فصل: باب بَعْثُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلَام وَخَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِلَى الْيَمَنِ قَبْلَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فتح الباري شرح صحيح البخاري **


*3*باب بَعْثُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلَام وَخَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِلَى الْيَمَنِ قَبْلَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب بعث علي بن أبي طالب وخالد بن الوليد إلى اليمن قبل حجة الوداع‏)‏ قد ذكر في آخر الباب حديث جابر ‏"‏ أن عليا قدم من اليمن فلاقى النبي صلى الله عليه وسلم بمكة في حجة الوداع ‏"‏ وقد تقدم الكلام عليه في كتاب الحج‏.‏

وقد أخرج أحمد وأبو داود والترمذي من طريق أخرى عن علي قال‏:‏ ‏"‏ بعثني النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليمن فقلت‏:‏ يا رسول الله تبعثني إلى قوم أسن مني وأنا حديث السن لا أبصر القضاء، قال‏:‏ فوضع يده على صدري وقال‏.‏

اللهم ثبت لسانه واهد قلبه‏.‏

وقال‏:‏ يا علي إذا جلس إليك الخصمان فلا تقض بينهما حتى تسمع من الآخر ‏"‏ فذكر الحديث‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ حَدَّثَنَا شُرَيْحُ بْنُ مَسْلَمَةَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ يُوسُفَ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ سَمِعْتُ الْبَرَاءَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ إِلَى الْيَمَنِ قَالَ ثُمَّ بَعَثَ عَلِيًّا بَعْدَ ذَلِكَ مَكَانَهُ فَقَالَ مُرْ أَصْحَابَ خَالِدٍ مَنْ شَاءَ مِنْهُمْ أَنْ يُعَقِّبَ مَعَكَ فَلْيُعَقِّبْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيُقْبِلْ فَكُنْتُ فِيمَنْ عَقَّبَ مَعَهُ قَالَ فَغَنِمْتُ أَوَاقٍ ذَوَاتِ عَدَدٍ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏شريح‏)‏ هو بالشين المعجمة وآخره حاء مهملة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم مع خالد بن الوليد إلى اليمن‏)‏ كان ذلك بعد رجوعهم من الطائف وقسمة الغنائم بالجعرانة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أن يعقب معك‏)‏ أي يرجع إلى اليمن، والتعقيب أن يعود بعض العسكر بعد الرجوع ليصيبوا غزوة من الغد، كذا قال الخطابي‏.‏

وقال ابن فارس‏:‏ غزاة بعد غزاة‏.‏

والذي يظهر أنه أعم من ذلك وأصله أن الخليفة يرسل العسكر إلى جهة مدة فإذا انمضت رجعوا وأرسل غيرهم، فمن شاء أن يرجع من العسكر الأول مع العسكر الثاني سمي رجوعه تعقيبا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فغنمت أواقي‏)‏ بتشديد التحتانية ويجوز تخفيفها‏.‏

وقوله‏:‏ ‏(‏ذوات عدد‏)‏ لم أقف على تحريرها‏.‏

‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ أورد البخاري هذا الحديث مختصرا، وقـد أورده الإسماعيلي من طريق أبي عبيدة بن أبي السفر ‏"‏ سمعت إبراهيم بن يوسف ‏"‏ وهو الذي أخرجه البخاري من طريقه فزاد فيه‏:‏ ‏"‏ قال البراء‏:‏ فكنت ممن عقب معه، فلما دنونا من القوم خرجوا إلينا، فصلى بنا علي وصفنا صفا واحدا ثم تقدم بين أيدينا فقرأ عليهم كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأسلمت همدان جميعا، فكتب علي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بإسلامهم، فلما قرأ الكتاب خر ساجدا، ثم رفع رأسه وقال‏:‏ السلام على همدان ‏"‏ وعند الترمذي من طريق الأحوص بن خوات عن أبي إسحاق في حديث البراء قصة الجارية، وسأذكر بيان ذلك في الحديث الذي بعده إن شاء الله تعالى‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ سُوَيْدِ بْنِ مَنْجُوفٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ بَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيًّا إِلَى خَالِدٍ لِيَقْبِضَ الْخُمُسَ وَكُنْتُ أُبْغِضُ عَلِيًّا وَقَدْ اغْتَسَلَ فَقُلْتُ لِخَالِدٍ أَلَا تَرَى إِلَى هَذَا فَلَمَّا قَدِمْنَا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ يَا بُرَيْدَةُ أَتُبْغِضُ عَلِيًّا فَقُلْتُ نَعَمْ قَالَ لَا تُبْغِضْهُ فَإِنَّ لَهُ فِي الْخُمُسِ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا علي بن سويد بن منجوف‏)‏ بفتح الميم وسكون النون وضم الجيم وسكون الواو، ووقع في رواية القابسي ‏"‏ عن علي بن سويد عن منجوف ‏"‏ وهو تصحيف، وعلي بن سويد بن منجوف سدوسي بصري ثقة ليس له في البخاري سوى هذا الموضع‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن عبد الله بن بريدة‏)‏ في رواية الإسماعيلي ‏"‏ حدثني عبد الله‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بعث النبي صلى الله عليه وسلم عليا إلى خالد‏)‏ أي ابن الوليد ‏(‏ليقبض الخمس‏)‏ أي خمس الغنيمة‏.‏

وفي رواية الإسماعيلي التي سأذكرها ‏"‏ ليقسم الخمس‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وكنت أبغض عليا وقد اغتسل فقلت لخالد ألا ترى‏)‏ هكذا وقع عنده مختصرا، وقد أورده الإسماعيلي من طرق إلى روح بن عبادة الذي أخرجه البخاري من طريقه فقال في سياقه‏:‏ ‏"‏ بعث عليا إلى خالد ليقسم الخمس ‏"‏ وفي رواية له ‏"‏ ليقسم الفيء، فاصطفى علي منه لنفسه سبيئة ‏"‏ بفتح المهملة وكسر الموحدة بعدها تحتانية ساكنة، ثم همزة أي جارية من السبي‏.‏

وفي رواية له ‏"‏ فأخذ منه جارية ثم أصبح يقطر رأسه، فقال خالد لبريدة‏:‏ ألا ترى ما صنع هذا‏؟‏ قال بريدة‏:‏ وكنت أبغض عليا ‏"‏ ولأحمد من طريق عبد الجليل عن عبد الله بن بريدة عن أبيه ‏"‏ أبغضت عليا بغضا لم أبغضه أحدا، وأحببت رجلا من قريش لم أحبه إلا على بغضه عليا، قال‏:‏ فأصبنا سبيا فكتب - أي الرجل - إلى النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ابعث إلينا من يخمسه، قال‏:‏ فبعث إلينا عليا، وفي السبي وصيفة هي أفضل السبي، قال‏:‏ فخمس وقسم، فخرج ورأسه يقطر - فقلت‏؟‏ يا أبا الحسن ما هذا‏؟‏ فقال‏:‏ ألم تر إلى الوصيفة، فإنها صارت في الخمس، ثم صارت في آل محمد، ثم صارت في آل علي فوقعت بها‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فلما قدمنا على النبي صلى الله عليه وسلم‏)‏ في رواية - عبد الجليل ‏"‏ فكتب الرجل‏:‏ إلى النبي صلى الله عليه وسلم بالقصة، فقلت‏:‏ ابعثني فبعثني فجعل يقرأ الكتاب ويقول صدق‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقال يا بريدة أتبغض عليا‏؟‏ فقلت‏:‏ نعم قال‏:‏ لا تبغضه‏)‏ زاد في رواية عبد الجليل ‏"‏ وإن كنت تحبه فازدد له حبا‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فإن له في الخمس أكثر من ذلك‏)‏ في رواية عبد الجليل ‏"‏ فو الذي نفس محمد بيده لنصيب آل علي في الخمس أفضل من وصيفة ‏"‏ وزاد ‏"‏ قال‏:‏ فما كان أحد من الناس أحب إلي من علي ‏"‏ وأخرج أحمد هذا الحديث من طريق أجلح الكندي عن عبد الله بن بريدة بطوله وزاد في آخره ‏"‏ لا تقع في علي فإنه مني وأنا منه وهو وليكم بعدي ‏"‏ وأخرجه أحد أيضا والنسائي من طريق سعيد بن عبيدة عن عبد الله بن بريدة مختصرا وفي آخره ‏"‏ فإذا النبي صلى الله عليه وسلم قد احمر وجهه يقول‏:‏ من كنت وليه فعلي وليه ‏"‏ وأخرجه الحاكم من هذا الوجه مطولا وفيه قصة الجارية نحو رواية عبد الجليل، وهذه طرق يقوي بعضها بعضا‏.‏

قال أبو ذر الهروي‏:‏ إنما أبغض الصحابي عليا لأنه رآه أخذ من المغنم، فظن أنه غل، فلما أعلمه النبي صلى الله عليه وسلم أنه أخذ أقل من حقه أحبه ا هـ‏.‏

وهو تأويل حسن، لكن يبعده صدر الحديث الذي أخرجه أحمد فلعل سبب البغض كان لمعنى آخر وزال بنهي النبي صلى الله عليه وسلم لهم عن بغضه‏.‏

وقد استشكل وقوع علي على الجارية بغير استبراء، وكذلك قسمته لنفسه، فأما الأول فمحمول على أنها كانت بكرا غير بالغ ورأى أن مثلها لا يستبرأ كما صار إليه غيره من الصحابة، ويجوز أن تكون حاضت عقب صيرورتها له ثم طهرت بعد يوم وليلة ثم وقع عليها وليس ما يدفعه، وأما القسمة فجائزة في مثل ذلك ممن هو شريك فيما يقسمه كالإمام إذا قسم بين الرعية وهو منهم، فكذلك من نصبه الإمام قام مقامه‏.‏

وقد أجاب الخطابي بالثاني، وأجاب عن الأول لاحتمال أن تكون عذراء أو دون البلوغ أو أداه اجتهاده أن لا استبراء فيها، ويؤخذ من الحديث جواز التسري على بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم بخلاف التزويج عليها لما وقع في حديث المسور في كتاب النكاح‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ الْقَعْقَاعِ بْنِ شُبْرُمَةَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي نُعْمٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ يَقُولُ بَعَثَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْيَمَنِ بِذُهَيْبَةٍ فِي أَدِيمٍ مَقْرُوظٍ لَمْ تُحَصَّلْ مِنْ تُرَابِهَا قَالَ فَقَسَمَهَا بَيْنَ أَرْبَعَةِ نَفَرٍ بَيْنَ عُيَيْنَةَ بْنِ بَدْرٍ وَأَقْرَعَ بْنِ حابِسٍ وَزَيْدِ الْخَيْلِ وَالرَّابِعُ إِمَّا عَلْقَمَةُ وَإِمَّا عَامِرُ بْنُ الطُّفَيْلِ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ كُنَّا نَحْنُ أَحَقَّ بِهَذَا مِنْ هَؤُلَاءِ قَالَ فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَلَا تَأْمَنُونِي وَأَنَا أَمِينُ مَنْ فِي السَّمَاءِ يَأْتِينِي خَبَرُ السَّمَاءِ صَبَاحًا وَمَسَاءً قَالَ فَقَامَ رَجُلٌ غَائِرُ الْعَيْنَيْنِ مُشْرِفُ الْوَجْنَتَيْنِ نَاشِزُ الْجَبْهَةِ كَثُّ اللِّحْيَةِ مَحْلُوقُ الرَّأْسِ مُشَمَّرُ الْإِزَارِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ اتَّقِ اللَّهَ قَالَ وَيْلَكَ أَوَلَسْتُ أَحَقَّ أَهْلِ الْأَرْضِ أَنْ يَتَّقِيَ اللَّهَ قَالَ ثُمَّ وَلَّى الرَّجُلُ قَالَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَا أَضْرِبُ عُنُقَهُ قَالَ لَا لَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ يُصَلِّي فَقَالَ خَالِدٌ وَكَمْ مِنْ مُصَلٍّ يَقُولُ بِلِسَانِهِ مَا لَيْسَ فِي قَلْبِهِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنِّي لَمْ أُومَرْ أَنْ أَنْقُبَ عَنْ قُلُوبِ النَّاسِ وَلَا أَشُقَّ بُطُونَهُمْ قَالَ ثُمَّ نَظَرَ إِلَيْهِ وَهُوَ مُقَفٍّ فَقَالَ إِنَّهُ يَخْرُجُ مِنْ ضِئْضِئِ هَذَا قَوْمٌ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ رَطْبًا لَا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ يَمْرُقُونَ مِنْ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنْ الرَّمِيَّةِ وَأَظُنُّهُ قَالَ لَئِنْ أَدْرَكْتُهُمْ لَأَقْتُلَنَّهُمْ قَتْلَ ثَمُودَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن عمارة بن القعقاع‏)‏ ابن شبرمة بضم المعجمة والراء بينهما موحدة ساكنة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا عبد الرحمن‏)‏ هو ابن زياد، ونعم يضم النون وسكون المهملة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بذهيبة‏)‏ تصغير ذهبة، وكأنه أنثها على معنى الطائفة أو الجملة‏.‏

وقال الخطابي‏:‏ على معنى القطعة‏.‏

وفيه نظر لأنها كانت تبرا، وقد يؤنث الذهب في بعض اللغات، وفي معظم النسخ من مسلم ‏"‏ بذهبة ‏"‏ بفتحتين بغير تصغير‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏في أديم مقروظ‏)‏ بظاء معجمة مشالة أي مدبوغ بالقرظ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لم تحصل من ترابها‏)‏ أي لم تخلص من تراب المعدن فكأنها كانت تبرا وتخليصها بالسبك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بين عيينة بن بدر‏)‏ كذا نسب لجده الأعلى‏.‏

وهو عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر الفزاري‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وأقرع بن حابس‏)‏ قال ابن مالك‏:‏ فيه شاهد على أن ذا الألف واللام من الأعلام الغالبة قد ينزعان عنه في غير نداء ولا إضافة ولا ضرورة، وقد حكى سيبويه عن العرب‏:‏ هذا يوم اثنين مبارك‏.‏

وقال مسكين الدارمي ونابغة الجعدي في الجعدية، وقد تقدم ذكر عيينة والأقرع في غزوة حنين، وقد مضى في أحاديث الأنبياء ويأتي في التوحيد من طريق سعيد بن مسروق عن ابن أبي نعم بلفظ ‏"‏ والأقرع بن حابس الحنظلي ثم المجاشعي‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وزيد الخيل‏)‏ أي ابن مهلهل الطائي‏.‏

وفي رواية سعيد بن مسروق ‏"‏ وبين زيد الخيل الطائي ثم أحد بني نبهان ‏"‏ وقيل له زيد الخيل لكرائم الخيل التي كانت له، وسماه النبي صلى الله عليه وسلم زيد الخير بالراء بدل اللام وأثنى عليه فأسلم فحسن إسلامه ومات في حياة النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏والرابع إما علقمة‏)‏ أي ابن علاثة بضم المهملة والمثلثة العامري ‏(‏وإما عامر بن الطفيل‏)‏ وهو العامري، وجزم في رواية سعيد بن مسروق بأنه علقمة بن علاثة العامري ثم أحد بني كلاب وهو من أكابر بني عامر، وكان يتنازع الرياسة هو وعامر بن الطفيل، وأسلم علقمة فحسن إسلامه، واستعمله عمر على حوران فمات بها في خلافته‏.‏

وذكر عامر بن الطفيل غلط من عبد الواحد فإنه كان مات قبل ذلك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقال رجل من أصحابه‏)‏ لم أقف على اسمه‏.‏

وفي رواية سعيد بن مسروق ‏"‏ فغضبت قريش والأنصار وقالوا‏:‏ يعطي صناديد أهل نجد ويدعنا، فقال‏:‏ إنما أتألفهم ‏"‏ والصناديد بالمهملة والنون جمع صنديد وهو الرئيس‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقال ألا تأمنوني وأنا أمين من في السماء، يأتيني خبر السماء صباحا ومساء‏)‏ في رواية سعيد بن مسروق أنه صلى الله عليه وسلم إنما قال ذلك عقب قول الخارجي الذي يذكر بعد هذا، وهو المحفوظ‏.‏

‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ هذه القصة غير القصة المتقدمة في غزوة حنين، ووهم من خلطها بها‏.‏

واختلف في هذه الذهيبة فقبل‏:‏ كانت خمس الخمس، وفيه نظر‏.‏

وقيل من الخمس، وكان ذلك من خصائصه أنه يضعه في صنف من الأصناف للمصلحة‏.‏

وقيل من أصل الغنيمة وهو بعيد‏.‏

وسيأتي الكلام على قوله‏:‏ ‏"‏ من في السماء ‏"‏ في كتاب التوحيد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقام رجل غائر العينين‏)‏ بالغين المعجمة والتحتانية وزن فاعل من الغور، والمراد أن عينيه داخلتان في محاجرهما لاصقتين بقعر الحدقة، وهو ضد الجحوظ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏مشرف‏)‏ بشين معجمة وفاء أي بارزهما، والوجنتان العظمان المشرفان على الخدين‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ناشز‏)‏ بنون وشين معجمة وزاي أي مرتفعها، في رواية سعيد بن مسروق ‏"‏ ناتئ الجبين ‏"‏ بنون ومثناة على وزن فاعل من النتوء أي أنه يرتفع على ما حوله‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏محلوق‏)‏ سيأتي في أواخر التوحيد من وجه آخر أن الخوارج سيماهم التحليق، وكان السلف يوفرون شعورهم لا يحلقونها، وكانت طريقة الخوارج حلق جميع رءوسهم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أو لست أحق أهل الأرض أن يتقي الله‏)‏ وفي رواية سعيد بن مسروق ‏"‏ فقال ومن يطع الله إذا عصيته ‏"‏ وهذا الرجل هو ذو الخويصرة التميمي كما تقدم صريحا في علامات النبوة من وجه آخر عن أبي سعيد الخدري، وعند أبي داود اسمه نافع ورجحه السهيلي، وقيل اسمه حرقوص بن زهير السعدي، وسيأتي تحرير ذلك في كتاب استتابة المرتدين‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقال خالد بن الوليد‏)‏ في رواية أبي سلمة عن أبي سعيد في علامات النبوة ‏"‏ فقال عمر ‏"‏ ولا تنافيه هذه الرواية لاحتمال أن يكون كل منهما سأل في ذلك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ألا أضرب عنقه‏؟‏ قال‏:‏ لا، لعله أن يكون يصلي‏)‏ فيه استعمال لعل استعمال عسى، نبه عليه ابن مالك، وقوله‏:‏ ‏"‏ يصلي ‏"‏ قيل فيه دلالة من طريق المفهوم على أن تارك الصلاة يقتل وفيه نظر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أن أنقب‏)‏ بنون وقاف ثقيلة بعدها موحدة أي إنما أمرت أن آخذ بظواهر أمورهم، قال القرطبي‏:‏ إنما منع قتله وإن كان قد استوجب القتل لئلا يتحدث الناس أنه يقتل أصحابه ولا سيما من صلى، كما تقدم نظيره في قصة عبد الله بن أبي‏.‏

وقال المازري‏:‏ يحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم لم يفهم من الرجل الطعن في النبوة، وإنما نسبه إلى ترك العدل في القسمة، وليس ذلك كبيرة، والأنبياء معصومون من الكبائر بالإجماع‏.‏

واختلف في جواز وقوع الصغائر، أو لعله لم يعاقب هذا الرجل لأنه لم يثبت ذلك عنه، بل نقله عنه واحد، وخبر الواحد لا يراق به الدم‏.‏

انتهى‏.‏

وأبطله عياض بقوله في الحديث‏:‏ ‏"‏ اعدل يا محمد ‏"‏ فخاطبه في الملأ بذلك حتى استأذنوه في قتله، فالصواب ما تقدم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يخرج من ضئضئ‏)‏ كذا للأكثر بضادين معجمتين مكسورتين بينهما تحتانية مهموزة ساكنة وفي آخره تحتانية مهموزة أيضا‏.‏

وفي رواية الكشميهني بصادين مهملتين، فأما بالضاد المعجمة فالمراد به النسل والعقب، وزعم ابن الأثير أن الذي بالمهملة بمعناه، وحكى ابن الأثير أنه روي بالمد بوزن قنديل‏.‏

وفي رواية سعيد بن مسروق في أحاديث الأنبياء أنه من ضئضئ هذا أو من عقب هذا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يتلون كتاب الله رطبا‏)‏ في رواية سعيد بن مسروق ‏"‏ يقرءون القرآن‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لا يجاوز حناجرهم‏)‏ تقدم شرحه في علامات النبوة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يمرقون من الدين‏)‏ في رواية سعيد بن مسروق ‏"‏ من الإسلام ‏"‏ وفيه رد على من أول الدين هنا بالطاعة‏.‏

وقال‏:‏ إن المراد أنهم يخرجون من طاعة الإمام كما يخرج السهم من الرمية، وهذه صفة الخوارج الذين كانوا لا يطيعون الخلفاء‏.‏

والذي يظهر أن المراد بالدين الإسلام كما فسرته الرواية الأخرى، وخرج الكلام مخرج الزجر وأنهم بفعلهم ذلك يخرجون من الإسلام الكامل‏.‏

وزاد سعيد بن مسروق في روايته ‏"‏ يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان ‏"‏ وهو مما أخبر به صلى الله عليه وسلم من المغيبات فوقع كما قال‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وأظنه قال‏:‏ لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل ثمود‏)‏ في رواية سعيد بن مسروق ‏"‏ لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد ‏"‏ ولم يتردد فيه وهو الراجح، وقد استشكل قوله ‏"‏ لئن أدركتهم لأقتلنهم ‏"‏ مع أنه نهى خالدا عن قتل أصلهم، وأجيب بأنه أراد إدراك خروجهم واعتراضهم المسلمين بالسيف، ولم يكن ظهر ذلك في زمانه، وأول ما ظهر في زمان علي كما هو مشهور، وقد سبقت الإشارة إلى ذلك في ‏"‏ علامات النبوة‏"‏، واستدل به على تكفير الخوارج، وهي مسألة شهيرة في الأصول، وسيأتي الإلمام بشيء منها في استتابة المرتدين‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا الْمَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ عَطَاءٌ قَالَ جَابِرٌ أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيًّا أَنْ يُقِيمَ عَلَى إِحْرَامِهِ زَادَ مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ عَطَاءٌ قَالَ جَابِرٌ فَقَدِمَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِسِعَايَتِهِ قَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَ أَهْلَلْتَ يَا عَلِيُّ قَالَ بِمَا أَهَلَّ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فَأَهْدِ وَامْكُثْ حَرَامًا كَمَا أَنْتَ قَالَ وَأَهْدَى لَهُ عَلِيٌّ هَدْيًا

الشرح‏:‏

حديث جابر في مجيء علي من اليمن إلى الحج حجة الوداع، وقد تقدم بالسندين المذكورين في كتاب الحج، وتقدم شرحه هناك‏.‏

وقوله هنا‏:‏ ‏"‏ وقدم علي بسعايته ‏"‏ بكسر السين المهملة يعني ولايته على اليمن لا بسعاية الصدقة، قال النووي تبعا لغيره‏:‏ لأنه كان يحرم عليه ذلك كما ثبت في صحيح مسلم في قصة طلب الفضل بن العباس أن يكون عاملا على الصدقة، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏ إنها أوساخ الناس ‏"‏ والله أعلم‏.‏

*3*باب غَزْوَةُ ذِي الْخَلَصَةِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏غزوة ذي الخلصة‏)‏ بفتح الخاء المعجمة واللام بعدها مهملة، وحكى ابن دريد فتح أوله وإسكان ثانيه، وحكى ابن هشام ضمها، وقيل بفتح أوله وضم ثانيه والأول أشهر‏.‏

والخلصة نبات له حب أحمر كخرز العقيق، وذو الخلصة اسم للبيت الذي كان فيه الصنم، وقيل اسم البيت الخلصة واسم الصنم ذو الخلصة، وحكى المبرد أن موضع ذي الخلصة صار مسجدا جامعا لبلدة يقال لها العبلات من أرض خثعم، ووهم من قال إنه كان في بلاد فارس‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا خَالِدٌ حَدَّثَنَا بَيَانٌ عَنْ قَيْسٍ عَنْ جَرِيرٍ قَالَ كَانَ بَيْتٌ فِي الْجَاهِلِيَّةِ يُقَالُ لَهُ ذُو الْخَلَصَةِ وَالْكَعْبَةُ الْيَمانِيَةُ وَالْكَعْبَةُ الشَّأْمِيَّةُ فَقَالَ لِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلَا تُرِيحُنِي مِنْ ذِي الْخَلَصَةِ فَنَفَرْتُ فِي مِائَةٍ وَخَمْسِينَ رَاكِبًا فَكَسَرْنَاهُ وَقَتَلْنَا مَنْ وَجَدْنَا عِنْدَهُ فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرْتُهُ فَدَعَا لَنَا وَلِأَحْمَسَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا خالد‏)‏ هو ابن عبد الله الطحان، وبيان بموحدة ثم تحتانية خفيفة وهو ابن بشر، وقيس هو ابن حازم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏كان بيت في الجاهلية يقال له ذو الخلصة‏)‏ في الرواية التي بعدها أنه كان في خثعم بمعجمة ومثلثة وزن جعفر قبيلة شهيرة ينتسبون إلى خثعم بن أنمار بفتح أوله وسكون النون أي ابن إراش بكسر أوله وتخفيف الراء وفي آخره معجمة ابن عنز بفتح المهملة وسكون النون بعدها زاي أي ابن وائل ينتهي نسبهم إلى ربيعة بن نزار إخوة مضر بن نزار جد قريش، وقد وقع ذكر ذي الخلصة في حديث أبي هريرة عند الشيخين في كتاب الفتن مرفوعا ‏"‏ لا تقوم الساعة حتى تضطرب أليات نساء دوس حول ذي الخلصة ‏"‏ وكان صنما تعبده دوس في الجاهلية‏.‏

والذي يظهر لي أنه غير المراد في حديث الباب وإن كان السهيلي يشير إلى اتحادهما لأن دوسا قبيلة أبي هريرة وهم ينتسبون إلى دوس بن عدثان بضم المهملة وبعد الدال الساكنة مثلثة ابن عبد الله بن زهران، ينتهي نسبهم إلى الأزد، فبينهم وبين خثعم تباين في النسب والبلد‏.‏

وذكر ابن دحية أن ذا الخلصة المراد في حديث أبي هريرة كان عمرو بن لحي قد نصبه أسفل مكة، وكانوا يلبسونه القلائد ويجعلون عليه بيض النعام ويذبحون عنده، وأما الذي لخثعم فكانوا قد بنوا بيتا يضاهون به الكعبة فظهر الافتراق وقوي التعدد‏.‏

والله أعلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏والكعبة اليمانية والكعبة الشامية‏)‏ كذا فيه‏.‏

قيل‏:‏ وهو غلط والصواب اليمانية فقط، سموها بذلك مضاهاة للكعبة، والكعبة البيت الحرام بالنسبة لمن يكون جهة اليمن شامية فسموا التي بمكة شامية والتي عندهم يمانية تفريقا بينهما‏.‏

والذي يظهر لي أن الذي في الرواية صواب وأنها كان يقال لها اليمانية باعتبار كونها باليمن والشامية باعتبار أنهم جعلوا بابها مقابل الشام، وقد حكى عياض أن في بعض الروايات ‏"‏ والكعبة اليمانية الكعبة الشامية ‏"‏ بغير واو‏.‏

قال‏:‏ وفيه إيهام، قال‏:‏ والمعنى كان يقال لها تارة هكذا وتارة هكذا، وهذا يقوي ما قلته فإن إرادة ذلك مع ثبوت الواو أولى‏.‏

وقال غيره‏:‏ قوله‏:‏ ‏"‏ والكعبة الشامية ‏"‏ مبتدأ محذوف الخبر تقديره هي التي بمكة، وقيل الكعبة مبتدأ الشامية خبره والجملة حال والمعنى والكعبة هي الشامية لا غير، وحكي السهيلي عن بعض النحويين أن ‏"‏ له ‏"‏ زائدة وأن الصواب ‏"‏ كان يقال الكعبة الشامية ‏"‏ أي لهذا البيت الجديد ‏"‏ والكعبة اليمانية ‏"‏ أي للبيت العتيق أو بالعكس، قال السهيلي‏:‏ وليست فيه زيادة، وإنما اللام بمعنى من أجل أي كان يقال من أجله الكعبة الشامية والكعبة اليمانية أي إحدى الصفتين للعتيق والأخرى للجديد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ألا تريحني‏)‏ هو بتخفيف اللام طلب يتضمن الأمر وخص جريرا بذلك لأنها كانت في بلاد قومه وكان هو من أشرافهم، والمراد بالراحة راحة القلب، وما كان شيء أتعب لقلب النبي صلى الله عليه وسلم من بقاء ما يشرك به من دون الله تعالى‏.‏

وروى الحاكم في ‏"‏ الإكليل ‏"‏ من حديث البراء بن عازب قال‏:‏ ‏"‏ قدم على النبي صلى الله عليه وسلم مائة رجل من بني بجيلة وبني قشير جرير بن عبد الله، فسأله عن بني خثعم فأخبره أنهم أبوا أن يجيبوا إلى الإسلام، فاستعمله على عامة من كان معه، وندب معه ثلاثمائة من الأنصار وأمره أن يسير إلى خثعم فيدعوهم ثلاثة أيام، فإن أجابوا إلى الإسلام قبل منهم وهدم صنمهم ذا الخلصة، وإلا وضع فيهم السيف‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فنفرت‏)‏ أي خرجت مسرعا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏في مائة وخمسين راكبا‏)‏ زاد في الرواية التي بعدها ‏"‏ وكانوا أصحاب خيل ‏"‏ أي يثبتون عليها لقوله بعده‏:‏ ‏"‏ وكنت لا أثبت على الخيل ‏"‏ ووقع في رواية ضعيفة في الطبراني أنهم كانوا سبعمائة، فلعلها إن كانت محفوظة يكون الزائد رجالة وأتباعا‏.‏

ثم وجدت في ‏"‏ كتاب الصحابة لابن السكن ‏"‏ أنهم كانوا أكثر من ذلك فذكر عن قيس بن غربة الأحمسي أنه وفد في خمسمائة، قال‏:‏ وقدم جرير في قومه وقدم الحجاج بن ذي الأعين في مائتين، قال‏:‏ وضم إلينا ثلاثمائة من الأنصار وغيرهم، فغزونا بني خثعم‏.‏

فكأن المائة والخمسين هم قوم جرير وتكملة المائتين أتباعهم وكأن الرواية التي فيها سبعمائة من كان من رهط جرير وقيس بن غربة لأن الخمسين كانوا من قبيلة واحدة، وغربة بفتح المعجمة والراء المهملة بعدها موحدة ضبطه الأكثر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فكسرناه‏)‏ أي البيت وسيأتي البحث فيه بعد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته‏)‏ كذا فيه، وفي الرواية الأخيرة أن الذي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك رسول جرير، فكأنه نسب إلى جرير مجازا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فدعا لنا ولأحمس‏)‏ بمهملة وزن أحمر وهم إخوة بجيلة بفتح الموحدة وكسر الجيم رهط جرير ينتسبون إلى أحمس بن الغوث بن أنمار، وبجيلة امرأة نسبت إليها القبيلة المشهورة، ومدار نسبهم أيضا على أنمار‏.‏

وفي العرب قبيلة أخرى يقال لها أحمس ليست مرادة هنا ينتسبون إلى أحمس بن ضبيعة بن ربيعة بن نزار‏.‏

ووقع في الرواية التي بعد هذه ‏"‏ فبارك في خيل أحمس ورجالها خمس مرات ‏"‏ أي دعا لهم بالبركة‏.‏

ووقع عند الإسماعيلي من رواية ابن شهاب عن إسماعيل بن أبي خالد ‏"‏ فدعا لأحمس بالبركة‏"‏‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا يَحْيَى حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ حَدَّثَنَا قَيْسٌ قَالَ قَالَ لِي جَرِيرٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ لِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلَا تُرِيحُنِي مِنْ ذِي الْخَلَصَةِ وَكَانَ بَيْتًا فِي خَثْعَمَ يُسَمَّى الْكَعْبَةَ الْيَمانِيَةَ فَانْطَلَقْتُ فِي خَمْسِينَ وَمِائَةِ فَارِسٍ مِنْ أَحْمَسَ وَكَانُوا أَصْحَابَ خَيْلٍ وَكُنْتُ لَا أَثْبُتُ عَلَى الْخَيْلِ فَضَرَبَ فِي صَدْرِي حَتَّى رَأَيْتُ أَثَرَ أَصَابِعِهِ فِي صَدْرِي وَقَالَ اللَّهُمَّ ثَبِّتْهُ وَاجْعَلْهُ هَادِيًا مَهْدِيًّا فَانْطَلَقَ إِلَيْهَا فَكَسَرَهَا وَحَرَّقَهَا ثُمَّ بَعَثَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ رَسُولُ جَرِيرٍ وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا جِئْتُكَ حَتَّى تَرَكْتُهَا كَأَنَّهَا جَمَلٌ أَجْرَبُ قَالَ فَبَارَكَ فِي خَيْلِ أَحْمَسَ وَرِجَالِهَا خَمْسَ مَرَّاتٍ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏وكنت لا أثبت على الخيل فضرب على صدري حتى رأيت أثر أصابعه في صدري‏)‏ في حديث البراء عند الحاكم ‏"‏ فشكا جرير إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم القلع فقال‏:‏ ادن مني، فدنا منه فوضع يده على رأسه ثم أرسلها على وجهه وصدره حتى بلغ عانته ثم وضع يده على رأسه وأرسلها على ظهره حتى انتهت إلى أليته وهو يقول مثل قوله الأول ‏"‏ فكان ذلك للتبرك بيده المباركة‏.‏

‏(‏فائدة‏)‏ ‏:‏ القلع بالقاف ثم اللام المفتوحتين ضبطه أبو عبيد الهروي‏:‏ الذي لا يثبت على السرج، وقيل بكسر أوله، قال الجوهري‏:‏ رجل قلع القدم بالكسر إذا كانت قدمه لا تثبت عند الحرب وفلان قلعة إذا كان يتقلع عن سرجه‏.‏

وسئل عن الحكمة في قوله‏:‏ ‏"‏ خمس مرات ‏"‏ فقيل‏:‏ مبالغة واقتصارا على الوتر لأنه مطلوب، ثم ظهر لي احتمال أن يكون دعا للخيل والرجال أو لهما معا‏.‏

ثم أراد التأكيد في تكرير الدعاء ثلاثا، فدعا للرجال مرتين أخريين، وللخيل مرتين أخريين ليكمل لكل من الصنفين ثلاثا، فكان مجموع ذلك خمس مرات‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏اللهم ثبته واجعله هاديا مهديا‏)‏ قيل فيه تقديم وتأخير، لأنه لا يكون هاديا حتى يكون مهديا، وقيل معناه كاملا مكملا، ووقع في حديث البراء أنه قال ذلك في حال إمرار يده عليه في المرتين، وزاد ‏"‏ وبارك فيه وفي ذريته‏"‏‏.‏

‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ كلام المزي في ‏"‏ الأطراف ‏"‏ يقتضي أن قوله‏:‏ ‏"‏ واجعله هاديا مهديا ‏"‏ من أفراد مسلم، وليس كذلك لأنه ثبت هنا من طريقين‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فكسرها وحرقها‏)‏ أي هدم بناءها ورمى النار فيما فيها من الخشب‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ قَيْسٍ عَنْ جَرِيرٍ قَالَ قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلَا تُرِيحُنِي مِنْ ذِي الْخَلَصَةِ فَقُلْتُ بَلَى فَانْطَلَقْتُ فِي خَمْسِينَ وَمِائَةِ فَارِسٍ مِنْ أَحْمَسَ وَكَانُوا أَصْحَابَ خَيْلٍ وَكُنْتُ لَا أَثْبُتُ عَلَى الْخَيْلِ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَضَرَبَ يَدَهُ عَلَى صَدْرِي حَتَّى رَأَيْتُ أَثَرَ يَدِهِ فِي صَدْرِي وَقَالَ اللَّهُمَّ ثَبِّتْهُ وَاجْعَلْهُ هَادِيًا مَهْدِيًّا قَالَ فَمَا وَقَعْتُ عَنْ فَرَسٍ بَعْدُ قَالَ وَكَانَ ذُو الْخَلَصَةِ بَيْتًا بِالْيَمَنِ لِخَثْعَمَ وَبَجِيلَةَ فِيهِ نُصُبٌ تُعْبَدُ يُقَالُ لَهُ الْكَعْبَةُ قَالَ فَأَتَاهَا فَحَرَّقَهَا بِالنَّارِ وَكَسَرَهَا قَالَ وَلَمَّا قَدِمَ جَرِيرٌ الْيَمَنَ كَانَ بِهَا رَجُلٌ يَسْتَقْسِمُ بِالْأَزْلَامِ فَقِيلَ لَهُ إِنَّ رَسُولَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَا هُنَا فَإِنْ قَدَرَ عَلَيْكَ ضَرَبَ عُنُقَكَ قَالَ فَبَيْنَمَا هُوَ يَضْرِبُ بِهَا إِذْ وَقَفَ عَلَيْهِ جَرِيرٌ فَقَالَ لَتَكْسِرَنَّهَا وَلَتَشْهَدَنَّ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ أَوْ لَأَضْرِبَنَّ عُنُقَكَ قَالَ فَكَسَرَهَا وَشَهِدَ ثُمَّ بَعَثَ جَرِيرٌ رَجُلًا مِنْ أَحْمَسَ يُكْنَى أَبَا أَرْطَاةَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُبَشِّرُهُ بِذَلِكَ فَلَمَّا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا جِئْتُ حَتَّى تَرَكْتُهَا كَأَنَّهَا جَمَلٌ أَجْرَبُ قَالَ فَبَرَّكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى خَيْلِ أَحْمَسَ وَرِجَالِهَا خَمْسَ مَرَّاتٍ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏ولما قدم جرير اليمن إلخ‏)‏ يشعر باتحاد قصته في غزوة ذي الخلصة بقصة ذهابه إلى اليمن، وكأنه لما فرغ من أمر ذي الخلصة وأرسل رسوله مبشرا استمر ذاهبا إلى اليمن للسبب الذي سيذكر بعد باب، وقوله‏:‏ ‏"‏ يستقسم ‏"‏ أي يستخرج غيب ما يريد فعله من خير أو شر، وقد حرم الله ذلك بقوله تعالى‏:‏ ‏(‏وأن تستقسموا بالأزلام‏)‏ وحكي أبو الفرج الأصبهاني أنهم كانوا يستقسمون عند ذي الخلصة، وأن امرأ القيس لما خرج يطلب بثأر أبيه استقسم عنده فخرج له ما يكره، فسب الصنم ورماه بالحجارة وأنشد‏:‏ لو كنت يا ذا الخلص الموتورا لم تنه عن قتل العداة زورا قال‏:‏ فلم يستقسم عنده أحد بعد حتى جاء الإسلام‏.‏

قلت‏:‏ وحديث الباب يدل على أنهم استمروا يستقسمون عنده حتى نهاهم الإسلام، وكأن الذي استقسم عنده بعد ذلك لم يبلغه التحريم أو لم يكن أسلم حتى زجره جرير‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ثم بعث جرير رجلا من أحمس يكنى أبا أرطاة‏)‏ بفتح الهمزة وسكون الراء بعدها مهملة وبعد الألف هاء تأنيث واسم أبي أرطاة هذا حصين بن ربيعة، وقع مسمى في صحيح مسلم، ولبعض رواته ‏"‏ حسين ‏"‏ بسين مهملة بدل الصاد وهو تصحيف، ومنهم من سماه ‏"‏ حصن ‏"‏ بكسر أوله وسكون ثانيه وقلبه بعض الرواة فقال‏:‏ ‏"‏ ربيعة بن حصين ‏"‏ ومنهم من سماه ‏"‏ أرطاة ‏"‏ والصواب أبو أرطاة حصين بن ربيعة وهو ابن عامر بن الأزور، وهو صحابي بجلي لم أر له ذكرا إلا في هذا الحديث‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏كأنها جمل أجرب‏)‏ بالجيم والموحدة‏.‏

هو كناية عن نزع زينتها وإذهاب بهجتها‏.‏

وقال الخطابي‏:‏ المراد أنها صارت مثل الجمل المطلي بالقطران من جربه، إشارة إلى أنها صارت سوداء لما وقع فيها من التحريق‏.‏

ووقع لبعض الرواة، وقيل إنها رواية مسدد ‏"‏ أجوف ‏"‏ بواو بدل الراء وفاء بدل الموحدة، والمعنى أنها صارت صورة بغير معنى، والأجوف الخالي الجوف مع كبره في الظاهر‏.‏

ووقع لابن بطال معنى قوله أجرب أي أسود، ومعنى قوله أجوف أي أبيض وحكاه عن ثابت السرقسطي، وأنكره عياض وقال‏:‏ هو تصحيف وإفساد للمعنى، كذا قال، فإن أراد إنكار تفسير أجوف بأبيض فمقبول لأنه يضاد معنى الأسود، وقد ثبت أنه حرقها والذي يحرق يصير أثره أسود لا محالة فيه فكيف يوصف بكونه أبيض، وإن أراد إنكار لفظ أجوف فلا إفساد فيه فإن المراد أنه صار خاليا لا شيء فيه كما قررته‏.‏

وفي الحديث مشروعية إزالة ما يفتتن به الناس من بناء وغيره سواء كان إنسانا أو حيوانا أو جمادا، وفيه استمالة نفوس القوم بتأمير من هو منهم، والاستمالة بالدعاء والثناء والبشارة في الفتوح، وفضل ركوب الخيل في الحرب، وقبول خبر الواحد، والمبالغة في نكاية العدو، ومناقب لجرير ولقومه، وبركة يد النبي صلى الله عليه وسلم ودعائه، وأنه كان يدعو وترا وقد يجاوز الثلاث‏.‏

وفيه تخصيص لعموم قول أنس‏:‏ ‏"‏ كان إذا دعا دعا ثلاثا ‏"‏ فيحمل على الغالب، وكأن الزيادة لمعنى اقتضى ذلك، وهو ظاهر في أحمس لما اعتمدوه من دحض الكفر ونصر الإسلام ولا سيما مع القوم الذين هم منهم‏.‏

*3*باب غَزْوَةُ ذَاتِ السُّلَاسِلِ

وَهِيَ غَزْوَةُ لَخْمٍ وَجُذَامَ قَالَهُ إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ عَنْ يَزِيدَ عَنْ عُرْوَةَ هِيَ بِلَادُ بَلِيٍّ وَعُذْرَةَ وَبَنِي الْقَيْنِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب غزوة ذات السلاسل‏)‏ تقدم ضبطها وبيان الاختلاف فيها في أواخر مناقب أبي بكر، قيل سميت ذات السلاسل لأن المشركين ارتبط بعضهم إلى بعض مخافة أن يفروا، وقيل لأن بها ماء يقال له السلسل‏.‏

وذكر ابن سعد أنها وراء وادي القرى وبينها وبين المدينة عشرة أيام، قال‏:‏ وكانت في جمادى الآخرة سنة ثمان من الهجرة، وقيل كانت سنة سبع وبه جزم ابن أبي خالد في كتاب ‏"‏ صحيح التاريخ‏"‏، ونقل ابن عساكر الاتفاق على أنها كانت بعد غزوة موتة، إلا ابن إسحاق فقال‏:‏ قبلها‏.‏

قلت‏:‏ وهو قضية ما ذكر عن ابن سعد وابن أبي خالد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وهي غزوة لخم وجذام، قاله إسماعيل بن أبي خالد‏)‏ وعند ابن إسحاق أنه ماء لبني جذام ولخم، أما لخم فبفتح اللام وسكون المعجمة‏:‏ قبيلة كبيرة شهيرة ينسبون إلى لخم، واسمه مالك بن عدي بن الحارث بن مرة بن أدد، وأما جذام فبضم الجيم بعدها معجمة خفيفة‏:‏ قبيلة كبيرة شهيرة أيضا ينسبون إلى عمرو بن عدي وهم إخوة لخم على المشهور، وقيل هم من ولد أسد بن خزيمة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال ابن إسحاق عن يزيد عن عروة هي بلاد بلي وعذرة وبني القين‏)‏ أما يزيد فهو ابن رومان مدني مشهور، وأما عروة فهو ابن الزبير بن العوام، وأما القبائل التي ذكرها فالثلاثة بطون من قضاعة، أما بلي فبفتح الموحدة وكسر اللام الخفيفة بعدها ياء النسب‏:‏ قبيلة كبيرة ينسبون إلى بلي بن عمرو بن الحاف بن قضاعة، وأما عذرة فبضم العين المهملة وسكون الذال المعجمة‏:‏ قبيلة كبيرة ينسبون إلى عذرة بن سعد هذيم بن زيد بن ليث بن سويد بن أسلم بضم اللام ابن الحاف بن قضاعة، وأما بنو القين فقبيلة كبيرة أيضا ينسبون إلى القين بن جسر، ويقال كان له عبد يسمى القين حضنه فنسب إليه، وكان اسمه النعمان بن جسر بن شيع الله بكسر المعجمة وسكون التحتانية بعدها عين مهملة ابن أسد بن وبرة بن ثعلب بن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة، ووهم ابن التين فقال‏:‏ بنو القين قبيلة من بني تميم، وذكر ابن سعد أن جمعا من قضاعة تجمعوا وأرادوا أن يدنوا من أطراف المدينة، فدعا النبي صلى الله عليه وسلم عمرو بن العاص فعقد له لواء أبيض وبعثه في ثلاثمائة من سراة المهاجرين والأنصار، ثم أمده بأبي عبيدة بن الجراح في مائتين وأمره أن يلحق بعمرو وأن لا يختلفا فأراد أبو عبيدة أن يؤم بهم فمنعه عمرو وقال‏:‏ إنما قدمت علي مددا وأنا الأمير، فأطاع له أبو عبيدة فصلى بهم عمرو، وتقدم في التيمم أنه ‏"‏ احتلم في ليلة باردة فلم يغتسل وتيمم وصلى بهم ‏"‏ الحديث‏.‏

وسار عمرو حتى وطئ بلاد بلي وعذرة‏.‏

وكذا ذكر موسى بن عقبة نحو هذه القصة، وذكر ابن إسحاق أن أم عمرو بن العاص كانت من بلي فبعث النبي صلى الله عليه وسلم عمرا يستنفر الناس إلى الإسلام ويستألفهم بذلك، وروى إسحاق بن راهويه والحاكم من حديث بريدة أن عمرو بن العاص أمرهم في تلك الغزوة أن لا يوقدوا نارا، فأنكر ذلك عمر، فقال له أبو بكر‏:‏ دعه فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يبعثه علبنا إلا لعلمه بالحرب، فسكت عنه‏.‏

فهذا السيب أصح إسنادا من الذي ذكره ابن إسحاق، لكن لا يمنع الجمع‏.‏

وروى ابن حبان من طريق قيس بن أبي حازم عن عمرو بن العاص ‏"‏ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه في ذات السلاسل، فسأله أصحابه أن يوقدوا نارا فمنعهم، فكلموا أبا بكر فكلمه في ذلك فقال‏:‏ لا يوقد أحد منهم نارا إلا قذفته فيها قال‏:‏ فلقوا العدو فهزمهم، فأرادوا أن يتبعوهم فمنعهم، فلما انصرفوا ذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فسأله فقال‏:‏ كرهت أن آذن لهم أن يوقدوا نارا فيرى عدوهم قلتهم، وكرهت أن يتبعوهم فيكون لهم مدد‏.‏

فحمد أمره‏.‏

فقال‏.‏

يا رسول الله من أحب الناس إليك‏؟‏ ‏"‏ الحديث‏.‏

فاشتمل هذا السياق على فوائد زوائد، ويجمع بينه وبين حديث بريدة بأن أبا بكر سأله فلم يجبه فسلم له أمره، وألحوا على أبي بكر حتى يسأله فسأله فلم يجبه‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ أَخْبَرَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ عَلَى جَيْشِ ذَاتِ السُّلَاسِلِ قَالَ فَأَتَيْتُهُ فَقُلْتُ أَيُّ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَيْكَ قَالَ عَائِشَةُ قُلْتُ مِنْ الرِّجَالِ قَالَ أَبُوهَا قُلْتُ ثُمَّ مَنْ قَالَ عُمَرُ فَعَدَّ رِجَالًا فَسَكَتُّ مَخَافَةَ أَنْ يَجْعَلَنِي فِي آخِرِهِمْ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا إسحاق‏)‏ هو ابن شاهين، وخالد هو ابن عبد الله الطحان، وشيخه خالد هو ابن مهران الحذاء، وأبو عثمان هو النهدي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث عمرو بن العاص على جيش ذات السلاسل‏)‏ هذا صورته مرسل، بل جزم الإسماعيلي بأنه مرسل، لكن الحديث موصول لقوله بعد ذلك ‏"‏ قال‏:‏ فأتيته ‏"‏ فإن المراد قال‏:‏ عمرو بن العاص‏.‏

وأبو عثمان سمع من عمرو بن العاص، وقد أخرجه مسلم عن يحيى بن يحيى والإسماعيلي من رواية وهب بن بقية ومعلى بن منصور كلهم عن خالد بن عبد الله بالإسناد الذي أخرجه البخاري، فقال في روايته ‏"‏ عن أبي عثمان عن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم بعثه على جيش ذات السلاسل فأتيته ‏"‏ فذكر الحديث‏.‏

وتقدم في مناقب أبي بكر من طريق أخرى عن خالد الحذاء ‏"‏ عن أبي عثمان قال‏:‏ حدثنا عمرو بن العاص ‏"‏ فذكره‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فأتيته‏)‏ في رواية معلى بن منصور المذكورة ‏"‏ قدمت من جيش ذات السلاسل، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏ وعند البيهقي من طريق علي بن عاصم عن خالد الحذاء في هذه القصة ‏"‏ قال عمرو‏:‏ فحدثت نفسي أنه لم يبعثني على قوم فيهم أبو بكر وعمر إلا لمنزلة لي عنده، فأتيته حتى قعدت بين يديه فقلت‏:‏ يا رسول الله من أحب الناس إليك ‏"‏ الحديث‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فعد رجالا‏)‏ في رواية علي بن عاصم قال‏:‏ قلت في نفسي لا أعود لمثلها أسأل عن هذا‏.‏

وفي الحديث جواز تأمير المفضول على الفاضل إذا امتاز المفضول بصفة تتعلق بتلك الولاية، ومزية أبي بكر على الرجال وبنته عائشة على النساء، وقد تقدمت الإشارة إلى ذلك في المناقب، ومنقبة لعمرو بن العاص لتأميره على جيش فيهم أبو بكر وعمرو إن كان ذلك لا يقتضي أفضليته عليهم لكن يقتضي أن له فضلا في الجملة‏.‏

وقد روينا في ‏"‏ فوائد أبي بكر بن أبي الهيثم ‏"‏ من حديث رافع الطائي قال‏:‏ ‏"‏ بعث النبي صلى الله عليه وسلم جيشا واستعمل عليهم عمرو بن العاص وفيهم أبو بكر ‏"‏ قال‏:‏ وهي الغزوة التي يفتخر بها أهل الشام‏.‏

وروى أحمد والبخاري في الأدب وصححه أبو عوانة وابن حبان والحاكم من طريق علي بن رباح عن عمرو بن العاص قال‏:‏ ‏"‏ بعث إلي النبي صلى الله عليه وسلم يأمرني أن آخذ ثيابي وسلاحي فقال‏:‏ يا عمرو، إني أريد أن أبعثك على جيش فيغنمك الله ويسلمك، قلت‏:‏ إني لم أسلم رغبة في المال‏.‏

قال‏:‏ نعم المال الصالح للمرء الصالح ‏"‏ وهذا فيه إشعار بأن بعثه عقب إسلامه، وكان إسلامه في أثناء سنة سبع من الهجرة‏.‏

قوله في آخر الحديث‏:‏ ‏(‏فسكت‏)‏ بتشديد المثناة المضمومة، هو مقول عمرو

*3*باب ذَهَابُ جَرِيرٍ إِلَى الْيَمَنِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب ذهاب جرير‏)‏ أي ابن عبد الله البجلي ‏(‏إلى اليمن‏)‏ ذكر الطبراني من طريق إبراهيم بن جرير عن أبيه قال‏:‏ ‏"‏ بعثني النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليمن أقاتلهم وأدعوهم أن يقولوا لا إله إلا الله ‏"‏ فالذي يظهر أن هذا البعث غير بعثه إلى هدم ذي الخلصة، ويحتمل أن يكون بعثه إلى الجهتين على الترتيب، ويؤيده ما وقع عند ابن حبان في حديث جرير ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له‏:‏ يا جرير إنه لم يبق من طواغيت الجاهلية إلا بيت ذي الخلصة ‏"‏ فإنه يشعر بتأخير هذه القصة جدا، وسيأتي في حجة الوداع أن جريرا شهدها فكأن إرساله كان بعدها، فهدمها ثم توجه إلى اليمن، ولهذا لما رجع بلغته وفاة النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ الْعَبْسِيُّ حَدَّثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ قَيْسٍ عَنْ جَرِيرٍ قَالَ كُنْتُ بِالْيَمَنِ فَلَقِيتُ رَجُلَيْنِ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ ذَا كَلَاعٍ وَذَا عَمْرٍو فَجَعَلْتُ أُحَدِّثُهُمْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُ ذُو عَمْرٍو لَئِنْ كَانَ الَّذِي تَذْكُرُ مِنْ أَمْرِ صَاحِبِكَ لَقَدْ مَرَّ عَلَى أَجَلِهِ مُنْذُ ثَلَاثٍ وَأَقْبَلَا مَعِي حَتَّى إِذَا كُنَّا فِي بَعْضِ الطَّرِيقِ رُفِعَ لَنَا رَكْبٌ مِنْ قِبَلِ الْمَدِينَةِ فَسَأَلْنَاهُمْ فَقَالُوا قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاسْتُخْلِفَ أَبُو بَكْرٍ وَالنَّاسُ صَالِحُونَ فَقَالَا أَخْبِرْ صَاحِبَكَ أَنَّا قَدْ جِئْنَا وَلَعَلَّنَا سَنَعُودُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ وَرَجَعَا إِلَى الْيَمَنِ فَأَخْبَرْتُ أَبَا بَكْرٍ بِحَدِيثِهِمْ قَالَ أَفَلَا جِئْتَ بِهِمْ فَلَمَّا كَانَ بَعْدُ قَالَ لِي ذُو عَمْرٍو يَا جَرِيرُ إِنَّ بِكَ عَلَيَّ كَرَامَةً وَإِنِّي مُخْبِرُكَ خَبَرًا إِنَّكُمْ مَعْشَرَ الْعَرَبِ لَنْ تَزَالُوا بِخَيْرٍ مَا كُنْتُمْ إِذَا هَلَكَ أَمِيرٌ تَأَمَّرْتُمْ فِي آخَرَ فَإِذَا كَانَتْ بِالسَّيْفِ كَانُوا مُلُوكًا يَغْضَبُونَ غَضَبَ الْمُلُوكِ وَيَرْضَوْنَ رِضَا الْمُلُوكِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثني عبد الله بن أبي شيبة‏)‏ هو أبو بكر واسم أبيه محمد بن أبي شيبة واسمه إبراهيم بن عثمان العبسي بالموحدة الحافظ، وابن إدريس هو عبد الله، وقيس هو ابن أبي حازم، والإسناد كله كوفيون‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏كنت باليمن‏)‏ في رواية أبي إسحاق عن جرير عند ابن عساكر أن النبي صلى الله عليه وسلم بعثه إلى ذي عمرو وذي الكلاع يدعوهما إلى الإسلام فأسلما، قال‏:‏ ‏"‏ وقال في ذو الكلاع ادخل على أم شرحبيل ‏"‏ يعني زوجته‏.‏

وعند الواقدي في الردة بأسانيد متعددة نحو هذا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فلقيت رجلين من أهل اليمن‏)‏ في رواية الإسماعيلي ‏"‏ كنت باليمن، فأقبلت ومعي ذو الكلاع وذو عمرو ‏"‏ وهذه الرواية أبين، وذلك أن جريرا قضى حاجته من اليمن وأقبل راجعا يريد المدينة فصحبه من ملوك اليمن ذو الكلاع وذو عمرو، فأما ذو الكلاع فهو بفتح الكاف وتخفيف اللام واسمه اسميفع بسكون المهملة وفتح الميم وسكون التحتانية وفتح الفاء وبعدها مهملة، ويقال أيفع بن باكوراء ويقال ابن حوشب بن عمرو‏.‏

وأما ذو عمرو فكان أحد ملوك اليمن وهو من حمير أيضا، ولم أقف على اسم غيره، ولا رأيت من أخباره أكثر مما ذكر في حديث الباب، وكانا عزما على التوجه إلى المدينة فلما بلغهما وفاة النبي صلى الله عليه وسلم رجعا إلى اليمن ثم هاجرا في زمن عمر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لئن كان الذي تذكر من أمر صاحبك‏)‏ أي حقا، في رواية الإسماعيلي ‏"‏ لئن كان كما تذكر ‏"‏ وقوله‏:‏ ‏"‏ لقد مر على أجله ‏"‏ جواب لشرط مقدر، أي إن أخبرتني بهذا أخبرك بهذا، وهذا قاله ذو عمرو عن اطلاع من الكتب القديمة لأن اليمن كان أقام بها جماعة من اليهود فدخل كثير من أهل اليمن في دينهم وتعلموا منهم، وذلك بين في قوله صلى الله عليه وسلم لمعاذ لما بعثه إلى اليمن إنك ستأتي قوما أهل كتاب‏.‏

وقال الكرماني‏:‏ يحتمل أن يكون سمع من بعض القادمين من المدينة سرا، أو أنه كان في الجاهلية كاهنا، أو أنه صار بعد إسلامه محدثا أي يفتح الدال، وقد تقدم تفسيره وأنه الملهم‏.‏

قلت‏:‏ وسياق الحديث يدل على ما قررته لأنه علق ما ظهر له من وفاته على ما أخبره به جرير من أحواله، ولو كان ذلك مستفادا من غير ما ذكرته لما احتاج إلى بناء ذلك على ذلك، لأن الأولين خبر محض والثالث وقوع شيء في النفس عن غير قصد، وقد روى الطبراني من طريق زياد بن علاقة عن جرير في هذه القصة قال‏.‏

‏"‏ قال لي حبر باليمن ‏"‏ وهذا يؤيد ما قلته فلله الحمد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فأخبرت أبا بكر بحديثهم قال‏:‏ أفلا جئت بهم‏)‏ كأنه جمع باعتبار من كان معهما من الأتباع‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فلما كان بعد إلخ‏)‏ لعل ذلك كان لما هاجر ذو عمرو في خلاقة عمر، وذكر يعقوب بن شبة بإسناد له أن ذا الكلاع كان معه اثنا عشر ألف بيت من مواليه؛ فسأله عمر بيعهم ليستعين بهم على حرب المشركين فقال ذو الكلاع‏:‏ هم أحرار فأعتقهم في ساعة واحدة‏.‏

وروى سيف في الفتوح أن أبا بكر بعث أنس بن مالك يستنفر أهل اليمن إلى الجهاد فرحل ذو الكلاع ومن أطاعه‏.‏

وذكر ابن الكلبي في النسب أن ذا الكلاع كان جميلا، فكان إذا دخل مكة يتعمم‏.‏

وشهد صفين مع معاوية وقتل بها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏تأمرتم‏)‏ بمد الهمزة وتخفيف الميم أي تشاورتم، أو بالقصر وتشديد الميم أي أقمتم أميرا منكم عن رضا منكم أو عهد من الأول‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فإذا كانت‏)‏ أي الإمارة ‏(‏بالسيف‏)‏ أي بالقهر والغلبة ‏(‏كانوا ملوكا‏)‏ أي الخلفاء، وهذا دليل على ما قررته أن ذا عمرو كان له اطلاع على الأخبار من الكتب القديمة، وإشارته بهذا الكلام تطابق الحديث الذي أخرجه أحمد وأصحاب السنن وصححه ابن حبان وغيره من حديث سفينة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏ الخلافة بعدي ثلاثون سنة ثم تصير ملكا عضوضا ‏"‏ قال ابن التين‏:‏ ما قاله ذو عمرو وذو الكلاع لا يكون إلا عن كتاب أو كهانة، وما قاله ذو عمرو لا يكون إلا عن كتاب‏.‏

قلت‏:‏ ولا أدري لم فرق بين المقالتين والاحتمال فيهما واحد، بل المقالة الأخيرة يحتمل أن تكون من جهة التجربة‏.‏