فصل: باب مَا يُسْتَحَبُّ لِمَنْ تُوُفِّيَ فُجَاءَةً أَنْ يَتَصَدَّقُوا عَنْهُ وَقَضَاءِ النُّذُورِ عَنْ الْمَيِّتِ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فتح الباري شرح صحيح البخاري **


*3*باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب قول الله عز وجل‏:‏ ‏(‏وإذا حضر القسمة‏)‏ الآية‏)‏ وذكر فيه حديث ابن عباس قال‏:‏ ‏"‏ إن ناسا يزعمون أن هذه الآية نسخت ‏"‏ الحديث، وسيأتي الكلام عليه في التفسير، وذكر من أراد ابن عباس بقوله‏:‏ ‏"‏ إن ناسا يزعمون ‏"‏ وأن منهم عائشة رضي الله عنها، وغير ذلك من الأقوال في دعوى كونها محكمة أو منسوخة‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ أَبُو النُّعْمَانِ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ أَبِي بِشْرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ إِنَّ نَاسًا يَزْعُمُونَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نُسِخَتْ وَلَا وَاللَّهِ مَا نُسِخَتْ وَلَكِنَّهَا مِمَّا تَهَاوَنَ النَّاسُ هُمَا وَالِيَانِ وَالٍ يَرِثُ وَذَاكَ الَّذِي يَرْزُقُ وَوَالٍ لَا يَرِثُ فَذَاكَ الَّذِي يَقُولُ بِالْمَعْرُوفِ يَقُولُ لَا أَمْلِكُ لَكَ أَنْ أُعْطِيَكَ

الشرح‏:‏

حديث ابن عباس قال‏:‏ ‏"‏ إن ناسا يزعمون أن هذه الآية نسخت ‏"‏ الحديث، وسيأتي الكلام عليه في التفسير

*3*باب مَا يُسْتَحَبُّ لِمَنْ تُوُفِّيَ فُجَاءَةً أَنْ يَتَصَدَّقُوا عَنْهُ وَقَضَاءِ النُّذُورِ عَنْ الْمَيِّتِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب ما يستحب لمن توفي فجاءة‏)‏ بضم الفاء وبالجيم الخفيفة والمد، ويجوز فتح الفاء وسكون الجيم بغير مد ‏(‏أن يتصدقوا عنه، وقضاء النذور عن الميت‏)‏ أورد فيه حديث عائشة ‏"‏ أن رجلا قال‏:‏ إن أمي افتلتت نفسها ‏"‏ وحديث ابن عباس‏:‏ ‏"‏ أن سعد بن عبادة قال إن أمي ماتت وعليها نذر ‏"‏ وكأنه رمز إلى أن المهم في حديث عائشة هو سعد بن عبادة، وقد تقدم حديث ابن عباس في قصة سعد بن عبادة بلفظ آخر، ولا تنافي بين قوله‏:‏ ‏"‏ إن أمي ماتت وعليها نذر ‏"‏ وبين قوله‏:‏ ‏"‏ إن أمي توفيت وأنا غائب عنها فهل ينفعها شيء إن تصدقت به عنها ‏"‏ لاحتمال أن يكون سأل عن النذر وعن الصدقة عنها، وبين النسائي من وجه آخر الصدقة المذكورة فأخرج هن طريق سعيد بن المسيب عن سند بن عبادة قال‏:‏ ‏"‏ قلت يا رسول الله إن أمي ماتت، أفأتصدق عنها‏؟‏ قال‏:‏ نعم‏.‏

قلت‏:‏ فأي الصدقة أفضل‏؟‏ قال‏:‏ سقي الماء ‏"‏ وأخرجه الدار قطني في ‏"‏ غرائب مالك ‏"‏ من طريق حماد بن خالد عنه بإسناد الحديث الثاني في هذا الباب لكن بلفظ ‏"‏ إن سعدا قال‏:‏ يا رسول الله أتنتفع أمي إن تصدقت عنها وقد ماتت‏؟‏ قال‏:‏ نعم‏.‏

قال فما تأمرني‏؟‏ قال‏:‏ اسق الماء ‏"‏ والمحفوظ عن مالك ما وقع في هذا الباب والله أعلم، وقد تقدمت تسمية أم سعد قريبا‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ أُمِّي افْتُلِتَتْ نَفْسُهَا وَأُرَاهَا لَوْ تَكَلَّمَتْ تَصَدَّقَتْ أَفَأَتَصَدَّقُ عَنْهَا قَالَ نَعَمْ تَصَدَّقْ عَنْهَا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏افتلتت‏)‏ بضم المثناة بعد الفاء الساكنة وكسر اللام أي أخذت فلتة أي بغتة، وقوله‏:‏ ‏(‏نفسها‏)‏ بالضم على الأشهر، وبالفتح أيضا وهو موت الفجأة، والمراد بالنفس هنا الروح‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وأراها لو تكلمت تصدقت‏)‏ بضم همزة ‏"‏ أراها ‏"‏ وقد تقدم في الجنائز من وجه آخر عن هشام بلفظ ‏"‏ وأظنها ‏"‏ وهو يشعر بأن رواية ابن القاسم عن مالك عند النسائي بلفظ ‏"‏ وإنها لو تكلمت ‏"‏ تصحيف وظاهره أنها لم تتكلم فلم تتصدق، لكن في الموطأ عن سعيد بن عمرو بن شرحبيل بن سعيد بن سعد بن عبادة عن أبيه عن جده قال‏:‏ ‏"‏ خرج سعد بن عبادة مع النبي صلى الله عليه وسلم في بعض مغازيه وحضرت أمه الوفاة بالمدينة، قيل لها أوصي، فقالت‏:‏ فيم أوصي‏؟‏ المال مال سعد، فتوفيت قبل أن يقدم سعد ‏"‏ فذكر الحديث، فإن أمكن تأويل رواية الباب بأن المراد أنها لم تتكلم أي بالصدقة ‏"‏ ولو تكلمت لتصدقت ‏"‏ أي فكيف أمضي ذلك‏؟‏ أو يحمل على أن سعدا ما عرف بما وقع منها، فإن الذي روى هذا الكلام في الموطأ هو سعيد بن سعد بن عبادة أو ولده شرحبيل مرسلا، فعلى التقديرين لم يتحد راوي الإثبات وراوي النفي فيمكن الجمع بينهما بذلك والله أعلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أفأتصدق عنها‏)‏ في الرواية المتقدمة في الجنائز ‏"‏ فهل لها أجر إن تصدقت عنها‏؟‏ قال‏:‏ نعم ‏"‏ ولبعضهم ‏"‏ أتصدق عليها أو أصرفه على مصلحتها‏"‏‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ اسْتَفْتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ إِنَّ أُمِّي مَاتَتْ وَعَلَيْهَا نَذْرٌ فَقَالَ اقْضِهِ عَنْهَا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏أن سعد بن عبادة‏)‏ كذا رواه مالك وتابعه الليث وبكر بن وائل وغيرهما عن الزهري‏.‏

وقال سليمان بن كثير عن الزهري عن عبيد الله عن ابن عباس عن سعد بن عبادة ‏"‏ أنه استفتى ‏"‏ جعله من مسند سعد، أخرج جميع ذلك النسائي، وأخرجه أيضا من رواية الأوزاعي ومن رواية سفيان بن عيينة كلاهما عن الزهري على الوجهين، وقد قدمت أن ابن عباس لم يدرك القصة، فتعين ترجيح رواية من زاد فيه ‏"‏ عن سعد بن عبادة ‏"‏ ويكون ابن عباس قد أخذه عنه، ويحتمل أن يكون أخذه عن غيره ويكون قول من قال‏:‏ ‏"‏ عن سعد بن عبادة ‏"‏ لم يقصد به الرواية، وإنما أراد عن قصة سعد بن عبادة فتتحد الروايتان‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وعليها نذر، فقال‏:‏ اقضه عنها‏)‏ في رواية قتيبة عن مالك ‏"‏ لم تقضه ‏"‏ وفي رواية سليمان بن كثير المذكورة ‏"‏ أفيجزئ عنها أن أعتق عنها‏؟‏ قال‏:‏ أعتق عن أمك ‏"‏ فأفادت هذه الرواية بيان ما هو النذر المذكور، وهو أنها نذرت أن تعتق رقبة فماتت قبل أن تفعل، ويحتمل أن تكون نذرت نذرا مطلقا غير معين فيكون في الحديث حجة لمن أفتى في النذر المطلق بكفارة يمين، والعتق أعلى كفارات الأيمان، فلذلك أمره أن يعتق عنها‏.‏

وحكى ابن عبد البر عن بعضهم أن النذر الذي كان على والدة سعد صيام، واستند إلى حديث ابن عباس المتقدم في الصوم ‏"‏ أن رجلا قال‏:‏ يا رسول الله إن أمي ماتت وعليها صوم ‏"‏ الحديث، ثم رده بأن في بعض الروايات عن ابن عباس ‏"‏ جاءت امرأة فقالت‏:‏ إن أختي ماتت‏"‏‏.‏

قلت‏:‏ والحق أنها قصه أخرى، وقد أوضحت ذلك في كتاب الصيام‏.‏

وفي حديث الباب من الفوائد‏:‏ جواز الصدقة عن الميت، وأن ذلك ينفعه بوصول ثواب الصدقة إليه ولا سيما إن كان من الولد، وهو مخصص لعموم قوله تعالى‏:‏ ‏(‏وأن ليس للإنسان إلا ما سعى‏)‏ ويلتحق بالصدقة العتق عنه عند الجمهور خلافا للمشهور عند المالكية، وقد اختلف في غير الصدقة من أعمال البر هل تصل إلى الميت كالحج والصوم‏؟‏ وقد تقدم شيء من ذلك في الصيام‏.‏

وفيه أن ترك الوصية جائز لأنه صلى الله عليه وسلم لم يذم أم سعد على ترك الوصية قاله ابن المنذر، وتعقب بأن الإنكار عليها قد تعذر لموتها وسقط عنها التكليف، وأجيب بأن فائدة إنكار ذلك لو كان منكرا ليتعظ غيرها ممن سمعه، فلما أقر على ذلك دل على الجواز‏.‏

وفيه ما كان الصحابة عليه من استشارة النبي صلى الله عليه وسلم في أمور الدين، وفيه العمل بالظن الغالب، وفيه الجهاد في حياة الأم وهو محمول على أنه استأذنها، وفيه السؤال عن التحمل والمسارعة إلى عمل البر والمبادرة إلى بر الوالدين، وأن إظهار الصدقة قد يكون خيرا من إخفائها وهو عند اغتنام صدق النية فيه، وأن للحاكم تحمل الشهادة في غير مجلس الحكم، نبه على أكثر ذلك أبو محمد بن أبي جمرة رحمه الله تعالى، وفي بعضه نظر لا يخفى، وكلامه على أصل الحديث وهو في الباب الذي يليه أبسط من هذا الباب‏.‏

*3*باب الْإِشْهَادِ فِي الْوَقْفِ وَالصَّدَقَةِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب الإشهاد في الوقف والصدقة‏)‏ أورد فيه حديث ابن عباس المذكور آنفا لقوله فيه‏:‏ ‏"‏ أشهدك أن حائطي المخراف صدقة ‏"‏ وألحق المصنف الوقف بالصدقة، لكن في الاستدلال لذلك بقصة سعد نظر، لأن قوله‏:‏ ‏"‏ أشهدك ‏"‏ يحتمل إرادة الإشهاد المعتبر ويحتمل أن يكون معناه الإعلام، واستدل المهلب للإشهاد في الوقف بقوله تعالى‏:‏ ‏(‏وأشهدوا إذا تبايعتم‏)‏ قال فإذا أمر بالإشهاد في البيع وله عوض فلأن يشرع في الوقف الذي لا عوض له أولى‏.‏

وقال ابن المنير‏:‏ كأن البخاري أراد دفع التوهم عمن يظن أن الوقف من أعمال البر فيندب إخفاؤه، فبين أنه يشرع إظهاره لأنه بصدد أن ينازع فيه ولا سيما من الورثة‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ أَنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ أَخْبَرَهُمْ قَالَ أَخْبَرَنِي يَعْلَى أَنَّهُ سَمِعَ عِكْرِمَةَ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ يَقُولُ أَنْبَأَنَا ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَخَا بَنِي سَاعِدَةَ تُوُفِّيَتْ أُمُّهُ وَهُوَ غَائِبٌ عَنْهَا فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أُمِّي تُوُفِّيَتْ وَأَنَا غَائِبٌ عَنْهَا فَهَلْ يَنْفَعُهَا شَيْءٌ إِنْ تَصَدَّقْتُ بِهِ عَنْهَا قَالَ نَعَمْ قَالَ فَإِنِّي أُشْهِدُكَ أَنَّ حَائِطِيَ الْمِخْرَافَ صَدَقَةٌ عَلَيْهَا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب الإشهاد في الوقف والصدقة‏)‏ أورد فيه حديث ابن عباس المذكور آنفا لقوله فيه‏:‏ ‏"‏ أشهدك أن حائطي المخراف صدقة ‏"‏ وألحق المصنف الوقف بالصدقة، لكن في الاستدلال لذلك بقصة سعد نظر، لأن قوله‏:‏ ‏"‏ أشهدك ‏"‏ يحتمل إرادة الإشهاد المعتبر ويحتمل أن يكون معناه الإعلام، واستدل المهلب للإشهاد في الوقف بقوله تعالى‏:‏ ‏(‏وأشهدوا إذا تبايعتم‏)‏ قال فإذا أمر بالإشهاد في البيع وله عوض فلأن يشرع في الوقف الذي لا عوض له أولى‏.‏

وقال ابن المنير‏:‏ كأن البخاري أراد دفع التوهم عمن يظن أن الوقف من أعمال البر فيندب إخفاؤه، فبين أنه يشرع إظهاره لأنه بصدد أن ينازع فيه ولا سيما من الورثة‏.‏

*3*باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ

وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا وَإِنْ خِفْتُمْ أَنْ لَا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنْ النِّسَاءِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب قوله عز وجل‏:‏ ‏(‏وآتوا اليتامى أموالهم، ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب، ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم - إلى قوله - فانكحوا ما طاب لكم من النساء‏)‏ أورد فيه حديث عائشة في تفسير قوله تعالى‏:‏ ‏(‏وإن خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى‏)‏ وفي تفسير قوله تعالى‏:‏ ‏(‏ويستفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن‏)‏ وسيأتي الكلام على هذا الحديث مستوفى في التفسير، وقد أغفل المزي عزو هذا الحديث إلى كتاب الوصايا‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ كَانَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ يُحَدِّثُ أَنَّهُ سَأَلَ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا وَإِنْ خِفْتُمْ أَنْ لَا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنْ النِّسَاءِ قَالَتْ هِيَ الْيَتِيمَةُ فِي حَجْرِ وَلِيِّهَا فَيَرْغَبُ فِي جَمَالِهَا وَمَالِهَا وَيُرِيدُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا بِأَدْنَى مِنْ سُنَّةِ نِسَائِهَا فَنُهُوا عَنْ نِكَاحِهِنَّ إِلَّا أَنْ يُقْسِطُوا لَهُنَّ فِي إِكْمَالِ الصَّدَاقِ وَأُمِرُوا بِنِكَاحِ مَنْ سِوَاهُنَّ مِنْ النِّسَاءِ قَالَتْ عَائِشَةُ ثُمَّ اسْتَفْتَى النَّاسُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلْ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ قَالَتْ فَبَيَّنَ اللَّهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّ الْيَتِيمَةَ إِذَا كَانَتْ ذَاتَ جَمَالٍ وَمَالٍ رَغِبُوا فِي نِكَاحِهَا وَلَمْ يُلْحِقُوهَا بِسُنَّتِهَا بِإِكْمَالِ الصَّدَاقِ فَإِذَا كَانَتْ مَرْغُوبَةً عَنْهَا فِي قِلَّةِ الْمَالِ وَالْجَمَالِ تَرَكُوهَا وَالْتَمَسُوا غَيْرَهَا مِنْ النِّسَاءِ قَالَ فَكَمَا يَتْرُكُونَهَا حِينَ يَرْغَبُونَ عَنْهَا فَلَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَنْكِحُوهَا إِذَا رَغِبُوا فِيهَا إِلَّا أَنْ يُقْسِطُوا لَهَا الْأَوْفَى مِنْ الصَّدَاقِ وَيُعْطُوهَا حَقَّهَا

الشرح‏:‏

حديث عائشة في تفسير قوله تعالى‏:‏ ‏(‏وإن خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى‏)‏ وفي تفسير قوله تعالى‏:‏ ‏(‏ويستفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن‏)‏ وسيأتي الكلام على هذا الحديث مستوفى في التفسير، وقد أغفل المزي عزو هذا الحديث إلى كتاب الوصايا‏.‏

اليتامى‏)‏ وفي تفسير قوله تعالى‏:‏ ‏(‏ويستفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن‏)‏ وسيأتي الكلام على هذا الحديث مستوفى في التفسير، وقد أغفل المزي عزو هذا الحديث إلى كتاب الوصايا‏.‏

*3*باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ

فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا حَسِيبًا يَعْنِي كَافِيًا وَلِلْوَصِيِّ أَنْ يَعْمَلَ فِي مَالِ الْيَتِيمِ وَمَا يَأْكُلُ مِنْهُ بِقَدْرِ عُمَالَتِهِ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب قول الله تعالى‏:‏ ‏(‏وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم‏)‏‏)‏ ساق في رواية الأصيلي وكريمة إلى قوله‏:‏ ‏(‏نصيبا مفروضا‏)‏ وأما في رواية أبي ذر فقال بعد قوله‏:‏ ‏(‏رشدا‏)‏ ‏.‏

إلى قوله‏:‏ ‏(‏مما قل منه أو كثر نصيبا مفروضا‏)‏ ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حسيبا يعني كافيا‏)‏ كذا للأكثر، وسقط ‏"‏ يعني ‏"‏ لأبي ذر‏.‏

قال ابن التين‏:‏ فسره غيره عالما وقيل محاسبا وقيل مقتدرا، وفي تفسير الطبري عن السدي ‏(‏وكفى بالله حسيبا‏)‏ أي شهيدا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وما للوصي أن يعمل في مال اليتيم وما يأكل منه بقدر عمالته‏)‏ كذا للأكثر، وسقطت ‏"‏ ما ‏"‏ الأولى لأبي ذر، وهذه من مسائل الخلاف‏:‏ فقيل يجوز للوصي أن يأخذ من مال اليتيم قدر عمالته وهو قول عائشة كما في ثاني حديثي الباب وعكرمة والحسن وغيرهم، وقيل لا يأكل منه إلا عند الحاجة‏.‏

ثم اختلفوا فقال عبيدة بن عمرو وسعيد بن جبير ومجاهد‏:‏ إذا أكل ثم أيسر قضى، وقيل لا يجب القضاء، وقيل إن كان ذهبا أو فضة لم يجز أن يأخذ منه شيئا إلا على سبيل القرض، وإن كان غير ذلك جاز بقدر الحاجة، وهذا أصح الأقوال عن ابن عباس، وبه قال الشعبي وأبو العالية وغيرهما، أخرج جميع ذلك ابن جرير في تفسيره‏.‏

وقال هو بوجوب القضاء مطلقا وانتصر له، ومذهب الشافعي يأخذ أقل الأمرين من أجرته ونفقته ولا يجب الرد على الصحيح، وحكى ابن التين عن ربيعة أن المراد بالفقير والغني في هذه الآية اليتيم، أي إن كان غنيا فلا يسرف في الإنفاق عليه، وإن كان فقيرا فليطعمه من ماله بالمعروف، ولا دلالة فيها على الأكل من مال اليتيم أصلا والمشهور ما تقدم‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ الْأَشْعَثِ حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ حَدَّثَنَا صَخْرُ بْنُ جُوَيْرِيَةَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ عُمَرَ تَصَدَّقَ بِمَالٍ لَهُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ يُقَالُ لَهُ ثَمْغٌ وَكَانَ نَخْلًا فَقَالَ عُمَرُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي اسْتَفَدْتُ مَالًا وَهُوَ عِنْدِي نَفِيسٌ فَأَرَدْتُ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِهِ

فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَصَدَّقْ بِأَصْلِهِ لَا يُبَاعُ وَلَا يُوهَبُ وَلَا يُورَثُ وَلَكِنْ يُنْفَقُ ثَمَرُهُ فَتَصَدَّقَ بِهِ عُمَرُ فَصَدَقَتُهُ تِلْكَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَفِي الرِّقَابِ وَالْمَسَاكِينِ وَالضَّيْفِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَلَا جُنَاحَ عَلَى مَنْ وَلِيَهُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ بِالْمَعْرُوفِ أَوْ يُوكِلَ صَدِيقَهُ غَيْرَ مُتَمَوِّلٍ بِهِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا هارون بن الأشعث‏)‏ هو الهمداني بسكون الميم أصله من الكوفة ثم سكن بخارى، ولم يخرج عنه البخاري في هذا الكتاب سوى هذا الموضع، ووقع في بعض الروايات كرواية النسفي ‏"‏ حدثنا هارون ‏"‏ غير منسوب، فزعم ابن عدي أنه هارون بن يحيى المكي الزبيري ولم يعرف من حاله شيء، والمعتمد ما وقع عند أبي ذر وغيره منسوبا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏تصدق بمال له‏)‏ هو من إطلاق العام على الخاص لأن المراد بالمال هنا الأرض التي لها غلة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يقال له ثمغ‏)‏ بفتح المثلثة وسكون الميم بعدها معجمة، ومنهم من فتح الميم حكاه المنذري، قال أبو عبيد البكري هي أرض تلقاء المدينة كانت لعمر‏.‏

قلت‏:‏ وسأذكر في ‏"‏ باب الوقف كيف يكتب ‏"‏ كيفية مصيره إلى عمر مع بيان الاختلاف في ذلك إن شاء الله تعالى‏.‏

قوله ‏(‏فصدقته تلك‏)‏ كذا للكشميهني ولغيره ‏"‏ ذلك‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ولا جناح على من وليه أن يأكل منه بالمعروف‏)‏ قال المهلب‏:‏ شبه البخاري الوصي بناظر الوقف، ووجه الشبه أن النظر للموقوف عليهم من الفقراء وغيرهم كالنظر لليتامى، وتعقبه ابن المنير بأن الواقف هو المالك لمنافع ما وقفه، فإن شرط لمن يلي نظره شيئا ساغ له ذلك، والموصي ليس كذلك لأن ولده يملكون المال بعده بقسمة الله لهم فلم يكن في ذلك كالواقف اهـ‏.‏

ومقتضاه أن الموصي إذا جعل للوصي أن يأكل من مال الموصى عليهم لا يصح ذلك، وليس كذلك بل هو سائغ إذا عينه، وإنما اختلف السلف فيما إذا أوصى ولم يعين للموصي شيئا هل له أن يأخذ بقدر عمله أم لا‏؟‏ وقال الكرماني‏:‏ وجه المطابقة هو من جهة أن القصد أن الوصي يأخذ من مال اليتيم أجره بدليل قول عمر ‏"‏ لا جناح على من وليه أن يأكل بالمعروف‏"‏‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ قَالَتْ أُنْزِلَتْ فِي وَالِي الْيَتِيمِ أَنْ يُصِيبَ مِنْ مَالِهِ إِذَا كَانَ مُحْتَاجًا بِقَدْرِ مَالِهِ بِالْمَعْرُوفِ

الشرح‏:‏

حديث عائشة في قوله تعالى‏:‏ ‏(‏ومن كان غنيا فليستعفف‏)‏ الآية، قالت عائشة‏:‏ أنزلت في والي اليتيم‏.‏

وفي رواية المستملي ‏"‏ في والي مال اليتيم إلخ ‏"‏ وقد قدمت بيان الاختلاف في ذلك، يأتي بقية شرحه في تفسير سورة النساء إن شاء الله تعالى‏.‏