فصل: فصلٌ فِي التَّخَارُجِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية (نسخة منقحة)



.فصلٌ فِي التَّخَارُجِ:

قَالَ: (وَإِذَا كَانَتْ الشَّرِكَةُ بَيْنَ وَرَثَةٍ فَأَخْرَجُوا أَحَدَهُمْ مِنْهَا بِمَالٍ أَعْطَوْهُ إيَّاهُ وَالتَّرِكَةُ عَقَارٌ أَوْ عُرُوضٌ جَازَ قَلِيلًا كَانَ مَا أَعْطَوْهُ إيَّاهُ أَوْ كَثِيرًا)، لِأَنَّهُ أَمْكَنَ تَصْحِيحُهُ بَيْعًا، وَفِيهِ أَثَرُ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَإِنَّهُ صَالَحَ تُمَاضِرَ الْأَشْجَعِيَّةَ امْرَأَةَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ رُبُعِ ثُمُنِهَا عَلَى ثَمَانِينَ أَلْفَ دِينَارٍ.
قَالَ: (وَإِنْ كَانَتْ التَّرِكَةُ فِضَّةً فَأَعْطَوْهُ ذَهَبًا أَوْ كَانَ ذَهَبًا فَأَعْطَوْهُ فِضَّةً فَهُوَ كَذَلِكَ)، لِأَنَّهُ بَيْعُ الْجِنْسِ بِخِلَافِ الْجِنْسِ فَلَا يُعْتَبَرُ التَّسَاوِي، وَيُعْتَبَرُ التَّقَابُضُ فِي الْمَجْلِسِ، لِأَنَّهُ صَرْفٌ غَيْرَ أَنَّ الَّذِي فِي يَدِهِ بَقِيَّةُ التَّرِكَةِ إنْ كَانَ جَاحِدًا يُكْتَفَى بِذَلِكَ الْقَبْضِ، لِأَنَّهُ قَبْضُ ضَمَانٍ فَيَنُوبُ عَنْ قَبْضِ الصُّلْحِ (وَإِنْ كَانَ مُقِرًّا لَا بُدَّ مِنْ تَجْدِيدِ الْقَبْضِ)، لِأَنَّهُ قَبْضُ أَمَانَةٍ فَلَا يَنُوبُ عَنْ قَبْضِ الصُّلْحِ (وَإِنْ كَانَتْ التَّرِكَةُ ذَهَبًا وَفِضَّةً وَغَيْرَ ذَلِكَ فَصَالَحُوهُ عَلَى ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مَا أَعْطَوْهُ أَكْثَرَ مِنْ نَصِيبِهِ مِنْ ذَلِكَ الْجِنْسِ حَتَّى يَكُونَ نَصِيبُهُ بِمِثْلِهِ وَالزِّيَادَةُ بِحَقِّهِ مِنْ بَقِيَّةِ التَّرِكَةِ) احْتِرَازًا عَنْ الرِّبَا، وَلَا بُدَّ مِنْ التَّقَابُضِ فِيمَا يُقَابِلُ نَصِيبَهُ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، لِأَنَّهُ صَرْفٌ فِي هَذَا الْقَدْرِ، وَلَوْ كَانَ بَدَلُ الصُّلْحِ عَرْضًا جَازَ مُطْلَقًا لِعَدَمِ الرِّبَا، وَلَوْ كَانَ فِي التَّرِكَةِ دَرَاهِمُ وَدَنَانِيرُ وَبَدَلُ الصُّلْحِ دَرَاهِمَ وَدَنَانِيرَ أَيْضًا جَازَ الصُّلْحُ كَيْفَمَا كَانَ صَرْفًا لِلْجِنْسِ إلَى خِلَافِ الْجِنْسِ كَمَا فِي الْبَيْعِ لَكِنْ يُشْتَرَطُ التَّقَابُضُ لِلصَّرْفِ.
قَالَ: (وَإِنْ كَانَ فِي التَّرِكَةِ دَيْنٌ عَلَى النَّاسِ فَأَدْخَلُوهُ فِي الصُّلْحِ عَلَى أَنْ يُخْرِجُوا الْمُصَالَحَ عَنْهُ وَيَكُونَ الدَّيْنُ لَهُمْ فَالصُّلْحُ بَاطِلٌ)، لِأَنَّ فِيهِ تَمْلِيكَ الدَّيْنِ مِنْ غَيْرِ مَنْ عَلَيْهِ وَهُوَ حِصَّةُ الْمُصَالِحِ (وَإِنْ شَرَطُوا أَنْ يَبْرَأَ الْغُرَمَاءُ مِنْهُ وَلَا يَرْجِعَ عَلَيْهِمْ بِنَصِيبِ الْمُصَالَحِ فَالصُّلْحُ جَائِزٌ)، لِأَنَّهُ إسْقَاطٌ، وَهُوَ تَمْلِيكُ الدَّيْنِ مِمَّنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ وَهُوَ جَائِزٌ وَهَذِهِ حِيلَةُ الْجَوَازِ، وَأُخْرَى أَنْ يُعَجِّلُوا قَضَاءَ نَصِيبِهِ مُتَبَرِّعِينَ وَفِي الْوَجْهَيْنِ ضَرَرٌ لِبَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ.
وَالْأَوْجَهُ أَنْ يُقْرِضُوا الْمُصَالَحَ مِقْدَارَ نَصِيبِهِ وَيُصَالِحُوا عَمَّا وَرَاءَ الدَّيْنِ، وَيُحِيلَهُمْ عَلَى اسْتِيفَاءِ نَصِيبِهِ مِنْ الْغُرَمَاءِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي التَّرِكَةِ دَيْنٌ وَأَعْيَانُهَا غَيْرُ مَعْلُومَةٍ.
وَالصُّلْحُ عَلَى الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ، قِيلَ لَا يَجُوزُ لِاحْتِمَالِ الرِّبَا، وَقِيلَ يَجُوزُ، لِأَنَّهُ شُبْهَةُ الشُّبْهَةِ، وَلَوْ كَانَتْ التَّرِكَةُ غَيْرَ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ لَكِنَّهَا أَعْيَانٌ غَيْرُ مَعْلُومَةٍ، قِيلَ لَا يَجُوزُ لِكَوْنِهِ بَيْعًا إذْ الْمُصَالَحُ عَنْهُ عَيْنٌ.
وَالْأَصْلَحُ أَنَّهُ يَجُوزُ، لِأَنَّهَا لَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ لِقِيَامِ الْمُصَالَحِ عَنْهُ فِي يَدِ الْبَقِيَّةِ مِنْ الْوَرَثَةِ، وَإِنْ كَانَ عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ لَا يَجُوزُ الصُّلْحُ وَلَا الْقِسْمَةُ، لِأَنَّ التَّرِكَةَ لَمْ يَتَمَلَّكْهَا الْوَارِثُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُسْتَغْرِقًا لَا يَنْبَغِي أَنْ يُصَالِحُوا مَا لَمْ يَقْضُوا دَيْنَهُ فَتُقَدَّمُ حَاجَةُ الْمَيِّتِ وَلَوْ فَعَلُوا قَالُوا يَجُوزُ، وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْقِسْمَةِ أَنَّهَا لَا تَجُوزُ اسْتِحْسَانًا وَتَجُوزُ قِيَاسًا.
الشرح:
فصلٌ:
قَوْلُهُ: رُوِيَ أَنَّ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ صَالَحَ تُمَاضِرَ الْأَشْجَعِيَّةَ امْرَأَةَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَلَى رُبُعِ ثُمُنِهَا عَلَى ثَمَانِينَ أَلْفَ دِينَارٍ.
قُلْت: غَرِيبٌ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ فِي الْبُيُوعِ أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، أَنَّ امْرَأَةَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَخْرَجَهَا أَهْلُهُ مِنْ ثُلُثِ الثُّمُنِ بِثَلَاثَةٍ وَثَمَانِينَ أَلْفَ دِرْهَمٍ. انْتَهَى.
وَفِي الطَّبَقَاتِ لِابْنِ سَعْدٍ فِي تَرْجَمَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَخْبَرَنَا الْوَاقِدِيُّ حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ بْنِ قَمَاذِينَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: «بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ فِي سَبْعِمِائَةٍ إلَى دَوْمَةِ الْجَنْدَلِ فِي شَعْبَانَ سَنَةَ سِتٍّ مِنْ الْهِجْرَةِ، فَدَعَاهُمْ إلَى الْإِسْلَامِ، فَأَبَوْا ثَلَاثًا، ثُمَّ أَسْلَمَ رَأْسُهُمْ الْأَصْبَغُ بْنُ عَمْرٍو الْكَلْبِيُّ، فَبَعَثَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ، فَكَتَبَ إلَيْهِ أَنْ تَزَوَّجْ تُمَاضِرَ بِنْتَ الْأَصْبَغِ، فَتَزَوَّجَهَا، وَرَجَعَ بِهَا» وَهِيَ أُمُّ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ لَمْ تَلِدْ لَهُ غَيْرَهُ. انْتَهَى.
أَخْبَرَنَا عَارِمُ بْنُ الْفَضْلِ ثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ تُوُفِّيَ، وَكَانَ فِيمَا تَرَكَ ذَهَبٌ قُطِّعَ بِالْفُؤُوسِ، حَتَّى مَجِلَتْ مِنْهُ أَيْدِي الرِّجَالِ، وَتَرَكَ أَرْبَعَ نِسْوَةٍ، فَأُخْرِجَتْ مِنْهُنَّ امْرَأَةٌ مِنْ ثُمُنِهَا بِثَمَانِينَ أَلْفًا، انْتَهَى.
أَخْبَرَنَا الْوَاقِدِيُّ ثَنَا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ اللَّيْثِيُّ عَنْ صَالِحِ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، قَالَ: أَصَابَ تُمَاضِرَ بِنْتَ الْأَصْبَغِ رُبُعُ الثُّمُنِ، فَأُخْرِجَتْ بِمِائَةِ أَلْفٍ، وَهِيَ إحْدَى الْأَرْبَعِ. انْتَهَى.
أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ ثَنَا كَامِلٌ أَبُو الْعَلَاءِ سَمِعْت أَبَا صَالِحٍ قَالَ: مَاتَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، وَتَرَكَ ثَلَاثَ نِسْوَةٍ، فَأَصَابَ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِمَّا تَرَكَ ثَمَانُونَ أَلْفًا، ثَمَانُونَ أَلْفًا، انْتَهَى.
أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ ثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: كَانَ فِي تُمَاضِرَ سُوءُ خُلُقٍ، وَكَانَتْ عَلَى تَطْلِيقَتَيْنِ، فَلَمَّا مَرِضَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ طَلَّقَهَا الثَّالِثَةَ، فَوَرَّثَهَا عُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنْهُ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، انْتَهَى.

.كِتَابُ الْمُضَارَبَةِ:

الْمُضَارَبَةُ: مُشْتَقَّةٌ مِنْ الضَّرْبِ فِي الْأَرْضِ سُمِّيَ بِهَا، لِأَنَّ الْمُضَارِبَ يَسْتَحِقُّ الرِّبْحَ بِسَعْيِهِ وَعَمَلِهِ.
وَهِيَ مَشْرُوعَةٌ لِلْحَاجَةِ إلَيْهَا، فَإِنَّ النَّاسَ بَيْنَ غَنِيٍّ بِالْمَالِ غَبِيٍّ عَنْ التَّصَرُّفِ فِيهِ، وَبَيْنَ مُهْتَدٍ فِي التَّصَرُّفِ صِفْرِ الْيَدِ عَنْهُ، فَمَسَّتْ الْحَاجَةُ إلَى شَرْعِ هَذَا النَّوْعِ مِنْ التَّصَرُّفِ، لِيَنْتَظِمَ مَصْلَحَةُ الْغَبِيِّ وَالذَّكِيِّ وَالْفَقِيرِ وَالْغَنِيِّ، وَبُعِثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالنَّاسُ يُبَاشِرُونَهُ فَقَرَّرَهُمْ عَلَيْهِ، وَتَعَامَلَتْ بِهِ الصَّحَابَةُ ثُمَّ الْمَدْفُوعُ إلَى الْمُضَارِبِ أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ، لِأَنَّهُ قَبَضَهُ بِأَمْرِ مَالِكِهِ لَا عَلَى وَجْهِ الْبَدَلِ وَالْوَثِيقَةِ وَهُوَ وَكِيلٌ فِيهِ، لِأَنَّهُ يَتَصَرَّفُ فِيهِ بِأَمْرِ مَالِكِهِ، وَإِذَا رَبِحَ فَهُوَ شَرِيكٌ فِيهِ لِتَمَلُّكِهِ جُزْءًا مِنْ الْمَالِ بِعَمَلِهِ فَإِذَا فَسَدَتْ ظَهَرَتْ الْإِجَارَةُ حَتَّى اسْتَوْجَبَ الْعَامِلُ أَجْرَ مِثْلِهِ، وَإِذَا خَالَفَ كَانَ غَاصِبًا لِوُجُودِ التَّعَدِّي مِنْهُ عَلَى مَالِ غَيْرِهِ.
قَالَ: (الْمُضَارَبَةُ عَقْدٌ عَلَى الشَّرِكَةِ بِمَالٍ مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ) وَمُرَادُهُ الشَّرِكَةُ فِي الرِّبْحِ وَهُوَ يَسْتَحِقُّ بِالْمَالِ مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ (وَالْعَمَلِ مِنْ الْجَانِبِ الْآخَرِ) وَلَا مُضَارَبَةَ بِدُونِهَا.
أَلَا تَرَى أَنَّ الرِّبْحَ لَوْ شُرِطَ كُلُّهُ لِرَبِّ الْمَالِ كَانَ بِضَاعَةً، وَلَوْ شُرِطَ جَمِيعُهُ لِلْمُضَارِبِ كَانَ قَرْضًا.
قَالَ: (وَلَا تَصِحُّ إلَّا بِالْمَالِ الَّذِي تَصِحُّ بِهِ الشَّرِكَةُ) وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ مِنْ قَبْلُ، وَلَوْ دَفَعَ إلَيْهِ عَرْضًا وَقَالَ بِعْهُ وَاعْمَلْ مُضَارَبَةً فِي ثَمَنِهِ جَازَ، لِأَنَّهُ يَقْبَلُ الْإِضَافَةَ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ تَوْكِيلٌ وَإِجَارَةٌ فَلَا مَانِعَ مِنْ الصِّحَّةِ، وَكَذَا إذَا قَالَ لَهُ اقْبِضْ مَالِي عَلَى فُلَانٍ وَاعْمَلْ بِهِ مُضَارَبَةً جَازَ لِمَا قُلْنَا، بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ لَهُ اعْمَلْ بِالدَّيْنِ الَّذِي فِي ذِمَّتِك حَيْثُ لَا تَصِحُّ الْمُضَارَبَةُ، لِأَنَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا يَصِحُّ هَذَا التَّوْكِيلُ عَلَى مَا مَرَّ فِي الْبُيُوعِ.
وَعِنْدَهُمَا يَصِحُّ لَكِنْ يَقَعُ الْمِلْكُ فِي الْمُشْتَرَى لِلْأَمْرِ فَيَصِيرُ مُضَارَبَةً بِالْعَرْضِ.
الشرح:
كِتَابُ الْمُضَارَبَةِ:
حَدِيثُ: «أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ بُعِثَ، وَالنَّاسُ يَتَعَامَلُونَ بِهَا، فَقَرَّرَهُمْ عَلَيْهَا».
قُلْت: قَوْلُهُ: وَرُوِيَ أَنَّ الصَّحَابَةَ تَعَامَلُوا بِهَا.
قُلْت: رَوَى مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ، وَعُبَيْدَ اللَّهِ ابْنَيْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، خَرَجَا إلَى الْعِرَاقِ، فَأَعْطَاهُمَا أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ مِنْ مَالِ اللَّهِ عَلَى أَنْ يَبْتَاعَا بِهِ مَتَاعًا، وَيَبِيعَاهُ بِالْمَدِينَةِ، وَيُؤَدِّيَا رَأْسَ الْمَالِ لِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وَالرِّبْحُ لَهُمَا، فَلَمَّا قَدِمَا الْمَدِينَةَ رَبِحَا، فَقَالَ عُمَرُ: أَكُلُّ الْجَيْشِ أَسْلَفَهُ كَمَا أَسْلَفَكُمَا؟ قَالَا: لَا، فَقَالَ ابْنَا أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ فَأَسْلَفَكُمَا، أَدِّيَا الْمَالَ وَرِبْحَهُ، فَرَاجَعَهُ عُبَيْدُ اللَّهِ، وَقَالَ: مَا يَنْبَغِي هَذَا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، لَوْ هَلَكَ الْمَالُ، أَوْ نَقَصَ لَضَمِنَّاهُ، فَقَالَ لَهُ بَعْضُ جُلَسَائِهِ: لَوْ جَعَلْته قِرَاضًا، فَأَخَذَ عُمَرُ الْمَالَ وَنِصْفَ رِبْحِهِ، وَأَعْطَاهُمَا النِّصْفَ، انْتَهَى.
وَعَنْ مَالِكٍ رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ فِي مُسْنَدِهِ، وَمِنْ طَرِيقِ الشَّافِعِيِّ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ، وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ فِي الْبُيُوعِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، فَذَكَرَهُ.
أَثَرٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ مَالِكٌ أَيْضًا عَنْ يَعْقُوبَ الْجُهَنِيِّ أَنَّهُ عَمِلَ فِي مَالٍ لِعُثْمَانَ عَلَى أَنَّ الرِّبْحَ بَيْنَهُمَا. انْتَهَى.
قَالَ مَالِكٌ: أَخْبَرَنَا الْعَلَاءُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، فَذَكَرَهُ.
أَثَرٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ حَيْوَةَ، وَابْنِ لَهِيعَةَ قَالَا: ثَنَا أَبُو الْأَسْوَدِ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وَغَيْرِهِ أَنَّ حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ صَاحِبَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَشْرُطُ عَلَى الرَّجُلِ إذَا أَعْطَاهُ مَالًا مُقَارَضَةً، يَضْرِبُ لَهُ بِهِ، أَنْ لَا تَجْعَلَ مَالِي فِي كَبِدٍ رَطْبَةٍ، وَلَا تَحْمِلْهُ فِي بَحْرٍ، وَلَا تَنْزِلْ بِهِ فِي بَطْنِ مَسِيلٍ، فَإِنْ فَعَلْت شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَقَدْ ضَمِنْت مَالِي. انْتَهَى.
أَثَرٌ آخَرُ: لِلْبَيْهَقِيِّ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يُزَكِّي مَالَ الْيَتِيمِ، وَيُعْطِيهِ مُضَارَبَةً، وَيَسْتَقْرِضُ فِيهِ.
أَثَرٌ آخَرُ: وَأَخْرَجَ عَنْ جَابِرٍ أَنَّهُ لَمْ يَرَ بِالْقِرَاضِ بَأْسًا.
أَثَرٌ آخَرُ: وَضُعِّفَ سَنَدُهُ: «أَنَّ الْعَبَّاسَ كَانَ إذَا دَفَعَ مَالًا مُضَارَبَةً اشْتَرَطَ عَلَى صَاحِبِهِ أَنْ لَا يَسْلُكَ بِهِ بَحْرًا، وَلَا يَنْزِلَ بِهِ وَادِيًا، وَلَا يَشْتَرِيَ بِهِ ذَاتَ كَبِدٍ رَطْبَةٍ، فَإِنْ فَعَلَ فَهُوَ ضَامِنٌ، فَرُفِعَ الشَّرْطُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَجَازَهُ»، انْتَهَى.
أَثَرٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ مِنْ طَرِيقِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْ حُمَيْدٍ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدٍ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أُعْطِيَ مَالَ يَتِيمٍ مُضَارَبَةً، وَكَانَ يَعْمَلُ بِهِ بِالْعِرَاقِ، وَلَا يُدْرَى كَيْفَ قَاطَعَهُ عَلَى الرِّبْحِ.
أَثَرٌ آخَرُ: وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عُثْمَانَ أَعْطَى مَالًا مُقَارَضَةً يَعْنِي مُضَارَبَةً.
أَثَرٌ آخَرُ: أَخْرَجَ أَيْضًا عَنْ حَمَّادٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ أَعْطَى زَيْدَ بْنَ خَلْدَةَ مَالًا مُقَارَضَةً.
قَالَ: (وَمِنْ شَرْطِهَا أَنْ يَكُونَ الرِّبْحُ بَيْنَهُمَا مُشَاعًا لَا يَسْتَحِقُّ أَحَدُهُمَا دَرَاهِمَ مُسَمَّاةً) مِنْ الرِّبْحِ، لِأَنَّ شَرْطَ ذَلِكَ يَقْطَعُ الشَّرِكَةَ بَيْنَهُمَا وَلَا بُدَّ مِنْهَا كَمَا فِي عَقْدِ الشَّرِكَةِ.
قَالَ: (فَإِنْ شَرَطَ زِيَادَةَ عَشَرَةٍ فَلَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ) لِفَسَادِهِ فَلَعَلَّهُ لَا يَرْبَحُ إلَّا هَذَا الْقَدْرَ فَتَنْقَطِعُ الشَّرِكَةُ فِي الرِّبْحِ، وَهَذَا، لِأَنَّهُ ابْتَغَى عَنْ مَنَافِعِهِ عِوَضًا وَلَمْ يَنَلْ لِفَسَادِهِ وَالرِّبْحُ لِرَبِّ الْمَالِ، لِأَنَّهُ نَمَاءُ مِلْكِهِ، وَهَذَا هُوَ الْحُكْمُ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ لَمْ تَصِحَّ الْمُضَارَبَةُ، وَلَا تُجَاوِزُ بِالْأَجْرِ الْقَدْرَ الْمَشْرُوطَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ كَمَا بَيَّنَّا فِي الشَّرِكَةِ، وَيَجِبُ الْأَجْرُ وَإِنْ لَمْ يَرْبَحْ فِي رِوَايَةِ الْأَصْلِ، لِأَنَّ أَجْرَ الْأَجِيرِ يَجِبُ بِتَسْلِيمِ الْمَنَافِعِ أَوْ الْعَمَلِ وَقَدْ وُجِدَ.
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ اعْتِبَارًا بِالْمُضَارَبَةِ الصَّحِيحَةِ مَعَ أَنَّهَا فَوْقَهَا، وَالْمَالُ فِي الْمُضَارَبَةِ الْفَاسِدَةِ غَيْرُ مَضْمُونٍ بِالْهَلَاكِ اعْتِبَارًا بِالصَّحِيحَةِ، وَلِأَنَّهُ عَيْنٌ مُسْتَأْجَرَةٌ فِي يَدِهِ، وَكُلُّ شَرْطٍ يُوجِبُ جَهَالَةً فِي الرِّبْحِ يُفْسِدُهُ لِاخْتِلَالِ مَقْصُودِهِ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ الشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ لَا يُفْسِدُهَا، وَيَبْطُلُ الشَّرْطُ كَاشْتِرَاطِ الْوَضِيعَةِ عَلَى الْمُضَارِبِ.
قَالَ: (وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْمَالُ مُسَلَّمًا إلَى الْمُضَارِبِ وَلَا يَدَ لِرَبِّ الْمَالِ فِيهِ)، لِأَنَّ الْمَالَ أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّسْلِيمِ إلَيْهِ، وَهَذَا بِخِلَافِ الشَّرِكَةِ، لِأَنَّ الْمَالَ فِي الْمُضَارَبَةِ مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ وَالْعَمَلَ مِنْ الْجَانِبِ الْآخَرِ فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يُخَلِّصَ الْمَالَ لِلْعَامِلِ لِيَتَمَكَّنَ مِنْ التَّصَرُّفِ فِيهِ.
أَمَّا الْعَمَلُ فِي الشَّرِكَةِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فَلَوْ شُرِطَ خُلُوصُ الْيَدِ لِأَحَدِهِمَا لَمْ تَنْعَقِدْ الشَّرِكَةُ، وَشَرْطُ الْعَمَلِ عَلَى رَبِّ الْمَالِ مُفْسِدٌ لِلْعَقْدِ، لِأَنَّهُ يَمْنَعُ خُلُوصَ يَدِ الْمُضَارِبِ فَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ التَّصَرُّفِ فَلَا يَتَحَقَّقُ الْمَقْصُودُ، سَوَاءٌ كَانَ الْمَالِكُ عَاقِدًا أَوْ غَيْرَ عَاقِدٍ كَالصَّغِيرِ، لِأَنَّ يَدَ الْمَالِكِ ثَابِتَةٌ لَهُ، وَبَقَاءُ يَدِهِ يَمْنَعُ التَّسْلِيمَ إلَى الْمُضَارِبِ، وَكَذَا أَحَدُ الْمُتَفَاوِضَيْنِ وَأَحَدُ شَرِيكَيْ الْعِنَانِ إذَا دَفَعَ الْمَالِكُ مُضَارَبَةً وَشَرَطَ عَمَلَ صَاحِبِهِ لِقِيَامِ الْمِلْكِ لَهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَاقِدًا، وَاشْتِرَاطُ الْعَمَلِ عَلَى الْعَاقِدِ مَعَ الْمُضَارِبِ وَهُوَ غَيْرُ مَالِكٍ يُفْسِدُهُ إنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الْمُضَارَبَةِ فِيهِ كَالْمَأْذُونِ، بِخِلَافِ الْأَبِ وَالْوَصِيِّ، لِأَنَّهُمَا مِنْ أَهْلِ أَنْ يَأْخُذَا مَالَ الصَّغِيرِ مُضَارَبَةً بِأَنْفُسِهِمَا فَكَذَا اشْتِرَاطُهُ عَلَيْهِمَا بِجُزْءٍ مِنْ الْمَالِ.
قَالَ: (وَإِذَا صَحَّتْ الْمُضَارَبَةُ مُطْلَقَةً جَازَ لِلْمُضَارِبِ أَنْ يَبِيعَ وَيَشْتَرِيَ وَيُوَكِّلَ وَيُسَافِرَ وَيُبْضِعَ وَيُودِعَ) لِإِطْلَاقِ الْعَقْدِ، وَالْمَقْصُودُ مِنْهُ الِاسْتِرْبَاحُ وَلَا يَتَحَصَّلُ إلَّا بِالتِّجَارَةِ فَيَنْتَظِمُ الْعَقْدُ صُنُوفَ التِّجَارَةِ وَمَا هُوَ مِنْ صَنِيعِ التُّجَّارِ وَالتَّوْكِيلُ مِنْ صَنِيعِهِمْ وَكَذَا الْإِيدَاعُ وَالْإِبْضَاعُ وَالْمُسَافَرَةُ.
أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُودَعَ لَهُ أَنْ يُسَافِرَ فَالْمُضَارِبُ أَوْلَى، كَيْفَ وَأَنَّ اللَّفْظَ دَلِيلٌ عَلَيْهِ؟، لِأَنَّهَا مُشْتَقَّةٌ مِنْ الضَّرْبِ فِي الْأَرْضِ وَهُوَ السَّيْرُ.
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُسَافِرَ.
وَعَنْهُ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ أَنَّهُ إنْ دَفَعَ فِي بَلَدِهِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُسَافِرَ، لِأَنَّهُ تَعْرِيضٌ عَلَى الْهَلَاكِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ، وَإِنْ دَفَعَ فِي غَيْرِ بَلَدِهِ لَهُ أَنْ يُسَافِرَ إلَى بَلَدِهِ، لِأَنَّهُ هُوَ الْمُرَادُ فِي الْغَالِبِ وَالظَّاهِرُ مَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ.
قَالَ: (وَلَا يُضَارِبُ إلَّا أَنْ يَأْذَنَ لَهُ رَبُّ الْمَالِ أَوْ يَقُولَ لَهُ اعْمَلْ بِرَأْيِك)، لِأَنَّ الشَّيْءَ لَا يَتَضَمَّنُ مِثْلَهُ لِتَسَاوِيهِمَا فِي الْقُوَّةِ، فَلَا بُدَّ مِنْ التَّنْصِيصِ عَلَيْهِ، أَوْ التَّفْوِيضِ الْمُطْلَقِ إلَيْهِ وَكَانَ كَالتَّوْكِيلِ، فَإِنَّ الْوَكِيلَ لَا يَمْلِكُ أَنْ يُوَكِّلَ غَيْرَهُ فِيمَا وَكَّلَهُ بِهِ إلَّا إذَا قِيلَ لَهُ اعْمَلْ بِرَأْيِك بِخِلَافِ الْإِيدَاعِ وَالْإِبْضَاعِ، لِأَنَّهُ دُونَهُ فَيَتَضَمَّنُهُ، وَبِخِلَافِ الْإِقْرَاضِ حَيْثُ لَا يَمْلِكُهُ، وَإِنْ قِيلَ لَهُ اعْمَلْ بِرَأْيِك، لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ التَّعْمِيمُ فِيمَا هُوَ مِنْ صَنِيعِ التُّجَّارِ، وَلَيْسَ الْإِقْرَاضُ مِنْهُ وَهُوَ تَبَرُّعٌ كَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ فَلَا يَحْصُلُ لَهُ بِهِ الْغَرَضُ وَهُوَ الرِّبْحُ، لِأَنَّهُ لَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَيْهِ.
أَمَّا الدَّفْعُ مُضَارَبَةً فَمِنْ صَنِيعِهِمْ وَكَذَا الشَّرِكَةُ وَالْخَلْطُ بِمَالِ نَفْسِهِ فَيَدْخُلُ تَحْتَ هَذَا الْقَوْلِ.
قَالَ: (وَإِنْ خَصَّ لَهُ رَبُّ الْمَالِ التَّصَرُّفَ فِي بَلَدٍ بِعَيْنِهِ أَوْ فِي سِلْعَةٍ بِعَيْنِهَا لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَتَجَاوَزَهَا)، لِأَنَّهُ تَوْكِيلٌ وَفِي التَّخْصِيصِ فَائِدَةٌ فَيَتَخَصَّصُ، وَكَذَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَدْفَعَهُ بِضَاعَةً إلَى مَنْ يُخْرِجُهَا مِنْ تِلْكَ الْبَلْدَةِ، لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الْإِخْرَاجَ بِنَفْسِهِ فَلَا يَمْلِكُ تَفْوِيضَهُ إلَى غَيْرِهِ.
قَالَ: (فَإِنْ خَرَجَ بِهِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ الْبَلَدِ فَاشْتَرَى ضَمِنَ) وَكَانَ ذَلِكَ لَهُ وَلَهُ رِبْحُهُ، لِأَنَّهُ تَصَرَّفَ بِغَيْرِ أَمْرِهِ، وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِ حَتَّى رَدَّهُ إلَى الْكُوفَةِ وَهِيَ الَّتِي عَيَّنَهَا بَرِئَ مِنْ الضَّمَانِ كَالْمُودَعِ إذَا خَالَفَ فِي الْوَدِيعَةِ ثُمَّ تَرَكَ، وَرَجَعَ الْمَالُ مُضَارَبَةً عَلَى حَالِهِ لِبَقَائِهِ فِي يَدِهِ بِالْعَقْدِ السَّابِقِ، وَكَذَا إذَا رَدَّ بَعْضَهُ وَاشْتَرَى بِبَعْضِهِ فِي الْمِصْرِ كَانَ الْمَرْدُودُ وَالْمُشْتَرَى فِي الْمِصْرِ عَلَى الْمُضَارَبَةِ لِمَا قُلْنَا ثُمَّ شَرْطُ الشِّرَاءِ بِهَا هَاهُنَا وَهُوَ رِوَايَةُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَفِي كِتَابِ الْمُضَارَبَةِ ضَمَّنَهُ بِنَفْسِ الْإِخْرَاجِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّ بِالشِّرَاءِ يَتَقَرَّرُ الضَّمَانُ لِزَوَالِ احْتِمَالِ الرَّدِّ إلَى الْمِصْرِ الَّذِي عَيَّنَهُ.
أَمَّا الضَّمَانُ فَوُجُوبُهُ بِنَفْسِ الْإِخْرَاجِ، وَإِنَّمَا شَرْطُ الشِّرَاءِ لِلتَّقَرُّرِ لَا لِأَصْلِ الْوُجُوبِ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ: عَلَى أَنْ يَشْتَرِيَ فِي سُوقِ الْكُوفَةِ حَيْثُ لَا يَصِحُّ التَّقْيِيدُ، لِأَنَّ الْمِصْرَ مَعَ تَبَايُنِ أَطْرَافِهِ كَبُقْعَةٍ وَاحِدَةٍ فَلَا يُفِيدُ التَّقْيِيدُ إلَّا إذَا صَرَّحَ بِالنَّهْيِ بِأَنْ قَالَ اعْمَلْ فِي السُّوقِ وَلَا تَعْمَلْ فِي غَيْرِ السُّوقِ، لِأَنَّهُ صَرَّحَ بِالْحَجْرِ وَالْوِلَايَةِ إلَيْهِ، وَمَعْنَى التَّخْصِيصِ أَنْ يَقُولَ لَهُ عَلَى أَنْ تَعْمَلَ كَذَا أَوْ فِي مَكَانِ كَذَا وَكَذَا إذَا قَالَ خُذْ هَذَا الْمَالَ تَعْمَلُ بِهِ فِي الْكُوفَةِ، لِأَنَّهُ تَفْسِيرٌ لَهُ أَوْ قَالَ فَاعْمَلْ بِهِ فِي الْكُوفَةِ، لِأَنَّ الْفَاءَ لِلْوَصْلِ، أَوْ قَالَ خُذْهُ بِالنِّصْفِ بِالْكُوفَةِ، لِأَنَّ الْبَاءَ لِلْإِلْصَاقِ.
أَمَّا إذَا قَالَ خُذْ هَذَا الْمَالَ وَاعْمَلْ بِهِ بِالْكُوفَةِ فَلَهُ أَنْ يَعْمَلَ فِيهَا وَفِي غَيْرِهَا، لِأَنَّ الْوَاوَ لِلْعَطْفِ فَيَصِيرُ بِمَنْزِلَةِ الْمَشُورَةِ، وَلَوْ قَالَ: عَلَى أَنْ تَشْتَرِيَ مِنْ فُلَانٍ وَتَبِيعَ مِنْهُ صَحَّ التَّقْيِيدُ، لِأَنَّهُ مُفِيدٌ لِزِيَادَةِ الثِّقَةِ بِهِ فِي الْمُعَامَلَةِ، بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ: عَلَى أَنْ تَشْتَرِيَ بِهَا مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ أَوْ دَفَعَ مَالًا فِي الصَّرْفِ عَلَى أَنْ يَشْتَرِيَ بِهِ مِنْ الصَّيَارِفَةِ وَيَبِيعَ مِنْهُمْ فَبَاعَ بِالْكُوفَةِ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهَا أَوْ مِنْ غَيْرِ الصَّيَارِفَةِ جَازَ، لِأَنَّ فَائِدَةَ الْأَوَّلِ التَّقْيِيدُ بِالْمَكَانِ وَفَائِدَةَ الثَّانِي التَّقْيِيدُ بِالنَّوْعِ وَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ عُرْفًا لَا فِيمَا وَرَاءَ ذَلِكَ.
قَالَ: (وَكَذَلِكَ إنْ وَقَّتَ لِلْمُضَارَبَةِ وَقْتًا بِعَيْنِهِ يَبْطُلُ الْعَقْدُ بِمُضِيِّهِ)، لِأَنَّهُ تَوْكِيلٌ فَيَتَوَقَّتُ بِمَا وَقَّتَهُ، وَالتَّوْقِيتُ مُفِيدٌ فَإِنَّهُ تَقْيِيدٌ بِالزَّمَانِ فَصَارَ كَالتَّقْيِيدِ بِالنَّوْعِ وَالْمَكَانِ.
قَالَ: (وَلَيْسَ لِلْمُضَارِبِ أَنْ يَشْتَرِيَ مَنْ يَعْتِقُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ لِقَرَابَةٍ أَوْ غَيْرِهَا)، لِأَنَّ الْعَقْدَ وُضِعَ لِتَحْصِيلِ الرِّبْحِ وَذَلِكَ بِالتَّصَرُّفِ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى، وَلَا يَتَحَقَّقُ فِيهِ لِعِتْقِهِ، وَلِهَذَا لَا يَدْخُلُ فِي الْمُضَارَبَةِ شِرَاءُ مَا لَا يُمْلَكُ بِالْقَبْضِ كَشِرَاءِ الْخَمْرِ وَالشِّرَاءِ بِالْمَيْتَةِ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ، لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ بَيْعُهُ بَعْدَ قَبْضِهِ فَيَتَحَقَّقُ الْمَقْصُودُ.
قَالَ: (وَلَوْ فَعَلَ صَارَ مُشْتَرِيًا لِنَفْسِهِ دُونَ الْمُضَارَبَةِ)، لِأَنَّ الشِّرَاءَ مَتَى وَجَدَ نَفَاذًا عَلَى الْمُشْتَرِي نَفَذَ عَلَيْهِ كَالْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ إذَا خَالَفَ.
قَالَ: (فَإِنْ كَانَ فِي الْمَالِ رِبْحٌ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ مَنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ)، لِأَنَّهُ يَعْتِقُ عَلَيْهِ نَصِيبُهُ وَيَفْسُدُ نَصِيبُ رَبِّ الْمَالِ أَوْ يَعْتِقُ عَلَى الِاخْتِلَافِ الْمَعْرُوفِ فَيَمْتَنِعُ التَّصَرُّفُ فَلَا يَحْصُلُ الْمَقْصُودُ (وَإِنْ اشْتَرَاهُمْ ضَمِنَ مَالَ الْمُضَارَبَةِ)، لِأَنَّهُ يَصِيرُ مُشْتَرِيًا الْعَبْدَ لِنَفْسِهِ فَيَضْمَنُ بِالنَّقْدِ مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْمَالِ رِبْحٌ جَازَ أَنْ يَشْتَرِيَهُمْ)، لِأَنَّهُ لَا مَانِعَ مِنْ التَّصَرُّفِ إذْ لَا شَرِكَةَ لَهُ فِيهِ لِيَعْتِقَ عَلَيْهِ (فَإِنْ زَادَتْ قِيمَتُهُمْ بَعْدَ الشِّرَاءِ عَتَقَ نَصِيبُهُ مِنْهُمْ) لِمِلْكِهِ بَعْضَ قَرِيبِهِ (وَلَمْ يَضْمَنْ لِرَبِّ الْمَالِ شَيْئًا)، لِأَنَّهُ لَا صُنْعَ مِنْ جِهَتِهِ فِي زِيَادَةِ الْقِيمَةِ وَلَا فِي مِلْكِهِ الزِّيَادَةَ، لِأَنَّ هَذَا شَيْءٌ يَثْبُتُ مِنْ طَرِيقِ الْحُكْمِ فَصَارَ كَمَا إذَا وَرِثَهُ مَعَ غَيْرِهِ (وَيَسْعَى الْعَبْدُ فِي قِيمَةِ نَصِيبِهِ مِنْهُ)، لِأَنَّهُ اُحْتُسِبَتْ مَالِيَّتُهُ عِنْدَهُ فَيَسْعَى فِيهِ كَمَا فِي الْوِرَاثَةِ.
قَالَ: (فَإِنْ كَانَ مَعَ الْمُضَارِبِ أَلْفٌ بِالنِّصْفِ فَاشْتَرَى بِهَا جَارِيَةً قِيمَتُهَا أَلْفٌ فَوَطِئَهَا فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ يُسَاوِي أَلْفًا فَادَّعَاهُ ثُمَّ بَلَغَتْ قِيمَةُ الْغُلَامِ أَلْفًا وَخَمْسَمِائَةٍ وَالْمُدَّعِي مُوسِرٌ، فَإِنْ شَاءَ رَبُّ الْمَالِ اسْتَسْعَى الْغُلَامَ فِي أَلْفٍ وَمِائَتَيْنِ وَخَمْسِينَ، وَإِنْ شَاءَ أَعْتَقَ) وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الدَّعْوَةَ صَحِيحَةٌ فِي الظَّاهِرِ حَمْلًا عَلَى فِرَاشِ النِّكَاحِ لَكِنَّهُ لَمْ يَنْفُذْ لِفَقْدِ شَرْطِهِ، وَهُوَ الْمِلْكُ لِعَدَمِ ظُهُورِ الرِّبْحِ، لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَعْنِي الْأُمَّ وَالْوَلَدَ مُسْتَحَقٌّ بِرَأْسِ الْمَالِ كَمَالِ الْمُضَارَبَةِ إذَا صَارَ أَعْيَانَا كُلُّ عَيْنٍ مِنْهَا يُسَاوِي رَأْسَ الْمَالِ لَا يَظْهَرُ الرِّبْحُ كَذَا هَذَا، فَإِذَا زَادَتْ قِيمَةُ الْغُلَامِ الْآنَ ظَهَرَ الرِّبْحُ فَنَفَذَتْ الدَّعْوَةُ السَّابِقَةُ، بِخِلَافِ مَا إذَا أَعْتَقَ الْوَلَدَ ثُمَّ ازْدَادَتْ الْقِيمَةُ، لِأَنَّ ذَلِكَ إنْشَاءُ الْعِتْقِ، فَإِذَا بَطَلَ لِعَدَمِ الْمِلْكِ لَا يَنْفُذُ بَعْدَ ذَلِكَ بِحُدُوثِ الْمِلْكِ.
أَمَّا هَذَا فَإِخْبَارٌ فَجَازَ أَنْ يَنْفُذَ عِنْدَ حُدُوثِ الْمِلْكِ كَمَا إذَا أَقَرَّ بِحُرِّيَّةِ عَبْدِ غَيْرِهِ ثُمَّ اشْتَرَاهُ، فَإِذَا صَحَّتْ الدَّعْوَةُ وَثَبَتَ النَّسَبُ عَتَقَ الْوَلَدُ لِقِيَامِ مِلْكِهِ فِي بَعْضِهِ وَلَا يَضْمَنُ لِرَبِّ الْمَالِ شَيْئًا مِنْ قِيمَةِ الْوَلَدِ، لِأَنَّ عِتْقَهُ ثَبَتَ بِالنَّسَبِ وَالْمِلْكِ، وَالْمِلْكُ آخِرُهُمَا فَيُضَافُ إلَيْهِ وَلَا صُنْعَ لَهُ فِيهِ وَهَذَا ضَمَانُ إعْتَاقٍ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّعَدِّي وَلَمْ يُوجَدْ (وَلَهُ أَنْ يَسْتَسْعِيَ الْغُلَامَ)، لِأَنَّهُ اُحْتُسِبَتْ مَالِيَّتُهُ عِنْدَهُ وَلَهُ أَنْ يُعْتِقَ، لِأَنَّ الْمُسْتَسْعَى كَالْمُكَاتَبِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَيَسْتَسْعِيهِ فِي أَلْفٍ وَمِائَتَيْنِ وَخَمْسِينَ، لِأَنَّ الْأَلْفَ مُسْتَحَقٌّ بِرَأْسِ الْمَالِ وَالْخَمْسَمِائَةِ رِبْحٌ وَالرِّبْحُ بَيْنَهُمَا فَلِهَذَا يَسْعَى لَهُ فِي هَذَا الْمِقْدَارِ ثُمَّ إذَا قَبَضَ رَبُّ الْمَالِ الْأَلْفَ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَ الْمُدَّعِيَ نِصْفَ قِيمَةِ الْأُمِّ، لِأَنَّ الْأَلْفَ الْمَأْخُوذَ لَمَّا اُسْتُحِقَّ بِرَأْسِ الْمَالِ لِكَوْنِهِ مُقَدَّمًا فِي الِاسْتِيفَاءِ ظَهَرَ أَنَّ الْجَارِيَةَ كُلَّهَا رِبْحٌ فَتَكُونُ بَيْنَهُمَا وَقَدْ تَقَدَّمَتْ دَعْوَةٌ صَحِيحَةٌ لِاحْتِمَالِ الْفِرَاشِ الثَّابِتِ بِالنِّكَاحِ وَتَوَقَّفَ نَفَاذُهَا لِفَقْدِ الْمِلْكِ فَإِذَا ظَهَرَ الْمِلْكُ نَفَذَتْ تِلْكَ الدَّعْوَةُ وَصَارَتْ الْجَارِيَةُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ وَيَضْمَنُ نَصِيبَ رَبِّ الْمَالِ، لِأَنَّ هَذَا ضَمَانُ تَمَلُّكٍ وَضَمَانُ التَّمَلُّكِ لَا يَسْتَدْعِي صُنْعًا كَمَا إذَا اسْتَوْلَدَ جَارِيَةً بِالنِّكَاحِ ثُمَّ مَلَكَهَا هُوَ وَغَيْرُهُ وِرَاثَةً يَضْمَنُ نَصِيبَ شَرِيكِهِ كَذَا هَذَا، بِخِلَافِ ضَمَانِ الْوَلَدِ عَلَى مَا مَرَّ.