فصل: فصلٌ: (مَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية (نسخة منقحة)



.فصلٌ: (مَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ):

(وَمَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ عَتَقَ عَلَيْهِ) وَهَذَا اللَّفْظُ مَرْوِيٌّ عَنْ النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ.
وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «مَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ فَهُوَ حُرٌّ» وَاللَّفْظُ بِعُمُومِهِ يَنْتَظِمُ كُلَّ قَرَابَةٍ مُؤَبَّدَةٍ بِالْمَحْرَمِيَّةِ وِلَادًا أَوْ غَيْرَهُ، وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ يُخَالِفُنَا فِي غَيْرِهِ.
لَهُ أَنَّ ثُبُوتَ الْعِتْقِ مِنْ غَيْرِ مَرْضَاةِ الْمَالِكِ يَنْفِيهِ الْقِيَاسُ أَوْ لَا يَقْتَضِيهِ، وَالْأُخُوَّةُ وَمَا يُضَاهِيهَا نَازِلَةٌ عَنْ قَرَابَةِ الْوِلَادِ، فَامْتَنَعَ الْإِلْحَاقُ أَوْ الِاسْتِدْلَال بِهِ، وَلِهَذَا امْتَنَعَ التَّكَاتُبُ عَلَى الْمُكَاتَبِ فِي غَيْرِ الْوِلَادِ وَلَمْ يَمْتَنِعْ فِيهِ، وَلَنَا مَا رَوَيْنَا وَلِأَنَّهُ مَلَكَ قَرِيبَهُ قَرَابَةً مُوَثِّرَةً فِي الْمَحْرَمِيَّةِ فَيُعْتَقُ عَلَيْهِ، وَهَذَا هُوَ الْمُؤَثِّرُ فِي الْأَصْلِ وَالْوِلَادُ مُلْغًى لِأَنَّهَا هِيَ الَّتِي يُفْتَرَضُ وَصْلُهَا، وَيَحْرُمُ قَطْعُهَا حَتَّى وَجَبَتْ النَّفَقَةُ وَحَرُمَ النِّكَاحُ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَا إذَا كَانَ الْمَالِكُ مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ لِعُمُومِ الْعِلَّةِ، وَالْمُكَاتَبُ إذَا اشْتَرَى أَخَاهُ وَمَنْ يَجْرِي مَجْرَاهُ لَا يَتَكَاتَبُ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ مِلْكٌ تَامٌّ يُقْدِرُهُ عَلَى الْإِعْتَاقِ وَالِافْتِرَاضُ عِنْدَ الْقُدْرَةِ، بِخِلَافِ الْوِلَادِ، لِأَنَّ الْعِتْقَ فِيهِ مِنْ مَقَاصِدِ الْكِتَابَةِ فَامْتَنَعَ الْبَيْعُ فَيُعْتَقُ تَحْقِيقًا لِمَقْصُودِ الْعَقْدِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ يَتَكَاتَبُ عَلَى الْأَخِ أَيْضًا، وَهُوَ قَوْلُهُمَا قُلْنَا أَنْ نَمْنَعَ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا مَلَكَ ابْنَةَ عَمِّهِ، وَهِيَ أُخْتُهُ مِنْ الرَّضَاعِ، لِأَنَّ الْمَحْرَمِيَّةَ مَا ثَبَتَتْ بِالْقَرَابَةِ وَالصَّبِيُّ جُعِلَ أَهْلًا لِهَذَا الْعِتْقِ، وَكَذَا الْمَجْنُونُ حَتَّى عَتَقَ الْقَرِيبُ عَلَيْهِمَا عِنْدَ الْمِلْكِ، لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْعَبْدِ فَشَابَهَ النَّفَقَةَ.
الشرح:
فصلٌ:
الْحَدِيثُ الثَّالِثُ: قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «مَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ عَتَقَ عَلَيْهِ».
قُلْت: أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْ ضَمْرَةَ بْنِ رَبِيعَةَ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ عَتَقَ»، انْتَهَى.
قَالَ النَّسَائِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ، وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا رَوَاهُ عَنْ سُفْيَانَ غَيْرَ ضَمْرَةَ بْنِ رَبِيعَةَ الرَّمْلِيِّ، انْتَهَى.
وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: وَلَمْ يُتَابَعْ ضَمْرَةُ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ، وَهُوَ خَطَأٌ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ، انْتَهَى.
وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ، وَقَالَ: إنَّهُ وَهْمٌ فَاحِشٌ، وَالْمَحْفُوظُ بِهَذَا الْإِسْنَادِ حَدِيثُ النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الْوَلَاءِ، وَعَنْ هِبَتِهِ، وَضَمْرَةُ بْنُ رَبِيعَةَ لَمْ يَحْتَجَّ بِهِ صَاحِبَا الصَّحِيحِ، انْتَهَى.
وَقَالَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي أَحْكَامِهِ: تَفَرَّدَ بِهِ ضَمْرَةُ بْنُ رَبِيعَةَ الرَّمْلِيُّ عَنْ الثَّوْرِيِّ، وَضَمْرَةُ ثِقَةٌ، وَالْحَدِيثُ صَحِيحٌ إذَا أَسْنَدَهُ ثِقَةٌ، وَلَا يَضُرُّ انْفِرَادُهُ بِهِ، وَلَا إرْسَالُ مَنْ أَرْسَلَهُ، وَلَا وَقْفُ مَنْ وَقَفَهُ، انْتَهَى.
قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ هُوَ الصَّوَابُ، وَلَوْ نَظَرْنَا الْأَحَادِيثَ لَمْ نَجِدْ مِنْهَا مَا رُوِيَ مُتَّصِلًا، وَلَمْ يُرْوَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ مُنْقَطِعًا، أَوْ مُرْسَلًا أَوْ مَوْقُوفًا، إلَّا الْقَلِيلُ، وَذَلِكَ لِاشْتِهَارِ الْحَدِيثِ، وَانْتِقَالِهِ عَلَى أَلْسِنَةِ النَّاسِ، قَالَ: فَجَعْلُ ذَلِكَ عِلَّةً فِي الْإِخْبَارِ، لَا مَعْنَى لَهُ، انْتَهَى.
وَقَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي مُخْتَصَرِ السُّنَنِ: وَضَمْرَةُ بْنُ رَبِيعَةَ هُوَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْفِلَسْطِينِيُّ، وَثَّقَهُ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ، وَغَيْرُهُ، وَلَمْ يُخَرِّجَا لَهُ فِي الصَّحِيحِ، كَمَا قَالَ الْبَيْهَقِيُّ، وَقَدْ حَصَلَ لَهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَهْمٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، انْتَهَى كَلَامُهُ.
الْحَدِيثُ الرَّابِعُ: قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «مَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ فَهُوَ حُرٌّ».
قُلْت: أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةُ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ، فَهُوَ حُرٌّ»، انْتَهَى.
أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد عَنْ مُوسَى بْنِ إسْمَاعِيلَ عَنْ حَمَّادٍ وَسَعِيدٍ، وَالْبَاقُونَ عَنْ جَمَاعَةِ عَنْ حَمَّادٍ، قَالَ أَبُو دَاوُد: لَمْ يَرْوِ هَذَا الْحَدِيثَ إلَّا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، وَقَدْ شَكَّ فِيهِ، فَإِنَّ مُوسَى بْنَ إسْمَاعِيلَ قَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: عَنْ سَمُرَةَ فِيمَا يَحْسِبُ حَمَّادٌ، وَقَدْ رَوَاهُ شُعْبَةُ مُرْسَلًا عَنْ الْحَسَنِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَشُعْبَةُ أَحْفَظُ مِنْ حَمَّادٍ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ لَا نَعْرِفُهُ مُسْنَدًا إلَّا مِنْ حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، وَقَالَ فِي عِلَلِهِ الْكُبْرَى.
وَسَأَلْت مُحَمَّدَ بْنَ إسْمَاعِيلَ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ، فَلَمْ يَعْرِفْهُ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ، إلَّا مِنْ حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، وَيُرْوَى عَنْ قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ عُمَرَ، انْتَهَى.
قُلْت: رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ هَاشِمٍ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرَهُ مُرْسَلًا، وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِسَنَدِ السُّنَنِ، وَقَالَ: إذَا انْفَرَدَ بِهِ حَمَّادٌ.
وَشَكَّ فِيهِ، وَخَالَفَهُ مَنْ هُوَ أَحْفَظُ مِنْهُ فَوَجَبَ التَّوَقُّفُ فِيهِ، وَقَدْ أَشَارَ الْبُخَارِيُّ إلَى تَضْعِيفِهِ، وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ: هَذَا عِنْدِي مُنْكَرٌ، انْتَهَى.
وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ بِهِ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ، وَقَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ مَرْفُوعًا، وَسَكَتَ عَنْهُ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ ضَمْرَةَ بْنِ رَبِيعَةَ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا: «مَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ فَهُوَ حُرٌّ»، انْتَهَى.
وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَشَاهِدُهُ الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ الْمَحْفُوظُ عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ، انْتَهَى.
وَقَالَ صَاحِبُ التَّنْقِيحِ: وَقَدْ تَكَلَّمَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ بِسَبَبِ انْفِرَادِ حَمَّادٍ، وَشَكِّهِ فِيهِ، وَمُخَالَفَةِ غَيْرِهِ مِمَّنْ هُوَ أَثْبَتُ مِنْهُ، وَقَدْ أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةُ عَنْ حَمَّادٍ، وَذَكَر أَبُو دَاوُد فِيهِ عَنْ سَمُرَةَ فِيمَا يَحْسِبُ حَمَّادٌ، وَقَدْ رَوَاهُ سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ مِنْ قَوْلِهِ: وَقَتَادَةُ لَمْ يُدْرِكْ عُمَرَ، وَقَدْ رَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ مِنْ حَدِيثِ الْأَسْوَدِ عَنْ عُمَرَ مَوْقُوفًا، وَقَدْ رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا بِإِسْنَادٍ مُخْتَلَفٍ فِيهِ، وَرُوِيَ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ، وَبِإِسْنَادٍ سَاقِطٍ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ، انْتَهَى.
وَمَوْقُوفُ عُمَرَ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ عُمَرَ قَالَ: مَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ فَهُوَ حُرٌّ، انْتَهَى.
وَأُعِلَّ بِأَنَّ قَتَادَةَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عُمَرَ، فَإِنَّ مَوْلِدَهُ بَعْدَ وَفَاةِ عُمَرَ بِنَيِّفٍ وَثَلَاثِينَ سَنَةً.
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
أَحَادِيثُ الْبَابِ:
أَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ أَشْعَثَ بْنِ عَطَّافٍ عَنْ الْعَرْزَمِيِّ عَنْ أَبِي النَّضْرِ مُحَمَّدِ بْنِ السَّائِبِ الْكَلْبِيِّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «جَاءَ رَجُلٌ بِأَخِيهِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي أُرِيدُ أَنْ أُعْتِقَ أَخِي هَذَا، فَقَالَ: إنَّ اللَّهَ أَعْتَقَهُ حِينَ مَلَكْته»، انْتَهَى.
قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: الْعَرْزَمِيُّ تَرَكَهُ ابْنُ الْمُبَارَكِ، وَابْنُ مَهْدِيٍّ، وَيَحْيَى الْقَطَّانُ، انْتَهَى.
وَقَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: وَالْكَلْبِيُّ مَتْرُوكٌ أَيْضًا، وَهُوَ الْقَائِلُ: كُلُّ مَا حَدَّثْت بِهِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ، فَهُوَ كَذِبٌ، انْتَهَى.
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: هَذَا مِمَّا لَا يَحِلُّ الِاحْتِجَاجُ بِهِ، لِإِجْمَاعِهِمْ عَلَى تَرْكِهِمْ رِوَايَةَ الْكَلْبِيِّ، وَالْعَرْزَمِيِّ، وَرُوِيَ عَنْ حَفْصِ بْنِ أَبِي دَاوُد عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَحَفْصٌ ضَعِيفٌ، انْتَهَى.
(وَمَنْ أَعْتَقَ عَبْدًا لِوَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ لِلشَّيْطَانِ أَوْ لِلصَّنَمِ عَتَقَ) لِوُجُودِ رُكْنِ الْإِعْتَاقِ مِنْ أَهْلِهِ فِي مَحَلِّهِ، وَوَصْفُ الْقُرْبَةِ فِي اللَّفْظِ الْأَوَّلِ زِيَادَةٌ فَلَا يَخْتَلُّ الْعِتْقُ بِعَدَمِهِ فِي اللَّفْظَيْنِ الْآخَرَيْنِ.
(وَعِتْقُ الْمُكْرَهِ وَالسَّكْرَانِ وَاقِعٌ) لِصُدُورِ الرُّكْنِ مِنْ الْأَهْلِ فِي الْمَحَلِّ كَمَا فِي الطَّلَاقِ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ مِنْ قَبْلُ (وَإِنْ أَضَافَ الْعِتْقَ إلَى مِلْكٍ أَوْ شَرْطٍ صَحَّ كَمَا فِي الطَّلَاقِ) أَمَّا الْإِضَافَةُ إلَى الْمِلْكِ فَفِيهِ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ.
وَأَمَّا التَّعْلِيقُ بِالشَّرْطِ فَلِأَنَّهُ إسْقَاطٌ، فَيَجْرِي فِيهِ التَّعْلِيقُ بِخِلَافِ التَّمْلِيكَاتِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ.
(وَإِذَا خَرَجَ عَبْدُ الْحَرْبِيِّ إلَيْنَا مُسْلِمًا عَتَقَ) «لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي عَبِيدِ الطَّائِفِ حِينَ خَرَجُوا إلَيْهِ مُسْلِمِينَ: هُمْ عُتَقَاءُ اللَّهِ تَعَالَى» وَلِأَنَّهُ أَحْرَزَ نَفْسَهُ وَهُوَ مُسْلِمٌ وَلَا اسْتِرْقَاقَ عَلَى الْمُسْلِمِ ابْتِدَاءً.
الشرح:
الْحَدِيثُ الْخَامِسُ: «قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي عَبِيدِ الطَّائِفِ حِينَ خَرَجُوا إلَيْهِ مُسْلِمِينَ: هُمْ عُتَقَاءُ اللَّهِ».
قُلْت: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي الْجِهَادِ، وَالتِّرْمِذِيُّ فِي الْمَنَاقِبِ عَنْ ابْنِ إِسْحَاقَ عَنْ أَبَانَ بْنِ صَالِحٍ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ عَنْ رِبْعِيٍّ بْنِ حِرَاشٍ عَنْ عَلِيٍّ، وَاللَّفْظُ لِأَبِي دَاوُد قَالَ: «خَرَجَ عَبْدَانِ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ قَبْلَ الصُّلْحِ، فَقَالَ مَوَالِيهِمْ: يَا مُحَمَّدُ، وَاَللَّهِ مَا خَرَجُوا إلَيْك رَغْبَةً فِي دِينِك، وَإِنَّمَا خَرَجُوا هَرَبًا مِنْ الرِّقِّ، فَقَالَ نَاسٌ: صَدَقُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ رُدَّهُمْ إلَيْهِمْ، فَغَضِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ: مَا أَرَاكُمْ تَنْتَهُونَ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ حَتَّى يَبْعَثَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ مَنْ يَضْرِبُ رِقَابَكُمْ عَلَى هَذَا، وَأَبَى أَنْ يَرُدَّهُمْ، وَقَالَ: هُمْ عُتَقَاءُ اللَّهِ سُبْحَانَهُ»، انْتَهَى.
قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ، لَا نَعْرِفُهُ إلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مِنْ حَدِيثِ رِبْعِيٍّ عَنْ عَلِيٍّ، وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ فِي الْجِهَادِ، وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، انْتَهَى.
قَالَ الْوَاقِدِيُّ فِي غَزْوَةِ الطَّائِفِ مِنْ بَابِ الْمَغَازِي: وَحَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ التَّيْمِيُّ عَنْ أَبِيهِ، فَذَكَرَهُ، إلَى أَنْ قَالَ: «وَنَادَى مُنَادِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَئِذٍ أَيُّمَا عَبْدٍ نَزَلَ مِنْ الْحِصْنِ إلَيْنَا فَهُوَ حُرٌّ، فَنَزَلَ أَبُو بَكْرَةَ، وَاسْمُهُ: نُفَيْعٌ، وَكَانَ عَبْدًا لِلْحَارِثِ بْنِ كَلَدَةَ، نَزَلَ فِي بَكْرَةٍ مِنْ الْحِصْنِ، فَلِذَلِكَ سُمِّيَ بِأَبِي بَكْرَةَ، وَوَرْدَانُ عَبْدٌ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَبِيعَةَ الثَّقَفِيِّ، وَالْمُنْبَعِثُ عَبْدٌ لِعُثْمَانَ بْنِ عَامِرٍ، وَالْأَزْرَقُ عَبْدٌ لِكَلَدَةَ الثَّقَفِيِّ، وَيُحَنَّسُ النَّبَّالُ عَبْدٌ لِيَسَارِ بْنِ مَالِكٍ، وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ جَابِرٍ عَبْدٌ لِخَوْشَةَ الثَّقَفِيِّ، وَيَسَارٌ عَبْدٌ لِعُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَنَافِعٌ عَبْدٌ لِغَيْلَانَ بْنِ سَلَمَةَ، وَمَرْزُوقٌ عَبْدٌ لِعُثْمَانَ، كُلُّ هَؤُلَاءِ أَعْتَقَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدَفَعَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ لِرَجُلٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ يُمَوِّنُهُ، وَيُقْرِئُهُ، وَيُعَلِّمُهُ الشَّرِيعَةَ، وَكَانَ أَبُو بَكْرَةَ إلَى عَمْرِو بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ، فَلَمَّا أَسْلَمَتْ ثَقِيفٌ تَكَلَّمُوا فِي هَؤُلَاءِ أَنْ يُرَدُّوا إلَى الرِّقِّ، فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: أُولَئِكَ عُتَقَاءُ اللَّهِ لَا سَبِيلَ إلَيْهِمْ»، مُخْتَصَرٌ.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي مُسْنَدَيْهِمَا، وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ، وَالطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ عَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ الْحَكَمِ عَنْ مِقْسَمٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: «أَنَّ عَبْدَيْنِ خَرَجَا مِنْ الطَّائِفِ فَأَسْلَمَا، فَأَعْتَقَهُمَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَحَدُهُمَا: أَبُو بَكْرَةَ»، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ فِي الْجِهَادِ حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ عَنْ عَاصِمِ بْنِ سُلَيْمَانَ ثَنَا أَبُو عُثْمَانَ النَّهْدِيُّ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ: «أَنَّهُ خَرَجَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُحَاصِرٌ أَهْلَ الطَّائِفِ بِثَلَاثَةٍ وَعِشْرِينَ عَبْدًا، فَأَعْتَقَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهُمْ الَّذِينَ يُقَالُ لَهُمْ: الْعُتَقَاءُ»، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: مُرْسَلٌ، أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي الْمَرَاسِيلِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الطَّائِفِيِّ عَنْ عَبْدِ رَبِّهِ بْنِ الْحَكَمِ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا حَاصَرَ الطَّائِفَ، خَرَجَ إلَيْهِ أَرِقَّاءُ مِنْ أَرِقَّائِهِمْ، فَأَسْلَمُوا، فَأَعْتَقَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا أَسْلَمَ مَوَالِيهِمْ بَعْدَ ذَلِكَ رَدَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْوَلَاءَ إلَيْهِمْ»، انْتَهَى.
قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ: وَعَبْدُ رَبِّهِ بْنُ الْحَكَمِ لَا يُعْرَفُ حَالُهُ، وَلَا يُعْرَفُ رَوَى عَنْهُ إلَّا الَّذِي رَوَى عَنْهُ هَذَا الْمُرْسَلَ، وَهُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الطَّائِفِيُّ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: مُرْسَلٌ، أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ ابْنِ إِسْحَاقَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُكْرَمٍ الثَّقَفِيِّ: عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فِيمَنْ خَرَجَ إلَيْهِ مِنْ عَبِيدِ الطَّائِفِ، ثُمَّ وَفَدَ أَهْلُ الطَّائِفِ فَأَسْلَمُوا، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ رُدَّ عَلَيْنَا رَقِيقَنَا الَّذِينَ أَتَوْك، فَقَالَ: لَا، أُولَئِكَ عُتَقَاءُ اللَّهِ، وَرَدَّ عَلَى كُلِّ رَجُلٍ وَلَاءَ عَبْدِهِ»، انْتَهَى كَلَامُهُ.
(وَإِنْ أَعْتَقَ حَامِلًا عَتَقَ حَمْلُهَا تَبَعًا لَهَا) إذْ هُوَ مُتَّصِلٌ بِهَا.
(وَلَوْ أَعْتَقَ الْحَمْلَ خَاصَّةً عَتَقَ دُونَهَا)، لِأَنَّهُ لَا وَجْهَ إلَى إعْتَاقِهَا مَقْصُودًا، لِعَدَمِ الْإِضَافَةِ إلَيْهَا وَلَا إلَيْهِ تَبَعًا لِمَا فِيهِ مِنْ قَلْبِ الْمَوْضُوعِ، ثُمَّ إعْتَاقُ الْحَمْلِ صَحِيحٌ، وَلَا يَصِحُّ بَيْعُهُ وَهِبَتُهُ لِأَنَّ التَّسْلِيمَ نَفْسَهُ شَرْطٌ فِي الْهِبَةِ وَالْقُدْرَةِ عَلَيْهِ فِي الْبَيْعِ، وَلَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ بِالْإِضَافَةِ إلَى الْجَنِينِ وَشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي الْإِعْتَاقِ فَافْتَرَقَا (وَلَوْ أَعْتَقَ الْحَمْلَ عَلَى مَالٍ صَحَّ وَلَا يَجِبُ الْمَالُ) إذْ لَا وَجْهَ إلَى إلْزَامِ الْمَالِ عَلَى الْجَنِين، لِعَدَمِ الْوِلَايَةِ عَلَيْهِ، وَلَا إلَى إلْزَامِهِ الْأُمَّ، لِأَنَّهُ فِي حَقِّ الْعِتْقِ نَفْسٌ عَلَى حِدَةٍ، وَاشْتِرَاطُ بَدَلِ الْعِتْقِ عَلَى غَيْرِ الْمُعْتَقِ لَا يَجُوزُ عَلَى مَا مَرَّ فِي الْخُلْعِ، وَإِنَّمَا يُعْرَفُ قِيَامُ الْحَبَلِ وَقْتَ الْعِتْقِ إذَا جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْهُ، لِأَنَّهُ أَدْنَى مُدَّةِ الْحَمْلِ.
قَالَ: (وَوَلَدُ الْأَمَةِ مِنْ مَوْلَاهَا حُرٌّ)، لِأَنَّهُ مَخْلُوقٌ مِنْ مَائِهِ فَيُعْتَقُ عَلَيْهِ هَذَا هُوَ الْأَصْلُ، وَلَا مُعَارِضَ لَهُ فِيهِ، لِأَنَّ وَلَدَ الْأَمَةِ لِمَوْلَاهَا (وَوَلَدَهَا مِنْ زَوْجِهَا مَمْلُوكٌ لِسَيِّدِهَا) لِتَرَجُّحِ جَانِبِ الْأُمِّ بِاعْتِبَارِ الْحَضَانَةِ أَوْ لِاسْتِهْلَاكِ مَائِهِ بِمَائِهَا وَالْمُنَافَاةُ مُتَحَقِّقَةٌ، وَالزَّوْجُ قَدْ رَضِيَ بِهِ بِخِلَافِ وَلَدِ الْمَغْرُورِ، لِأَنَّ الْوَالِدَ مَا رَضِيَ بِهِ (وَوَلَدُ الْحُرَّةِ حُرٌّ عَلَى كُلِّ حَالٍ)، لِأَنَّ جَانِبَهَا رَاجِحٌ، فَيَتْبَعُهَا فِي وَصْفِ الْحُرِّيَّةِ كَمَا يَتْبَعُهَا فِي الْمَمْلُوكِيَّةِ والمرقوقية وَالتَّدْبِيرِ وَأُمُومِيَّةِ الْوَلَدِ وَالْكِتَابَةِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.