فصل: باب طُوفَانٍ مِنْ السَّيْلِ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فتح الباري شرح صحيح البخاري **


*3*باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً

وَقَالَ مُوسَى لِأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي إِلَى قَوْلِهِ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ يُقَالُ دَكَّهُ زَلْزَلَهُ فَدُكَّتَا فَدُكِكْنَ جَعَلَ الْجِبَالَ كَالْوَاحِدَةِ كَمَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنَّ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا وَلَمْ يَقُلْ كُنَّ رَتْقًا مُلْتَصِقَتَيْنِ أُشْرِبُوا ثَوْبٌ مُشَرَّبٌ مَصْبُوغٌ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ انْبَجَسَتْ انْفَجَرَتْ وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ رَفَعْنَا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب قول الله تعالى‏:‏ ‏(‏وواعدنا موسى ثلاثين ليلة - إلى قوله - وأنا أول المؤمنين‏)‏‏)‏ ساق في رواية كريمة الآيتين كلتيهما‏.‏

وقوله‏:‏ ‏(‏وأتممناها بعشر‏)‏ فيه إشارة إلى أن المواعدة وقعت مرتين، وقوله‏:‏ ‏(‏صعقا‏)‏ أي مغشيا عليه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يقال دكه زلزله‏)‏ هذا ذكره هنا لقوله في قصة موسى عليه السلام ‏(‏فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا‏)‏ قال أبو عبيدة جعله دكا أي مستويا مع وجه الأرض، وهو مصدر جعل صفة، ويقال ناقة دكاء أي ذاهبة السنام مستوظهرها‏.‏

ووقع عند ابن مردويه مرفوعا ‏"‏ إن الجبل ساخ في الأرض فهو يهوي فيها إلى يوم القيامة ‏"‏ وسنده واه، وأخرجه ابن أبي حاتم من طريق أبي مالك رفعه ‏"‏ لما تجلى الله للجبل طارت لعظمته ستة أجبل فوقعت ثلاثة بمكة‏:‏ حرى وثور وثبير، وثلاثة بالمدينة‏:‏ أحد ورضوى وورقان ‏"‏ وهذا غريب مع إرساله‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فدكتا فدككن جعل الجبال كالواحدة كما قال الله عز وجل ‏(‏إن السماوات والأرض كانتا رتقا‏)‏ ولم يقل كن رتقا‏)‏ ذكر هذا استطرادا إذ لا تعلق له بقصة موسى، وكذا قوله‏:‏ ‏"‏ رتقا ملتصقتين ‏"‏ وقال أبو عبيدة الرتق التي ليس فيها ثقب، ثم فتق الله السماء بالمطر وفتق الأرض بالشجر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أشربوا، ثوب مشرب مصبوغ‏)‏ يشير إلى أنه ليس من الشرب‏.‏

وقال أبو عبيدة في قوله تعالى‏:‏ ‏(‏وأشربوا في قلوبهم العجل‏)‏ أي سقوه حتى غلب عليهم، وهو من مجاز الحذف أي أشربوا في قلوبهم حب العجل‏.‏

ومن قال إن العجل أحرق ثم ذري في الماء فشربوه فلم يعرف كلام العرب، لأنها لا تقول في الماء‏:‏ أشرب فلان في قلبه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال ابن عباس‏:‏ انبجست انفجرت‏)‏ وصله ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عنه كذلك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وإذ نتقنا الجبل رفعنا‏)‏ وصله ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عنه أيضا‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ النَّاسُ يَصْعَقُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ يُفِيقُ فَإِذَا أَنَا بِمُوسَى آخِذٌ بِقَائِمَةٍ مِنْ قَوَائِمِ الْعَرْشِ فَلَا أَدْرِي أَفَاقَ قَبْلِي أَمْ جُوزِيَ بِصَعْقَةِ الطُّورِ

الشرح‏:‏

حديث أبي هريرة في أن الناس يصعقون ‏(‏حديث الصعق إنما هو عن أبي سعيد‏)‏ وسيأتي شرحه قريبا‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْجُعْفِيُّ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوْلَا بَنُو إِسْرَائِيلَ لَمْ يَخْنَزْ اللَّحْمُ وَلَوْلَا حَوَّاءُ لَمْ تَخُنْ أُنْثَى زَوْجَهَا الدَّهْرَ

الشرح‏:‏

حديثه ‏"‏ لولا بنو إسرائيل لم يخنز اللحم ‏"‏ وسبق شرحه في ترجمة آدم‏.‏

*3*باب طُوفَانٍ مِنْ السَّيْلِ

يُقَالُ لِلْمَوْتِ الْكَثِيرِ طُوفَانٌ الْقُمَّلُ الْحُمْنَانُ يُشْبِهُ صِغَارَ الْحَلَمِ حَقِيقٌ حَقٌّ سُقِطَ كُلُّ مَنْ نَدِمَ فَقَدْ سُقِطَ فِي يَدِهِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب‏)‏ كذا لهم بغير ترجمة، وهو كالفصل من الباب الذي قبله وتعلقه به ظاهر، وسقط جميعه من رواية النسفي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏طوفان من السيل، ويقال للموت الكثير طوفان‏)‏ قال أبو عبيدة‏:‏ الطوفان مجاز من السيل، وهو من الموت المتتابع الذريع‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏القمل‏:‏ الحمنان يشبه صغار الحلم‏)‏ قال أبو عبيدة‏:‏ القمل عند العرب هي الحمنان قال الأثرم الراوي عنه‏:‏ والحمنان يعني بالمهملة ضرب من القردان، وقيل‏:‏ هي أصغر، وقيل‏:‏ أكبر، وقيل‏:‏ الدبا بفتح المهملة وتخفيف الموحدة مقصور‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حقيق حق‏)‏ قال أبو عبيدة في قوله تعالى‏:‏ ‏(‏حقيق علي‏)‏ مجازه حق علي أن لا أقول على الله إلا الحق، وهذا على قراءة من قرأ حقيق علي بالتشديد وأما من قرأها ‏(‏على‏)‏ فإنه يقول معناه حريص أو محق‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏سقط، كل من ندم فقد سقط في يده‏)‏ قال أبو عبيدة في قوله‏:‏ ‏(‏ولما سقط في أيديهم‏)‏ ‏:‏ يقال لكل من ندم وعجز عن شيء سقط في يده‏.‏

*3*باب حَدِيثِ الْخَضِرِ مَعَ مُوسَى عَلَيْهِمَا السَّلَام

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب حديث الخضر مع موسى عليهما السلام‏)‏ ذكر فيه حديث ابن عباس عن أبي بن كعب من وجهين، وسيأتي أولهما بأتم من سياقه في تفسير سورة الكهف ونستوفي شرحه هناك، ووقع هنا في رواية ابن ذر عن المستملي خاصة عن الفربري ‏"‏ حدثنا علي بن خشرم حدثنا سفيان بن عيينة ‏"‏ الحديث بطوله وقد تقدم التنبيه على مثل ذلك في كتاب العلم، والخضر قد اختلف في اسمه قبل ذلك وفي اسم أبيه وفي نسبه وفي نبوته وفي تعميره، فقال وهب بن منبه‏:‏ هو بليا بفتح الموحدة وسكون اللام بعدها تحتانية، ووجد بخط الدمياطي في أول الاسم بنقطتين، وقيل‏:‏ كالأول بزيادة ألف بعد الباء، وقيل اسمه إلياس، وقيل اليسع، وقيل عامر، وقيل خضرون - والأول أثبت - ابن ملكان بن فالغ بن عابر بن شالخ بن أرفشخذ بن سام بن نوح، فعلى هذا فمولده قبل إبراهيم الخليل لأنه يكون ابن عم جد إبراهيم، وقد حكى الثعلبي قولين في أنه كان قبل الخليل أو بعده، قال وهب وكنيته أبو العباس، وروى الدار قطني في ‏"‏ الأفراد ‏"‏ من طريق مقاتل عن الضحاك عن ابن عباس قال‏:‏ هو ابن آدم له لصلبه، وهو ضعيف منقطع، وذكر أبو حاتم السجستاني في ‏"‏ المعمرين ‏"‏ أنه ابن قابيل بن آدم رواه عن أبي عبيدة وغيره، وقيل‏:‏ اسمه ارميا بن طيفاء حكاه ابن إسحاق عن وهب، وارميا بكسر أوله وقيل بضمه وأشبعها بعضهم واوا، واختلف في اسم أبيه فقيل ملكا وقيل‏:‏ كليان وقيل‏:‏ عاميل وقيل‏:‏ قابل والأول أشهر، وعن إسماعيل بن أبي أويس‏:‏ هو العمر بن مالك بن عبد الله بن نصر بن الأزد، وحكى السهيلي عن قوم أنه كان ملكا من الملائكة وليس من بني آدم، وعن ابن لهيعة كان ابن فرعون نفسه، وقيل ابن بنت فرعون، وقيل‏:‏ اسمه خضرون بن عاييل بن معمر بن عيصو بن إسحاق بن إبراهيم، وقيل‏:‏ كان أبوه فارسيا رواه الطبري من طريق عبد الله بن شوذب، وحكى ابن ظفر في تفسيره أنه كان من ذرية بعض من آمن بإبراهيم، وقيل‏:‏ إنه الذي أماته الله مائة عام ثم بعثه فلا يموت حتى ينفخ في الصور، وروى الدار قطني في الحديث المذكور قال‏:‏ مد للخضر في أجله حتى يكذب الدجال‏.‏

وقال عبد الرزاق في مصنفه عن معمر في قصة الذي يقتله الدجال ثم يحييه‏:‏ بلغني أنه الخضر‏.‏

وكذا قال إبراهيم بن سفيان الراوي عن مسلم في صحيحه‏.‏

وروى ابن إسحاق في ‏"‏ المبتدأ ‏"‏ عن أصحابه أن آدم أخبر بنيه عند الموت بأمر الطوفان، ودعا لمن يحفظ جسده بالتعمير حتى يدفنه، فجمع نوح بنيه لما وقع الطوفان وأعلمهم بذلك فحفظوه، حتى كان الذي تولى دفنه الخضر‏.‏

وروى خيثمة بن سليمان من طريق جعفر الصادق عن أبيه أن ذا القرنين كان له صديق من الملائكة، فطلب منه أن يدله على شيء يطول به عمره فدله على عين الحياة وهي داخل الظلمة، فسار إليها والخضر على مقدمته فظفر بها الخضر ولم يظفر بها ذو القرنين‏.‏

وروي عن مكحول عن كعب الأحبار قال‏:‏ أربعة من الأنبياء أحياء أمان لأهل الأرض‏:‏ اثنان في الأرض الخضر وإلياس، واثنان في السماء إدريس وعيسى‏.‏

وحكى ابن عطية البغوي عن أكثر أهل العلم أنه نبي ثم اختلفوا هل هو رسول أم لا‏؟‏ وقالت طائفة منهم القشيري هو ولي‏.‏

وقال الطبري في تاريخه‏:‏ كان الخضر في أيام أفريدون في قول عامة علماء الكتاب الأول، وكان على مقدمة ذي القرنين الأكبر‏.‏

وأخرج النقاش أخبارا كثير تدل على بقائه لا تقوم بشيء منها حجة قاله ابن عطية، قال‏:‏ ولو كان باقيا لكان له في ابتداء الإسلام ظهور، ولم يثبت شيء من ذلك‏.‏

وقال الثعلبي في تفسيره‏:‏ هو معمر على جميع الأقوال، محجوب عن الأبصار‏.‏

قال وقد قيل إنه لا يموت إلا في آخر الزمان حين يرفع القرآن‏.‏

قال القرطبي‏:‏ هو نبي عند الجمهور والآية تشهد بذلك، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لا يتعلم ممن هو دونه، ولأن الحكم بالباطن لا يطلع عليه إلا الأنبياء‏.‏

وقال ابن الصلاح‏:‏ هو حي عند جمهور العلماء والعامة معهم في ذلك، وإنما شذ بإنكاره بعض المحدثين‏.‏

وتبعه النووي وزاد أن ذلك متفق عليه بين الصوفية وأهل الصلاح، وحكاياتهم في رؤيته والاجتماع به أكثر من أن تحصر انتهى‏.‏

والذي جزم بأنه غير موجود الآن البخاري وإبراهيم الحربي وأبو جعفر بن المنادى وأبو يعلى بن الفراء وأبو طاهر العبادي وأبو بكر بن العربي وطائفة، وعمدتهم الحديث المشهور عن ابن عمر وجابر وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ قال في آخر حياته‏:‏ ‏"‏ لا يبقى على وجه الأرض بعد مائة سنة ممن هو عليها اليوم أحد ‏"‏ قال ابن عمر‏:‏ أراد بذلك انخرام قرنه‏.‏

وأجاب من أثبت حياته بأنه كان حينئذ على وجه البحر، أو هو مخصوص من الحديث كما خص منه إبليس بالاتفاق‏.‏

ومن حجج من أنكر ذلك قوله تعالى‏:‏ ‏(‏وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد‏)‏ وحديث ابن عباس ‏"‏ ما بعث الله نبيا إلا أخذ عليه الميثاق لئن بعث محمد وهو حي ليؤمنن به ولينصرنه ‏"‏ أخرجه البخاري ولم يأت في خبر صحيح أنه جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم ولا قاتل معه، وقد قال صلى الله عليه وسلم يوم بدر‏:‏ ‏"‏ اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تعبد في الأرض ‏"‏ فلو كان الخضر موجودا لم يصح هذا النفي‏.‏

وقال صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ رحم الله موسى لوددنا لو كان صبر حتى يقص علينا من خبرهما ‏"‏ فلو كان الخضر موجودا لما حسن هذا التمني ولأحضره بين يديه وأراه العجائب وكان أدعى لإيمان الكفرة لا سيما أهل الكتاب‏.‏

وجاء في اجتماعه مع النبي صلى الله عليه وسلم حديث ضعيف أخرجه ابن عدي من طريق كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف عن أبيه عن جده ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع وهو في المسجد كلاما فقال‏:‏ يا أنس اذهب إلى هذا القائل فقل له يستغفر لي، فذهب إليه فقال‏:‏ قل له إن الله فضلك على الأنبياء بما فضل به رمضان على الشهور‏.‏

قال فذهبوا ينظرون فإذا هو الخضر ‏"‏ إسناده ضعيف‏.‏

وروى ابن عساكر من حديث أنس نحوه بإسناد أو هي منه، وروى الدار قطني في ‏"‏ الأفراد ‏"‏ من طريق عطاء عن ابن عباس مرفوعا ‏"‏ يجتمع الخضر وإلياس كل عام في الموسم، فيحلق كل واحد منهما رأس صاحبه، ويفترقان عن هؤلاء الكلمات‏:‏ بسم الله ما شاء الله ‏"‏ الحديث، في إسناده محمد بن أحمد بن زيد بمعجمة ثم موحدة ساكنة وهو ضعيف‏.‏

وروى ابن عساكر من طريق هشام بن خالد عن الحسن بن يحيى عن ابن أبي رواد نحوه وزاد ‏"‏ ويشربان من ماء زمزم شربة تكفيهما إلى قابل ‏"‏ وهذا معضل‏.‏

ورواه أحمد في الزهد بإسناد حسن عن ابن أبي رواد وزاد أنهما ‏"‏ يصومان رمضان ببيت المقدس ‏"‏ وروى الطبري من طريق عبد الله بن شوذب نحوه‏.‏

وروي عن علي أنه ‏"‏ دخل الطواف فسمع رجلا يقول يا من لا يشغله سمع عن سمع ‏"‏ الحديث فإذا هو الخضر، أخرجه ابن عساكر من وجهين في كل منهما ضعف، وهو في ‏"‏ المجالسة ‏"‏ من الوجه الثاني‏.‏

وجاء في اجتماعه ببعض الصحابة فمن بعدهم أخبار أكثرها واهي الإسناد، منها ما أخرجه ابن أبي الدنيا والبيهقي من حديث أنس ‏"‏ لما قبض النبي صلى الله عليه وسلم دخل رجل فتخطاهم - فذكر الحديث في التعزية - فقال أبو بكر وعلي‏:‏ هذا الخضر ‏"‏ في إسناده عباد بن عبد الصمد وهو واه‏.‏

وروى سيف في الردة نحوه بإسناد آخر مجهول‏.‏

وروى ابن أبي حاتم من طريق جعفر بن محمد عن أبيه عن علي نحوه‏.‏

وروى ابن وهب من طريق ابن المنكدر ‏"‏ أن عمر صلى على جنازة، فسمع قائلا يقول‏:‏ لا تسبقنا - فذكر القصة - وفيها‏:‏ أنه دعا للميت، فقال عمر‏:‏ خذوا الرجل، فتوارى عنهم فإذا أثر قدمه ذراع، فقال عمر‏:‏ هذا والله الخضر ‏"‏ في إسناده مجهول مع انقطاعه‏.‏

وروى أحمد في الزهد من طريق مسعر عن معن بن عبد الرحمن عن عون بن عبد الله قال‏:‏ بينا رجل بمصر في فتنة ابن الزبير مهموما إذ لقيه رجل فسأله فأخبره باهتمامه بما فيه الناس من الفتن، فقال‏:‏ قل اللهم سلمني وسلم مني، قال فقالها فسلم‏.‏

قال معسر‏:‏ يرون أنه الخضر‏.‏

وروى يعقوب بن سفيان في تاريخه وأبو عروبة من طريق رياح بالتحتانية ابن عبيدة قال‏:‏ رأيت رجلا يماشي عمر بن عبد العزيز معتمدا على يديه فلما انصرف قلت له من الرجل‏؟‏ قال‏:‏ رأيته‏؟‏ قلت‏:‏ نعم‏.‏

قال أحسبك رجلا صالحا، ذاك أخي الخضر بشرني أني سأولى وأعدل‏.‏

لا بأس برجاله‏.‏

ولم يقع لي إلى الآن خبر ولا أثر بسند جيد غيره، وهذا لا يعارض الحديث الأول في مائة سنة فإن ذلك كان قبل المائة‏.‏

وروى ابن عساكر من طريق كرز بن وبرة قال‏:‏ أتاني أخ لي من أهل الشام فقال اقبل مني هذه الهدية، إن إبراهيم التيمي حدثني قال‏:‏ كنت جالسا بفناء الكعبة أذكر الله، فجاءني رجل فسلم علي؛ فلم أر أحسن وجها منه ولا أطيب ريحا، فغلت‏:‏ من أنت‏؟‏ فقال أنا أخوك الخضر‏.‏

قال فعلمه شيئا إذا فعله رأى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام‏.‏

وفي إسناده مجهول وضعيف‏.‏

وروى ابن عساكر في ترجمة أبي زرعة الرازي بسند صحيح أنه رأى وهو شاب رجلا نهاه عن غشيان أبواب الأمراء، ثم رآه بعد أن صار شيخا كبيرا على حالته الأولى فنهاه عن ذلك أيضا، قال فالتفت لأكلمه فلم أره، فوقع في نفسي أنه الخضر‏.‏

وروى عمر الجمحي في فرائده والفاكهي في ‏"‏ كتاب مكة ‏"‏ بسند فيه مجهول عن جعفر بن محمد أنه رأى شيخا كبيرا يحدث أباه ثم ذهب، فقال له أبوه رده علي، قال فتطلبته فلم أقدر عليه، فقال لي أبي‏:‏ ذاك الخضر‏.‏

وروى البيهقي من طريق الحجاج بن قرافصة أن رجلين كانا يتبايعان عند ابن عمر، فقام عليهم رجل فنهاهما عن الحلف بالله ووعظهم بموعظة، فقال ابن عمر لأحدهما‏:‏ اكتبها منه، فاستعاده حتى حفظها ثم تطلبه فلم يره، قال‏:‏ وكانوا يرون أنه الخضر‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدٍ ابْنُ الْأَصْبِهَانِيِّ أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّمَا سُمِّيَ الْخَضِرَ أَنَّهُ جَلَسَ عَلَى فَرْوَةٍ بَيْضَاءَ فَإِذَا هِيَ تَهْتَزُّ مِنْ خَلْفِهِ خَضْرَاءَ

الشرح‏:‏

حديث أبي هريرة ‏"‏ إنما سمي الخضر لأنه جلس على فروة بيضاء فإذا هي تهتز من خلفه خضراء ‏"‏ وتعلقه بالباب ظاهر من جهة ذكر الخضر فيه، وقد زاد عبد الرزاق في مصنفه بعد أن أخرجه بهذا الإسناد‏:‏ الفرو الحشيش الأبيض وما أشبهه‏.‏

قال عبد الله بن أحمد بعد أن رواه عن أبيه عنه‏:‏ أظن هذا تفسيرا من عبد الرزاق انتهى‏.‏

وجزم بذلك عياض‏.‏

وقال الحربي‏:‏ الفروة من الأرض قطعة يابسة من حشيش، وهذا موافق لقول عبد الرزاق‏.‏

وعن ابن الأعرابي‏:‏ الفروة أرض بيضاء ليس فيها نبات، وبهذا جزم الخطابي ومن تبعه، وحكي عن مجاهد أنه قيل له الخضر لأنه كان إذا صلى اخضر ما حوله‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِيلَ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ ادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ فَبَدَّلُوا فَدَخَلُوا يَزْحَفُونَ عَلَى أَسْتَاهِهِمْ وَقَالُوا حَبَّةٌ فِي شَعْرَةٍ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب‏)‏ كذا لأبي ذر وغيره بغير ترجمة، وهو كالفصل من الباب الذي قبله، وتعلقه به ظاهر، وأورد فيه أحاديث‏:‏ حديث أبي هريرة ‏"‏ قيل لبني إسرائيل ادخلوا الباب سجدا ‏"‏ وسيأتي شرحه في تفسر الأعراف‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ حَدَّثَنَا عَوْفٌ عَنْ الْحَسَنِ وَمُحَمَّدٍ وَخِلَاسٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ مُوسَى كَانَ رَجُلًا حَيِيًّا سِتِّيرًا لَا يُرَى مِنْ جِلْدِهِ شَيْءٌ اسْتِحْيَاءً مِنْهُ فَآذَاهُ مَنْ آذَاهُ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ فَقَالُوا مَا يَسْتَتِرُ هَذَا التَّسَتُّرَ إِلَّا مِنْ عَيْبٍ بِجِلْدِهِ إِمَّا بَرَصٌ وَإِمَّا أُدْرَةٌ وَإِمَّا آفَةٌ وَإِنَّ اللَّهَ أَرَادَ أَنْ يُبَرِّئَهُ مِمَّا قَالُوا لِمُوسَى فَخَلَا يَوْمًا وَحْدَهُ فَوَضَعَ ثِيَابَهُ عَلَى الْحَجَرِ ثُمَّ اغْتَسَلَ فَلَمَّا فَرَغَ أَقْبَلَ إِلَى ثِيَابِهِ لِيَأْخُذَهَا وَإِنَّ الْحَجَرَ عَدَا بِثَوْبِهِ فَأَخَذَ مُوسَى عَصَاهُ وَطَلَبَ الْحَجَرَ فَجَعَلَ يَقُولُ ثَوْبِي حَجَرُ ثَوْبِي حَجَرُ حَتَّى انْتَهَى إِلَى مَلَإٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ فَرَأَوْهُ عُرْيَانًا أَحْسَنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ وَأَبْرَأَهُ مِمَّا يَقُولُونَ وَقَامَ الْحَجَرُ فَأَخَذَ ثَوْبَهُ فَلَبِسَهُ وَطَفِقَ بِالْحَجَرِ ضَرْبًا بِعَصَاهُ فَوَاللَّهِ إِنَّ بِالْحَجَرِ لَنَدَبًا مِنْ أَثَرِ ضَرْبِهِ ثَلَاثًا أَوْ أَرْبَعًا أَوْ خَمْسًا فَذَلِكَ قَوْلُهُ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا

الشرح‏:‏

حديث أبي هريرة ‏"‏ إن موسى كان رجلا حييا ‏"‏ بفتح المهملة وكسر التحتانية الخفيفة بعدها أخرى مثقلة بوزن فعيل من الحياء وقوله‏:‏ ‏"‏ ستيرا ‏"‏ بوزنه من الستر، ويقال ستيرا بالتشديد‏.‏

قوله في الإسناد ‏(‏حدثنا عوف‏)‏ هو الأعرابي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن الحسن ومحمد وخلاس‏)‏ أما الحسن فهو البصري وأما محمد فهو ابن سيرين وسماعه من أبي هريرة ثابت، فقد أخرج أحمد هذا الحديث عن روح عن عوف عن محمد وحده عن أبي هريرة‏.‏

وأما خلاس فبكسر المعجمة وتخفيف اللام وآخره مهملة هو ابن عمر بصري، يقال إنه كان على شرطة علي، وحديثه عنه في الترمذي والنسائي، وجزم يحيى القطان بأن روايته عنه من صحيفته‏.‏

وقال أبو داود عن أحمد‏:‏ لم يسمع خلاص من أبي هريرة‏.‏

وقال ابن أبي حاتم عن أبي زرعة كان يحيى القطان يقول‏:‏ روايته عن علي من كتاب، وقد سمع من عمار وعائشة وابن عباس قلت‏:‏ إذا ثبت سماعه من عمار وكان على شرطة علي كيف يمتنع سماعه من علي‏؟‏ وقال أبو حاتم‏:‏ يقال وقعت عنده صحيفة عن علي، وليس بقوي، يعنى في علي‏.‏

وقال صالح بن أحمد عن أبيه‏:‏ كان يحيى القطان يتوقى أن يحدث عن خلاس عن علي خاصة‏.‏

وأطلق بقية الأئمة توثيقه‏.‏

قلت‏:‏ وما له في البخاري سوى هذا الحديث، وقد أخرجه له مقرونا بغيره، وأعاده سندا ومتنا في تفسير الأحزاب‏.‏

وله عنه حديث آخر أخرجه في الأيمان والنذور مقرونا أيضا بمحمد بن سيرين عن أبي هريرة، ووهم المزي فنسبه إلى الصوم‏.‏

وأما الحسن البصري فلم يسمع من أبي هريرة عند الحفاظ النقاد، وما وقع في بعض الروايات مما يخالف ذلك فهو محكوم بوهمه عندهم، وما له في البخاري عن أبي هريرة سوى هذا مقرونا‏.‏

وله حديث آخر في بدء الخلق مقرونا بابن سيرين، وثالث ذكره في أوائل الكتاب في الإيمان مقرونا بابن سيرين أيضا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لا يرى من جلده شيء استحياء منه‏)‏ هذا يشعر بأن اغتسال بني إسرائيل عراة بمحضر منهم كان جائزا في شرعهم‏.‏

وإنما اغتسل موسى وحده استحياء‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وإما أدرة‏)‏ بضع الهمزة وسكون الدال على المشهور وبفتحتين أيضا فيما حكاه الطحاوي عن بعض مشايخه ورجح الأول وتقدم بيانه في كتاب الغسل، ووقع في رواية ابن مردويه من طريق عثمان بن الهيثم عن عوف الجزم بأنهم قالوا إنه آدر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فخلا يوما وحده فوضع ثيابه‏)‏ في رواية الكشميهني ثيابا أي ثيابا له، والأول هو المعروف، وظاهره أنه دخل الماء عريانا‏.‏

وعليه بوب المصنف في الغسل ‏"‏ من اغتسل عريانا ‏"‏ وقد قدمت توجيهه في كتاب الغسل، ونقل ابن الجوزي عن الحسن بن أبي بكر النيسابوري أن موسى نزل إلى الماء مؤتزرا، فلما خرج تتبع الحجر والمئزر مبتل بالماء علموا عند رؤيته أنه غير آدر، لأن الأدرة تبين تحت الثوب المبلول بالماء انتهى‏.‏

هذا إن كان هذا الرجل قاله احتمالا فيحتمل لكن المنقول يخالفه، لأن في رواية علي بن زيد عن أنس عند أحمد في هذا الحديث ‏"‏ إن موسى كان إذا أراد أن يدخل الماء لم يلق ثوبه حتى يواري عورته في الماء‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عدا بثوبه‏)‏ بالعين المهملة أي مضى مسرعا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ثوبي حجر، ثوبي حجر‏)‏ هو بفتح الياء الأخيرة من ثوبي أي أعطني ثوبي، أو رد ثوبي، وحجر بالضم على حذف حرف النداء، وتقدم في الغسل بلفظ ثوبي يا حجر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وأبرأه مما يقولون‏)‏ في رواية قتادة عن الحسن عن أبي هريرة عند ابن مردويه وابن خزيمة ‏"‏ وأعدله صورة ‏"‏ وفي روايته ‏"‏ فقالت بنو إسرائيل قاتل الله الأفاكين وكانت براءته ‏"‏ وفي رواية روح بن عبادة المذكورة ‏"‏ فرأوه كأحسن الرجال خلقا، فبرأه مما قالوا‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقام حجر فأخذ بثوبه‏)‏ قلت كذا فيه، وفي ‏"‏ مسند إسحاق بن إبراهيم ‏"‏ شيخ البخاري فيه ‏"‏ وقام الحجر ‏"‏ بالألف واللام، وكذا أخرجه أبو نعيم وابن مردويه من طريقه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فوالله إن بالحجر لندبا‏)‏ ظاهره أنه بقية الحديث، بين في رواية همام في الغسل أنه قول أبي هريرة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ثلاثا أو أربعا أو خمسا‏)‏ في رواية همام المذكور ‏"‏ ستة أو سبعة ‏"‏ ووقع عند ابن مردويه من رواية حبيب بن سالم عن أبي هريرة الجزم بست ضربات‏.‏

قول‏:‏ ‏(‏فذلك قوله تعالى‏:‏ يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذوا موسى فبرأه الله مما قالوا‏)‏ لم يقع هذا في رواية همام، وروى ابن مردويه من طريق عكرمة عن أبي هريرة قال‏:‏ ‏"‏ قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا الذين آذوا موسى‏)‏ الآية، قال‏:‏ إن بني إسرائيل كانوا يقولون‏:‏ إن موسى آدر، فانطلق موسى إلى النهر يغتسل فذكر نحوه وفي رواية علي بن زيد المذكورة قريبا في آخره ‏"‏ فرأوه ليس كما قالوا؛ فأنزل تعالى‏:‏ لا تكونوا كالذين آذوا موسى ‏"‏ وفي الحديث جواز المشي عريانا للضرورة‏.‏

وقال ابن الجوزي‏:‏ لما كان موسى في خلوة وخرج من الماء فلم يجد ثوبه تبع الحجر بناء على أن لا يصادف أحدا وهو عريان، فاتفق أنه كان هناك قوم فاجتاز بهم، كما أن جوانب الأنهار وإن خلت غالبا لا يؤمن وجود قوم قريب منها، فبني الأمر على أنه لا يراه أحد لأجل خلاء المكان، فاتفق رؤية من رآه‏.‏

والذي يظهر أنه استمر يتبع الحجر على ما في الخبر حتى وقف على مجلس لبني إسرائيل كان فيهم من قال فيه ما قال‏.‏

وبهذا تظهر الفائدة، وإلا فلو كان الوقوف على قوم منهم في الجملة لم يقع ذلك الموقع وفيه جواز النظر إلى العورة عند الضرورة الداعية لذلك من مداواة أو براءة من عيب، كما لو ادعى أحد الزوجين على الآخر البرص ليفسخ النكاح فأنكر‏.‏

وفيه أن الأنبياء في خلقهم وخلقهم على غاية الكمال، وأن من نسب نبيا من الأنبياء إلى نقص في خلقته فقد آذاه ويخشى على فاعله الكفر‏.‏

وفيه معجزة ظاهرة لموسى عليه السلام، وأن الآدمي يغلب عليه طباع البشر، لأن موسى علم أن الحجر ما سار بثوبه إلا بأمر من الله، ومع ذلك عامله معاملة من يعقل حتى ضربه‏.‏

ويحتمل أنه أراد بيان معجزة أخرى لقومه بتأثير الضرب بالعصا في الحجر‏.‏

وفيه ما كان في الأنبياء عليهم الصلاة والسلام من الصبر على الجهال واحتمال أذاهم، وجعل الله تعالى العاقبة لهم على من آذاهم، وقد روى أحمد بن منيع في مسنده بإسناد حسن والطحاوي وابن مردويه من حديث علي أن الآية المذكورة نزلت في طعن بني إسرائيل على موسى بسبب هارون لأنه توجه معه إلى زيارة فمات هارون فدفنه موسى، فطعن فيه بعض بني إسرائيل‏.‏

وقالوا‏:‏ أنت قتلته، فبرأه الله تعالى بأن رفع لهم جسد هارون وهو ميت فخاطبهم بأنه مات‏.‏

وفي الإسناد ضعف ولو ثبت لم يكن فيه ما يمنع أن يكون في الفريقين معا لصدق أن كلا منهما آذى موسى فبرأه الله مما قالوا والله أعلم‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ الْأَعْمَشِ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا وَائِلٍ قَالَ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَسَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَسْمًا فَقَالَ رَجُلٌ إِنَّ هَذِهِ لَقِسْمَةٌ مَا أُرِيدَ بِهَا وَجْهُ اللَّهِ فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرْتُهُ فَغَضِبَ حَتَّى رَأَيْتُ الْغَضَبَ فِي وَجْهِهِ ثُمَّ قَالَ يَرْحَمُ اللَّهَ مُوسَى قَدْ أُوذِيَ بِأَكْثَرَ مِنْ هَذَا فَصَبَرَ

الشرح‏:‏

حديث ابن مسعود في قول الرجل ‏"‏ إن هذه لقسمة ما أريد بها وجه الله ‏"‏ والغرض منه ذكر موسى، وقد تقدم في أواخر فرض الخمس من الجهاد في ‏"‏ باب ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يعطي من المؤلفة ‏"‏ وعين هناك موضع شرحه، والله أعلم‏.‏

*3*باب يَعْكِفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ مُتَبَّرٌ خُسْرَانٌ وَلِيُتَبِّرُوا يُدَمِّرُوا مَا عَلَوْا مَا غَلَبُوا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب يعكفون على أصنام لهم‏.‏

متبر خسران، وليتبروا‏:‏ يدمروا ما علوا ما غلبوا‏)‏ ثم ساق حديث جابر ‏"‏ كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نجني الكباث، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ عليكم بالأسود منه فإنه أطيبه، قالوا‏:‏ أكنت ترعى الغنم‏؟‏ قال‏:‏ وهل من نبي إلا وقد رعاها ‏"‏ والكباث بفتح الكاف والموحدة الخفيفة وآخره مثلثة هو ثمر الأراك ويقال ذلك للنضيج منه، كذا نقله النووي عن أهل اللغة‏.‏

وقال أبو عبيد‏:‏ هو ثمر الأراك إذا يبس وليس له عجم‏.‏

وقال القزاز‏:‏ هو الغض من ثمر الأراك، وإنما قال له الصحابة ‏"‏ أكنت ترعى الغنم ‏"‏ لأن في قوله لهم عليكم بالأسود منه دلالة على تمييزه بين أنواعه، والذي يميز بين أنواع ثمر الأراك غالبا من يلازم رعي الغنم على ما ألفوه‏.‏

وقوله في الترجمة‏:‏ ‏"‏ باب يعكفون على أصنام لهم ‏"‏ أي تفسير ذلك، والمراد تفسير قوله تعالى‏:‏ ‏(‏وجاوزنا ببني إسرائيل البحر فأتوا على قوله يعكفون على أصنام لهم‏)‏ ولم يفسر المؤلف من الآية إلا قوله تعالى فيها‏:‏ ‏(‏إن هؤلاء متبر ما هم فيه‏)‏ فقال‏:‏ إن تفسير متبر خسران، وهذا أخرجه الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال في قوله‏:‏ ‏(‏إن هؤلاء متبر ما هم فيه‏)‏ قال‏:‏ خسران، والخسران تفسير التتبير الذي اشتق منه المتبر، وأما قوله‏:‏ ‏(‏وليتبروا‏)‏ ليدمروا فذكره استطرادا، وهو تفسير قتادة أخرجه الطبري من طريق سعيد عنه في قوله‏:‏ ‏(‏وليتبروا ما علوا تتبيرا‏)‏ قال‏:‏ ليدمروا ما غلبوا عليه تدميرا‏.‏

وأما حديث جابر في رعي الغنم فمناسبته للترجمة غير ظاهرة‏.‏

وقال شيخنا ابن الملقن في شرحه‏:‏ قال بعض شيوخنا لا مناسية، قال شيخنا‏:‏ بل هي ظاهرة لدخول عيسى فيمن رعى الغنم، كذا رأيت في النسخة، وكأنه سبق قلم وإنما هو موسى لا عيسى، وهذا مناسب لذكر المتن في أخبار موسى، وأما مناسبة الترجمة للحديث فلا، والذي يهجس في خاطري أنه كان بين التفسير المذكور وبين الحديث بياض أخلي للحديث يدخل في الترجمة ولترجمة تصلح لحديث جابر، ثم وصل ذلك كما في نظائره‏.‏

ومناسبة حديث جابر لقصص موسى من جهة عموم قوله‏:‏ ‏"‏ وهل من نبي إلا وقد رعاها ‏"‏ فدخل فيه موسى كما أشار إليه شيخنا، بل وقع في بعض طرق هذا الحديث ‏"‏ ولقد بعث موسى وهو يرعى الغنم ‏"‏ وذلك فيما أخرجه النسائي في التفسير من طريق أبي إسحاق عن نصر بن حزن قال‏:‏ ‏"‏ افتخر الإبل والشاء، فقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ بعث موسى وهو راعي غنم ‏"‏ الحديث‏.‏

ورجال إسناده ثقات، ويؤيد هذا الذي قلت أنه وقع في رواية النسفي ‏"‏ باب ‏"‏ بغير ترجمة وساق فيه حديث جابر ولم يذكر ما قبله، وكأنه حذف الباب الذي فيه التفاسير الموقوفة كما هو الأغلب من عادته واقتصر على الباب الذي فيه الحديث المرفوع، وقد تكلف بعضهم وجه المناسبة - وهو الكرماني - فقال وجه المناسبة بينهما أن بني إسرائيل كانوا مستضعفين جهالا ففضلهم الله على العالمين‏.‏

وسياق الآية يدل عليه - أي فيما يتعلق ببني إسرائيل - فكذلك الأنبياء كانوا أولا مستضعفين بحيث أنهم كانوا يرعون الغنم انتهى‏.‏

والذي قاله الأئمة أن الحكمة في رعاية الأنبياء للغنم ليأخذوا أنفسهم بالتواضع، وتعتاد قلوبهم بالخلوة، ويترقوا من سياستها إلى سياسة الأمم، وقد تقدم إيضاح هذا في أوائل الإجارة، ولم يذكر المصنف من الآيات بالعبارة والإشارة إلا قوله‏:‏ ‏(‏متبر ما هم فيه‏)‏ ولا شك أن قوله‏:‏ ‏(‏وهو فضلكم على العالمين‏)‏ إنما ذكر بعد هذا فكيف يحمل على أنه أشار إليه دون ما قبله فالمعتمد ما ذكرته‏.‏

ونقل الكرماني عن الخطابي قال‏:‏ أراد أن الله لم يضع النبوة في أبناء الدنيا والمترفين منهم، وإنما جعلها في أهل التواضع كرعاة الشاء وأصحاب الحرف‏.‏

قلت‏:‏ وهذه أيضا مناسبة للمتن لا لخصوص الترجمة، وقد نقل القطب الحلبي هذا عن الخطابي ثم قال‏:‏ وينظر في وجه مناسبة هذا الحديث للترجمة‏.‏

*3*باب وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً‏.‏‏.‏‏.‏ الْآيَةَ

قَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ الْعَوَانُ النَّصَفُ بَيْنَ الْبِكْرِ وَالْهَرِمَةِ فَاقِعٌ صَافٍ لَا ذَلُولٌ لَمْ يُذِلَّهَا الْعَمَلُ تُثِيرُ الْأَرْضَ لَيْسَتْ بِذَلُولٍ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلَا تَعْمَلُ فِي الْحَرْثِ مُسَلَّمَةٌ مِنْ الْعُيُوبِ لَا شِيَةَ بَيَاضٌ صَفْرَاءُ إِنْ شِئْتَ سَوْدَاءُ وَيُقَالُ صَفْرَاءُ كَقَوْلِهِ جِمَالَاتٌ صُفْرٌ فَادَّارَأْتُمْ اخْتَلَفْتُمْ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب وإذ قال موسى لقومه إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة الآية‏)‏ لم يذكر فيه سوى شيء من التفسير عن أبي العالية، وقصة البقرة أوردها آدم بن أبي إياس في تفسيره قال‏:‏ حدثنا أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أبي العالية في قوله تعالى‏:‏ ‏(‏إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة‏)‏ قال‏:‏ كان رجل من بني إسرائيل غنيا ولم يكن له ولد وكان له قريب وارث فقتله ليرثه ثم ألقاه على مجمع الطريق، وأتى موسى فقال إن قريبي قتل وأتى إلي أمر عظيم، وإني لا أجد أحدا يبين لي قاتله غيرك يا نبي الله، فنادى موسى في الناس‏:‏ من كان عنده علم من هذا فليبينه، فلم يكن عندهم علم، فأوحى الله إليه‏:‏ قل لهم فليذبحوا بقرة، فعجبوا وقالوا‏:‏ كيف نطلب معرفة من قتل هذا القتيل فنؤمر بذبح بقرة‏؟‏ وكان ما قصه الله تعالى قال‏:‏ ‏(‏إنه يقول إنها بقرة لا فارض ولا بكر‏)‏ يعني لا هرمة ولا صغيرة ‏(‏عوان بين ذلك‏)‏ أي نصف بين البكر والهرمة ‏(‏قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما لونها، قال إنه يقول إنها بقرة صفراء فاقع لونها‏)‏ أي صاف ‏(‏تسر الناظرين‏)‏ أي تعجبهم ‏(‏قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي‏)‏ الآية ‏(‏قال إنه يقول إنها بقرة لا ذلول - أي لم يذلها العمل - تثير الأرض‏)‏ يعني ليست بذلول فتثير الأرض ‏(‏ولا تسقي الحرث‏)‏ يقول‏:‏ ولا تعمل في الحرث ‏(‏مسلمة‏)‏ أي من العيوب، ‏(‏لا شية فيها - أي لا بياض - قالوا الآن جئت بالحق‏)‏ قال ولو أن القوم حين أمروا بذبح بقرة استرضوا أي بقرة كانت لأجزأت عنهم، ولكنهم شددوا فشدد عليهم، ولولا أنهم استثنوا فقالوا ‏(‏وإنا إن شاء الله لمهتدون‏)‏ لما اهتدوا إليها أبدا‏.‏

فبلغنا أنهم لم يجدوها إلا عند عجوز، فأغلت عليهم في الثمن، فقال لهم موسى‏:‏ أنتم شددتم على أنفسكم فأعطوها ما سألت، فذبحوها، فأخذوا عظما منها فضربوا به القتيل فعاش، فسمى لهم قاتله، ثم مات مكانه فأخذ قاتله، وهو قريبه الذي كان يريد أن يرثه فقتله الله على أسوأ عمله‏.‏

وأخرج ابن جرير هذه القصة مطولة من طريق العوفي عن ابن عباس، ومن طريق السدي كذلك‏.‏

وأخرجها هو وابن أبي حاتم وعبد بن حميد بإسناد صحيح عن محمد بن سيرين عن عبيدة بن عمرو السلماني أحد كبار التابعين‏.‏

وأما قوله ‏"‏ صفراء إن شئت سوداء ويقال صفراء كقوله جمالات صفر ‏"‏ فهو قول أبي عبيدة، قال في قوله تعالى‏:‏ ‏(‏صفراء فاقع لونها‏)‏ ‏:‏ إن شئت صفراء وإن شئت سوداء كقوله جمالات سفر أي سود، والمعنى أن الصفرة يمكن حملها على معناها المشهور وعلى معنى السواد كما في قوله‏:‏ ‏(‏جمالات صفر‏)‏ فإنها فسرت بأنها صفر تضرب إلى سواد‏.‏

وقد روي عن الحسن أنه أخذ أنها سوداء من قوله‏:‏ ‏(‏فاقع لونها‏)‏ ‏.‏

وقوله‏:‏ ‏(‏فادارأتم‏)‏ اختلفتم هو قول أبي عبيدة أيضا‏:‏ وهو من التدارؤ وهو التدافع‏.‏

*3*باب وَفَاةِ مُوسَى وَذِكْرِهِ بَعْدُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفاة موسى وذكره بعد‏)‏ كذا لأبي ذر بإسقاط ‏"‏ باب ‏"‏ ولغيره بإثباته‏.‏

وقوله‏:‏ ‏(‏وذكره بعد‏)‏ بضم دال بعد على البناء‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُوسَى حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ أُرْسِلَ مَلَكُ الْمَوْتِ إِلَى مُوسَى عَلَيْهِمَا السَّلَام فَلَمَّا جَاءَهُ صَكَّهُ فَرَجَعَ إِلَى رَبِّهِ فَقَالَ أَرْسَلْتَنِي إِلَى عَبْدٍ لَا يُرِيدُ الْمَوْتَ قَالَ ارْجِعْ إِلَيْهِ فَقُلْ لَهُ يَضَعُ يَدَهُ عَلَى مَتْنِ ثَوْرٍ فَلَهُ بِمَا غَطَّتْ يَدُهُ بِكُلِّ شَعَرَةٍ سَنَةٌ قَالَ أَيْ رَبِّ ثُمَّ مَاذَا قَالَ ثُمَّ الْمَوْتُ قَالَ فَالْآنَ قَالَ فَسَأَلَ اللَّهَ أَنْ يُدْنِيَهُ مِنْ الْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ رَمْيَةً بِحَجَرٍ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوْ كُنْتُ ثَمَّ لَأَرَيْتُكُمْ قَبْرَهُ إِلَى جَانِبِ الطَّرِيقِ تَحْتَ الْكَثِيبِ الْأَحْمَرِ قَالَ وَأَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ هَمَّامٍ حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْوَهُ

الشرح‏:‏

حديث أبي هريرة في قصة موسى مع ملك الموت‏.‏

أورده موقوفا من طريق طاوس عنه، ثم عقبه برواية همام عنه مرفوعا وهذا هو المشهور عن عبد الرزاق، وقد رفع محمد بن يحيى عنه رواية طاوس أيضا أخرجه الإسماعيلي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أرسل ملك الموت إلى موسى عليهما السلام فلما جاءه صكه‏)‏ أي ضربه على عينه‏.‏

وفي رواية همام عن أبي هريرة عند أحمد ومسلم ‏"‏ جاء ملك الموت إلى موسى فقال‏:‏ أجب ربك، فلطم موسى عين ملك الموت ففقأها ‏"‏ وفي رواية عمار بن أبي عمار عن أبي هريرة عند أحمد والطبري ‏"‏ كان ملك الموت يأتي الناس عيانا، فأتى موسى فلطمه ففقأ عينه‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لا يريد الموت‏)‏ زاد همام ‏"‏ وقد فقأ عيني، فرد الله عليه عينه ‏"‏ وفي رواية عمار ‏"‏ فقال يا رب عبدك موسى فقأ عيني، ولولا كرامته عليك لشققت عليه‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقل له يضع يده‏)‏ في رواية أبي يونس ‏"‏ فقل له الحياة تريد‏؟‏ فإن كنت تريد الحياة فضع يدك‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏على متن‏)‏ بفتح الميم وسكون المثناة هو الظهر، وقيل‏:‏ مكتنف الصلب بين العصب واللحم‏.‏

وفي رواية عمار على جلد ثور‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فله بما غطى يده‏)‏ في رواية الكشميهني بما غطت يده‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ثم الموت‏)‏ في رواية أبي يونس ‏"‏ قال فالآن يا رب من قريب ‏"‏ وفي رواية عمار ‏"‏ فأتاه فقال له ما بعد هذا‏؟‏ قال‏:‏ الموت قال‏:‏ فالآن ‏"‏ والآن ظرف زمان غير متمكن، وهو اسم لزمان الحال الفاصل بين الماضي والمستقبل‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فسأل الله أن يدنيه من الأرض المقدسة رمية بحجر‏)‏ قد تقدم شرح ذلك وبيانه في الجنائز‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فلو كنت ثم‏)‏ بفتح المثلثة أي هناك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏من جانب الطريق‏)‏ في رواية المستملي والكشميهني ‏"‏ إلى جانب الطريق ‏"‏ وهي رواية همام‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏تحت الكثيب الأحمر‏)‏ في روايتهما ‏"‏ عند الكثيب الأحمر ‏"‏ وهي رواية همام أيضا، والكثيب بالمثلثة وآخره موحدة وزن عظيم‏:‏ الرمل المجتمع، وزعم ابن حبان أن قبر موسى بمدين بين المدينة وبيت المقدس، وتعقبه الضياء بأن أرض مدين ليست قريبة من المدينة ولا من بيت المقدس، قال وقد اشتهر عن قبر بأريحاء عنده كثيب أحمر أنه قبر موسى، وأريحاء من الأرض المقدسة، وزاد عمار في روايته ‏"‏ فشمه شمة فقبض روحه، وكان يأتي الناس خفية ‏"‏ يعني بعد ذلك، ويقال إنه أتاه بتفاحة من الجنة فشمها فمات‏.‏

وذكر السدي في تفسيره أن موسى لما دنت وفاته مشي هو وفتاه يوشع بن نون فجاءت ريح سوداء، فظن يوشع أنها الساعة فالتزم موسى، فانسل موسى من تحت القميص، فأقبل يوشع بالقميص‏.‏

وعن وهب بن منبه أن الملائكة تولوا دفنه والصلاة عليه، وأنه عاش مائة وعشرين سنة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال وأخبرنا معمر عن همام إلخ‏)‏ هو موصول بالإسناد المذكور، ووهم من قال إنه معلق، فقد أخرجه أحمد عن عبد الرزاق عن معمر، ومسلم عن محمد بن رافع عن عبد الرزاق كذلك، وقوله في آخره‏:‏ ‏"‏ نحوه ‏"‏ أي أن رواية معمر عن همام بمعنى روايته عن ابن طاوس لا بلفظه، وقد بينت ذلك فيما مضى، قال ابن خزيمة‏:‏ أنكر بعض المبتدعة هذا الحديث وقالوا إن كان موسى عرفه فقد استخف به، وإن كان لم يعرفه فكيف لم يقتص له من فقء عينه‏؟‏ والجواب أن الله لم يبعث ملك الموت لموسى وهو يريد قبض روحه حينئذ، وإنما بعثه إليه اختبارا وإنما لطم موسى ملك الموت لأنه رأى آدميا دخل داره بغير إذنه ولم يعلم أنه ملك الموت، وقد أباح الشارع فقء عين الناظر في دار المسلم بغير إذن، وقد جاءت الملائكة إلى إبراهيم وإلى لوط في صورة آدميين فلم يعرفاهم ابتداء، ولو عرفهم إبراهيم لما قدم لهم المأكول، ولو عرفهم لوط لما خاف عليهم من قومه‏.‏

وعلى تقدير أن يكون عرفه فمن أين لهذا المبتدع مشروعية القصاص بين الملائكة والبشر‏؟‏ ثم من أين له أن ملك الموت طلب القصاص من موسى فلم يقتص له‏؟‏ ولخص الخطابي كلام ابن خزيمة وزاد فيه أن موسى دفعه عن نفسه لما ركب فيه من الحدة، وأن الله رد عين ملك الموت ليعلم موسى أنه جاءه من عند الله فلهذا استسلم حينئذ‏.‏

وقال النووي لا يمتنع أن يأذن الله لموسى في هذه اللطمة امتحانا للملطوم‏.‏

وقال غيره إنما لطمه لأنه جاء لقبض روحه من قبل أن يخيره، لما ثبت أنه لم يقبض نبي حتى يخير، فلهذا لما خيره في المرة الثانية أذعن، قيل‏:‏ وهذا أولي الأقوال بالصواب، وفيه نظر لأنه يعود أصل السؤال فيقال‏:‏ لم أقدم ملك الموت على قبض نبي الله وأخل بالشرط‏؟‏ فيعود الجواب أن ذلك وقع امتحانا‏.‏

وزعم بعضهم أن معنى قوله‏:‏ ‏"‏ فقأ عينه ‏"‏ أي أبطل حجته، وهو مردود بقوله في نفس الحديث ‏"‏ فرد الله عينه ‏"‏ وبقوله‏:‏ ‏"‏ لطمه وصكه ‏"‏ وغير ذلك من قرائن السياق‏.‏

وقال ابن قتيبة‏:‏ إنما فقأ موسى العين التي هي تخييل وتمثيل وليست عينا حقيقة، ومعنى رد الله عينه أي أعاده إلى خلقته الحقيقية، وقيل على ظاهره، ورد الله إلى ملك الموت عينه البشرية ليرجع إلى موسى على كمال الصورة فيكون ذلك أقوى في اعتباره، وهذا هو المعتمد‏.‏

وجوز ابن عقيل أن يكون موسى أذن له أن يفعل ذلك بملك الموت وأمر ملك الموت بالصبر على ذلك كما أمر موسى بالصبر على ما يصنع الخضر‏.‏

وفيه أن الملك يتمثل بصورة الإنسان، وقد جاء ذلك في عدة أحاديث‏.‏

وفيه فضل الدفن في الأرض المقدسة، وقد تقدم شرح ذلك في الجنائز‏.‏

واستدل بقوله‏:‏ ‏"‏ فلك بكل شعرة سنة ‏"‏ على أن الذي بقي من الدنيا كثير جدا لأن عدد الشعر الذي تواريه اليد قدر المدة التي بين موسى وبعثة نبينا صلى الله عليه وسلم مرتين وأكثر‏.‏

واستدل له على جواز الزيادة في العمر وقد قال به قوم في قوله تعالى‏:‏ ‏(‏وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره إلا في كتاب‏)‏ أنه زيادة ونقص في الحقيقة‏.‏

وقال الجمهور‏:‏ والضمير في قوله‏:‏ ‏(‏من عمره‏)‏ للجنس لا للعين، أي ولا ينقص من عمر آخر، وهذا كقولهم عندي ثوب ونصفه أي ونصف ثوب آخر‏.‏

وقيل المراد بقوله ولا ينقص من عمره أي وما يذهب من عمره، فالجميع معلوم عند الله تعالى‏.‏

والجواب عن قصة موسى أن أجله قد كان قرب حضوره ولم يبق منه إلا مقدار ما دار بينه وبين ملك الموت من المراجعتين، فأمر بقبض روحه أولا مع سبق علم الله أن ذلك لا يقع إلا بعد المراجعة وإن لم يطلع ملك الموت على ذلك أولا‏.‏

والله أعلم‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ اسْتَبَّ رَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَرَجُلٌ مِنْ الْيَهُودِ فَقَالَ الْمُسْلِمُ وَالَّذِي اصْطَفَى مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْعَالَمِينَ فِي قَسَمٍ يُقْسِمُ بِهِ فَقَالَ الْيَهُودِيُّ وَالَّذِي اصْطَفَى مُوسَى عَلَى الْعَالَمِينَ فَرَفَعَ الْمُسْلِمُ عِنْدَ ذَلِكَ يَدَهُ فَلَطَمَ الْيَهُودِيَّ فَذَهَبَ الْيَهُودِيُّ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ الَّذِي كَانَ مِنْ أَمْرِهِ وَأَمْرِ الْمُسْلِمِ فَقَالَ لَا تُخَيِّرُونِي عَلَى مُوسَى فَإِنَّ النَّاسَ يَصْعَقُونَ فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ يُفِيقُ فَإِذَا مُوسَى بَاطِشٌ بِجَانِبِ الْعَرْشِ فَلَا أَدْرِي أَكَانَ فِيمَنْ صَعِقَ فَأَفَاقَ قَبْلِي أَوْ كَانَ مِمَّنْ اسْتَثْنَى اللَّهُ

الشرح‏:‏

حديث أبي هريرة أيضا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن وسعيد بن المسيب‏)‏ كذا قال شعيب عن الزهري‏.‏

وتابعه محمد بن أبي عتيق عن ابن شهاب كما سيأتي في التوحيد‏.‏

وقال إبراهيم بن سعد عن الزهري على الوجهين‏.‏

وقد جمع المصنف بين الروايتين في التوحيد إشارة إلى ثبوت ذلك عنه على الوجهين، وله أصل من حديث الأعرج من رواية عبد الله بن الفضل عنه وسيأتي بعد ثلاثة أبواب، ومن طريق أبي الزناد عنه كما سيأتي في الرقاق، ومن طريق أبي سلمة عن أبي هريرة أخرجه الترمذي وابن ماجه من طريق محمد بن عمرو عنه، ورواه - مع أبي هريرة - أبو سعيد وقد تقدم في الإشخاص بتمامه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏استب رجل من المسلمين ورجل من اليهود‏)‏ وقع في رواية عبد الله بن الفضل سبب ذلك، وأول حديثه ‏"‏ بينما يهودي يعرض سلعة أعطي بها شيئا كرهه فقال‏:‏ لا والذي اصطفى موسى على البشر ‏"‏ ولم أقف على اسم هذا اليهودي في هذه القصة، وزعم ابن بشكوال أنه فنحاص بكسر الفاء وسكون النون ومهملتين وعزاه لابن إسحاق، والذي ذكره ابن إسحاق لفنحاص مع أبي بكر الصديق في لطمه إياه قصة أخرى في نزول قوله تعالى‏:‏ ‏(‏لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء‏)‏ الآية‏.‏

وأما كون اللاطم في هذه القصة هو الصديق فهو مصرح به فيما أخرجه سفيان بن عيينة في جامعه وابن أبي الدنيا في ‏"‏ كتاب البعث ‏"‏ من طريقه عن عمرو بن دينار عن عطاء، وابن جدعان عن سعيد بن المسيب قال‏:‏ ‏"‏ كان بين رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وبين رجل من اليهود كلام في شيء ‏"‏ فقال عمرو بن دينار‏:‏ هو أبو بكر الصديق ‏"‏ فقال اليهودي والذي اصطفي موسى على البشر فلطمه المسلم ‏"‏ الحديث‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فرفع المسلم يده عند ذلك فلطم اليهودي‏)‏ أي عند سماعه قول اليهودي‏:‏ ‏"‏ والذي اصطفى موسى على العالمين ‏"‏ وإنما صنع ذلك لما فهمه من عموم لفظ العالمين فدخل فيه محمد صلى الله عليه وسلم، وقد تقرر عند المسلم أن محمدا أفضل، وقد جاء ذلك مبينا في حديث أبي سعيد أن الضارب قال لليهودي حين قال ذلك ‏"‏ أي خبيث على محمد ‏"‏ فدل على أنه لطم اليهودي عقوبة له على كذبه عنده‏.‏

ووقع في رواية إبراهيم بن سعد ‏"‏ فلطم وجه اليهودي ‏"‏ ووقع عند أحمد من هذا الوجه ‏"‏ فلطم على اليهودي ‏"‏ وفي رواية عبد الله بن الفضل ‏"‏ فسمعه رجل من الأنصار فلطم وجهه وقال‏:‏ أتقول هذا ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا ‏"‏ وكذا وقع في حديث أبي سعيد أن الذي ضربه رجل من الأنصار، وهذا يعكر على قول عمرو بن دينار أنه أبو بكر الصديق، إلا إن كان المراد بالأنصار المعنى الأعم فإن أبا بكر الصديق رضي الله عنه من أنصار رسول الله صلى الله عليه وسلم قطعا، بل هو رأس من نصره ومقدمهم وسابقهم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فأخبره الذي كان من أمر المسلم‏)‏ زاد في رواية إبراهيم بن سعد ‏"‏ فدعا النبي صلى الله عليه وسلم المسلم فسأله عن ذلك فأخبره ‏"‏ وفي رواية ابن الفضل ‏"‏ فقال - أي اليهودي - يا أبا القاسم إن لي ذمة وعهدا فما بال فلان لطم وجهي‏؟‏ فقال‏:‏ لم لطمت وجهه‏؟‏ - فذكره - فغضب النبي صلى الله عليه وسلم حتى رؤي في وجهه ‏"‏ وفي حديث أبي سعيد ‏"‏ فقال‏:‏ ادعوه لي، فجاء فقال‏:‏ أضربته‏؟‏ قال‏:‏ سمعته بالسوق يحلف ‏"‏ فذكر القصة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لا تخيروني على موسى‏)‏ في رواية ابن الفضل ‏"‏ فقال لا تفضلوا بين أنبياء الله ‏"‏ وفي حديث أبي سعيد‏.‏

لا تخيروا بين الأنبياء‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فإن الناس يصعقون فأكون أول من يفيق‏)‏ في رواية إبراهيم بن سعد ‏"‏ فإن الناس يصعقون يوم القيامة فأصعق معهم، فأكون أول من يفيق ‏"‏ لم يبين في رواية الزهري من الطريقين محل الإفاقة من أي الصعقتين ووقع في رواية عبد الله بن الفضل ‏"‏ فإنه ينفخ في الصور فيصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله، ثم ينفخ فيه أخرى فأكون أول من بعث ‏"‏ وفي رواية الكشميهني أول من يبعث ‏"‏ والمراد بالصعق غشي يلحق من سمع صوتا أو رأى شيئا يفزع منه‏.‏

وهذه الرواية ظاهرة في أن الإفاقة بعد النفخة الثانية، وأصرح من ذلك رواية الشعبي عن أبي هريرة في تفسير الزمر بلفظ ‏"‏ إني أول من يرفع رأسه بعد النفخة الأخيرة ‏"‏ وأما ما وقع في حديث أبي سعيد ‏"‏ فإن الناس يصعقون يوم القيامة فأكون أول من تنشق عنه الأرض ‏"‏ كذا وقع بهذا اللفظ في كتاب الإشخاص، ووقع في غيرها ‏"‏ فأكون أول من يفيق ‏"‏ وقد استشكل، وجزم المزي فيما نقله عنه ابن القيم في ‏"‏ كتاب الروح ‏"‏ أن هذا اللفظ وهم من راويه وأن الصواب ما وقع في رواية غيره ‏"‏ فأكون أول من يفيق ‏"‏ وأن كونه صلى الله عليه وسلم أول من تنشق عنه الأرض صحيح، لكنه في حديث آخر ليس فيه قصة موسى انتهى‏.‏

ويمكن الجمع بأن النفخة الأولي يعقبها الصعق من جميع الخلق أحيائهم وأمواتهم، وهو الفزع كما وقع في سورة النمل ‏(‏ففزع من في السماوات ومن في الأرض‏)‏ ثم يعقب ذلك الفزع للموتى زيادة فيما هم فيه وللأحياء موتا، ثم ينفخ الثانية للبعث فيفيقون أجمعين، فمن كان مقبورا انشقت عنه الأرض فخرج من قبره، ومن ليس بمقبور لا يحتاج إلى ذلك‏.‏

وقد ثبت أن موسى ممن قبر في الحياة الدنيا، ففي صحيح مسلم عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏ مررت على موسى ليلة أسري بي عند الكثيب الأحمر وهو قائم يصلي في قبره ‏"‏ أخرجه عقب حديث أبي هريرة وأبي سعيد المذكورين ولعله أشار بذلك إلى ما قررته‏.‏

وقد استشكل كون جميع الخلق يصعقون مع أن الموتى لا إحساس لهم، فقيل المراد أن الذين يصعقون هم الأحياء، وأما الموتى فهم في الاستثناء في قوله تعالى‏:‏ ‏(‏إلا من شاء الله‏)‏ أي إلا من سبق له الموت قبل ذلك فإنه لا يصعق، وإلي هذا جنح القرطبي‏.‏

ولا يعارضه ما ورد في هذا الحديث أن موسى ممن استثنى الله لأن الأنبياء أحياء عند الله وإن كانوا في صورة الأموات بالنسبة إلى أهل الدنيا، وقد ثبت ذلك للشهداء‏.‏

ولا شك أن الأنبياء أرفع رتبة من الشهداء وورد التصريح بأن الشهداء ممن استثنى الله أخرجه إسحاق بن راهويه وأبو يعلى من طريق زيد بن أسلم عن أبيه عن أبي هريرة‏.‏

وقال عياض‏:‏ يحتمل أن يكون المراد صعقة فزع بعد البعث حين تنشق السماء والأرض، وتعقبه القرطبي بأنه صرح صلى الله عليه وسلم بأنه حين يخرج من قبره يلقى موسى وهو متعلق بالعرش، وهذا إنما هو عند نفخة البعث انتهى‏.‏

ويرده قوله صريحا كما تقدم‏:‏ ‏"‏ إن الناس يصعقون فأصعق معهم ‏"‏ إلى آخر ما تقدم، قال‏:‏ ويؤيده أنه عبر بقوله‏:‏ ‏"‏ أفاق ‏"‏ لأنه إنما يقال أفاق من الغشي وبعث من الموت، وكذا عبر عن صعقة الطور بالإفاقة لأنها لم تكن موتا بلا شك، وإذا تقرر ذلك كله ظهر صحة الحمل على أنها غشية تحصل للناس في الموقف‏.‏

هذا حاصل كلامه وتعقبه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فأكون أول من يفيق‏)‏ لم تختلف الروايات في الصحيحين في إطلاق الأولية، ووقع في رواية إبراهيم بن سعد عند أحمد والنسائي ‏"‏ فأكون في أول من يفيق ‏"‏ أخرجه أحمد عن أبي كامل، والنسائي من طريق يونس بن محمد كلاهما عن إبراهيم، فعرف أن إطلاق الأولية في غيرها محمول عليها، وسببه التردد في موسى عليه السلام كما سيأتي، وعلى هذا يحمل سائر ما ورد في هذا الباب، كحديث أنس عند مسلم رفعه ‏"‏ أنا أول من تنشق عنه الأرض ‏"‏ وحديث عبد الله بن سلام عند الطبراني‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فإذا موسى باطش بجانب العرش‏)‏ أي آخذ بشيء من العرش بقوة، والبطش الأخذ بقوة‏.‏

وفي رواية ابن الفضل ‏"‏ فإذا موسى آخذ بالعرش ‏"‏ وفي حديث أبي سعيد ‏"‏ آخذ بقائمة من قوائم العرش ‏"‏ وكذا في رواية محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فلا أدري أكان ممن صعق فأفاق قبلي أو كان ممن استثنى الله‏)‏ أي فلم يكن ممن صعق، أي فإن كان أفاق قبلي فهي فضيلة ظاهرة وإن كان ممن استثنى الله فلم يصعق فهي فضيلة أيضا‏.‏

ووقع في حديث أبي سعيد ‏"‏ فلا أدري كان فيمن صعق - أي فأفاق قبلي - أم حوسب بصعقته الأولى ‏"‏ أي التي صعقها لما سأل الرؤية، وبين ذلك ابن الفضل في روايته بلفظ ‏"‏ أحوسب بصعقته يوم الطور ‏"‏ والجمع بينه وبين قوله‏:‏ ‏"‏ أو كان ممن استثنى الله ‏"‏ أن في رواية ابن الفضل وحديث أبي سعيد بيان السبب في استثنائه، وهو أنه حوسب بصعقته يوم الطور فلم يكلف بصعقة أخرى‏.‏

والمراد بقوله‏:‏ ‏"‏ ممن استثنى الله ‏"‏ قوله‏:‏ ‏(‏إلا من شاء الله‏)‏ وأغرب الداودي الشارح فقال‏:‏ معنى قوله‏:‏ ‏"‏ استثنى الله ‏"‏ أي جعله ثانيا، كذا قال، وهو غلط شنيع‏.‏

وقد وقع في مرسل الحسن في ‏"‏ كتاب البعث لابن أبي الدنيا ‏"‏ في هذا الحديث ‏"‏ فلا أدري أكان ممن استثنى الله أن لا تصيبه النفخة أو بعث قبلي ‏"‏ وزعم ابن القيم في ‏"‏ كتاب الروح ‏"‏ أن هذه الرواية وهو قوله‏:‏ ‏"‏ أكان ممن استثنى الله ‏"‏ وهم من بعض الرواة، والمحفوظ ‏"‏ أو جوزي بصعقة الطور ‏"‏ قال‏:‏ لأن الذين استثنى الله قد ماتوا من صعقة النفخة لا من الصعقة الأخرى، فظن بعض الرواة أن هذه صعقة النفخة وأن موسى داخل فيمن استثنى الله، قال‏:‏ وهذا لا يلتئم على سياق الحديث، فإن الإقامة حينئذ هي إفاقة البعث فلا يحسن التردد فيها، وأما الصعقة العامة فإنها تقع إذا جمعهم الله تعالى لفصل القضاء فيصعق الخلق حينئذ جميعا إلا من شاء الله، ووقع التردد في موسى عليه السلام‏.‏

قال‏:‏ ويدل على ذلك قوله‏:‏ ‏"‏ وأكون أول من يفيق ‏"‏ وهذا دال على أنه ممن صعق، وتردد في موسى هل صعق فأفاق قبله أم لم يصعق‏؟‏ قال‏:‏ ولو كان المراد الصعقة الأولى للزم أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم جزم بأنه مات، وتردد في موسى هل مات أم لا، والواقع أن موسى قد كان مات لما تقدم من الأدلة، فدل على أنها صعقة فزع لا صعقة موت، والله أعلم‏.‏

ووقع في رواية محمد بن عمرو عن أبي سلمة عند ابن مردويه ‏"‏ أنا أول من تنشق عنه الأرض يوم القيامة، فأنفض التراب عن رأسي، فآتي قائمة العرش فأجد موسى قائما عندها فلا أدري، أنفض التراب عن رأسه قبلي أو كان ممن استثنى الله ‏"‏ ويحتمل قوله في هذه الرواية ‏"‏ أنفض التراب قبلي ‏"‏ تجويز المعية في الخروج من القبر أو هي كناية عن الخروج من القبر، وعلى كل تقدير ففيه فضيلة لموسى كما تقدم‏.‏

‏(‏تكميل‏)‏ ‏:‏ زعم ابن حزم أن النفخات يوم القيامة أربع‏:‏ الأولى‏:‏ نفخة إماتة يموت فيها من بقي حيا في الأرض، والثانية نفخة إحياء يقوم بها كل ميت وينشرون من القبور ويجمعون للحساب، والثالثة نفخة فزع وصعق يفيقون منها كالمغشي عليه لا يموت منها أحد، والرابعة‏:‏ نفخة إفاقة من ذلك الغشي‏.‏

وهذا الذي ذكره من كون الثنتين أربعا ليس بواضح بل هما نفختان فقط، ووقع التغاير في كل واحدة منهما باعتبار من يستمعهما، فالأولى‏:‏ يموت بها كل من كان حيا ويغشى على من لم يمت ممن استثنى الله، والثانية‏:‏ يعيش بها من مات ويفيق بها من غشي عليه والله أعلم‏.‏

قال العلماء في نهيه صلى الله عليه وسلم عن التفضيل بين الأنبياء‏:‏ إنما نهى عن ذلك من يقوله برأيه لا من يقوله بدليل أو من يقوله بحيث يؤدي إلى تنقيص المفضول أو يؤدي إلى الخصومة والتنازع، أو المراد لا تفضلوا بجميع أنواع الفضائل بحيث لا يترك للمفضول فضيلة، فالإمام مثلا إذ قلنا إنه أفضل من المؤذن لا يستلزم نقص فضيلة المؤذن بالنسبة إلى الأذان، وقيل‏:‏ النهى عن التفضيل إنما هو في حق النبوة نفسها كقوله تعالى‏:‏ ‏(‏لا نفرق بين أحد من رسله‏)‏ ولم ينه عن تفضيل بعض الذوات على بعض لقوله‏:‏ ‏(‏تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض‏)‏ ‏.‏

وقال الحليمي الأخبار الواردة في النهي عن التخيير إنما هي في مجادلة أهل الكتاب وتفضيل بعض الأنبياء على بعض بالمخايرة، لأن المخايرة إذا وقعت بين أهل دينين لا يؤمن أن يخرج أحدهما إلى ازدراء بالآخر فيفضي إلى الكفر، فأما إذا كان التخيير مستندا إلى مقابلة الفضائل لتحصيل الرجحان فلا يدخل في النهي، وسيأتي مزيد لذلك في قصة يونس إن شاء الله تعالى‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ احْتَجَّ آدَمُ وَمُوسَى فَقَالَ لَهُ مُوسَى أَنْتَ آدَمُ الَّذِي أَخْرَجَتْكَ خَطِيئَتُكَ مِنْ الْجَنَّةِ فَقَالَ لَهُ آدَمُ أَنْتَ مُوسَى الَّذِي اصْطَفَاكَ اللَّهُ بِرِسَالَاتِهِ وَبِكَلَامِهِ ثُمَّ تَلُومُنِي عَلَى أَمْرٍ قُدِّرَ عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ أُخْلَقَ

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى مَرَّتَيْنِ

الشرح‏:‏

حديث أبي هريرة ‏"‏ احتج آدم وموسى ‏"‏ سيأتي شرحه في كتاب القدر، والغرض منه شهادة آدم لموسى أن الله اصطفاه‏.‏

‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏‏:‏ قوله‏:‏ ‏"‏ ثم تلومني ‏"‏ كذا للأكثر بالمثلثة والميم المشددة، ووقع للأصيلي والمستملي بالموحدة وتخفيف الميم‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا حُصَيْنُ بْنُ نُمَيْرٍ عَنْ حُصَيْنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ خَرَجَ عَلَيْنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا قَالَ عُرِضَتْ عَلَيَّ الْأُمَمُ وَرَأَيْتُ سَوَادًا كَثِيرًا سَدَّ الْأُفُقَ فَقِيلَ هَذَا مُوسَى فِي قَوْمِهِ

الشرح‏:‏

حديث ابن عباس في عرض الأمم، أورده مختصرا، وسيأتي بتمامه مع شرحه في الرقاق إن شاء الله تعالى، وفيه أن أمة موسى أكثر الأمم بعد أمة محمد صلى الله عليه وسلم‏.‏

*3*باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِلَى قَوْلِهِ وَكَانَتْ مِنْ الْقَانِتِينَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب قول الله تعالى‏:‏ وضرب الله مثلا للذين آمنوا امرأة فرعون - إلى قوله - وكانت من القانتين‏)‏ كذا للأكثر، وسقط من رواية أبي ذر ‏(‏للذين آمنوا امرأة فرعون‏)‏ والغرض من هذه الترجمة ذكر آسية وهي بنت مزاحم امرأة فرعون، قيل إنها من بني إسرائيل وإنها عمة موسى، وقيل إنها من العماليق، وقيل‏:‏ ابنة عم فرعون‏.‏

وأما مريم فسيأتي ذكرها مفردا بعد‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ مُرَّةَ الْهَمْدَانِيِّ عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَلَ مِنْ الرِّجَالِ كَثِيرٌ وَلَمْ يَكْمُلْ مِنْ النِّسَاءِ إِلَّا آسِيَةُ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ وَمَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ وَإِنَّ فَضْلَ عَائِشَةَ عَلَى النِّسَاءِ كَفَضْلِ الثَّرِيدِ عَلَى سَائِرِ الطَّعَامِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن عمرو بن مرة عن مرة الهمداني‏)‏ مرة والد عمرو غير مرة شيخه، وهو عمرو بن مرة بن عبيد الله بن طارق الجملي - بفتح الجيم والميم - المرادي، ثقة عابد من صغار التابعين‏.‏

وقد وقع في الأطعمة عمرو بن مرة الجملي، وأما شيخه مرة فهو ابن شراحيل، مخضرم ثقة عابد أيضا من كبار التابعين، يقال له مرة الطيب ومرة الخير‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏كمل‏)‏ بضم الميم وبفتحها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ولم يكمل من النساء إلا آسية امرأة فرعون ومريم بنت عمران‏)‏ استدل بهذا الحصر على أنهما نبيتان لأن أكمل النوع الإنساني الأنبياء ثم الأولياء والصديقون والشهداء، فلو كانتا غير نبيتين للزم ألا يكون في النساء ولية ولا صديقة ولا شهيدة، والواقع أن هده الصفات في كثير منهن موجودة فكأنه قال ولم ينبأ من النساء إلا فلانة وفلانة، ولو قال لم تثبت صفة الصديقية أو الولاية أو الشهادة إلا لفلانة وفلانة لم يصح لوجود ذلك في غيرهن، إلا أن يكون المراد في الحديث كمال غير الأنبياء فلا يتم الدليل على ذلك لأجل ذلك والله أعلم‏.‏

وعلى هذا فالمراد من تقدم زمانه صلى الله عليه وسلم، ولم يتعرض لأحد من نساء زمانه إلا لعائشة، وليس فيه تصريح بأفضلية عائشة رضي الله عنها على غيرها لأن فضل الثريد على غيره من الطعام إنما هو لما فيه من تيسير المؤنة وسهولة الإساغة، وكان أجل أطعمتهم يومئذ، وكل هذه الخصال لا تستلزم ثبوت الأفضلية له من كل جهة، فقد يكون مفضولا بالنسبة لغيره من جهات أخرى‏.‏

وقد ورد في هذا الحديث من الزيادة بعد قوله‏:‏ ومريم ابنة عمران ‏"‏ وخديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد ‏"‏ أخرجه الطبراني عن يوسف بن يعقوب القاضي عن عمرو بن مرزوق عن شعبة بالسند المذكور هنا، وأخرجه أبو نعيم في ‏"‏ الحلية ‏"‏ في ترجمة عمرو بن مرة أحد رواته عند الطبراني بهذا الإسناد، وأخرجه الثعلبي في تفسيره من طريق عمرو بن مرزوق به، وقد ورد من طريق صحيح ما يقتضي أفضلية خديجة وفاطمة على غيرهما وذلك فيما سيأتي في قصة مريم من حديث علي بلفظ ‏"‏ خير نسائها خديجة ‏"‏ وجاء في طريق أخرى ما يقتضي أفضلية خديجة وفاطمة وذلك فيما أخرجه ابن حبان وأحمد وأبو يعلى والطبراني وأبو داود في ‏"‏ كتاب الزهد ‏"‏ والحاكم كلهم من طريق موسى بن عقبة عن كريب عن ابن عباس رضي الله عنهما قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏ أفضل نساء أهل الجنة خديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد ومريم بنت عمران وآسية امرأة فرعون ‏"‏ وله شاهد من حديث أبي هريرة في ‏"‏ الأوسط للطبراني ‏"‏ ولأحمد في حديث أبي سعيد رفعه ‏"‏ فاطمة سيدة نساء أهل الجنة إلا ما كان من مريم بنت عمران ‏"‏ وإسناده حسن، وإن ثبت ففيه حجة لمن قال إن آسية امرأة فرعون ليست نبية، وسيأتي في مناقب فاطمة قوله صلى الله عليه وسلم لها إنها سيدة نساء أهل الجنة مع مزيد بسط لهذه المسألة هناك إن شاء الله تعالى، ويأتي في الأطعمة زيادة فيما يتعلق بالثريد، قال القرطبي‏:‏ الصحيح أن مريم نبية لأن الله تعالى أوحى إليها بواسطة الملك، وأما آسية فلم يرد ما يدل على نبوتها‏.‏

وقال الكرماني‏:‏ لا يلزم من لفظة الكمال ثبوت نبوتها لأنه يطلق لتمام الشيء وتناهيه في بابه، فالمراد بلوغها النهاية في جميع الفضائل التي للنساء‏.‏

قال‏:‏ وقد نقل الإجماع على عدم نبوة النساء، كذا قال، وقد نقل عن الأشعري أن من النساء من نبيء وهن ست‏:‏ حواء وسارة وأم موسى وهاجر وآسية ومريم، والضابط عنده أن من جاءه الملك عن الله بحكم من أمر أو نهى أو بإعلام مما سيأتي فهو نبي، وقد ثبت مجيء الملك لهؤلاء بأمور شتى من ذلك من عند الله عز وجل، ووقع التصريح بالإيحاء لبعضهن في القرآن‏.‏

وذكر ابن حزم في ‏"‏ الملل والنحل ‏"‏ أن هذه المسألة لم يحدث التنازع فيها إلا في عصره بقرطبة، وحكى عنهم أقوالا ثالثها الوقف، قال‏:‏ وحجة المانعين قوله تعالى‏:‏ ‏(‏وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا‏)‏ قال‏:‏ وهذا لا حجة فيه فإن أحدا لم يدع فيهن الرسالة، وإنما الكلام في النبوة فقط‏.‏

قال‏:‏ وأصرح ما ورد في ذلك قصة مريم، وفي قصة أم موسى ما يدل على ثبوت ذلك لها من مبادرتها بإلقاء ولدها في البحر بمجرد الوحي إليها بذلك، قال‏:‏ وقد قال الله تعالى بعد أن ذكر مريم والأنبياء بعدها ‏(‏أولئك الذين أنعم الله عليهم من النبيين‏)‏ فدخلت في عمومه والله أعلم‏.‏

ومن فضائل آسية امرأة فرعون أنها اختارت القتل على الملك والعذاب في الدنيا على النعيم الذي كانت فيه، وكانت فراستها في موسى عليه السلام صادقة حين قالت‏:‏ ‏(‏قرة عين لي‏)