فصل: بَابُ عِتْقِ أَحَدِ الْعَبْدَيْنِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية (نسخة منقحة)



.بَابُ عِتْقِ أَحَدِ الْعَبْدَيْنِ:

(وَمَنْ كَانَ لَهُ ثَلَاثَةُ أَعْبُدٍ دَخَلَ عَلَيْهِ اثْنَانِ فَقَالَ: أَحَدُكُمَا حُرٌّ، ثُمَّ خَرَجَ وَاحِدٌ، وَدَخَلَ آخَرُ فَقَالَ: أَحَدُكُمَا حُرٌّ، ثُمَّ مَاتَ وَلَمْ يُبَيِّنْ عَتَقَ مَنْ الَّذِي أُعِيدَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ وَنِصْفُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْآخَرَيْنِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ: كَذَلِكَ إلَّا فِي الْعَبْدِ الْآخَرِ فَإِنَّهُ يُعْتَقُ رُبُعُهُ) أَمَّا الْخَارِجُ فَلِأَنَّ الْإِيجَابَ الْأَوَّلَ دَائِرٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الثَّابِتِ، وَهُوَ الَّذِي أُعِيدَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ فَأَوْجَبَ عِتْقَ رَقَبَةٍ بَيْنَهُمَا لِاسْتِوَائِهِمَا، فَيُصِيبُ كُلًّا مِنْهُمَا النِّصْفُ غَيْرَ أَنَّ الثَّابِتَ اسْتَفَادَ بِالْإِيجَابِ الثَّانِي رُبُعًا آخَرَ، لِأَنَّ الثَّانِيَ دَائِرٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الدَّاخِلِ وَهُوَ الَّذِي سَمَّاهُ فِي الْكِتَابِ آخِرًا، فَيَتَنَصَّفُ بَيْنَهُمَا، غَيْرَ أَنَّ الثَّابِتَ اسْتَحَقَّ نِصْفَ الْحُرِّيَّةِ بِالْإِيجَابِ الْأَوَّلِ، فَشَاعَ النِّصْفُ الْمُسْتَحَقُّ بِالثَّانِي فِي نِصْفَيْهِ فَمَا أَصَابَ الْمُسْتَحِقَّ بِالْأَوَّلِ لَغَا، وَمَا أَصَابَ الْفَارِغَ بَقِيَ فَيَكُونُ لَهُ الرُّبُعُ فَتَمَّتْ لَهُ ثَلَاثَةُ الْأَرْبَاعِ، وَلِأَنَّهُ لَوْ أُرِيدَ هُوَ بِالثَّانِي يُعْتَقُ نِصْفُهُ، وَلَوْ أُرِيدَ بِهِ الدَّاخِلُ لَا يُعْتَقُ هَذَا النِّصْفُ فَيَتَنَصَّفُ فَيُعْتَقُ مِنْهُ الرُّبُعُ بِالثَّانِي وَالنِّصْفُ بِالْأَوَّلِ، وَأَمَّا الدَّاخِلُ فَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ يَقُولُ: لَمَّا دَارَ الْإِيجَابُ الثَّانِي بَيْنَهُ، وَبَيْنَ الثَّابِتِ، وَقَدْ أَصَابَ الثَّابِتُ مِنْهُ الرُّبُعَ، فَكَذَلِكَ يُصِيبُ الدَّاخِلُ وَهُمَا يَقُولَانِ إنَّهُ دَائِرٌ بَيْنَهُمَا وَقَضِيَّتُهُ التَّنْصِيفُ، وَإِنَّمَا نَزَلَ إلَى الرُّبُعِ فِي حَقِّ الثَّابِتِ لِاسْتِحْقَاقِهِ النِّصْفَ بِالْإِيجَابِ الْأَوَّلِ كَمَا ذَكَرْنَا وَلَا اسْتِحْقَاقَ لِلدَّاخِلِ مِنْ قَبْلُ فَيَثْبُتُ فِيهِ النِّصْفُ.
قَالَ: (فَإِنْ كَانَ الْقَوْلُ مِنْهُ فِي الْمَرَضِ قُسِمَ الثُّلُثُ عَلَى هَذَا) وَشَرْحُ ذَلِكَ أَنْ يُجْمَعَ بَيْنَ سِهَامِ الْعِتْقِ، وَهِيَ سَبْعَةٌ عَلَى قَوْلِهِمَا، لِأَنَّا نَجْعَلُ كُلَّ رَقَبَةٍ عَلَى أَرْبَعَةٍ لِحَاجَتِنَا إلَى ثَلَاثَةِ الْأَرْبَاعِ فَنَقُولُ: يُعْتَقُ مِنْ الثَّابِتِ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ وَمِنْ الْآخَرَيْنِ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا سَهْمَانِ، فَيَبْلُغُ سِهَامُ الْعِتْقِ سَبْعَةً، وَالْعِتْقُ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ وَصِيَّةٌ وَمَحَلُّ نَفَاذِهَا الثُّلُثُ، فَلَا بُدَّ أَنْ يُجْعَلَ سِهَامُ الْوَرَثَةِ ضِعْفَ ذَلِكَ، فَيُجْعَلُ كُلُّ رَقَبَةٍ عَلَى سَبْعَةٍ وَجَمِيعُ الْمَالِ أَحَدٌ وَعِشْرُونَ فَيُعْتَقُ مِنْ الثَّابِتِ ثَلَاثَةٌ، وَيُسْعَى فِي أَرْبَعَةٍ وَيُعْتَقُ مِنْ الْبَاقِينَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَيُسْعَى فِي خَمْسَةٍ فَإِذَا تَأَمَّلْت وَجَمَعْت اسْتَقَامَ الثُّلُثُ وَالثُّلُثَانِ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ يُجْعَلُ كُلُّ رَقَبَةٍ عَلَى سِتَّةٍ، لِأَنَّهُ يُعْتَقُ مِنْ الدَّاخِلِ عِنْدَهُ سَهْمٌ، فَنَقَصَتْ سِهَامُ الْعِتْقِ بِسَهْمٍ، وَصَارَ جَمِيعُ الْمَالِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ وَبَاقِي التَّخْرِيجِ مَا مَرَّ (وَلَوْ كَانَ هَذَا فِي الطَّلَاقِ وَهُنَّ غَيْرُ مَدْخُولَاتٍ وَمَاتَ الزَّوْجُ قَبْلَ الْبَيَانِ سَقَطَ مِنْ مَهْرِ الْخَارِجَةِ رُبُعُهُ، وَمِنْ مَهْرِ الثَّابِتَةِ ثَلَاثَةُ أَثْمَانِهِ وَمِنْ مَهْرِ الدَّاخِلَةِ ثُمُنُهُ) قِيلَ هَذَا قَوْلُ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ خَاصَّةً وَعِنْدَهُمَا يَسْقُطُ رُبُعُهُ، وَقِيلَ هُوَ قَوْلُهُمَا أَيْضًا، وَقَدْ ذَكَرْنَا الْفَرْقَ وَتَمَامَ تَفْرِيعَاتِهَا فِي الزِّيَادَاتِ.
(وَمَنْ قَالَ لِعَبْدَيْهِ: أَحَدُكُمَا حُرٌّ فَبَاعَ أَحَدَهُمَا أَوْ مَاتَ، أَوْ قَالَ لَهُ: أَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي عَتَقَ الْآخَرُ)، لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ مَحَلًّا لِلْعِتْقِ أَصْلًا بِالْمَوْتِ وَلِلْعِتْقِ مِنْ جِهَتِهِ بِالْبَيْعِ وَلِلْعِتْقِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ بِالتَّدْبِيرِ، فَتَعَيَّنَ لَهُ الْآخَرُ، وَلِأَنَّهُ بِالْبَيْعِ قَصَدَ الْوُصُولَ إلَى الثَّمَنِ وَبِالتَّدْبِيرِ إبْقَاءَ الِانْتِفَاعِ إلَى مَوْتِهِ، وَالْمَقْصُودَانِ يُنَافِيَانِ الْعِتْقَ الْمُلْتَزَمَ فَتَعَيَّنَ لَهُ الْآخَرُ دَلَالَةً، وَكَذَا إذَا اسْتَوْلَدَ إحْدَاهُمَا لِلْمَعْنَيَيْنِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْبَيْعِ الصَّحِيحِ وَالْفَاسِدِ مَعَ الْقَبْضِ وَبِدُونِهِ وَالْمُطْلَقِ وَبِشَرْطِ الْخِيَارِ لِأَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ لِإِطْلَاقِ جَوَابِ الْكِتَابِ، وَالْمَعْنَى مَا قُلْنَا وَالْعَرَضُ عَلَى الْبَيْعِ مُلْحَقٌ بِهِ فِي الْمَحْفُوظِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَالْهِبَةُ وَالتَّسْلِيمُ وَالصَّدَقَةُ وَالتَّسْلِيمُ بِمَنْزِلَةِ الْبَيْعِ، لِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ (وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ لِامْرَأَتَيْهِ إحْدَاكُمَا طَالِقٌ، ثُمَّ مَاتَتْ إحْدَاهُمَا) لِمَا قُلْنَا، وَكَذَلِكَ لَوْ وَطِئَ إحْدَاهُمَا لِمَا نُبَيِّنُ.
(وَلَوْ قَالَ لِأَمَتَيْهِ: إحْدَاكُمَا حُرَّةٌ، ثُمَّ جَامَعَ إحْدَاهُمَا لَمْ تُعْتَقْ الْأُخْرَى عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَقَالَا تُعْتَقُ) لِأَنَّ الْوَطْءَ لَا يَحِلُّ إلَّا فِي الْمِلْكِ وَإِحْدَاهُمَا حُرَّةٌ، فَكَانَ بِالْوَطْءِ مُسْتَبْقِيًا الْمِلْكَ فِي الْمَوْطُوءَةِ فَتَعَيَّنَتْ الْأُخْرَى لِزَوَالِهِ بِالْعِتْقِ كَمَا فِي الطَّلَاقِ، وَلَهُ أَنَّ الْمِلْكَ قَائِمٌ فِي الْمَوْطُوءَةِ، لِأَنَّ الْإِيقَاعَ فِي الْمُنَكَّرَةِ، وَهِيَ مُعَيَّنَةٌ فَكَانَ وَطْؤُهَا حَلَالًا، فَلَا يُجْعَلُ بَيَانًا، وَلِهَذَا حَلَّ وَطْؤُهُمَا عَلَى مَذْهَبِهِ إلَّا أَنَّهُ لَا يُفْتَى بِهِ، ثُمَّ يُقَالُ الْعِتْقُ غَيْرُ نَازِلٍ قَبْلَ الْبَيَانِ لِتَعَلُّقِهِ بِهِ، أَوْ يُقَالُ نَازِلٌ فِي الْمُنَكَّرَةِ، فَيَظْهَرُ فِي حَقِّ حُكْمِ تَقَبُّلِهِ، وَالْوَطْءُ يُصَادِفُ الْمُعَيَّنَةَ بِخِلَافِ الطَّلَاقِ، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الْأَصْلِيَّ مِنْ النِّكَاحِ الْوَلَدُ، وَقَصْدُ الْوَلَدِ بِالْوَطْءِ يَدُلُّ عَلَى اسْتِبْقَاءِ الْمِلْكِ فِي الْمَوْطُوءَةِ صِيَانَةً لِلْوَلَدِ.
أَمَّا الْأَمَةُ فَالْمَقْصُودُ مِنْ وَطْئِهَا قَضَاءُ الشَّهْوَةِ دُونَ الْوَلَدِ فَلَا يَدُلُّ عَلَى الِاسْتِبْقَاءِ.
(وَمَنْ قَالَ لِأَمَتِهِ إنْ كَانَ أَوَّلُ وَلَدٍ تَلِدِينَهُ غُلَامًا فَأَنْتِ حُرَّةٌ فَوَلَدَتْ غُلَامًا وَجَارِيَةً، وَلَا يُدْرَى أَيُّهُمَا وُلِدَ أَوَّلًا عَتَقَ نِصْفُ الْجَارِيَةِ وَالْغُلَامُ عَبْدٌ) لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا تُعْتَقُ فِي حَالٍ، وَهُوَ مَا إذَا وَلَدَتْ الْغُلَامَ أَوَّلَ مَرَّةٍ الْأُمُّ بِالشَّرْطِ وَالْجَارِيَةُ لِكَوْنِهَا تَبَعًا لَهَا إذْ الْأُمُّ حُرَّةٌ حِينَ وَلَدَتْهَا وَتُرَقَّ فِي حَالٍ وَهُوَ مَا إذَا وَلَدَتْ الْجَارِيَةَ أَوَّلًا لِعَدَمِ الشَّرْطِ فَيُعْتَقُ نِصْفُ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا وَتَسْعَى فِي النِّصْفِ.
أَمَّا الْغُلَامُ يُرَقَّ فِي الْحَالَيْنِ، فَلِهَذَا يَكُونُ عَبْدًا، وَإِنْ ادَّعَتْ الْأُمُّ أَنَّ الْغُلَامَ هُوَ الْمَوْلُودُ أَوَّلًا وَأَنْكَرَ الْمَوْلَى، وَالْجَارِيَةُ صَغِيرَةٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ الْيَمِينِ لِإِنْكَارِهِ شَرْطَ الْعِتْقِ، فَإِنْ حَلَفَ لَمْ يُعْتَقْ وَاحِدٌ مِنْهُمْ، وَإِنْ نَكَلَ عَتَقَتْ الْأُمُّ وَالْجَارِيَةُ، لِأَنَّ دَعْوَى الْأُمِّ حُرِّيَّةَ الصَّغِيرَةِ مُعْتَبَرَةٌ لِكَوْنِهَا نَفْعًا مَحْضًا فَاعْتُبِرَ النُّكُولُ فِي حَقِّ حُرِّيَّتِهِمَا فَعَتَقَا، وَلَوْ كَانَتْ الْجَارِيَةُ كَبِيرَةً وَلَمْ تَدَّعِ شَيْئًا وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا عَتَقَتْ الْأُمُّ بِنُكُولِ الْمَوْلَى خَاصَّةً دُونَ الْجَارِيَةِ، لِأَنَّ دَعْوَى الْأُمِّ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ فِي حَقِّ الْجَارِيَةِ الْكَبِيرَةِ، وَصِحَّةُ النُّكُولِ تُبْتَنَى عَلَى الدَّعْوَى فَلَمْ يَظْهَرْ فِي حَقِّ الْجَارِيَةِ، وَلَوْ كَانَتْ الْجَارِيَةُ الْكَبِيرَةُ هِيَ الْمُدَّعِيَةَ لِسَبْقِ وِلَادَةِ الْغُلَامِ وَالْأُمُّ سَاكِتَةٌ يَثْبُتُ عِتْقُ الْجَارِيَةِ بِنُكُولِ الْمَوْلَى دُونَ الْأُمِّ لِمَا قُلْنَا، وَالتَّحْلِيفُ عَلَى الْعِلْمِ فِيمَا ذَكَرْنَا، لِأَنَّهُ اسْتِحْلَافٌ عَلَى فِعْلِ الْغَيْرِ وَبِهَذَا الْقَدْرِ يُعْرَفُ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْوُجُوهِ فِي كِفَايَةِ الْمُنْتَهَى.
قَالَ: (وَإِذَا شَهِدَ رَجُلَانِ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ أَعْتَقَ أَحَدَ عَبْدَيْهِ، فَالشَّهَادَةُ بَاطِلَةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي وَصِيَّةٍ) اسْتِحْسَانًا ذَكَرَهُ فِي كِتَابِ الْعَتَاقِ (وَإِنْ شَهِدَ أَنَّهُ طَلَّقَ إحْدَى نِسَائِهِ جَازَتْ الشَّهَادَةُ، وَيُجْبَرُ الزَّوْجُ عَلَى أَنْ يُطَلِّقَ إحْدَاهُنَّ) وَهَذَا بِالْإِجْمَاعِ (وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ: الشَّهَادَةُ فِي الْعِتْقِ مِثْلُ ذَلِكَ) وَأَصْلُ هَذَا أَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى عِتْقِ الْعَبْدِ لَا تُقْبَلُ مِنْ غَيْرِ دَعْوَى الْعَبْدِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَعِنْدَهُمَا تُقْبَلُ، وَالشَّهَادَةُ عَلَى عِتْقِ الْأَمَةِ، وَطَلَاقِ الْمَنْكُوحَةِ مَقْبُولَةٌ مِنْ غَيْرِ دَعْوَى بِالِاتِّفَاقِ، وَالْمَسْأَلَةُ مَعْرُوفَةٌ، وَإِذَا كَانَ دَعْوَى الْعَبْدِ شَرْطًا عِنْدَهُ لَمْ تَتَحَقَّقْ فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ، لِأَنَّ الدَّعْوَى مِنْ الْمَجْهُولِ لَا تَتَحَقَّقُ فَلَا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ، وَعِنْدَهُمَا لَيْسَ بِشَرْطٍ فَتُقْبَلُ الشَّهَادَةُ وَإِنْ انْعَدَمَ الدَّعْوَى أَمَّا فِي الطَّلَاقِ، فَعَدَمُ الدَّعْوَى لَا يُوجِبُ خَلَلًا فِي الشَّهَادَةِ، لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِشَرْطٍ فِيهَا، وَلَوْ شَهِدَا أَنَّهُ أَعْتَقَ إحْدَى أَمَتَيْهِ لَا تُقْبَلُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ الدَّعْوَى شَرْطًا فِيهِ، لِأَنَّهُ إنَّمَا لَا تُشْتَرَطُ الدَّعْوَى لِمَا أَنَّهُ يَتَضَمَّنُ تَحْرِيمَ الْفَرْجِ فَشَابَهَ الطَّلَاقَ، وَالْعِتْقُ الْمُبْهَمُ لَا يُوجِبُ تَحْرِيمَ الْفَرْجِ عِنْدَهُ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ فَصَارَ كَالشَّهَادَةِ عَلَى عِتْقِ أَحَدِ الْعَبْدَيْنِ، وَهَذَا كُلُّهُ إذَا شَهِدَا فِي صِحَّتِهِ عَلَى أَنَّهُ أَعْتَقَ أَحَدَ عَبْدَيْهِ.
أَمَّا إذَا شَهِدَا أَنَّهُ أَعْتَقَ أَحَدَ عَبْدَيْهِ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ أَوْ شَهِدَا عَلَى تَدْبِيرِهِ فِي صِحَّتِهِ أَوْ فِي مَرَضِهِ وَأَدَاءُ الشَّهَادَةِ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ أَوْ بَعْدَ الْوَفَاةِ تُقْبَلُ اسْتِحْسَانًا، لِأَنَّ التَّدْبِيرَ حَيْثُمَا وَقَعَ وَقَعَ وَصِيَّةً، وَكَذَا الْعِتْقُ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ وَصِيَّةٌ، وَالْخَصْمُ فِي الْوَصِيَّةِ إنَّمَا هُوَ الْمُوصِي، وَهُوَ مَعْلُومٌ وَعَنْهُ خَلَفٌ وَهُوَ الْوَصِيُّ أَوْ الْوَارِثُ، وَلِأَنَّ الْعِتْقَ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ يَشِيعُ بِالْمَوْتِ فِيهِمَا فَصَارَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا خَصْمًا مُتَعَيِّنًا، وَلَوْ شَهِدَا بَعْدَ مَوْتِهِ أَنَّهُ قَالَ فِي صِحَّتِهِ أَحَدُكُمَا حُرٌّ فَقَدْ قِيلَ لَا تُقْبَلُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِوَصِيَّةٍ، وَقِيلَ تُقْبَلُ لِلشُّيُوعِ وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

.بَابُ الْحَلِفِ بِالْعِتْقِ:

(وَمَنْ قَالَ: إذَا دَخَلْتُ الدَّارَ فَكُلُّ مَمْلُوكٍ لِي يَوْمَئِذٍ فَهُوَ حُرٌّ، وَلَيْسَ لَهُ مَمْلُوكٌ فَاشْتَرَى مَمْلُوكًا، ثُمَّ دَخَلَ عَتَقَ) لِأَنَّ قَوْلَهُ يَوْمَئِذٍ تَقْدِيرُهُ يَوْمَ إذْ دَخَلْتُ إلَّا أَنَّهُ أَسْقَطَ الْفِعْلَ وَعَوَّضَهُ بِالتَّنْوِينِ فَكَانَ الْمُعْتَبَرُ قِيَامَ الْمِلْكِ وَقْتَ الدُّخُولِ، وَكَذَا لَوْ كَانَ فِي مِلْكِهِ يَوْمَ حَلَفَ عَبْدٌ فَبَقِيَ عَلَى مِلْكِهِ حَتَّى دَخَلَ عَتَقَ لِمَا قُلْنَا.
قَالَ: (وَلَوْ لَمْ يَكُنْ قَالَ فِي يَمِينِهِ يَوْمَئِذٍ لَمْ يُعْتَقْ) لِأَنَّ قَوْلَهُ كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي لِلْحَالِ، وَالْجَزَاءُ حُرِّيَّةُ الْمَمْلُوكِ فِي الْحَالِ إلَّا أَنَّهُ لَمَّا دَخَلَ الشَّرْطُ عَلَى الْجَزَاءِ تَأَخَّرَ إلَى وُجُودِ الشَّرْطِ، فَيُعْتَقُ إذَا بَقِيَ عَلَى مِلْكِهِ إلَى وَقْتِ الدُّخُولِ، وَلَا يَتَنَاوَلُ مَنْ اشْتَرَاهُ بَعْدَ الْيَمِينِ.
(وَمَنْ قَالَ كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي ذَكَرٌ فَهُوَ حُرٌّ وَلَهُ جَارِيَةٌ حَامِلٌ فَوَلَدَتْ ذَكَرًا لَمْ يَعْتَقْ) وَهَذَا إذَا وَلَدَتْ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا ظَاهِرٌ، لِأَنَّ اللَّفْظَ لِلْحَالِ، وَفِي قِيَامِ الْحَمْلِ وَقْتَ الْيَمِينِ احْتِمَالٌ لِوُجُودِ أَقَلِّ مُدَّةِ الْحَمْلِ بَعْدَهُ، وَكَذَا إذَا وَلَدَتْ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ، لِأَنَّ اللَّفْظَ يَتَنَاوَلُ الْمَمْلُوكَ الْمُطْلَقَ، وَالْجَنِينُ مَمْلُوكٌ تَبَعًا لِلْأُمِّ لَا مَقْصُودًا، وَلِأَنَّهُ عُضْوٌ مِنْ وَجْهٍ وَاسْمُ الْمَمْلُوكِ يَتَنَاوَلُ الْأَنْفُسَ دُونَ الْأَعْضَاءِ، وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُ بَيْعَهُ مُنْفَرِدًا.
قَالَ الْعَبْدُ الضَّعِيفُ: وَفَائِدَةُ التَّقْيِيدِ بِوَصْفِ الذُّكُورَةِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي تُدْخِلُ الْحَامِلَ فَيَدْخُلُ الْحَمْلُ تَبَعًا لَهَا.
(وَإِنْ قَالَ كُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ حُرٌّ بَعْدَ غَدٍ أَوْ قَالَ كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي فَهُوَ حُرٌّ بَعْدَ غَدٍ، وَلَهُ مَمْلُوكٌ فَاشْتَرَى آخَرَ، ثُمَّ جَاءَ بَعْدَ غَدٍ عَتَقَ الَّذِي فِي مِلْكِهِ يَوْمَ حَلَفَ) لِأَنَّ قَوْلَهُ أَمْلِكُهُ لِلْحَالِ حَقِيقَةً يُقَالُ أَنَا أَمْلِكُ كَذَا وَكَذَا وَيُرَادُ بِهِ الْحَالُ، وَكَذَا يُسْتَعْمَلُ لَهُ مِنْ غَيْرِ قَرِينَةٍ، وَلِلِاسْتِقْبَالِ بِقَرِينَةِ السِّينِ أَوْ سَوْفَ، فَيَكُونُ مُطْلَقُهُ لِلْحَالِ فَكَانَ الْجَزَاءُ حُرِّيَّةَ الْمَمْلُوكِ فِي الْحَالِ مُضَافًا إلَى مَا بَعْدَ الْغَدِ فَلَا يَتَنَاوَلُ مَا يَشْتَرِيهِ بَعْدَ الْيَمِينِ.
(وَلَوْ قَالَ: كُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ أَوْ قَالَ: كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي وَلَهُ مَمْلُوكٌ فَاشْتَرَى مَمْلُوكًا آخَرَ، فَاَلَّذِي كَانَ عِنْدَهُ وَقْتَ الْيَمِينِ مُدَبَّرٌ وَالْآخَرُ لَيْسَ بِمُدَبَّرٍ، وَإِنْ مَاتَ عَتَقَا مِنْ الثُّلُثِ).
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي النَّوَادِرِ: يَعْتِقُ مَا كَانَ فِي مِلْكِهِ يَوْمَ حَلَفَ، وَلَا يَعْتِقُ مَا اسْتَفَادَ بَعْدَ يَمِينِهِ، وَعَلَى هَذَا إذَا قَالَ كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي إذَا مِتُّ فَهُوَ حُرٌّ، لَهُ أَنَّ اللَّفْظَ حَقِيقَةٌ لِلْحَالِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ، فَلَا يَعْتِقُ بِهِ مَا سَيَمْلِكُهُ، وَلِهَذَا صَارَ هُوَ مُدَبَّرًا دُونَ الْآخَرِ، وَلَهُمَا أَنَّ هَذَا إيجَابُ عِتْقٍ وَإِيصَاءٌ حَتَّى اُعْتُبِرَ مِنْ الثُّلُثِ، وَفِي الْوَصَايَا تُعْتَبَرُ الْحَالَةُ الْمُنْتَظَرَةُ وَالْحَالَةُ الرَّاهِنَةُ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَدْخُلُ فِي الْوَصِيَّةِ بِالْمَالِ مَا يَسْتَفِيدُهُ بَعْدَ الْوَصِيَّةِ، وَفِي الْوَصِيَّةِ لِأَوْلَادِ فُلَانٍ مَنْ يُولَدُ لَهُ بَعْدَهَا، وَالْإِيجَابُ إنَّمَا يَصِحُّ مُضَافًا إلَى الْمِلْكِ أَوْ إلَى سَبَبِهِ فَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ إيجَابُ الْعِتْقِ يَتَنَاوَلُ الْعَبْدَ الْمَمْلُوكَ اعْتِبَارًا لِلْحَالَةِ الرَّاهِنَةِ فَيَصِيرُ مُدَبَّرًا حَتَّى لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ، وَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ إيصَاءٌ يَتَنَاوَلُ الَّذِي يَشْتَرِيهِ اعْتِبَارًا لِلْحَالَةِ الْمُتَرَبِّصَةِ وَهِيَ حَالَةُ الْمَوْتِ، وَقَبْلَ الْمَوْتِ حَالَةُ التَّمَلُّكِ اسْتِقْبَالٌ مَحْضٌ فَلَا يَدْخُلُ تَحْتَ اللَّفْظِ وَعِنْدَ الْمَوْتِ يَصِيرُ كَأَنَّهُ قَالَ: كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي، أَوْ كُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ فَهُوَ حُرٌّ، بِخِلَافِ قَوْلِهِ بَعْدَ غَدٍ عَلَى مَا تَقَدَّمَ، لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ وَاحِدٌ وَهُوَ إيجَابُ الْعِتْقِ، وَلَيْسَ فِيهِ إيصَاءٌ، وَالْحَالَةُ مَحْضُ اسْتِقْبَالٍ فَافْتَرَقَا، وَلَا يُقَالُ إنَّكُمْ جَمَعْتُمْ بَيْنَ الْحَالِ وَالِاسْتِقْبَالِ، لِأَنَّا نَقُولُ نَعَمْ لَكِنْ بِسَبَبَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ إيجَابُ عِتْقٍ وَوَصِيَّةٌ، وَإِنَّمَا لَا يَجُوزُ ذَلِكَ بِسَبَبٍ وَاحِدٍ.

.بَابُ الْعَتْقِ عَلَى جُعْلٍ:

(وَمَنْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ عَلَى مَالٍ فَقَبِلَ الْعَبْدُ عَتَقَ) وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ أَنْتَ حُرٌّ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ أَوْ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ، وَإِنَّمَا يَعْتِقُ بِقَبُولِهِ، لِأَنَّهُ مُعَاوَضَةُ الْمَالِ بِغَيْرِ الْمَالِ، إذْ الْعَبْدُ لَا يَمْلِكُ نَفْسَهُ، وَمِنْ قَضِيَّةِ الْمُعَاوَضَةِ ثُبُوتُ الْحُكْمِ بِقَبُولِ الْعِوَضِ لِلْحَالِ كَمَا فِي الْبَيْعِ فَإِذَا قَبِلَ صَارَ حُرًّا وَمَا شُرِطَ دَيْنٌ عَلَيْهِ حَتَّى تَصِحَّ الْكَفَالَةُ بِهِ، بِخِلَافِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ، لِأَنَّهُ ثَبَتَ مَعَ الْمُنَافِي وَهُوَ قِيَامُ الرِّقِّ عَلَى مَا عُرِفَ، وَإِطْلَاقُ لَفْظِ الْمَالِ يَنْتَظِمُ أَنْوَاعَهُ مِنْ النَّقْدِ وَالْعَرَضِ وَالْحَيَوَانِ، وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ عَيْنِهِ لِأَنَّهُ مُعَاوَضَةُ الْمَالِ بِغَيْرِ الْمَالِ فَشَابَهَ النِّكَاحَ وَالطَّلَاقَ وَالصُّلْحَ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ، وَكَذَا الطَّعَامُ وَالْمَكِيلُ وَالْمَوْزُونُ إذَا كَانَ مَعْلُومَ الْجِنْسِ وَلَا تَضُرُّهُ جَهَالَةُ الْوَصْفِ لِأَنَّهَا يَسِيرَةٌ.
قَالَ: (وَلَوْ عَلَّقَ عِتْقَهُ بِأَدَاءِ الْمَالِ صَحَّ وَصَارَ مَأْذُونًا) وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ: إنْ أَدَّيْتَ إلَيَّ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَأَنْتَ حُرٌّ، وَمَعْنَى قَوْلِهِ صَحَّ أَنَّهُ يَعْتِقُ عِنْدَ الْأَدَاءِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَصِيرَ مُكَاتَبًا، لِأَنَّهُ صَرِيحٌ فِي تَعْلِيقِ الْعِتْقِ بِالْأَدَاءِ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ مَعْنَى الْمُعَاوَضَةِ فِي الِانْتِهَاءِ عَلَى مَا نُبَيِّنُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَإِنَّمَا صَارَ مَأْذُونًا، لِأَنَّهُ رَغَّبَهُ فِي الِاكْتِسَابِ بِطَلَبِهِ الْأَدَاءَ مِنْهُ وَمُرَادُهُ التِّجَارَةُ دُونَ التَّكَدِّي فَكَانَ إذْنًا لَهُ دَلَالَةً.
(وَإِنْ أَحْضَرَ الْمَالَ أَجْبَرَهُ الْحَاكِمُ عَلَى قَبْضِهِ وَعَتَقَ الْعَبْدُ) وَمَعْنَى الْإِجْبَارِ فِيهِ وَفِي سَائِرِ الْحُقُوقِ أَنَّهُ يُنَزَّلُ قَابِضًا بِالتَّخْلِيَةِ.
وَقَالَ زُفَرُ رَحِمَهُ اللَّهُ: لَا يُجْبَرُ عَلَى الْقَبُولِ، وَهُوَ الْقِيَاسُ لِأَنَّهُ تَصَرُّفُ يَمِينٍ، إذْ هُوَ تَعْلِيقُ الْعِتْقِ بِالشَّرْطِ لَفْظًا، وَلِهَذَا لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى قَبُولِ الْعَبْدِ وَلَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ، وَلَا جَبْرَ عَلَى مُبَاشَرَةِ شُرُوطِ الْأَيْمَانِ، لِأَنَّهُ لَا اسْتِحْقَاقَ قَبْلَ وُجُودِ الشَّرْطِ بِخِلَافِ الْكِتَابَةِ، لِأَنَّهُ مُعَاوَضَةٌ وَالْبَدَلُ فِيهَا وَاجِبٌ.
وَلَنَا أَنَّهُ تَعْلِيقٌ نَظَرًا إلَى اللَّفْظِ وَمُعَاوَضَةٌ نَظَرًا إلَى الْمَقْصُودِ، لِأَنَّهُ مَا عَلَّقَ عِتْقَهُ بِالْأَدَاءِ إلَّا لِيَحُثَّهُ عَلَى دَفْعِ الْمَالِ فَيَنَالَ الْعَبْدُ شَرَفَ الْحُرِّيَّةِ، وَالْمَوْلَى الْمَالَ بِمُقَابَلَتِهِ، بِمَنْزِلَةِ الْكِتَابَةِ، وَلِهَذَا كَانَ عِوَضًا فِي الطَّلَاقِ فِي مِثْلِ هَذَا اللَّفْظِ حَتَّى كَانَ بَائِنًا فَجَعَلْنَاهُ تَعْلِيقًا فِي الِابْتِدَاءِ عَمَلًا بِاللَّفْظِ وَدَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْ الْمَوْلَى، حَتَّى لَا يَمْتَنِعَ عَلَيْهِ بَيْعُهُ وَلَا يَكُونَ الْعَبْدُ أَحَقَّ بِمَكَاسِبِهِ، وَلَا يَسْرِي إلَى الْوَلَدِ الْمَوْلُودِ قَبْلَ الْأَدَاءِ، وَجَعَلْنَاهُ مُعَاوَضَةً فِي الِانْتِهَاءِ عِنْدَ الْأَدَاءِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْ الْعَبْدِ حَتَّى يُجْبَرَ الْمَوْلَى عَلَى الْقَبُولِ، فَعَلَى هَذَا يَدُورُ الْفِقْهُ، وَتُخَرَّجُ الْمَسَائِلُ، نَظِيرُهُ الْهِبَةُ بِشَرْطِ الْعِوَضِ، وَلَوْ أَدَّى الْبَعْضَ يُجْبَرُ عَلَى الْقَبُولِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَعْتِقُ مَا لَمْ يُؤَدِّ الْكُلَّ لِعَدَمِ الشَّرْطِ كَمَا إذَا حَطَّ الْبَعْضَ وَأَدَّى الْبَاقِيَ، ثُمَّ لَوْ أَدَّى أَلْفًا اكْتَسَبَهَا قَبْلَ التَّعْلِيقِ رَجَعَ الْمَوْلَى عَلَيْهِ وَعَتَقَ لِاسْتِحْقَاقِهَا، وَلَوْ كَانَ اكْتَسَبَهَا بَعْدَهُ لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ مِنْ جِهَتِهِ بِالْأَدَاءِ مِنْهُ، ثُمَّ الْأَدَاءُ فِي قَوْلِهِ إنْ أَدَّيْت يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ لِأَنَّهُ تَخْيِيرٌ، وَفِي قَوْلِهِ إذَا أَدَّيْت لَا يَقْتَصِرُ، لِأَنَّ إذَا تُسْتَعْمَلُ لِلْوَقْتِ بِمَنْزِلَةِ مَتَى.
(وَمَنْ قَالَ لِعَبْدِهِ أَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ فَالْقَبُولُ بَعْدَ الْمَوْتِ) لِإِضَافَةِ الْإِيجَابِ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ فَصَارَ كَمَا إذَا قَالَ: أَنْتَ حُرٌّ غَدًا عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ، بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ أَنْتَ مُدَبَّرٌ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ حَيْثُ يَكُونُ الْقَبُولُ إلَيْهِ فِي الْحَالِ، لِأَنَّ إيجَابَ التَّدْبِيرِ فِي الْحَالِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْمَالُ لِقِيَامِ الرِّقِّ، قَالُوا لَا يَعْتِقُ عَلَيْهِ فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ، وَإِنْ قَبِلَ بَعْدَ الْمَوْتِ مَا لَمْ يُعْتِقْهُ الْوَارِثُ لِأَنَّ الْمَيِّتَ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِلْإِعْتَاقِ، وَهَذَا صَحِيحٌ.
قَالَ: (وَمَنْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ عَلَى خِدْمَتِهِ أَرْبَعَ سِنِينَ فَقَبِلَ الْعَبْدُ فَمَاتَ مَنْ عَتَقَ مِنْ سَاعَتِهِ فَعَلَيْهِ قِيمَةُ نَفْسِهِ فِي مَالِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ قِيمَةُ خِدْمَتِهِ أَرْبَعَ سِنِينَ) أَمَّا الْعِتْقُ فَلِأَنَّهُ جَعَلَ الْخِدْمَةَ فِي مُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ عِوَضًا فَيَتَعَلَّقُ الْعِتْقُ بِالْقَبُولِ، وَقَدْ وُجِدَ وَلَزِمَهُ خِدْمَةُ أَرْبَعِ سِنِينَ، لِأَنَّهُ يَصْلُحُ عِوَضًا فَصَارَ كَمَا إذَا أَعْتَقَهُ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ.
ثُمَّ إذَا مَاتَ الْعَبْدُ فَالْخِلَافِيَّةُ فِيهِ بِنَاءً عَلَى خِلَافِيَّةٍ أُخْرَى، وَهِيَ أَنَّ مَنْ بَاعَ نَفْسَ الْعَبْدِ مِنْهُ بِجَارِيَةٍ عَيَّنَهَا، ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ الْجَارِيَةُ أَوْ هَلَكَتْ يَرْجِعُ الْمَوْلَى عَلَى الْعَبْدِ بِقِيمَةِ نَفْسِهِ عِنْدَهُمَا، وَبِقِيمَةِ الْجَارِيَةِ عِنْدَهُ، وَهِيَ مَعْرُوفَةٌ وَوَجْهُ الْبِنَاءِ أَنَّهُ كَمَا يَتَعَذَّرُ تَسْلِيمُ الْجَارِيَةِ بِالْمِلَاكِ وَالِاسْتِحْقَاقِ يَتَعَذَّرُ الْوُصُولُ إلَى الْخِدْمَةِ بِمَوْتِ الْعَبْدِ، وَكَذَا بِمَوْتِ الْمَوْلَى فَصَارَ نَظِيرَهَا.
(وَمَنْ قَالَ لِآخَرَ أَعْتِقْ أَمَتَك عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ عَلَى أَنْ تُزَوِّجَنِيهَا فَفَعَلَ فَأَبَتْ أَنْ تَتَزَوَّجَهُ فَالْعِتْقُ جَائِزٌ وَلَا شَيْءَ عَلَى الْآمِرِ) لِأَنَّ مَنْ قَالَ لِغَيْرِهِ أَعْتِقْ عَبْدَك عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ عَلَيَّ فَفَعَلَ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ وَيَقَعُ الْعِتْقُ عَنْ الْمَأْمُورِ، بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ لِغَيْرِهِ طَلِّقْ امْرَأَتَك عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ عَلَيَّ فَفَعَلَ حَيْثُ يَجِبُ الْأَلْفُ عَلَى الْآمِرِ لِأَنَّ اشْتِرَاطَ الْبَدَلِ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ فِي الطَّلَاقِ جَائِزٌ وَفِي الْعِتْقِ لَا يَجُوزُ، وَقَدْ قَرَّرْنَاهُ مِنْ قَبْلُ.
(وَلَوْ قَالَ أَعْتِقْ أَمَتَك عَنِّي عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا قُسِمَتْ الْأَلْفُ عَلَى قِيمَتِهَا وَمَهْرِ مِثْلِهَا، فَمَا أَصَابَ الْقِيمَةَ أَدَّاهُ الْآمِرُ، وَمَا أَصَابَ الْمَهْرَ بَطَلَ عَنْهُ) لِأَنَّهُ لَمَّا قَالَ عَنِّي تَضَمَّنَ الشِّرَاءَ اقْتِضَاءً عَلَى مَا عُرِفَ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَقَدْ قَابَلَ الْأَلْفَ بِالرَّقَبَةِ شِرَاءً وَبِالْبُضْعِ نِكَاحًا فَانْقَسَمَ عَلَيْهَا، وَوَجَبَتْ حِصَّةُ مَا سَلِمَ لَهُ، وَهُوَ الرَّقَبَةُ وَبَطَلَ عَنْهُ مَا لَمْ يَسْلَمْ وَهُوَ الْبُضْعُ، فَلَوْ زَوَّجَتْ نَفْسَهَا مِنْهُ لَمْ يَذْكُرْهُ.
وَجَوَابُهُ أَنَّ مَا أَصَابَ قِيمَتَهَا سَقَطَ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ، وَهِيَ لِلْمَوْلَى فِي الْوَجْهِ الثَّانِي، وَمَا أَصَابَ مَهْرَ مِثْلِهَا كَانَ مَهْرًا لَهَا فِي الْوَجْهَيْنِ.