديث ابن عمر عن أبي بكر، تقدم متنا وسندا وشرحا قريبا في مناقب قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَنَسٍ وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَخْبَرَنِي أَنَسٌ قَالَ لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ أَشْبَهَ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال عبد الرزاق إلخ‏)‏ وصله أحمد وعبد بن حميد جميعا عن عبد الرزاق، وأخرجه الترمذي من روايته، وقصد البخاري بهذا التعليق بيان سماع الزهري له من أنس‏.‏

حديث ابن عمر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لم يكن أحد أشبه بالنبي صلى الله عليه وسلم من الحسن بن علي‏)‏ هذا يعارض رواية ابن سيرين الماضية في الحديث الثالث، فإنه قال في حق الحسين بن علي ‏"‏ كان أشبههم بالنبي صلى الله عليه وسلم ويمكن الجمع بأن يكون أنس قال ما وقع في رواية الزهري في حياة الحسن لأنه يومئذ كان أشد شبها بالنبي صلى الله عليه وسلم من أخيه الحسين، وأما ما وقع في رواية ابن سيرين فكان بعد ذلك كما هو ظاهر من سياقه، أو المراد بمن فضل الحسين عليه في الشبه من عدا الحسن، ويحتمل أن يكون كل منهما كان أشد شبها به في بعض أعضائه؛ فقد روى الترمذي وابن حبان من طريق هانئ بن هانئ عن علي قال‏:‏ ‏"‏ الحسن أشبه رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بين الرأس إلى الصدر، والحسين أشبه النبي صلى الله عليه وسلم ما كان أسفل من ذلك ‏"‏ ووقع في رواية عبد الأعلى عن معمر عند الإسماعيلي في رواية الزهري هذه ‏"‏ وكان أشبههم وجها بالنبي صلى الله عليه وسلم وهو يؤيد حديث علي هذا والله أعلم‏.‏

والذين كانوا يشبهون بالنبي صلى الله عليه وسلم غير الحسن والحسين جعفر بن أبي طالب وابنه عبد الله بن جعفر وقثم - بالقاف - ابن العباس بن عبد المطلب وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب ومسلم بن عقيل بن أبى طالب، ومن غير بني هاشم السائب بن يزيد المطلبي الجد الأعلى للإمام الشافعي وعبد الله بن عامر بن كريز العبشمي وكابس بن ربيعة بن عدي، فهؤلاء عشرة نظم منهم أبو الفتح بن سيد الناس خمسة، أنشدنا محمد بن الحسن المقري عنه‏:‏ بخمسة أشبهوا المختار من مضر يا حسن ما خولوا من شبهه الحسن بجعفر وابن عم المصطفى قثم وسائب وأبي سفيان والحسن وزادهم شيخنا أبو الفضل بن الحسين الحافظ اثنين، وهما الحسين وعبد الله بن عامر بن كريز، ونظم ذلك في بيتين وأنشدناهما وهما‏:‏ وسبعة شبهوا بالمصطفى فما لهم بذلك قدر قد زكا ونما سبطا النبي أبو سفيان سائبهم وجعفر وابنه ذو الجود مع قثما وزاد فيهم بعض أصحابنا ثامنا وهو عبد الله بن جعفر، ونظم ذلك في بيتين أيضا، وقد زدت فيهما مسلم بن عقيل وكابس بن ربيعة فصاروا عشرة، ونظمت ذلك في بيتين وهما‏:‏ شبه النبي لعشر سائب وأبي سفيان والحسنين الطاهرين هما وجعفر وابنه ثم ابن عامر هم ومسلم كابس يتلوه مع قثما وقد وجدت بعد ذلك أن فاطمة ابنته عليها السلام كانت تشبهه، فيمكن أن يغير من البيت الأول قوله‏:‏ ‏"‏ لعشر ‏"‏ فيجعل ‏"‏ لياء ‏"‏ وهو بالحساب أحد عشر ويغير ‏"‏ الطاهرين هما ‏"‏ فيجعل ‏"‏ ثم أمهما‏"‏‏.‏

ثم وجدت أن إبراهيم ولده عليه السلام كان يشبهه فيغير قوله لياء فيجعل ‏"‏ ليب ‏"‏ وبدل الطاهرين هما ‏"‏ الخال أمهما ‏"‏ ثم وجدت في قصة جعفر بن أبي طالب أن ولديه عبد الله وعوفا كانا يشبهانه فيجعل أول البيت ‏"‏ شبه النبي ليج ‏"‏ والبيت الثاني ‏"‏ وجعفر ولداه وابن عامرهم ‏"‏ إلخ، ووجدت من نظم الإمام أبي الوليد بن الشحنة قاضي حلب ولم أسمعه منه‏:‏ وخمس عشر لهم بالمصطفى شبه سبطاه وابنا عقيل سائب قثم وجعفر وابنه عبدان مسلم أبو سفيان كابس عثم ابن النجاد هم فزاد ابن عقيل الثاني وعثمان وابن النجاد، وأخل ممن ذكرته بابن جعفر الثاني، وأراد هو بقوله‏:‏ ‏"‏ عبدان ‏"‏ تثنية عبد وهما عبد الله بن جعفر وعبد الله بن الحارث، ولو كان أراد اسما مفردا لم يتم له خمسة عشرة‏.‏

وقد تعقب قوله‏:‏ ‏"‏ ابنا عقيل ‏"‏ بالتثنية مع قوله‏:‏ ‏"‏ ومسلم ‏"‏ لأن مسلما هو ابن عقيل، ثم وجدت الجواب عنه يؤخذ مما ذكره أبو جعفر بن حبيب أن مسلم بن معتب بن أبي لهب ممن كان يشبه، ومسلم بن عقيل ذكره ابن حبان في ثقاته‏.‏

ومحمد بن عقيل ذكره المزي في تهذيبه، وذكر في ‏"‏ المحبر ‏"‏ أن عبد الله بن الحارث بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب الملقب ببه كان يشبه، وذكر ذلك ابن عبد البر في ‏"‏ الاستيعاب ‏"‏ أيضا، وأراد ابن الشحنة بقوله‏:‏ ‏"‏ عثم ‏"‏ ترخيم عثمان، واعتمد على ما جاء في حديث عائشة ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لابنته أم كلثوم لما زوجها عثمان‏:‏ إنه أشبه الناس بجدك إبراهيم وأبيك محمد ‏"‏ وهو حديث موضوع كما قاله الذهبي في ترجمة عمرو بن الأزهر أحد رواته‏.‏

وهو وشيخه خالد بن عمر وكذبهما الأئمة، وانفرد بهذا الحديث، والمعروف في صفة عثمان خلاف ذلك، وأراد بابن النجاد علي بن علي بن النجاد بن رفاعة، واعتمد على ما ذكره ابن سعد عن عثمان أنه كان يشبه، وهذا تابعي صغير متأخر عن الذين تقدم ذكرهم فلذلك لم أعول عليه، وعلى تقدير اعتباره يكون قد فاته ممن وصف بذلك القاسم بن عبد الله بن محمد بن عقيل، وإبراهيم بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي ويحيى بن القاسم بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي، فكل من هؤلاء مذكور في كتب الأنساب أنه كان يشبه، حتى إن يحيى المذكور كان يقال له ‏"‏ الشبيه ‏"‏ لأجل ذلك، والمهدي الذي يخرج في آخر الزمان جاء أنه يشبه وواطأ اسمه واسم أبيه اسم النبي صلى الله عليه وسلم واسم أبيه، وذكر ابن حبيب أيضا محمد بن جعفر بن أبي طالب، وهو غلط لأنه وقع في الخبر الذي تقدم في جعفر أنه قال في حق محمد بن جعفر شبيه عمه أبي طالب، وقد سلم ابن الشحنة منه، وقد غيرت بيتي هكذا‏:‏ شبه النبي ليه سائب وأبي سفيان والحسنين الخال أمهما وجعفر ولديه وابن عامر كابس ونجلي عقيل ببة قثما فاقتصرت على ثلاثة عشر ممن ذكرهم ابن الشحنة، وأبدلتهما باثنين فوفيت عدته مع السلامة مما تعقب عليه، والله الموفق‏.‏

وذكر ابن يونس في ‏"‏ تاريخ مصر ‏"‏ عبد الله بن أبي طلحة الخولاني وأنه شهد فتح مصر وأمره عمر بأن لا يمشي إلا مقنعا لأنه كان يشبه النبي صلى الله عليه وسلم، قال‏:‏ وكان له عبادة وفضل، وفي قصة الكاهنة مع أويس أنها قالت لهم أشبه الناس بصاحب المقام - أي إبراهيم الخليل - هذا، تشير إلى محمد صلى الله عليه وسلم‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي يَعْقُوبَ سَمِعْتُ ابْنَ أَبِي نُعْمٍ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ وَسَأَلَهُ عَنْ الْمُحْرِمِ قَالَ شُعْبَةُ أَحْسِبُهُ يَقْتُلُ الذُّبَابَ فَقَالَ أَهْلُ الْعِرَاقِ يَسْأَلُونَ عَنْ الذُّبَابِ وَقَدْ قَتَلُوا ابْنَ ابْنَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُمَا رَيْحَانَتَايَ مِنْ الدُّنْيَا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن محمد بن أبي يعقوب‏)‏ هو محمد بن عبد الله البصري الضبي، ويقال إنه تميمي‏.‏

وقال شعبة مرة ‏"‏ حدثني محمد بن أبي يعقوب وكان سيد بني تميم ‏"‏ وهو ثقة باتفاق‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏سمعت ابن أبي نعم‏)‏ بضم النون وسكون المهملة وهو عبد الرحمن يكنى أبا الحكم البجلي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وسأله عن المحرم‏)‏ في رواية مهدي بن ميمون عن ابن أبي يعقوب كما سيأتي في الأدب ‏"‏ وسأله رجل ‏"‏ ورأيت في بعض النسخ من رواية أبي ذر الهروي ‏"‏ وسألته ‏"‏ فإن كانت محفوظة فقد عرف اسم السائل، لكن يبعده أن في رواية جرير بن حازم عن محمد بن أبي يعقوب عند الترمذي ‏"‏ أن رجلا من أهل العراق سأل ‏"‏ وفي رواية لأحمد ‏"‏ وأنا جالس عنده ‏"‏ ونحوها في رواية مهدي المذكورة في الأدب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال شعبة‏:‏ أحسبه يقتل الذباب‏)‏ وقع عند أبي داود الطيالسي عن شعبة بغير شك‏.‏

وفي رواية جرير بن حازم المذكورة ‏"‏ سئل ابن عمر عن دم البعوض يصيب الثوب ‏"‏ وكذا هو في رواية مهدي بن ميمون المذكورة، يحتمل أن يكون السؤال وقع عن الأمرين، والله أعلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقال‏:‏ أهل العراق يسألون عن الذباب‏)‏ في رواية أبي داود ‏"‏ فقال‏:‏ يا أهل العراق، تسألونني عن الذباب ‏"‏ أورد ابن عمر هذا متعجبا من حرص أهل العراق على السؤال عن الشيء اليسير وتفريطهم في الشيء الجليل‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ريحانتاي‏)‏ كذا للأكثر بالتثنية، ولأبي ذر ‏"‏ ريحاني ‏"‏ بالإفراد والتذكير، وشبههما بذلك لأن الولد يشم ويقبل، ووقع في رواية جرير بن حازم ‏"‏ أن الحسن والحسين هما ريحانتي ‏"‏ وعند الترمذي من حديث أنس ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو الحسن والحسين فيشمهما ويضمهما إليه ‏"‏ وفي رواية الطبراني في ‏"‏ الأوسط ‏"‏ من طريق أبي أيوب قال‏:‏ ‏"‏ دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم والحسن والحسين يلعبن بين يديه، فقلت‏:‏ أتحبهما يا رسول الله‏؟‏ قال‏:‏ ‏"‏ وكيف لا وهما ريحانتاي من الدنيا أشمهما‏"‏‏.‏

*3*باب مَنَاقِبِ بِلَالِ بْنِ رَبَاحٍ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا

وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَمِعْتُ دَفَّ نَعْلَيْكَ بَيْنَ يَدَيَّ فِي الْجَنَّةِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏مناقب بلال بن رباح‏)‏ بفتح الراء والموحدة وآخره مهملة، وقد تقدم في ‏"‏ باب البيع والشراء مع المشركين ‏"‏ من البيوع بيان الاختلاف في كيفية شرائه، وذكر ابن سعد أنه كان من مولدي السراة، واسم أمه حمامة وكانت لبعض بني جمح، وجاء عن أنس عند الطبراني وغيره إنه حبشي وهو المشهور، وقيل نوبي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏مولى أبي بكر‏)‏ روى أبو بكر بن أبي شيبة بإسناد صحيح عن قيس بن أبي حازم قال‏:‏ ‏"‏ اشترى أبو بكر بلالا بخمس أواق، وهو مدفون بالحجارة‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال النبي صلى الله عليه وسلم سمعت دف نعليك في الجنة‏)‏ هو طرف من حديث أورده في صلاة الليل، وقد تقدم شرحه‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ أَخْبَرَنَا جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ كَانَ عُمَرُ يَقُولُ أَبُو بَكْرٍ سَيِّدُنَا وَأَعْتَقَ سَيِّدَنَا يَعْنِي بِلَالًا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏كان عمر يقول‏:‏ أبو بكر سيدنا، وأعتق سيدنا، يعني بلالا‏)‏ قال ابن التين‏:‏ يعني أن بلالا من السادة، ولم يرد أنه أفضل من عمر‏.‏

وقال غيره‏:‏ السيد الأول حقيقة والثاني قاله تواضعا على سبيل المجاز، أو أن السيادة لا تثبت الأفضلية، فقال ابن عمر ‏"‏ ما رأيت أسود من معاوية ‏"‏ مع أنه رأى أبا بكر وعمر‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدٍ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ عَنْ قَيْسٍ أَنَّ بِلَالًا قَالَ لِأَبِي بَكْرٍ إِنْ كُنْتَ إِنَّمَا اشْتَرَيْتَنِي لِنَفْسِكَ فَأَمْسِكْنِي وَإِنْ كُنْتَ إِنَّمَا اشْتَرَيْتَنِي لِلَّهِ فَدَعْنِي وَعَمَلَ اللَّهِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا إسماعيل‏)‏ هو ابن أبي خالد ‏(‏عن قيس‏)‏ هو ابن أبي حازم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أن بلالا قال لأبي بكر‏)‏ كأن قوله ذلك لأبي بكر في خلافة أبي بكر، وقد وقع ذلك صريحا في رواية أحمد عن أبي أسامة عن إسماعيل بلفظ ‏"‏ قال بلال لأبي بكر حين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فدعني وعمل الله‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ وعملي لله ‏"‏ وفي رواية أبي أسامة ‏"‏ فذرني أعمل لله ‏"‏ وذكر ابن سعد في ‏"‏ الطبقات ‏"‏ في هذه القصة من الزيادة ‏"‏ أنه قال رأيت أفضل عمل المؤمن الجهاد، فأردت أن أرابط في سبيل الله، وأن أبا بكر قال لبلال‏:‏ أنشدك الله وحقي، فأقام معه بلال حتى توفي، فلما مات أذن له عمر فتوجه إلى الشام مجاهدا فمات بها في طاعون عمواس سنة ثمان عشرة، وقيل‏:‏ سنة عشرين ‏"‏ والله أعلم‏.‏

وكانت وفاته بدمشق ودفن بباب الصغير وبهذا جزم النووي، وقيل‏:‏ دفن بباب كيسان، وقيل‏:‏ بداريا، وقيل‏:‏ بحلب، ورده المنذري وقال‏:‏ الذي مات بحلب أخوه خالد، وزعم ابن السمعاني أن بلالا مات بالمدينة، وغلطوه‏.‏