فصل: باب كَيْفَ تُهِلُّ الْحَائِضُ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فتح الباري شرح صحيح البخاري **


*3*باب نَقْضِ الْمَرْأَةِ شَعَرَهَا عِنْدَ غُسْلِ الْمَحِيضِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب نقض المرأة شعرها عند غسل المحيض‏)‏ أي هل يجب أم لا‏؟‏ وظاهر الحديث الوجوب، وبه قال الحسن وطاوس في الحائض دون الجنب، وبه قال أحمد، ورجح جماعة من أصحابه أنه للاستحباب فيهما‏.‏

قال ابن قدامة‏:‏ ولا أعلم أحدا قال بوجوبه فيهما إلا ما روي عن عبد الله بن عمرو‏.‏

قلت‏:‏ وهو في مسلم عنه، وفيه إنكار عائشة عليه الأمر بذلك، لكن ليس فيه تصريح بأنه كان يوجبه‏.‏

وقال النووي‏:‏ حكاه أصحابنا عن النخعي، واستدل الجمهور على عدم الوجوب بحديث أم سلمة ‏"‏ قالت‏:‏ يا رسول الله إني امرأة أشد ضفر رأسي أفأنقضه لغسل الجنابة‏؟‏ قال‏:‏ لا ‏"‏ رواه مسلم‏.‏

وفي رواية له ‏"‏ للحيضة والجنابة ‏"‏ وحملوا الأمر في حديث الباب على الاستحباب جمعا بين الروايتين، أو يجمع بالتفصيل بين من لا يصل الماء إليها إلا بالنقض فيلزم وإلا فلا‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ خَرَجْنَا مُوَافِينَ لِهِلَالِ ذِي الْحِجَّةِ

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُهِلَّ بِعُمْرَةٍ فَلْيُهْلِلْ فَإِنِّي لَوْلَا أَنِّي أَهْدَيْتُ لَأَهْلَلْتُ بِعُمْرَةٍ فَأَهَلَّ بَعْضُهُمْ بِعُمْرَةٍ وَأَهَلَّ بَعْضُهُمْ بِحَجٍّ وَكُنْتُ أَنَا مِمَّنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ فَأَدْرَكَنِي يَوْمُ عَرَفَةَ وَأَنَا حَائِضٌ فَشَكَوْتُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ دَعِي عُمْرَتَكِ وَانْقُضِي رَأْسَكِ وَامْتَشِطِي وَأَهِلِّي بِحَجٍّ فَفَعَلْتُ حَتَّى إِذَا كَانَ لَيْلَةُ الْحَصْبَةِ أَرْسَلَ مَعِي أَخِي عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ فَخَرَجْتُ إِلَى التَّنْعِيمِ فَأَهْلَلْتُ بِعُمْرَةٍ مَكَانَ عُمْرَتِي قَالَ هِشَامٌ وَلَمْ يَكُنْ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ هَدْيٌ وَلَا صَوْمٌ وَلَا صَدَقَةٌ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏فليهلل‏)‏ في رواية الأصيلي ‏"‏ فليهل ‏"‏ بلام واحدة مشددة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لأحللت‏)‏ في رواية كريمة والحموي ‏"‏ لأهللت ‏"‏ بالهاء، وسيأتي الكلام على بقية فوائد هذا الحديث والذي قبله في كتاب الحج إن شاء الله تعالى‏.‏

*3*باب قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب مخلقة وغير مخلقة‏)‏ رويناه بالإضافة، أي باب تفسير قوله تعالى ‏(‏مخلقة وغير مخلقة‏)‏ وبالتنوين وتوجيهه ظاهر‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَكَّلَ بِالرَّحِمِ مَلَكًا يَقُولُ يَا رَبِّ نُطْفَةٌ يَا رَبِّ عَلَقَةٌ يَا رَبِّ مُضْغَةٌ فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَقْضِيَ خَلْقَهُ قَالَ أَذَكَرٌ أَمْ أُنْثَى شَقِيٌّ أَمْ سَعِيدٌ فَمَا الرِّزْقُ وَالْأَجَلُ فَيُكْتَبُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا حماد‏)‏ هو ابن زيد، وعبيد الله بالتصغير ابن أبي بكر بن أنس بن مالك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إن الله عز وجل‏)‏ وقع في روايتنا بالتخفيف، يقال وكله بكذا إذا استكفاه إياه وصرف أمره إليه، وللأكثر بالتشديد وهو موافق لقوله تعالى ‏(‏ملك الموت الذي وكل بكم‏)‏ ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يقول يا رب نطفة‏)‏ بالرفع والتنوين، أي وقعت في الرحم نطفة‏.‏

وفي رواية القابسي بالنصب أي خلقت يا رب نطفة، ونداء الملك بالأمور الثلاثة ليس في دفعة واحدة، بل بين كل حالة وحالة مدة تبين من حديث ابن مسعود الآتي في كتاب القدر أنها أربعون يوما، وسيأتي الكلام هناك على بقية فوائد حديث أنس هذا، والجمع بينه وبين ما ظاهره التعارض من حديث ابن مسعود المذكور، ومناسبة الحديث للترجمة من جهة أن الحديث المذكور مفسر للآية‏.‏

وأوضح منه سياقا ما رواه الطبري من طريق داود ابن أبي هند عن الشعبي عن علقمة عن ابن مسعود قال‏:‏ ‏"‏ إذا وقعت النطفة في الرحم بعث الله ملكا فقال‏:‏ يا رب مخلقة أو غير مخلقة‏؟‏ فإن قال غير مخلقة مجها الرحم دما، وإن قال مخلقة قال‏:‏ يا رب فما صفة هذه النطفة‏؟‏ ‏"‏ فذكر الحديث وإسناده صحيح، وهو موقوف لفظا مرفوع حكما، وحكى الطبري لأهل التفسير في ذلك أقوالا وقال‏:‏ الصواب قول من قال المخلقة المصورة خلقا تاما، وغير المخلقة السقط قبل تمام خلقه، وهو قول مجاهد والشعبي وغيرهما‏.‏

وقال ابن بطال‏:‏ غرض البخاري بإدخال هذا الحديث في أبواب الحيض تقوية مذهب من يقول إن الحامل لا تحيض، وهو قول الكوفيين وأحمد وأبي ثور وابن المنذر وطائفة، وإليه ذهب الشافعي في القديم‏.‏

وقال في الجديد‏:‏ إنها تحيض، وبه قال إسحاق، وعن مالك روايتان‏.‏

قلت‏:‏ وفي الاستدلال بالحديث المذكور على أنها لا تحيض نظر، لأنه لا يلزم من كون ما يخرج من الحامل هو السقط الذي لم يصور أن لا يكون صلى الله عليه وسلم الدم الذي تراه المرأة التي يستمر حملها ليس بحيض‏.‏

وما ادعاه المخالف من أنه رشح من الولد أو من فضلة غذائه أو دم فساد لعلة فمحتاج إلى دليل‏.‏

وما ورد في ذلك من خبر أو أثر لا يثبت، لأن هذا دم بصفات دم الحيض وفي زمن إمكانه فله حكم دم الحيض، فمن ادعى خلافه فعليه البيان‏.‏

وأقوى حججهم أن استبراء الأمة اعتبر بالمحيض لتحقق براءة الرحم من الحمل، فلو كانت الحامل تحيض لم تتم البراءة بالحيض، واستدل ابن المنير على أنه ليس بدم حيض بأن الملك موكل برحم الحامل، والملائكة لا تدخل بيتا فيه قذر ولا يلائمها ذلك‏.‏

وأجيب بأنه لا يلزم من كون الملك موكلا به أن يكون حالا فيه، ثم هو مشترك الإلزام لأن الدم كله قذر، والله أعلم‏.‏

*3*باب كَيْفَ تُهِلُّ الْحَائِضُ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب كيف تهل الحائض بالحج والعمرة‏)‏ مراده بيان صحة إهلال الحائض، ومعنى كيف في الترجمة الإعلام بالحال بصورة الاستفهام لا الكيفية التي يراد بها الصفة، وبهذا التقرير يندفع اعتراض من زعم أن الحديث غير مناسب للترجمة، إذ ليس فيها ذكر صفة الإهلال‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ وَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِحَجٍّ فَقَدِمْنَا مَكَّةَ

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ وَلَمْ يُهْدِ فَلْيُحْلِلْ وَمَنْ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ وَأَهْدَى فَلَا يُحِلُّ حَتَّى يُحِلَّ بِنَحْرِ هَدْيِهِ وَمَنْ أَهَلَّ بِحَجٍّ فَلْيُتِمَّ حَجَّهُ قَالَتْ فَحِضْتُ فَلَمْ أَزَلْ حَائِضًا حَتَّى كَانَ يَوْمُ عَرَفَةَ وَلَمْ أُهْلِلْ إِلَّا بِعُمْرَةٍ فَأَمَرَنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ أَنْقُضَ رَأْسِي وَأَمْتَشِطَ وَأُهِلَّ بِحَجٍّ وَأَتْرُكَ الْعُمْرَةَ فَفَعَلْتُ ذَلِكَ حَتَّى قَضَيْتُ حَجِّي فَبَعَثَ مَعِي عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَأَمَرَنِي أَنْ أَعْتَمِرَ مَكَانَ عُمْرَتِي مِنْ التَّنْعِيمِ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏من أهل بحج‏)‏ في رواية المستملي ‏"‏ بحجة ‏"‏ في الموضعين، وكذا للحموي في الموضع الثاني‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قالت فحضت‏)‏ أي بسرف قبل دخول مكة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حتى قضيت حجتي‏)‏ في رواية كريمة وأبي الوقت ‏"‏ حجي‏"‏، والكلام على فوائد الحديث يأتي في كتاب الحج إن شاء الله تعالى‏.‏

*3*باب إِقْبَالِ الْمَحِيضِ وَإِدْبَارِهِ

وَكُنَّ نِسَاءٌ يَبْعَثْنَ إِلَى عَائِشَةَ بِالدُّرَجَةِ فِيهَا الْكُرْسُفُ فِيهِ الصُّفْرَةُ فَتَقُولُ لَا تَعْجَلْنَ حَتَّى تَرَيْنَ الْقَصَّةَ الْبَيْضَاءَ تُرِيدُ بِذَلِكَ الطُّهْرَ مِنْ الْحَيْضَةِ وَبَلَغَ بِنْتَ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّ نِسَاءً يَدْعُونَ بِالْمَصَابِيحِ مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ يَنْظُرْنَ إِلَى الطُّهْرِ فَقَالَتْ مَا كَانَ النِّسَاءُ يَصْنَعْنَ هَذَا وَعَابَتْ عَلَيْهِنَّ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب إقبال المحيض وإدباره‏)‏ اتفق العلماء على أن إقبال المحيض يعرف بالدفعة من الدم في وقت إمكان الحيض، واختلفوا في إدباره فقيل‏:‏ يعرف بالجفوف، وهو أن يخرج ما يحتشي به جافا، وقيل بالقصة البيضاء وإليه ميل المصنف كما سنوضحه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وكن‏)‏ هو بصيغة جمع المؤنث، و ‏"‏ نساء ‏"‏ بالرفع وهو بدل من الضمير نحو أكلوني البراغيث، والتنكير في نساء للتنويع، أي كان ذلك من نوع من النساء لا من كلهن‏.‏

وهذا الأثر قد رواه مالك في الموطأ عن علقمة بن أبي علقمة المدني عن أمه - واسمها مرجانة مولاة عائشة - قالت ‏"‏ كان النساء‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بالدرجة‏)‏ بكسر أوله وفتح الراء والجيم جمع درج بالضم ثم السكون‏.‏

قال ابن بطال‏:‏ كذا يرويه أصحاب الحديث وضبطه أن عبد البر في الموطأ بالضم ثم السكون وقال‏:‏ إنه تأنيث درج، والمراد به ما تحتشي به المرأة من قطنة وغيرها لتعرف هل بقي من أثر الحيض شيء أم لا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏الكرسف‏)‏ بضم الكاف والسين المهملة بينهما راء ساكنة هو القطن‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فيه الصفرة‏)‏ زاد مالك من دم الحيضة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فتقول‏)‏ أي عائشة‏.‏

والقصة بفتح القاف وتشديد المهملة هي النورة، أي حتى تخرج القطنة بيضاء نقية لا يخالطها صفرة، وفيه دلالة على أن الصفرة والكدرة في أيام الحيض حيض، وأما في غيرها فسيأتي الكلام على ذلك في باب مفرد إن شاء تعالى‏.‏

وفيه أن القصة البيضاء علامة لانتهاء الحيض ويتبين بها ابتداء الطهر، واعترض على من ذهب إلى أنه يعرف بالجفوف بأن القطنة قد تخرج جافة في أثناء الأمر فلا يدل ذلك على انقطاع الحيض، بخلاف القصة وهي ماء أبيض يدفعه الرحم عند انقطاع الحيض‏.‏

قال مالك‏:‏ سألت النساء عنه فإذا هو أمر معلوم عندهن يعرفنه عند الطهر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وبلغ ابنة زيد بن ثابت‏)‏ كذا وقعت مبهمة هنا، وكذا في الموطأ حيث روى هذا الأثر عن عبد الله بن أبي بكر أي ابن محمد بن عمرو بن حزم عن عمته عنها، وقد ذكروا لزيد بن ثابت من البنات حسنة وعمرة وأم كلثوم وغيرهن، ولم أر لواحدة منهن رواية إلا لأم كلثوم - وكانت زوج سالم بن عبد الله ابن عمر - فكأنها هي المبهمة هنا‏.‏

وزعم بعض الشراح أنها أم سعد قال‏:‏ لأن ابن عبد البر ذكرها في الصحابة‏.‏

انتهى‏.‏

وليس في ذكره لها دليل المدعي لأنه لم يقل إنها صاحبة هذه القصة، بل لم يأت لها ذكر عنده ولا عند غيره إلا من طريق عنبسة بن عبد الرحمن وقد كذبوه، وكان مع ذلك يضطرب فيها فتارة يقول بنت زيد بن ثابت وتارة يقول امرأة زيد، ولم يذكر أحد من أهل المعرفة بالنسب في أولاد زيد من يقال لها أم سعد، وأما عمة عبد الله بن أبي بكر فقال ابن الحذاء‏:‏ هي عمرة بنت حزم عمة جد عبد الله بن أبي بكر، وقيل لها عمته مجازا‏.‏

قلت‏:‏ لكنها صحابية قديمة روى عنها جابر بن عبد الله الصحابي، ففي روايتها عن بنت زيد بن ثابت بعد، فإن كانت ثابتة فرواية عبد الله عنها منقطعة لأنه لم يدركها، ويحتمل أن تكون المرادة عمته الحقيقية وهي أم عمرو أو أم كلثوم والله أعلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يدعون‏)‏ أي يطلبن‏.‏

وفي رواية الكشميهني ‏"‏ يدعين ‏"‏ وقد تقدم مثلها في ‏"‏ باب تقضي الحائض المناسك كلها‏"‏‏.‏

وقال صاحب القاموس‏:‏ دعيت لغة في دعوت، ولم ينبه على ذلك صاحب المشارق ولا المطالع‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إلى الطهر‏)‏ أي إلى ما يدل على الطهر واللام في قولها ‏"‏ ما كان النساء ‏"‏ للعهد أي نساء الصحابة، وإنما عابت عليهن لأن ذلك يقتضي الحرج والتنطع وهو مذموم، قاله ابن بطال وغيره‏.‏

وقيل لكون ذلك كان في غير وقت الصلاة وهو جوف الليل، وفيه نظر لأنه وقت العشاء، ويحتمل أن يكون العيب لكون الليل لا يتبين به البياض الخالص من غيره فيحسبن أنهن طهرن وليس كذلك فيصلين قبل الطهر‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ أَبِي حُبَيْشٍ كَانَتْ تُسْتَحَاضُ فَسَأَلَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ ذَلِكِ عِرْقٌ وَلَيْسَتْ بِالْحَيْضَةِ فَإِذَا أَقْبَلَتْ الْحَيْضَةُ فَدَعِي الصَّلَاةَ وَإِذَا أَدْبَرَتْ فَاغْتَسِلِي وَصَلِّي

الشرح‏:‏

حديث فاطمة بنت أبي حبيش تقدم في باب الاستحاضة، وسفيان في هذا الإسناد هو ابن عيينة لأن عبد الله بن محمد وهو المسندي لم يسمع من الثوري‏.‏

*3*باب لَا تَقْضِي الْحَائِضُ الصَّلَاةَ

وَقَالَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَأَبُو سَعِيدٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَدَعُ الصَّلَاةَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب لا تقضي الحائض الصلاة‏)‏ نقل ابن المنذر وغيره إجماع أهل العلم على ذلك، وروى عبد الرزاق عن معمر أنه سأل الزهري عنه فقال‏:‏ اجتمع الناس عليه، وحكى ابن عبد البر عن طائفة من الخوارج أنهم كانوا يوجبونه، وعن سمرة بن جندب أنه كان يأمر به فأنكرت عليه أم سلمة، لكن استقر الإجماع على عدم الوجوب كما قاله الزهري وغيره‏.‏

قوله ‏(‏وقال جابر بن عبد الله وأبو سعيد‏)‏ هذا التعليق عن هذين الصحابيين ذكره المؤلف بالمعنى، فأما حديث جابر فأشار به إلى ما أخرجه في كتاب الأحكام من طريق حبيب عن عطاء عن جابر في قصة حيض عائشة في الحج وفيه ‏"‏ غير أنها لا تطوف ولا تصلي‏"‏، ولمسلم نحوه من طريق أبي الزبير عن جابر، وأما حديث أبي سعيد فأشار به إلى حديثه المتقدم في ‏"‏ باب ترك الحائض الصوم ‏"‏ وفيه ‏"‏ أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم‏؟‏‏"‏‏.‏

فإن قيل‏:‏ الترجمة لعدم القضاء، وهذان الحديثان لعدم الإيقاع، فما وجه المطابقة‏؟‏ أجاب الكرماني بأن الترك في قوله ‏"‏ تدع الصلاة ‏"‏ مطلق أداء وقضاء‏.‏

انتهى‏.‏

وهو غير متجه، لأن منعها إنما هو في زمن الحيض فقط، وقد وضح ذلك من سياق الحديثين، والذي يظهر لي أن المصنف أراد أن يستدل على الترك أولا بالتعليق المذكور، وعلى عدم القضاء بحديث عائشة، فجعل المعلق كالمقدمة للحديث الموصول الذي هو مطابق للترجمة، والله أعلم‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ حَدَّثَنَا هَمَّامٌ قَالَ حَدَّثَنَا قَتَادَةُ قَالَ حَدَّثَتْنِي مُعَاذَةُ أَنَّ امْرَأَةً قَالَتْ لِعَائِشَةَ أَتَجْزِي إِحْدَانَا صَلَاتَهَا إِذَا طَهُرَتْ فَقَالَتْ أَحَرُورِيَّةٌ أَنْتِ كُنَّا نَحِيضُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَا يَأْمُرُنَا بِهِ أَوْ قَالَتْ فَلَا نَفْعَلُهُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثتني معاذة‏)‏ هي بنت عبد الله العدوية، وهي معدودة في فقهاء التابعين، ورجال الإسناد المذكور إليها بصريون‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أن امرأة قالت لعائشة‏)‏ كذا أبهمها همام، وبين شعبة في روايته عن قتادة أنها هي معاذة الراوية‏.‏

أخرجه الإسماعيلي من طريقه، وكذا لمسلم من طريق عاصم وغيره عن معاذة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أتجزي‏)‏ بفتح أوله، أي أتقضي‏.‏

وصلاتها بالنصب على المفعولية، ويروى أتجزئ بضم أوله والهمز، أي أتكفي المرأة الصلاة الحاضرة وهي طاهرة ولا تحتاج إلى قضاء الفائتة في زمن الحيض‏؟‏ فصلاتها على هذا بالرفع على الفاعلية، والأولى أشهر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أحرورية‏)‏ الحروري منسوب إلى حروراء بفتح الحاء وضم الراء المهملتين وبعد الواو الساكنة راء أيضا، بلدة على ميلين من الكوفة، والأشهر أنها بالمد‏.‏

قال المبرد‏:‏ النسبة إليها حروراوي، وكذا كل ما كان في آخره ألف تأنيث ممدودة، ولكن قيل الحروري بحذف الزوائد، ويقال لمن يعتقد مذهب الخوارج حرورى لأن أول فرقة منهم خرجوا على علي بالبلدة المذكورة فاشتهروا بالنسبة إليها، وهم فرق كثيرة، لكن من أصولهم المتفق عليها بينهم الأخذ بما دل عليه القرآن ورد ما زاد عليه من الحديث مطلقا، ولهذا استفهمت عائشة معاذة استفهام إنكار، وزاد مسلم في رواية عاصم عن معاذة فقلت‏:‏ لا ولكني أسأل، أي سؤالا مجردا لطلب العلم لا للتعنت، وفهمت عائشة عنها طلب الدليل فاقتصرت في الجواب عليه دون التعليل، والذي ذكره العلماء في الفرق بين الصلاة والصيام أن الصلاة تتكرر فلم يجب قضاؤها للحرج بخلاف الصيام، ولمن يقول بأن الحائض مخاطبة بالصيام أن يفرق بأنها لم تخاطب بالصلاة أصلا‏.‏

وقال ابن دقيق العيد‏:‏ اكتفاء عائشة في الاستدلال على إسقاط القضاء بكونها لم تؤمر به يحتمل وجهين‏:‏ أحدهما أنها أخذت إسقاط القضاء من إسقاط الأداء فيتمسك به حتى يوجد المعارض وهو الأمر بالقضاء كما في الصوم، ثانيهما - قال وهو أقرب - أن الحاجة داعية إلى بيان هذا الحكم لتكرر الحيض منهن عنده صلى الله عليه وسلم، وحيث لم يبين دل على عدم الوجوب، لا سيما وقد اقترن بذلك الأمر بقضاء الصوم كما في رواية عاصم عن معاذة عند مسلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فلا يأمرنا به، أو قالت‏:‏ فلا نفعله‏)‏ كذا في هذه الرواية بالشك، وعند الإسماعيلي من وجه آخر ‏"‏ فلم نكن نقضي ولم نؤمر به ‏"‏ والاستدلال بقولها فلم نكن نقضي أوضح من الاستدلال بقولها فلم نؤمر به، لأن عدم الأمر بالقضاء هنا قد ينازع في الاستدلال به على عدم الوجوب، لاحتمال الاكتفاء بالدليل العام على وجوب القضاء‏.‏

والله أعلم‏.‏

*3*باب النَّوْمِ مَعَ الْحَائِضِ وَهِيَ فِي ثِيَابِهَا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب النوم مع الحائض‏)‏ زاد في رواية الصاغاني ‏"‏ وهي في ثيابها ‏"‏ تقدم الكلام على ذلك في ‏"‏ باب من سمى النفاس حيضا‏"‏‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ حَفْصٍ قَالَ حَدَّثَنَا شَيْبَانُ عَنْ يَحْيَى عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ حَدَّثَتْهُ أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ قَالَتْ حِضْتُ وَأَنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْخَمِيلَةِ فَانْسَلَلْتُ فَخَرَجْتُ مِنْهَا فَأَخَذْتُ ثِيَابَ حِيضَتِي فَلَبِسْتُهَا فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنُفِسْتِ قُلْتُ نَعَمْ فَدَعَانِي فَأَدْخَلَنِي مَعَهُ فِي الْخَمِيلَةِ قَالَتْ وَحَدَّثَتْنِي أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُقَبِّلُهَا وَهُوَ صَائِمٌ وَكُنْتُ أَغْتَسِلُ أَنَا وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ إِنَاءٍ وَاحِدٍ مِنْ الْجَنَابَةِ

الشرح‏:‏

يحيى المذكور هو ابن أبي كثير‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قالت وحدثتني‏)‏ هو مقول زينب بنت أم سلمة، وفاعل ‏"‏ حدثتني ‏"‏ أمها أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، وسيأتي الكلام على ذلك في كتاب الصيام‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وكنت‏)‏ معطوف على جملة الحديث الذي قبله وهي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبلها، وقد تقدم الكلام على فوائده في كتاب الغسل‏.‏

*3*باب مَنْ اتَّخَذَ ثِيَابَ الْحَيْضِ سِوَى ثِيَابِ الطُّهْرِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب من اتخذ ثياب الحيض‏)‏ وفي رواية الكشميهني ‏"‏ من أعد ‏"‏ بالعين والدال المهملتين‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ فَضَالَةَ قَالَ حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ يَحْيَى عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ بَيْنَا أَنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُضْطَجِعَةٌ فِي خَمِيلَةٍ حِضْتُ فَانْسَلَلْتُ فَأَخَذْتُ ثِيَابَ حِيضَتِي فَقَالَ أَنُفِسْتِ فَقُلْتُ نَعَمْ فَدَعَانِي فَاضْطَجَعْتُ مَعَهُ فِي الْخَمِيلَةِ

الشرح‏:‏

هشام المذكور هو الدستوائي، ويحيى هو ابن أبي كثير، والكلام على الحديث قد تقدم في ‏"‏ باب من سمى النفاس حيضا‏"‏‏.‏