فصل: باب حَجَّةِ الْوَدَاعِ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فتح الباري شرح صحيح البخاري **


*3*باب حَجَّةِ الْوَدَاعِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب حجة الوداع‏)‏ بكسر الحاء المهملة وبفتحها، وبكسر الواو وبفتحها، ذكر جابر في حديثه الطويل في صفتها كما أخرجه مسلم وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم مكث تسع سنين - أي منذ قدم المدينة - لم يحج، ثم أذن في الناس في العاشرة أن النبي صلى الله عليه وسلم حاج، فقدم المدينة بشر كثير كلهم يلتمس أن يأتم برسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏ الحديث‏.‏

ووقع في حديث أبي سعيد الخدري ما يوهم أنه صلى الله عليه وسلم حج قبل أن يهاجر غير حجة الوداع ولفظه وعند الترمذي من حديث جابر ‏"‏ حج قبل أن يهاجر ثلاث حجج ‏"‏ وعن ابن عباس مثله أخرجه ابن ماجه والحاكم، قلت‏:‏ وهو مبني على عدد وفود الأنصار إلى العقبة بمنى بعد الحج، فإنهم قدموا أولا فتواعدوا، ثم قدموا ثانيا فبايعوا البيعة الأولى، ثم قدموا ثالثا فبايعوا البينة الثانية كما تقدم بيانه أول الهجرة، وهذا لا يقتضي نفي الحج قبل ذلك‏.‏

وقد أخرج الحاكم بسند صحيح إلى الثوري ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم حج قبل أن يهاجر حججا ‏"‏ وقال ابن الجوزي‏:‏ حج حججا لا يعرف عددها‏.‏

وقال ابن الأثير في النهاية‏:‏ كان يحج كل سنة قبل أن يهاجر‏.‏

وفي حديث ابن عباس أن خروجه من المدينة كان لخمس بقين من ذي القعدة أخرجه المصنف في الحج، وأخرجه هو ومسلم من حديث عائشة مثله، وجزم ابن حزم بأن خروجه كان يوم الخميس، وفيه نظر لأن أول ذي الحجة كان يوم الخميس قطعا لما ثبت وتواتر أن وقوفه بعرفة كان يوم الجمعة، فتعين أن أول الشهر يوم الخميس فلا يصح أن يكون خروجه يوم الخميس، بل ظاهر الخبر أن يكون يوم الجمعة، لكن ثبت في الصحيحين عن أنس ‏"‏ صلينا الظهر مع النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة أربعا والعصر بذي الخليفة ركعتين ‏"‏ فدل على أن خروجهم لم يكن يوم الجمعة، فما بقي إلا أن يكون خروجهم يوم السبت، ويحمل قول من قال‏:‏ ‏"‏ لخمس بقين ‏"‏ أي إن كان الشهر ثلاثين فاتفق أن جاء تسعا وعشرين فيكون يوم الخميس أول ذي الحجة بعد مضي أربع ليال لا خمس، وبهذا تتفق الأخبار، هكذا جمع الحافظ عماد الدين بن كثير بين الروايات، وقوي هذا الجمع بقول جابر ‏"‏ إنه خرج لخمس بقين من ذي القعدة أو أربع ‏"‏ وكان دخوله صلى الله عليه وسلم مكة صبح رابعة كما ثبت في حديث عائشة، وذلك يوم الأحد، وهذا يؤيد أن خروجه من المدينة كان يوم السبت كما تقدم، فيكون مكانه في الطريق ثمان ليال، وهي المسافة الوسطى‏.‏

ثم ذكر المصنف في الباب سبعة عشر حديثا تقدم غالبها في كتاب الحج مشروحة، وسأبين ذلك مع مزيد فائدة‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَأَهْلَلْنَا بِعُمْرَةٍ ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ فَلْيُهْلِلْ بِالْحَجِّ مَعَ الْعُمْرَةِ ثُمَّ لَا يَحِلَّ حَتَّى يَحِلَّ مِنْهُمَا جَمِيعًا فَقَدِمْتُ مَعَهُ مَكَّةَ وَأَنَا حَائِضٌ وَلَمْ أَطُفْ بِالْبَيْتِ وَلَا بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فَشَكَوْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ انْقُضِي رَأْسَكِ وَامْتَشِطِي وَأَهِلِّي بِالْحَجِّ وَدَعِي الْعُمْرَةَ فَفَعَلْتُ فَلَمَّا قَضَيْنَا الْحَجَّ أَرْسَلَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ إِلَى التَّنْعِيمِ فَاعْتَمَرْتُ فَقَالَ هَذِهِ مَكَانَ عُمْرَتِكِ قَالَتْ فَطَافَ الَّذِينَ أَهَلُّوا بِالْعُمْرَةِ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ ثُمَّ حَلُّوا ثُمَّ طَافُوا طَوَافًا آخَرَ بَعْدَ أَنْ رَجَعُوا مِنْ مِنًى وَأَمَّا الَّذِينَ جَمَعُوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ فَإِنَّمَا طَافُوا طَوَافًا وَاحِدًا

الشرح‏:‏

حديث عائشة، وقد تقدم شرحه مستوفى في باب التمتع والقران من كتاب الحج‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ حَدَّثَنِي عَطَاءٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ إِذَا طَافَ بِالْبَيْتِ فَقَدْ حَلَّ فَقُلْتُ مِنْ أَيْنَ قَالَ هَذَا ابْنُ عَبَّاسٍ قَالَ مِنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ وَمِنْ أَمْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصْحَابَهُ أَنْ يَحِلُّوا فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ قُلْتُ إِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ بَعْدَ الْمُعَرَّفِ قَالَ كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَرَاهُ قَبْلُ وَبَعْدُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن ابن عباس إذا طاف بالبيت فقد حل فقلت‏:‏ من أين قال هذا ابن عباس‏)‏ القائل هو ابن جريج والمقول له عطاء، وذلك صريح في رواية مسلم، والمراد بالمعرف وهو بتشديد الراء الوقوف بعرفة وهو ظاهر في أن المراد بذلك من اعتمر مطلقا سواء كان قارنا أو متمتعا، وهو مذهب مشهور لابن عباس، وقد تقدم البحث فيه في أبواب الطواف في ‏"‏ باب من طاف بالبيت إذا قدم ‏"‏ من كتاب الحج‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنِي بَيَانٌ حَدَّثَنَا النَّضْرُ أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَيْسٍ قَالَ سَمِعْتُ طَارِقًا عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَدِمْتُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْبَطْحَاءِ فَقَالَ أَحَجَجْتَ قُلْتُ نَعَمْ قَالَ كَيْفَ أَهْلَلْتَ قُلْتُ لَبَّيْكَ بِإِهْلَالٍ كَإِهْلَالِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ طُفْ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ ثُمَّ حِلَّ فَطُفْتُ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَأَتَيْتُ امْرَأَةً مِنْ قَيْسٍ فَفَلَتْ رَأْسِي

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا بيان‏)‏ بفتح الموحدة وتخفيف التحتانية هو ابن عمرو البخاري، والنضر هو ابن شميل، وقيس هو ابن مسلم، وطارق هو ابن شهاب‏.‏

وقد تقدم شرح المتن في ‏"‏ باب من أهل في زمن النبي صلى الله عليه وسلم كإهلال النبي صلى الله عليه وسلم‏"‏‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ أَخْبَرَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ أَخْبَرَهُ أَنَّ حَفْصَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَتْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ أَزْوَاجَهُ أَنْ يَحْلِلْنَ عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَقَالَتْ حَفْصَةُ فَمَا يَمْنَعُكَ فَقَالَ لَبَّدْتُ رَأْسِي وَقَلَّدْتُ هَدْيِي فَلَسْتُ أَحِلُّ حَتَّى أَنْحَرَ هَدْيِي

الشرح‏:‏

حديث حفصة وقد تقدم شرحه في ‏"‏ باب التمتع والقران‏"‏‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ حَدَّثَنِي شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا الْأَوْزَاعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنِي ابْنُ شِهَابٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ امْرَأَةً مِنْ خَثْعَمَ اسْتَفْتَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَالْفَضْلُ بْنُ عَبَّاسٍ رَدِيفُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ فَرِيضَةَ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ أَدْرَكَتْ أَبِي شَيْخًا كَبِيرًا لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَسْتَوِيَ عَلَى الرَّاحِلَةِ فَهَلْ يَقْضِي أَنْ أَحُجَّ عَنْهُ قَالَ نَعَمْ

الشرح‏:‏

حديث ابن عباس ‏"‏ أن امرأة من خثعم استفتت رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع ‏"‏ الحديث في أمرها بالحج عن أبيها، وقد تقدم شرحه في كتاب الحج، وفيه الكلام على اسمها واسم أبيها‏.‏

وأورده هنا لتصريح الراوي بأن ذلك كان في حجة الوداع، وقوله في أول الإسناد‏:‏ وقال محمد بن يوسف هو الفريابي وهو من شيوخ البخاري، وكأنه لم يسمع هذا الحديث منه، وقد وصله أبو نعيم في ‏"‏ المستخرج ‏"‏ من طريقه، وساق المصنف الحديث هنا على لفظه، وأما لفظ شعيب فسيأتي في كتاب الاستئذان، وهو أتم سياقا من رواية الأوزاعي‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ حَدَّثَنَا سُرَيْجُ بْنُ النُّعْمَانِ حَدَّثَنَا فُلَيْحٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ أَقْبَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْفَتْحِ وَهُوَ مُرْدِفٌ أُسَامَةَ عَلَى الْقَصْوَاءِ وَمَعَهُ بِلَالٌ وَعُثْمَانُ بْنُ طَلْحَةَ حَتَّى أَنَاخَ عِنْدَ الْبَيْتِ ثُمَّ قَالَ لِعُثْمَانَ ائْتِنَا بِالْمِفْتَاحِ فَجَاءَهُ بِالْمِفْتَاحِ فَفَتَحَ لَهُ الْبَابَ فَدَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأُسَامَةُ وَبِلَالٌ وَعُثْمَانُ ثُمَّ أَغْلَقُوا عَلَيْهِمْ الْبَابَ فَمَكَثَ نَهَارًا طَوِيلًا ثُمَّ خَرَجَ وَابْتَدَرَ النَّاسُ الدُّخُولَ فَسَبَقْتُهُمْ فَوَجَدْتُ بِلَالًا قَائِمًا مِنْ وَرَاءِ الْبَابِ فَقُلْتُ لَهُ أَيْنَ صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ صَلَّى بَيْنَ ذَيْنِكَ الْعَمُودَيْنِ الْمُقَدَّمَيْنِ وَكَانَ الْبَيْتُ عَلَى سِتَّةِ أَعْمِدَةٍ سَطْرَيْنِ صَلَّى بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ مِنْ السَّطْرِ الْمُقَدَّمِ وَجَعَلَ بَابَ الْبَيْتِ خَلْفَ ظَهْرِهِ وَاسْتَقْبَلَ بِوَجْهِهِ الَّذِي يَسْتَقْبِلُكَ حِينَ تَلِجُ الْبَيْتَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِدَارِ قَالَ وَنَسِيتُ أَنْ أَسْأَلَهُ كَمْ صَلَّى وَعِنْدَ الْمَكَانِ الَّذِي صَلَّى فِيهِ مَرْمَرَةٌ حَمْرَاءُ

الشرح‏:‏

حديث ابن عمر في دخول النبي صلى الله عليه وسلم الكعبة، تقدم شرحه مستوفى في ‏"‏ باب إغلاق البيت ‏"‏ من أبواب الطواف في كتاب الحج، وقوله في أول الإسناد ‏"‏ حدثني محمد ‏"‏ هو ابن رافع كما تقدم في الحج، وتقدم هناك بيان الاختلاف فيه، وقوله ‏"‏سطرين ‏"‏ بالمهملة، ووقع في رواية الأصيلي بالمعجمة وخطأه عياض، وقوله‏:‏ ‏"‏ عند المكان الذي صلى فيه مرمرة ‏"‏ بسكون الراء والمهملتين والميمين المفتوحتين واحدة المرمر، وهو جنس من الرخام نفيس معروف، وكان ذلك في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، ثم غير بناء الكعبة بعده في زمن ابن الزبير كما تقدم بسطه في كتاب الحج‏.‏

وقد أشكل دخول هذا الحديث في ‏"‏ باب حجة الوداع ‏"‏ لأن فيه التصريح بأن القصة كانت عام الفتح، وعام الفتح كان سنة ثمان وحجة الوداع كانت سنة عشر، وفي أحاديث هذا الباب جميعها التصريح بحجة الوداع وبحجة النبي صلى الله عليه وسلم وهي حجة الوداع‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ حَدَّثَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَتْهُمَا أَنَّ صَفِيَّةَ بِنْتَ حُيَيٍّ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَاضَتْ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ

فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَابِسَتُنَا هِيَ فَقُلْتُ إِنَّهَا قَدْ أَفَاضَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَطَافَتْ بِالْبَيْتِ

فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلْتَنْفِرْ

الشرح‏:‏

حديث عائشة في قصة صفية، وقد تقدم شرحه في ‏"‏ باب إذا حاضت بعدما أفاضت ‏"‏ من كتاب الحج‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ أَخْبَرَنِي ابْنُ وَهْبٍ قَالَ حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ كُنَّا نَتَحَدَّثُ بِحَجَّةِ الْوَدَاعِ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَظْهُرِنَا وَلَا نَدْرِي مَا حَجَّةُ الْوَدَاعِ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ ذَكَرَ الْمَسِيحَ الدَّجَّالَ فَأَطْنَبَ فِي ذِكْرِهِ وَقَالَ مَا بَعَثَ اللَّهُ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا أَنْذَرَ أُمَّتَهُ أَنْذَرَهُ نُوحٌ وَالنَّبِيُّونَ مِنْ بَعْدِهِ وَإِنَّهُ يَخْرُجُ فِيكُمْ فَمَا خَفِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ شَأْنِهِ فَلَيْسَ يَخْفَى عَلَيْكُمْ أَنَّ رَبَّكُمْ لَيْسَ عَلَى مَا يَخْفَى عَلَيْكُمْ ثَلَاثًا إِنَّ رَبَّكُمْ لَيْسَ بِأَعْوَرَ وَإِنَّهُ أَعْوَرُ عَيْنِ الْيُمْنَى كَأَنَّ عَيْنَهُ عِنَبَةٌ طَافِيَةٌ أَلَا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَيْكُمْ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا أَلَا هَلْ بَلَّغْتُ قَالُوا نَعَمْ قَالَ اللَّهُمَّ اشْهَدْ ثَلَاثًا وَيْلَكُمْ أَوْ وَيْحَكُمْ انْظُرُوا لَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثني عمر بن محمد‏)‏ أي ابن زيد بن عبد الله بن عمر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏كنا نتحدث بحجة الوداع والنبي صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا‏)‏ في رواية أبي عاصم عن عمر بن محمد عند الإسماعيلي ‏"‏ كنا نسمع بحجة الوداع‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ولا ندري ما حجة الوداع‏)‏ كأنه شيء ذكره النبي صلى الله عليه وسلم فتحدثوا به وما فهموا أن المراد بالوداع وداع النبي صلى الله عليه وسلم، حتى وقعت وفاته صلى الله عليه وسلم بعدها بقليل فعرفوا المراد، وعرفوا أنه ودع الناس بالوصية التي أوصاهم بها أن لا يرجعوا بعده كفارا، وأكد التوديع بإشهاد الله عليهم بأنهم شهدوا أنه قد بلغ ما أرسل إليهم به، فعرفوا حينئذ المراد بقولهم حجة الوداع‏.‏

وقد وقع في الحج في ‏"‏ باب الخطبة بمنى ‏"‏ من رواية عاصم بن محمد بن زيد عن أبيه عن ابن عمر في هذا الحديث ‏"‏ فودع الناس ‏"‏ وقدمت هناك ما وقع عند البيهقي أن سورة ‏(‏إذا جاء نصر الله والفتح‏)‏ نزلت في وسط أيام التشريق، فعرف النبي صلى الله عليه وسلم أنه الوداع، فركب واجتمع الناس فذكر الخطبة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فحمد الله وأثنى عليه‏)‏ في رواية أبي نعيم في المستخرج ‏"‏ فحمد رسول الله صلى الله عليه وسلم الله وحده وأثنى عليه ‏"‏ الحديث، وذكر فيه قصة الدجال وفيه ‏"‏ ألا إن الله حرم عليكم دماءكم ‏"‏ وهذا يدل على أن هذه الخطبة كلها كانت في حجة الوداع وقد ذكر الخطبة في حجة الوداع جماعة من الصحابة لم يذكر أحد منهم قصة الدجال فيها إلا ابن عمر، بل اقتصر الجميع على حديث ‏"‏ إن أموالكم عليكم حرام ‏"‏ الحديث، وقد أورد المصنف منها حديث جرير وأبي بكرة هنا وحديث ابن عباس في الحج، وقد تقدم في الحج من رواية عاصم بن محمد بن زيد وهو أخو عمر بن محمد بن زيد عن أبيه عن ابن عمر بدونها، وزيادة عمر بن محمد صحيحة لأنه ثقة، وكأنه حفظ ما لم يحفظه غيره، وسيأتي شرح ما تضمنته هذه الزيادة في كتاب الفتن إن شاء الله تعالى‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ قَالَ حَدَّثَنِي زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَزَا تِسْعَ عَشْرَةَ غَزْوَةً وَأَنَّهُ حَجَّ بَعْدَ مَا هَاجَرَ حَجَّةً وَاحِدَةً لَمْ يَحُجَّ بَعْدَهَا حَجَّةَ الْوَدَاعِ قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ وَبِمَكَّةَ أُخْرَى

الشرح‏:‏

حديث زيد بن أرقم، تقدم شرحه في أول الهجرة، وقوله‏:‏ ‏"‏ وأنه حج بعدما هاجر حجة واحدة لم يحج بعدها حجة الوداع ‏"‏ يعني ولا حج قبلها إلا أن يريد نفي الحج الأصغر وهو العمرة فلا، فإنه اعتمر قبلها قطعا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال أبو إسحاق‏:‏ وبمكة أخرى‏)‏ هو موصول بالإسناد المذكور، وغرض أبي إسحاق أن لقوله‏:‏ ‏"‏ بعدما هاجر ‏"‏ مفهوما، وأنه قبل أن يهاجر كان قد حج لكن اقتصاره على قوله أخرى قد يوهم أنه لم يحج قبل الهجرة إلا واحدة وليس كذلك بل حج قبل أن يهاجر مرارا، بل الذي لا أرتاب فيه أنه لم يترك الحج وهو بمكة قط، لأن قريشا في الجاهلية لم يكونوا يتركون الحج، وإنما يتأخر منهم عنه من لم يكن بمكة أو عاقه ضعف، وإذا كانوا وهم على غير دين يحرصون على إقامة الحج ويرونه من مفاخرهم التي امتازوا بها على غيرهم من العرب فكيف يظن بالنبي صلى الله عليه وسلم أنه يتركه‏؟‏ وقد ثبت من حديث جبير بن مطعم أنه رآه في الجاهلية واقفا بعرفة، وأن ذلك من توفيق الله له، وثبت دعاؤه قبائل العرب إلى الإسلام بمنى ثلاث سنين متوالية كما بينته في الهجرة إلى المدينة‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُدْرِكٍ عَنْ أَبِي زُرْعَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ جَرِيرٍ عَنْ جَرِيرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ لِجَرِيرٍ اسْتَنْصِتْ النَّاسَ فَقَالَ لَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن علي بن مدرك‏)‏ بضم الميم وسكون الدال وكسر الراء وهو نخعي كوفي ثقة، ذكره ابن حبان في ثقات التابعين، وما له في البخاري سوى هذا الحديث، لكنه أورده في مواضع‏.‏

والله أعلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏استنصت الناس‏)‏ فيه دليل على وهم من زعم أن إسلام جرير كان قبل موت النبي صلى الله عليه وسلم بأربعين يوما، لأن حجة الوداع كانت قبل وفاته بأكثر من ثمانين يوما، وقد ذكر جرير أنه حج مع النبي صلى الله عليه وسلم حجة الوداع‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ ابْنِ أَبِي بَكْرَةَ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الزَّمَانُ قَدْ اسْتَدَارَ كَهَيْئَةِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ثَلَاثَةٌ مُتَوَالِيَاتٌ ذُو الْقَعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمُ وَرَجَبُ مُضَرَ الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ أَيُّ شَهْرٍ هَذَا قُلْنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ قَالَ أَلَيْسَ ذُو الْحِجَّةِ قُلْنَا بَلَى قَالَ فَأَيُّ بَلَدٍ هَذَا قُلْنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ قَالَ أَلَيْسَ الْبَلْدَةَ قُلْنَا بَلَى قَالَ فَأَيُّ يَوْمٍ هَذَا قُلْنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ قَالَ أَلَيْسَ يَوْمَ النَّحْرِ قُلْنَا بَلَى قَالَ فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ قَالَ مُحَمَّدٌ وَأَحْسِبُهُ قَالَ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا وَسَتَلْقَوْنَ رَبَّكُمْ فَسَيَسْأَلُكُمْ عَنْ أَعْمَالِكُمْ أَلَا فَلَا تَرْجِعُوا بَعْدِي ضُلَّالًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ أَلَا لِيُبَلِّغْ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ فَلَعَلَّ بَعْضَ مَنْ يُبَلَّغُهُ أَنْ يَكُونَ أَوْعَى لَهُ مِنْ بَعْضِ مَنْ سَمِعَهُ فَكَانَ مُحَمَّدٌ إِذَا ذَكَرَهُ يَقُولُ صَدَقَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ قَالَ أَلَا هَلْ بَلَّغْتُ مَرَّتَيْنِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏عبد الوهاب‏)‏ هو ابن عبد المجيد الثقفي، ومحمد هو ابن سيرين، وابن أبي بكرة هو عبد الرحمن، وقد تقدم شرح الحديث في العلم وفي الحج، وقوله في الآية‏:‏ ‏(‏منها أربعة حرم‏)‏ قيل الحكمة في جعل المحرم أول السنة أن يحصل الابتداء بشهر حرام ويختم بشهر حرام، وتتوسط السنة بشهر حرام وهو رجب، وإنما توالى شهران في الآخر لإرادة تفضيل الختام، والأعمال بالخواتيم‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ أَنَّ أُنَاسًا مِنْ الْيَهُودِ قَالُوا لَوْ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِينَا لَاتَّخَذْنَا ذَلِكَ الْيَوْمَ عِيدًا فَقَالَ عُمَرُ أَيَّةُ آيَةٍ فَقَالُوا الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الْإِسْلَامَ دِينًا فَقَالَ عُمَرُ إِنِّي لَأَعْلَمُ أَيَّ مَكَانٍ أُنْزِلَتْ أُنْزِلَتْ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاقِفٌ بِعَرَفَةَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏أن أناسا من اليهود‏)‏ تقدم في كتاب الإيمان بلفظ ‏"‏ إن رجلا من اليهود ‏"‏ وبينت أن المراد به كعب الأحبار، وفيه إشكال من جهة أنه كان أسلم، ويجوز أن يكون السؤال صدر قبل إسلامه لكن قد قيل إنه أسلم وهو باليمن في حياة النبي صلى الله عليه وسلم على يد علي، فإن ثبت احتمل أن يكون الذين سألوا جماعة من اليهود اجتمعوا مع كعب على السؤال وتولى هو السؤال عن ذلك عنهم، فتجتمع الروايات كلها، وقد تقدم ذلك في كتاب الإيمان بأوضح من هذا مع بقية شرحه‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ نَوْفَلٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ وَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِحَجَّةٍ وَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ وَأَهَلَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْحَجِّ فَأَمَّا مَنْ أَهَلَّ بِالْحَجِّ أَوْ جَمَعَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ فَلَمْ يَحِلُّوا حَتَّى يَوْمِ النَّحْرِ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ وَقَالَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ حَدَّثَنَا مَالِكٌ مِثْلَهُ

الشرح‏:‏

أورد المصنف حديث عائشة قالت‏:‏ ‏"‏ خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمنا من أهل بعمرة ‏"‏ الحديث، وأورده من طرق عن مالك بسنده في طريقين، منها حجة الوداع وهو مقصود الترجمة، وقد تقدم من وجه آخر في أول الباب عن شيخ آخر لمالك بأتم من السياق المذكور هنا‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ هُوَ ابْنُ سَعْدٍ حَدَّثَنَا ابْنُ شِهَابٍ عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ عَادَنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ مِنْ وَجَعٍ أَشْفَيْتُ مِنْهُ عَلَى الْمَوْتِ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ بَلَغَ بِي مِنْ الْوَجَعِ مَا تَرَى وَأَنَا ذُو مَالٍ وَلَا يَرِثُنِي إِلَّا ابْنَةٌ لِي وَاحِدَةٌ أَفَأَتَصَدَّقُ بِثُلُثَيْ مَالِي قَالَ لَا قُلْتُ أَفَأَتَصَدَّقُ بِشَطْرِهِ قَالَ لَا قُلْتُ فَالثُّلُثِ قَالَ وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ إِنَّكَ أَنْ تَذَرَ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَذَرَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ وَلَسْتَ تُنْفِقُ نَفَقَةً تَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ اللَّهِ إِلَّا أُجِرْتَ بِهَا حَتَّى اللُّقْمَةَ تَجْعَلُهَا فِي فِي امْرَأَتِكَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ آأُخَلَّفُ بَعْدَ أَصْحَابِي قَالَ إِنَّكَ لَنْ تُخَلَّفَ فَتَعْمَلَ عَمَلًا تَبْتَغِي بِهِ وَجْهَ اللَّهِ إِلَّا ازْدَدْتَ بِهِ دَرَجَةً وَرِفْعَةً وَلَعَلَّكَ تُخَلَّفُ حَتَّى يَنْتَفِعَ بِكَ أَقْوَامٌ وَيُضَرَّ بِكَ آخَرُونَ اللَّهُمَّ أَمْضِ لِأَصْحَابِي هِجْرَتَهُمْ وَلَا تَرُدَّهُمْ عَلَى أَعْقَابِهِمْ لَكِنْ الْبَائِسُ سَعْدُ بْنُ خَوْلَةَ رَثَى لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تُوُفِّيَ بِمَكَّةَ

الشرح‏:‏

حديث سعد وهو ابن أبي وقاص في الوصية بالثلث، وقد تقدم شرحه في الوصايا، وتقرير كون ذلك وقع في حجة الوداع، وبيان توجيه من قال إن ذلك في فتح مكة، ووجه الجمع بين الروايتين بما يغني عن إعادته‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ حَدَّثَنَا أَبُو ضَمْرَةَ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَخْبَرَهُمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَلَقَ رَأْسَهُ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ

الشرح‏:‏

حديث ابن عمر في الحلق في حجة الوداع‏.‏

أورده من طريقين، وقد تقدم شرحه في الحج‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ أَخْبَرَهُ ابْنُ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَلَقَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَأُنَاسٌ مِنْ أَصْحَابِهِ وَقَصَّرَ بَعْضُهُمْ

الشرح‏:‏

تقدم شرحه في الحج‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ قَزَعَةَ حَدَّثَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ وَقَالَ اللَّيْثُ حَدَّثَنِي يُونُسُ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَخْبَرَهُ أَنَّهُ أَقْبَلَ يَسِيرُ عَلَى حِمَارٍ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَائِمٌ بِمِنًى فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ يُصَلِّي بِالنَّاسِ فَسَارَ الْحِمَارُ بَيْنَ يَدَيْ بَعْضِ الصَّفِّ ثُمَّ نَزَلَ عَنْهُ فَصَفَّ مَعَ النَّاسِ

الشرح‏:‏

حديث ابن عباس في الصلاة بمنى، وقد تقدم شرحه في أبواب السترة في الصلاة‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ هِشَامٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ سُئِلَ أُسَامَةُ وَأَنَا شَاهِدٌ عَنْ سَيْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّتِهِ فَقَالَ الْعَنَقَ فَإِذَا وَجَدَ فَجْوَةً نَصَّ

الشرح‏:‏

حديث أسامة بن زيد ‏"‏ كان يسير في حجته العنق ‏"‏ بفتح المهملة والنون والقاف، وقد تقدم شرحه في الحج أيضا‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ الْخَطْمِيِّ أَنَّ أَبَا أَيُّوبَ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ صَلَّى مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ جَمِيعًا

الشرح‏:‏

حديث أبي أيوب في الجمع بين المغرب والعشاء في حجة الوداع، وقد تقدم شرحه في الحج أيضا‏.‏

*3*باب غَزْوَةِ تَبُوكَ وَهِيَ غَزْوَةُ الْعُسْرَةِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب غزوة تبوك‏)‏ هكذا أورد المصنف هذه الترجمة بعد حجة الوداع، وهو خطأ وما أظن ذلك إلا من النساخ، فإن غزوة تبوك كانت في شهر رجب من سنة تسع قبل حجة الوداع بلا خلاف، وعند ابن عائذ من حديث ابن عباس أنها كانت بعد الطائف بستة أشهر، وليس مخالفا لقول من قال في رجب إذا حذفنا الكسور؛ لأنه صلى الله عليه وسلم قد دخل المدينة من رجوعه من الطائف في ذي الحجة‏.‏

وتبوك مكان معروف هو نصف طريق المدينة إلى دمشق، ويقال بين المدينة وبينه أربع عشرة مرحلة‏.‏

وذكرها في ‏"‏ المحكم ‏"‏ في الثلاثي الصحيح، وكلام ابن قتيبة يقتضي أنها من المعتل فإنه قال‏:‏ جاءها النبي صلى الله عليه وسلم وهم يبكون مكان مائها بقدح فقال‏:‏ ما زلتم تبوكونها، فسميت حينئذ تبوك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وهي غزوة العسرة‏)‏ وفي أول أحاديث الباب قول أبي موسى ‏"‏ في جيش العسرة ‏"‏ بمهملتين الأول مضمومة وبعدها سكون مأخوذ من قوله تعالى‏:‏ ‏(‏الذين اتبعوه في ساعة العسرة‏)‏ وهي غزوة تبوك‏.‏

وفي حديث ابن عباس ‏"‏ قيل لعمر حدثنا عن شأن ساعة العسرة، قال‏:‏ خرجنا إلى تبوك في قيظ شديد فأصابنا عطش ‏"‏ الحديث أخرجه ابن خزيمة‏.‏

وفي تفسير عبد الرزاق عن معمر عن ابن عقيل قال‏:‏ ‏"‏ خرجوا في قلة من الظهر وفي حر شديد حتى كانوا ينحرون البعير فيشربون ما في كرشه من الماء، فكان ذلك عسرة من الماء وفي الظهر وفي النفقة، فسميت غزوة العسرة‏"‏‏.‏

وتبوك المشهور فيها عدم الصرف للتأنيث والعلمية، ومن صرفها أراد الموضع‏.‏

ووقعت تسميتها بذلك في الأحاديث الصحيحة‏:‏ منها حديث مسلم ‏"‏ إنكم ستأتون غدا عين تبوك ‏"‏ وكذا أخرجه أحمد والبزار من حديث حذيفة، وقيل‏:‏ سميت بذلك لقوله صلى الله عليه وسلم للرجلين اللذين سبقاه إلى العين ‏"‏ ما زلتما تبوكانها منذ اليوم‏"‏، قال ابن قتيبة‏:‏ فبذلك سميت عين تبوك؛ والبوك كالحفر انتهى‏.‏

والحديث المذكور عند مالك ومسلم بغير هذا اللفظ، أخرجاه من حديث معاذ بن جبل ‏"‏ أنهم خرجوا في عام تبوك مع النبي صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ إنكم ستأتون غدا إن شاء الله تعالى عين تبوك، فمن جاءها فلا يمس من مائها شيئا، فجئناها وقد سبق إليها رجلان والعين مثل الشراك تبض بشيء من ماء ‏"‏ فذكر الحديث في غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم وجهه ويديه بشيء من مائها ثم أعاده فيها فجرت العين بماء كثير فاستقى الناس، وبينها وبين المدينة من جهة الشام أربع عشرة مرحلة، وبينها وبين دمشق إحدى عشرة مرحلة، وكان السبب فيها ما ذكره ابن سعد وشيخه وغيره قالوا‏:‏ بلغ المسلمين من الأنباط الذين يقدمون بالزيت من الشام إلى المدينة أن الروم جمعت جموعا، وأجلبت معهم لخم وجذام وغيرهم من متنصرة العرب، وجاءت مقدمتهم إلى البلقاء، فندب النبي صلى الله عليه وسلم الناس إلى الخروج، وأعلمهم بجهة غزوهم كما سيأتي في الكلام على حديث كعب بن مالك‏.‏

وروى الطبراني من حديث عمران بن حصين قال‏:‏ ‏"‏ كانت نصارى العرب كتبت إلى هرقل‏:‏ أن هذا الرجل الذي خرج يدعي النبوة هلك وأصابتهم سنون فهلكت أموالهم، فبعث رجلا من عظمائهم يقال له قباذ وجهز معه أربعين ألفا، فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم ذلك ولم يكن للناس قوة، وكان عثمان قد جهز عيرا إلى الشام فقال‏:‏ يا رسول الله هذه مائتا بعير بأقتابها وأحلاسها، ومائتا أوقية، قال فسمعته يقول‏:‏ لا يضر عثمان ما عمل بعدها ‏"‏ وأخرجه الترمذي والحاكم من حديث عبد الرحمن بن حيان نحوه، وذكر أبو سعيد في ‏"‏ شرف المصطفى ‏"‏ والبيهقي في ‏"‏ الدلائل ‏"‏ من طريق شهر بن حوشب عن عبد الرحمن بن غنم ‏"‏ أن اليهود قالوا‏.‏

يا أبا القاسم إن كنت صادقا فالحق بالشام فإنها أرض المحشر وأرض الأنبياء، فغزا تبوك لا يريد إلا الشام، فلما بلغ تبوك أنزل الله تعالى الآيات من سورة بني إسرائيل ‏(‏إن كادوا ليستفزونك من الأرض ليخرجوك منها‏)‏ الآية ‏"‏ انتهى، وإسناده حسن مع كونه مرسلا‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ بُرَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ أَرْسَلَنِي أَصْحَابِي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْأَلُهُ الْحُمْلَانَ لَهُمْ إِذْ هُمْ مَعَهُ فِي جَيْشِ الْعُسْرَةِ وَهِيَ غَزْوَةُ تَبُوكَ فَقُلْتُ يَا نَبِيَّ اللَّهِ إِنَّ أَصْحَابِي أَرْسَلُونِي إِلَيْكَ لِتَحْمِلَهُمْ فَقَالَ وَاللَّهِ لَا أَحْمِلُكُمْ عَلَى شَيْءٍ وَوَافَقْتُهُ وَهُوَ غَضْبَانُ وَلَا أَشْعُرُ وَرَجَعْتُ حَزِينًا مِنْ مَنْعِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمِنْ مَخَافَةِ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَدَ فِي نَفْسِهِ عَلَيَّ فَرَجَعْتُ إِلَى أَصْحَابِي فَأَخْبَرْتُهُمْ الَّذِي قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ أَلْبَثْ إِلَّا سُوَيْعَةً إِذْ سَمِعْتُ بِلَالًا يُنَادِي أَيْ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ قَيْسٍ فَأَجَبْتُهُ فَقَالَ أَجِبْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُوكَ فَلَمَّا أَتَيْتُهُ قَالَ خُذْ هَذَيْنِ الْقَرِينَيْنِ وَهَذَيْنِ الْقَرِينَيْنِ لِسِتَّةِ أَبْعِرَةٍ ابْتَاعَهُنَّ حِينَئِذٍ مِنْ سَعْدٍ فَانْطَلِقْ بِهِنَّ إِلَى أَصْحَابِكَ فَقُلْ إِنَّ اللَّهَ أَوْ قَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَحْمِلُكُمْ عَلَى هَؤُلَاءِ فَارْكَبُوهُنَّ فَانْطَلَقْتُ إِلَيْهِمْ بِهِنَّ فَقُلْتُ إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَحْمِلُكُمْ عَلَى هَؤُلَاءِ وَلَكِنِّي وَاللَّهِ لَا أَدَعُكُمْ حَتَّى يَنْطَلِقَ مَعِي بَعْضُكُمْ إِلَى مَنْ سَمِعَ مَقَالَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَظُنُّوا أَنِّي حَدَّثْتُكُمْ شَيْئًا لَمْ يَقُلْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا لِي وَاللَّهِ إِنَّكَ عِنْدَنَا لَمُصَدَّقٌ وَلَنَفْعَلَنَّ مَا أَحْبَبْتَ فَانْطَلَقَ أَبُو مُوسَى بِنَفَرٍ مِنْهُمْ حَتَّى أَتَوْا الَّذِينَ سَمِعُوا قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْعَهُ إِيَّاهُمْ ثُمَّ إِعْطَاءَهُمْ بَعْدُ فَحَدَّثُوهُمْ بِمِثْلِ مَا حَدَّثَهُمْ بِهِ أَبُو مُوسَى

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏أسأله الحملان لهم‏)‏ بضم الحاء المهملة، أي الشيء الذي يركبون عليه ويحملهم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لا أجد ما أحملكم عليه‏)‏ في رواية موسى بن عقبة عن ابن شهاب ‏"‏ وجاء نفر كلهم معسر يستحملونه لا يحبون التخلف عنه، فقال لا أجد‏.‏

قال‏:‏ ومن هؤلاء نفر من الأنصار ومن بني مزينة ‏"‏ وفي مغازي ابن إسحاق أن البكائين سبعة نفر‏:‏ سالم بن عمير، وأبو ليلى بن كعب، وعمرو بن الحمام، وعبد الله بن مغفل وقيل ابن غنمة، وعلية بن زيد، وهرمي بن عبد الله، وعرباض بن سارية، وسلمة بن صخر‏.‏

قال‏:‏ فبلغني أن أبا ياسر اليهودي وقيل ابن يامين - جهز أبا ليلى وابن مغفل، وقيل كان في البكائين بنو مقرن السبعة معقل إخوته‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏خذ هذين القرينين‏)‏ أي الجملين المشدودين أحدهما إلى الآخر، وقيل النظيرين المتساويين‏.‏

وفي رواية أبي ذر عن المستملي ‏"‏ هاتين القرينتين ‏"‏ أي الناقتين، وتقدم في قدوم الأشعريين أنه صلى الله عليه وسلم أمر لهم بخمس ذود وقال‏:‏ هذا بستة أبعرة، فإما تعددت القصة أو زادهم على الخمس واحدا، وأما قوله‏:‏ ‏"‏ هاتين القرينتين وهاتين القرينتين ‏"‏ فيحتمل أن يكون اختصارا من الراوي أو كان الأولى اثنتين والثانية أربعة لأن القرين يصدق على الواحد وعلى الأكثر، وأما الرواية التي فيها ‏"‏ هذين القرينين ‏"‏ فذكر ثم أنث فالأولى على إرادة البعير والثانية على إرادة الاختصاص لا على الوصفية‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ابتاعهن‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ ابتاعهم ‏"‏ وكذا ‏"‏ انطلق بهن ‏"‏ في روايته ‏"‏ بهم ‏"‏ وهو تحريف، والصواب ما عند الجماعة لأنه جمع ما لا يعقل‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حينئذ من سعد‏)‏ لم يتعين لي من هو سعد إلى الآن، إلا أنه يهجس في خاطري أنه سعد بن عبادة، وفي الحديث استحباب حنث الحالف في يمينه إذا رأى غيرها خيرا منها كما سيأتي البحث في الأيمان والنذور، وانعقاد اليمين في الغضب، وسنذكر هناك بقية فوائد حيث أبي موسى إن شاء الله تعالى‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ شُعْبَةَ عَنْ الْحَكَمِ عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ إِلَى تَبُوكَ وَاسْتَخْلَفَ عَلِيًّا فَقَالَ أَتُخَلِّفُنِي فِي الصِّبْيَانِ وَالنِّسَاءِ قَالَ أَلَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى إِلَّا أَنَّهُ لَيْسَ نَبِيٌّ بَعْدِي وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ الْحَكَمِ سَمِعْتُ مُصْعَبًا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا يحيى‏)‏ هو ابن سعيد القطان، والحكم هو ابن عتيبة بمثناة وموحدة مصغر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بمنزلة هارون من موسى‏)‏ في رواية عطاء بن أبي رباح مرسلا عند الحاكم في الإكليل ‏"‏ فقال‏:‏ يا علي اخلفني في أهلي، واضرب وخذ وعظ‏.‏

ثم دعا نساءه فقال‏:‏ اسمعن لعلي وأطعن‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال أبو داود‏:‏ حدثنا شعبة إلخ‏)‏ أراد بيان التصريح بالسماع في رواية الحكم عن مصعب، وطريق أبي داود هذه وهو الطيالسي وصلها أبو نعيم في ‏"‏ المستخرج ‏"‏ والبيهقي في ‏"‏ الدلائل ‏"‏ من طريقه‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ سَمِعْتُ عَطَاءً يُخْبِرُ قَالَ أَخْبَرَنِي صَفْوَانُ بْنُ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ غَزَوْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعُسْرَةَ قَالَ كَانَ يَعْلَى يَقُولُ تِلْكَ الْغَزْوَةُ أَوْثَقُ أَعْمَالِي عِنْدِي قَالَ عَطَاءٌ فَقَالَ صَفْوَانُ قَالَ يَعْلَى فَكَانَ لِي أَجِيرٌ فَقَاتَلَ إِنْسَانًا فَعَضَّ أَحَدُهُمَا يَدَ الْآخَرِ قَالَ عَطَاءٌ فَلَقَدْ أَخْبَرَنِي صَفْوَانُ أَيُّهُمَا عَضَّ الْآخَرَ فَنَسِيتُهُ قَالَ فَانْتَزَعَ الْمَعْضُوضُ يَدَهُ مِنْ فِي الْعَاضِّ فَانْتَزَعَ إِحْدَى ثَنِيَّتَيْهِ فَأَتَيَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَهْدَرَ ثَنِيَّتَهُ قَالَ عَطَاءٌ وَحَسِبْتُ أَنَّهُ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفَيَدَعُ يَدَهُ فِي فِيكَ تَقْضَمُهَا كَأَنَّهَا فِي فِي فَحْلٍ يَقْضَمُهَا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم العسرة‏)‏ كذا للأكثر‏.‏

وفي رواية السرخسي ‏"‏ العسيرة ‏"‏ بالتصغير‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏كان يعلى يقول تلك الغزوة أوثق أعمالي عندي‏)‏ تقدم في الإجارة بلفظ إجمالي وبالعين المهملة أصح‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال عطاء‏)‏ هو موصول بالإسناد المذكور‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏كان لي أجير، فقاتل إنسانا فعض أحدهما يد الآخر، قال عطاء‏:‏ فلقد أخبرني صفوان أيهما عض الآخر فنسيته‏)‏ سيأتي البحث في ذلك وتتمة شرح هذا الحديث في كتاب الديات إن شاء الله تعالى‏.‏

*3*باب حَدِيثُ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ

وَقَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حديث كعب بن مالك، وقول الله تعالى وعلى الثلاثة الذين خلفوا‏)‏ سيأتي الكلام على قوله‏:‏ ‏(‏خلفوا‏)‏ في آخر الحديث‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ وَكَانَ قَائِدَ كَعْبٍ مِنْ بَنِيهِ حِينَ عَمِيَ قَالَ سَمِعْتُ كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ يُحَدِّثُ حِينَ تَخَلَّفَ عَنْ قِصَّةِ تَبُوكَ قَالَ كَعْبٌ لَمْ أَتَخَلَّفْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةٍ غَزَاهَا إِلَّا فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ غَيْرَ أَنِّي كُنْتُ تَخَلَّفْتُ فِي غَزْوَةِ بَدْرٍ وَلَمْ يُعَاتِبْ أَحَدًا تَخَلَّفَ عَنْهَا إِنَّمَا خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُرِيدُ عِيرَ قُرَيْشٍ حَتَّى جَمَعَ اللَّهُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ عَدُوِّهِمْ عَلَى غَيْرِ مِيعَادٍ وَلَقَدْ شَهِدْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ الْعَقَبَةِ حِينَ تَوَاثَقْنَا عَلَى الْإِسْلَامِ وَمَا أُحِبُّ أَنَّ لِي بِهَا مَشْهَدَ بَدْرٍ وَإِنْ كَانَتْ بَدْرٌ أَذْكَرَ فِي النَّاسِ مِنْهَا كَانَ مِنْ خَبَرِي أَنِّي لَمْ أَكُنْ قَطُّ أَقْوَى وَلَا أَيْسَرَ حِينَ تَخَلَّفْتُ عَنْهُ فِي تِلْكَ الْغَزَاةِ وَاللَّهِ مَا اجْتَمَعَتْ عِنْدِي قَبْلَهُ رَاحِلَتَانِ قَطُّ حَتَّى جَمَعْتُهُمَا فِي تِلْكَ الْغَزْوَةِ وَلَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُرِيدُ غَزْوَةً إِلَّا وَرَّى بِغَيْرِهَا حَتَّى كَانَتْ تِلْكَ الْغَزْوَةُ غَزَاهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَرٍّ شَدِيدٍ وَاسْتَقْبَلَ سَفَرًا بَعِيدًا وَمَفَازًا وَعَدُوًّا كَثِيرًا فَجَلَّى لِلْمُسْلِمِينَ أَمْرَهُمْ لِيَتَأَهَّبُوا أُهْبَةَ غَزْوِهِمْ فَأَخْبَرَهُمْ بِوَجْهِهِ الَّذِي يُرِيدُ وَالْمُسْلِمُونَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَثِيرٌ وَلَا يَجْمَعُهُمْ كِتَابٌ حَافِظٌ يُرِيدُ الدِّيوَانَ قَالَ كَعْبٌ فَمَا رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يَتَغَيَّبَ إِلَّا ظَنَّ أَنْ سَيَخْفَى لَهُ مَا لَمْ يَنْزِلْ فِيهِ وَحْيُ اللَّهِ وَغَزَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تِلْكَ الْغَزْوَةَ حِينَ طَابَتْ الثِّمَارُ وَالظِّلَالُ وَتَجَهَّزَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُسْلِمُونَ مَعَهُ فَطَفِقْتُ أَغْدُو لِكَيْ أَتَجَهَّزَ مَعَهُمْ فَأَرْجِعُ وَلَمْ أَقْضِ شَيْئًا فَأَقُولُ فِي نَفْسِي أَنَا قَادِرٌ عَلَيْهِ فَلَمْ يَزَلْ يَتَمَادَى بِي حَتَّى اشْتَدَّ بِالنَّاسِ الْجِدُّ فَأَصْبَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُسْلِمُونَ مَعَهُ وَلَمْ أَقْضِ مِنْ جَهَازِي شَيْئًا فَقُلْتُ أَتَجَهَّزُ بَعْدَهُ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ ثُمَّ أَلْحَقُهُمْ فَغَدَوْتُ بَعْدَ أَنْ فَصَلُوا لِأَتَجَهَّزَ فَرَجَعْتُ وَلَمْ أَقْضِ شَيْئًا ثُمَّ غَدَوْتُ ثُمَّ رَجَعْتُ وَلَمْ أَقْضِ شَيْئًا فَلَمْ يَزَلْ بِي حَتَّى أَسْرَعُوا وَتَفَارَطَ الْغَزْوُ وَهَمَمْتُ أَنْ أَرْتَحِلَ فَأُدْرِكَهُمْ وَلَيْتَنِي فَعَلْتُ فَلَمْ يُقَدَّرْ لِي ذَلِكَ فَكُنْتُ إِذَا خَرَجْتُ فِي النَّاسِ بَعْدَ خُرُوجِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَطُفْتُ فِيهِمْ أَحْزَنَنِي أَنِّي لَا أَرَى إِلَّا رَجُلًا مَغْمُوصًا عَلَيْهِ النِّفَاقُ أَوْ رَجُلًا مِمَّنْ عَذَرَ اللَّهُ مِنْ الضُّعَفَاءِ وَلَمْ يَذْكُرْنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى بَلَغَ تَبُوكَ فَقَالَ وَهُوَ جَالِسٌ فِي الْقَوْمِ بِتَبُوكَ مَا فَعَلَ كَعْبٌ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ يَا رَسُولَ اللَّهِ حَبَسَهُ بُرْدَاهُ وَنَظَرُهُ فِي عِطْفِهِ فَقَالَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ بِئْسَ مَا قُلْتَ وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ إِلَّا خَيْرًا فَسَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ فَلَمَّا بَلَغَنِي أَنَّهُ تَوَجَّهَ قَافِلًا حَضَرَنِي هَمِّي وَطَفِقْتُ أَتَذَكَّرُ الْكَذِبَ وَأَقُولُ بِمَاذَا أَخْرُجُ مِنْ سَخَطِهِ غَدًا وَاسْتَعَنْتُ عَلَى ذَلِكَ بِكُلِّ ذِي رَأْيٍ مِنْ أَهْلِي فَلَمَّا قِيلَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَظَلَّ قَادِمًا زَاحَ عَنِّي الْبَاطِلُ وَعَرَفْتُ أَنِّي لَنْ أَخْرُجَ مِنْهُ أَبَدًا بِشَيْءٍ فِيهِ كَذِبٌ فَأَجْمَعْتُ صِدْقَهُ

وَأَصْبَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَادِمًا وَكَانَ إِذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ بَدَأَ بِالْمَسْجِدِ فَيَرْكَعُ فِيهِ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ جَلَسَ لِلنَّاسِ فَلَمَّا فَعَلَ ذَلِكَ جَاءَهُ الْمُخَلَّفُونَ فَطَفِقُوا يَعْتَذِرُونَ إِلَيْهِ وَيَحْلِفُونَ لَهُ وَكَانُوا بِضْعَةً وَثَمَانِينَ رَجُلًا فَقَبِلَ مِنْهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَانِيَتَهُمْ وَبَايَعَهُمْ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمْ وَوَكَلَ سَرَائِرَهُمْ إِلَى اللَّهِ فَجِئْتُهُ فَلَمَّا سَلَّمْتُ عَلَيْهِ تَبَسَّمَ تَبَسُّمَ الْمُغْضَبِ ثُمَّ قَالَ تَعَالَ فَجِئْتُ أَمْشِي حَتَّى جَلَسْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ

فَقَالَ لِي مَا خَلَّفَكَ أَلَمْ تَكُنْ قَدْ ابْتَعْتَ ظَهْرَكَ فَقُلْتُ بَلَى إِنِّي وَاللَّهِ لَوْ جَلَسْتُ عِنْدَ غَيْرِكَ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا لَرَأَيْتُ أَنْ سَأَخْرُجُ مِنْ سَخَطِهِ بِعُذْرٍ وَلَقَدْ أُعْطِيتُ جَدَلًا وَلَكِنِّي وَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُ لَئِنْ حَدَّثْتُكَ الْيَوْمَ حَدِيثَ كَذِبٍ تَرْضَى بِهِ عَنِّي لَيُوشِكَنَّ اللَّهُ أَنْ يُسْخِطَكَ عَلَيَّ وَلَئِنْ حَدَّثْتُكَ حَدِيثَ صِدْقٍ تَجِدُ عَلَيَّ فِيهِ إِنِّي لَأَرْجُو فِيهِ عَفْوَ اللَّهِ لَا وَاللَّهِ مَا كَانَ لِي مِنْ عُذْرٍ وَاللَّهِ مَا كُنْتُ قَطُّ أَقْوَى وَلَا أَيْسَرَ مِنِّي حِينَ تَخَلَّفْتُ عَنْكَ

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَّا هَذَا فَقَدْ صَدَقَ فَقُمْ حَتَّى يَقْضِيَ اللَّهُ فِيكَ فَقُمْتُ وَثَارَ رِجَالٌ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ فَاتَّبَعُونِي فَقَالُوا لِي وَاللَّهِ مَا عَلِمْنَاكَ كُنْتَ أَذْنَبْتَ ذَنْبًا قَبْلَ هَذَا وَلَقَدْ عَجَزْتَ أَنْ لَا تَكُونَ اعْتَذَرْتَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا اعْتَذَرَ إِلَيْهِ الْمُتَخَلِّفُونَ قَدْ كَانَ كَافِيَكَ ذَنْبَكَ اسْتِغْفَارُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَكَ فَوَاللَّهِ مَا زَالُوا يُؤَنِّبُونِي حَتَّى أَرَدْتُ أَنْ أَرْجِعَ فَأُكَذِّبَ نَفْسِي ثُمَّ قُلْتُ لَهُمْ هَلْ لَقِيَ هَذَا مَعِي أَحَدٌ قَالُوا نَعَمْ رَجُلَانِ قَالَا مِثْلَ مَا قُلْتَ فَقِيلَ لَهُمَا مِثْلُ مَا قِيلَ لَكَ فَقُلْتُ مَنْ هُمَا قَالُوا مُرَارَةُ بْنُ الرَّبِيعِ الْعَمْرِيُّ وَهِلَالُ بْنُ أُمَيَّةَ الْوَاقِفِيُّ فَذَكَرُوا لِي رَجُلَيْنِ صَالِحَيْنِ قَدْ شَهِدَا بَدْرًا فِيهِمَا أُسْوَةٌ فَمَضَيْتُ حِينَ ذَكَرُوهُمَا لِي وَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُسْلِمِينَ عَنْ كَلَامِنَا أَيُّهَا الثَّلَاثَةُ مِنْ بَيْنِ مَنْ تَخَلَّفَ عَنْهُ فَاجْتَنَبَنَا النَّاسُ وَتَغَيَّرُوا لَنَا حَتَّى تَنَكَّرَتْ فِي نَفْسِي الْأَرْضُ فَمَا هِيَ الَّتِي أَعْرِفُ فَلَبِثْنَا عَلَى ذَلِكَ خَمْسِينَ لَيْلَةً فَأَمَّا صَاحِبَايَ فَاسْتَكَانَا وَقَعَدَا فِي بُيُوتِهِمَا يَبْكِيَانِ وَأَمَّا أَنَا فَكُنْتُ أَشَبَّ الْقَوْمِ وَأَجْلَدَهُمْ فَكُنْتُ أَخْرُجُ فَأَشْهَدُ الصَّلَاةَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ وَأَطُوفُ فِي الْأَسْوَاقِ وَلَا يُكَلِّمُنِي أَحَدٌ وَآتِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأُسَلِّمُ عَلَيْهِ وَهُوَ فِي مَجْلِسِهِ بَعْدَ الصَّلَاةِ فَأَقُولُ فِي نَفْسِي هَلْ حَرَّكَ شَفَتَيْهِ بِرَدِّ السَّلَامِ عَلَيَّ أَمْ لَا ثُمَّ أُصَلِّي قَرِيبًا مِنْهُ فَأُسَارِقُهُ النَّظَرَ فَإِذَا أَقْبَلْتُ عَلَى صَلَاتِي أَقْبَلَ إِلَيَّ وَإِذَا الْتَفَتُّ نَحْوَهُ أَعْرَضَ عَنِّي حَتَّى إِذَا طَالَ عَلَيَّ ذَلِكَ مِنْ جَفْوَةِ النَّاسِ مَشَيْتُ حَتَّى تَسَوَّرْتُ جِدَارَ حَائِطِ أَبِي قَتَادَةَ وَهُوَ ابْنُ عَمِّي وَأَحَبُّ النَّاسِ إِلَيَّ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَوَاللَّهِ مَا رَدَّ عَلَيَّ السَّلَامَ فَقُلْتُ يَا أَبَا قَتَادَةَ أَنْشُدُكَ بِاللَّهِ هَلْ تَعْلَمُنِي أُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَسَكَتَ فَعُدْتُ لَهُ فَنَشَدْتُهُ فَسَكَتَ فَعُدْتُ لَهُ فَنَشَدْتُهُ فَقَالَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ فَفَاضَتْ عَيْنَايَ وَتَوَلَّيْتُ حَتَّى تَسَوَّرْتُ الْجِدَارَ

قَالَ فَبَيْنَا أَنَا أَمْشِي بِسُوقِ الْمَدِينَةِ إِذَا نَبَطِيٌّ مِنْ أَنْبَاطِ أَهْلِ الشَّأْمِ مِمَّنْ قَدِمَ بِالطَّعَامِ يَبِيعُهُ بِالْمَدِينَةِ يَقُولُ مَنْ يَدُلُّ عَلَى كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ فَطَفِقَ النَّاسُ يُشِيرُونَ لَهُ حَتَّى إِذَا جَاءَنِي دَفَعَ إِلَيَّ كِتَابًا مِنْ مَلِكِ غَسَّانَ فَإِذَا فِيهِ أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّهُ قَدْ بَلَغَنِي أَنَّ صَاحِبَكَ قَدْ جَفَاكَ وَلَمْ يَجْعَلْكَ اللَّهُ بِدَارِ هَوَانٍ وَلَا مَضْيَعَةٍ فَالْحَقْ بِنَا نُوَاسِكَ فَقُلْتُ لَمَّا قَرَأْتُهَا وَهَذَا أَيْضًا مِنْ الْبَلَاءِ فَتَيَمَّمْتُ بِهَا التَّنُّورَ فَسَجَرْتُهُ بِهَا حَتَّى إِذَا مَضَتْ أَرْبَعُونَ لَيْلَةً مِنْ الْخَمْسِينَ إِذَا رَسُولُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْتِينِي فَقَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُكَ أَنْ تَعْتَزِلَ امْرَأَتَكَ فَقُلْتُ أُطَلِّقُهَا أَمْ مَاذَا أَفْعَلُ قَالَ لَا بَلْ اعْتَزِلْهَا وَلَا تَقْرَبْهَا وَأَرْسَلَ إِلَى صَاحِبَيَّ مِثْلَ ذَلِكَ فَقُلْتُ لِامْرَأَتِي الْحَقِي بِأَهْلِكِ فَتَكُونِي عِنْدَهُمْ حَتَّى يَقْضِيَ اللَّهُ فِي هَذَا الْأَمْرِ قَالَ كَعْبٌ فَجَاءَتْ امْرَأَةُ هِلَالِ بْنِ أُمَيَّةَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ هِلَالَ بْنَ أُمَيَّةَ شَيْخٌ ضَائِعٌ لَيْسَ لَهُ خَادِمٌ فَهَلْ تَكْرَهُ أَنْ أَخْدُمَهُ قَالَ لَا وَلَكِنْ لَا يَقْرَبْكِ قَالَتْ إِنَّهُ وَاللَّهِ مَا بِهِ حَرَكَةٌ إِلَى شَيْءٍ وَاللَّهِ مَا زَالَ يَبْكِي مُنْذُ كَانَ مِنْ أَمْرِهِ مَا كَانَ إِلَى يَوْمِهِ هَذَا

فَقَالَ لِي بَعْضُ أَهْلِي لَوْ اسْتَأْذَنْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي امْرَأَتِكَ كَمَا أَذِنَ لِامْرَأَةِ هِلَالِ بْنِ أُمَيَّةَ أَنْ تَخْدُمَهُ فَقُلْتُ وَاللَّهِ لَا أَسْتَأْذِنُ فِيهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا يُدْرِينِي مَا يَقُولُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا اسْتَأْذَنْتُهُ فِيهَا وَأَنَا رَجُلٌ شَابٌّ فَلَبِثْتُ بَعْدَ ذَلِكَ عَشْرَ لَيَالٍ حَتَّى كَمَلَتْ لَنَا خَمْسُونَ لَيْلَةً مِنْ حِينَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ كَلَامِنَا فَلَمَّا صَلَّيْتُ صَلَاةَ الْفَجْرِ صُبْحَ خَمْسِينَ لَيْلَةً وَأَنَا عَلَى ظَهْرِ بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِنَا فَبَيْنَا أَنَا جَالِسٌ عَلَى الْحَالِ الَّتِي ذَكَرَ اللَّهُ قَدْ ضَاقَتْ عَلَيَّ نَفْسِي وَضَاقَتْ عَلَيَّ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ سَمِعْتُ صَوْتَ صَارِخٍ أَوْفَى عَلَى جَبَلِ سَلْعٍ بِأَعْلَى صَوْتِهِ يَا كَعْبُ بْنَ مَالِكٍ أَبْشِرْ قَالَ فَخَرَرْتُ سَاجِدًا وَعَرَفْتُ أَنْ قَدْ جَاءَ فَرَجٌ وَآذَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَوْبَةِ اللَّهِ عَلَيْنَا حِينَ صَلَّى صَلَاةَ الْفَجْرِ فَذَهَبَ النَّاسُ يُبَشِّرُونَنَا وَذَهَبَ قِبَلَ صَاحِبَيَّ مُبَشِّرُونَ وَرَكَضَ إِلَيَّ رَجُلٌ فَرَسًا وَسَعَى سَاعٍ مِنْ أَسْلَمَ فَأَوْفَى عَلَى الْجَبَلِ وَكَانَ الصَّوْتُ أَسْرَعَ مِنْ الْفَرَسِ فَلَمَّا جَاءَنِي الَّذِي سَمِعْتُ صَوْتَهُ يُبَشِّرُنِي نَزَعْتُ لَهُ ثَوْبَيَّ فَكَسَوْتُهُ إِيَّاهُمَا بِبُشْرَاهُ وَاللَّهِ مَا أَمْلِكُ غَيْرَهُمَا يَوْمَئِذٍ وَاسْتَعَرْتُ ثَوْبَيْنِ فَلَبِسْتُهُمَا وَانْطَلَقْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَتَلَقَّانِي النَّاسُ فَوْجًا فَوْجًا يُهَنُّونِي بِالتَّوْبَةِ يَقُولُونَ لِتَهْنِكَ تَوْبَةُ اللَّهِ عَلَيْكَ قَالَ كَعْبٌ حَتَّى دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ

فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسٌ حَوْلَهُ النَّاسُ فَقَامَ إِلَيَّ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ يُهَرْوِلُ حَتَّى صَافَحَنِي وَهَنَّانِي وَاللَّهِ مَا قَامَ إِلَيَّ رَجُلٌ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ غَيْرَهُ وَلَا أَنْسَاهَا لِطَلْحَةَ قَالَ كَعْبٌ فَلَمَّا سَلَّمْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَبْرُقُ وَجْهُهُ مِنْ السُّرُورِ أَبْشِرْ بِخَيْرِ يَوْمٍ مَرَّ عَلَيْكَ مُنْذُ وَلَدَتْكَ أُمُّكَ قَالَ قُلْتُ أَمِنْ عِنْدِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَمْ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ قَالَ لَا بَلْ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا سُرَّ اسْتَنَارَ وَجْهُهُ حَتَّى كَأَنَّهُ قِطْعَةُ قَمَرٍ وَكُنَّا نَعْرِفُ ذَلِكَ مِنْهُ فَلَمَّا جَلَسْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ مِنْ تَوْبَتِي أَنْ أَنْخَلِعَ مِنْ مَالِي صَدَقَةً إِلَى اللَّهِ وَإِلَى رَسُولِ اللَّهِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمْسِكْ عَلَيْكَ بَعْضَ مَالِكَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ قُلْتُ فَإِنِّي أُمْسِكُ سَهْمِي الَّذِي بِخَيْبَرَ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ إِنَّمَا نَجَّانِي بِالصِّدْقِ وَإِنَّ مِنْ تَوْبَتِي أَنْ لَا أُحَدِّثَ إِلَّا صِدْقًا مَا بَقِيتُ فَوَاللَّهِ مَا أَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَبْلَاهُ اللَّهُ فِي صِدْقِ الْحَدِيثِ مُنْذُ ذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْسَنَ مِمَّا أَبْلَانِي مَا تَعَمَّدْتُ مُنْذُ ذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى يَوْمِي هَذَا كَذِبًا وَإِنِّي لَأَرْجُو أَنْ يَحْفَظَنِي اللَّهُ فِيمَا بَقِيتُ وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ إِلَى قَوْلِهِ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ فَوَاللَّهِ مَا أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ مِنْ نِعْمَةٍ قَطُّ بَعْدَ أَنْ هَدَانِي لِلْإِسْلَامِ أَعْظَمَ فِي نَفْسِي مِنْ صِدْقِي لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ لَا أَكُونَ كَذَبْتُهُ فَأَهْلِكَ كَمَا هَلَكَ الَّذِينَ كَذَبُوا فَإِنَّ اللَّهَ قَالَ لِلَّذِينَ كَذَبُوا حِينَ أَنْزَلَ الْوَحْيَ شَرَّ مَا قَالَ لِأَحَدٍ فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَى قَوْلِهِ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَرْضَى عَنْ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ قَالَ كَعْبٌ وَكُنَّا تَخَلَّفْنَا أَيُّهَا الثَّلَاثَةُ عَنْ أَمْرِ أُولَئِكَ الَّذِينَ قَبِلَ مِنْهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ حَلَفُوا لَهُ فَبَايَعَهُمْ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمْ وَأَرْجَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمْرَنَا حَتَّى قَضَى اللَّهُ فِيهِ فَبِذَلِكَ قَالَ اللَّهُ وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا وَلَيْسَ الَّذِي ذَكَرَ اللَّهُ مِمَّا خُلِّفْنَا عَنْ الْغَزْوِ إِنَّمَا هُوَ تَخْلِيفُهُ إِيَّانَا وَإِرْجَاؤُهُ أَمْرَنَا عَمَّنْ حَلَفَ لَهُ وَاعْتَذَرَ إِلَيْهِ فَقَبِلَ مِنْهُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك أن عبد الله بن كعب‏)‏ كذا عند الأكثر، ووقع عن الزهري في بعض هذا الحديث رواية عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك وهو عم عبد الرحمن بن عبد الله الذي حدث به عنه هنا‏.‏

وفي رواية عن عبد الله بن كعب نفسه، قال أحمد بن صالح فيما أخرجه ابن مردويه‏:‏ كان الزهري سمع هذا القدر من عبد الله بن كعب نفسه، وسمع هذا الحديث بطوله من ولده عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب، وعنه أيضا رواية عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب عن عمه عبيد الله بالتصغير، ووقع عند ابن جرير من طريق يونس عن الزهري في أول الحديث بغير إسناد، قال الزهري‏:‏ غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوة تبوك وهو يريد نصارى العرب والروم بالشام، حتى إذا بلغ تبوك أقام بضع عشرة ليلة، ولقيه بها وفد أذرح ووفد أيلة، فصالحهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على الجزية، ثم قفل من تبوك ولم يجاوزها، وأنزل الله تعالى‏:‏ ‏(‏لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة‏)‏ الآية ‏"‏ والثلاثة الذين خلفوا رهط من الأنصار في بضعة وثمانين رجلا، فلما رجع صدقه أولئك واعترفوا بذنوبهم، وكذب سائرهم فحلفوا ما حبسهم إلا العذر فقبل ذلك منهم، ونهى عن كلام الذين خلفوا‏.‏

قال الزهري‏:‏ ‏"‏ وأخبرني عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب ‏"‏ فساق الحديث بطوله‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وكان قائد كعب من بنيه‏)‏ بفتح الموحدة وكسر النون بعدها تحتانية ساكنة، وقع في رواية القابسي هنا وكذا لابن السكن في الجهاد ‏"‏ من بيته ‏"‏ بفتح الموحدة وسكون التحتانية بعدها مثناة، والأول هو الصواب‏.‏

وفي رواية معقل عن ابن شهاب عند مسلم ‏"‏ وكان قائد كعب حين أصيب بصره وكان أعلم قومه وأوعاهم لأحاديث أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حين تخلف‏)‏ أي زمان تخلفه‏.‏

وقوله‏:‏ ‏"‏ عن قصة ‏"‏ متعلق بقوله يحدث‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إلا في غزوة تبوك‏)‏ زاد أحمد من رواية معمر ‏"‏ وهي آخر غزوة غزاها ‏"‏ وهذه الزيادة رواها موسى بن عقبة عن ابن شهاب بغير إسناد، ومثله في زيادات المغازي ليونس بن بكير من مرسل الحسن‏.‏

وقوله‏:‏ ‏"‏ ولم يعاتب أحدا ‏"‏ تقدم في غزوة بدر بهذا السند ‏"‏ ولم يعاتب الله أحدا‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏تواثقنا‏)‏ بمثلثة وقاف أي أخذ بعضنا على بعض الميثاق لما تبايعنا على الإسلام والجهاد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وما أحب أن لي بها مشهد بدر‏)‏ أي أن لي بدلها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وإن كانت بدر أذكر في الناس‏)‏ أي أعظم ذكرا‏.‏

وفي رواية يونس عن ابن شهاب عند مسلم ‏"‏ وإن كانت بدر أكثر ذكرا في الناس منها ‏"‏ ولأحمد من طريق معمر ابن شهاب ‏"‏ ولعمري إن أشرف مشاهد رسول الله صلى الله عليه وسلم لبدر‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أقوى ولا أيسر‏)‏ زاد مسلم ‏"‏ مني‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد غزوة إلا ورى بغيرها‏)‏ أي أوهم غيرها، والتورية أن يذكر لفظا يحتمل معنيين أحدهما أقرب من الآخر فيوهم إرادة القريب وهو يريد البعيد‏.‏

وزاد أبو داود من طريق محمد بن ثور عن معمر عن الزهري ‏"‏ وكان يقول‏:‏ الحرب خدعة‏"‏‏.‏

‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ هذه القطعة من الحديث أفردت منه، وقد تقدمت في الجهاد بهذا الإسناد، وزاد فيه من طريق يونس عن الزهري ‏"‏ وقلما كان يخرج إذا خرج في سفر إلا يوم الخميس‏"‏‏.‏

وللنسائي من طريق ابن وهب عن يونس ‏"‏ في سفر جهاد ولا غيره ‏"‏ وله من وجه آخر ‏"‏ وخرج في غزوة تبوك يوم الخميس‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وعدوا كثيرا‏)‏ في رواية ‏"‏ وغزو عدو كبير‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فجلى‏)‏ بالجيم وتشديد اللام ويجوز تخفيفها أي أوضح‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أهبة غزوهم‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ أهبة عدوهم ‏"‏ والأهبة بضم الهمزة وسكون الهاء ما يحتاج إليه في السفر والحرب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ولا يجمعهم كتاب حافظ‏)‏ بالتنوين فيهما‏.‏

وفي رواية مسلم بالإضافة، وزاد في رواية معقل ‏"‏ يزيدون على عشرة آلاف، ولا يجمع ديوان حافظ ‏"‏ وللحاكم في ‏"‏ الإكليل ‏"‏ من حديث معاذ ‏"‏ خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى غزوة تبوك زيادة على ثلاثين ألفا ‏"‏ وبهذه العدة جزم ابن إسحاق وأورده الواقدي بسند آخر موصول وزاد ‏"‏ أنه كان معه عشرة آلاف فرس ‏"‏ فتحمل رواية معقل على إرادة عدد الفرسان‏.‏

ولابن مردويه ‏"‏ ولا يجمعهم ديوان حافظ ‏"‏ يعني كعب بذلك الديوان يقول‏:‏ لا يجمعهم ديوان مكتوب، وهو يقوي رواية التنوين، وقد نقل عن أبي زرعة الرازي أنهم كانوا في غزوة تبوك أربعين ألفا، ولا تخالف الرواية التي في ‏"‏ الإكليل ‏"‏ أكثر من ثلاثين ألفا لاحتمال أن يكون من قال أربعين ألفا جبر الكسر، وقوله يريد الديوان هو كلام الزهري، وأراد بذلك الاحتراز عما وقع في حديث حذيفة ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ اكتبوا لي من تلفظ بالإسلام ‏"‏ وقد ثبت أن أول من دون الديوان عمر رضي الله عنه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال كعب‏)‏ هو موصول بالإسناد المذكور‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فما رجل‏)‏ في رواية مسلم ‏"‏ فقل رجل‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إلا ظن أنه سيخفى‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ أن سيخفى ‏"‏ بتخفيف النون بلا هاء‏.‏

وفي رواية مسلم ‏"‏ أن ذلك سيخفى له‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حين طابت الثمار والظلال‏)‏ في رواية موسى بن عقبة عن ابن شهاب ‏"‏ في قيظ شديد في ليالي الخريف والناس خارفون في نخيلهم ‏"‏ وفي رواية أحمد من طريق معمر ‏"‏ وأنا أقدر شيء في نفسي على الجهاز وخفة الحاذ، وأنا في ذلك أصغو إلى الظلال والثمار ‏"‏ وقوله‏:‏ ‏"‏ الحاذ ‏"‏ بحاء مهملة وتخفيف الذال المعجمة هو الحال وزنا ومعنى‏.‏

وقوله‏:‏ ‏"‏ أصغو ‏"‏ بصاد مهملة وضم المعجمة أي أميل، ويروى ‏"‏ أصعر ‏"‏ بضم العين المهملة بعدها راء‏.‏

وفي رواية ابن مردويه ‏"‏ فالناس إليها صعر‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حتى اشتد الناس الجد‏)‏ بكسر الجيم وهو الجد في الشيء والمبالغة فيه، وضبطوا الناس بالرفع على أنه الفاعل والجد بالنصب على نزع الخافض، أو هو نعت لمصدر محذوف أي اشتد الناس الاشتداد الجد، وعند ابن السكن ‏"‏ اشتد بالناس الجد ‏"‏ برفع الجد وزيادة الموحدة وهو الذي في رواية أحمد ومسلم وغيرهما‏.‏

وفي رواية الكشميهني ‏"‏ بالناس الجد ‏"‏ والجد على هذا فاعل وهو مرفوع وهي رواية مسلم، وعند ابن مردويه ‏"‏ حتى شمر الناس الجد ‏"‏ وهو يؤيد التوجيه الأول‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فأصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون معه ولم أقض من جهازي‏)‏ بفتح الجيم وبكسرها وعند ابن أبي شيبة وابن جرير من وجه آخر عن كعب ‏"‏ فأخذت في جهازي، فأمسيت ولم أفرع، فقلت أتجهز في غد‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حتى أسرعوا‏)‏ وفي رواية الكشميهني ‏"‏ حتى شرعوا ‏"‏ بالشين المعجمة وهو تصحيف‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وليتني فعلت‏)‏ زاد في رواية ابن مردويه ‏"‏ ولم أفعل‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وتفارط‏)‏ بالفاء والطاء والمهملة أي فات وسبق، والفرط السبق‏.‏

وفي رواية ابن أبي شيبة ‏"‏ حتى أمعن القوم وأسرعوا، فطفقت أغدو للتجهيز وتشغلني الرجال، فأجمعت القعود حين سبقني القوم ‏"‏ وفي رواية أحمد من طريق عمر بن كثير عن كعب ‏"‏ فقلت أيهات، سار الناس ثلاثا، فأقمت‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏مغموصا‏)‏ بالغين المعجمة والصاد المهملة أي مطعونا عليه في دينه متهما بالنفاق، وقيل معناه مستحقرا، تقول غمصت فلانا إذا استحقرته‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حتى بلغ تبوك‏)‏ بغير صرف للأكثر‏.‏

وفي رواية ‏"‏ تبوكا ‏"‏ على إرادة المكان‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقال رجل من بني سلمة‏)‏ بكسر اللام‏.‏

وفي رواية معمر ‏"‏ من قومي ‏"‏ وعند الواقدي أنه عبد الله بن أنيس، وهذا غير الجهني الصحابي المشهور، وقد ذكر الواقدي فيمن استشهد باليمامة عبد الله بن أنيس السلمي بفتحتين فهو هذا، والذي رد عليه هو معاذ بن جبل اتفاقا إلا ما حكى الواقدي‏.‏

وفي رواية أنه أبو قتادة، قال والأول أثبت‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حبسه برداه والنظر في عطفه‏)‏ بكسر العين المهملة وكني بذلك عن حسنه وبهجته، والعرب نصف الرداء بصفة الحسن وتسميه عطفا لوقوعه على عطفي الرجل‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم‏)‏ فبينما هو كذلك رأى رجلا منتصبا يزول به السراب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ كن أبا خيثمة فإذا هو أبو خيثمة الأنصاري‏:‏ قلت‏:‏ واسم أبي خيثمة هذا سعد بن خيثمة، كذا أخرجه الطبراني من حديثه ولفظه ‏"‏ تخلفت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخلت حائطا فرأيت عريشا قد رش بالماء، ورأيت زوجتي فقلت‏:‏ ما هذا بإنصاف، رسول الله صلى الله عليه وسلم في السموم والحرور وأنا في الظل والنعيم، فقمت إلي ناضح لي وتمرات فخرجت، فلما طلعت على العسكر فرآني الناس قال النبي‏:‏ كن أبا خيثمة، فجئت، فدعا لي ‏"‏ وذكره ابن إسحاق عن عبد الله بن أبي بكر بن حزم مرسلا، وذكر الواقدي أن اسمه عبد الله بن خيثمة‏.‏

وقال ابن شهاب‏:‏ اسمه مالك بن قيس‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فلما بلغني أنه توجه قافلا‏)‏ في رواية مسلم ‏"‏ فلما بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏ وذكر ابن سعد أن قدوم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة كان في رمضان‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حضرني همي‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ همني ‏"‏ وفي رواية مسلم ‏"‏ بثي ‏"‏ بالموحدة ثم المثلثة‏.‏

وفي رواية ابن أبي شيبة ‏"‏ فطففت أعد العذر لرسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جاء وأهيئ الكلام‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وأجمعت صدقه‏)‏ أي جزمت بذلك وعقدت عليه قصدي‏.‏

وفي رواية ابن أبي شيبة ‏"‏ وعرفت أنه لا ينجيني منه إلا الصدق‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وكان إذا قدم من سفر بدأ بالمسجد فيركع فيه ركعتين ثم جلس للناس‏)‏ هذه القطعة من هذا الحديث أفردت في الجهاد، وقد أخرجه أحمد من طريق ابن جريج عن ابن شهاب بلفظ ‏"‏ لا يقدم من سفر إلا في الضحى فيبدأ بالمسجد فيصلي فيه ركعتين ويقعد ‏"‏ وفي رواية ابن أبي شيبة ثم يدخل على أهله، وفي حديث أبي ثعلبة عند والطبراني ‏"‏ كان إذا قدم من سفر بدأ بالمسجد فصلى فيه ركعتين ثم يثني بفاطمة ثم يأتي أزواجه ‏"‏ وفي لفظ ‏"‏ ثم بدأ ببيت فاطمة ثم أتى بيوت نسائه‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏جاءه المخلفون فطفقوا يعتذرون إليه ويحلفون له، وكانوا بضعة وثمانين رجلا‏)‏ ذكر الواقدي أن هذا العدد كان من منافقي الأنصار، وأن المعذرين من الأعراب كانوا أيضا اثنين وثمانين رجلا من بني غفار وغيرهم، وأن عبد الله بن أبي ومن أطاعه من قومه كانوا من غير هؤلاء وكانوا عددا كثيرا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فلما سلمت عليه تبسم تبسم المغضب‏)‏ وعند ابن عائذ في المغازي ‏"‏ فأعرض عنه، فقال‏:‏ يا نبي الله لم تعرض عني‏؟‏ فوالله ما نافقت ولا ارتبت ولا بدلت، قال‏:‏ فما خلفك ‏"‏‏؟‏ ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏والله لقد أعطيت جدلا‏)‏ أي فصاحة وقوة كلام بحيث أخرج عن عهدة ما ينسب إلي بما يقبل ولا يرد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏تجد علي‏)‏ بكسر الجيم أي تغضب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حتى يقضي الله فيك، فقمت‏)‏ زاد النسائي من طريق يونس عن الزهري ‏"‏ فمضيت‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وثار رجال‏)‏ أي وثبوا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏كافيك ذنبك‏)‏ بالنصب على نزع الخافض أو على المفعولية أيضا، واستغفار بالرفع على أنه الفاعل‏.‏

وعند ابن عائذ ‏"‏ فقال كعب‏.‏

ما كنت لأجمع أمرين‏.‏

أتخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكذبه‏.‏

فقالوا‏:‏ إنك شاعر جريء، فقال‏:‏ أما على الكذب فلا ‏"‏ زاد في رواية ابن أبي شيبة ‏"‏ كما صنع ذلك بغيرك فقبل منهم عذرهم واستغفر لهم‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقيل لهم مثل ما قيل لك‏)‏ في رواية ابن مردويه ‏"‏ وقال لهما مثل ما قيل لك‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يؤنبوني‏)‏ بنون ثقيلة ثم موحدة من التأنيب وهو اللوم العنيف‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏مرارة‏)‏ بضم الميم وراءين الأولى خفيفة، و قوله‏:‏ ‏(‏العمري‏)‏ بفتح المهملة وسكون الميم نسبة إلى بني عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس، ووقع لبعضهم العامري وهو خطأ‏.‏

وقوله‏:‏ ‏(‏ابن الربيع‏)‏ هو المشهور، ووقع في رواية المسلم ‏"‏ ابن ربيعة ‏"‏ وفي حديث مجمع بن جارية عند ابن مردويه ‏"‏ مرارة بن ربعي ‏"‏ وهو خطأ، وكذا ما وقع عند ابن أبي حاتم من مرسل الحسن من تسميته ‏"‏ ربيع بن مرارة ‏"‏ وهو مقلوب، وذكر في هذا المرسل أن سبب تخلفه أنه كان له حائط حين زهي فقال في نفسه‏:‏ قد غزوت قبلها، فلو أقمت عامي هذا‏.‏

فلما تذكر ذنبه قال‏:‏ اللهم إني أشهدك أني قد تصدقت به في سبيلك‏.‏

وفيه أن الآخر يعني هلالا كان له أهل تفرقوا ثم اجتمعوا فقال‏:‏ لو أقمت هذا العام عندهم، فلما تذكر قال‏:‏ اللهم لك علي أن لا أرجع إلى أهل ولا مال‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وهلال بن أمية الواقفي‏)‏ بقاف ثم فاء نسبة إلى بني واقف بن امرئ القيس بن مالك بن الأوس‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فذكروا لي رجلين صالحين قد شهدا بدرا‏)‏ هكذا وقع هنا‏.‏

وظاهره أنه من كلام كعب بن مالك، وهو مقتضى صنيع البخاري، وقد قررت ذلك واضحا في غزوة بدر‏.‏

وممن جزم بأنهما شهدا بدرا أبو بكر الأثرم، وتعقبه ابن الجوزي ونسبه إلى الغلط فلم يصب، واستدل بعض المتأخرين لكونهما لم يشهدا بدرا بما وقع في قصة حاطب، وأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يهجره ولا عاقبه مع كونه جس عليه، بل قال لعمر لما هم بقتله ‏"‏ وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر فقال‏:‏ اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم‏"‏‏.‏

قال‏:‏ وأين ذنب التخلف من ذنب الجس‏؟‏ ‏.‏

قلت‏:‏ وليس ما استدل به بواضح، لأنه يقتضي أن البدري عنده إذا جنى جناية ولو كبرت لا يعاقب عليها، وليس كذلك، فهذا عمر مع كونه المخاطب بقصة حاطب فقد جلد قدامة بن مظعون الحد لما شرب الخمر وهو بدري كما تقدم، وإنما لم يعاقب النبي صلى الله عليه وسلم حاطبا ولا هجره لأنه قبل عذره في أنه إنما كاتب قريشا خشية على أهله وولده، وأراد أن يتخذ له عندهم يدا فعذره بذلك، بخلاف تخلف كعب وصاحبيه فإنهم لم يكن لهم عذر أصلا‏.‏

والله أعلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لي فيهما أسوة‏)‏ بكسر الهمزة ويجوز ضمها، قال ابن التين‏:‏ التأسي بالنظير ينفع في الدنيا بخلاف الآخرة، فقد قال تعالى‏:‏ ‏(‏ولن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم‏)‏ الآية‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فمضيت حين ذكروهما لي‏)‏ في رواية معمر ‏"‏ فقلت والله لا أرجع إليه في هذا أبدا‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين عن كلامنا أيها الثلاثة‏)‏ بالرفع وهو في موضع نصب على الاختصاص أي متخصصين بذلك دون بقية الناس‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حتى تنكرت في نفسي الأرض فما هي بالتي أعرف‏)‏ وفي رواية معمر ‏"‏ وتنكرت لنا الحيطان حتى ما هي بالحيطان التي نعرف، وتنكر لنا الناس حتى ما هم الذين نعرف ‏"‏ وهذا يجده الحزين والمهموم في كل شيء حتى قد يجده في نفسه، وزاد المصنف في التفسير من طريق إسحاق بن راشد عن الزهري ‏"‏ وما من شيء أهم إلي من أن أموت فلا يصلي علي رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو يموت فأكون من الناس بتلك المنزلة فلا يكلمني أحد منهم ولا يصلي علي‏"‏، وعند ابن عائذ ‏"‏ حتى وجلوا أشد الوجل وصاروا مثل الرهبان‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هل حرك شفتيه برد السلام علي‏)‏ لم يجزم كعب بتحريك شفتيه عليه السلام، ولعل ذلك بسبب أنه لم يكن يديم النظر إليه من الخجل‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فأسارقه‏)‏ بالسين المهملة والقاف أي أنظر إليه في خفية‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏من جفوة الناس‏)‏ بفتح الجيم وسكون الفاء أي إعراضهم‏.‏

وفي رواية ابن أبي شيبة ‏"‏ وطفقنا نمشي في الناس، لا يكلمنا أحد ولا يرد علينا سلاما‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حتى تسورت‏)‏ أي علوت سور الدار‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏جدار حائط أبي قتادة وهو ابن عمي وأحب الناس إلي‏)‏ ذكر أنه ابن عمه لكونهما معا من بني سلمة، وليس هو ابن عمه أخي أبيه الأقرب‏.‏

و قوله‏:‏ ‏(‏أنشدك‏)‏ بضم المعجمة وفتح أوله أي أسألك، و قوله‏:‏ ‏(‏الله ورسوله أعلم‏)‏ ليس هو تكليما لكعب لأنه لم ينو به ذلك كما سيأتي تقريره‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وتوليت حتى تسورت الحائط‏)‏ وفي رواية معمر ‏"‏ فلم أملك نفسي أن بكيت، ثم اقتحمت الحائط خارجا‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إذا نبطي‏)‏ بفتح النون والموحدة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏من أنباط أهل الشام‏)‏ نسبة إلى استنباط الماء واستخراجه، وهؤلاء كانوا في ذلك الوقت أهل الفلاحة وهذا النبطي الشامي كان نصرانيا كما وقع في رواية معمر ‏"‏ إذا نصراني جاء بطعام له يبيعه ‏"‏ ولم أقف على اسم هذا النصراني، ويقال إن النبط ينسبون إلى نبط بن هانب بن أميم بن لاوذ بن سام بن نوح‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏من ملك غسان‏)‏ بفتح المعجمة وسين مهملة ثقيلة هو جبلة بن الأيهم، جزم بذلك ابن عائذ‏.‏

وعند الواقدي الحارث بن أبي شمر، ويقال جبلة بن الأيهم‏.‏

وفي رواية ابن مردويه ‏"‏ فكتب إلي كتابا في سرقة من حرير‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ولم يجعلك الله بدار هوان ولا مضيعة‏)‏ بسكون المعجمة ويجوز كسرها، أي حيث يضيع حقك‏.‏

وعند ابن عائذ ‏"‏ فإن لك متحولا ‏"‏ بالمهملة وفتح الواو، أي مكانا تتحول إليه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فالحق بنا نواسك‏)‏ بضم النون وكسر المهملة من المواساة، وزاد في رواية ابن أبي شيبة ‏"‏ في أموالنا‏.‏

فقلت‏:‏ إنا لله، قد طمع في أهل الكفر ‏"‏ ونحوه لابن مردويه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فتيممت‏)‏ أي قصدت، والتنور ما يخبز فيه، وقوله فسجرته بسين مهملة وجيم أي أوقدته، وأنت الكتاب على معنى الصحيفة‏.‏

وفي رواية ابن مردويه ‏"‏ فعمدت بها إلى تنور به فسجرته بها‏"‏‏.‏

ودل صنيع كعب هذا على قوة إيمانه ومحبته لله ولرسوله، وإلا فمن صار في مثل حاله من الهجر والإعراض قد يضعف عن احتمال ذلك وتحمله الرغبة في الجاه والمال على هجران من هجره ولا سيما مع أمنه من الملك الذي استدعاه إليه أنه لا يكرهه على فراق دينه، لكن لما احتمل عنده أنه لا يأمن من الافتتان حسم المادة وأحرق الكتاب ومنع الجواب، هذا مع كونه من الشعراء الذين طبعت نفوسهم على الرغبة، ولا سيما بعد الاستدعاء والحث على الوصول إلى المقصود من الجاه والمال، ولا سيما والذي استدعاه قريب ونسيبه، ومع ذلك فغلب عليه دينه وقوي عنده يقينه، ورجح ما هو فيه من النكد والتعذيب على ما دعي إليه من الراحة والنعيم، حبا في الله ورسوله، كما قال صلى الله عليه وسلم ‏"‏ وأن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما ‏"‏ وعند ابن عائذ أنه شكا حاله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال‏:‏ ما زال إعراضك عني حتى رغب في أهل الشرك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إذا رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم‏)‏ لم أقف على اسمه، ثم وجدت في رواية الواقدي أنه خزيمة بن ثابت، قال‏:‏ وهو الرسول إلى هلال ومرارة بذلك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أن تعتزل امرأتك‏)‏ هي عميرة بنت جبير بن صخر بن أمية الأنصارية أم أولاده الثلاثة عبد الله وعبيد الله ومعبد، ويقال اسم امرأته التي كانت يومئذ عنده خيرة بالمعجمة المفتوحة ثم التحتانية‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏الحقي بأهلك فتكوني عندهم حتى يقضي الله‏)‏ زاد النسائي من طريق معقل بن عبيد الله عن الزهري ‏"‏ فلحقت بهم‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فجاءت امرأة هلال‏)‏ هي خولة بنت عاصم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقال لي بعض أهلي‏)‏ لم أقف على اسمه، ويشكل مع نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن كلام الثلاثة، ويجاب بأنه لعله بعض ولده أو من النساء، ولم يقع النهي عن كلام الثلاثة للنساء اللائي في بيوتهم، أو الذي كلمه بذلك كان منافقا، أو كان ممن يخدمه ولم يدخل في النهي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فأوفى‏)‏ بالفاء مقصور أي أشرف واطلع‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏على جبل سلع‏)‏ بفتح المهملة وسكون اللام‏.‏

وفي رواية معمر ‏"‏ من ذروة سلع ‏"‏ أي أعلاه، وزاد ابن مردويه ‏"‏ وكنت ابتنيت خيمة في ظهر سلع فكنت أكون فيها ‏"‏ ونحوه لابن عائذ وزاد ‏"‏ أكون فيها نهارا‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يا كعب بن مالك أبشر‏)‏ في رواية عمر بن كثير عن كعب عند أحمد ‏"‏ إذ سمعت رجلا على الثنية يقول‏:‏ كعبا كعبا، حتى دنا مني فقال‏:‏ بشروا كعبا‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فخررت ساجدا وقد عرفت أنه جاء فرج‏)‏ وعند ابن عائذ ‏"‏ فخر ساجدا يبكي فرحا بالتوبة‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وآذن‏)‏ بالمد وفتح المعجمة أي أعلم، وللكشميهني بغير مد وبالكسر، ووقع في رواية إسحاق بن راشد وفي رواية معمر ‏"‏ فأنزل الله توبتنا على نبيه حين بقي الثلث الأخير من الليل، ورسول الله صلى الله عليه وسلم عند أم سلمة، وكانت أم سلمة محسنة في شأني معتنية بأمري فقال‏:‏ يا أم سلمة تيب على كعب، قالت‏:‏ أفلا أرسل إليه فأبشره‏؟‏ قال‏:‏ إذا يحطمكم الناس فيمنعوكم النوم سائر الليلة‏.‏

حتى إذا صلى الفجر آذن بتوبة الله علينا‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وركض إلي رجل فرسا‏)‏ لم أقف على اسمه، ويحتمل أن يكون هو حمزة بن عمرو الأسلمي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وسعى ساع من أسلم‏)‏ هو حمزة بن عمرو ورواه الواقدي، وعند ابن عائذ أن اللذين سعيا أبو بكر وعمر، لكنه صدره بقوله‏:‏ ‏"‏ زعموا ‏"‏ وعند الواقدي ‏"‏ وكان الذي أوفى على سلع أبا بكر الصديق فصاح‏:‏ قد تاب الله على كعب‏.‏

والذي خرج على فرسه الزبير بن العوام‏.‏

قال‏:‏ وكان الذي بشرني فنزعت له ثوبي حمزة بن عمرو الأسلمي‏.‏

قال‏:‏ وكان الذي بشر هلال بن أمية بتوبته سعيد بن زيد، قال‏:‏ وخرجت إلى بني واقف فبشرته فسجد‏.‏

قال سعيد‏:‏ فما ظننته يرفع رأسه حتى تخرج نفسه ‏"‏ يعني لما كان فيه من الجهد فقد قيل إنه امتنع من الطعام حتى كان يواصل الأيام صائما ولا يفتر من البكاء، وكان الذي بشر مرارة بنويته سلكان بن سلامة أو سلمة بن سلامة بن وقش‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏والله ما أملك غيرهما يومئذ‏)‏ يريد من جنس الثياب، وإلا فقد تقدم أنه كان عنده راحلتان، وسيأتي أنه استأذن أن يخرج من ماله صدقة‏.‏

ثم وجدت في رواية ابن أبي شيبة التصريح بذلك ففيها ‏"‏ ووالله ما أملك يومئذ ثوبين غيرهما ‏"‏ وزاد ابن عائذ من وجه آخر عن الزهري ‏"‏ فلبسهما‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏واستعرت ثوبين‏)‏ في رواية الواقدي ‏"‏ من أبي قتادة‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وانطلقت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم‏)‏ في رواية مسلم ‏"‏ فانطلقت أتأمم رسول الله صلى الله عليه وسلم‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فوجا فوجا‏)‏ أي جماعة جماعة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ليهنك بكسر النون‏)‏ وزعم ابن التين أنه بفتحها، بل قال السفاقسي إنه أصوب لأنه من الهناء، وفيه نظر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ولا أنساها لطلحة‏)‏ قالوا سبب ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان آخى بينه وبين طلحة لما آخى بين المهاجرين والأنصار، والذي ذكره أهل المغازي أنه كان أخا الزبير لكن كان الزبير أخا طلحة في أخوه المهاجرين فهو أخو أخيه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أبشر بخير يوم مر عليك منذ ولدتك أمك‏)‏ استشكل هذا الإطلاق بيوم إسلامه فإنه مر عليه بعد أن ولدته أمه وهو خير أيامه، فقيل هو مستثنى، تقديرا وإن لم ينطق به لعدم خفائه، والأحسن في الجواب أن يوم توبته مكمل ليوم إسلامه، فيوم إسلامه بداية سعادته ويوم توبته مكمل لها فهو خير جميع أيامه، وإن كان يوم إسلامه خيرها فيوم توبته المضاف إلى إسلامه خير من يوم إسلامه المجرد عنها‏.‏

والله أعلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال‏:‏ لا، بل من عند الله‏)‏ زاد في رواية ابن أبي شيبة ‏"‏ إنكم صدقتم الله فصدقكم‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حتى كأنه قطعة قمر‏)‏ في رواية إسحاق بن راشد في التفسير ‏"‏ حتى كأنه قطعة من التمر ‏"‏ ويسأل عن السر في التقييد بالقطعة مع كثرة ما ورد في كلام البلغاء من تشبيه الوجه بالقمر بغير تقييد، وقد تقدم في صفة النبي صلى الله عليه وسلم تشبيههم له بالشمس طالعة وغير ذلك، وكان كعب بن مالك قائل هذا من شعراء الصحابة وحاله في ذلك مشهور، فلا بد في التقييد بذلك من حكمة‏.‏

وما قيل في ذلك من الاحتراز من السواد الذي في القمر ليس بقوي، لأن المراد تشبيهه بما في القمر من الضياء والاستنارة، وهو في تمامه لا يكون فيها أقل مما في القطعة المجردة‏.‏

وقد ذكرت في صفة النبي صلى الله عليه وسلم بذلك توجيهات‏:‏ ومنها أنه للإشارة إلى موضع الاستنارة وهو الجبين وفيه يظهر السرور كما قالت عائشة‏:‏ مسرورا تبرق أسارير وجهه، فكأن التشبيه وقع على بعض الوجه فناسب أن يشبه ببعض القمر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وكنا نعرف ذلك منه‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ فيه‏"‏، وفيه ما كان النبي صلى الله عليه وسلم عليه من كمال الشفقة على أمته والرأفة بهم والفرح بما يسرهم‏.‏

وعند ابن مردويه من وجه آخر عن كعب بن مالك ‏"‏ لما نزلت توبتي أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقبلت يده وركبته‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إن من توبتي أن أنخلع من مالي‏)‏ أي أخرج من جميع مالي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏صدقة‏)‏ هو مصدر في موضع الحال أي متصدقا، أو ضمن أنخلع معنى أتصدق وهو مصدر أيضاء وقوله‏:‏ ‏"‏ أمسك عليك بعض مالك فهو خير لك ‏"‏ في رواية أبي داود عن كعب أنه قال‏:‏ ‏"‏ إن من توبتي أن أخرج من مالي كله إلى الله ورسوله صدقة‏.‏

قال‏:‏ لا، قلت‏:‏ نصفه‏.‏

قال‏:‏ لا، قلت‏:‏ فثلثه‏.‏

قال‏:‏ نعم ‏"‏ ولابن مردويه من طريق ابن عيينة عن الزهري ‏"‏ فقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ يجزي عنك من ذلك الثلث ‏"‏ ونحوه لأحمد في قصة أبي لبابة حين قال‏:‏ ‏"‏ إن من توبتي أن أنخلع من مالي كله صدقة لله ورسوله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ يجزي عنك الثلث‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فوالله ما أعلم أحدا من المسلمين أبلاه الله‏)‏ أي أنعم عليه‏.‏

وقوله‏:‏ ‏"‏ في صدق الحديث مذ ذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن مما أبلاني ‏"‏ وكذلك قوله بعد ذلك ‏"‏ فوالله ما أنعم الله علي من نعمة قط بعد أن هداني إلى الإسلام أعظم من صدقي لرسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏ ففي قوله‏:‏ ‏"‏ أحسن وأعظم ‏"‏ شاهد على أن هذا السياق يورد ويراد به نفي الأفضلية لا المساواة، لأن كعبا شاركه في ذلك رفيقان، وقد نفى أن يكون لحد حصل له أحسن مما حصل له، وهو كذلك لكنه لم ينف المساواة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أن لا أكون كذبته‏)‏ لا زائدة كما نبه عليه عياض‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وكنا تخلفنا‏)‏ بضم أوله وكسر اللام وفي رواية مسلم وغيره ‏"‏ خلفنا ‏"‏ بضم المعجمة من غير شيء قبلها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وأرجأ‏)‏ مهموزا أي أخر وزنا ومعنى، وحاصله أن كعبا فسر قوله تعالى‏:‏ ‏(‏وعلى الثلاثة الذين خلفوا‏)‏ أي أخروا حتى تاب الله عليهم، لا أن المراد أنهم خلفوا عن الغزو، وفي تفسير عبد الرزاق عن معمر عمن سمع عكرمة في قوله تعالى‏:‏ ‏(‏وعلى الثلاثة الذين خلفوا‏)‏ قال‏:‏ خلفوا عن التوبة، ولابن جرير من طريق قتادة نحوه، قال ابن جرير‏:‏ فمعنى الكلام لقد تاب الله على الذين أخرت توبتهم‏.‏

وفي قصة كعب من الفوائد غير ما تقدم جواز طلب أموال الكفار من ذوي الحرب، وجواز الغزو في الشهر الحرام، والتصريح بجهة الغزو إذا لم تقتض المصلحة ستره، وأن الإمام إذا استنفر الجيش عموما لزمهم النفير ولحق اللوم بكل فرد فرد أن لو تخلف‏.‏

وقال السهيلي‏:‏ إنما اشتد الغضب على من تخلف وإن كان الجهاد فرض كفاية لكنه في حق الأنصار خاصة فرض عين لأنهم بايعوا على ذلك، ومصداق ذلك قولهم وهم يحفرون الخندق‏:‏ نحن الذين بايعوا محمدا على الجهاد ما بقينا أبدا فكان تخلفهم عن هذه الغزوة كبيرة لأنها كالنكث لبيعتهم، كذا قال ابن بطال‏.‏

قال السهيلي‏:‏ ولا أعرف له وجها غير الذي قال‏.‏

قلت‏:‏ وقد ذكرت وجها غير الذي ذكره ولعله أقعد، ويؤيده قوله تعالى‏:‏ ‏(‏ما كان لأهل المدينة ومن حولهم من الأعراب أن يتخلفوا عن رسول الله‏)‏ الآية‏.‏

وعند الشافعية وجه أن الجهاد كان فرض عين في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، فعلى هذا فيتوجه العتاب على من تخلف مطلقا‏.‏

وفيها أن العاجز عن الخروج بنفسه أو بماله لا لوم عليه، واستخلاف من يقوم مقام الإمام على أهله والضعفة، وفيها ترك قتل المنافقين، ويستنبط منه ترك قتل الزنديق إذا أظهر التوبة‏.‏

وأجاب من أجازه بأن الترك كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم لمصلحة التأليف على الإسلام‏.‏

وفيها عظم أمر المعصية، وقد نبه الحسن البصري على ذلك فيما أخرجه ابن أبي حاتم عنه قال‏:‏ يا سبحان الله ما أكل هؤلاء الثلاثة مالا حراما ولا سفكوا دما حراما ولا أفسدوا في الأرض، أصابهم ما سمعتم وضاقت عليهم الأرض بما رحبت، فكيف بمن يواقع الفواحش والكبائر‏؟‏ وفيها أن القوي في الدين يؤاخذ بأشد مما يؤاخذ الضعيف في الدين، وجواز إخبار المرء عن تقصيره وتفريطه وعن سبب ذلك وما آل إليه أمره تحذيرا ونصيحة لغيره، وجواز مدح المرء بما فيه من الخير إذا أمن الفتنة، وتسلية نفسه بما لم يحصل له بما وقع لنظيره، وفضل أهل بدر والعقبة، والحلف للتأكيد من غير استحلاف، والتورية عن المقصد، ورد الغيبة، وجواز ترك وطء الزوجة مدة‏.‏

وفيه أن المرء إذا لاحت له فرصة في الطاعة فحقه أن يبادر إليها ولا يسوف بها لئلا يحرمها كما قال تعالى‏:‏ ‏(‏استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم، واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه‏)‏ ومثله قوله تعالى‏:‏ ‏(‏ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة‏)‏ ونسأل الله تعالى أن يلهمنا المبادرة إلى طاعته، وأن لا يسلبنا ما خولنا من نعمته‏.‏

وفيها جواز تمني ما فات من الخير، وأن الإمام لا يهمل من تخلف عنه في بعض الأمور بل يذكره ليراجع التوبة‏.‏

وجواز الطعن في الرجل بما يغلب على اجتهاد الطاعن عن حمية لله ورسوله‏.‏

وفيها جواز الرد على الطاعن إذا غلب على ظن الراد وهم الطاعن أو غلطه‏.‏

وفيها أن المستحب للقادم أن يكون على وضوء، وأن يبدأ بالمسجد قبل بيته فيصلي ثم يجلس لمن يسلم عليه، ومشروعية السلام على القادم وتلقيه، والحكم بالظاهر، وقبول المعاذير واستحباب بكاء العاصي أسفا على ما فاته من الخير‏.‏

وفيها إجراء الأحكام على الظاهر ووكول السرائر إلى الله تعالى وفيها ترك السلام على من أذنب، وجواز هجره أكثر من ثلاث‏.‏

وأما النهي عن الهجر فوق الثلاث فمحمول على من لم يكن هجرانه شرعيا، وأن التبسم قد يكون عن غضب كما يكون عن تعجب ولا يختص بالسرور‏.‏

ومعاتبة الكبير أصحابه ومن يعز عليه دون غيره‏.‏

وفيها فائدة الصدق وشؤم عاقبة الكذب‏.‏

وفيها العمل بمفهوم اللقب إذا حفته قرينة، لقوله صلى الله عليه وسلم لما حدثه كعب ‏"‏ أما هذا فقد صدق ‏"‏ فإنه يشعر بأن من سواه كذب، لكن ليس على عمومه في حق كل أحد سواه، لأن مرارة وهلالا أيضا قد صدقا، فيختص الكذب بمن حلف واعتذر، لا بمن اعترف، ولهذا عاقب من صدق بالتأديب الذي ظهرت فائدته عن قرب، وأخر من كذب للعقاب الطويل، وفي الحديث الصحيح ‏"‏ إذا أراد الله بعبد خيرا عجل له عقوبته في الدنيا، وإذا أراد به شرا أمسك عنه عقوبته فيرد القيامة بذنوبه ‏"‏ قيل وإنما غلظ في حق هؤلاء الثلاثة لأنهم تركوا الواجب عليهم من غير عذر، ويدل عليه قوله تعالى‏:‏ ‏(‏ما كان لأهل المدينة ومن حولهم من الأعراب أن يتخلفوا عن رسول الله‏)‏ وقول الأنصار‏:‏ نحن الذين بايعوا محمدا على الجهاد ما بقينا أبدا وفيها تبريد حر المصيبة بالتأسي بالنظير، وفيها عظم مقدار الصدق في القول والفعل، وتعليق سعادة الدنيا والآخرة والنجاة من شرهما به، وأن من عوقب بالهجر يعذر في التخلف عن صلاة الجماعة لأن مرارة وهلالا لم يخرجا من بيوتهما تلك المدة‏.‏

وفيها سقوط رد السلام على المهجور عمن سلم عليه إذ لو كان واجبا لم يقل كعب‏:‏ هل حرك شفتيه برد السلام‏.‏

وفيها جواز دخول المرء دار جاره وصديقه بغير إذنه ومن غير الباب إذا علم رضاه‏.‏

وفيها أن قول المرء‏:‏ ‏"‏ الله ورسوله أعلم ‏"‏ ليس بخطاب ولا كلام ولا يحنث به من حلف أن لا يكلم الأخر إذا لم ينو به مكالمته وإنما قال أبو قتادة ذلك لما ألح عليه كعب، وإلا فقد تقدم أن رسول ملك غسان لما سأل عن كعب جعل الناس يشيرون له إلى كعب ولا يتكلمون بقولهم مثلا هذا كعب مبالغة في هجره والإعراض عنه، وفيها أن مسارقة النظر في الصلاة لا تقدح في صحتها، وإيثار طاعة الرسول على مودة القريب، وخدمة المرأة زوجها، والاحتياط لمجانبة ما يخشى الوقوع فيه، وجواز تحريق ما فيه اسم الله للمصلحة‏.‏

وفيها مشروعية سجود الشكر والاستباق إلى البشارة بالخير وإعطاء البشير أنفس ما يحضر الذي يأتيه بالبشارة، وتهنئة من تجددت له نعمة، والقيام إليه إذا أقبل، واجتماع الناس عند الإمام في الأمور المهمة، وسروره بما يسر أتباعه، ومشروعية العارية، ومصافحة القادم والقيام له، والتزام المداومة على الخير الذي ينتفع به، واستحباب الصدقة عند التوبة، وأن من نذر الصدقة بكل ماله لم يلزمه إخراج جميعه‏.‏

وسيأتي البحث فيه في كتاب النذر إن شاء الله تعالى‏.‏

وقال ابن التين‏:‏ فيه أن كعب بن مالك من المهاجرين الأولين الذين صلوا إلى القبلتين، كذا قال، وليس كعب من المهاجرين إنما هو من السابقين من الأنصار‏.‏