فصل: باب فَضْلِ دُورِ الْأَنْصَارِ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فتح الباري شرح صحيح البخاري **


*3*باب ذِكْرِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏ذكر ابن عباس‏)‏ أي عبد الله بن العباس بن عبد المطلب بن هاشم ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، يكنى أبا العباس، ولد قبل الهجرة بثلاث سنين‏.‏

ومات بالطائف سنة ثمان وستين، وكان من علماء الصحابة حتى كان عمر يقدمه مع الأشياخ وهو شاب، أورد فيه حديثه قال‏:‏ ‏"‏ ضمني النبي صلى الله عليه وسلم إليه وقال اللهم علمه الحكمة، وفي لفظ علمه الكتاب ‏"‏ وهو يؤيد من فسر الحكمة هنا بالقرآن، وقد استوعبت ما قيل في تفسيرها في أوائل كتاب العلم، وقد تقدم هذا الحديث في كتاب العلم وفي الطهارة مع بيان سببه وبيان من زاد فيه ‏"‏ وعلمه التأويل ‏"‏ وهذه الفظة اشتهرت على الألسنة ‏"‏ اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل ‏"‏ حتى نسبها بعضهم للصحيحين ولم يصب، والحديث عند أحمد بهذا اللفظ من طريق ابن خيثم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس، وعند الطبراني من وجهين آخرين، وأوله في هذا الصحيح من طريق عبيد الله بن أبي يزيد عن ابن عباس دون قوله‏:‏ ‏"‏ وعلمه التأويل ‏"‏ وأخرجها البزار من طريق شعيب بن بشر عن عكرمة بلفظ ‏"‏ اللهم علمه تأويل القرآن ‏"‏ وعند أحمد من وجه آخر عن عكرمة ‏"‏ اللهم أعط ابن عباس الحكمة وعلمه التأويل ‏"‏ واختلف في المراد بالحكمة هنا فقيل‏:‏ الإصابة في القول، وقيل‏:‏ الفهم عن الله، وقيل‏:‏ ما يشهد العقل بصحته، وقيل‏:‏ نور يفرق به بين الإلهام والوسواس، وقيل‏:‏ سرعة الجواب بالصواب، وقيل غير ذلك‏.‏

وكان ابن عباس من أعلم الصحابة بتفسير القرآن‏.‏

وروى يعقوب بن سفيان في تاريخه بإسناد صحيح عن ابن مسعود قال‏:‏ ‏"‏ لو أدرك ابن عباس أسناننا ما عاشره منا رجل ‏"‏ وكان يقول ‏"‏ نعم ترجمان القرآن ابن عباس ‏"‏ وروى هذه الزيادة ابن سعد من وجه آخر بن عبد الله بن مسعود، وروى أبو زرعة الدمشقي في تاريخه عن ابن عمر قال‏:‏ ‏"‏ هو أعلم الناس بما أنزل الله على محمد ‏"‏ وأخرج ابن أبي خيثمة نحوه بإسناد حسن، وروى يعقوب أيضا بإسناد صحيح عن أبي وائل قال‏:‏ ‏"‏ قرأ ابن عباس سورة النور ثم جعل يفسرها، فقال رجل‏:‏ لو سمعت هذا الديلم لأسلمت ‏"‏ ورواه أبو نعيم في ‏"‏ الحلية ‏"‏ من وجه آخر بلفظ ‏"‏ سورة البقرة ‏"‏ وزاد أنه ‏"‏ كان على الموسم ‏"‏ يعني سنة خمس وثلاثين، كان عثمان أرسله لما حضر‏.‏

*3*باب مَنَاقِبِ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏مناقب خالد بن الوليد‏)‏ أي ابن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم بن يقظة - بفتح التحتانية والقاف والمشالة - ابن مرة بن كعب، يجتمع مع النبي صلى الله عليه وسلم ومع أبي بكر جميعا في مرة بن كعب، يكنى أبا سليمان، وكان من فرسان الصحابة، أسلم بين الحديبية والفتح، ويقال قبل غزوة مؤتة بشهرين، وكانت في جمادى سنة ثمان، ومن ثم جزم مغلطاي بأنها كانت في صفر وكان الفتح بعد ذلك في رمضان‏.‏

وحكى ابن أبي خيثمة أنه أسلم سنة خمس، وهو غلط فإنه كان بالحديبية طليعة للمشركين وهي في ذي القعدة سنة ست‏.‏

وقال الحاكم‏:‏ أسلم سنة سبع، زاد غيره وقيل‏:‏ عمرة القضاء، والراجح الأول وما وافقه‏.‏

وقد أخرج سعيد بن منصور عن هشيم عن عبد الحميد بن جعفر عن أبيه ‏"‏ أن خالد بن الوليد فقد قلنسوة فقال‏:‏ اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فحلق رأسه، فابتدر الناس شعره‏.‏

فسبقتهم إلى ناصيته فجعلتها في هذه القلنسوة، فلم أشهد قتالا وهي معي إلا رزقت النصر ‏"‏ وشهد مع النبي صلى الله عليه وسلم عدة مشاهد ظهرت فيها نجابته، ثم كان قتل أهل الردة على يديه ثم فتوح البلاد الكبار، ومات على فراشه سنة إحدى وعشرين وبذلك جزم ابن نمير، وذلك في خلافة عمر بحمص‏.‏

ونقل عن دحيم أنه مات بالمدينة وغلطوه، ووقع في كلام ابن التين وتبعه بعض الشراح شيء يدل على أنه مات في خلافة أبي بكر، وهو غلط قبيح أشد من غلط دحيم، وذلك أنه قال‏:‏ قال الصديق لا احتضر خالد والنسوة تبكين عليه‏:‏ ‏"‏ دعهن يهرقن دموعهن على أبي سليمان، فهل تأيمت النساء عن مثله ‏"‏ انتهى‏.‏

قلت‏:‏ وبعض هذا الكلام منقول عن عمر في حق خالد كما مضى في كتاب الجنائز، وفيه ذكر اللقلقة‏.‏

ثم أورد حديث أنس في أهل مؤتة، والغرض منه قوله‏:‏ ‏"‏ حتى أخذها - يعني الراية - سيف من سيوف الله ‏"‏ فإن المراد به خالد، ومن يومئذ تسمى سيف الله، وقد أخرج ابن حبان والحاكم من حديث عبد الله بن أبي أوفى قال‏:‏ ‏"‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ لا تؤذوا خالدا فإنه سيف من سيوف الله صبه الله على الكفار ‏"‏ وسيأتي شرح هذه الغزوة في المغازي إن شاء الله تعالى‏.‏

*3*باب مَنَاقِبِ سَالِمٍ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب مناقب سالم مولى أبي حذيفة‏)‏ أي ابن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس، وكان مولاه أبو حذيفة بن عتبة من أكابر الصحابة وشهد بدرا مع النبي صلى الله عليه وسلم، وقتل أبو يومئذ كافرا فساءه ذلك فقال‏:‏ ‏"‏ كنت أرجو أن يسلم، لما كنت أرى من عقله ‏"‏ واستشهد أبو حذيفة باليمامة، وأما سالم فكان من السابقين الأولين، وقد أشير في هذا الحديث إلى أنه كان عارفا بالقرآن، وسبق في كتاب الصلاة أنه كان يؤم المهاجرين بقباء لما قدموا من مكة، وشهد سالم بدرا وما بعدها، ويقال إن اسم أبيه معقل، وكان مولى لامرأة من الأنصار فتبناه أبو حذيفة لما تزوجها فنسب إليه، وسيأتي بيان ذلك في الرضاع، واستشهد سالم باليمامة أيضا‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ ذُكِرَ عَبْدُ اللَّهِ عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو فَقَالَ ذَاكَ رَجُلٌ لَا أَزَالُ أُحِبُّهُ بَعْدَ مَا سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ اسْتَقْرِئُوا الْقُرْآنَ مِنْ أَرْبَعَةٍ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ فَبَدَأَ بِهِ وَسَالِمٍ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ لَا أَدْرِي بَدَأَ بِأُبَيٍّ أَوْ بِمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏ذكر‏)‏ بالضم ولم أعرف اسم فاعله‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عبد الله‏)‏ أي ابن مسعود، وعبد الله بن عمرو أي ابن العاص‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فبدأ به‏)‏ فيه أن التقديم يفيد الاهتمام، وقوله‏:‏ ‏(‏لا أدري بدأ بأبي أو بمعاذ‏)‏ فيه أن الواو تقتضي الترتيب ظاهرا، وتخصيص هؤلاء الأربعة بأخذ القرآن عنهم إما لأنهم كانوا أكثر ضبطا له وأتقن لأدائه، أو لأنهم تفرغوا لأخذه منه مشافهة وتصدوا لأدائه من بعده، فلذلك ندب إلى الأخذ عنهم، لا أنه لم يجمعه غيرهم‏.‏

*3*باب مَنَاقِبِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب مناقب عبد الله بن مسعود‏)‏ وهو ابن مسعود بن غافل بن حبيب بن شمخ بن هذيل بن مدركة بن إلياس بن مضر، مات أبوه في الجاهلية وأسلمت أمه وصحبت، فلذلك نسب إليها أحيانا، وكان هو من السابقين‏.‏

وقد روى ابن حبان من طريقه أنه كان سادس ستة في الإسلام، وهاجر الهجرتين، وسيأتي في غزوة بدر شهوده إياها، وولي بيت المال بالكوفة لعمر وعثمان، وقدم في أواخر عمره المدينة، ومات في خلافة عثمان سنة اثنتين وثلاثين، وقد جاوز الستين، وكان من علماء الصحابة، وممن انتشر علمه بكثرة أصحابه والآخذين عنه‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ سَأَلْنَا حُذَيْفَةَ عَنْ رَجُلٍ قَرِيبِ السَّمْتِ وَالْهَدْيِ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى نَأْخُذَ عَنْهُ فَقَالَ مَا أَعْرِفُ أَحَدًا أَقْرَبَ سَمْتًا وَهَدْيًا وَدَلًّا بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ ابْنِ أُمِّ عَبْدٍ

الشرح‏:‏

حديث حذيفة ‏"‏ ما أعلم أقرب أحدا سمتا ‏"‏ أي خشوعا ‏"‏ وهديا ‏"‏ أي طريقة ‏"‏ ودلا ‏"‏ بفتح المهملة والتشديد أي سيرة وحالة وهيئة وكأنه مأخوذ مما يدل ظاهر حاله على حسن فعاله‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏من ابن أم عبد‏)‏ هو عبد الله بن مسعود، وكانت أمه تكنى أم عبد، وقد ذكرت في الحديث الذي بعده حديث أبي موسى وتقدم التنبيه عليه في مناقب عمار، وقد روى الحاكم وغيره من طريق أبي وائل عن حذيفة قال‏:‏ ‏"‏ لقد علم المحفظون من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أن ابن أم عبد من أقربهم إلى الله وسيلة يوم القيامة‏"‏‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ يُوسُفَ بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ حَدَّثَنِي الْأَسْوَدُ بْنُ يَزِيدَ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ قَدِمْتُ أَنَا وَأَخِي مِنْ الْيَمَنِ فَمَكُثْنَا حِينًا مَا نُرَى إِلَّا أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَا نَرَى مِنْ دُخُولِهِ وَدُخُولِ أُمِّهِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏في حديث أبي موسى‏:‏ قدمت أنا وأخي‏)‏ تقدم بيان اسمه في مناقب أبي بكر الصديق، وقوله‏:‏ ‏(‏ما نرى‏)‏ حال من فاعل مكثنا أو صفة لقوله حينا، والحديث دال على ملازمته للنبي صلى الله عليه وسلم وهو يستلزم ثبوت فضله‏.‏

*3*باب ذِكْرِ مُعَاوِيَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب ذكر معاوية‏)‏ أي ابن أبي سفيان واسمه صخر ويكنى أيضا أبا حنظلة بن حرب بن أمية بن عبد شمس، أسلم قبل الفتح، وأسلم أبواه بعده، وصحب النبي صلى الله عليه وسلم وكتب له، وولي إمرة دمشق عن عمر بعد موت أخيه يزيد بن أبي سفيان سنة تسع عشرة واستمر عليها بعد ذلك إلى خلافة عثمان، ثم زمان محاربته لعلي وللحسن، ثم اجتمع عليه الناس في سنة إحدى وأربعين إلى أن مات سنة ستين، فكانت ولايته بين إمارة ومحاربة ومملكة أكثر من أربعين سنة متوالية‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ بِشْرٍ حَدَّثَنَا الْمُعَافَى عَنْ عُثْمَانَ بْنِ الْأَسْوَدِ عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ قَالَ أَوْتَرَ مُعَاوِيَةُ بَعْدَ الْعِشَاءِ بِرَكْعَةٍ وَعِنْدَهُ مَوْلًى لِابْنِ عَبَّاسٍ فَأَتَى ابْنَ عَبَّاسٍ فَقَالَ دَعْهُ فَإِنَّهُ قَدْ صَحِبَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا المعافى‏)‏ هو ابن عمران الأزدي الموصلي يكنى أبا مسعود، وكان من الثقات النبلاء، وقد لقي بعض التابعين، وتلمذ لسفيان الثوري، وكان يلقب ياقوتة العلماء، وكان الثوري شديد التعظيم له، مات سنة خمس أو ست وثمانين ومائة، وليس له في البخاري سوى هذا الموضع وموضع آخر تقدم في الاستسقاء، وفي الرواة آخر يقال له المعافى بن سليمان أصغر من هذا، ووهم من عكس ذلك على ما يظهر من كلام ابن التين، ومات المعافى بن سليمان سنة مائتين وأربع وثلاثين، أخرج له النسائي وحده وأخرج للمعافى بن عمران مع البخاري أبو داود والنسائي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وعنده مولى لابن عباس‏)‏ هو كريب، روي ذلك محمد بن نصر المروزي في ‏"‏ كتاب الوتر ‏"‏ له من طريق ابن عيينة عن عبيد الله بن أبي يزيد عن كريب‏.‏

وأخرج من طريق علي بن عبد الله بن عباس قال‏:‏ ‏"‏ بت مع أبي عند معاوية، فرأيته أوتر بركعة، فذكرت ذلك لأبي فقال‏:‏ يا بني، هو أعلم‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقال دعه‏)‏ فيه حذف يدل عليه السياق تقديره‏:‏ فأتى ابن عباس فحكى له ذلك فقال له‏:‏ دعه، وقوله‏:‏ ‏"‏ دعه ‏"‏ أي اترك القول فيه والإنكار عليه ‏"‏ فإنه قد صحت ‏"‏ أي فلم يفعل شيئا إلا بمستند‏.‏

وفي قوله في الرواية الأخرى ‏(‏أصاب، إنه فقيه‏)‏ ما يؤيد ذلك، ولا التفات إلى قول ابن التين‏:‏ إن الوتر بركعة لم يقل به الفقهاء، لأن الذي نفاه قول الأكثر، وثبت فيه عدة أحاديث، نعم الأفضل أن يتقدمها شفع وأقله ركعتان، واختلف أيما الأفضل وصلهما بها أو فصلهما‏؟‏ وذهب الكوفيون إلى شرطية وصلهما وأن الوتر بركعة لا يجزئ وشهرة ذلك تغني عن الإطالة فيه‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ عَبَّاسٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ قَالَ سَمِعْتُ حُمْرَانَ بْنَ أَبَانَ عَنْ مُعَاوِيَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ إِنَّكُمْ لَتُصَلُّونَ صَلَاةً لَقَدْ صَحِبْنَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَا رَأَيْنَاهُ يُصَلِّيهَا وَلَقَدْ نَهَى عَنْهُمَا يَعْنِي الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ

الشرح‏:‏

حديث معاوية في النهي عن الصلاة بعد العصر، والغرض منه قوله‏:‏ ‏"‏ لقد صحبنا النبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏ والكلام على الصلاة بعد صلاة العصر تقدم في مكانه في كتاب الصلاة‏.‏

‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ عير البخاري في هذه الترجمة بقوله ذكر ولم يقل فضيلة ولا منقبة لكون الفضيلة لا تؤخذ من حديث الباب، لأن ظاهر شهادة ابن عباس له بالفقه والصحبة دالة على الفضل الكثير، وقد صنف ابن أبي عاصم جزءا في مناقبه، وكذلك أبو عمر غلام ثعلب، وأبو بكر النقاش وأورد ابن الجوزي في الموضوعات بعض الأحاديث التي ذكروها ثم ساق عن إسحاق بن راهويه أنه قال لم يصح في فضائل معاوية شيء، فهذه النكتة في عدول البخاري عن التصريح بلفظ منقبة اعتمادا على قول شيخه، لكن بدقيق نظره استنبط ما يدفع به رءوس الروافض، وقصة النسائي في ذلك مشهورة، وكأنه اعتمد أيضا على قول شيخه إسحاق، وكذلك في قصة الحاكم‏.‏

وأخرج ابن الجوزي أيضا من طريق عبد الله بن أحمد بن حنبل‏:‏ سألت أبي ما تقول في علي ومعاوية‏؟‏ فأطرق ثم قال‏:‏ اعلم أن عليا كان كثير الأعداء ففتش أعداؤه له عيبا فلم يجدوا، فعمدوا إلى رجل قد حاربه فأطروه كيادا منهم لعلي، فأشار بهذا إلى ما اختلقوه لمعاوية من الفضائل مما لا أصل له‏.‏

وقد ورد في فضائل معاوية أحاديث كثيرة لكن ليس فيها ما يصح من طريق الإسناد، وبذلك جزم إسحاق بن راهويه والنسائي وغيرهما، والله أعلم‏.‏

*3*باب مَنَاقِبِ فَاطِمَةَ عَلَيْهَا السَّلَام

وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاطِمَةُ سَيِّدَةُ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب مناقب فاطمة‏)‏ أي بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمها خديجة عليها السلام، ولدت فاطمة في الإسلام، وقيل‏:‏ قبل البعثة، وتزوجها علي رضي الله عنه بعد بدر في السنة الثانية، وولدت له وماتت سنة إحدى عشرة بعد النبي صلى الله عليه وسلم بستة أشهر وقد ثبت في الصحيح من حديث عائشة، وقيل‏:‏ بل عاشت بعده ثمانية وقيل‏:‏ ثلاثة وقيل‏:‏ شهرين وقيل‏:‏ شهرا واحدا، ولها أربع وعشرون سنة وقيل‏:‏ غير ذلك فقيل إحدى وقيل‏:‏ خمس وقيل‏:‏ تسع وقيل‏:‏ عاشت ثلاثين سنة وسيأتي من مناقب فاطمة في ذكر أمها خديجة في أول السيرة النبوية‏.‏

وأقوى ما يستدل به على تقديم فاطمة على غيرها من نساء عصرها ومن بعدهن ما ذكر من قوله صلى الله عليه وسلم أنها سيدة نساء العالمين إلا مريم وأنها رزئت بالنبي صلى الله عليه وسلم دون غيرها من بناته فإنهن متن في حياته فكن في صحيفته ومات هو في حياتها فكان في صحيفتها، وكنت أقول ذلك استنباطا إلى أن وجدته منصوصا‏:‏ قال أبو جعفر الطبري في تفسير آل عمران من التفسير الكبير من طريق فاطمة بنت الحسين بن علي‏:‏ إن جدتها فاطمة قالت‏:‏ ‏"‏ دخل رسول صلى الله عليه وسلم يوما وأنا عند عائشة فناجاني فبكيت، ثم ناجاني فضحكت، فسألتني عائشة عن ذلك فقلت‏:‏ لقد علمت أأخبرك بسر رسول الله صلى الله عليه وسلم‏؟‏ فتركتني‏.‏

فلما توفي سألت فقلت‏:‏ ‏"‏ ناجاني ‏"‏ فذكر الحديث في معارضة جبريل له بالقرآن مرتين وأنه قال‏:‏ ‏"‏ أحسب أني ميت في عامي هذا؛ وأنه لم ترزأ امرأة من نساء العالمين مثل ما رزئت، فلا تكوني دون امرأة منهن صبرا، فبكيت، فقال‏:‏ أنت سيدة نساء أهل الجنة إلا مريم فضحكت‏"‏‏.‏

قلت‏:‏ وأصل الحديث في الصحيح دون هذه الزيادة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال النبي صلى الله عليه وسلم فاطمة سيدة نساء أهل الجنة‏)‏ هو طرف من حديث وصله المؤلف في ‏"‏ علامات النبوة ‏"‏ وعند الحاكم من حديث حذيفة بسند جيد ‏"‏ أتى النبي صلى الله عليه وسلم ملك وقال إن فاطمة سيدة نساء أهل الجنة ‏"‏ وقد تقدم في آخر أحاديث الأنبياء ما ورد في بعض طرقه من ذكر مريم عليها السلام وغيرها مشاركة لها في ذلك‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فَاطِمَةُ بِضْعَةٌ مِنِّي فَمَنْ أَغْضَبَهَا أَغْضَبَنِي

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن ابن أبي مليكة عن المسور بن مخرمة‏)‏ كذا رواه عنه عمرو بن دينار، وتابعه الليث وابن لهيعة وغيرهما رواه أيوب عن ابن أبي مليكة فقال‏:‏ عن عبد الله بن الزبير، أخرجه الترمذي وصححه وقال‏.‏

يحتمل أن يكون ابن أبي مليكة سمعه منهما جميعا، ورجح الدار قطني وغيره طريق المسور، والأول أثبت بلا ريب لأن المسور قد روى هذا الحديث قصة مطولة قد تقدمت في ‏"‏ باب أصهار النبي صلى الله عليه وسلم‏"‏‏.‏

نعم يحتمل أن يكون ابن الزبير سمع هذه القطعة فقط أو سمعها من المسور فأرسلها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بضعة‏)‏ بفتح الموحدة وحكي ضمها وكسرها أيضا وسكون المعجمة أي قطعة لحم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فمن أغضبها أغضبني‏)‏ استدل به السهيلي على أن من سبها فإنه يكفر، وتوجيهه أنها تغضب ممن سبها، وقد سوى بين غضبها وغضبه ومن أغضبه صلى الله عليه وسلم يكفر، وفي هذا التوجيه نظر لا يخفى، وسيأتي بقية ما يتعلق بفضلها في ترجمة والدتها خديجة إن شاء الله تعالى، وفيه أنها أفضل بنات النبي صلى الله عليه وسلم، وأما ما أخرجه الطحاوي وغيره من حديث عائشة في قصة مجيء زيد بن حارثة بزينب بنت رسول صلى الله عليه وسلم من مكة وفي آخره ‏"‏ قال النبي صلى الله عليه وسلم هي أفضل بناتي أصيبت في ‏"‏ فقد أجاب عنه بعض الأئمة بتقدير ثبوته بأن ذلك كان متقدما، ثم وهب الله لفاطمة من الأحوال السنية والكمال ما لم يشاركها أحد من نساء هذه الأمة مطلقا والله أعلم‏.‏

وقد مضى تقرير أفضليتها في ترجمة مريم من حديث الأنبياء، ويأتي أيضا في ترجمة خديجة إن شاء الله تعالى‏.‏

*3*باب فَضْلِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب فضل عائشة رضي الله عنها‏)‏ هي الصديقة بنت الصديق وأمها أم رومان تقدم ذكرها في علامات النبوة، وكان مولدها في الإسلام قبل الهجرة بثمان سنين أو نحوها‏.‏

ومات النبي صلى الله عليه وسلم ولها نحو ثمانية عشر عاما، وقد حفظت عنه شيئا كثيرا وعاشت بعده قريبا من خمسين سنة، فأكثر الناس الأخذ عنها، ونقلوا عنها من الأحكام والآداب شيئا كثيرا حتى قيل إن ربع الأحكام الشرعية منقول عنها رضي الله عنها‏.‏

وكان موتها في خلافة معاوية سنة ثمان وخمسين وقيل‏:‏ في التي بعدها، ولم تلد للنبي صلى الله عليه وسلم شيئا على الصواب، وسألته أن تكتني فقال‏:‏ اكتني بابن أختك فاكتنت أم عبد الله وأخرج ابن حبان في صحيحه من حديث عائشة أنه كناها بذلك لما أحضر إليه ابن الزبير ليحنكه فقال‏:‏ ‏"‏ هو عبد الله وأنت أم عبد الله‏.‏

قالت‏:‏ فلم أزل أكنى بها‏"‏‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ يُونُسَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ أَبُو سَلَمَةَ إِنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا يَا عَائِشَ هَذَا جِبْرِيلُ يُقْرِئُكِ السَّلَامَ فَقُلْتُ وَعَلَيْهِ السَّلَامُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ تَرَى مَا لَا أَرَى تُرِيدُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏يا عائش‏)‏ بضم الشين ويجوز فتحها، وكذلك يجوز ذلك في كل اسم مرخم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ترى ما لا أرى، تريد رسول الله صلى الله عليه وسلم‏)‏ هو من قول عائشة، وقد استنبط بعضهم من هذا الحديث فضل خديجة على عائشة لأن الذي ورد في حق خديجة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها‏:‏ ‏"‏ إن جبريل يقرئك السلام من ربك ‏"‏ وأطلق هنا السلام من جبريل نفسه، وسيأتي تقرير ذلك في مناقب خديجة‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ و حَدَّثَنَا عَمْرٌو أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ مُرَّةَ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَلَ مِنْ الرِّجَالِ كَثِيرٌ وَلَمْ يَكْمُلْ مِنْ النِّسَاءِ إِلَّا مَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ وَآسِيَةُ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ وَفَضْلُ عَائِشَةَ عَلَى النِّسَاءِ كَفَضْلِ الثَّرِيدِ عَلَى سَائِرِ الطَّعَامِ

الشرح‏:‏

حديث أبي موسى ‏"‏ كمل - بتثليث الميم - من الرجال كثير ‏"‏ وتقدم الكلام عليه في قصة موسى عليه السلام عند الكلام على هذا الحديث في ذكر آسية امرأة فرعون وتقرير أن قوله‏:‏ ‏"‏ وفضل عائشة إلخ ‏"‏ لا يستلزم ثبوت الأفضلية المطلقة، وقد أشار ابن حبان إلى أن أفضليتها التي يدل عليها هذا الحديث وغيره مقيدة بنساء النبي صلى الله عليه وسلم حتى لا يدخل فيها مثل فاطمة عليها السلام جمعا بين هذا الحديث وبين حديث ‏"‏ أفضل نساء أهل الجنة خديجة وفاطمة ‏"‏ الحديث، وقد أخرجه الحاكم بهذا اللفظ من حديث ابن عباس، وسيأتي في مناقب خديجة من حديث علي مرفوعا ‏"‏ خير نسائها خديجة ‏"‏ ويأتي بقية الكلام عليه هناك إن شاء الله تعالى، وقوله‏:‏ ‏"‏ كفضل الثريد ‏"‏ زاد معمر من وجه آخر ‏"‏ مرثد باللحم ‏"‏ وهو اسم الثريد الكامل، وعليه قول الشاعر‏:‏ إذا ما الخبز تأدمه بلحم فذاك أمانة الله الثريد

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فَضْلُ عَائِشَةَ عَلَى النِّسَاءِ كَفَضْلِ الثَّرِيدِ عَلَى سَائِرِ الطَّعَامِ

الشرح‏:‏

حديث أنس ‏"‏ فضل عائشة على النساء كفضل الثريد ‏"‏ وهو طرف من الحديث الذي قبله، وكأن المصنف أخذ منه لفظ الترجمة فقال‏:‏ ‏"‏ فضل عائشة ‏"‏ ولم يقل مناقب ولا ذكر كما قال في غيرها‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ حَدَّثَنَا ابْنُ عَوْنٍ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ أَنَّ عَائِشَةَ اشْتَكَتْ فَجَاءَ ابْنُ عَبَّاسٍ فَقَالَ يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ تَقْدَمِينَ عَلَى فَرَطِ صِدْقٍ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَى أَبِي بَكْرٍ

الشرح‏:‏

حديث ابن عباس‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أن عائشة اشتكت‏)‏ أي ضعفت‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏تقدمين‏)‏ بفتح الدال ‏(‏على فرط‏)‏ بفتح الفاء والراء بعدها مهملة وهو المتقدم من كل شيء، قال ابن التين‏:‏ فيه أنه قطع لها بدخول الجنة إذ لا يقول ذلك إلا بتوقيف، وقوله‏:‏ ‏"‏ على رسول الله ‏"‏ بدل بتكرير العامل، وسيأتي بقية الكلام على هذا الحديث في تفسير سورة النور‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ الْحَكَمِ سَمِعْتُ أَبَا وَائِلٍ قَالَ لَمَّا بَعَثَ عَلِيٌّ عَمَّارًا وَالْحَسَنَ إِلَى الْكُوفَةِ لِيَسْتَنْفِرَهُمْ خَطَبَ عَمَّارٌ فَقَالَ إِنِّي لَأَعْلَمُ أَنَّهَا زَوْجَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَكِنَّ اللَّهَ ابْتَلَاكُمْ لِتَتَّبِعُوهُ أَوْ إِيَّاهَا

الشرح‏:‏

حديث عمار ‏(‏إني لأعلم أنها زوجته‏)‏ أي زوجة النبي صلى الله عليه وسلم ‏(‏في الدنيا والآخرة‏)‏ وعند ابن حبان من طريق سعيد بن كثير عن أبيه ‏"‏ حدثتنا عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ قال لها أما ترضين أن تكوني زوجتي في الدنيا والآخرة ‏"‏ فلعل عمارا كان سمع هذا الحديث من النبي صلى الله عليه وسلم وقوله في الحديث‏.‏

‏"‏ لتتبعوه أو إياها ‏"‏ قيل‏:‏ الضمير لعلي لأنه الذي كان عمار يدعو إليه، والذي يظهر أنه الله والمراد باتباع الله اتباع حكمه الشرعي في طاعة الإمام وعدم الخروج عليه، ولعله أشار إلى قوله تعالى‏:‏ ‏(‏وقرن في بيوتكن‏)‏ فإنه أمر حقيقي خوطب به أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، ولهذا كانت أم سلمة تقول‏:‏ لا يحركني ظهر بعير حتى ألقى النبي صلى الله عليه وسلم والعذر في ذلك عن عائشة أنها كانت متأولة هي وطلحة والزبير، وكان مرادهم إيقاع الإصلاح بين الناس وأخذ القصاص من قتلة عثمان رضي الله عنهم أجمعين، وكان رأي علي الاجتماع على الطاعة وطلب أولياء المقتول القصاص ممن يثبت عليه القتل بشروطه‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا اسْتَعَارَتْ مِنْ أَسْمَاءَ قِلَادَةً فَهَلَكَتْ فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَاسًا مِنْ أَصْحَابِهِ فِي طَلَبِهَا فَأَدْرَكَتْهُمْ الصَّلَاةُ فَصَلَّوْا بِغَيْرِ وُضُوءٍ فَلَمَّا أَتَوْا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَكَوْا ذَلِكَ إِلَيْهِ فَنَزَلَتْ آيَةُ التَّيَمُّمِ فَقَالَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ جَزَاكِ اللَّهُ خَيْرًا فَوَاللَّهِ مَا نَزَلَ بِكِ أَمْرٌ قَطُّ إِلَّا جَعَلَ اللَّهُ لَكِ مِنْهُ مَخْرَجًا وَجَعَلَ لِلْمُسْلِمِينَ فِيهِ بَرَكَةً

الشرح‏:‏

حديث عائشة في قصة القلادة، وقد تقدم شرحه مستوفى في أول كتاب التيمم، قال ابن التين‏:‏ ليست هذه اللفظة محفوظة، يعني أنهم أتوا بالعقد، أي أن المحفوظ قولها‏:‏ ‏"‏ فأثرنا البعير فوجدنا العقد تحته‏"‏‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنِي عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا كَانَ فِي مَرَضِهِ جَعَلَ يَدُورُ فِي نِسَائِهِ وَيَقُولُ أَيْنَ أَنَا غَدًا أَيْنَ أَنَا غَدًا حِرْصًا عَلَى بَيْتِ عَائِشَةَ قَالَتْ عَائِشَةُ فَلَمَّا كَانَ يَوْمِي سَكَنَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن هشام عن أبيه أن رسوله الله صلى الله عليه وسلم لما كان في مرضه جعل يدور الحديث‏)‏ وهذا صورته مرسل، ولكن تبين أنه موصول عن عائشة في آخر الحديث حيث قال‏:‏ ‏"‏ فقالت عائشة‏:‏ فلما كان يومي سكن ‏"‏ وسيأتي في الوفاة من وجه آخر موصولا كله، ويأتي سائر شرحه هناك إن شاء الله تعالى‏.‏

قال الكرماني‏:‏ قولها ‏"‏ سكن ‏"‏ أي مات أو سكت عن ذلك القول‏.‏

قلت الثاني هو الصحيح، والأول خطأ صريح، قال ابن التين‏:‏ في الرواية الأخرى ‏"‏ إنهن أذن له أن يقيم عند عائشة ‏"‏ فظاهره يخالف هذا، ويجمع باحتمال أن يكن أذن له بعد أن صار إلى يومها، يعني فيتعلق الإذن بالمستقبل، وهو جمع حسن‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ أَبِيهِ قَالَ كَانَ النَّاسُ يَتَحَرَّوْنَ بِهَدَايَاهُمْ يَوْمَ عَائِشَةَ قَالَتْ عَائِشَةُ فَاجْتَمَعَ صَوَاحِبِي إِلَى أُمِّ سَلَمَةَ فَقُلْنَ يَا أُمَّ سَلَمَةَ وَاللَّهِ إِنَّ النَّاسَ يَتَحَرَّوْنَ بِهَدَايَاهُمْ يَوْمَ عَائِشَةَ وَإِنَّا نُرِيدُ الْخَيْرَ كَمَا تُرِيدُهُ عَائِشَةُ فَمُرِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَأْمُرَ النَّاسَ أَنْ يُهْدُوا إِلَيْهِ حَيْثُ مَا كَانَ أَوْ حَيْثُ مَا دَارَ قَالَتْ فَذَكَرَتْ ذَلِكَ أُمُّ سَلَمَةَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ فَأَعْرَضَ عَنِّي فَلَمَّا عَادَ إِلَيَّ ذَكَرْتُ لَهُ ذَاكَ فَأَعْرَضَ عَنِّي فَلَمَّا كَانَ فِي الثَّالِثَةِ ذَكَرْتُ لَهُ فَقَالَ يَا أُمَّ سَلَمَةَ لَا تُؤْذِينِي فِي عَائِشَةَ فَإِنَّهُ وَاللَّهِ مَا نَزَلَ عَلَيَّ الْوَحْيُ وَأَنَا فِي لِحَافِ امْرَأَةٍ مِنْكُنَّ غَيْرِهَا

الشرح‏:‏

حديث عائشة في أن الناس كانوا يتحرون بهداياهم يوم عائشة، وفيه ‏"‏ والله ما نزل على الوحي وأنا في لحاف امرأة منكن غيرها ‏"‏ وقد تقدم الكلام عليه مستوفى في كتاب الهبة، وقوله في أوله‏:‏ ‏"‏ حدثنا عبد الله بن عبد الوهاب ‏"‏ كذا للأكثر، ووقع في رواية القابسي وعبدوس عن أبي زيد المروزي ‏"‏ عبيد الله ‏"‏ بالتصغير والصواب بالتكبير، وقوله في هذه الرواية‏:‏ ‏"‏ فقال يا أم سلمة لا تؤذيني في عائشة فإنه والله ما نزل علي الوحي وأنا في لحاف امرأة منكن غيرها ‏"‏ وقع في الهبة ‏"‏ فإن الوحي لم يأتني وأنا في ثوب امرأة إلا عائشة، فقلت‏:‏ أتوب إلى الله تعالى ‏"‏ وفي هذا الحديث منقبة عظيمة لعائشة، وقد استدل به على فضل عائشة على خديجة، وليس ذلك بلازم لأمرين‏:‏ أحدهما‏:‏ احتمال أن لا يكون أراد إدخال خديجة في هذا، وأن المراد بقوله ‏"‏ منكن ‏"‏ المخاطبة وهي أم سلمة ومن أرسلها أو من كان موجودا حينئذ من النساء، والثاني‏:‏ على تقدير إرادة الدخول فلا يلزم من ثبوت خصوصية شيء من الفضائل ثبوت الفضل المطلق كحديث ‏"‏ أقرؤكم أبي وأفرضكم زيد ‏"‏ ونحو ذلك، ومما يسأل عنه الحكمة في اختصاص عائشة بذلك، فقيل لمكان أبيها، وأنه لم يكن يفارق النبي صلى الله عليه وسلم في أغلب أحواله، فسرى سره لابنته مع ما كان لها من مزيد حبه صلى الله عليه وسلم‏.‏

وقيل‏:‏ إنها كانت تبالغ في تنظيف ثيابها التي تنام فيها مع النبي صلى الله عليه وسلم، والعلم عند الله تعالى، وسيأتي مزيد لها في ترجمة خديجة إن شاء الله تعالى، قال السبكي الكبير‏:‏ الذي ندين الله به أن فاطمة أفضل ثم خديجة ثم عائشة، والخلاف شهير ولكن الحق أحق أن يتبع‏.‏

وقال ابن تيمية‏:‏ جهات الفضل بين خديجة وعائشة متقاربة‏.‏

وكأنه رأى التوقف‏.‏

وقال ابن القيم‏:‏ إن أريد بالتفضيل كثرة الثواب عند الله فذاك أمر لا يطلع عليه، فإن عمل القلوب أفضل من عمل الجوارح، وإن أريد كثرة العلم فعائشة لا محالة، وإن أريد شرف ففاطمة لا محالة، وهي فضيلة لا يشاركها فيها غير أخواتها، وإن أريد شوف السيادة فقد ثبت النص لفاطمة وحدها‏.‏

قلت‏:‏ امتازت فاطمة عن أخواتها بأنهن متن في حياة النبي صلى الله عليه وسلم كما تقدم، وأما ما امتازت به عائشة من فضل العلم فإن لخديجة ما يقابله وهي أنها أول من أجاب إلى الإسلام ودعا إليه وأعان على ثبوته بالنفس والمال والتوجه التام؛ فلها مثل أجر من جاء بعدها، ولا يقدر قدر ذلك إلا الله‏.‏

وقيل‏:‏ انعقد الإجماع على أفضلية فاطمة، وبقي الخلاف بين عائشة وخديجة‏.‏

‏(‏فرع‏)‏ ‏:‏ ذكر الرافعي أن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أفضل نساء هذه الأمة، فإن استثنيت فاطمة لكونها بضعه فأخواتها شاركنها‏.‏

وقد أخرج الطحاوي والحاكم بسند جيد عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في حق زينب ابنته لما أوذيت عند خروجها من مكة ‏"‏ هي أفضل بناتي، أصيبت في ‏"‏ وقد وقع في حديث خطبة عثمان حفصة زيادة في مسند أبي يعلى ‏"‏ تزوج عثمان خيرا من حفصة، وتزوج حفصة خير من عثمان ‏"‏ والجواب عن قصة زينب تقدم، ويحتمل أن يقدر ‏"‏ من ‏"‏ وأن يقال كان ذلك قبل أن يحصل لفاطمة جهة التفضيل التي امتازت بها عن غيرها من أخواتها كما تقدم، قال ابن التين‏:‏ فيه أن الزوج لا يلزمه التسوية في النفقة بل يفضل من شاء بعد أن يقوم للأخرى بما يلزمه لها، قال‏:‏ ويمكن أن لا يكون فيها دليل لاحتمال أن يكون من خصائصه، كما قيل‏:‏ إن القسم لم يكن واجبا عليه وإنما كان يتبرع

*3*باب مَنَاقِبِ الْأَنْصَارِ

وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب مناقب الأنصار‏)‏ هو اسم إسلامي، سمى به النبي صلى الله عليه وسلم الأوس والخزرج وحلفاءهم كما في حديث أنس‏.‏

والأوس ينسبون إلى أوس بن حارثة، والخزرج ينسبون إلى الخزرج بن حارثة، وهما ابنا قيلة، وهو اسم أمهم وأبوهم هو حارثة بن عمرو بن عامر الذي يجتمع إليه أنساب الأزد‏.‏

وقوله‏:‏ ‏(‏والذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم‏)‏ الآية تقدم شرحه في أول مناقب عثمان‏.‏

وزعم محمد بن الحسن بن زبالة أن الإيمان اسم من أسماء المدينة، واحتج بالآية ولا حجة له فيها‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا مَهْدِيُّ بْنُ مَيْمُونٍ حَدَّثَنَا غَيْلَانُ بْنُ جَرِيرٍ قَالَ قُلْتُ لِأَنَسٍ أَرَأَيْتَ اسْمَ الْأَنْصَارِ كُنْتُمْ تُسَمَّوْنَ بِهِ أَمْ سَمَّاكُمْ اللَّهُ قَالَ بَلْ سَمَّانَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ كُنَّا نَدْخُلُ عَلَى أَنَسٍ فَيُحَدِّثُنَا بِمَنَاقِبِ الْأَنْصَارِ وَمَشَاهِدِهِمْ وَيُقْبِلُ عَلَيَّ أَوْ عَلَى رَجُلٍ مِنْ الْأَزْدِ فَيَقُولُ فَعَلَ قَوْمُكَ يَوْمَ كَذَا وَكَذَا كَذَا وَكَذَا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا مهدي‏)‏ هو ابن ميمون‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏غيلان بن جرير‏)‏ هو المعولي يكسر الميم وسكون العين المهملة وفتح الواو بعدها لام، ومعول بطن من الأزد، ونسبه ابن حبان حبيا وهو وهم، وهو تابعي ثقة قليل الحديث ليس له عن أنس شيء إلا في البخاري، وتقدم له حديث في الصلاة ويأتي له في آخر الرقاق‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قلت لأنس أرأيت اسم الأنصار‏)‏ يعني أخبرني عن تسمية الأوس والخزرج الأنصار‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏كنا ندخل‏)‏ كذا في هذه الرواية بغير أداة العطف، وهو من كلام غيلان لا من كلام أنس، وسيأتي بعد قليل قبل ‏"‏ باب القسامة في الجاهلية ‏"‏ من وجه آخر عن مهدي بن ميمون عن غيلان قال‏:‏ ‏"‏ كنا نأتي أنس بن مالك ‏"‏ الحديث ولم يذكر ما قبله‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏كنا ندخل على أنس‏)‏ أي بالبصرة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ويقبل علي‏)‏ أي مخاطبا لي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فعل قومك كذا‏)‏ أي يحكي ما كان من مآثرهم في المغازي ونصر الإسلام‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنِي عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ كَانَ يَوْمُ بُعَاثَ يَوْمًا قَدَّمَهُ اللَّهُ لِرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ افْتَرَقَ مَلَؤُهُمْ وَقُتِلَتْ سَرَوَاتُهُمْ وَجُرِّحُوا فَقَدَّمَهُ اللَّهُ لِرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي دُخُولِهِمْ فِي الْإِسْلَامِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏كان يوم بعاث‏)‏ بضم الموحدة وتخفيف المهملة وآخره مثلثة وحكى العسكري أن بعضهم رواه عن الخليل بن أحمد وصحفه بالغين المعجمة، وذكر الأزهري أن الذي صحفه الليث الراوي عن الخليل، وحكى القزاز في ‏"‏ الجامع ‏"‏ أنه يقال بفتح أوله أيضا، وذكر عياض أن الأصيلي رواه بالوجهين أي بالعين والمعجمة‏.‏

وأن الذي وقع في رواية أبي ذر بالغين المعجمة وجها واحدا‏.‏

ويقال إن أبا عبيدة ذكره بالمعجمة أيضا، وهو مكان - ويقال حصن وقيل مزرعة - عند بني قريظة على ميلين من المدينة، كانت به وقعه بين الأوس والخزرج، فقتل فيها كثير منهم‏.‏

وكان رئيس الأوس فيه حضير والد أسيد بن حضير وكان يقال له حضير الكتائب وبه قتل، وكان رئيس الخزرج يومئذ عمرو بن النعمان البياضي فقتل فيها أيضا، وكان النصر فيها أولا للخزرج ثم ثبتهم حضير فرجعوا وانتصرت الأوس وجرح حضير يومئذ فمات فيها، وذلك قبل الهجرة بخمس سنين وقيل‏:‏ بأربع وقيل‏:‏ بأكثر والأول أصح، وذكر أبو الفرج الأصبهاني أن سبب ذلك أنه كان من قاعدتهم أن الأصيل لا يقتل بالحليف، فقتل رجل من الأوس حليفا للخزرج، فأرادوا أن يقيدوه فامتنعوا، فوقعت عليهم الحرب لأجل ذلك، فقتل فيها من أكابرهم من كان لا يؤمن، أي يتكبر ويأنف أن يدخل في الإسلام حتى لا يكون تحت حكم غيره، وقد كان بقي منهم من هذا النحو عبد الله بن أبي ابن سلول وقصته في ذلك مشهورة مذكورة في هذا الكتاب وغيره‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏سرواتهم‏)‏ بفتح المهملة والراء والواو أي خيارهم، والسروات جمع سراة بفتح المهملة وتخفيف الراء، والسراة جمع سري وهو الشريف‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وجرحوا‏)‏ كذا للأكثر بضم الجيم والراء المكسورة مثقلا ومخففا ثم مهملة، وللأصيلي بجيمين مخففا أي اضطراب قولهم من قولهم، جرج الخاتم إذا جال في الكف، وعند ابن أبي صفرة بفتح المهملة ثم جيم من الحرج وهو ضيق الصدر، وللمستملي وعبدوس والقابسي ‏"‏ وخرجوا ‏"‏ بفتح الخاء والراء من الخروج، وصوب ابن الأثير الأول وصوب غيره الثالث، والله أعلم‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ قَالَ سَمِعْتُ أَنَسًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ قَالَتْ الْأَنْصَارُ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ وَأَعْطَى قُرَيْشًا وَاللَّهِ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْعَجَبُ إِنَّ سُيُوفَنَا تَقْطُرُ مِنْ دِمَاءِ قُرَيْشٍ وَغَنَائِمُنَا تُرَدُّ عَلَيْهِمْ فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَعَا الْأَنْصَارَ قَالَ فَقَالَ مَا الَّذِي بَلَغَنِي عَنْكُمْ وَكَانُوا لَا يَكْذِبُونَ فَقَالُوا هُوَ الَّذِي بَلَغَكَ قَالَ أَوَلَا تَرْضَوْنَ أَنْ يَرْجِعَ النَّاسُ بِالْغَنَائِمِ إِلَى بُيُوتِهِمْ وَتَرْجِعُونَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى بُيُوتِكُمْ لَوْ سَلَكَتْ الْأَنْصَارُ وَادِيًا أَوْ شِعْبًا لَسَلَكْتُ وَادِيَ الْأَنْصَارِ أَوْ شِعْبَهُمْ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏يوم فتح مكة‏)‏ أي عام فتح مكة، لأن الغنائم المشار إليها كانت غنائم حنين، وكان ذلك بعد الفتح بشهرين‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وأعطى قريشا‏)‏ هي جملة حالية، وقوله‏:‏ ‏"‏ وسيوفنا تقطر من دمائهم ‏"‏ هو من القلب والأصل ودماؤهم تقطر من سيوفنا، ويحتمل أن يكون ‏"‏ من ‏"‏ بمعنى الباء الموحدة، وبالغ في جعل الدم قطر السيوف، وسيأتي شرح هذا الحديث في غزوة حنين‏.‏

*3*باب قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوْلَا الْهِجْرَةُ لَكُنْتُ امْرَأً مِنْ الْأَنْصَارِ

قَالَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب قول النبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏ لولا الهجرة لكنت امرءا من الأنصار ‏"‏ قاله عبد الله بن زيد‏)‏ هو طرف من حديث سيأتي شرحه في غزوة حنين، قال الخطابي‏:‏ أراد صلى الله عليه وسلم بذلك استطابة قلوب الأنصار حيث رضي أن يكون واحدا منهم لولا ما منعه من سمة الهجرة، وأطال بذلك بما لا طائل فيه‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوْ أَنَّ الْأَنْصَارَ سَلَكُوا وَادِيًا أَوْ شِعْبًا لَسَلَكْتُ فِي وَادِي الْأَنْصَارِ وَلَوْلَا الْهِجْرَةُ لَكُنْتُ امْرَأً مِنْ الْأَنْصَارِ فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ مَا ظَلَمَ بِأَبِي وَأُمِّي آوَوْهُ وَنَصَرُوهُ أَوْ كَلِمَةً أُخْرَى

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقال أبو هريرة ما ظلم‏)‏ أي ما تعدى في القول المذكور ولا أعطاهم فوق حقهم، ثم بين ذلك بقوله‏:‏ ‏"‏ آووه ونصروه‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أو كلمة أخرى‏)‏ لعل المراد وواسوه وواسوا أصحابه بأموالهم، وقوله‏:‏ ‏"‏ لسلكت في وادي الأنصار ‏"‏ أراد بذلك حسن موافقتهم أنه لما شاهده من حسن الجوار والوفاء بالعهد، وليس المراد أنه يصير تابعا لهم، بل هو المتبوع المطاع المفترض الطاعة على كل مؤمن‏.‏

*3*باب إِخَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب إخاء النبي صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار‏)‏ سيأتي بسط القول فيه في أبواب الهجرة قبيل المغازي‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ لَمَّا قَدِمُوا الْمَدِينَةَ آخَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَسَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ قَالَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ إِنِّي أَكْثَرُ الْأَنْصَارِ مَالًا فَأَقْسِمُ مَالِي نِصْفَيْنِ وَلِي امْرَأَتَانِ فَانْظُرْ أَعْجَبَهُمَا إِلَيْكَ فَسَمِّهَا لِي أُطَلِّقْهَا فَإِذَا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا فَتَزَوَّجْهَا قَالَ بَارَكَ اللَّهُ لَكَ فِي أَهْلِكَ وَمَالِكَ أَيْنَ سُوقُكُمْ فَدَلُّوهُ عَلَى سُوقِ بَنِي قَيْنُقَاعَ فَمَا انْقَلَبَ إِلَّا وَمَعَهُ فَضْلٌ مِنْ أَقِطٍ وَسَمْنٍ ثُمَّ تَابَعَ الْغُدُوَّ ثُمَّ جَاءَ يَوْمًا وَبِهِ أَثَرُ صُفْرَةٍ

فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَهْيَمْ قَالَ تَزَوَّجْتُ قَالَ كَمْ سُقْتَ إِلَيْهَا قَالَ نَوَاةً مِنْ ذَهَبٍ أَوْ وَزْنَ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ شَكَّ إِبْرَاهِيمُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن جده‏)‏ هو إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، وهذا صورته مرسل، وقد تقدم في أوائل البيع من طريق ظاهره الاتصال‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لما قدموا المدينة آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين عبد الرحمن بن عوف وسعد بن الربيع‏)‏ أي ابن عمرو بن أبي زهير الأنصاري الخزرجي، أحد النقباء، استشهد بأحد، وسيأتي بيان ذلك في المغازي، وسيأتي شرح قصة تزويج عبد الرحمن بن عوف في الوليمة من كتاب النكاح، وكذا حديث أنس الذي بعده في المعنى إن شاء الله تعالى‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا الصَّلْتُ بْنُ مُحَمَّدٍ أَبُو هَمَّامٍ قَالَ سَمِعْتُ الْمُغِيرَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَتْ الْأَنْصَارُ اقْسِمْ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ النَّخْلَ قَالَ لَا قَالَ يَكْفُونَنَا الْمَئُونَةَ وَيُشْرِكُونَنَا فِي التَّمْرِ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏قالت الأنصار‏:‏ اقسم بيننا وبينهم النخل‏)‏ أي المهاجرين، وقد سبق الكلام عليه في المزارعة، وفيه فضيلة ظاهرة للأنصار‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ويشركوننا في الثمر‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ في الأمر ‏"‏ أي الحاصل من ذلك، وهو من قولهم أمر ماله - بكسر الميم - أي كثر‏.‏

*3*باب حُبِّ الْأَنْصَارِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب حب الأنصار‏)‏ أي فضله، ذكر فيه حديث البراء ‏"‏ لا يحبهم إلا مؤمن ‏"‏ وحديث أنس ‏"‏ آية الإيمان حب الأنصار ‏"‏ قال ابن التين‏:‏ المراد حب جميعهم وبغض جميعهم، لأن ذلك إنما يكون للدين، ومن أبغض بعضهم لمعنى يسوغ البغض له فليس داخلا في ذلك، وهو تقرير حسن‏.‏

وقد سبق الكلام على شرح الحديث في كتاب الإيمان‏.‏

*3*باب قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْأَنْصَارِ أَنْتُمْ أَحَبُّ النَّاسِ إِلَيَّ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب قول النبي صلى الله عليه وسلم للأنصار أنتم أحب الناس إلي‏)‏ هو على طريق الإجمال، أي مجموعكم أحب إلي من مجموع غيركم، فلا يعارض قوله في الحديث الماضي في جواب ‏"‏ من أحب الناس إليك‏؟‏ قال‏:‏ أبو بكر ‏"‏ الحديث‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ رَأَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النِّسَاءَ وَالصِّبْيَانَ مُقْبِلِينَ قَالَ حَسِبْتُ أَنَّهُ قَالَ مِنْ عُرُسٍ فَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُمْثِلًا فَقَالَ اللَّهُمَّ أَنْتُمْ مِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَيَّ قَالَهَا ثَلَاثَ مِرَارٍ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حسبت أنه قال من عرس‏)‏ الشك فيه من الراوي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقام النبي صلى الله عليه وسلم ممثلا‏)‏ بضم أوله وسكون ثانية وكسر المثلثة، قال ابن التين‏:‏ كذا وقع رباعيا‏.‏

والذي ذكره أهل اللغة‏:‏ مثل الرجل بفتح الميم وضم المثلثة مثولا إذا انتصب قائما، ثلاثي، انتهى‏.‏

وفي رواية تأتي في ‏"‏ النكاح ممثلا بالتشديد أي مكلفا نفسه ذلك فلذلك عدى فعله قاله عياض، ووقع في النكاح بلفظ ‏"‏ ممتنا ‏"‏ بضم أوله وسكون ثانيه وكسر المثناة بعدها نون أي طويلا، أو هو من المنة أي عليهم فيكون بالتشديد‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ كَثِيرٍ حَدَّثَنَا بَهْزُ بْنُ أَسَدٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ أَخْبَرَنِي هِشَامُ بْنُ زَيْدٍ قَالَ سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ جَاءَتْ امْرَأَةٌ مِنْ الْأَنْصَارِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَهَا صَبِيٌّ لَهَا فَكَلَّمَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّكُمْ أَحَبُّ النَّاسِ إِلَيَّ مَرَّتَيْنِ

الشرح‏:‏

قوله في الطريق الأخرى ‏(‏جاءت امرأة ومعها صبي لها‏)‏ لم أقف على اسمها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فكلمها رسول الله صلى الله عليه وسلم‏)‏ أي أجابها عما سألته، أو ابتدأها بالكلام تأنيسا‏.‏

*3*باب أَتْبَاعِ الْأَنْصَارِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب أتباع الأنصار‏)‏ أي من الخلفاء والموالي‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَمْرٍو سَمِعْتُ أَبَا حَمْزَةَ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَالَتْ الْأَنْصَارُ يَا رَسُولَ اللَّهِ لِكُلِّ نَبِيٍّ أَتْبَاعٌ وَإِنَّا قَدْ اتَّبَعْنَاكَ فَادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَ أَتْبَاعَنَا مِنَّا فَدَعَا بِهِ فَنَمَيْتُ ذَلِكَ إِلَى ابْنِ أَبِي لَيْلَى قَالَ قَدْ زَعَمَ ذَلِكَ زَيْدٌ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن عمرو‏)‏ هو ابن مرة كما في الرواية التي تليها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏سمعت أبا حمزة‏)‏ بالمهملة والزاي اسمه طلحة بن يزيد مولى قرظة بن كعب الأنصاري، وقرظة بفتح القاف والراء والظاء المعجمة صحابي معروف، وهو ابن كعب بن ثعلبة بن عمرو بن كعب أو عامر بن زيد، أنصاري خزرجي، مات في ولاية المغيرة على الكوفة لمعاوية وذلك في حدود سنة خمسين‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أن يجعل أتباعنا منا‏)‏ أي يقال لهم الأنصار حتى تتناولهم الوصية بهم بالإحسان إليهم ونحو ذلك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فدعا به‏)‏ أي بما سألوا، وبين ذلك في الرواية التي تليها بلفظ ‏"‏ فقال اللهم اجعل أتباعهم منهم‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فنميت ذلك‏)‏ أي نقلته، وهو بالتخفيف، وأما بتشديد الميم فمعناه أبلغته على جهة الإفساد، وقائل ذلك هو عمرو بن مرة كما في الرواية التي تليها، وابن أبي ليلى هو عبد الرحمن‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قد زعم ذلك زيد‏)‏ زاد في الرواية التي تليها ‏"‏ قال شعبة أظنه زيد بن أرقم ‏"‏ وكأنه احتمل عنده أن يكون ابن أبي ليلى أراد بقوله‏:‏ ‏"‏ قد زعم ذلك زيد ‏"‏ أي زيد آخر غير ابن أرقم كزيد بن ثابت، لكن الذي ظنه شعبة صحيح، فغد رواه أبو نعيم في ‏"‏ المستخرج ‏"‏ من طريق علي بن الجعد جازما به‏.‏

وقوله‏:‏ ‏"‏ زعم ‏"‏ أي قال كما قدمنا‏.‏

مرارا أن لغة أهل الحجار تطلق الزعم على القول‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا حَمْزَةَ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ قَالَتْ الْأَنْصَارُ إِنَّ لِكُلِّ قَوْمٍ أَتْبَاعًا وَإِنَّا قَدْ اتَّبَعْنَاكَ فَادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَ أَتْبَاعَنَا مِنَّا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّهُمَّ اجْعَلْ أَتْبَاعَهُمْ مِنْهُمْ قَالَ عَمْرٌو فَذَكَرْتُهُ لِابْنِ أَبِي لَيْلَى قَالَ قَدْ زَعَمَ ذَاكَ زَيْدٌ قَالَ شُعْبَةُ أَظُنُّهُ زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏قد زعم ذلك زيد‏)‏ زاد في الرواية التي تليها ‏"‏ قال شعبة أظنه زيد بن أرقم ‏"‏ وكأنه احتمل عنده أن يكون ابن أبي ليلى أراد بقوله‏:‏ ‏"‏ قد زعم ذلك زيد ‏"‏ أي زيد آخر غير ابن أرقم كزيد بن ثابت، لكن الذي ظنه شعبة صحيح، فغد رواه أبو نعيم في ‏"‏ المستخرج ‏"‏ من طريق علي بن الجعد جازما به‏.‏

وقوله‏:‏ ‏"‏ زعم ‏"‏ أي قال كما قدمنا‏.‏

مرارا أن لغة أهل الحجار تطلق الزعم على القول‏.‏

*3*باب فَضْلِ دُورِ الْأَنْصَارِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب فضل دور الأنصار‏)‏ أي منازلهم‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ سَمِعْتُ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِي أُسَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْرُ دُورِ الْأَنْصَارِ بَنُو النَّجَّارِ ثُمَّ بَنُو عَبْدِ الْأَشْهَلِ ثُمَّ بَنُو الْحَارِثِ بْنِ خَزْرَجٍ ثُمَّ بَنُو سَاعِدَةَ وَفِي كُلِّ دُورِ الْأَنْصَارِ خَيْرٌ فَقَالَ سَعْدٌ مَا أَرَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا قَدْ فَضَّلَ عَلَيْنَا فَقِيلَ قَدْ فَضَّلَكُمْ عَلَى كَثِيرٍ وَقَالَ عَبْدُ الصَّمَدِ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا قَتَادَةُ سَمِعْتُ أَنَسًا قَالَ أَبُو أُسَيْدٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَذَا وَقَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن أنس‏)‏ في رواية عبد الصمد المعلقة هنا ‏"‏ سمعت أنسا ‏"‏ وسأذكر من وصلها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن أبي أسيد‏)‏ بالتصغير وهو الساعدي، وهو مشهور بكنيته، ويقال اسمه مالك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏خير دور الأنصار بنو النجار‏)‏ هم من الخزرج، والنجار هم تيم الله، وسمي بذلك لأنه ضرب رجلا فنجره فقيل له النجار، وهو ابن ثعلبة بن عمرو من الخزرج‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ثم بنو عبد الأشهل‏)‏ هم من الأوس، وهو عبد الأشهل بن جشم بن الحارث بن الخزرج الأصغر بن عمرو بن مالك بن الأوس بن حارثة، كذا وقع في هذه الطريق، ولكن وقع في رواية معمر عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة وأبي سلمه عن أبي هريرة ‏"‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ألا أخبركم بخير دور الأنصار‏؟‏ قالوا‏:‏ بلى‏.‏

قال‏:‏ بنو عبد الأشهل - وهم رهط سعد بن معاذ - قالوا‏:‏ ثم من يا رسول الله‏؟‏ قال‏:‏ ثم بنو النجار ‏"‏ فذكر الحديث وفي آخره ‏"‏ قال معمر‏:‏ وأخبرني ثابت وقتادة أنهما سمعا أنس بن مالك يذكر هذا الحديث، إلا أنه قال بنو النجار ثم بنو عبد الأشهل ‏"‏ أخرجه أحمد، وأخرجه مسلم من طريق صالح بن كيسان عن الزهري دون ما بعده من رواية معمر عن ثابت وقتادة‏.‏

وأخرج مسلم أيضا من طريق أبي الزناد عن أبي سلمة عن أبي أسيد مثل رواية أنس عن أبي أسيد، فقد اختلف على أبي سلمة في إسناده هل شيخه فيه أبو أسيد أو أبو هريرة، ومتنه هل قدم عبد الأشهل على بني النجار أو بالعكس‏؟‏ وأما رواية أنس في تقديم بني النجار فلم يختلف عليه فيها، ويؤيدها رواية إبراهيم بن محمد بن طلحة عن أبي أسيد، وهي عند مسلم أيضا وفيها تقديم بني النجار على بني عبد الأشهل‏.‏

وبنو النجار هم أخوال جد رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن والدة عبد المطلب منهم، وعليهم نزل لما قدم المدينة، فلهم مزية على غيرهم، وكان أنس منهم فله مزيد عناية بحفظ فضائلهم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ثم بنو الحارث بن الخزرج‏)‏ أي الأكبر أي ابن عمرو بن مالك بن الأوس المذكور ابن حارثة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ثم بنو ساعدة‏)‏ هم الخزرج أيضا، وساعدة هو ابن كعب بن الخزرج الأكبر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏خير دور الأنصار وفي كل دور الأنصار خير‏)‏ خير الأولى بمعنى أفضل والثانية اسم أي الفضل حاصل في جميع الأنصار وإن تفاوتت مراتبه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقال سعد‏)‏ أي ابن عبادة كما في الرواية المعلقة التي بعد هذا، وهو من بني ساعدة أيضا، وكان كبيرهم يومئذ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ما أرى‏)‏ بفتح الهمزة من الرؤية وهي من إطلاقها على المسموع، ويحتمل أن يكون من الاعتقاد، ويجوز ضمها بمعنى الظن، ووقع في رواية أبي الزناد المذكورة ‏"‏ فوجد سعد بن عبادة في نفسه فقال‏:‏ خلفنا فكنا آخر الأربعة، وأراد كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك - فقال له ابن أخيه سهل‏:‏ أتذهب لترد على رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره ورسول الله صلى الله عليه وسلم أعلم، أو ليس حسبك أن تكون رابع أربعة‏؟‏ فرجع‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقيل قد فضلكم‏)‏ لم أقف على اسم الذي قال له ذلك، ويحتمل أن يكون هو ابن أخيه المذكور قبل‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال عبد الصمد إلخ‏)‏ يأتي موصولا في مناقب سعد بن عبادة‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ حَفْصٍ الطَّلْحِيُّ حَدَّثَنَا شَيْبَانُ عَنْ يَحْيَى قَالَ أَبُو سَلَمَةَ أَخْبَرَنِي أَبُو أُسَيْدٍ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ خَيْرُ الْأَنْصَارِ أَوْ قَالَ خَيْرُ دُورِ الْأَنْصَارِ بَنُو النَّجَّارِ وَبَنُو عَبْدِ الْأَشْهَلِ وَبَنُو الْحَارِثِ وَبَنُو سَاعِدَةَ

الشرح‏:‏

قوله في رواية أبي سلمة هو ابن عبد الرحمن بن عوف ‏(‏بنو النجار وبنو عبد الأشهل‏)‏ كذا ذكره بالواو ورواية أنس بثم، وكذا رواية ابن حميد المذكورة بعدها، وفيه إشعار بأن الواو قد يفهم منها الترتيب، وإنما فهم الترتيب من جهة التقديم لا بمجرد الواو‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ قَالَ حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ يَحْيَى عَنْ عَبَّاسِ بْنِ سَهْلٍ عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ خَيْرَ دُورِ الْأَنْصَارِ دَارُ بَنِي النَّجَّارِ ثُمَّ عَبْدِ الْأَشْهَلِ ثُمَّ دَارُ بَنِي الْحَارِثِ ثُمَّ بَنِي سَاعِدَةَ وَفِي كُلِّ دُورِ الْأَنْصَارِ خَيْرٌ فَلَحِقَنَا سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ فَقَالَ أَبَا أُسَيْدٍ أَلَمْ تَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيَّرَ الْأَنْصَارَ فَجَعَلَنَا أَخِيرًا فَأَدْرَكَ سَعْدٌ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ خُيِّرَ دُورُ الْأَنْصَارِ فَجُعِلْنَا آخِرًا فَقَالَ أَوَلَيْسَ بِحَسْبِكُمْ أَنْ تَكُونُوا مِنْ الْخِيَارِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا سليمان‏)‏ هو ابن بلال، وعمرو بن يحيى أي ابن عمارة، وعباس بن سهل أي ابن سعد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن أبي حميد‏)‏ هو الساعدي وهو مشهور بكنيته، ويقال إن اسمه عبد الرحمن، ووقع في رواية الأصيلي ‏"‏ عن أبي أسيد أو أبي حميد‏"‏‏.‏

بالشك، والصواب عن أبي حميد وحده، وسيأتي في آخر غزوة تبوك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فلحقنا سعد بن عبادة‏)‏ قائل ذلك هو أبو حميد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقال‏:‏ أبا أسيد‏)‏ هو منادى حذف منه حرف النداء‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ألم تر أن الله‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ ألم تر أن رسول الله ‏"‏ وهو أوجه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏خير الأنصار‏)‏ أي فضل بين الأنصار بعضها على بعض‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏خير‏)‏ بضم أوله وكذا قوله‏:‏ ‏"‏ فجعلنا‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أو ليس بحسبكم‏)‏ بإسكان السين المهملة أي كافيكم، وهذا يعارض ظاهر رواية مسلم المتقدمة فإن فيها أن سعدا رجع عن إرادة مخاطبة النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك لما قال له ابن أخيه، ويمكن الجمع بأنه رجع حينئذ عن قصد رسول الله صلى الله عليه وسلم لذلك خاصة ثم إنه لما لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم في وقت آخر ذكر له ذلك، أو الذي رجع عنه أنه أراد أن يورده مورد الإنكار والذي صدر منه ورد مورد المعاتبة المتلطفة ولهذا قال له ابن أخيه في الأول ‏"‏ أترد على رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏من الخيار‏)‏ أي الأفاضل لأنهم بالنسبة إلى من دونهم أفضل، وكأن المفاضلة بينهم وقعت بحسب السبق إلى الإسلام، ويحسب مساعيهم في إعلاء كلمة الله، ونحو ذلك‏.‏