فصل: باب كِتَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى كِسْرَى وَقَيْصَرَ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فتح الباري شرح صحيح البخاري **


*3*باب نُزُولِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحِجْرَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب نزول النبي صلى الله عليه وسلم الحجر‏)‏ بكسر المهملة وسكون الجيم، وهي منازل ثمود‏.‏

زعم بعضهم أنه مر به ولم ينزل، ويرده التصريح في حديث ابن عمر بأنه ‏"‏ لما نزل الحجر أمرهم أن لا يشربوا ‏"‏ وقد تقدم حديث ابن عمر في بئر ثمود، وقد تقدمت مباحثه في أحاديث الأنبياء‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْجُعْفِيُّ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ لَمَّا مَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْحِجْرِ قَالَ لَا تَدْخُلُوا مَسَاكِنَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ أَنْ يُصِيبَكُمْ مَا أَصَابَهُمْ إِلَّا أَنْ تَكُونُوا بَاكِينَ ثُمَّ قَنَّعَ رَأْسَهُ وَأَسْرَعَ السَّيْرَ حَتَّى أَجَازَ الْوَادِيَ

الشرح‏:‏

وقوله‏:‏ ‏"‏ أن يصيبكم ‏"‏ بفتح الهمزة مفعول له، أي كراهة الإصابة‏.‏

وقوله‏:‏ ‏"‏ أجاز الوادي ‏"‏ أي قطعه‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا يَحْيَى بْن بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَصْحَابِ الْحِجْرِ لَا تَدْخُلُوا عَلَى هَؤُلَاءِ الْمُعَذَّبِينَ إِلَّا أَنْ تَكُونُوا بَاكِينَ أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَهُمْ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏"‏ قال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحاب الحجر لا تدخلوا ‏"‏ قال الكرماني‏:‏ أي قال لأصحابه الذين معه في ذلك الموضع، وأضيف إلى الحجر لعبورهم عليه‏.‏

وقد تكلم في ذلك وتعسف، وليس كما قال، بل اللام في قوله‏:‏ ‏"‏ لأصحاب الحجر ‏"‏ بمعنى عن، وحذف المقول لهم ليعم كل سامع، والتقدير‏:‏ قال لأمته عن أصحاب الحجر وهم ثمود‏:‏ لا تدخلوا على هؤلاء المعذبين، أي ثمود‏:‏ وهذا واضح لإخفاء به‏.‏

*3*باب

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ عَنْ اللَّيْثِ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ عَنْ أَبِيهِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قَالَ ذَهَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِبَعْضِ حَاجَتِهِ فَقُمْتُ أَسْكُبُ عَلَيْهِ الْمَاءَ لَا أَعْلَمُهُ إِلَّا قَالَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ فَغَسَلَ وَجْهَهُ وَذَهَبَ يَغْسِلُ ذِرَاعَيْهِ فَضَاقَ عَلَيْهِ كُمُّ الْجُبَّةِ فَأَخْرَجَهُمَا مِنْ تَحْتِ جُبَّتِهِ فَغَسَلَهُمَا ثُمَّ مَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب‏)‏ كذا فيه بغير ترجمة، وهو كالفصل مما تقدم، لأن أحاديثه تتعلق ببقية قصة تبوك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن الليث عن عبد العزيز بن أبي سلمة عن سعد بن إبراهيم‏)‏ تقدم في الطهارة عن الليث عن يحيى بن سعيد عن سعد بن إبراهيم فكأن له فيه شيخين‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ذهب النبي صلى الله عليه وسلم لبعض حاجته، فقمت أسكب عليه، لا أعلمه إلا في غزوة تبوك‏)‏ كذا فيه، وقد قدمت في المسح على الخفين بيان من رواه بغير تردد، وذكرت هناك بقية شرحه‏.‏

ووقع عند مسلم من رواية عباد بن زياد عن عروة بن المغيرة أن المغيرة أخبره أنه غزا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم تبوك فذكر حديث المسح كما تقدم وزاد المغيرة ‏"‏ فأقبلت معه حتى نجد الناس قد قدموا عبد الرحمن بن عوف يصلي بهم، فأدرك النبي صلى الله عليه وسلم الركعة الأخيرة، فلما سلم عبد الرحمن قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يتم صلاته‏.‏

فأفزع ذلك الناس ‏"‏ وفي رواية له ‏"‏ قال المغيرة‏:‏ فأردت تأخير عبد الرحمن، فقال النبي صلى الله عليه وسلم دعه‏"‏‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ قَالَ حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ يَحْيَى عَنْ عَبَّاسِ بْنِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ قَالَ أَقْبَلْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ حَتَّى إِذَا أَشْرَفْنَا عَلَى الْمَدِينَةِ قَالَ هَذِهِ طَابَةُ وَهَذَا أُحُدٌ جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏سليمان‏)‏ هو ابن بلال، و ‏(‏عمر بن يحيي‏)‏ هو المازني وقد تقدمت مباحث حديث أبي حميد هذا في أواخر الزكاة وفي الجهاد في ‏"‏ باب من غزا بصبي للخدمة‏"‏‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا حُمَيْدٌ الطَّوِيلُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجَعَ مِنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ فَدَنَا مِنْ الْمَدِينَةِ فَقَالَ إِنَّ بِالْمَدِينَةِ أَقْوَامًا مَا سِرْتُمْ مَسِيرًا وَلَا قَطَعْتُمْ وَادِيًا إِلَّا كَانُوا مَعَكُمْ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَهُمْ بِالْمَدِينَةِ قَالَ وَهُمْ بِالْمَدِينَةِ حَبَسَهُمْ الْعُذْرُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏عبد الله‏)‏ هو ابن المبارك، وقد تقدمت مباحث الحديث سندا ومتنا في الجهاد في ‏"‏ باب من حبسه العذر عن الغزو‏"‏‏.‏

*3*باب كِتَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى كِسْرَى وَقَيْصَرَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى كسرى وقيصر‏)‏ أما كسرى فهو ابن برويز بن هرمز بن أنو شروان‏.‏

وهو كسرى الكبير المشهور، وقيل إن الذي بعث إليه النبي صلى الله عليه وسلم هو أنو شروان، وفيه نظر لما سيأتي أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن زربان ابنه يقتله، والذي قتله ابنه هو كسرى بن برويز بن هرمز‏.‏

وكسرى بفتح الكاف وبكسرها لقب كل من تملك الفرس، ومعناه بالعربية المظفري وقد تقدم الكلام في ضبط كافه في ‏"‏ علامات النبوة‏"‏، وأما قيصر فهو هرقل، وقد تقدم شأنه في أول الكتاب‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ صَالِحٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ بِكِتَابِهِ إِلَى كِسْرَى مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُذَافَةَ السَّهْمِيِّ فَأَمَرَهُ أَنْ يَدْفَعَهُ إِلَى عَظِيمِ الْبَحْرَيْنِ فَدَفَعَهُ عَظِيمُ الْبَحْرَيْنِ إِلَى كِسْرَى فَلَمَّا قَرَأَهُ مَزَّقَهُ فَحَسِبْتُ أَنَّ ابْنَ الْمُسَيَّبِ قَالَ فَدَعَا عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُمَزَّقُوا كُلَّ مُمَزَّقٍ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا إسحاق‏)‏ هو ابن راهويه، ويعقوب بن إبراهيم أي ابن سعد، وصالح هو ابن كيسان، وقد تقدم للمصنف في العلم عاليا عن إبراهيم بن سعد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏مع عبد الله بن حذافة‏)‏ هذا هو المعتمد، ووقع في رواية عمر بن شبة أنه خنيس بن حذافة، وهو غلط فإنه مات بأحد فتأيمت منه حفصة وبعث الرسل كان بعد الهدنة سنة سبع، ووقع في ترجمة عبد الله بن عيسى أخي كامل بن عدي من طريقه عن داود بن أبي هند عن عكرمة عن ابن عباس في قصة اتخاذ الخاتم وفيه ‏"‏ وبعث كتابا إلى كسرى بن هرمز بعث به مع عمر بن الخطاب ‏"‏ كذا قال، وعبد الله ضعيف فإن ثبت فلعله كتب إلى ملك فارس مرتين وذلك في أوائل سنة سبع‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إلى عظيم البحرين‏)‏ هو المنذر ساوى العبدي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فدفعه‏)‏ الفاء عاطفة على محذوف تقدير فتوجه إليه فأعطاه الكتاب فأعطاه لقاصده عنده فتوجه به فدفعه إلى كسرى، ويحتمل أن يكون المنذر توجه بنفسه فلا يحتاج إلى القاصد، ويحتمل أن يكون القاصد لم يباشر إعطاء كسرى بنفسه كما هو الأغلب من حال الملوك فيزداد التقدير‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فلما قرأ‏)‏ كذا للأكثر بحذف المفعول، وللكشميهني ‏"‏ فلما قرأه ‏"‏ وفيه مجاز فإنه لم يقرأه بنفسه وإنما قرئ عليه كما سيأتي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏مزقه‏)‏ أي قطعه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فحسبت أن ابن المسيب‏)‏ القائل هو الزهري وهو موصول بالإسناد المذكور، ووقع في جميع الطرق مرسلا، ويحتمل أن يكون ابن المسيب سمعه من عبد الله بن حذافة صاحب القصة، فإن ابن سعد ذكر من حديثه أنه قال‏:‏ ‏"‏ فقرأ عليه كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذه فمزقه‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فدعا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم‏)‏ أي على كسرى وجنوده‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أن يمزقوا كل ممزق‏)‏ بفتح الزاي أي يتفرقوا ويتقطعوا وفي حديث عبد الله بن حذافة ‏"‏ فلما بلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ اللهم مزق ملكه ‏"‏ وكتب إلى باذان عامله على اليمن‏:‏ ابعث من عندك رجلين إلى هذا الرجل الذي بالحجاز، فكتب باذان إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ أبلغا صاحبكما أن ربي قتل ربه في هذه الليلة، قال‏:‏ وكان ذلك ليلة الثلاثاء لعشر مضين من جمادى الأولى سنة سبع، وإن الله سلط عليه ابنه شيرويه فقتله‏.‏

وعن الزهري قال‏:‏ بلغني أن كسرى كتب إلى باذان بلغني أن رجلا من قريش يزعم أنه نبي، فسر إليه فإن تاب وإلا أبعث برأسه، فذكر القصة قال‏:‏ فلما بلغ باذان أسلم هو ومن معه من الفرس‏.‏

‏(‏تنبيه‏)‏ جزم ابن سعد بأن بعث عبد الله بن حذافة إلى كسرى كان في سنة سبع في زمن الهدنة، وهو عند الواقدي من حديث الشفاء بنت عبد الله بلفظ ‏"‏ منصرفه من الحديبية ‏"‏ وصنيع البخاري يقتضي أنه كان في سنة تسع، فإنه ذكره بعد غزوة تبوك، وذكر في آخر الباب حديث السائب أنه تلقى النبي صلى الله عليه وسلم لما رجع من تبوك إشارة إلى ما ذكرت، وقد ذكر أهل المغازي أنه صلى الله عليه وسلم لما كان بتبوك كتب إلى قيصر وغيره، وهي غير المرة التي كتب إليه مع دحية، فإنها كانت في زمن الهدنة كما صرح به في الخبر وذلك سنة سبع‏.‏

ووقع عند مسلم عن أنس ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى كسرى وقيصر ‏"‏ الحديث وفيه ‏"‏ وإلى كل جبار عنيد ‏"‏ وروى الطبراني من حديث المسور بن مخرمة قال‏:‏ ‏"‏ خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه فقال‏:‏ إن الله بعثني للناس كافة‏.‏

فأدوا عني ولا تختلفوا علي‏.‏

فبعث عبد الله بن حذافة إلى كسرى، وسليط بن عمرو إلى هوذة بن علي باليمامة، والعلاء بن الحضرمي إلى المنذر بن ساوى بهجر، وعمرو بن العاص إلى جيفر وعباد ابني الجلندي بعمان، ودحية إلى قيصر، وشجاع بن وهب إلى ابن أبي شمر الغساني، وعمرو بن أمية إلى النجاشي، فرجعوا جميعا قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، غير عمرو بن العاص ‏"‏ وزاد أصحاب السير أنه بعث المهاجرين أبي أمية بن الحارث بن عبد كلال وحريرا إلى ذي الكلاع، والسائب إلى مسيلمة، وحاطب بن أبي بلتعة إلى المقوقس‏.‏

وفي حديث أنس الذي أشرت إليه عند مسلم أن النجاشي الذي بعث إليه مع هؤلاء غير النجاشي الذي أسلم‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ الْهَيْثَمِ حَدَّثَنَا عَوْفٌ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ قَالَ لَقَدْ نَفَعَنِي اللَّهُ بِكَلِمَةٍ سَمِعْتُهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيَّامَ الْجَمَلِ بَعْدَ مَا كِدْتُ أَنْ أَلْحَقَ بِأَصْحَابِ الْجَمَلِ فَأُقَاتِلَ مَعَهُمْ قَالَ لَمَّا بَلَغَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ أَهْلَ فَارِسَ قَدْ مَلَّكُوا عَلَيْهِمْ بِنْتَ كِسْرَى قَالَ لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمْ امْرَأَةً

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا عوف‏)‏ هو الأعرابي و ‏(‏الحسن‏)‏ هو البصري والإسناد كله بصريون، وسماع الحسن من أبي بكرة تقدم بيانه في الصلح‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏نفعني الله بكلمة سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم أيام الجمل‏)‏ فيه تقديم وتأخير، والتقدير‏:‏ نفعني الله أيام الجمل بكلمه سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم أي قبل ذلك، فأيام يتعلق بـ ‏"‏ نفعني ‏"‏ لا بـ ‏"‏ سمعتها ‏"‏ فإنه سمعها قبل ذلك قطعا، والمراد بأصحاب الجمل العسكر الذين كانوا مع عائشة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بعدما كدت ألحق بأصحاب الجمل‏)‏ يعني عائشة رضي الله عنها ومن معها، وسيأتي بيان هذه القصة في كتاب الفتن إن شاء الله تعالى، ومحصلها أن عثمان لما قتل وبويع علي بالخلافة خرج طلحة والزبير إلى مكة موجدا عائشة وكانت قد حجت، فاجتمع رأيهم على التوجه إلى البصرة يستنفرون الناس للطلب بدم عثمان، فبلغ ذلك عليا فخرج إليهم، فكانت وقعة الجمل، ونسبت إلى الجمل الذي كانت عائشة قد ركبته وهي في هودجها تدعو الناس إلى الإصلاح، والقائل‏:‏ ‏"‏ لما بلغ ‏"‏ هو أبو بكرة، وهو تفسير لقوله‏:‏ ‏"‏ بكلمة ‏"‏ وفيه إطلاق الكلمة على الكلام الكثير‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ملكوا عليهم بنت كسرى‏)‏ هي بوران بنت شيرويه بن كسرى بن برويز، وذلك أن شيرويه لما قتل أباه كما تقدم كان أبوه لما عرف أن ابنه قد عمل على قتله احتال على قتل ابنه بعد موته فعمل في بعض خزائنه المختصة به حقا مسموما وكتب عليه‏:‏ حق الجماع، من تناول منه كذا جامع كذا‏.‏

فقرأه شيرويه، فتناول منه فكان فيه هلاكه، فلم يعش بعد أبيه سوى ستة أشهر، فلما مات لم يخلف أخا لأنه كان قتل إخوته حرصا على الملك ولم يخلف ذكرا، وكرهوا خروج الملك عن ذلك البيت فملكوا المرأة واسمها بوران بضم الموحدة‏.‏

ذكر ذلك ابن قتيبة في المغازي‏.‏

وذكر الطبري أيضا أن أختا أرزميدخت ملكت أيضا‏.‏

قال الخطابي‏:‏ في الحديث أن المرأة لا تلي الإمارة ولا القضاء، وفيه أنها لا تزوج نفسها، ولا تلي العقد على غيرها، كذا قال، وهو متعقب والمنع من أن تلي الإمارة والقضاء قول الجمهور، وأجازه الطبري وهي رواية عن مالك، وعن أبي حنيفة تلي الحكم فيما تجوز قيه شهادة النساء‏.‏

ومناسبة هذا الحديث للترجمة من جهة أنه تتمة قصة كسرى الذي مزق كتاب النبي صلى الله عليه وسلم، فسلط الله عليه ابنه فقتله ثم قتل إخوته حتى أفضى الأمر بهم إلى تأمير المرأة، فجر ذلك إلى ذهاب ملكهم ومزقوا كما دعا به النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ سَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ عَنْ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ يَقُولُ أَذْكُرُ أَنِّي خَرَجْتُ مَعَ الْغِلْمَانِ إِلَى ثَنِيَّةِ الْوَدَاعِ نَتَلَقَّى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ سُفْيَانُ مَرَّةً مَعَ الصِّبْيَانِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال سفيان مرة مع الصبيان‏)‏ هو موصول، ولكن بين الراوي عنه أنه قال مرة الغلمان ومرة الصبيان، وهو بالمعنى‏.‏

ثم ساقه عن شيخ آخر عن سفيان وزاد في آخره ‏"‏ مقدمه من تبوك ‏"‏ فأنكر الداودي هذا وتبعه ابن القيم وقال‏:‏ ثنية الوداع من جهة مكة لا من جهة تبوك، بل هي مقابلها كالمشرق والمغرب‏.‏

قال‏:‏ إلا أن يكون هناك ثنية أخرى في تلك الجهة، والثنية ما ارتفع في الأرض، وقيل الطريق في الجبل‏.‏

قلت‏:‏ لا يمنع كونها من جهة الحجاز أن يكون خروج المسافر إلى الشام من جهتها، وهذا واضح كما في دخول مكة من ثنية والخروج منها من أخرى، وينتهي كلاهما إلى طريق واحدة، وقد روينا بسند منقطع في ‏"‏ الحلبيات ‏"‏ قول النسوة لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة‏:‏ ‏"‏ طلع البدر علينا من ثنيات الوداع ‏"‏ فقيل‏:‏ كان ذلك عند قدومه في الهجرة وقيل عند قدومه من غزوة تبوك‏.‏

‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ في إيراد هذا الحديث آخر هذا الباب إشارة إلى أن إرسال الكتب إلى الملوك كان في سنة غزوة تبوك، ولكن لا يدفع ذلك قول من قال إنه كاتب الملوك في سنة الهدنة كقيصر، والجمع بين القولين أنه كاتب قيصر مرتين، وهذه الثانية قد وقع التصريح بها في ‏"‏ مسند أحمد ‏"‏ وكاتب النجاشي الذي أسلم وصلى عليه لما مات، ثم كاتب النجاشي الذي ولي بعده وكان كافرا، وقد روى مسلم من حديث أنس قال‏:‏‏:‏ كتب النبي صلى الله عليه وسلم إلى كل جبار يدعوهم إلى الله ‏"‏ وسمي منهم كسرى وقيصر والنجاشي، قال‏:‏ وليس بالنجاشي الذي أسلم‏.‏