فصل: باب غَسْلِ الْمَحِيضِ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فتح الباري شرح صحيح البخاري **


*3*باب الِاسْتِحَاضَةِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب الاستحاضة‏)‏ قدم أنها جريان الدم من فرج المرأة في غير أوانه، وأنه يخرج من عرق يقال له العاذل بعين مهملة وذال معجمة‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ قَالَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ أَبِي حُبَيْشٍ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي لَا أَطْهُرُ أَفَأَدَعُ الصَّلَاةَ

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا ذَلِكِ عِرْقٌ وَلَيْسَ بِالْحَيْضَةِ فَإِذَا أَقْبَلَتْ الْحَيْضَةُ فَاتْرُكِي الصَّلَاةَ فَإِذَا ذَهَبَ قَدْرُهَا فَاغْسِلِي عَنْكِ الدَّمَ وَصَلِّي

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏إني لا أطهر‏)‏ تقدم في باب غسل الدم من رواية أبي معاوية عن هشام وهو ابن عروة‏.‏

في هذا الحديث التصريح ببيان السبب وهو قولها ‏"‏ إني أستحاض ‏"‏ وكان عندها أن طهارة الحائض لا تعرف إلا بانقطاع الدم فكنت بعدم الطهر عن اتصاله، وكانت علمت أن الحائض لا تصلي فظنت أن ذلك الحكم مقترن بجريان الدم من الفرح فأرادت تحقق ذلك فقالت ‏"‏ أفأدع الصلاة‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إنما ذلك‏)‏ بكسر الكاف وزاد في الرواية الماضية ‏"‏ فقال لا‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وليس بالحيضة‏)‏ بفتح الحاء كما نقله الخطابي عن أكثر المحدثين أو كلهم، وإن كان قد اختار الكسر على إرادة الحالة لكن الفتح هنا أظهر‏.‏

وقال النووي‏:‏ وهو متعين أو قريب من المتعين لأنه صلى الله عليه وسلم أراد إثبات الاستحاضة ونفي الحيض‏.‏

وأما قوله ‏"‏ فإذا أقبلت الحيضة ‏"‏ فيجوز فيه الوجهان معا جوازا حسنا‏.‏

انتهى كلامه‏.‏

والذي في روايتنا بفتح الحاء في الموضعين‏.‏

والله أعلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فاغسلي عنك الدم وصلي‏)‏ أي بعد الاغتسال كما سيأتي التصريح به في باب إذا حاضت في شهر ثلاث حيض من طريق أبي أسامة عن هشام بن عروة في هذا الحديث قال في آخره ‏"‏ ثم اغتسلي وصلي ‏"‏ ولم يذكر غسل الدم‏.‏

وهذا الاختلاف واقع بين أصحاب هشام، منهم من ذكر غسل الدم ولم يذكر الاغتسال ومنهم من ذكر الاغتسال ولم يذكر غسل الدم، كلهم ثقات وأحاديثهم في الصحيحين، فيحمل على أن كل فريق اختصر أحد الأمرين لوضوحه عنده‏.‏

وفيه اختلاف ثالث أشرنا إليه في باب غسل الدم من رواية أبي معاوية فذكر مثل حديث الباب وزاد ‏"‏ ثم توضئي لكل صلاة ‏"‏ ورددنا هناك قول من قال إنه مدرج، وقول من جزم بأنه موقوف على عروة، ولم ينفرد أبو معاوية بذلك فقد رواه النسائي من طريق حماد بن زيد عن، هشام وادعى أن حمادا تفرد بهذه الزيادة، وأومأ مسلم أيضا إلى ذلك، وليس كذلك، فقد رواه الدارمي من طريق حماد بن سلمة والسراج من طريق يحيى بن سليم كلاما عن هشام، وفي الحديث دليل على أن المرأة إذا ميزت دم الحيض من دم الاستحاضة تعتبر دم الحيض وتعمل على إقباله وإدباره، فإذا انقضى قدره اغتسلت عنه ثم صار حكم دم الاستحاضة حكم الحدث فتتوضأ لكل صلاة، لكنها لا تصلي بذلك الوضوء أكثر من فريضة واحدة مؤداة أو مقضية لظاهر قوله ‏"‏ ثم توضئي لكل صلاة‏"‏، وبهذا قال الجمهور، وعند الحنفية أن الوضوء متعلق بوقت الصلاة فلها أن تصلي به الفريضة الحاضرة وما شاءت من الفوائت ما لم يخرج وقت الحاضرة، وعلى قولهم المراد بقوله ‏"‏ وتوضئي لكل صلاة ‏"‏ أي لوقت كل صلاة، ففيه مجاز الحذف ويحتاج إلى دليل‏.‏

وعند المالكية يستحب لها الوضوء لكل صلاة ولا يجب إلا بحديث آخر‏.‏

وقال أحمد وإسحاق‏:‏ إن اغتسلت لكل فرض فهو أحوط‏.‏

وفيه جوازا استفتاء المرأة بنفسها ومشافهتها للرجل فيما يتعلق، بأحوال النساء، وجواز سماع صونها للحاجة‏.‏

وفيه غير ذلك‏.‏

وقد استنبط منه الرازي الحنفي أن مدة أقل الحيض، ثلاثة أيام وأكثره عشرة لقوله ‏"‏ قدر الأيام التي كنت تحيضين فيها ‏"‏ لأن أقل ما يطلق عليه لفظ ‏"‏ أيام ثلاثة وأكثره عشرة فأما دون الثلاثة فإنما يقال يومان ويوم وأما فوق عشرة فإنما يقال أحد عشر يوما وهكذا إلى عشرين، وفي الاستدلال بذلك نظر

*3*باب غَسْلِ دَمِ الْمَحِيضِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب غسل دم المحيض‏)‏ هذه الترجمة أخص من الترجمة المتقدمة في كتاب الوضوء وهي غسل الدم‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ الْمُنْذِرِ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ أَنَّهَا قَالَتْ سَأَلَتْ امْرَأَةٌ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ إِحْدَانَا إِذَا أَصَابَ ثَوْبَهَا الدَّمُ مِنْ الْحَيْضَةِ كَيْفَ تَصْنَعُ

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَصَابَ ثَوْبَ إِحْدَاكُنَّ الدَّمُ مِنْ الْحَيْضَةِ فَلْتَقْرُصْهُ ثُمَّ لِتَنْضَحْهُ بِمَاءٍ ثُمَّ لِتُصَلِّي فِيهِ

الشرح‏:‏

قد تقدم الكلام هناك على حديث أسماء هذا، أخرجه هناك من رواية يحيى القطان عن هشام، وإسناد هذه الرواية كالتي قبلها مدنيون سوى شيخه‏.‏

وفيه من الفوائد ما في الذي قبله، وجواز سؤال المرأة عما يستحيي من ذكره، والإفصاح بذكر ما يستقذر للضرورة، وأن دم الحيض كغيره من الدماء في وجوب غسله‏.‏

وفيه استحباب فرك النجاسة اليابسة ليهون غسلها‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَصْبَغُ قَالَ أَخْبَرَنِي ابْنُ وَهْبٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ حَدَّثَهُ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كَانَتْ إِحْدَانَا تَحِيضُ ثُمَّ تَقْتَرِصُ الدَّمَ مِنْ ثَوْبِهَا عِنْدَ طُهْرِهَا فَتَغْسِلُهُ وَتَنْضَحُ عَلَى سَائِرِهِ ثُمَّ تُصَلِّي فِيهِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا أصبغ‏)‏ هو وشيخه وشيخ شيخه الثلاثة مصريون، والباقون وهم ثلاثة أيضا مدنيون‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏كانت إحدانا‏)‏ أي أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، وهو محمول على أنهن كن يصنعن ذلك في زمنه صلى الله عليه وسلم، وبهذا يلتحق هذا الحديث بحكم المرفوع، ويؤيده حديث أسماء الذي قبله، قال ابن بطال‏:‏ حديث عائشة يفسر حديث أسماء وأن المراد بالنضح في حديث أسماء الغسل، وأما قول عائشة ‏"‏ وتنضح على سائره ‏"‏ فإنما فعلت ذلك دفعا للوسوسة، لأنه قد بان سياق حديثها أنها كانت تغسل الدم لا بعضه، وفي قولها ‏"‏ ثم تصلي فيه ‏"‏ إشارة إلى امتناع الصلاة في الثوب النجس‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ثم تقترص الدم‏)‏ بالقاف والصاد المهملة بوزن تفتعل أي تغسله بأطراف أصابعها‏.‏

وقال ابن الجوزي‏:‏ معناه تقتطع كأنها تحوزه دون باقي المواضع، والأول أشبه بحديث أسماء‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عند طهرها‏)‏ كذا في أكثر الروايات، وللمستملي والحموي ‏"‏ عند طهره ‏"‏ أي الثوب، والمعنى عند إرادة تطهيره‏.‏

وفيه جواز ترك النجاسة في الثوب عند عدم الحاجة إلى تطهيره‏.‏

*3*باب اعْتِكَافِ الْمُسْتَحَاضَةِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب اعتكاف المستحاضة‏)‏ أي جوازه‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ خَالِدٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اعْتَكَفَ مَعَهُ بَعْضُ نِسَائِهِ وَهِيَ مُسْتَحَاضَةٌ تَرَى الدَّمَ فَرُبَّمَا وَضَعَتْ الطَّسْتَ تَحْتَهَا مِنْ الدَّمِ وَزَعَمَ أَنَّ عَائِشَةَ رَأَتْ مَاءَ الْعُصْفُرِ فَقَالَتْ كَأَنَّ هَذَا شَيْءٌ كَانَتْ فُلَانَةُ تَجِدُهُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا خالد بن عبد الله‏)‏ هو الطحان الواسطى، وشيخه خالد هو ابن مهران الذي يقال له الحذاء بالحاء المهملة والذال المعجمة المثقلة، ومدار الحديث المذكور عليه، وعكرمة هو مولى ابن عباس‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بعض نسائه‏)‏ قال ابن الجوزي‏:‏ ما عرفنا من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم من كانت مستحاضة، قال‏:‏ والظاهر أن عائشة أشارت بقولها من نسائه أي النساء المتعلقات به وهي أم حبيبة بنت جحش أخت زينب بنت جحش قلت‏:‏ يرد هذا التأويل قوله في الرواية الثانية ‏"‏ امرأة من أزواجه ‏"‏ وقد ذكرها الحميدي عقب الرواية الأولى فما أدري كيف غفل عنها ابن الجوزي، وفي الرواية الثالثة ‏"‏ بعض أمهات المؤمنين ‏"‏ ومن المستبعد أن تعتكف معه صلى الله عليه وسلم امرأة غير زوجاته وإن كان لها به تعلق‏.‏

وقد حكى ابن عبد البر أن بنات جحش الثلاث كن مستحاضات‏:‏ زينب أم المؤمنين وحمنة زوج طلحة وأم حبيبة زوج عبد الرحمن بن عوف وهي المشهورة منهن بذلك، وسيأتي حديثها في ذلك‏.‏

وذكر أبو داود من طريق سليمان بن كثير عن الزهري عن عروة عن عائشة ‏"‏ استحيضت زينب بنت جحش فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم اغتسلي لكل صلاة ‏"‏ وكذا وقع في الموطأ أن زينب بنت جحش استحيضت، وجزم ابن عبد البر بأنه خطأ لأنه ذكر أنها كانت تحت عبد الرحمن بن عوف والتي كانت تحت عبد الرحمن ابن، عوف إنما هي أم حبيبة أختها‏.‏

وقال شيخنا الإمام البلقيني‏:‏ يحمل على أن زينب بنت جحش استحيضت وقتا بخلاف أختها فإن استحاضتها دامت‏.‏

قلت‏:‏ وكذا يحمل على ما سأذكره في حق سودة وأم سلمة والله أعلم‏.‏

وقرأت بخط مغلطاي في عد المستحاضات في زمن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ وسودة بنت زمعة ذكرها العلاء بن المسيب عن الحكم عن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين، فلعلها هي المذكورة‏.‏

قلت‏:‏ وهو حديث ذكره أبو داود من هذا الوجه تعليقا وذكر البيهقي أن ابن خزيمة أخرجه موصولا‏.‏

قلت‏:‏ لكنه مرسل لأن أبا جعفر تابعي ولم يذكر من حدثه به‏.‏

وقرأت في السنن لسعيد بن منصور‏:‏ حدثنا إسماعيل ابن إبراهيم حدثنا خالد هو الحذاء عن عكرمة أن امرأة من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم كانت معتكفة وهي مستحاضة قال‏:‏ وحدثنا به خالد مرة أخرى عن عكرمة أن أم سلمة كانت عاكفة وهي مستحاضة وربما جعلت الطست تحتها‏.‏

قلت‏:‏ وهذا أولى ما فسرت به هذه المرأة لاتحاد المخرج‏.‏

وقد أرسله إسماعيل ابن علية عن عكرمة، ووصله خالد الطحان ويزيد بن زريع وغيرهما بذكر عائشة فيه، ورجح البخاري الموصول فأخرجه‏.‏

وقد أخرج ابن أبي شيبة عن إسماعيل بن علية هذا الحديث كما أخرجه سعيد بن منصور بدون تسمية أم سلمة‏.‏

والله أعلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏من الدم‏)‏ أي لأجل الدم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وزعم‏)‏ هو معطوف على معنى العنعنة أي حدثني عكرمة بكذا وزعم كذا، وأبعد من زعم أنه معلق‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏كأن‏)‏ بالهمز وتشديد النون‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فلانة‏)‏ لظاهر أنها تعني المرأة التي ذكرتها قبل‏.‏

ورأيت على حاشية نسخة صحيحة من أصل أبي ذر ما نصه ‏"‏ فلانة هي رملة أم حبيبة بنت أبي سفيان ‏"‏ فإن كان ثابتا فهو قول ثالث في تفسير المبهمة، وعلى ما زعم ابن الجوزي من أن المستحاضة ليست من أزواجه فقد روي أن زينب بنت أم سلمة استحيضت، روى ذلك البيهقي والإسماعيلي في جمعه حديث يحيى بن أبي كثير، لكن الحديث في سنن أبي داود من حكاية زينب عن غيرها وهو أشبه، فإنها كانت في زمنه صلى الله عليه وسلم صغيرة لأنه دخل على أمها في السنة الثالثة وزينب ترضع وأسماء بنت عميس حكاه الدارقطني من رواية سهيل بن أبي صالح عن الزهري عن عروة عنها‏.‏

قلت‏:‏ وهو عند أبي داود على التردد هل هو عن أسماء أو فاطمة بنت أبي حبيش، وهاتان لهما به صلى الله عليه وسلم تعلق، لأن زينب ربيبته وأسماء أخت امرأته ميمونة لأمها، وكذا لحمنة وأم حبيبة به تعلق وحديثهما في سنن أبي داود، فهؤلاء سبع يمكن أن تفسر المبهمة بإحداهن‏.‏

وأما من استحيض في عهده صلى الله عليه وسلم من الصحابيات غيرهن فسهلة بنت سهيل ذكرها أبو داود أيضا، وأسماء بنت مرثد ذكرها البيهقي وغيره، وبادية بنت غيلان ذكرها ابن منده، وفاطمة بنت أبي حبيش وقصتها عن عائشة في الصحيحين، ووقع في سنن أبي داود عن فاطمة بنت قيس فظن بعضهم أنها القرشية الفهرية والصواب أنها بنت أبي حبيش واسم أبي حبيش قيس، فهؤلاء أربع نسوة أيضا وقد كملن عشرا بحذف زينب بنت أبي سلمة‏.‏

وفي الحديث جواز مكث المستحاضة في المسجد وصحة اعتكافها وصلاتها وجواز حدثها في المسجد عند أمن التلويث ويلتحق بها دائم الحدث ومن به جرح يسيل

*3*باب هَلْ تُصَلِّي الْمَرْأَةُ فِي ثَوْبٍ حَاضَتْ فِيهِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب هل تصلي المرأة في ثوب حاضت فيه‏)‏ قيل مطابقة الترجمة لحديث الباب أن من لم يكن لها إلا ثوب واحد تحيض فيه فمن المعلوم أنها تصلي فيه لكن بعد تطهيره‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ قَالَتْ عَائِشَةُ مَا كَانَ لِإِحْدَانَا إِلَّا ثَوْبٌ وَاحِدٌ تَحِيضُ فِيهِ فَإِذَا أَصَابَهُ شَيْءٌ مِنْ دَمٍ قَالَتْ بِرِيقِهَا فَقَصَعَتْهُ بِظُفْرِهَا

الشرح‏:‏

في الجمع بين هذا الحديث وبين حديث أم سلمة الماضي الدال على أنه كان لها ثوب مختص بالحيض أن حديث عائشة محمول على ما كان في أول الأمر وحديث أم سلمة محمول على ما كان بعد اتساع الحال، ويحتمل أن يكون مراد عائشة بقولها ‏"‏ ثوب واحد ‏"‏ مختص بالحيض، وليس في سياقها ما ينقي أن يكون لها غيره في زمن الطهر فيوافق حديث أم سلمة، وليس فيه أيضا أنها صلت فيه فلا يكون فيه حجة لمن أجاز إزالة النجاسة بغير الماء، وإنما أزالت الدم بريقها ليذهب أثره ولم تقصد تطهيره، وقد مضى قبل بباب عنها ذكر الغسل بعد القرص قالت ‏"‏ ثم تصلي فيه ‏"‏ فدل على أنها عند إرادة الصلاة فيه كانت تغسله‏.‏

وقولها في حديث الباب ‏"‏ قالت بريقها ‏"‏ من إطلاق القول على الفعل، وقولها ‏"‏ فمصعته ‏"‏ بالصاد والعين المهملتين المفتوحتين أي حكته وفركته بظفرها، ورواه أبو داود بالقاف بدل الميم، والقصع الدلك‏.‏

ووقع في رواية له من طريق عطاء عن عائشة بمعنى هذا الحديث ‏"‏ ثم ترى فيه قطرة من دم فتقصعه بظفرها ‏"‏ فعلى هذا فيحمل حديث الباب على أن المراد دم يسير يعفي عن مثله، والتوجيه الأول أقوى‏.‏

‏(‏فائدة‏)‏ ‏:‏ طعن بعضهم في هذا الحديث من جهة دعوى الانقطاع، ومن جهة دعوى الاضطراب‏.‏

فأما الانقطاع فقال أبو حاتم‏:‏ لم يسمع مجاهد من عائشة، وهذا مردود، فقد وقع التصريح بسماعه منها عند البخاري في غير هذا الإسناد، وأثبته علي بن المديني، فهو مقدم على من نفاه‏.‏

وأما الاضطراب فلرواية أبي داود له عن محمد بن كثير عن إبراهيم بن نافع عن الحسن بن مسلم بدل ابن أبي نجيح، وهذا الاختلاف لا يوجب الاضطراب لأنه محمول على أن إبراهيم بن نافع سمعه من شيخين، ولو لم يكن كذلك فأبو نعيم شيخ البخاري فيه أحفظ من محمد بن كثير شيخ أبي داود فيه، وقد تابع أبا نعيم خلاد بن يحيى وأبو حذيفة والنعمان بن عبد السلام فرجحت روايته، والرواية المرجوحة لا تؤثر في الرواية الراجحة‏.‏

والله أعلم‏.‏

*3*باب الطِّيبِ لِلْمَرْأَةِ عِنْدَ غُسْلِهَا مِنْ الْمَحِيضِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب الطيب للمرأة‏)‏ المراد بالترجمة أن تطيب المراة عند الغسل من الحيض متأكد بحيث أنه رخص للحادة التي حرم عليها استعمال الطيب في شيء منه مخصوص‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ قَالَ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ حَفْصَةَ قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ أَوْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ عَنْ حَفْصَةَ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ كُنَّا نُنْهَى أَنْ نُحِدَّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلَاثٍ إِلَّا عَلَى زَوْجٍ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا وَلَا نَكْتَحِلَ وَلَا نَتَطَيَّبَ وَلَا نَلْبَسَ ثَوْبًا مَصْبُوغًا إِلَّا ثَوْبَ عَصْبٍ وَقَدْ رُخِّصَ لَنَا عِنْدَ الطُّهْرِ إِذَا اغْتَسَلَتْ إِحْدَانَا مِنْ مَحِيضِهَا فِي نُبْذَةٍ مِنْ كُسْتِ أَظْفَارٍ وَكُنَّا نُنْهَى عَنْ اتِّبَاعِ الْجَنَائِزِ قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ رَوَاهُ هِشَامُ بْنُ حَسَّانَ عَنْ حَفْصَةَ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن أيوب عن حفصة عن أم عطية‏)‏ زاد المستملي وكريمة ‏"‏ قال أبو عبد الله ‏"‏ أي المصنف ‏"‏ أو هشام بن حسان عن حفصة عن أم عطية ‏"‏ كأنه شك في شيخ حماد أهو أيوب أو هشام، ولم يذكر ذلك باقي الرواة ولا أصحاب المستخرجات ولا الأطراف، وقد أورد المصنف هذا الحديث في كتاب الطلاق بهذا الإسناد فلم يذكر ذلك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏كنا ننهي‏)‏ بضم النون الأولى وفاعل النهي النبي صلى الله عليه وسلم كما دلت عليه رواية هشام المعلقة المذكورة بعد، وهذا هو السر في ذكرها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏نحد‏)‏ بضم النون وكسر المهملة من الإحداد وهو الامتناع من الزينة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إلا على زوج‏)‏ كذا للأكثر‏.‏

وفي رواية المستملي والحموي ‏"‏ إلا على زوجها ‏"‏ والأولى موافقة للفظ ‏"‏ نحد ‏"‏ وتوجيه الثانية أن الضمير يعود على الواحدة المندرجة في قولها ‏"‏ كنا ننهي ‏"‏ أي كل واحدة منهن‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ولا نكتحل‏)‏ بالرفع والنصب أيضا على العطف، و ‏"‏ لا ‏"‏ زائدة، وأكد بها لأن في النهي معنى النفي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ثوب عصب‏)‏ بفتح العين وسكون الصاد المهملتين، قال في المحكم‏:‏ هو ضرب من برود اليمن يعصب غزله أي يجمع ثم يصبغ ثم ينسج، وسيأتي الكلام على أحكام الحادة في كتاب الطلاق إن شاء الله تعالى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏في نبذة‏)‏ أي قطعة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏كست أظفار‏)‏ كذا في هذه الرواية قال ابن التين صوابه ‏"‏ قسط ظفار ‏"‏ كذا قال، ولم أر هذا في هذه الرواية، لكن حكاه صاحب المشارق، ووجهه بأنه منسوب إلى ظفار مدينة معروفة بسواحل اليمن يجلب إليها القسط الهندي، وحكى في ضبط ظفار وجهين كسر أوله وصرفه أو فتحه والبناء بوزن قطام، ووقع في رواية مسلم من هذا الوجه ‏"‏ من قسط أو أظفار ‏"‏ بإثبات ‏"‏ أو ‏"‏ وهي للتخيير، قال في المشارق‏:‏ القسط بخور معروف وكذلك الأظفار، قال في البارع‏:‏ الأظفار ضرب من العطر يشبه الظفر‏.‏

وقال صاحب المحكم‏:‏ الظفر ضرب من العطر أسود مغلف من أصله على شكل ظفر الإنسان يوضع في البخور والجمع أظفار‏.‏

وقال صاحب العين‏:‏ لا واحد له‏.‏

والكست بضم الكاف وسكون المهملة بعدها مثناة هو القسط، قاله المصنف في الطلاق، وكذا قاله غيره، وحكى المفضل بن سلمة أنه يقال بالكاف والطاء أيضا، قال النووي‏:‏ ليس القسط والظفر من مقصود التطيب، وإنما رخص فيه للحادة إذا اغتسلت من الحيض لإزالة الرائحة الكريهة، قال المهلب‏:‏ رخص لها في التبخر لدفع رائحة الدم عنها لما تستقبله من الصلاة‏.‏

وسيأتي الكلام على مسألة اتباع الجنائز في موضعه إن شاء الله تعالى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وروي‏)‏ كذا لأبي ذر، ولغيره ‏"‏ ورواه ‏"‏ أي الحديث المذكور، وسيأتي موصولا عند المصنف في كتاب الطلاق إن شاء الله تعالى من حديثه هشام المذكور، ولم يقع هذا التعليق في رواية المستملي، وأغرب الكرماني فجوز أن يكون قائل ‏"‏ ورواه ‏"‏ حماد بن زيد المذكور في أول الباب فلا يكون تعليقا‏.‏

*3*باب دَلْكِ الْمَرْأَةِ نَفْسَهَا إِذَا تَطَهَّرَتْ مِنْ الْمَحِيضِ وَكَيْفَ تَغْتَسِلُ وَتَأْخُذُ فِرْصَةً مُمَسَّكَةً فَتَتَّبِعُ أَثَرَ الدَّمِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب دلك المرأة نفسها‏.‏

‏.‏

إلى آخر الترجمة‏)‏ قيل‏:‏ ليس في الحديث ما يطابق الترجمة لأنه ليس فيه كيفة الغسل ولا الدلك‏.‏

وأجاب الكرماني تبعا لغيره بأن تتبع أثر الدم يستلزم الدلك، وبأن المراد من كيفية الغسل الصفة المختصة بغسل المحيض وهي التطيب لا نفس الاغتسال‏.‏

انتهى‏.‏

وهو حسن على ما فيه من كلفة، وأحسن منه أن المصنف جرى على عادته في الترجمة بما تضمنه بعض طرق الحديث الذي يورده وإن لم يكن المقصود منصوصا فيما ساقه‏.‏

وبيان ذلك أن مسلما أخرج هذا الحديث من طريق ابن عيينة عن منصور التي أخرجه منها المصنف، فذكر بعد قوله كيف تغتسل ‏"‏ ثم تأخذ ‏"‏ زاد ‏"‏ ثم ‏"‏ الدالة على تراخي تعلم الأخذ عن تعليم الاغتسال، ثم رواه من طريق أخرى عن صفية عن عائشة وفيها شرح كيفية الاغتسال المسكوت عنها في رواية منصور ولفظه ‏"‏ فقال تأخذ إحداكن ماءها وسدرتها فتطهر فتحسن الطهور، ثم تصب على رأسها فتدلكه دلكا شديدا حتى تبلغ شئون رأسها - أي أصوله - ثم تصب عليها الماء، ثم تأخذ فرصة ‏"‏ فهدا مراد الترجمة لاشتمالها على كيفيه الغسل والدلك، وإنما لم يخرج المصنف هذه الطريق لكونها من رواية إبراهيم بن مهاجر عن صفية وليس هو على شرطه‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا يَحْيَى قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ صَفِيَّةَ عَنْ أُمِّهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ امْرَأَةً سَأَلَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ غُسْلِهَا مِنْ الْمَحِيضِ فَأَمَرَهَا كَيْفَ تَغْتَسِلُ قَالَ خُذِي فِرْصَةً مِنْ مَسْكٍ فَتَطَهَّرِي بِهَا قَالَتْ كَيْفَ أَتَطَهَّرُ قَالَ تَطَهَّرِي بِهَا قَالَتْ كَيْفَ قَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ تَطَهَّرِي فَاجْتَبَذْتُهَا إِلَيَّ فَقُلْتُ تَتَبَّعِي بِهَا أَثَرَ الدَّمِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا يحيى‏)‏ هو ابن موسى البلخي كما جزم به ابن السكن في روايته عن الفربري‏.‏

وقال البيهقي‏:‏ هو يحيى بن جعفر، وقيل إنه وقع كذلك في بعض النسخ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن منصور بن صفية‏)‏ هي بنت شيبة بن عثمان بن أبي طلحة العبدري، نسب إليها لشهرتها، واسم أبيه عبد الرحمن بن طلحة بن الحارث بن طلحة بن أبي طلحة العبدري، وهو من رهط زوجته صفية، وشيبة له صحبه ولها أيضا، وقتل الحارث بن طلحة بأحد، ولعبد الرحمن رؤية، ووقع التصريح بالسماع في جميع السند عند الحميدي في مسنده‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أن امرأة‏)‏ زاد في رواية وهيب ‏"‏ من الأنصار ‏"‏ وسماها مسلم في رواية أبي الأحوص عن إبراهيم بن مهاجر أسماء بنت شكل بالشين المعجمة والكاف المفتوحتين ثم اللام، ولم يسم أباها في رواية غندر عن شعبة عن إبراهيم، وروى الخطيب في المبهمات من طريق يحيى بن سعيد عن شعبة هذا الحديث فقال‏:‏ أسماء بنت يزيد بن السكن بالمهملة والنون الأنصارية التي يقال لها خطيبة النساء، وتبعه ابن الجوزي في التلقيح والدمياطي وزاد أن الذي وقع في مسلم تصحيف لأنه ليس في الأنصار من يقال له شكل، وهو رد للرواية الثابتة بغير دليل، وقد يحتمل أن يكون شكل لقبا لا اسما، والمشهور في المسانيد والجوامع في هذا الحديث أسماء بنت شكل كما في مسلم، أو أسماء لغير نسب كما في أبي داود، وكذا في مستخرج أبي نعيم من الطريق التي أخرجه منها الخطيب، وحكى النووي في شرح مسلم الوجهين بغير ترجيح والله أعلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فأمرها كيف تغتسل قال‏:‏ خذي‏)‏ قال الكرماني هو بيان لقولها ‏"‏ أمرها ‏"‏ فإن قيل كيف يكون بيانا للاغتسال، والاغتسال صب الماء لا أخذ الفرصة‏؟‏ فالجواب أن السؤال لم يكن عن نفس الاغتسال لأنه معروف لكل أحد، بل كان لقدر زائد على ذلك‏.‏

وقد سبقه إلى هذا الجواب الرافعي في شرح المسند وابن أبي جمرة وقوفا مع هذا اللفظ الوارد مع قطع النظر عن الطريق التي ذكرناها عند مسلم الدالة على أن بعض الرواة اختصر أو اقتصر، والله أعلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فرصة‏)‏ بكسر الفاء وحكى ابن سيده تثليثها وبإسكان الراء وإهمال الصاد‏:‏ قطعة من صوف أو قطن أو جلدة عليها صوف حكاه أبو عبيد وغيره، وحكى أبو داود أن في رواية أبي الأحوص ‏"‏ قرصة ‏"‏ بفتح القاف، ووجهه المنذري فقال‏:‏ يعني شيئا يسيرا مثل القرصة بطرف الإصبعين‏.‏

انتهى‏.‏

ووهم من عزا هذه الرواية للبخاري‏.‏

وقال ابن قتيبة‏:‏ هي ‏"‏ قرضة ‏"‏ بفتح القاف وبالضاد المعجمة‏.‏

وقوله‏:‏ ‏"‏ من مسك ‏"‏ بفتح الميم والمراد قطعة جلد، وهي رواية من قاله بكسر الميم، واحتج بأنهم كانوا في ضيق يمتنع معه أن يمتهنوا المسك مع غلاء ثمنه‏.‏

وتبعه ابن بطال‏.‏

وفي المشارق أن أكثر الروايات بفتح الميم‏.‏

ورجح النووي الكسر وقال‏:‏ إن الرواية الأخرى وهي قوله ‏"‏ فرصة ممسكة ‏"‏ تدل عليه، وفيه نظر، لأن الخطابي قال‏.‏

يحتمل أن يكون المراد بقوله ‏"‏ ممسكة ‏"‏ أي مأخوذة باليد، يقال أمسكته ومسكته‏.‏

لكن يبقى الكلام ظاهر الركة لأنه يصير هكذا‏:‏ خذي قطعة مأخوذة‏.‏

وقال الكرماني‏:‏ صنيع البخاري يشعر بأن الرواية عنده بفتح الميم حيث جعل للأمر بالطيب بابا مستقلا‏.‏

انتهى‏.‏

واقتصار البخاري في الترجمة على بعض ما دلت عليه لا يدل على نفي ما عداه، ويقوى رواية الكسر وإن المراد التطيب ما في رواية عبد الرزاق حيث وقع عنده ‏"‏ من ذريرة‏"‏، وما استبعده ابن قتيبة من امتهان المسك ليس ببعيد لما عرف من شأن أهل الحجاز من كثرة استعمال الطيب، وقد يكون المأمور به من يقدر عليه‏.‏

قال النووي‏:‏ والمقصود باستعمال الطيب دفع الرائحة الكريهة على الصحيح‏.‏

وقيل لكونه أسرع إلى الحبل‏.‏

حكاه الماوردي قال‏:‏ فعلى الأول إن فقدت المسك استعملت ما يخلفه في طيب الريح، وعلى الثاني ما يقوم مقامه في إسراع العلوق‏.‏

وضعف النووي الثاني وقال‏:‏ لو كان صحيحا لاختصت به المزوجة‏.‏

قال‏:‏ وإطلاق الأحاديث يرده، والصواب أن ذلك مستحب لكل مغتسلة من حيض أو نفاس، ويكره تركه للقادرة، فإن لم تجد مسكا فطيبا، فإن لم تجد فمزيلا كالطين وإلا فالماء كاف، وقد سبق في الباب قبله أن الحادة تتبخر بالقسط فيجزيها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فتطهري‏)‏ قال في الرواية التي بعدها ‏"‏ توضئي ‏"‏ أي تنظفي‏.‏

قوله ‏(‏سبحان الله‏)‏ زاد في الرواية الآتية ‏"‏ استحيي وأعرض‏"‏، وللإسماعيلي ‏"‏ فلما رأيته استحيي علمتها ‏"‏ وزاد الدارمي ‏"‏ وهو يسمع فلا ينكر‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أثر الدم‏)‏ قال النووي‏:‏ المراد به عند العلماء الفرج‏.‏

وقال المحاملي‏:‏ يستحب لها أن تطيب كل موضع أصابه الدم من بدنها، قال‏:‏ ولم أره لغيره، وظاهر الحديث حجة له‏.‏

قلت‏:‏ ويصرح به رواية الإسماعيلي ‏"‏ تتبعي بها مواضع الدم‏"‏‏.‏

وفي هذا الحديث من الفوائد التسبيح عند التعجب، ومعناه هنا كيف يخفى هذا الظاهر الذي لا يحتاج في فهمه إلى فكر‏؟‏ وفيه استحباب الكنايات فيما يتعلق بالعورات‏.‏

وفيه سؤال المرأة العالم عن أحوالها التي يحتشم منها، ولهذا كانت عائشة تقول في نساء الأنصار ‏"‏ لم يمنعهن الحياء أن يتفقهن في الدين‏"‏‏.‏

كما أخرجه مسلم في بعض طرق هذا الحديث، وتقدم في العلم معلقا‏.‏

وفيه الاكتفاء بالتعريض والإشارة في الأمور المستهجنة، وتكرير الجواب لإفهام السائل، وإنما كرره مع كونها لم تفهمه أولا لأن الجواب به يؤخذ من إعراضه بوجهه عند قوله ‏"‏ توضئي ‏"‏ أي في المحل الذي يستحيي من مواجهة المرأة بالتصريح به، فاكتفى بلسان الحال عن لسان المقال، وفهمت عائشة رضي الله عنها ذلك عنه فتولت تعليمها‏.‏

وبوب عليه المصنف في الاعتصام ‏"‏ الأحكام التي تعرف بالدلائل‏"‏‏.‏

وفيه تفسير كلام العالم بحضرته لمن خفي عليه إذا عرف أن ذلك يعجبه‏.‏

وفيه الأخذ عن المفضول بحضرة الفاضل‏.‏

وفيه صحة العرض على المحدث إذا أقره ولو لم يقل عقبه نعم، وأنه لا يشترط في صحة التحمل فهم السامع لجميع ما يسمعه‏.‏

وفيه الرفق بالمتعلم وإقامة العذر لمن لا يفهم‏.‏

وفيه أن المرء مطلوب بستر عيوبه وإن كانت مما جبل عليها من جهة أمر المرأة بالتطيب لإزالة الرائحة الكريهة‏.‏

وفيه حسن خلقه صلى الله عليه وسلم وعظيم حلمه وحيائه‏.‏

زاده الله شرفا‏.‏

*3*باب غَسْلِ الْمَحِيضِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب غسل المحيض‏)‏ قدم توجيهه في الترجمة التي قبله‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ حَدَّثَنَا مَنْصُورٌ عَنْ أُمِّهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ امْرَأَةً مِنْ الْأَنْصَارِ قَالَتْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَيْفَ أَغْتَسِلُ مِنْ الْمَحِيضِ قَالَ خُذِي فِرْصَةً مُمَسَّكَةً فَتَوَضَّئِي ثَلَاثًا ثُمَّ إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَحْيَا فَأَعْرَضَ بِوَجْهِهِ أَوْ قَالَ تَوَضَّئِي بِهَا فَأَخَذْتُهَا فَجَذَبْتُهَا فَأَخْبَرْتُهَا بِمَا يُرِيدُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا مسلم‏)‏ هو ابن إبراهيم، ومنصور هو ابن صفية المذكور في الإسناد قبله‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وتوضئي ثلاثا‏)‏ يحتمل أن يتعلق قوله ‏"‏ ثلاثا ‏"‏ بتوضئي أي كرري الوضوء ثلاثا، ويحتمل أن يتعلق بقال ويؤيده السياق المتقدم، أي قال لها ذلك ثلاث مرات‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أو قال‏)‏ كذا وقع بالشك في أكثر الروايات، ووقع في رواية ابن عساكر ‏"‏ وقال ‏"‏ بالواو العاطفة، والأولى أظهر، ومحل التردد في لفظ ‏"‏ بها ‏"‏ هل هو ثابت أم لا، أو التردد واقع بينه وبين لفظ ‏"‏ ثلاثا ‏"‏ والله أعلم‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ حَدَّثَنَا ابْنُ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ أَهْلَلْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَكُنْتُ مِمَّنْ تَمَتَّعَ وَلَمْ يَسُقْ الْهَدْيَ فَزَعَمَتْ أَنَّهَا حَاضَتْ وَلَمْ تَطْهُرْ حَتَّى دَخَلَتْ لَيْلَةُ عَرَفَةَ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذِهِ لَيْلَةُ عَرَفَةَ وَإِنَّمَا كُنْتُ تَمَتَّعْتُ بِعُمْرَةٍ فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْقُضِي رَأْسَكِ وَامْتَشِطِي وَأَمْسِكِي عَنْ عُمْرَتِكِ فَفَعَلْتُ فَلَمَّا قَضَيْتُ الْحَجَّ أَمَرَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ لَيْلَةَ الْحَصْبَةِ فَأَعْمَرَنِي مِنْ التَّنْعِيمِ مَكَانَ عُمْرَتِي الَّتِي نَسَكْتُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا إبراهيم‏)‏ و ابن سعد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏انقضى رأسك‏)‏ أي حلي ضفره ‏(‏وامتشطي‏)‏ قيل ليس فيه دليل على الترجمة، قاله الداودي ومن تبعه، قالوا‏:‏ لأن أمرها بالامتشاط كان للإهلال وهي حائض لا عند غسلها، والجواب أن الإهلال بالحج يقتضي الاغتسال لأنه من سنة الإحرام، وقد ورد الأمر بالاغتسال صريحا في هذه القصة فيما أخرجه مسلم من طريق أبي الزبير عن جابر ولفظه ‏"‏ فاغتسلي ثم أهلي بالحج ‏"‏ فكأن البخاري جرى على عادته في الإشارة إلى ما تضمنه بعض طرق الحديث وإن لم يكن منصوصا فيما ساقه، ويحتمل أن يكون الداودي أراد بقوله ‏"‏ لا عند غسلها ‏"‏ أي من الحيض ولم يرد نفي الاغتسال مطلقا، والحامل له على ذلك ما في الصحيحين أن عائشة إنما طهرت من حيضها يوم النحر فلم تغتسل يوم عرفة إلا للإحرام، وأما ما وقع في مسلم من طريق مجاهد عن عائشة أنها حاضت بسرف وتطهرت بعرفة فهو محمول على غسل الإحرام جمعا بين الروايتين، وإذا ثبت أن غسلها إذ ذاك كان للإحرام استفيد معنى الترجمة من دليل الخطاب لأنه إذا جاز لها الامتشاط في غسل الإحرام وهو مندوب كان جوازه لغسل المحيض وهو واجب أولى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أمر عبد الرحمن‏)‏ يعني ابن أبي بكر، وليلة الحصبة بفتح الحاء وسكون الصاد المهملتين ثم الموحدة هي الليلة التي نزلوا فيها في المحصب، وهو المكان الذي نزلوه بعد النفر من منى خارج مكة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏التي نسكت‏)‏ كذا للأكثر، مأخوذ من النسك‏.‏

وفي رواية أبي زيد المروزي ‏"‏ سكت ‏"‏ بحذف النون وتشديد آخره أي عنها، والقابسي بمعجمة والتخفيف، والضمير فيه راجع إلى عائشة على سبيل الالتفات، وفي السياق التفات آخر بعد التفات، وهو ظاهر للمتأمل‏.‏