فصل: باب إِذَا رَأَى أَنَّهُ أَخْرَجَ الشَّيْءَ مِنْ كُورَةٍ فَأَسْكَنَهُ مَوْضِعًا آخَرَ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فتح الباري شرح صحيح البخاري **


*3*باب الْوُضُوءِ فِي الْمَنَامِ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب الوضوء في المنام‏)‏ قال أهل التعبير‏:‏ رؤية الوضوء في المنام وسيلة إلى سلطان أو عمل، فإن أتمه في النوم حصل مراده في اليقظة، وإن تعذر لعجز الماء مثلا أو توضأ بما لا تجوز الصلاة به فلا، والوضوء للخائف أمان ويدل على حصول الثواب وتكفير الخطايا، وذكر فيه حديث أبي هريرة المذكور في الباب الذي قبله، وقد مضى الكلام فيه‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ بَيْنَمَا نَحْنُ جُلُوسٌ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُنِي فِي الْجَنَّةِ فَإِذَا امْرَأَةٌ تَتَوَضَّأُ إِلَى جَانِبِ قَصْرٍ فَقُلْتُ لِمَنْ هَذَا الْقَصْرُ فَقَالُوا لِعُمَرَ فَذَكَرْتُ غَيْرَتَهُ فَوَلَّيْتُ مُدْبِرًا فَبَكَى عُمَرُ وَقَالَ عَلَيْكَ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ أَغَارُ

الشرح‏:‏

حديث أبي هريرة المذكور في الباب الذي قبله، وقد مضى الكلام فيه‏.‏

*3*باب الطَّوَافِ بِالْكَعْبَةِ فِي الْمَنَامِ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب الطواف بالكعبة في المنام‏)‏ قال أهل التعبير‏:‏ الطواف يدل على الحج وعلى التزويج وعلى حصول أمر مطلوب من الإمام وعلى بر الوالدين وعلى خدمة عالم والدخول في أمر الإمام فإن كان الرائي رقيقا دل على نصحه لسيده‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَخْبَرَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُنِي أَطُوفُ بِالْكَعْبَةِ فَإِذَا رَجُلٌ آدَمُ سَبْطُ الشَّعَرِ بَيْنَ رَجُلَيْنِ يَنْطُفُ رَأْسُهُ مَاءً فَقُلْتُ مَنْ هَذَا قَالُوا ابْنُ مَرْيَمَ فَذَهَبْتُ أَلْتَفِتُ فَإِذَا رَجُلٌ أَحْمَرُ جَسِيمٌ جَعْدُ الرَّأْسِ أَعْوَرُ الْعَيْنِ الْيُمْنَى كَأَنَّ عَيْنَهُ عِنَبَةٌ طَافِيَةٌ قُلْتُ مَنْ هَذَا قَالُوا هَذَا الدَّجَّالُ أَقْرَبُ النَّاسِ بِهِ شَبَهًا ابْنُ قَطَنٍ وَابْنُ قَطَنٍ رَجُلٌ مِنْ بَنِي الْمُصْطَلِقِ مِنْ خُزَاعَةَ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏بينا أنا نائم رأيتني أطوف بالكعبة‏.‏‏.‏‏.‏الحديث‏)‏ تقدم شرحه مستوفى في ذكر عيسى عليه السلام من أحاديث الأنبياء، ويأتي شيء مما يتعلق بالرجال في كتاب الفتن إن شاء الله تعالى‏.‏

*3*باب إِذَا أَعْطَى فَضْلَهُ غَيْرَهُ فِي النَّوْمِ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب إذا أعطى فضله غيره في النوم‏)‏ ذكر فيه حديث ابن عمر الماضي في ‏"‏ باب اللبن ‏"‏ مشروحا وقوله الري أي ما يتروى به وهو اللبن، أو هو إطلاق على سبيل الاستعارة قاله الكرماني، قال‏:‏ وإسناد الخروج إليه قرينة، وقيل الري اسم من أسماء اللبن‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَخْبَرَنِي حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ أُتِيتُ بِقَدَحِ لَبَنٍ فَشَرِبْتُ مِنْهُ حَتَّى إِنِّي لَأَرَى الرِّيَّ يَجْرِي ثُمَّ أَعْطَيْتُ فَضْلَهُ عُمَرَ قَالُوا فَمَا أَوَّلْتَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ الْعِلْمُ

الشرح‏:‏

سبق شرحه في ‏"‏ باب اللبن‏"‏

*3*باب الْأَمْنِ وَذَهَابِ الرَّوْعِ فِي الْمَنَامِ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب الأمن وذهاب الروع في المنام‏)‏ الروع بفتح الراء وسكون الواو بعدها عين مهملة الخوف، وأما الروع بضم الراء فهو النفس‏.‏

قال أهل التعبير‏:‏ من رأى أنه خائف من شيء أمن منه، ومن رأى أنه قد أمن من شيء فإنه يخاف منه‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ حَدَّثَنَا صَخْرُ بْنُ جُوَيْرِيَةَ حَدَّثَنَا نَافِعٌ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ قَالَ إِنَّ رِجَالًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانُوا يَرَوْنَ الرُّؤْيَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَقُصُّونَهَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَقُولُ فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا شَاءَ اللَّهُ وَأَنَا غُلَامٌ حَدِيثُ السِّنِّ وَبَيْتِي الْمَسْجِدُ قَبْلَ أَنْ أَنْكِحَ فَقُلْتُ فِي نَفْسِي لَوْ كَانَ فِيكَ خَيْرٌ لَرَأَيْتَ مِثْلَ مَا يَرَى هَؤُلَاءِ فَلَمَّا اضْطَجَعْتُ ذَاتَ لَيْلَةٍ قُلْتُ اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ فِيَّ خَيْرًا فَأَرِنِي رُؤْيَا فَبَيْنَمَا أَنَا كَذَلِكَ إِذْ جَاءَنِي مَلَكَانِ فِي يَدِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِقْمَعَةٌ مِنْ حَدِيدٍ يُقْبِلَانِ بِي إِلَى جَهَنَّمَ وَأَنَا بَيْنَهُمَا أَدْعُو اللَّهَ اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ جَهَنَّمَ ثُمَّ أُرَانِي لَقِيَنِي مَلَكٌ فِي يَدِهِ مِقْمَعَةٌ مِنْ حَدِيدٍ فَقَالَ لَنْ تُرَاعَ نِعْمَ الرَّجُلُ أَنْتَ لَوْ كُنْتَ تُكْثِرُ الصَّلَاةَ فَانْطَلَقُوا بِي حَتَّى وَقَفُوا بِي عَلَى شَفِيرِ جَهَنَّمَ فَإِذَا هِيَ مَطْوِيَّةٌ كَطَيِّ الْبِئْرِ لَهُ قُرُونٌ كَقَرْنِ الْبِئْرِ بَيْنَ كُلِّ قَرْنَيْنِ مَلَكٌ بِيَدِهِ مِقْمَعَةٌ مِنْ حَدِيدٍ وَأَرَى فِيهَا رِجَالًا مُعَلَّقِينَ بِالسَّلَاسِلِ رُءُوسُهُمْ أَسْفَلَهُمْ عَرَفْتُ فِيهَا رِجَالًا مِنْ قُرَيْشٍ فَانْصَرَفُوا بِي عَنْ ذَاتِ الْيَمِينِ فَقَصَصْتُهَا عَلَى حَفْصَةَ فَقَصَّتْهَا حَفْصَةُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ عَبْدَ اللَّهِ رَجُلٌ صَالِحٌ لَوْ كَانَ يُصَلِّي مِنْ اللَّيْلِ فَقَالَ نَافِعٌ فَلَمْ يَزَلْ بَعْدَ ذَلِكَ يُكْثِرُ الصَّلَاةَ

الشرح‏:‏

حديث ابن عمر في رؤياه من طريق نافع عنه، وقد مضى شرحه قريبا‏.‏

قوله ‏(‏إن رجالا‏)‏ لم أقف على أسمائهم‏.‏

قوله ‏(‏فيقول فيها‏)‏ أي يعبرها‏.‏

قوله ‏(‏حديث السن‏)‏ أي صغيره‏.‏

وفي رواية الكشميهني ‏"‏ حدث السن ‏"‏ بفتح الدال‏.‏

قوله ‏(‏وبيتي المسجد‏)‏ يعني أنه كان يأوي إليه قبل أن يتزوج‏.‏

قوله ‏(‏فاضطجعت ليلة‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ ذات ليلة‏"‏‏.‏

قوله ‏(‏إذ جاءني ملكان‏)‏ لم أقف على تسميتهما‏.‏

قال ابن بطال‏:‏ يؤخذ منه الجزم بالشيء وإن كان أصله الاستدلال، لأن ابن عمر استدل على أنهما ملكان بأنهما وقفاه على جهنم ووعظاه بها، والشيطان لا يعظ ولا يذكر الخير‏.‏

قلت‏:‏ ويحتمل أن يكونا أخبراه بأنهما ملكان، أو اعتمد النبي صلى الله عليه وسلم لما قصته عليه حفصة فاعتمد على ذلك‏.‏

قوله ‏(‏مقمعة‏)‏ بكسر الميم والجمع مقامع وهي كالسياط من حديد رءوسها معوجة، قال الجوهري‏:‏ المقمعة كالمحجن‏.‏

وأغرب الداودي فقال‏:‏ المقمعة والمقرعة واحد‏.‏

قوله ‏(‏لم ترع‏)‏ أي لم تفزع، في رواية الكشميهني ‏"‏ لن تراع ‏"‏ فعلى الأول ليس المراد أنه لم يقع له فزع بل لما كان الذي فزع منه لم يستمر فكأنه لم يفزع، وعلى الثانية فالمراد أنك لا روع عليك بعد ذلك‏.‏

قال ابن بطال إنما قال له ذلك لما رأى منه من الفزع، ووثق بذلك منه لأن الملك لا يقول إلا حقا انتهى‏.‏

ووقع عند ابن أبي شيبة من رواية جرير بن حازم عن نافع فلقيه ملك وهو يرعد فقال لم ترع ووقع عند كثير من الرواة ‏"‏ لن ترع ‏"‏ بحرف لن مع الجزم، ووجهه ابن مالك بأنه سكن العين للوقف ثم شبهه بسكون الجزم فحذف الألف قبله ثم أجرى الوصل مجرى الوقف، ويجوز أن يكون جزمه بلن وهي لغة قليلة حكاها الكسائي، وقد تقدم شيء من ذلك في الكلام على هذا الحديث في كتاب التهجد‏.‏

قوله ‏(‏كطي البئر له قرون‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ لها ‏"‏ وقرون البئر جوانبها التي تبنى من حجارة توضع عليها الخشبة التي تعلق فيها البكرة، والعادة أن لكل بئر قرنين‏.‏

وقوله ‏"‏وأرى فيها رجالا معلقين ‏"‏ في رواية سالم التي بعد هذا ‏"‏ فإذا فيها ناس عرفت بعضهم ‏"‏ قلت‏:‏ ولم أقف في شيء من الطرق على تسمية أحد منهم‏.‏

قال ابن بطال‏:‏ في هذا الحديد أن بعض الرؤيا لا يحتاج إلى تعبير، وعلى أن ما فسر في النوم فهو تفسيره في اليقظة لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يزد في تفسيرها على ما فسرها الملك‏.‏

قلت‏:‏ يشير إلى قوله صلى الله عليه وسلم في آخر الحديث ‏"‏ إن عبد الله رجل صالح ‏"‏ وقول الملك قبل ذلك ‏"‏ نعم الرجل أنت لو كنت تكثر الصلاة ‏"‏ ووقع في الباب الذي بعده أن الملك قاله له ‏"‏ لم ترع إنك رجل صالح ‏"‏ وفي آخره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ‏"‏ إن عبد الله رجل صالح لو كان يكثر الصلاة من الليل ‏"‏ قال وفيه وقوع الوعيد على ترك السنن وجواز وقوع العذاب علي قلت‏:‏ هو مشروط بالمواظبة على الترك رغبة عنها، فالوعيد والتعذيب إنما يقع على المحرم وهو الترك بقي الإعراض، قال‏:‏ وفيه أن أصل التعبير من قبل الأنبياء ولذلك تمنى ابن عمر أنه يرى رؤيا فيعبرها له الشارع ليكون ذلك عنده أصلا‏.‏

قال‏:‏ وقد صرح الأشعري بأن أصل التعبير بالتوقيف من قبل الأنبياء وعلى ألسنتهم‏.‏

قال ابن بطال‏:‏ وهو كما قال، لكن الوارد عن الأنبياء في ذلك وإن كان أصلا فلا يعم جميع المرائي، فلا بد للحاذق في هذا الفن أن يستدل بحسن نظره فيرد ما لم ينص عليه إلى حكم التمثيل ويحكم له بحكم النسبة الصحيحة فيجعل أصلا يلحق به غيره كما يفعل الفقيه في فروع الفقه‏.‏

وفيه جواز المبيت في المسجد، ومشروعية النيابة في قص الرؤيا، وتأدب ابن عمر مع النبي صلى الله عليه وسلم ومهابته له حيث لم يقص رؤياه بنفسه، وكأنه لما هالته لم يؤثر أن يقصها بنفسه فقصها على أخته لإدلاله عليها، وفضل قيام الليل، وغير ذلك مما تقدم ذكره وبسطه في كتاب التهجد والله أعلم‏.‏

*3*باب الْأَخْذِ عَلَى الْيَمِينِ فِي النَّوْمِ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب الأخذ على اليمين في النوم‏)‏ وفي رواية ‏"‏ باليمين ‏"‏ ذكر فيه حديث ابن عمر المذكور قبل من طريق سالم وهو ابن عبد الله بن عمر عنه، وقد تقدم مستوفى في الذي قبله ولله الحمد‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ كُنْتُ غُلَامًا شَابًّا عَزَبًا فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكُنْتُ أَبِيتُ فِي الْمَسْجِدِ وَكَانَ مَنْ رَأَى مَنَامًا قَصَّهُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ لِي عِنْدكَ خَيْرٌ فَأَرِنِي مَنَامًا يُعَبِّرُهُ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنِمْتُ فَرَأَيْتُ مَلَكَيْنِ أَتَيَانِي فَانْطَلَقَا بِي فَلَقِيَهُمَا مَلَكٌ آخَرُ فَقَالَ لِي لَنْ تُرَاعَ إِنَّكَ رَجُلٌ صَالِحٌ فَانْطَلَقَا بِي إِلَى النَّارِ فَإِذَا هِيَ مَطْوِيَّةٌ كَطَيِّ الْبِئْرِ وَإِذَا فِيهَا نَاسٌ قَدْ عَرَفْتُ بَعْضَهُمْ فَأَخَذَا بِي ذَاتَ الْيَمِينِ فَلَمَّا أَصْبَحْتُ ذَكَرْتُ ذَلِكَ لِحَفْصَةَ فَزَعَمَتْ حَفْصَةُ أَنَّهَا قَصَّتْهَا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ إِنَّ عَبْدَ اللَّهِ رَجُلٌ صَالِحٌ لَوْ كَانَ يُكْثِرُ الصَّلَاةَ مِنْ اللَّيْلِ قَالَ الزُّهْرِيُّ وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بَعْدَ ذَلِكَ يُكْثِرُ الصَّلَاةَ مِنْ اللَّيْلِ

الشرح‏:‏

حديث ابن عمر المذكور قبل من طريق سالم وهو ابن عبد الله بن عمر عنه، وقد تقدم مستوفى في الذي قبله ولله الحمد، ويؤخذ منه أن من أخذ في منامه إذا سار على يمينه يعبر له بأنه أهل اليمين‏.‏

والعزب بفتح المهملة والزاي ثم موحدة من لا زوجة له ويقال له الأعزب بقلة في الاستعمال، وقوله ‏"‏أخذاني ‏"‏ بالنون وفي رواية بالموحدة‏.‏

*3*باب الْقَدَحِ فِي النَّوْمِ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب القدح في النوم‏)‏ قال أهل التعبير‏:‏ القدح في النوم امرأة أو مال من جهة امرأة، وقدح الزجاج يدل على ظهور الأشياء الخفية، وقدح الذهب والفضة ثناء حسن‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ أُتِيتُ بِقَدَحِ لَبَنٍ فَشَرِبْتُ مِنْهُ ثُمَّ أَعْطَيْتُ فَضْلِي عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالُوا فَمَا أَوَّلْتَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ الْعِلْمَ

الشرح‏:‏

مضى شرحه في ‏"‏ باب اللبن‏"‏‏.‏

*3*باب إِذَا طَارَ الشَّيْءُ فِي الْمَنَامِ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب إذا طار الشيء في المنام‏)‏ أي الذي من شأنه أن يطير، قال أهل التعبير من رأى أنه يطير فإن كان إلى جهة السماء بغير تعريج ما له ضرر، فإن غاب في السماء ولم يرجع مات، وإن رجع أفاق من مرضه، وإن كان يطير عرضا سافر ونال رفعة بقدر طيرانه، فإن كان بجناح فهو مال أو سلطان يسافر في كنفه، وإن كان بغير جناح دل على التغرير فيما يدخل فيه‏.‏

وقالوا إن الطيران للشرار دليل رديء‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ مُحَمَّدٍ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْجَرْمِيُّ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ صَالِحٍ عَنْ ابْنِ عُبَيْدَةَ بْنِ نَشِيطٍ قَالَ قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ سَأَلْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ رُؤْيَا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّتِي ذَكَرَ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ ذُكِرَ لِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُ أَنَّهُ وُضِعَ فِي يَدَيَّ سِوَارَانِ مِنْ ذَهَبٍ فَفُظِعْتُهُمَا وَكَرِهْتُهُمَا فَأُذِنَ لِي فَنَفَخْتُهُمَا فَطَارَا فَأَوَّلْتُهُمَا كَذَّابَيْنِ يَخْرُجَانِ فَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ أَحَدُهُمَا الْعَنْسِيُّ الَّذِي قَتَلَهُ فَيْرُوزٌ بِالْيَمَنِ وَالْآخَرُ مُسَيْلِمَةُ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏عن ابن عبيدة‏)‏ بالتصغير ابن نشيط بنون ومعجمة ثم مهملة وزن عظيم ووقع في رواية الكشميهني ‏"‏ عن أبي عبيدة ‏"‏ جعلها كنية والصواب ‏"‏ ابن ‏"‏ فقد تقدم هذا الحديث بهذا السند في أواخر المغازي في قصة العنسي وقال فيه ‏"‏ عن ابن عبيدة ‏"‏ بغير اختلاف، وزاد في موضع آخر ‏"‏ اسمه عبد الله ‏"‏ قلت‏:‏ وهو الربذي بفتح الراء والموحدة بعدها معجمة أخو موسى بن عبيدة الربذي المحدث المشهور بالضعف، وليس لعبد الله هذا في البخاري سوى هذا الحديث، وقد اختلف على يعقوب بن إبراهيم بن سعد في سنده فأخرجه النسائي عن أبي داود الحراني عنه عن أبيه عن صالح قال ‏"‏ قال عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ‏"‏ أسقط عبد الله بن عبيدة من السند هكذا أخرجه الإسماعيلي من وجه آخر عن أبي داود الحراني، ومن رواية عبيد الله ابن سعد بن إبراهيم عن عمه يعقوب، قال الإسماعيلي‏:‏ هذان ثقتان روياه هكذا‏.‏

قلت‏:‏ لكن سعيد ثقة، وقد تابعه عباس بن محمد الدوري عن يعقوب بن إبراهيم أخرجه أبو نعيم في المستخرج من طريقه، وقد تقدم شرح الحديث في المغازي ويأتي شيء منه بعد أبواب‏.‏

وإن قول ابن عباس في هذه الرواية ‏"‏ ذكر لي ‏"‏ على البناء للمجهول يبين من رواية نافع بن جبير عن ابن عباس المذكورة هناك أن المبهم المذكور أبو هريرة، قال المهلب‏:‏ هذه الرؤيا ليست على وجهها، وإنما هي من ضرب المثل، وإنما أول النبي صلى الله عليه وسلم السوارين بالكذابين لأن الكذب وضع الشيء في غير موضعه، فلما رأى في ذراعيه سوارين من ذهب وليسا من لبسه لأنهما من حلية النساء عرف أنه سيظهر من يدعي ما ليس له، وأيضا ففي كونهما من ذهب والذهب منهي عن لبسه دليل على الكذب، وأيضا فالذهب مشتق من الذهاب فعلم أنه شيء يذهب عنه، وتأكد ذلك بالإذن له في نفخهما فطارا فعرف أنه لا يثبت لهما أمر وأن كلامه بالوحي الذي جاء به يزيلهما عن موضعهما والنفخ يدل على الكلام‏.‏

انتهى ملخصا‏.‏

وقوله في آخر الحديث فقال عبيد الله هو ابن عبد الله بن عتبة راوي الحديث، وهو موصول بالسند المذكور إليه، وهذا التفسير يوهم أنه من قبله، وسيأتي قريبا من وجه آخر عن أبي هريرة أنه من كلام النبي صلى الله عليه وسلم فيحتمل أن يكون عبيد الله لم يسمع ذلك من ابن عباس، وقد ذكرت خبر الأسود العنسي هناك، وذكرت خبر مسيلمة وقتله في غزوة أحد، وشيئا من خبره في أواخر المغازي أيضا‏.‏

قال الكرماني‏:‏ كان يقال للأسود العنسي ذو الحمار لأنه علم حمارا إذا قال له اسجد يخفض رأسه‏.‏

قلت‏:‏ فعلى هذا هو بالحاء المهملة، والمعروف أنه بالخاء المعجمة بلفظ الثوب الذي يختمر به، قال ابن العربي‏:‏ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوقع بطلان أمر مسيلمة والعنسي فأول الرؤيا عليهما ليكون ذلك إخراجا للمنام عليهما ودفعا لحالهما، فإن الرؤيا إذا عبرت خرجت، ويحتمل أن يكون بوحي، والأول أقوى، كذا قال‏.‏

*3*باب إِذَا رَأَى بَقَرًا تُنْحَرُ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب إذا رأى بقرا تنحر‏)‏ كذا ترجم بقيد النحر، ولم يقع ذلك في الحديث الذي ذكره عن أبي موسى، وكأنه أشار بذلك إلى ما ورد في بعض طرق الحديث كما سأبينه‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ بُرَيْدٍ عَنْ جَدِّهِ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى أُرَاهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ رَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ أَنِّي أُهَاجِرُ مِنْ مَكَّةَ إِلَى أَرْضٍ بِهَا نَخْلٌ فَذَهَبَ وَهَلِي إِلَى أَنَّهَا الْيَمَامَةُ أَوْ هَجَرٌ فَإِذَا هِيَ الْمَدِينَةُ يَثْرِبُ وَرَأَيْتُ فِيهَا بَقَرًا وَاللَّهِ خَيْرٌ فَإِذَا هُمْ الْمُؤْمِنُونَ يَوْمَ أُحُدٍ وَإِذَا الْخَيْرُ مَا جَاءَ اللَّهُ مِنْ الْخَيْرِ وَثَوَابِ الصِّدْقِ الَّذِي آتَانَا اللَّهُ بِهِ بَعْدَ يَوْمِ بَدْرٍ

الشرح‏:‏

حديث أبي موسى المذكور في الباب أورده بهذا السند بتمامه في علامات النبوة، وفرق منه في المغازي بهذا السند أيضا، وعلق فيها منه قطعة في الهجرة فقال ‏"‏ وقال أبو موسى ‏"‏ وذكر بعضه هنا وبعضه بعد أربعة أبواب ولم يذكر بعضه، وقد تقدم في غزوة أحد شرح ما أورده منه فيها‏.‏

قوله ‏(‏أراه‏)‏ بضم أوله أي أظنه وقد بينت هناك أن القائل ‏"‏ أراه ‏"‏ هو البخاري وأن مسلما وغيره رووه عن أبي كريب محمد بن العلاء شيخ البخاري فيه بالسند المذكور بدون هذه اللفظة بل جزموا برفعه‏.‏

قوله ‏(‏فذهب وهلي‏)‏ قال ابن التين‏:‏ رويناه ‏"‏ وهلي ‏"‏ بفتح الهاء والذي ذكره أهل اللغة بسكونها تقول وهلت بالفتح أهل وهلا إذا ذهب وهمك إليه وأنت تريد غيره مثل وهمت، ووهل يوهل وهلا بالتحريك إذا فزع، قال ولعله وقع في الرواية على مثل ما قالوه في البحر بحر بالتحريك وكذا النهر والنهر والشعر والشعر انتهى‏.‏

وبهذا جزم أهل اللغة ابن فارس والفارابي والجوهري والقالي وابن القطاع، إلا أنهم لم يقولوا ‏"‏ وأنت تريد غيره ‏"‏ وقد وقع في حديث المائة سنة ‏"‏ فوهل الناس في مقالة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهلا ‏"‏ بالتحريك‏.‏

وقال النووي‏:‏ معناه غلطوا، يقال وهل بفتح الهاء يهل بكسرها وهلا بسكونها مثل ضرب يضرب ضربا أي غلط وذهب وهمه إلى خلاف الصواب، وأما وهلت بكسرها أوهل بالفتح وهلا بالتحريك أيضا كحذرت أحذر حذرا فمعناه فزعت، والوهل بالفتح الفزع وضبطه النووي بالتحريك وقال الوهل بالتحريك معناه الوهم والاعتقاد وأما صاحب النهاية فجزم أنه بالسكون‏.‏

قوله ‏(‏أو الهجر‏)‏ كذا لأبي ذر هنا بالألف واللام ووافقه الأصيلي، ووقع في رواية كريمة ‏"‏ أو هجر ‏"‏ بغير ألف ولام، وهي بلد قدمت بيانها في باب الهجرة إلى المدينة‏.‏

قوله ‏(‏ورأيت فيها بقرا والله خير‏)‏ تقدم ما فيه ووقع في حديث جابر عند أحمد والنسائي والدارمي من رواية حماد بن سلمة عن أبي الزبير عن جابر وفي رواية لأحمد ‏"‏ حدثنا جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ رأيت كأني في درع حصينة، ورأيت بقرا تنحر، فأولت الدرع الحصينة المدينة وأن البقر بقر والله خير ‏"‏ وهذه اللفظة الأخيرة وهي بقر بفتح الموحدة وسكون القاف مصدر بقره يبقره بقرا، ومنهم من ضبطها بفتح النون والفاء ولهذا الحديث سبب جاء بيانه في حديث ابن عباس عند أحمد أيضا والنسائي والطبراني وصححه الحاكم من طريق أبي الزناد عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس في قصة أحد وإشارة النبي صلى الله عليه وسلم عليهم أن لا يبرحوا من المدينة، وإيثارهم الخروج لطلب الشهادة‏.‏

ولبسه اللامة وندامتهم على ذلك وقوله صلى الله عليه وسلم ‏"‏لا ينبغي لنبي إذا لبس لأمته أن يضعها حتى يقاتل ‏"‏ وفيه ‏"‏ إني رأيت أني في درع حصينة ‏"‏ الحديث بنحو حديث جابر وأتم منه، وقد تقدمت الإشارة إليه وإلى ما له من شاهد في غزوة أحد، وتقدم هناك قول السهيلي إن البقر تعبر برجال متسلحين يتناطحون في القتال والبحث معه فيه وهو إنما تكلم على رواية ابن إسحاق ‏"‏ إني رأيت والله خيرا رأيت بقرا ‏"‏ ولكن تقييده في الحديث الذي ذكرته البقر بكونها تنحر هو على ما فسره في الحديث بأنهما من أصيب من المسلمين‏.‏

وإن كانت الرواية بسكون القاف أو بالنون والفاء وليس من رؤية البقر المتناطحة في شيء، وقد ذكر أهل التعبير للبقر في النوم وجوها أخرى‏:‏ منها أن البقرة الواحدة تفسر بالزوجة والمرأة والخادم والأرض، والثور يفسر بالثائر لكونه يثير الأرض فيتحرك عاليها وسافلها فكذلك من يثور في ناحية لطلب ملك أو غيره، ومنها أن البقر إذا وصلت إلى بلد فإن كانت بحرية فسرت بالسفن وإلا فبعسكر أو بأهل بادية أو يبس يقع في تلك البلد‏.‏

قوله ‏(‏وإذا الخير ما جاء الله به من الخير وثواب الصدق الذي آتانا الله بعد يوم بدر‏)‏ المراد بما بعد بدر فتح خيبر ثم مكة، ووقع في رواية ‏"‏ بعد ‏"‏ بالضم أي بعد أحد ونصب ‏"‏ يوم ‏"‏ أي ما جاء الله به بعد بدر الثانية من تثبيت قلوب المؤمنين‏.‏

قال الكرماني‏:‏ ويحتمل أن يراد بالخير الغنيمة، وبعد أي بعد الخير، والثواب والخير حصلا في يوم بدر‏.‏

قلت‏:‏ وفي هذا السياق إشعار بأن قوله في الخبر ‏"‏ والله خير ‏"‏ من جملة الرؤيا، والذي يظهر لي أن لفظه لم يتحرر إيراده وأن رواية ابن إسحاق هي المحررة، وأنه رأى بقرا ورأى خيرا فأول البقر على من قتل من الصحابة يوم أحد، وأول الخير على ما حصل لهم من ثواب الصدق في القتال والصبر على الجهاد يوم بدر وما بعده إلى فتح مكة، والمراد بالبعدية على هذا لا يختص بما بين بدر وأحد نبه عليه ابن بطال، ويحتمل أن يريد ببدر بدر الموعد لا الوقعة المشهورة السابقة على أحد، فإن بدر الموعد كانت بعد أحد ولم يقع فيها قتال وكان المشركون لما رجعوا من أحد قالوا‏:‏ موعدكم العام المقبل بدر، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم ومن انتدب معه إلى بدر فلم يحضر المشركون فسميت بدر الموعد، فأشار بالصدق إلى أنهم صدقوا الوعد ولم يخلفوه فأثابهم الله تعالى على ذلك بما فتح عليهم بعد ذلك من قريظة وخيبر وما بعدها والله أعلم‏.‏

*3*باب النَّفْخِ فِي الْمَنَامِ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب النفخ في المنام‏)‏ قال أهل التعبير‏:‏ النفخ يعبر بالكلام وقال ابن بطال‏:‏ يعبر بإزالة الشيء المنفوخ بغير تكلف شديد لسهولة النفخ على النافخ، ويدل على الكلام، وقد أهلك الله الكذابين المذكورين بكلامه صلى الله عليه وسلم وأمره بقتلهما‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ قَالَ هَذَا مَا حَدَّثَنَا بِهِ أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ نَحْنُ الْآخِرُونَ السَّابِقُونَ وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ إِذْ أُوتِيتُ خَزَائِنَ الْأَرْضِ فَوُضِعَ فِي يَدَيَّ سِوَارَانِ مِنْ ذَهَبٍ فَكَبُرَا عَلَيَّ وَأَهَمَّانِي فَأُوحِيَ إِلَيَّ أَنْ انْفُخْهُمَا فَنَفَخْتُهُمَا فَطَارَا فَأَوَّلْتُهُمَا الْكَذَّابَيْنِ اللَّذَيْنِ أَنَا بَيْنَهُمَا صَاحِبَ صَنْعَاءَ وَصَاحِبَ الْيَمَامَةِ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏حدثني‏)‏ في رواية أبي ذر ‏"‏ حدثنا‏"‏‏.‏

قوله ‏(‏إسحاق بن إبراهيم الحنظلي‏)‏ هو المعروف بابن راهويه‏.‏

قوله ‏(‏هذا ما حدثنا به أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ نحن الآخرون السابقون‏.‏

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بينا أنا نائم‏)‏ قد تقدم التنبيه على هذا الصنيع في أوائل كتاب الأيمان والنذور، وأن نسخة همام عن أبي هريرة كانت عند إسحاق بهذا السند وأول حديث فيها حديث ‏(‏نحن الآخرون السابقون‏)‏ الحديث في الجمعة وبقية أحاديث النسخة معطوفة عليه بلفظ ‏"‏ وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏ فكان إسحاق إذا أراد التحديث بشيء منها بدأ بطرف من الحديث الأول وعطف عليه ما يريد، ولم يطرد هذا الصنيع للبخاري في هذه النسخة، وأما مسلم فأطرد صنيعه في ذلك كما نبهت عليه هناك وبالله التوفيق‏.‏

وقد تقدم هذا الحديث في ‏"‏ باب وفد بني حنيفة ‏"‏ في أواخر المغازي عن إسحاق بن نصر عن عبد الرزاق بهذا الإسناد، لكن قال في روايته عن همام ‏"‏ أنه سمع أبا هريرة ‏"‏ ولم يبدأ فيه إسحاق بن نصر بقوله ‏"‏ نحن الآخرون السابقون ‏"‏ وذلك مما يؤيد ما قررته، ويعكر على من زعم أن هذه الجملة أول حديث الباب وتكلف قوله ‏(‏إذ أتيت خزائن الأرض‏)‏ كذا وجدته في نسخة معتمدة من طريق أبي ذر من الإتيان بمعنى المجيء وبحذف الباء من خزائن وهي مقدرة، وعند غيره ‏"‏ أوتيت ‏"‏ بزيادة واو من الإيتاء بمعنى الإعطاء، ولا إشكال في حذف الباء على هذه الرواية، ولبعضهم كالأول لكن بإثبات الباء وهي رواية أحمد وإسحاق بن نصر عن عبد الرزاق‏.‏

قال الخطابي‏:‏ المراد بخزائن الأرض ما فتح على الأمة من الغنائم من ذخائر كسرى وقيصر وغيرهما، ويحتمل معادن الأرض التي فيها الذهب والفضة، قال غيره‏:‏ بل يحمل على أعم من ذلك‏.‏

قوله ‏(‏فوضع‏)‏ بفتح أوله وثانيه‏.‏

وفي رواية إسحاق بن نصر بضم أوله وكسر ثانيه‏.‏

قوله ‏(‏في يدي‏)‏ في رواية إسحاق بن نصر ‏"‏ في كفي‏"‏‏.‏

قوله ‏(‏سوارين‏)‏ في رواية إسحاق بن نصر ‏"‏ سواران ‏"‏ ولا إشكال فيها وشرح ابن التين هنا على لفظ ‏"‏ وضع ‏"‏ بالضم ‏"‏ وسوارين ‏"‏ بالنصب وتكلف لتخريج ذلك، وقد أخرجه ابن أبي شيبة وابن ماجه من رواية أبي سلمة عن أبي هريرة بلفظ ‏"‏ رأيت في يدي سوارين من ذهب ‏"‏ وأخرجه سعيد بن منصور من رواية سعيد المقبري عن أبي هريرة مثله وزاد ‏"‏ في المنام ‏"‏ والسوار بكسر المهملة ويجوز ضمها وفيه لغة ثالثة أسوار بضم الهمزة أوله‏.‏

قوله ‏(‏فكبر علي‏)‏ في رواية إسحاق بن نصر ‏"‏ فكبرا ‏"‏ بالتثنية والباء الموحدة مضمومة بمعنى العظم، قال القرطبي‏:‏ وإنما عظم عليه ذلك لكون الذهب من حلية النساء ومما حرم على الرجال‏.‏

قوله ‏(‏فأوحي إلي‏)‏ كذا للأكثر على البناء للمجهول‏.‏

وفي رواية الكشميهني في حديث إسحاق بن نصر ‏"‏ فأوحى الله إلي ‏"‏ وهذا الوحي يحتمل أن يكون من وحي الإلهام أو على لسان الملك قاله القرطبي‏.‏

قوله ‏(‏فنفختهما‏)‏ زاد إسحاق بن نصر ‏"‏ فذهبا ‏"‏ وفي رواية ابن عباس الماضية قريبا ‏"‏ فطارا ‏"‏ وكذا في رواية المقبري وزاد ‏"‏ فوقع واحد باليمامة والآخر باليمن ‏"‏ وفي ذلك إشارة إلى حقارة أمرهما لأن شأن الذي ينفخ فيذهب بالنفخ أن يكون في غاية الحقارة، ورده ابن العربي بأن أمرهما كان في غاية الشدة ولم ينزل بالمسلمين قبله مثله‏.‏

قلت‏:‏ وهو كذلك، لكن الإشارة إنما هي للحقارة المعنوية لا الحسية، وفي طيرانهما إشارة إلى اضمحلال أمرهما كما تقدم‏.‏

قوله ‏(‏فأولتهما الكذابين‏)‏ قال القاضي عياض‏:‏ لما كان رؤيا السوارين في اليدين جميعا من الجهتين وكان النبي صلى الله عليه وسلم حينئذ بينهما فتأول السوارين عليهما لوضعهما في غير موضعهما لأنه ليس من حلية الرجال وكذلك الكذاب يضع الخبر في غير موضعه، وفي كونهما من ذهب إشعار بذهاب أمرهما‏.‏

وقال ابن العربي‏:‏ السوار من حلي الملوك الكفار كما قال الله تعالى ‏(‏فلولا ألقي عليه أسورة من ذهب‏)‏ واليد لها معان منها القوة والسلطان والقهر، قال‏:‏ ويحتمل أن يكون ضرب المثل بالسوار كناية عن الأسوار وهو من أسامي ملوك الفرس، قال‏:‏ وكثيرا ما يضرب المثل بحذف بعض الحروف‏.‏

قلت‏:‏ وقد ثبت بزيادة الألف في بعض طرقه كما بينته‏.‏

وقال القرطبي في ‏"‏ المفهم ‏"‏ ما ملخصه‏:‏ مناسبة هذا التأويل لهذه الرؤيا أن أهل صنعاء وأهل اليمامة كانوا أسلموا فكانوا كالساعدين للإسلام فلما ظهر فيهما الكذابان وبهرجا على أهلهما بزخرف أقوالهما ودعواهما الباطلة انخدع أكثرهم بذلك فكان اليدان بمنزلة البلدين والسواران بمنزلة الكذابين، وكونهما من ذهب إشارة إلى ما زخرفاه والزخرف من أسماء الذهب‏.‏

قوله ‏(‏الذين أنا بينهما‏)‏ ظاهر في أنهما كانا حين قص الرؤيا موجودين، وهو كذلك، لكن وقع في رواية ابن عباس ‏"‏ يخرجان بعدي ‏"‏ والجمع بينهما أن المراد بخروجهما بعده ظهور شوكتهما ومحاربتهما ودعواهما النبوة نقله النووي عن العلماء وفيه نظر لأن ذلك كله ظهر للأسود بصنعاء في حياته صلى الله عليه وسلم فادعى النبوة وعظمت شوكته وحارب المسلمين وفتك فيهم وغلب على البلد وآل أمره إلى أن قتل في حياة النبي صلى الله عليه وسلم كما قدمت ذلك واضحا في أواخر المغازي، وأما مسيلمة فكان ادعى النبوة في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، لكن لم تعظم شوكته ولم تقع محاربته إلا في عهد أبي بكر، فإما أن يحمل ذلك على التغليب وإما أن يكون المراد بقوله ‏"‏ بعدي ‏"‏ أي بعد نبوتي‏.‏

قال ابن العربي يحتمل أن يكون ما تأوله النبي صلى الله عليه وسلم في السوارين بوحي، ويحتمل أن يكون تفاءل بذلك عليهما دفعا لحالهما فأخرج المنام المذكور عليهما، لأن الرؤيا إذا عبرت وقعت والله أعلم‏.‏

‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ أخرج ابن أبي شيبة من مرسل الحسن رفعه ‏"‏ رأيت كأن في يدي سوارين من ذهب فكرهتهما فذهبا كسرى وقيصر ‏"‏ وهذا إن كان الحسن أخذه عن ثبت فظاهره يعارض التفسير بمسيلمة والأسود، فيحتمل أن يكون تعددا والتفسير من قبله بحسب ما ظنه أدرج في الخبر فالمعتمد ما ثبت مرفوعا أنهما مسيلمة والأسود‏.‏

*3*باب إِذَا رَأَى أَنَّهُ أَخْرَجَ الشَّيْءَ مِنْ كُورَةٍ فَأَسْكَنَهُ مَوْضِعًا آخَرَ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب إذا رأى أنه أخرج الشيء من كوة وأسكنه موضعا آخر‏)‏ واختلف في ضبط ‏"‏ كوة ‏"‏ فوقع في رواية لأبي ذر بضم الكاف وتشديد الواو المفتوحة ووقع للباقين بتخفيف الواو وسكونها بعدها راء، وهو المعتمد‏.‏

والكورة الناحية، قال الخليل في ‏"‏ العين ‏"‏ الكور الرحل بالحاء المهملة الساكنة، كذا اقتصر عليه ابن بطال ‏"‏ وقال غيره‏:‏ الرحل بأداته، فإن فتح أوله فهو الرحل بغير أداة، والكور بالضم أيضا موضع الزنابير ‏"‏ وكور الحداد ما يبنى من طين، وأما الزق فهو الكير، والكورة المدينة والناحية قال ابن دريد ولا أحسبها عربية محضة‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنِي أَخِي عَبْدُ الْحَمِيدِ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ رَأَيْتُ كَأَنَّ امْرَأَةً سَوْدَاءَ ثَائِرَةَ الرَّأْسِ خَرَجَتْ مِنْ الْمَدِينَةِ حَتَّى قَامَتْ بِمَهْيَعَةَ وَهِيَ الْجُحْفَةُ فَأَوَّلْتُ أَنَّ وَبَاءَ الْمَدِينَةِ نُقِلَ إِلَيْهَا

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏حدثني أخي عبد الحميد‏)‏ هو ابن أبي أويس واسم أبي أويس عبد الله قوله ‏(‏عن سليمان بن بلال‏)‏ في رواية إبراهيم بن المنذر عن أبي بكر بن أبي أويس وهو عبد الحميد المذكور حدثنا سليمان وهو ابن بلال المذكور وهو مذكور بعد باب‏.‏

قوله ‏(‏عن سالم بن عبد الله عن أبيه‏)‏ في رواية فضيل بن سليمان في الباب بعده ‏"‏ حدثني سالم بن عبد الله عن عبد الله بن عمر‏"‏‏.‏

قوله ‏(‏أن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ رأيت‏)‏ في رواية فضيل في رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏ في المدينة ‏"‏ وفي رواية الإسماعيلي من طريق ابن جريج ويعقوب بن عبد الرحمن كلاهما عن موسى بن عقبة مثله قال ‏"‏ في وباء المدينة‏"‏‏.‏

قوله ‏(‏رأيت‏)‏ في رواية عبد العزيز بن المختار عن موسى بن عقبة ‏"‏ لقد رأيت‏"‏‏.‏

قوله ‏(‏كأن امرأة سوداء ثائرة الرأس‏)‏ في رواية ابن أبي الزناد عن موسى بن عقبة عند أحمد وأبي نعيم ‏"‏ ثائرة الشعر ‏"‏ والمراد شعر الرأس وزاد ‏"‏ تفلة ‏"‏ بفتح المثناة وكسر الفاء بعدها لام أي كريهة الرائحة‏.‏

قوله ‏(‏خرجت‏)‏ كذا في أكثر الروايات، ووقع في رواية ابن أبي الزناد ‏"‏ أخرجت ‏"‏ بزيادة همزة مضمومة أوله على البناء للمجهول ولفظه ‏"‏ أخرجت من المدينة فأسكنت بالجحفة ‏"‏ وهو الموافق للترجمة، وظاهر الترجمة أن فاعل الإخراج النبي صلى الله عليه وسلم، وكأنه نسبه إليه لأنه دعا به، فقد تقدم في آخر فضل المدينة في آخر كتاب الحج من حديث عائشة أنه صلى الله عليه وسلم قال ‏"‏ اللهم حبب إلينا المدينة ‏"‏ الحديث، وفيه ‏"‏ وانقل حماها إلى الجحفة ‏"‏ قالت عائشة ‏"‏ وقدمنا المدينة وهي أوبأ أرض الله‏"‏‏.‏

قوله ‏(‏حتى قامت بمهيعة وهي الجحفة‏)‏ أما مهيعة فبفتح الميم وسكون الهاء بعدها ياء آخر الحروف مفتوحة ثم عين مهملة وقيل بوزن عظيمة، وأظن قوله وهي الجحفة مدرجا من قول موسى بن عقبة فإن أكثر الروايات خلا عن هذه الزيادة وثبتت في رواية سليمان وابن جريج، ووقع في رواية ابن جريج عن موسى عند ابن ماجه ‏"‏ حتى قامت بالمهيعة ‏"‏ قال ابن التين‏:‏ ظاهر كلام الجوهري أن مهيعة تصرف لأنه أدخل عليها الألف واللام، ثم قال‏:‏ إلا أن يكون أدخلهما للتعظيم وفيه بعد‏.‏

قوله ‏(‏فأولت أنه وباء المدينة نقل إليها‏)‏ في رواية ابن جريج ‏"‏ فأولتها وباء المدينة ينقل إلى الجحفة ‏"‏ قال المهلب‏:‏ هذه الرؤيا من قسم الرؤيا المعبرة وهي مما ضرب به المثل، ووجه التمثيل أنه شق من اسم السوداء السوء والداء فتأول خروجها بما جمع اسمها، وتأول من ثوران شعر رأسها أن الذي يسوء ويثير الشر يخرج من المدينة، وقيل لأن ثوران الشعر من اقشعرار الجسد ومعنى الاقشعرار الاستيحاش فلذلك يخرج ما تستوحش النفوس منه كالحمى‏.‏

قلت‏:‏ وكأن مراده بالاستيحاش أن رؤيته موحشة، وإلا فالاقشعرار في اللغة تجمع الشعر وتقبضه، وكل شيء تغير عن هيئته يقال اقشعر كاقشعرت الأرض بالجدب والنبات من العطش، وقد قال القيراوني المعبر‏:‏ كل شيء غلبت عليه السوداء في أكثر وجوهها فهو مكروه‏.‏

وقال غيره‏:‏ ثوران الرأس يؤول بالحمى لأنها تثير البدن بالاقشعرار وارتفاع الرأس لا سيما من السوداء فإنها أكثر استيحاشا‏.‏

*3*باب الْمَرْأَةِ السَّوْدَاءِ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب المرأة السوداء‏)‏ أي في المنام، ذكر فيه الحديث الذي قبله من الوجه الذي نبهت عليه‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْمُقَدَّمِيُّ حَدَّثَنَا فُضَيْلُ بْنُ سُلَيْمَانَ حَدَّثَنَا مُوسَى حَدَّثَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي رُؤْيَا النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَدِينَةِ رَأَيْتُ امْرَأَةً سَوْدَاءَ ثَائِرَةَ الرَّأْسِ خَرَجَتْ مِنْ الْمَدِينَةِ حَتَّى نَزَلَتْ بِمَهْيَعَةَ فَتَأَوَّلْتُهَا أَنَّ وَبَاءَ الْمَدِينَةِ نُقِلَ إِلَى مَهْيَعَةَ وَهِيَ الْجُحْفَةُ

الشرح‏:‏

قوله فيه ‏"‏ فتأولتها ‏"‏ وقع في رواية الكشميهني ‏"‏ فأولتها‏"‏‏.‏

قوله ‏(‏رأيت‏)‏ حذف منه قال خطأ والتقدير قال رأيت وثبت في رواية الإسماعيلي عن الحسن بن سفيان عن المقدمي شيخ البخاري فيه ولفظه عن رؤيا رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة ‏"‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم رأيت إلخ‏"‏‏.‏

*3*باب الْمَرْأَةِ الثَّائِرَةِ الرَّأْسِ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب المرأة الثائرة الرأس‏)‏ أي في المنام، ذكر فيه الحديث المشار إليه وقد قدمت ما فيه‏.‏

*3*باب إِذَا هَزَّ سَيْفًا فِي الْمَنَامِ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب إذا هز سيفا في المنام‏)‏ ذكر فيه حديث أبي موسى أراه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ‏"‏ رأيت في رؤياي أني هززت سيفا فانقطع صدره ‏"‏ الحديث بهذه القصة، وهو طرف من حديثه الذي أورده في علامات النبوة بكماله‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ بُرَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ جَدِّهِ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى أُرَاهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ رَأَيْتُ فِي رُؤْيَايَ أَنِّي هَزَزْتُ سَيْفًا فَانْقَطَعَ صَدْرُهُ فَإِذَا هُوَ مَا أُصِيبَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ أُحُدٍ ثُمَّ هَزَزْتُهُ أُخْرَى فَعَادَ أَحْسَنَ مَا كَانَ فَإِذَا هُوَ مَا جَاءَ اللَّهُ بِهِ مِنْ الْفَتْحِ وَاجْتِمَاعِ الْمُؤْمِنِينَ

الشرح‏:‏

حديث أبي موسى أراه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ‏"‏ رأيت في رؤياي أني هززت سيفا فانقطع صدره ‏"‏ الحديث بهذه القصة، وهو طرف من حديثه الذي أورده في علامات النبوة بكماله‏.‏

وقد ذكر القدر المذكور منه هنا في غزوة أحد وذكرت بعض شرحه هناك، وقوله فيه ‏"‏ ثم هززته أخرى فعاد أحسن ما كان فإذا هو ما جاء الله به من الفتح واجتماع المؤمنين ‏"‏ قال المهلب‏:‏ هذه الرؤيا من ضرب المثل، ولما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصول بالصحابة عبر عن السيف بهم وبهزه عن أمره لهم بالحرب وعن القطع فيه بالقتل فيهم وفي الهزة الأخرى لما عاد إلى حالته من الاستواء عبر به عن اجتماعهم والفتح عليهم، ولأهل التعبير في السيف تصرف على أوجه منها أن من نال سيفا فإنه ينال سلطانا إما ولاية وإما وديعة وإما زوجة وإما ولدا فإن سله من غمده فانثلم سلمت زوجته وأصيب ولده، فإن انكسر الغمد وسلم السيف فبالعكس، وإن سلما أو عطبا فكذلك، وقائم السيف يتعلق بالأب والعصبات ونصله بالأم وذوي الرحم، وإن جرد السيف وأراد قتل شخص فهو لسانه يجرده في خصومه، وربما عبر السيف بسلطان جائر انتهى ملخصا‏.‏

وقال بعضهم‏:‏ من رأى أنه أغمد السيف فإنه يتزوج، أو ضرب شخصا بسيف فإنه يبسط لسانه فيه، ومن رأى أنه يقاتل آخر وسيفه أطول من سيفه فإنه يغلبه، ومن رأى سيفا عظيما فهي فتنة، ومن قلد سيفا قلد أمرا، فإن كان قصيرا لم يدم أمره‏.‏

وإن رأى أنه يجر حمائله فإنه يعجز عنه‏.‏

*3*باب مَنْ كَذَبَ فِي حُلُمِهِ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب من كذب في حلمه‏)‏ أي فهو مذموم، أو التقدير باب إثم من كذب في حلمه والحلم بضم المهملة وسكون اللام ما يراه النائم، وأشار بقوله ‏"‏ كذب في حلمه ‏"‏ مع أن لفظ الحديث ‏"‏ تحلم ‏"‏ إلى ما ورد في بعض طرقه وهو ما أخرجه الترمذي من حديث على رفعه ‏"‏ من كذب في حلمه كلف يوم القيامة عقد شعيرة ‏"‏ وسنده حسن وقد صححه الحاكم، ولكنه من رواية عبد الأعلى بن عامر ضعفه أبو زرعة‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ تَحَلَّمَ بِحُلْمٍ لَمْ يَرَهُ كُلِّفَ أَنْ يَعْقِدَ بَيْنَ شَعِيرَتَيْنِ وَلَنْ يَفْعَلَ وَمَنْ اسْتَمَعَ إِلَى حَدِيثِ قَوْمٍ وَهُمْ لَهُ كَارِهُونَ أَوْ يَفِرُّونَ مِنْهُ صُبَّ فِي أُذُنِهِ الْآنُكُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمَنْ صَوَّرَ صُورَةً عُذِّبَ وَكُلِّفَ أَنْ يَنْفُخَ فِيهَا وَلَيْسَ بِنَافِخٍ قَالَ سُفْيَانُ وَصَلَهُ لَنا أَيُّوبُ وَقَالَ قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَوْلَهُ مَنْ كَذَبَ فِي رُؤْيَاهُ وَقَالَ شُعْبَةُ عَنْ أَبِي هَاشِمٍ الرُّمَّانِيِّ سَمِعْتُ عِكْرِمَةَ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ قَوْلَهُ مَنْ صَوَّرَ صُورَةً وَمَنْ تَحَلَّمَ وَمَنْ اسْتَمَعَ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ حَدَّثَنَا خَالِدٌ عَنْ خَالِدٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ مَنْ اسْتَمَعَ وَمَنْ تَحَلَّمَ وَمَنْ صَوَّرَ نَحْوَهُ تَابَعَهُ هِشَامٌ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلَهُ

الشرح‏:‏

الحديث ذكر له طرقا مرفوعة وموقوفة عن ابن عباس‏.‏

قوله ‏(‏حدثنا سفيان‏)‏ هو ابن عيينة‏.‏

قوله ‏(‏عن أيوب‏)‏ في رواية الحميدي عن سفيان ‏"‏ حدثنا أيوب ‏"‏ وقد وقع في الأصل ما يدل على ذلك وهو قوله في آخره ‏"‏ قال سفيان وصله لنا أيوب‏"‏‏.‏

قوله ‏(‏عن ابن عباس‏)‏ ذكر المصنف الاختلاف فيه على عكرمة هل هو عن ابن عباس مرفوعا أو موقوفا أو هو عن أبي هريرة موقوفا‏.‏

قوله ‏(‏من تحلم‏)‏ أي من تكلف الحلم‏.‏

قوله ‏(‏بحلم لم يره كلف أن يعقد بين شعيرتين ولن يفعل‏)‏ في رواية عباد بن عباد عن أيوب عند أحمد ‏"‏ عذب حتى يعقد بين شعيرتين وليس عاقدا ‏"‏ وعنده في رواية همام عن قتادة ‏"‏ من تحلم كاذبا دفع إليه شعيرة وعذب حتى يعقد بين طرفيها وليس بعاقد ‏"‏ وهذا مما يدل أن الحديث عند عكرمة عن ابن عباس وعن أبي هريرة معا لاختلاف لفظ الرواية عنه عنهما، والمراد بالتكلف نوع من التعذيب‏.‏

قوله ‏(‏ومن استمع إلى حديث قوم وهم له كارهون أو يفرون منه‏)‏ في رواية عباد بن عباد ‏"‏ وهم يفرون منه ‏"‏ ولم يشك‏.‏

قوله ‏(‏صب في أذنه الآنك يوم القيامة‏)‏ في رواية عباد ‏"‏ صب في أذنه يوم القيامة عذاب ‏"‏ وفي رواية همام ‏"‏ ومن استمع إلى حديث قوم ولا يعجبهم أن يستمع حديثهم أذيب في أذنه الآنك‏"‏‏.‏

قوله ‏(‏ومن صور صورة عذب وكلف أن ينفخ فيها وليس بنافخ‏)‏ في رواية عباد وكذا في رواية همام ‏"‏ ومن صور صورة عذب يوم القيامة حتى ينفخ فيها الروح وليس بنافخ فيها‏)‏ وهذا الحديث قد اشتمل على ثلاثة أحكام‏:‏ أولها الكذب على المنام، ثانيها الاستماع لحديث من لا يريد استماعه، ثالثها التصوير، وقد تقدم في أواخر اللباس من طريق النضر بن أنس عن ابن عباس حديث ‏"‏ من صور صورة ‏"‏ وتقدم شرحه هناك‏.‏

وأما الكذب على المنام فقال الطبري‏:‏ إنما اشتد فيه الوعيد من أن الكذب في اليقظة قد يكون أشد مفسدة منه إذ قد تكون شهادة في قتل أو حد أو أخذ مال، لأن الكذب في المنام كذب على الله أنه أراه ما لم يره، والكذب على الله أشد من الكذب على المخلوقين لقوله تعالى ‏(‏ويقول الأشهاد هؤلاء الذين كذبوا على ربهم‏)‏ الآية، وإنما كان الكذب في المنام كذبا على الله لحديث ‏"‏ الرؤيا جزء من النبوة ‏"‏ وما كان من أجزاء النبوة فهو من قبل الله تعالى انتهى ملخصا‏.‏

وقد تقدم في باب قبل ‏"‏ باب ذكر أسلم وغفار، شيء من هذا في الكلام على حديث واثلة الآتي التنبيه عليه في ثاني حديثي الباب‏.‏

وقال الملهب في قوله ‏(‏كلف أن يعقد بين شعيرتين‏)‏ حجة للأشعرية في تجويزهم تكليف ما لا يطاق، ومثله في قوله تعالى ‏(‏يوم يكشف عن ساق ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون‏)‏ وأجاب من منع ذلك بقوله تعالى ‏(‏لا يكلف الله نفسا إلا وسعها‏)‏ أو حملوه على أمور الدنيا وحملوا الآية والحديث المذكورين على أمور الآخرة انتهى ملخصا‏.‏

والمسألة مشهورة فلا نطيل بها‏.‏

والحق أن التكليف المذكور في قوله ‏"‏ كلف أن يعقد ‏"‏ ليس هو التكليف المصطلح وإنما هو كناية عن التعذيب كما تقدم‏.‏

وأما التكليف المستفاد من الأمر بالسجود فالأمر فيه على سبيل التعجيز والتوبيخ لكونهم أمروا بالسجود في الدنيا وهم قادرون على ذلك فامتنعوا فأمروا به حيث لا قدرة لهم عليه تعجيزا وتوبيخا وتعذيبا‏.‏

وأما الاستماع فتقدم التنبيه عليه في الاستئذان في الكلام على حديث ‏"‏ لا يتناجى اثنان دون ثالث ‏"‏ وقد قيد ذلك في حديث الباب لمن يكون كارها لاستماعه فأخرج من يكون راضيا، وأما من جهل ذلك فيمتنع حسما للمادة‏.‏

وأما الوعيد على ذلك بصب الآنك في أذنه فمن الجزاء من جنس العمل‏.‏

والآنك بالمد وضم النون بعدها كاف الرصاص المذاب، وقيل هو الخالص الرصاص‏.‏

وقال الداودي‏:‏ هو القصدير‏.‏

وقال ابن أبي جمرة إنما سماه حلما ولم يسمه رؤيا لأنه ادعى أنه رأى ولم ير شيئا فكان كاذبا والكذب إنما هو من الشيطان، وقد قال‏:‏ إن الحلم من الشيطان كما مضى في حديث أبي قتادة، وما كان من الشيطان فهو غير حق فصدق بعض الحديث بعضا‏.‏

قال‏:‏ ومعنى العقد بين الشعيرتين أن يقتل إحداهما بالأخرى، وهو مما لا يمكن عادة، قال‏:‏ ومناسبة الوعيد المذكور للكاذب في منامه المصور أن الرؤيا خلق من خلق الله وهي صورة معنوية فأدخل بكذبه صورة لم تقع كما أدخل المصور في الوجود صورة ليست بحقيقية، لأن الصورة الحقيقية هي التي فيها الروح، فكلف صاحب الصورة اللطيفة أمرا لطيفا وهو الاتصال المعبر عنه بالعقد بين الشعيرتين وكلف صاحب الصورة الكثيفة أمرا شديدا وهو أن يتم ما خلقه بزعمه ينفخ الروح، ووقع وعيد كل منهما بأنه يعذب حتى يفعل ما كلف به وهو ليس بفاعل، فهو كناية عن تعذيب كل منهما على الدوام‏.‏

قال‏:‏ والحكمة في هذا الوعيد الشديد أن الأول كذب على جنس النبوة، وأن الثاني نازغ الخالق في قدرته‏.‏

وقال في مستمع حديث من يكره استماعه‏:‏ يدخل فيه من دخل منزله وأغلق بابه وتحدث مع غيره فإن قرينة حاله تدل على أنه لا يريد للأجنبي أن يستمع حديثه فمن يستمع إليه يدخل في هذا الوعيد، وهو كمن ينظر إليه من خلل الباب فقد ورد الوعيد فيه ولأنهم لو فقئوا عينه لكانت هدرا قال‏:‏ ويستثنى من عموم من يكره استماع حديثه من تحدث مع غيره جهرا وهناك من يكره أن يسمعه فلا يدخل المستمع في هذا الوعيد لأن قرينة الحال وهي الجهر تقتضي عدم الكراهة فيسوغ الاستماع‏.‏

قال‏:‏ وفي الحديث أن من خرج عن وصف العبودية استحق العقوبة بقدر خروجه، وفيه تنبيه على أن الجاهل في ذلك لا يعذر بجهله وكذا من تأول فيه تأويلا باطلا، إذ لم يفرق في الخبر بين من يعلم تحريم ذلك وبين من لا يعلمه كذا قال‏.‏

ومن اللطائف ما قال غيره‏:‏ إن اختصاص الشعير، بذلك لما في المنام من الشعور بما دل عليه فحصلت المناسبة بينهما من جهة الاشتقاق‏.‏

قوله ‏(‏وقال قتيبة إلخ‏)‏ وقع لنا في نسخة قتيبة عن أبي عوانة رواية النسائي عنه من طريق علي بن محمد الفارسي عن محمد بن عبد الله بن زكريا بن حيويه عن النسائي ولفظه ‏"‏ عن أبي هريرة قال‏:‏ من كذب في رؤياه كلف أن يعقد بين طرفي شعيرة، ومن استمع الحديث، ومن صور ‏"‏ الحديث ووصله أبو نعيم في المستخرج من طريق خلف بن هشام عن أبي عوانة بهذا السند كذلك موقوفا، وقد أخرج أحمد والنسائي من طريق همام عن قتادة الحديث بتمامه مرفوعا ولكن اقتصر منه النسائي على قوله ‏"‏ من صور‏)‏ ‏.‏

قوله ‏(‏وقال شعبه عن أبي هاشم الرماني‏)‏ بضم الراء وتشديد الميم اسمه يحيى بن دينار، ووقع في رواية المستملي والسرخسي عن أبي هشام وهو غلط‏.‏

قوله ‏(‏قال أبو هريرة قوله من صور صورة، ومن تحلم، ومن استمع‏)‏ كذا في الأصل مختصرا اقتصر على أطراف الأحاديث الثلاثة، وقد وقع لنا موصولا في مستخرج الإسماعيلي من طريق عبيد الله بن معاذ العنبري عن أبيه عن شعبة عن أبي هاشم بهذا السند فاقتصر على قوله عن أبي هريرة ‏"‏ من تحلم ‏"‏ ومن طريق محمد بن جعفر غندر عن شعبة فذكره كذلك ولفظه ‏"‏ من تحلم كاذبا كلف أن يعقد شعيرة‏"‏‏.‏

قوله ‏(‏حدثنا إسحاق‏)‏ هو ابن شاهين، وخالد شيخه هو ابن عبد الله الطحان، وخالد شيخه هو الحذاء‏.‏

قوله ‏(‏من استمع، ومن تحلم، ومن صور نحوه‏)‏ قلت كذا اختصره، وقد أخرجه الإسماعيلي من طريق وهب بن بقية عن خالد بن عبد الله فذكره بهذا السند إلى ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم فرفعه ولفظه ‏"‏ من استمع إلى حديث قوم وهم له كارهون صب في أذنه الآنك، ومن تحلم كلف أن يعقد شعيرة يعذب بها وليس بفاعل، ومن صور صورة عذب حتى ينفخ فيها وليس بفاعل‏)‏ ثم أخرجه الإسماعيلي من طريق وهيب بن خالد ومن طريق عبد الوهاب الثقفي كلاهما عن خالد الحذاء بهذا السند مرفوعا‏.‏

قوله ‏(‏تابعه هشام‏)‏ يعني ابن حسان ‏(‏عن عكرمة عن ابن عباس قوله‏)‏ يعني موقوفا‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْلِمٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ مِنْ أَفْرَى الْفِرَى أَنْ يُرِيَ عَيْنَيْهِ مَا لَمْ تَرَ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏حدثنا علي بن مسلم‏)‏ هو الطوسي نزيل بغداد مات قبل البخاري بثلاث سنين، وعبد الصمد هو ابن عبد الوارث بن سعيد وقد أدركه البخاري بالسن ومات قبل أن يرحل البخاري، وقد أخرجه الإسماعيلي من طريق عبد الوارث بن عبد الصمد بن عبد الوارث عن أبيه، وعبد الرحمن بن عبد الله بن دينار مختلف فيه‏:‏ قال ابن المديني صدوق‏.‏

وقال يحيى بن معين في حديثه عندي ضعف‏.‏

وقال الدار قطني خالف فيه البخاري الناس وليس بمتروك، قلت‏:‏ عمدة البخاري فيه كلام شيخه على، وأما قول ابن معين فلم يفسره ولعله عني حديثا معينا، ومع ذلك فما أخرج له البخاري شيئا إلا وله فيه متابع أو شاهد، فأما المتابع فأخرجه أحمد من طريق حيوة عن أبي عثمان الوليد بن أبي الوليد المدني عن عبد الله بن دينار به وأتم منه ولفظه ‏"‏ أفرى الفرى من ادعى إلى غير أبيه، وأفرى الفرى من أرى عينه ما لم ير ‏"‏ وذكر ثالثة وسنده صحيح، وأما شاهده فمضى في مناقب قريش من حديث واثلة بن الأسقع بلفظ ‏"‏ إن من أعظم الفرى أن يدعى الرجل إلى غير أبيه أو يرى عينه ما لم ير ‏"‏ وذكر فيه ثالثة غير الثالثة التي في حديث ابن معمر عند أحمد، وقد تقدم بيان ذلك هناك‏.‏

قوله ‏(‏إن من أفرى الفرى‏)‏ أفرى أفعل تفضيل أي أعظم الكذبات والفرى بكسر الفاء والقصر جمع فرية، قال ابن بطال‏:‏ الفرية الكذبة العظيمة التي يتعجب منها‏.‏

وقال الطيبي‏:‏ فأرى الرجل عينيه وصفهما بما ليس فيهما ‏"‏ قال‏:‏ ونسبة الكذبات إلى الكذب للمبالغة نحو قولهم ليل أليل‏"‏‏.‏

قوله ‏(‏أن يرى‏)‏ بضم أوله وكسر الراء‏.‏

قوله ‏(‏عينه ما لم تر‏)‏ كذا فيه بحذف الفاعل وإفراد العين، ووقع في بعض النسخ ‏"‏ ما لم يريا ‏"‏ بالتثنية، ومعنى نسبة الرؤيا إلى عينيه مع أنهما لم يريا شيئا أنه أخبر عنهما بالرؤية وهو كاذب، وقد تقدم بيان كون هذا الكذب أعظم الأكاذيب في شرح‏.‏

الحديث الذي قبله‏.‏

*3*باب إِذَا رَأَى مَا يَكْرَهُ فَلَا يُخْبِرْ بِهَا وَلَا يَذْكُرْهَا

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب إذا رأى ما يكره فلا يخبر بها ولا يذكرها‏)‏ كذا جمع الترجمة بين لفظي الحديثين، لكن في الترجمة ‏"‏ فلا يخبر‏)‏ ولفظ الحديث ‏"‏ فلا يحدث ‏"‏ وهما متقاربان، وذكر فيه حديثين‏:‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ الرَّبِيعِ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَبْدِ رَبِّهِ بْنِ سَعِيدٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا سَلَمَةَ يَقُولُ لَقَدْ كُنْتُ أَرَى الرُّؤْيَا فَتُمْرِضُنِي حَتَّى سَمِعْتُ أَبَا قَتَادَةَ يَقُولُ وَأَنَا كُنْتُ لَأَرَى الرُّؤْيَا تُمْرِضُنِي حَتَّى سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ الرُّؤْيَا الْحَسَنَةُ مِنْ اللَّهِ فَإِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ مَا يُحِبُّ فَلَا يُحَدِّثْ بِهِ إِلَّا مَنْ يُحِبُّ وَإِذَا رَأَى مَا يَكْرَهُ فَلْيَتَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنْ شَرِّهَا وَمِنْ شَرِّ الشَّيْطَانِ وَلْيَتْفِلْ ثَلَاثًا وَلَا يُحَدِّثْ بِهَا أَحَدًا فَإِنَّهَا لَنْ تَضُرَّهُ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏عن عبد ربه بن سعيد‏)‏ هو الأنصاري أخو يحيى، وأبو سلمة هو ابن عبد الرحمن بن عوف‏.‏

قوله ‏(‏لقد كنت أرى الرؤيا فتمرضني‏)‏ عند مسلم في رواية سفيان عن الزهري عن أبي سلمة ‏"‏ كنت أرى الرؤيا أعرى منها غير أني لا أزمل ‏"‏ قال النووي‏:‏ معنى أعرى وهو بضم الهمزة وسكون المهملة وفتح الراء أحم لخوفي من ظاهرها في ظن، يقال عرى بضم أوله وكسر ثانيه مخففا يعرى بفتحتين إذا أصابه عراء بضم ثم فتح ومد وهو نفض الحمى، ومعنى لا أزمل وهو بزاي وميم ثقيلة أتلفف من برد الحمى، ووقع مثله عند عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن أبي سلمة ولكن قال ‏"‏ ألقي منها شدة ‏"‏ بدل ‏"‏ أعرى منها ‏"‏ وفي رواية سفيان عن الزهري ‏"‏ غير أني لا أعاد ‏"‏ وعند مسلم أيضا من رواية يحيى بن سعيد الأنصاري عن أبي سلمة ‏"‏ إن كنت لأرى الرؤيا أثقل علي من جبل‏"‏‏.‏

قوله ‏(‏حتى سمعت أبا قتادة يقول‏:‏ وأنا كنت أرى الرؤيا‏)‏ في رواية المستملي ‏"‏ لأرى ‏"‏ بزيادة اللام، والأولى أولى‏.‏

قوله ‏(‏فلا يحدث بما إلا من يحب‏)‏ قد تقدم أن الحكمة فيه أنه إذا حدث بالرؤيا الحسنة من لا يحب قد يفسرها له بما لا يحب إما بغضا وإما حسدا فقد تقع عن تلك الصفة، أو يتعجل لنفسه من ذلك حزنا ونكدا، فأمر بترك تحديث من لا يحب بسبب ذلك‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ حَمْزَةَ حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي حَازِمٍ وَالدَّرَاوَرْدِيُّ عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُسَامَةَ بْنِ الْهَادِ اللَّيْثِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَبَّابٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ الرُّؤْيَا يُحِبُّهَا فَإِنَّهَا مِنْ اللَّهِ فَلْيَحْمَدْ اللَّهَ عَلَيْهَا وَلْيُحَدِّثْ بِهَا وَإِذَا رَأَى غَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا يَكْرَهُ فَإِنَّمَا هِيَ مِنْ الشَّيْطَانِ فَلْيَسْتَعِذْ مِنْ شَرِّهَا وَلَا يَذْكُرْهَا لِأَحَدٍ فَإِنَّهَا لَنْ تَضُرَّهُ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏حدثنا ابن أبي حازم والدراوردي‏)‏ تقدم في ‏(‏باب الرؤيا من الله‏)‏ أن اسم كل منهما عبد العزيز‏.‏

قوله ‏(‏حدثنا يزيد بن عبد الله‏)‏ زاد في رواية المستملي ‏"‏ ابن أسامة بن الهاد الليثي ‏"‏ وقد تقدم شرح الحديث في الباب المشار إليه‏.‏