فصل: كِتَابُ الْأُضْحِيَّةِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية (نسخة منقحة)



.كِتَابُ الْأُضْحِيَّةِ:

قَالَ: (الْأُضْحِيَّةُ وَاجِبَةٌ عَلَى كُلِّ حُرٍّ مُسْلِمٍ مُقِيمٍ مُوسِرٍ فِي يَوْمِ الْأَضْحَى عَنْ نَفْسِهِ وَعَنْ وَلَدِهِ الصِّغَارِ) أَمَّا الْوُجُوبُ فَقَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَزُفَرَ وَالْحَسَنِ وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمُ اللَّهُ، وَعَنْهُ أَنَّهَا سُنَّةٌ ذَكَرَهُ فِي الْجَوَامِعِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَاجِبَةٌ، وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ، وَهَكَذَا ذَكَرَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ الِاخْتِلَافَ.
وَجْهُ السُّنَّةِ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «مَنْ أَرَادَ أَنْ يُضَحِّيَ مِنْكُمْ فَلَا يَأْخُذْ مِنْ شَعْرِهِ وَأَظْفَارِهِ شَيْئًا» وَالتَّعْلِيقُ بِالْإِرَادَةِ يُنَافِي الْوُجُوبَ وَلِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ وَاجِبَةً عَلَى الْمُقِيمِ لَوَجَبَتْ عَلَى الْمُسَافِرِ، لِأَنَّهُمَا لَا يَخْتَلِفَانِ فِي الْوَظَائِفِ الْمَالِيَّةِ كَالزَّكَاةِ وَصَارَ كَالْعَتِيرَةِ.
وَوَجْهُ الْوُجُوبِ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «مَنْ وَجَدَ سَعَةً وَلَمْ يُضَحِّ فَلَا يَقْرَبَنَّ مُصَلَّانَا» وَمِثْلُ هَذَا الْوَعِيدِ لَا يَلْحَقُ بِتَرْكِ غَيْرِ الْوَاجِبِ وَلِأَنَّهَا قُرْبَةٌ يُضَافُ إلَيْهَا وَقْتُهَا، يُقَالُ: يَوْمُ الْأَضْحَى وَذَلِكَ يُؤْذِنُ بِالْوُجُوبِ، لِأَنَّ الْإِضَافَةَ لِلِاخْتِصَاصِ وَهُوَ بِالْوُجُودِ، وَالْوُجُوبُ هُوَ الْمُفْضِي إلَى الْوُجُودِ ظَاهِرًا بِالنَّظَرِ إلَى الْجِنْسِ، غَيْرَ أَنَّ الْأَدَاءَ يَخْتَصُّ بِأَسْبَابٍ يَشُقُّ عَلَى الْمُسَافِرِ اسْتِحْضَارُهَا، وَيَفُوتُ بِمُضِيِّ الْوَقْتِ فَلَا تَجِبُ عَلَيْهِ بِمَنْزِلَةِ الْجُمُعَةِ، وَالْمُرَادُ بِالْإِرَادَةِ فِيمَا رُوِيَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ مَا هُوَ ضِدُّ السَّهْوِ لَا التَّخْيِيرِ، وَالْعَتِيرَةُ مَنْسُوخَةٌ، وَهِيَ شَاةٌ تُقَامُ فِي رَجَبٍ عَلَى مَا قِيلَ، وَإِنَّمَا اخْتَصَّ الْوُجُوبُ بِالْحُرِّيَّةِ، لِأَنَّهَا وَظِيفَةٌ مَالِيَّةٌ لَا تَتَأَدَّى إلَّا بِالْمِلْكِ، وَالْمَالِكُ هُوَ الْحُرُّ، وَبِالْإِسْلَامِ لِكَوْنِهَا قُرْبَةً، وَبِالْإِقَامَةِ لِمَا بَيَّنَّا، وَالْيَسَارُ لِمَا رَوَيْنَا مِنْ اشْتِرَاطِ السَّعَةِ، وَمِقْدَارُهُ مَا يَجِبُ بِهِ صَدَقَةُ الْفِطْرِ، وَقَدْ مَرَّ فِي الصَّوْمِ وَبِالْوَقْتِ وَهُوَ يَوْمُ الْأَضْحَى، لِأَنَّهَا مُخْتَصَّةٌ بِهِ، وَسَنُبَيِّنُ مِقْدَارَهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَتَجِبُ عَنْ نَفْسِهِ، لِأَنَّهُ أَصْلٌ فِي الْوُجُوبِ عَلَيْهِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ وَعَنْ وَلَدِهِ الصَّغِيرِ، لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى نَفْسِهِ فَيَلْحَقُ بِهِ كَمَا فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ، وَهَذِهِ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ لَا تَجِبُ عَنْ وَلَدِهِ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ بِخِلَافِ صَدَقَةِ الْفِطْرِ، لِأَنَّ السَّبَبَ هُنَاكَ رَأْسٌ يُمَوِّنُهُ وَيَلِي عَلَيْهِ وَهُمَا مَوْجُودَانِ فِي الصَّغِيرِ، وَهَذِهِ قُرْبَةٌ مَحْضَةٌ، وَالْأَصْلُ فِي الْقُرَبِ أَنْ لَا تَجِبَ عَلَى الْغَيْرِ بِسَبَبِ الْغَيْرِ، وَلِهَذَا لَا تَجِبُ عَنْ عَبْدِهِ وَإِنْ كَانَ يَجِبُ عَنْهُ صَدَقَةُ فِطْرِهِ، وَإِنْ كَانَ لِلصَّغِيرِ مَالٌ يُضَحِّي عَنْهُ أَبُوهُ أَوْ وَصِيُّهُ مِنْ مَالِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَزُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمُ اللَّهُ: يُضَحِّي مِنْ مَالِ نَفْسِهِ لَا مِنْ مَالِ الصَّغِيرِ فَالْخِلَافُ فِي هَذَا كَالْخِلَافِ فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ، وَقِيلَ لَا تَجُوزُ التَّضْحِيَةُ مِنْ مَالِ الصَّغِيرِ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا، لِأَنَّ هَذِهِ الْقُرْبَةَ تَتَأَدَّى بِالْإِرَاقَةِ، وَالصَّدَقَةُ بَعْدَهَا تَطَوُّعٌ، وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ مِنْ مَالِ الصَّغِيرِ وَلَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَأْكُلَهُ كُلَّهُ، وَالْأَصَحُّ أَنْ يُضَحِّيَ مِنْ مَالِهِ وَيَأْكُلَ مِنْهُ مَا أَمْكَنَهُ وَيَبْتَاعَ مِمَّا بَقِيَ مَا يَنْتَفِعُ بِعَيْنِهِ.
الشرح:
كِتَابُ الْأُضْحِيَّةِ الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «مَنْ أَرَادَ مِنْكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ، فَلَا يَأْخُذْ مِنْ شَعْرِهِ وَأَظْفَارِهِ».
قُلْت: أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ رَأَى هِلَالَ ذِي الْحِجَّةِ مِنْكُمْ، وَأَرَادَ أَنْ يُضَحِّيَ، فَلْيُمْسِكْ عَنْ شَعْرِهِ، وَأَظْفَارِهِ»، انْتَهَى.
وَوَهَمَ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ، فَرَوَاهُ، وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخْرِجَاهُ، انْتَهَى.
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: فِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ الْأُضْحِيَّةِ، لِأَنَّهُ عَلَّقَهُ بِالْإِرَادَةِ، وَالْإِرَادَةُ تُنَافِي الْوُجُوبَ، وَبِذَلِكَ أَيْضًا اسْتَدَلَّ، ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي التَّحْقِيقِ لِمَذْهَبِ أَحْمَدَ، وَلَمْ يَتَعَقَّبْهُ صَاحِبُ التَّنْقِيحِ، وَلَكِنْ تَعَقَّبَهُ فِي كِتَابِ الْوَصَايَا حِينَ احْتَجَّ عَلَى دَاوُد فِي اخْتِيَارِهِ وُجُوبَ الْوَصِيَّةِ، بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «مَا حَقُّ امْرِئٍ أَنْ يَبِيتَ لَيْلَتَيْنِ، وَلَهُ مَالٌ، يُرِيدُ أَنْ يُوصِيَ فِيهِ إلَّا وَصِيَّتُهُ مَكْتُوبَةٌ عِنْدَهُ».
قَالَ: وَالْإِرَادَةُ تُنَافِي الْوُجُوبَ، فَقَالَ فِي التَّنْقِيحِ: لَا حُجَّةَ فِيهِ، لِأَنَّ الْوَاجِبَ قَدْ تَعَلَّقَ عَلَى الْإِرَادَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، انْتَهَى.
أَحَادِيثُ الْبَابِ:
رَوَى أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ، وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ، وَسَكَتَ عَنْهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي جَنَابٍ الْكَلْبِيِّ يَحْيَى بْنِ أَبِي حَيَّةَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ثَلَاثٌ هُنَّ عَلَيَّ فَرَائِضُ، وَهُنَّ لَكُمْ تَطَوُّعٌ: الْوِتْرُ، وَالنَّحْرُ، وَصَلَاةُ الضُّحَى»، انْتَهَى.
قَالَ الذَّهَبِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ: سَكَتَ الْحَاكِمُ عَنْهُ، وَفِيهِ أَبُو جَنَابٍ الْكَلْبِيُّ، وَقَدْ ضَعَّفَهُ النَّسَائِيّ، وَالدَّارَقُطْنِيّ، انْتَهَى.
وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْوِتْرِ، وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا: «كُتِبَ عَلَيَّ النَّحْرُ، وَلَمْ يُكْتَبْ عَلَيْكُمْ»، الْحَدِيثَ، وَجَابِرٌ الْجُعْفِيُّ ضَعِيفٌ، قَالَ صَاحِبُ التَّنْقِيحِ: وَرُوِيَ مِنْ طُرُقٍ أُخْرَى، وَهُوَ ضَعِيفٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ، انْتَهَى.
الْآثَارُ: قَالَ السَّرَقُسْطِيُّ فِي كِتَابِهِ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ ثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ ثَنَا سُفْيَانُ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ، قَالَ: إنِّي لَأَدَعُ الْأُضْحِيَّةَ، وَأَنَا مِنْ أَيْسَرِكُمْ، كَرَاهِيَةَ أَنْ يَعْلَمَ النَّاسُ أَنَّهَا حَتْمٌ وَاجِبٌ، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ الثَّانِي: قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «مَنْ وَجَدَ سَعَةً، وَلَمْ يُضَحِّ، فَلَا يَقْرَبَنَّ مُصَلَّانَا».
قُلْت: أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ عَنْ زَيْدِ بْنِ الْحُبَابِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: «مَنْ كَانَ لَهُ سَعَةٌ، وَلَمْ يُضَحِّ، فَلَا يَقْرَبَنَّ مُصَلَّانَا»، انْتَهَى.
وَرَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ، وَأَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي مَسَانِيدِهِمْ، وَالدَّارَقُطْنِيّ فِي سُنَنِهِ، وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ (الْحَجِّ)، وَقَالَ: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخْرِجَاهُ، وَأَخْرَجَهُ فِي الضَّحَايَا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ الْمُقْرِي ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَيَّاشٍ بِهِ مَرْفُوعًا، وَقَالَ: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخْرِجَاهُ، ثُمَّ رَوَاهُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَيَّاشٍ، فَذَكَرَهُ مَوْقُوفًا، قَالَ: هَكَذَا وَقَفَهُ ابْنُ وَهْبٍ، وَالزِّيَادَةُ مِنْ الثِّقَةِ مَقْبُولَةٌ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ الْمُقْرِي فَوْقَ الثِّقَةِ. انْتَهَى.
قَالَ فِي التَّنْقِيحِ: حَدِيثُ ابْنِ مَاجَهْ رِجَالُهُ كُلُّهُمْ رِجَالُ الصَّحِيحَيْنِ إلَّا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَيَّاشٍ، الْقِتْبَانِيَّ، فَإِنَّهُ مِنْ أَفْرَادِ مُسْلِمٍ، قَالَ: وَكَذَلِكَ رَوَاهُ حَيْوَةُ بْنُ شُرَيْحٍ، وَغَيْرُهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَيَّاشٍ بِهِ مَرْفُوعًا، وَرَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ بِهِ مَوْقُوفًا، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ جَعْفَرُ بْنُ رَبِيعَةَ، وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَوْقُوفًا، وَهُوَ أَشْبَهُ بِالصَّوَابِ. انْتَهَى.
وذَهَلَ شَيْخُنَا عَلَاءُ الدِّينِ مُقَلِّدًا لِغَيْرِهِ، فَعَزَا هَذَا الْحَدِيثَ لِلدَّارَقُطْنِيِّ فَقَطْ، قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي التَّحْقِيقِ: وَهَذَا الْحَدِيثُ لَا يَدُلُّ عَلَى الْوُجُوبِ، كَمَا فِي حَدِيثِ: «مَنْ أَكَلَ الثُّومَ، فَلَا يَقْرَبَنَّ مُصَلَّانَا».
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبِ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ بْنِ نِيَارٍ، قَالَ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ عِنْدِي جَذَعَةً، قَالَ: اذْبَحْهَا، وَلَنْ تُجْزِئَ عَنْ أَحَدٍ بَعْدَكَ»، وَمِثْلُ هَذَا لَا يُسْتَعْمَلُ إلَّا فِي الْوَاجِبِ، قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: وَمَعْنَاهُ يُجْزِئُ فِي إقَامَةِ السُّنَّةِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ: «فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ، فَقَدْ أَصَابَ سُنَّتَنَا».
حَدِيثٌ آخَرُ: حَدِيثُ مِخْنَفِ بْنِ سُلَيْمٍ: «عَلَى كُلِّ أَهْلِ بَيْتٍ فِي كُلِّ عَامٍ أُضْحِيَّةٌ وَعَتِيرَةٌ»، وَسَيَأْتِي.
قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: وَهَذَا مَتْرُوكُ الظَّاهِرِ، إذْ لَا يُسَنُّ الْعَتِيرَةُ أَصْلًا، وَلَوْ قُلْنَا بِوُجُوبِ الْأُضْحِيَّةِ كَانَتْ عَلَى الشَّخْصِ الْوَاحِدِ، لَا عَلَى جَمِيعِ أَهْلِ الْبَيْتِ. انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ الْمُسَيِّبِ بْنِ شَرِيكٍ ثَنَا عُبَيْدٌ الْمُكْتِبُ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَلِيٍّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «نَسَخَ الْأَضْحَى كُلَّ ذَبْحٍ، وَرَمَضَانُ كُلَّ صَوْمٍ».
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: إسْنَادُهُ ضَعِيفٌ بِمُرَّةَ، وَالْمُسَيِّبُ بْنُ شَرِيكٍ مَتْرُوكٌ، وَقَالَ فِي التَّنْقِيحِ: قَالَ الْفَلَّاسُ: أَجْمَعُوا عَلَى تَرْكِ حَدِيثِ الْمُسَيِّبِ بْنِ شَرِيكٍ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ هُرَيْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ أَسْتَدِينُ وَأُضَحِّي؟ قَالَ: نَعَمْ، فَإِنَّهُ دَيْنٌ مَقْضِيٌّ» انْتَهَى.
قَالَ: وَهُرَيْرٌ ضَعِيفٌ، وَلَمْ يُدْرِكْ عَائِشَةَ.
قَوْلُهُ: وَالْعَتِيرَةُ مَنْسُوخَةٌ، وَهِيَ شَاةٌ تُقَامُ فِي رَجَبٍ عَلَى مَا قِيلَ.
قُلْت: رَوَى الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فِي كُتُبِهِمْ مِنْ حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا فَرَعَ وَلَا عَتِيرَةَ»، انْتَهَى.
زَادَ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ فِي الْإِسْلَامِ، وَفِي لَفْظٍ لِلنَّسَائِيِّ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ الْفَرَعِ وَالْعَتِيرَةِ»، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ قَالَ: وَالْفَرَعُ أَوَّلُ النِّتَاجِ، كَانَ يُنْتَجُ لَهُمْ، فَيَذْبَحُونَهُ لِطَوَاغِيتِهِمْ، وَالْعَتِيرَةُ فِي رَجَبٍ. انْتَهَى.
وأَسْنَدَ أَبُو دَاوُد عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، قَالَ: الْفَرَعُ أَوَّلُ النِّتَاجِ كَانَ يُنْتَجُ لَهُمْ، فَيَذْبَحُونَهُ. انْتَهَى.
وقَالَ التِّرْمِذِيُّ: وَالْعَتِيرَةُ ذَبِيحَةٌ كَانُوا يَذْبَحُونَهَا فِي رَجَبٍ يُعَظِّمُونَهُ، لِأَنَّهُ أَوَّلُ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ، وَالْفَرَعُ أَوَّلُ النِّتَاجِ، كَانَ يُنْتَجُ لَهُمْ، فَيَذْبَحُونَهُ، انْتَهَى.
وأَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنَيْهِمَا فِي الْأُضْحِيَّةِ عَنْ الْمُسَيِّبِ بْنِ شَرِيكٍ عَنْ عُتْبَةَ بْنِ الْيَقْظَانِ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «نَسَخَتْ الزَّكَاةُ كُلَّ صَدَقَةٍ، وَنَسَخَ صَوْمُ رَمَضَانَ كُلَّ صَوْمٍ، وَنَسَخَ غُسْلُ الْجَنَابَةِ كُلَّ غُسْلٍ، وَنَسَخَتْ الْأَضَاحِيُّ كُلَّ ذَبِيحٍ»، انْتَهَى.
وضَعَّفَاهُ.
قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: الْمُسَيِّبُ بْنُ شَرِيكٍ، وَعُتْبَةُ بْنُ الْيَقْظَانِ مَتْرُوكَانِ، انْتَهَى.
ورَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ فِي أَوَاخِرِ النِّكَاحِ مَوْقُوفًا عَلَى عَلِيٍّ.
قَالَ: (وَيَذْبَحُ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ شَاةً أَوْ يَذْبَحُ بَقَرَةً أَوْ بَدَنَةً عَنْ سَبْعَةٍ) وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا تَجُوزَ إلَّا عَنْ وَاحِدٍ، لِأَنَّ الْإِرَاقَةَ وَاحِدَةٌ وَهِيَ الْقُرْبَةُ إلَّا أَنَّا تَرَكْنَاهُ بِالْأَثَرِ، وَهُوَ مَا رُوِيَ عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: «نَحَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ الْبَقَرَةَ عَنْ سَبْعَةٍ وَالْبَدَنَةَ عَنْ سَبْعَةٍ»، وَلَا نَصَّ فِي الشَّاةِ فَبَقِيَ عَلَى أَصْلِ الْقِيَاسِ.
وَتَجُوزُ عَنْ خَمْسَةٍ أَوْ سِتَّةٍ أَوْ ثَلَاثَةٍ ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْأَصْلِ، لِأَنَّهُ لَمَّا جَازَ عَنْ سَبْعَةٍ فَعَمَّنْ دُونَهُمْ أَوْلَى، وَلَا تَجُوزُ عَنْ ثَمَانِيَةٍ أَخْذًا بِالْقِيَاسِ فِيمَا لَا نَصَّ فِيهِ، وَكَذَا إذَا كَانَ نَصِيبُ أَحَدِهِمْ أَقَلَّ مِنْ السُّبْعِ، وَلَا تَجُوزُ عَنْ الْكُلِّ لِانْعِدَامِ وَصْفِ الْقُرْبَةِ فِي الْبَعْضِ، وَسَنُبَيِّنُهُ مِنْ بَعْدُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
الشرح:
الْحَدِيثُ الثَّالِثُ: رُوِيَ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: «نَحَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْبَقَرَةَ عَنْ سَبْعَةٍ، وَالْبَدَنَةَ عَنْ سَبْعَةٍ».
قُلْت: أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ.
قَالَ: «نَحَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْحُدَيْبِيَةِ، الْبَدَنَةَ عَنْ سَبْعَةٍ، وَالْبَقَرَةَ عَنْ سَبْعَةٍ»، انْتَهَى.
وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ: عَنْ زُهَيْرٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: «خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُهِلِّينَ بِالْحَجِّ، فَأَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَشْتَرِكَ فِي الْإِبِلِ، وَالْبَقَرِ، كُلُّ سَبْعَةٍ مِنَّا فِي بَدَنَةٍ» انْتَهَى.
أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، وَالنَّسَائِيُّ فِي الْحَجِّ، وَالْبَاقُونَ فِي الضَّحَايَا، وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُد، فِي الْأُضْحِيَّةِ، وَالنَّسَائِيُّ فِي الْحَجِّ عَنْ قَيْسٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الْبَقَرُ عَنْ سَبْعَةٍ، الْبَدَنَةُ عَنْ سَبْعَةٍ»، انْتَهَى.
وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْ مُجَالِدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا، نَحْوَهُ سَوَاءً، وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ جُمَيْعٍ عَنْ مُغِيرَةَ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ مَرْفُوعًا، نَحْوَهُ سَوَاءً، وَيُشْكِلُ عَلَى الْمَذْهَبِ فِي مَنْعِهِمْ الْبَدَنَةَ عَنْ عَشَرَةٍ مَا أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ، وَأَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ، وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ عَنْ عَلْيَاءَ بْنِ أَحْمَرَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ، فَحَضَرَ الْأَضْحَى، فَاشْتَرَكْنَا فِي الْبَقَرَةِ سَبْعَةً وَفِي الْجَزُورِ عَشَرَةً»، انْتَهَى.
قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ: وَحَدِيثُ زُهَيْرٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ فِي اشْتِرَاكِهِمْ وَهُمْ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْجَزُورِ عَنْ سَبْعَةٍ أَصَحُّ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، ثُمَّ رَوَى مِنْ طَرِيقِ ابْنِ إِسْحَاقَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ، وَالْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ خَرَجَ يُرِيدُ زِيَارَةَ الْبَيْتِ، وَسَاقَ مَعَهُ الْهَدْيَ سَبْعِينَ بَدَنَةً عَنْ سَبْعِمِائَةِ رَجُلٍ، كُلُّ بَدَنَةٍ عَنْ عَشَرَةٍ».
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَقَدْ رَوَاهُ مَعْمَرٌ، وَسُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ بِهَذَا الْإِسْنَادِ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ فِي بِضْعَ عَشْرَةَ مِائَةً»، وَعَلَى ذَلِكَ يَدُلُّ رِوَايَةُ جَابِرٍ، وَسَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ، وَمَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ، وَالْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، وَكُلُّهُمْ شَهِدُوا الْحُدَيْبِيَةَ، وَكَأَنَّهُمْ نَحَرُوا السَّبْعِينَ عَنْ بَعْضِهِمْ، وَنَحَرُوا الْبَقَرَ عَنْ الْبَاقِينَ، عَنْ كُلِّ سَبْعَةٍ بَقَرَةٌ، انْتَهَى.
وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ فِي الْمَغَازِي: رِوَايَةُ مَنْ رَوَى الْبَدَنَةَ عَنْ سَبْعَةٍ أَثْبَتُ مِنْ الَّذِينَ رَوَوْا عَنْ عَشَرَةٍ، فَإِنَّ الْهَدْيَ كَانَ يَوْمَئِذٍ سَبْعِينَ بَدَنَةً، وَالْقَوْمُ كَانُوا سِتَّ عَشْرَةَ مِائَةً، انْتَهَى.
وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بَشَّارٍ ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: «نَحَرْنَا يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ سَبْعِينَ بَدَنَةً، الْبَدَنَةُ عَنْ عَشَرَةٍ، وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لِيَشْتَرِكْ الْبَقَرُ فِي الْهَدْيِ»، انْتَهَى.
وَقَالَ صَحِيحٌ: عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ الْحُسَيْنِ بْنِ وَاقِدٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ، فَحَضَرَ النَّحْرَ، فَاشْتَرَكْنَا فِي الْبَقَرَةِ عَنْ سَبْعَةٍ، وَفِي الْجَزُورِ عَنْ عَشَرَةٍ»، انْتَهَى.
وقَالَ: عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ، وَيُشْكِلُ عَلَى الْمَذْهَبِ أَيْضًا فِي مَنْعِهِمْ الشَّاةَ لِأَكْثَرَ مِنْ وَاحِدٍ، بِالْأَحَادِيثِ الْمُتَقَدِّمَةِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَحَّى بِكَبْشٍ عَنْهُ، وَعَنْ أُمَّتِهِ، وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ عَنْ أَبِي عَقِيلٍ زُهْرَةَ بْنِ مَعْبَدٍ عَنْ جَدِّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ هِشَامٍ، وَكَانَ قَدْ أَدْرَكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «وَذَهَبَتْ بِهِ أُمُّهُ زَيْنَبُ بِنْتُ حُمَيْدٍ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ صَغِيرٌ، فَمَسَحَ رَأْسَهُ، وَدَعَا لَهُ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُضَحِّي بِالشَّاةِ الْوَاحِدَةِ عَنْ جَمِيعِ أَهْلِهِ»، انْتَهَى.
وقَالَ: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَهُوَ خِلَافُ مَنْ يَقُولُ: إنَّهَا لَا تُجْزِئُ إلَّا عَنْ الْوَاحِدِ، انْتَهَى كَلَامُهُ.
وَقَالَ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ: تَجُوزُ عَنْ أَهْلِ بَيْتٍ وَاحِدٍ وَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ سَبْعَةٍ وَلَا تَجُوزُ عَنْ أَهْلِ بَيْتَيْنِ وَإِنْ كَانُوا أَقَلَّ مِنْهَا لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «عَلَى كُلِّ أَهْلِ بَيْتٍ فِي كُلِّ عَامٍ أَضْحَاةٌ وَعَتِيرَةٌ».
قُلْنَا الْمُرَادُ مِنْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قِيَمُ أَهْلِ الْبَيْتِ، لِأَنَّ الْيَسَارَ لَهُ يُؤَيِّدُهُ مَا يُرْوَى «عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ فِي كُلِّ عَامٍ أَضْحَاةٌ وَعَتِيرَةٌ» وَلَوْ كَانَتْ الْبَدَنَةُ بَيْنَ اثْنَيْنِ نِصْفَيْنِ تَجُوزُ فِي الْأَصَحِّ، لِأَنَّهُ لَمَّا جَازَ ثَلَاثَةُ الْأَسْبَاعِ جَازَ نِصْفُ السُّبْعِ تَبَعًا لَهُ، وَإِذَا جَازَ عَلَى الشَّرِكَةِ فَقِسْمَةُ اللَّحْمِ بِالْوَزْنِ، لِأَنَّهُ مَوْزُونٌ، وَلَوْ اقْتَسَمُوا جُزَافًا لَا يَجُوزُ إلَّا إذَا كَانَ مَعَهُ شَيْءٌ مِنْ الْأَكَارِعِ وَالْجِلْدِ اعْتِبَارً بِالْبَيْعِ.
الشرح:
الْحَدِيثُ الرَّابِعُ: قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «عَلَى كُلِّ أَهْلِ بَيْتٍ فِي كُلِّ عَامٍ أَضْحَاةٌ، وَعَتِيرَةٌ».
قُلْت: أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةُ عَنْ ابْنِ عَوْنٍ عَنْ أَبِي رَمْلَةَ ثَنَا مِخْنَفُ بْنُ سُلَيْمٍ، قَالَ: «كُنَّا وُقُوفًا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَرَفَاتٍ، فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ عَلَى كُلِّ أَهْلِ بَيْتٍ فِي كُلِّ عَامٍ أَضْحَاةٌ، وَعَتِيرَةٌ، أَتَدْرُونَ مَا الْعَتِيرَةُ؟ هِيَ الَّتِي يَقُولُ، النَّاسُ: إنَّهَا الرَّجَبِيَّةُ»، انْتَهَى.
ذَكَرَهُ النَّسَائِيّ فِي الْفَرَعِ وَالْعَتِيرَةِ، وَالْبَاقُونَ فِي الضَّحَايَا، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ، لَا نَعْرِفُهُ مَرْفُوعًا إلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَوْنٍ، انْتَهَى.
وَرَوَاهُ أَحْمَدُ، وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَأَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ، وَالْبَزَّارُ فِي مَسَانِيدِهِمْ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ، وَالطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ، وَقَالَ عَبْدُ الْحَقِّ: إسْنَادُهُ ضَعِيفٌ، قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: وَعِلَّتُهُ الْجَهْلُ بِحَالِ أَبِي رَمْلَةَ، وَاسْمُهُ عَامِرٌ، فَإِنَّهُ لَا يُعْرَفُ إلَّا بِهَذَا، يَرْوِيهِ عَنْهُ ابْنُ عَوْنٍ، وَقَدْ رَوَاهُ عَنْهُ أَيْضًا ابْنُهُ حَبِيبُ بْنُ مِخْنَفٍ، وَهُوَ مَجْهُولٌ أَيْضًا، كَأَبِيهِ، انْتَهَى.
قُلْتُ: رَوَاهُ مِنْ هَذِهِ الطَّرِيقِ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عَبْدُ الْكَرِيمِ عَنْ حَبِيبِ بْنِ مِخْنَفِ بْنِ سُلَيْمٍ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: «انْتَهَيْت إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ عَرَفَةَ، وَهُوَ يَقُولُ: هَلْ تَعْرِفُونَهَا؟ فَلَا أَدْرِي مَا رَجَعُوا إلَيْهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: عَلَى أَهْلِ كُلِّ بَيْتٍ أَنْ يَذْبَحُوا شَاةً فِي رَجَبٍ، وَفِي كُلِّ أَضْحَى شَاةً»، انْتَهَى.
ومِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ بِسَنَدِهِ وَمَتْنِهِ، وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ: إنْ صَحَّ هَذَا، فَالْمُرَادُ بِهِ عَلَى طَرِيقِ الِاسْتِحْبَابِ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ قَرَنَ بَيْنَ الْأُضْحِيَّةِ وَالْعَتِيرَةِ، غَيْرُ وَاجِبَةٍ بِالْإِجْمَاعِ انْتَهَى قَوْلُهُ: وَيُرْوَى: «عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ فِي كُلِّ عَامٍ أَضْحَاةٌ وَعَتِيرَةٌ».
قُلْت: رِوَايَةٌ غَرِيبَةٌ، وَجَهِلَ مَنْ اسْتَشْهَدَ بِحَدِيثِ مِخْنَفِ بْنِ سُلَيْمٍ الْمُتَقَدِّمِ.
قَالَ: (وَلَوْ اشْتَرَى بَقَرَةً يُرِيدُ أَنْ يُضَحِّيَ بِهَا عَنْ نَفْسِهِ ثُمَّ اشْتَرَكَ فِيهَا سِتَّةٌ مَعَهُ جَازَ اسْتِحْسَانًا) وَفِي الْقِيَاسِ لَا يَجُوزُ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ، لِأَنَّهُ أَعَدَّهَا لِلْقُرْبَةِ فَيُمْنَعُ عَنْ بَيْعِهَا تَمَوُّلًا وَالِاشْتِرَاكُ هَذِهِ صِفَتُهُ، وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُ قَدْ يَجِدُ بَقَرَةً سَمِينَةً يَشْتَرِيهَا وَلَا يَظْفَرُ بِالشُّرَكَاءِ وَقْتَ الْبَيْعِ وَإِنَّمَا يَطْلُبُهُمْ بَعْدَهُ فَكَانَتْ الْحَاجَةُ إلَيْهِ مَاسَّةً فَجَوَّزْنَاهُ دَفْعًا لِلْحَرَجِ، وَقَدْ أَمْكَنَ، لِأَنَّ بِالشِّرَاءِ لِلتَّضْحِيَةِ لَا يَمْتَنِعُ الْبَيْعُ، وَالْأَحْسَنُ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ قَبْلَ الشِّرَاءِ لِيَكُونَ أَبْعَدَ عَنْ الْخِلَافِ وَعَنْ صُورَةِ الرُّجُوعِ فِي الْقُرْبَةِ، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ يَكْرَهُ الِاشْتِرَاكَ بَعْدَ الشِّرَاءِ لِمَا بَيَّنَّا.
قَالَ: (وَلَيْسَ عَلَى الْفَقِيرِ وَالْمُسَافِرِ أُضْحِيَّةٌ) لِمَا بَيَّنَّا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا كَانَا لَا يُضَحِّيَانِ إذَا كَانَا مُسَافِرَيْنِ، وَعَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَيْسَ عَلَى الْمُسَافِرِ جُمُعَةٌ وَلَا أُضْحِيَّةٌ.
الشرح:
قَوْلُهُ: رُوِيَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ، وَعُمَرَ كَانَا لَا يُضَحِّيَانِ إذَا كَانَا مُسَافِرَيْنِ.
قُلْت: غَرِيبٌ.
قَوْلُهُ: وَعَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: لَيْسَ عَلَى الْمُسَافِرِ جُمُعَةٌ، وَلَا أُضْحِيَّةٌ.
قُلْت: غَرِيبٌ، وَجَهِلَ مَنْ قَالَ: إنَّهُ تَقَدَّمَ فِي الْجُمُعَةِ، وَاَلَّذِي تَقَدَّمَ فِي الْجُمُعَةِ إنَّمَا حَدِيثُ عَلِيٍّ مَرْفُوعًا: «لَا جُمُعَةَ، وَلَا تَشْرِيقَ، وَلَا أَضْحَى، وَلَا فِطْرَ إلَّا فِي مِصْرٍ جَامِعٍ»، وَلَمْ يَتَقَدَّمْ غَيْرُهُ.
قَالَ: (وَوَقْتُ الْأُضْحِيَّةِ يَدْخُلُ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَهْلِ الْأَمْصَارِ الذَّبْحُ حَتَّى يُصَلِّيَ الْإِمَامُ الْعِيدَ فَأَمَّا أَهْلُ السَّوَادِ فَيَذْبَحُونَ بَعْدَ الْفَجْرِ) وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «مَنْ ذَبَحَ قَبْلَ الصَّلَاةِ فَلْيُعِدْ ذَبِيحَتَهُ وَمَنْ ذَبَحَ بَعْدَ الصَّلَاةِ فَقَدْ تَمَّ نُسُكُهُ وَأَصَابَ سُنَّةَ الْمُسْلِمِينَ».
وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «إنَّ أَوَّلَ نُسُكِنَا فِي هَذَا الْيَوْمِ الصَّلَاةُ ثُمَّ الْأُضْحِيَّةُ» غَيْرَ أَنَّ هَذَا الشَّرْطَ فِي حَقِّ مَنْ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَهُوَ الْمِصْرِيُّ دُونَ أَهْلِ السَّوَادِ، لِأَنَّ التَّأْخِيرَ لِاحْتِمَالِ التَّشَاغُلِ بِهِ عَنْ الصَّلَاةِ، وَلَا مَعْنَى لِلتَّأْخِيرِ فِي حَقِّ الْقَرَوِيِّ، وَلَا صَلَاةَ عَلَيْهِ، وَمَا رَوَيْنَاهُ حُجَّةٌ عَلَى مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ فِي نَفْيِهِمَا الْجَوَازَ بَعْدَ الصَّلَاةِ قَبْلَ نَحْرِ الْإِمَامِ، ثُمَّ الْمُعْتَبَرُ فِي ذَلِكَ مَكَانُ الْأُضْحِيَّةِ حَتَّى لَوْ كَانَتْ فِي السَّوَادِ وَالْمُضَحِّي فِي الْمِصْرِ يَجُوزُ كَمَا انْشَقَّ الْفَجْرُ، وَلَوْ كَانَ عَلَى الْعَكْسِ لَا يَجُوزُ إلَّا بَعْدَ الصَّلَاةِ، وَحِيلَةُ الْمِصْرِيِّ إذَا أَرَادَ التَّعْجِيلَ أَنْ يَبْعَثَ بِهَا إلَى خَارِجِ الْمِصْرِ فَيُضَحِّيَ بِهَا كَمَا طَلَعَ الْفَجْرُ هَذَا، لِأَنَّهَا تُشْبِهُ الزَّكَاةَ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا تَسْقُطُ بِهَلَاكِ الْمَالِ قَبْلَ مُضِيِّ أَيَّامِ النَّحْرِ كَالزَّكَاةِ بِهَلَاكِ النِّصَابِ، فَيُعْتَبَرُ فِي الصَّرْفِ مَكَانُ الْمَحَلِّ، لَا مَكَانَ الْفَاعِلِ اعْتِبَارًا بِهَا بِخِلَافِ صَدَقَةِ الْفِطْرِ، لِأَنَّهَا لَا تَسْقُطُ بِهَلَاكِ الْمَالِ بَعْدَمَا طَلَعَ الْفَجْرُ مِنْ يَوْمِ الْفِطْرِ، وَلَوْ ضَحَّى بَعْدَمَا صَلَّى أَهْلُ الْمَسْجِدِ وَلَمْ يُصَلِّ أَهْلُ الْجَبَانَةِ أَجْزَاهُ اسْتِحْسَانًا، لِأَنَّهَا صَلَاةٌ مُعْتَبَرَةٌ حَتَّى لَوْ اكْتَفَيَا بِهَا أَجْزَأَتْهُمْ، وَكَذَا عَلَى عَكْسِهِ، وَقِيلَ: هُوَ جَائِزٌ قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا.
الشرح:
الْحَدِيثُ الْخَامِسُ: قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «مَنْ ذَبَحَ قَبْلَ الصَّلَاةِ، فَلْيُعِدْ ذَبِيحَتَهُ، وَمَنْ ذَبَحَ بَعْدَ الصَّلَاةِ فَقَدْ تَمَّ نُسُكُهُ، وَأَصَابَ سُنَّةَ الْمُسْلِمِينَ».
قُلْت: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، قَالَ: «ضَحَّى خَالِي أَبُو بُرْدَةَ قَبْلَ الصَّلَاةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: تِلْكَ شَاةُ لَحْمٍ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ عِنْدِي جَذَعَةً مِنْ الْمَعْزِ، فَقَالَ: ضَحِّ بِهَا، وَلَا تَصْلُحُ لِغَيْرِك، ثُمَّ قَالَ: مَنْ ضَحَّى قَبْلَ الصَّلَاةِ، فَإِنَّمَا ذَبَحَ لِنَفْسِهِ، وَمَنْ ذَبَحَ بَعْدَ الصَّلَاةِ، فَقَدْ تَمَّ نُسُكُهُ، وَأَصَابَ سُنَّةَ الْمُسْلِمِينَ»، انْتَهَى.
وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ ذَبَحَ قَبْلَ الصَّلَاةِ، فَلْيُعِدْ، وَمَنْ ذَبَحَ بَعْدَ الصَّلَاةِ، فَقَدْ تَمَّ نُسُكُهُ، وَأَصَابَ سُنَّةَ الْمُسْلِمِينَ»، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ السَّادِسُ: قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «إنَّ أَوَّلَ نُسُكِنَا فِي هَذَا الْيَوْمِ الصَّلَاةُ، ثُمَّ الْأُضْحِيَّةُ».
قُلْت: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ بِمَعْنَاهُ عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنَّ أَوَّلَ مَا نَبْدَأُ بِهِ فِي يَوْمِنَا هَذَا أَنْ نُصَلِّيَ، ثُمَّ نَرْجِعَ، فَنَنْحَرَ، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ، فَقَدْ أَصَابَ سُنَّتَنَا، وَمَنْ ذَبَحَ قَبْلُ فَإِنَّمَا هُوَ لَحْمٌ، قَدَّمَهُ لِأَهْلِهِ، لَيْسَ مِنْ النُّسُكِ فِي شَيْءٍ»، انْتَهَى.
احْتَجَّ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَبِاَلَّذِي قَبْلَهُ عَلَى الشَّافِعِيِّ، وَمَالِكٍ فِي مَنْعِهِمَا الْأُضْحِيَّةَ بَعْدَ الصَّلَاةِ قَبْلَ نَحْرِ الْإِمَامِ، وَاسْتَدَلَّ عَلَيْهِمَا ابْنُ الْجَوْزِيِّ أَيْضًا بِمَا أَخْرَجَهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ جُنْدُبِ بْنِ سُفْيَانَ الْبَجَلِيِّ «أَنَّهُ صَلَّى مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ أَضْحَى، قَالَ فَانْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا هُوَ بِاللَّحْمِ، وَذَبَائِحِ الْأَضْحَى، فَعَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا ذُبِحَتْ، قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ، فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: مَنْ كَانَ ذَبَحَ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ فَلْيَذْبَحْ مَكَانَهَا أُخْرَى، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ ذَبَحَ حَتَّى صَلَّيْنَا، فَلْيَذْبَحْ بِاسْمِ اللَّهِ»، انْتَهَى.
وَاحْتَجَّ لَهُمَا بِمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي، أَبُو الزُّبَيْرِ، سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: «صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ النَّحْرِ بِالْمَدِينَةِ، فَتَقَدَّمَ رِجَالٌ فَنَحَرُوا، وَظَنُّوا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ نَحَرَ، فَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ كَانَ نَحَرَ قَبْلَهُ أَنْ يُعِيدَ بِنَحْرٍ آخَرَ، وَلَا تَنْحَرُوا حَتَّى يَنْحَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ»، انْتَهَى.
قَالَ: (وَهِيَ جَائِزَةٌ فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ يَوْمُ النَّحْرِ وَيَوْمَانِ بَعْدَهُ).
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ بَعْدَهُ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «أَيَّامُ التَّشْرِيقِ كُلُّهَا أَيَّامُ ذَبْحٍ» وَلَنَا مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ قَالُوا: أَيَّامُ النَّحْرِ ثَلَاثَةٌ أَفْضَلُهَا أَوَّلُهَا وَقَدْ قَالُوهُ سَمَاعًا، لِأَنَّ الرَّأْيَ لَا يَهْتَدِي إلَى الْمَقَادِيرِ، وَفِي الْأَخْبَارِ تَعَارُضٌ فَأَخَذْنَا بِالْمُتَيَقَّنِ، وَهُوَ الْأَقَلُّ وَأَفْضَلُهَا أَوَّلُهَا كَمَا قَالُوا، وَلِأَنَّ فِيهِ مُسَارَعَةً إلَى أَدَاءِ الْقُرْبَةِ وَهُوَ الْأَصْلُ إلَّا لِمُعَارِضٍ، وَيَجُوزُ الذَّبْحُ فِي لَيَالِيِهَا إلَّا أَنَّهُ يُكْرَهُ لِاحْتِمَالِ الْغَلَطِ فِي ظُلْمَةِ اللَّيْلِ، وَأَيَّامُ النَّحْرِ ثَلَاثَةٌ، وَأَيَّامُ التَّشْرِيقِ ثَلَاثَةٌ، وَالْكُلُّ يَمْضِي بِأَرْبَعَةٍ: أَوَّلُهَا نَحْرٌ لَا غَيْرُ وَآخِرُهَا تَشْرِيقٌ لَا غَيْرُ، وَالْمُتَوَسِّطَانِ نَحْرٌ وَتَشْرِيقٌ وَالتَّضْحِيَةُ فِيهَا أَفْضَلُ مِنْ التَّصَدُّقِ بِثَمَنِ الْأُضْحِيَّةِ، لِأَنَّهَا تَقَعُ وَاجِبَةً أَوْ سُنَّةً، وَالتَّصَدُّقُ تَطَوُّعٌ مَحْضٌ فَتَفْضُلُ عَلَيْهِ، وَلِأَنَّهَا تَفُوتُ بِفَوَاتِ وَقْتِهَا، وَالصَّدَقَةُ يُؤْتَى بِهَا فِي الْأَوْقَاتِ كُلِّهَا فَنَزَلَتْ مَنْزِلَةَ الطَّوَافِ وَالصَّلَاةِ فِي حَقِّ الْآفَاقِيِّ.
الشرح:
الْحَدِيثُ السَّابِعُ: قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «أَيَّامُ التَّشْرِيقِ كُلُّهَا أَيَّامُ ذَبْحٍ».
قُلْت: رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ، وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ فِي النَّوْعِ الثَّالِثِ وَالْأَرْبَعِينَ، مِنْ الْقِسْمِ الثَّالِثِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي حُسَيْنٍ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «كُلُّ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ ذَبْحٌ، وَعَرَفَةُ كُلُّهَا مَوْقِفٌ»، إلَى آخِرِهِ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ بِتَمَامِهِ فِي الْحَجِّ، وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ، وَقَالَ: ابْنُ أَبِي حُسَيْنٍ لَمْ يَلْقَ جُبَيْرَ بْنَ مُطْعِمٍ، وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ انْقِطَاعًا، وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْ أَبِي مُعِيدٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ مَرْفُوعًا، وَأَبُو مُعَيْدٍ بِمُثَنَّاةٍ، فِيهِ لِينٌ، وَأَخْرَجَهُ هُوَ، وَالْبَزَّارُ عَنْ سُوَيْد بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ عَنْ أَبِيهِ مَرْفُوعًا، قَالَ الْبَزَّارُ: لَا نَعْلَمُ قَالَ فِيهِ: عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ إلَّا سُوَيْد بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَهُوَ لَيْسَ بِالْحَافِظِ، وَلَا يُحْتَجُّ بِهِ إذَا انْفَرَدَ، وَحَدِيثُ ابْنِ أَبِي حُسَيْنٍ هُوَ الصَّوَابُ، مَعَ أَنَّ ابْنَ أَبِي حُسَيْنٍ لَمْ يَلْقَ جُبَيْرَ بْنَ مُطْعِمٍ. انْتَهَى.
وأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ أَيْضًا، وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَسُلَيْمَانُ بْنُ مُوسَى لَمْ يُدْرِكْ جُبَيْرَ بْنَ مُطْعِمٍ، وَأَخْرَجَهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ يَحْيَى الصَّدَفِيِّ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «قَالَ: أَيَّامُ التَّشْرِيقِ كُلُّهَا ذَبْحٌ»، انْتَهَى.
وضَعَّفَ مُعَاوِيَةُ بْنُ يَحْيَى عَنْ النَّسَائِيّ، وَالسَّعْدِيِّ، وَابْنِ مَعِينٍ، وَعَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ، وَوَافَقَهُمْ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي كِتَابِ الْعِلَلِ قَالَ أَبِي: هَذَا حَدِيثٌ مَوْضُوعٌ بِهَذَا الْإِسْنَادِ. انْتَهَى.
وقِيلَ: مُعَاوِيَةُ مُحَمَّدُ بْنُ شُعَيْبٍ.
قَوْلُهُ: رُوِيَ عَنْ عُمَرَ، وَعَلِيٍّ، وَابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُمْ قَالُوا: أَيَّامُ النَّحْرِ ثَلَاثَةٌ، أَفْضَلُهَا أَوَّلُهَا.
قُلْت: غَرِيبٌ جِدًّا، وَتَقَدَّمَ نَحْوُهُ فِي الْحَجِّ فِي الْحَدِيثِ الرَّابِعِ وَالسِّتِّينَ، وَرَوَى مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: الْأَضْحَى، يَوْمَانِ بَعْدَ يَوْمِ الْأَضْحَى، انْتَهَى.
مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ كَانَ يَقُولُ مِثْلَ ذَلِكَ، انْتَهَى (وَلَوْ لَمْ يُضَحِّ حَتَّى مَضَتْ أَيَّامُ النَّحْرِ إنْ كَانَ أَوْجَبَ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ كَانَ فَقِيرًا، وَقَدْ اشْتَرَى الْأُضْحِيَّةَ تَصَدَّقَ بِهَا حَيَّةً، وَإِنْ كَانَ غَنِيًّا تَصَدَّقَ بِقِيمَةِ شَاةٍ اشْتَرَى أَوْ لَمْ يَشْتَرِ)، لِأَنَّهَا وَاجِبَةٌ عَلَى الْغَنِيِّ وَتَجِبُ عَلَى الْفَقِيرِ بِالشِّرَاءِ بِنِيَّةِ التَّضْحِيَةِ عِنْدَنَا فَإِذَا فَاتَ الْوَقْتُ يَجِبُ عَلَيْهِ التَّصَدُّقُ إخْرَاجًا لَهُ عَنْ الْعُهْدَةِ كَالْجُمُعَةِ تُقْضَى بَعْدَ فَوَاتِهَا ظُهْرًا، وَالصَّوْمُ بَعْدَ الْعَجْزِ فِدْيَةً.
قَالَ: (وَلَا يُضَحِّي بِالْعَمْيَاءِ وَالْعَوْرَاءِ وَالْعَرْجَاءِ الَّتِي لَا تَمْشِي إلَى الْمَنْسَكِ، وَلَا الْعَجْفَاءِ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «لَا تُجْزِئُ فِي الضَّحَايَا أَرْبَعَةٌ الْعَوْرَاءُ الْبَيِّنُ عَوَرُهَا وَالْعَرْجَاءُ الْبَيِّنُ عَرَجُهَا وَالْمَرِيضَةُ الْبَيِّنُ مَرَضُهَا وَالْعَجْفَاءُ الَّتِي لَا تُنْقِي».
الشرح:
الْحَدِيثُ الثَّامِنُ: قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «لَا يُجْزِئُ فِي الضَّحَايَا أَرْبَعَةٌ: الْعَوْرَاءُ الْبَيِّنُ عَوَرُهَا، وَالْعَرْجَاءُ الْبَيِّنُ عَرَجُهَا، وَالْمَرِيضَةُ الْبَيِّنُ مَرَضُهَا، وَالْعَجْفَاءُ الَّتِي لَا تُنْقِي».
قُلْت: أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ عَنْ شُعْبَةَ أَخْبَرَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ سَمِعْتُ عُبَيْدَ بْنَ فَيْرُوزَ، قَالَ: سَأَلْتُ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ عَمَّا نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهُ مِنْ الْأَضَاحِيّ، فَقَالَ: «قَامَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصَابِعِي أَقْصَرُ مِنْ أَصَابِعِهِ، وَأَنَامِلِي أَقْصَرُ مِنْ أَنَامِلِهِ، فَقَالَ: أَرْبَعٌ لَا تَجُوزُ فِي الضَّحَايَا: الْعَوْرَاءُ الْبَيِّنُ عَوَرُهَا وَالْمَرِيضَةُ الْبَيِّنُ مَرَضُهَا، وَالْعَرْجَاءُ الْبَيِّنُ ظَلَعُهَا، وَالْكَسِيرُ الَّتِي لَا تُنْقِي»، انْتَهَى.
وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: الْعَجْفَاءُ، عِوَضُ: الْكَسِيرِ، وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، لَا نَعْرِفُهُ إلَّا مِنْ حَدِيثِ عُبَيْدِ بْنِ فَيْرُوزَ عَنْ الْبَرَاءِ. انْتَهَى.
ورَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ، وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ فِي الْحَجِّ، وَرَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ فَيْرُوزَ عَنْ الْبَرَاءِ، وَقَالَ: الْعَجْفَاءُ، وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ أَيْضًا عَنْ أَيُّوبَ بْنِ سُوَيْد ثَنَا الْأَوْزَاعِيُّ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ الْبَرَاءِ، بِمِثْلِهِ، وَقَالَ: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخْرِجَاهُ، إنَّمَا أَخْرَجَ مُسْلِمٌ حَدِيثَ سُلَيْمَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ فَيْرُوزَ عَنْ الْبَرَاءِ، وَهُوَ مِمَّا أُخِذَ عَلَى مُسْلِمٍ، لِاخْتِلَافِ النَّافِلَيْنِ فِيهِ، وَأَصَحُّهُ حَدِيثُ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ إنْ سَلِمَ مِنْ أَيُّوبَ بْنِ سُوَيْد، انْتَهَى كَلَامُهُ.
قَالَ الذَّهَبِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ: وَأَيُّوبُ بْنُ سُوَيْد ضَعَّفَهُ أَحْمَدُ. انْتَهَى.
قُلْت: وَعَلَى الْحَاكِمِ هَاهُنَا اعْتِرَاضَانِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ حَدِيثَ عُبَيْدِ بْنِ فَيْرُوزَ عَنْ الْبَرَاءِ لَمْ يَرْوِهِ مُسْلِمٌ، وَإِنَّمَا رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ، وَالْآخَرُ أَنَّهُ صَحَّحَ حَدِيثَ أَيُّوبَ بْنِ سُوَيْد، ثُمَّ جَرَّحَهُ.
قَالَ: (وَلَا تُجْزِئُ مَقْطُوعَةُ الْأُذُنِ وَالذَّنَبِ) أَمَّا الْأُذُنُ فَلِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «اسْتَشْرِفُوا الْعَيْنَ وَالْأُذُنَ» أَيْ اُطْلُبُوا سَلَامَتَهُمَا، وَأَمَّا الذَّنَبُ فَلِأَنَّهُ عُضْوٌ كَامِلٌ مَقْصُودٌ فَصَارَ كَالْأُذُنِ.
قَالَ: (وَلَا الَّتِي ذَهَبَ أَكْثَرُ أُذُنِهَا وَذَنَبِهَا وَإِنْ بَقِيَ أَكْثَرُ الْأُذُنِ وَالذَّنَبِ جَازَ)، لِأَنَّ لِلْأَكْثَرِ حُكْمَ الْكُلِّ بَقَاءً وَذَهَابًا، وَلِأَنَّ الْعَيْبَ الْيَسِيرَ لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ فَجُعِلَ عَفْوًا.
وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي مِقْدَارِ الْأَكْثَرِ، فَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ عَنْهُ وَإِنْ قُطِعَ مِنْ الذَّنَبِ أَوْ الْأُذُنِ أَوْ الْعَيْنِ أَوْ الْأَلْيَةِ الثُّلُثَ أَوْ أَقَلَّ أَجْزَأَهُ وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ لَمْ يُجْزِهِ، لِأَنَّ الثُّلُثَ تَنْفُذُ فِيهِ الْوَصِيَّةُ مِنْ غَيْرِ رِضَا الْوَرَثَةِ فَاعْتُبِرَ قَلِيلًا وَفِيمَا زَادَ لَا تَنْفُذُ إلَّا بِرِضَاهُمْ فَاعْتُبِرَ كَثِيرًا، وَيُرْوَى عَنْهُ الرُّبْعُ، لِأَنَّهُ يُحْكَى حِكَايَةَ الْكَمَالِ عَلَى مَا مَرَّ فِي الصَّلَاةِ.
وَيُرْوَى الثُّلُثُ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي حَدِيثِ الْوَصِيَّةِ: «الثُّلُثُ وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ» وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: إذَا بَقِيَ الْأَكْثَرُ مِنْ النِّصْفِ أَجْزَأَهُ اعْتِبَارًا لِلْحَقِيقَةِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي الصَّلَاةِ، وَهُوَ اخْتِيَارُ الْفَقِيهِ أَبِي اللَّيْثِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: أَخْبَرْت بِقَوْلِي أَبَا حَنِيفَةَ فَقَالَ قَوْلِي هُوَ قَوْلُك، قِيلَ: هُوَ رُجُوعٌ مِنْهُ إلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ قَوْلِي قَرِيبٌ مِنْ قَوْلِك، وَفِي كَوْنِ النِّصْفِ مَانِعًا رِوَايَتَانِ عَنْهُمَا كَمَا فِي انْكِشَافِ الْعُضْوِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ، ثُمَّ مَعْرِفَةُ الْمِقْدَارِ فِي غَيْرِ الْعَيْنِ مُتَيَسِّرٌ، وَفِي الْعَيْنِ قَالُوا: تُشَدُّ الْعَيْنُ الْمُعَيَّنَةُ بَعْدَ أَنْ لَا تُعْتَلَفَ الشَّاةُ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ، ثُمَّ يُقَرَّبُ الْعَلَفُ إلَيْهَا قَلِيلًا قَلِيلًا فَإِذَا رَأَتْهُ مِنْ مَوْضِعٍ أَعْلِمْ عَلَى ذَلِكَ الْمَكَانِ ثُمَّ تُشْتَدُّ عَيْنُهَا الصَّحِيحَةُ وَقُرِّبَ إلَيْهَا الْعَلَفُ قَلِيلًا قَلِيلًا حَتَّى إذَا رَأَتْهُ مِنْ مَكَان أَعْلِمْ عَلَيْهِ، ثُمَّ يُنْظَرُ إلَى تَفَاوُتِ مَا بَيْنَهُمَا، فَإِنْ كَانَ ثُلُثًا فَالذَّاهِبُ الثُّلُثُ وَإِنْ كَانَ نِصْفًا فَالنِّصْفُ.
الشرح:
الْحَدِيثُ التَّاسِعُ: قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «اسْتَشْرِفُوا الْعَيْنَ وَالْأُذُنَ».
قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ، وَمِنْ حَدِيثِ حُذَيْفَةَ.
فَحَدِيثُ عَلِيٍّ: أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ شُرَيْحِ بْنِ النُّعْمَانِ عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: «أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَسْتَشْرِفَ الْعَيْنَ وَالْأُذُنَ»، انْتَهَى.
قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَقَالَ: إسْنَادُهُ صَحِيحٌ، وَرَوَوْهُ أَيْضًا إلَّا أَبَا دَاوُد عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ عَنْ حُجِّيَّةَ بْنِ عَدِيٍّ عَنْ عَلِيٍّ بِنَحْوِهِ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ فِي النَّوْعِ السَّادِسِ وَالثَّمَانِينَ، مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ، وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ، وَصَحَّحَ إسْنَادَهُ أَيْضًا، وَقَالَ: لَمْ يَحْتَجَّ الشَّيْخَانِ بِحُجِّيَّةِ بْنِ عَدِيٍّ، وَهُوَ مِنْ كِبَارِ أَصْحَابِ عَلِيٍّ.
وَأَمَّا حَدِيثُ حُذَيْفَةَ: فَأَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ، وَالطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الْأَوْسَطِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَثِيرٍ الْمُلَائِيِّ الْقُرَشِيِّ ثَنَا أَبُو سِنَانٍ سَعِيدُ بْنُ سِنَانٍ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيِّ عَنْ صِلَةَ بْنِ زُفَرَ عَنْ حُذَيْفَةَ، قَالَ: «أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنْ نَسْتَشْرِفَ الْعَيْنَ وَالْأُذُنَ»، انْتَهَى بِلَفْظِ الْبَزَّارِ، قَالَ الطَّبَرَانِيُّ: قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اسْتَشْرِفُوا الْعَيْنَ وَالْأُذُنَ»، انْتَهَى.
وقَالَ: لَا يُرْوَى عَنْ حُذَيْفَةَ إلَّا بِهَذَا الْإِسْنَادِ، وَكَذَلِكَ قَالَ الْبَزَّارُ: وَزَادَ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ الْعَاشِرُ: حَدِيثُ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ: «وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ» أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ، وَسَيَأْتِي فِي الْوَصَايَا.
قَالَ: (وَيَجُوزُ أَنْ يُضَحِّيَ بِالْجَمَّاءِ) وَهِيَ الَّتِي لَا قَرْنَ لَهَا، لِأَنَّ الْقَرْنَ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مَقْصُودٌ وَكَذَا مَكْسُورَةُ الْقَرْنِ لِمَا قُلْنَا (وَالْخَصِيُّ)، لِأَنَّ لَحْمَهَا أَطْيَبُ.
وَقَدْ صَحَّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «ضَحَّى بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ مَوْجُوءَيْنِ» (وَالثَّوْلَاءِ) وَهِيَ الْمَجْنُونَةُ، وَقِيلَ هَذَا إذَا كَانَتْ تُعْتَلَفُ، لِأَنَّهُ لَا يُخِلُّ بِالْمَقْصُودِ.
أَمَّا إذَا كَانَتْ لَا تُعْتَلَفُ فَلَا تُجْزِئُهُ (وَالْجَرْبَاءُ) إنْ كَانَتْ سَمِينَةً جَازَ، لِأَنَّ الْجَرَبَ فِي الْجِلْدِ وَلَا نُقْصَانَ فِي اللَّحْمِ وَإِنْ كَانَتْ مَهْزُولَةً لَا تَجُوزُ، لِأَنَّ الْجَرَبَ فِي اللَّحْمِ فَانْتَقَضَ، وَأَمَّا الْهَتْمَاءُ وَهِيَ الَّتِي لَا أَسْنَانَ لَهَا، فَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ فِي الْأَسْنَانِ الْكَثْرَةُ وَالْقِلَّةُ، وَعَنْهُ إنْ بَقِيَ مَا يُمْكِنُهُ الِاعْتِلَافُ بِهِ أَجْزَأَهُ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ (وَالسَّكَّاءِ) وَهِيَ الَّتِي لَا أُذُنَ لَهَا خِلْقَةً لَا تَجُوزُ، لِأَنَّ مَقْطُوعَ أَكْثَرِ الْأُذُنِ إذَا كَانَ لَا يَجُوزُ فَعَدِيمُ الْأُذُنِ أَوْلَى.
(وَهَذَا) الَّذِي ذَكَرْنَا (إذَا كَانَتْ هَذِهِ الْعُيُوبُ قَائِمَةً وَقْتَ الشِّرَاءِ وَلَوْ اشْتَرَاهَا سَلِيمَةً ثُمَّ تَعَيَّبَتْ بِعَيْبٍ مَانِعٍ إنْ كَانَ غَنِيًّا فَعَلَيْهِ غَيْرُهَا، وَإِنْ كَانَ فَقِيرًا تُجْزِئُهُ هَذِهِ)، لِأَنَّ الْوُجُوبَ عَلَى الْغَنِيِّ بِالشَّرْعِ ابْتِدَاءً لَا بِالشِّرَاءِ فَلَمْ تَتَعَيَّنْ بِهِ، وَعَلَى الْفَقِيرِ بِشِرَائِهِ بِنِيَّةِ الْأُضْحِيَّةِ فَتَعَيَّنَتْ، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ ضَمَانُ نُقْصَانِهِ كَمَا فِي نِصَابِ الزَّكَاةِ، وَعَنْ هَذَا الْأَصْلِ قَالُوا: إذَا مَاتَتْ الْمُشْتَرَاةُ لِلتَّضْحِيَةِ عَلَى الْمُوسِرِ مَكَانَهَا أُخْرَى، وَلَا شَيْءَ عَلَى الْفَقِيرِ، وَلَوْ قُتِلَتْ أَوْ سُرِقَتْ فَاشْتَرَى أُخْرَى، ثُمَّ ظَهَرَتْ الْأُولَى فِي أَيَّامِ النَّحْرِ عَلَى الْمُوسِرِ ذَبْحُ إحْدَاهُمَا، وَعَلَى الْفَقِيرِ ذَبْحُهُمَا.
الشرح:
الْحَدِيثُ الْحَادِيَ عَشَرَ: وَقَدْ صَحَّ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَحَّى بِكَبْشَيْنِ، أَمْلَحَيْنِ، مَوْجُوءَيْنِ».
قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ، وَمِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ، وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي رَافِعٍ، وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاءَ.
أَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ: فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد، وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ ابْنِ إِسْحَاقَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ أَبِي عَيَّاشٍ الْمَعَافِرِيِّ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: «ذَبَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ النَّحْرِ كَبْشَيْنِ أَقْرَنَيْنِ أَمْلَحَيْنِ مَوْجُوءَيْنِ»، الْحَدِيثَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي بَابِ الْحَجِّ عَنْ الْغَيْرِ.
وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ: فَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ أَنْبَأَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عَائِشَةَ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا أَرَادَ أَنْ يُضَحِّيَ اشْتَرَى كَبْشَيْنِ عَظِيمَيْنِ، سَمِينَيْنِ، أَقْرَنَيْنِ أَمْلَحَيْنِ مَوْجُوءَيْنِ، الْحَدِيثَ.
وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ، وَرَوَاهُ أَيْضًا حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ يُوسُفَ ثَنَا سُفْيَانَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَهُ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَعَائِشَةَ، فَذَكَرَهُ، وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ الْأَخِيرِ رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ، وَسَكَتَ عَنْهُ، وَأَخْرَجَ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْحِلْيَةِ فِي تَرْجَمَةِ ابْنِ الْمُبَارَكِ عَنْهُ عَنْ يَحْيَى بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ، سَمِعْت أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: «ضَحَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ مَوْجُوءَيْنِ»، الْحَدِيثَ، وَقَالَ: مَشْهُورٌ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ، غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ يَحْيَى، انْتَهَى.
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي رَافِعٍ: فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي مُسْنَدَيْهِمَا، وَالطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ عَنْ شَرِيكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ عَنْ أَبِي رَافِعٍ، قَالَ: «ضَحَّى رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَبْشَيْنِ، أَمْلَحَيْنِ، مَوْجُوءَيْنِ، خَصِيَّيْنِ»، الْحَدِيثَ.
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي الدَّرْدَاءِ: فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ عَنْهُ، قَالَ: «ضَحَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَبْشَيْنِ جَذَعَيْنِ، مَوْجُوءَيْنِ»، انْتَهَى.
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي حَوَاشِيهِ: الْمَحْفُوظُ مَوْجُوءَيْنِ، أَيْ مَنْزُوعَيْ الْأُنْثَيَيْنِ قَالَهُ أَبُو مُوسَى الْأَصْبَهَانِيُّ، وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ، وَغَيْرُهُ: الْوِجَاءُ بِالْكَسْرِ، وَالْمَدِّ رَضُّ عِرْقِ الْأُنْثَيَيْنِ، قَالَ الْهَرَوِيُّ: وَالْأُنْثَيَانِ بِحَالِهِمَا، وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ: وَمِنْهُمْ مَنْ يَرْوِيهِ مَوْجِيَّيْنِ بِغَيْرِ هَمْزٍ، عَلَى التَّخْفِيفِ، وَيَكُونُ مِنْ وَجَيْتُهُ وَجِيًا، فَهُوَ مَوْجِيٌّ، قَالَ: وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ هُوَ الَّذِي وَقَعَ فِي سَمَاعِنَا. انْتَهَى.
وذَهَلَ شَيْخُنَا عَلَاءُ الدِّينِ مُقَلِّدًا لِغَيْرِهِ عَنْ السُّنَنِ فَعَزَا هَذَا الْحَدِيثَ لِأَحْمَدَ عَنْ أَبِي رَافِعٍ فَقَطْ.
(وَلَوْ أَضْجَعَهَا فَاضْطَرَبَتْ فَانْكَسَرَتْ رِجْلُهَا فَذَبَحَهَا أَجْزَاهُ اسْتِحْسَانًا) عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، لِأَنَّ حَالَةَ الذَّبْحِ وَمُقَدِّمَاتِهِ مُلْحَقَةٌ بِالذَّبْحِ فَكَأَنَّهُ حَصَلَ بِهِ اعْتِبَارًا وَحُكْمًا.
(وَكَذَا لَوْ تَعَيَّبَتْ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فَانْفَلَتَتْ ثُمَّ أَخَذَتْ مِنْ فَوْرِهِ، وَكَذَا بَعْدَ فَوْرِهِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ)، لِأَنَّهُ حَصَلَ بِمُقَدِّمَاتِ الذَّبْحِ.
قَالَ: (وَالْأُضْحِيَّةُ مِنْ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ)، لِأَنَّهَا عُرِفَتْ شَرْعًا وَلَمْ تُنْقَلْ التَّضْحِيَةُ بِغَيْرِهَا مِنْ النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَلَا مِنْ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ.
الشرح:
قَوْلُهُ: لَمْ يُنْقَلْ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ التَّضْحِيَةُ بِغَيْرِ الْإِبِلِ، وَالْبَقَرِ، وَالْغَنَمِ.
قُلْت: أَمَّا الْإِبِلُ، فَفِي مُسْلِمٍ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ الطَّوِيلِ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحَرَ بِيَدِهِ يَوْمَ النَّحْرِ ثَلَاثًا وَسِتِّينَ بَدَنَةً»، وَأَمَّا الْبَقَرُ فَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ جَابِرٍ، وَعَائِشَةَ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَحَّى عَنْ نِسَائِهِ بِالْبَقَرِ».
وَأَمَّا الْغَنَمُ فَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَيْضًا عَنْ أَنَسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَحَّى بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ»، فَلَمْ يُنْقَلْ خِلَافُهُ.
قَالَ: (وَيُجْزِئُ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ الثَّنِيُّ فَصَاعِدًا إلَّا الضَّأْنَ، فَإِنَّ الْجَذَعَ مِنْهُ يُجْزِئُ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «ضَحُّوا بِالثَّنَايَا إلَّا أَنْ يُعْسَرَ عَلَى أَحَدِكُمْ فَلْيَذْبَحْ الْجَذَعَ مِنْ الضَّأْنِ»، وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «نِعْمَتْ الْأُضْحِيَّةُ الْجَذَعُ مِنْ الضَّأْنِ».
قَالُوا: وَهَذَا إذَا كَانَتْ عَظِيمَةً بِحَيْثُ لَوْ خُلِطَ بِالثُّنْيَانِ يُشْتَبَهُ بِهِ عَلَى النَّاظِرِ مِنْ بَعِيدٍ، وَالْجَذَعُ مِنْ الضَّأْنِ مَا تَمَّتْ لَهُ سِتَّةُ أَشْهُرٍ فِي مَذْهَبِ الْفُقَهَاءِ، وَذَكَرَ الزَّعْفَرَانِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ ابْنُ سَبْعَةٍ أَشْهُرٍ، وَالثَّنِيُّ مِنْهَا وَمِنْ الْمَعْزِ ابْنُ سَنَةٍ، وَمِنْ الْبَقَرِ ابْنُ سَنَتَيْنِ، وَمِنْ الْإِبِلِ ابْنُ خَمْسِ سِنِينَ، وَيَدْخُلُ فِي الْبَقَرِ الْجَامُوسُ، لِأَنَّهُ مِنْ جِنْسِهِ وَالْمَوْلُودُ بَيْنَ الْأَهْلِيِّ وَالْوَحْشِيِّ يَتْبَعُ الْأُمَّ، لِأَنَّهَا هِيَ الْأَصْلُ فِي التَّبَعِيَّةِ حَتَّى إذَا نَزَا الذِّئْبُ عَلَى الشَّاةِ يُضَحِّي بِالْوَلَدِ.
الشرح:
الْحَدِيثُ الثَّانِي عَشَرَ: قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «ضَحُّوا بِالثَّنَايَا، إلَّا أَنْ يُعْسَرَ عَلَى أَحَدِكُمْ، فَلْيَذْبَحْ الْجَذَعَ مِنْ الضَّأْنِ».
قُلْت: أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَذْبَحُوا إلَّا مُسِنَّةً إلَّا أَنْ يُعْسَرَ عَلَيْكُمْ، فَتَذْبَحُوا جَذَعَةً مِنْ الضَّأْنِ»، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ الثَّالِثُ عَشَرَ: قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «نِعْمَتْ الْأُضْحِيَّةُ الْجَذَعُ مِنْ الضَّأْنِ».
قُلْت: أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ وَاقِدٍ عَنْ كِدَامِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي كِبَاشٍ، قَالَ: «جَلَبْت غَنَمًا جَذَعًا إلَى الْمَدِينَةِ، فَكَسَدَتْ عَلَيَّ، فَلَقِيت أَبَا هُرَيْرَةَ، فَسَأَلْته، فَقَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: نِعْمَ، أَوْ نِعْمَتْ الْأُضْحِيَّةُ الْجَذَعُ مِنْ الضَّأْنِ، قَالَ: فَانْتَهَبَهُ النَّاسُ»، انْتَهَى.
وَقَالَ: حَدِيثٌ غَرِيبٌ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَوْقُوفًا، قَالَ وَكِيعٌ: الْجَذَعُ يَكُونُ ابْنَ سَبْعَةِ أَشْهُرٍ، أَوْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ. انْتَهَى.
وقَالَ فِي عِلَلِهِ الْكَبِيرِ: سَأَلْت مُحَمَّدَ بْنَ إسْمَاعِيلَ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ: رَوَاهُ عُثْمَانُ بْنُ وَاقِدٍ، فَرَفَعَهُ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَوَاهُ غَيْرُهُ، فَوَقَفَهُ عَلَى أَبِي هُرَيْرَةَ، وَسَأَلْتُهُ عَنْ اسْمِ أَبِي كِبَاشٍ، فَلَمْ يَعْرِفْهُ، انْتَهَى.
أَحَادِيثُ الْبَابِ:
أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، قَالَ: «قَسَّمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَصْحَابِهِ ضَحَايَا، فَصَارَتْ لِي جَذَعَةٌ.
قُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ صَارَتْ لِي جَذَعَةٌ، فَقَالَ: ضَحِّ بِهَا»
، انْتَهَى.
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ: وَقَدْ وَقَعَ لَنَا حَدِيثُ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ هَذَا مِنْ رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ بُكَيْر عَنْ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، وَفِيهِ: وَلَا رُخْصَةَ لِأَحَدٍ فِيهَا بَعْدَك.
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: فَهَذِهِ الزِّيَادَةُ إذَا كَانَتْ مَحْفُوظَةً كَانَتْ رُخْصَةً لَهُ، كَمَا رَخَّصَ لِأَبِي بُرْدَةَ بْنِ نِيَارٍ، حِينَ «قَالَ: عِنْدِي جَذَعَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُسِنَّةٍ، فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: اذْبَحْهَا، وَلَنْ تُجْزِئَ عَنْ أَحَدٍ بَعْدَك»، أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ، قَالَ: وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ حَدِيثُ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الَّذِي أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد، قَالَ: «قَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَصْحَابِهِ ضَحَايَا، فَأَعْطَانِي عَتُودًا جَذَعًا، قَالَ: فَرَجَعْتُ بِهِ إلَيْهِ، فَقُلْت: إنَّهُ جَذَعٌ، قَالَ: ضَحِّ بِهِ، فَضَحَّيْتُ بِهِ»، وَفِي سَنَدِهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، وَقَالَ غَيْرُهُ: حَدِيثُ عُقْبَةَ مَنْسُوخٌ بِحَدِيثِ أَبِي بُرْدَةَ، لِقَوْلِهِ: وَلَنْ تُجْزِئَ عَنْ أَحَدٍ بَعْدَك.
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ: وَفِي هَذَا نَظَرٌ، فَإِنَّ فِي حَدِيثِ عُقْبَةَ أَيْضًا: وَلَا رُخْصَةَ لِأَحَدٍ فِيهَا بَعْدَك، وَأَيْضًا، فَإِنَّهُ لَا يُعْرَفُ الْمُتَقَدِّمُ مِنْهُمَا مِنْ الْمُتَأَخِّرِ، وَقَدْ أَشَارَ الْبَيْهَقِيُّ إلَى أَنَّ الرُّخْصَةَ أَيْضًا لِعُقْبَةَ، وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ، كَمَا كَانَتْ لِأَبِي بُرْدَةَ. انْتَهَى.
قُلْت: وَفَاتَهُمْ حَدِيثُ أَبِي يَزِيدَ الْأَنْصَارِيِّ وَاسْمُهُ عَمْرُو بْنُ أَخْطَبَ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عَبْدِ الْأَعْلَى عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَبِي زَيْدٍ الْأَنْصَارِيِّ، قَالَ: «مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِدَارٍ مِنْ دُورِ الْأَنْصَارِ، فَوَجَدَ رِيحَ قُتَارٍ، فَقَالَ: مَنْ هَذَا الَّذِي ذَبَحَ؟ فَخَرَجَ إلَيْهِ رَجُلٌ مِنَّا، فَقَالَ: أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ ذَبَحْتُ قَبْلَ أَنْ أُصَلِّيَ لِأُطْعِمَ أَهْلِي، وَجِيرَانِي، فَأَمَرَهُ أَنْ يُعِيدَ، فَقَالَ: لَا وَاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ، مَا عِنْدِي إلَّا جَذَعٌ، أَوْ حَمَلٌ مِنْ الضَّأْنِ، قَالَ: اذْبَحْهَا، وَلَنْ تُجْزِئَ عَنْ أَحَدٍ بَعْدَك»، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَى ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إبْرَاهِيمَ دُحَيْمٌ عَنْ أَنَسِ بْنِ عِيَاضٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي يَحْيَى، مَوْلَى الْأَسْلَمِيِّينَ عَنْ أُمِّهِ عَنْ أُمِّ بِلَالٍ بِنْتِ هِلَالٍ عَنْ أَبِيهَا هِلَالٍ الْأَسْلَمِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «يَجُوزُ الْجَذَعُ مِنْ الضَّأْنِ أُضْحِيَّةً»، انْتَهَى.
قَالَ: (وَإِذَا اشْتَرَى سَبْعَةٌ بَقَرَةً لِيُضَحُّوا بِهَا فَمَاتَ أَحَدُهُمْ قَبْلَ النَّحْرِ، وَقَالَتْ الْوَرَثَةُ: اذْبَحُوهَا عَنْهُ وَعَنْكُمْ أَجْزَأَهُمْ وَإِنْ كَانَ شَرِيكُ السِّتَّةِ نَصْرَانِيًّا أَوْ رَجُلًا يُرِيدُ اللَّحْمَ لَمْ يُجْزِ عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمْ) وَوَجْهُهُ أَنَّ الْبَقَرَةَ تَجُوزُ عَنْ سَبْعَةٍ لَكِنْ مِنْ شَرْطِهِ أَنْ يَكُونَ قَصْدُ الْكُلِّ الْقُرْبَةَ، وَإِنْ اخْتَلَفَتْ جِهَاتُهَا كَالْأُضْحِيَّةِ وَالْقِرَانِ وَالْمُتْعَةِ عِنْدَنَا لِاتِّحَادِ الْمَقْصُودِ وَهُوَ الْقُرْبَةُ، وَقَدْ وُجِدَ هَذَا الشَّرْطُ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ، لِأَنَّ التَّضْحِيَةَ عَنْ الْغَيْرِ عُرِفَتْ قُرْبَةً أَلَا تَرَى «أَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ضَحَّى عَنْ أُمَّتِهِ» عَلَى مَا رَوَيْنَا مِنْ قَبْلُ، وَلَمْ يُوجَدْ فِي الْوَجْهِ الثَّانِي، لِأَنَّ النَّصْرَانِيَّ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا وَكَذَا قَصْدُ اللَّحْمِ يُنَافِيهَا، وَإِذَا لَمْ يَقَعْ الْبَعْضُ قُرْبَةً وَالْإِرَاقَةُ لَا تَتَجَزَّأُ فِي حَقِّ الْقُرْبَةِ، لَمْ يَقَعْ الْكُلُّ أَيْضًا فَامْتَنَعَ الْجَوَازُ، وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ اسْتِحْسَانٌ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ، لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ بِالْإِتْلَافِ فَلَا يَجُوزُ عَنْ غَيْرِهِ كَالْإِعْتَاقِ عَنْ الْمَيِّتِ، لَكِنَّا نَقُولُ: الْقُرْبَةُ قَدْ تَقَعُ عَنْ الْمَيِّتِ كَالتَّصَدُّقِ بِخِلَافِ الْإِعْتَاقِ، لِأَنَّ فِيهِ إلْزَامَ الْوَلَاءِ عَلَى الْمَيِّتِ.
(وَلَوْ ذَبَحُوهَا عَنْ صَغِيرٍ فِي الْوَرَثَةِ أَوْ أُمِّ وَلَدٍ جَازَ) لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ قُرْبَةٌ.
(وَلَوْ مَاتَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ فَذَبَحَهَا الْبَاقُونَ بِغَيْرِ إذْنِ الْوَرَثَةِ لَا تُجْزِئُهُمْ)، لِأَنَّهُ لَمْ يَقَعْ بَعْضُهَا قُرْبَةً وَفِيمَا تَقَدَّمَ وُجِدَ الْإِذْنُ مِنْ الْوَرَثَةِ فَكَانَ قُرْبَةً.
الشرح:
الْحَدِيثُ الرَّابِعَ عَشَرَ: رُوِيَ «أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ ضَحَّى عَنْ أُمَّتِهِ».
قُلْت: تَقَدَّمَ فِي الْحَجِّ وَغَيْرِه.
قَالَ: (وَيَأْكُلُ مِنْ لَحْمِ الْأُضْحِيَّةِ وَيُطْعِمُ الْأَغْنِيَاءَ وَالْفُقَرَاءَ وَيَدَّخِرُ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «كُنْت نَهَيْتُكُمْ عَنْ أَكْلِ لُحُومِ الْأَضَاحِيّ فَكُلُوا مِنْهَا وَادَّخِرُوا» وَمَتَى جَازَ أَكْلُهُ وَهُوَ غَنِيٌّ جَازَ أَنْ يَأْكُلَهُ غَنِيًّا.
قَالَ: (وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يُنْقِصَ الصَّدَقَةَ عَنْ الثُّلُثِ)، لِأَنَّ الْجِهَاتِ ثَلَاثٌ: الْأَكْلُ وَالِادِّخَارُ لِمَا رَوَيْنَا وَالْإِطْعَامُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ} فَانْقَسَمَ عَلَيْهَا أَثْلَاثًا.
الشرح:
الْحَدِيثُ الْخَامِسَ عَشَرَ: قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنْ لُحُومِ الْأَضَاحِيّ، فَكُلُوا مِنْهَا وَادَّخِرُوا».
قُلْت: أَخْرَجَ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ «نَهَى عَنْ أَكْلِ لُحُومِ الضَّحَايَا بَعْدَ ثَلَاثٍ، ثُمَّ قَالَ بَعْدُ: كُلُوا، وَتَزَوَّدُوا، وَادَّخِرُوا»، انْتَهَى.
وأَخْرَجَ أَيْضًا عَنْ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا أَهْلَ الْمَدِينَةِ لَا تَأْكُلُوا لَحْمَ الْأَضَاحِيّ، فَوْقَ ثَلَاثٍ، فَشَكَوْا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ لَهُمْ عِيَالًا، وَحَشَمًا، وَخَدَمًا، فَقَالَ: كُلُوا، وَأَطْعِمُوا، وَاحْبِسُوا، وَادَّخِرُوا»، انْتَهَى.
وَوَهَمَ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ، فَرَوَاهُ، وَقَالَ: عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخْرِجَاهُ، وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ أَيْضًا عَنْ عَائِشَةَ: «قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ النَّاسَ يَتَّخِذُونَ الْأَسْقِيَةَ مِنْ ضَحَايَاهُمْ، وَيَجْعَلُونَ فِيهَا الْوَدَكَ، قَالَ: وَمَا ذَاكَ؟ قَالُوا: نَهَيْتَ أَنْ تُؤْكَلَ لُحُومُ الْأَضَاحِيّ بَعْدَ ثَلَاثٍ، فَقَالَ: إنَّمَا نَهَيْتُكُمْ مِنْ أَجْلِ الدَّافَّةِ الَّتِي دَفَّتْ، فَكُلُوا، وَادَّخِرُوا وَتَصَدَّقُوا»، انْتَهَى.
وأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ ضَحَّى مِنْكُمْ، فَلَا يُصْبِحَنَّ بَعْدَ ثَالِثَةٍ، وَفِي بَيْتِهِ مِنْهُ شَيْءٌ فَلَمَّا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ نَفْعَلُ كَمَا فَعَلْنَا الْعَامَ الْمَاضِيَ؟ قَالَ: كُلُوا، وَأَطْعِمُوا، وَادَّخِرُوا، فَإِنَّ ذَلِكَ الْعَامَ كَانَ بِالنَّاسِ جَهْدٌ، فَأَرَدْت أَنْ تُعِينُوا فِيهَا»، انْتَهَى.
وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُد عَنْ نُبَيْشَةَ الْهُذَلِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إنَّا كُنَّا نَهَيْنَاكُمْ عَنْ لُحُومِهَا أَنْ تَأْكُلُوهَا فَوْقَ ثَلَاثٍ، لِكَيْ تَسَعَكُمْ، جَاءَ اللَّهُ بِالسَّعَةِ، فَكُلُوا، وَادَّخِرُوا، وَاتَّجِرُوا، أَلَا وَإِنَّ هَذِهِ الْأَيَّامَ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ، وَذِكْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ»، انْتَهَى.
قَالَ: (وَيَتَصَدَّقُ بِجِلْدِهَا)، لِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْهَا (أَوْ يَعْمَلُ مِنْهُ آلَةً تُسْتَعْمَلُ فِي الْبَيْتِ) كَالنَّطْعِ وَالْجِرَابِ وَالْغِرْبَالِ وَنَحْوِهَا، لِأَنَّ الِانْتِفَاعَ بِهِ غَيْرُ مُحَرَّمٍ..
(وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَشْتَرِيَ بِهِ مَا يَنْتَفِعُ بِعَيْنِهِ فِي الْبَيْتِ مَعَ بَقَائِهِ) اسْتِحْسَانًا، وَذَلِكَ مِثْلُ مَا ذَكَرْنَا، لِأَنَّ لِلْبَدَلِ حُكْمَ الْمُبْدَلِ.
(وَلَا يَشْتَرِي بِهِ مَا لَا يَنْتَفِعُ بِهِ إلَّا بَعْدَ اسْتِهْلَاكِهِ كَالْخَلِّ وَالْأَبَازِيرِ) اعْتِبَارًا بِالْبَيْعِ بِالدَّرَاهِمِ، وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّهُ تَصَرُّفٌ عَلَى قَصْدِ التَّمَوُّلِ، وَاللَّحْمُ بِمَنْزِلَةِ الْجِلْدِ فِي الصَّحِيحِ، فَلَوْ بَاعَ الْجِلْدَ أَوْ اللَّحْمَ بِالدَّرَاهِمِ أَوْ بِمَا لَا يُنْتَفَعُ بِهِ إلَّا بَعْدَ اسْتِهْلَاكِهِ تَصَدَّقَ بِثَمَنِهِ، لِأَنَّ الْقُرْبَةَ انْتَقَلَتْ إلَى بَدَلِهِ، وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «مَنْ بَاعَ جِلْدَ أُضْحِيَّتِهِ فَلَا أُضْحِيَّةَ لَهُ» يُفِيدُ كَرَاهَةَ الْبَيْعِ، أَمَّا الْبَيْعُ فَجَائِزٌ لِقِيَامِ الْمِلْكِ وَالْقُدْرَةِ عَلَى التَّسْلِيمِ.
الشرح:
الْحَدِيثُ السَّادِسَ عَشَرَ: قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «مَنْ بَاعَ جِلْدَ أُضْحِيَّةٍ فَلَا أُضْحِيَّةَ لَهُ».
قُلْت: رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْحَجِّ مِنْ حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ الْحُبَابِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَيَّاشٍ الْمِصْرِيِّ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا، بِلَفْظِهِ سَوَاءً، وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخْرِجَاهُ، وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ.
قَالَ: (وَلَا يُعْطِي أُجْرَةَ الْجَزَّارِ مِنْ الْأُضْحِيَّةِ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لِعَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «تَصَدَّقَ بِجَلَالِهَا وَخِطَامِهَا، وَلَا تُعْطِي أَجْرَ الْجَزَّارِ مِنْهَا شَيْئًا» وَالنَّهْيُ عَنْهُ نَهْيٌ عَنْ الْبَيْعِ أَيْضًا، لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْبَيْعِ.
الشرح:
الْحَدِيثُ السَّابِعَ عَشَرَ: قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِعَلِيٍّ: «تَصَدَّقْ بِجَلَالِهَا وَخِطَامِهَا، وَلَا تُعْطِ أَجْرَ الْجَزَّارِ مِنْهَا».
قُلْت: أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا التِّرْمِذِيَّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: «أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ أَقُومَ عَلَى بَدَنَتِهِ، وَأُقَسِّمَ جُلُودَهَا وَجِلَالَهَا، وَأَمَرَنِي أَنْ لَا أُعْطِيَ الْجَزَّارَ مِنْهَا شَيْئًا، وَقَالَ: نَحْنُ نُعْطِيهِ مِنْ عِنْدِنَا» انْتَهَى.
وقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْهَدْيِ، وَالْمُصَنِّفُ احْتَجَّ بِهِ، وَبِاَلَّذِي قَبْلَهُ عَلَى كَرَاهِيَةِ بَيْعِ جِلْدِ الْأُضْحِيَّةِ، مَعَ جَوَازِهِ، وَهُوَ خِلَافُ ظَاهِرِ اللَّفْظِ، وَقَدْ احْتَجَّ ابْنُ الْجَوْزِيِّ بِظَاهِرِ هَذَا الثَّانِي عَلَى التَّحْرِيمِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ: (وَيُكْرَهُ أَنْ يَجِزَّ صُوفَ أُضْحِيَّتِهِ وَيَنْتَفِعَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَذْبَحَهَا)، لِأَنَّهُ الْتَزَمَ إقَامَةَ قُرْبَةٍ بِجَمِيعِ أَجْزَائِهَا، بِخِلَافِ مَا بَعْدَ الذَّبْحِ، لِأَنَّهُ أُقِيمَتْ الْقُرْبَةُ بِهَا كَمَا فِي الْهَدْيِ وَيُكْرَهُ أَنْ يَحْلِبَ لَبَنَهَا فَيَنْتَفِعَ بِهِ كَمَا فِي الصُّوفِ.
قَالَ: (وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَذْبَحَ أُضْحِيَّتَهُ بِيَدِهِ إنْ كَانَ يُحْسِنُ الذَّبْحَ) وَإِنْ كَانَ لَا يُحْسِنُهُ فَالْأَفْضَلُ أَنْ يَسْتَعِينَ بِغَيْرِهِ، وَإِذَا اسْتَعَانَ بِغَيْرِهِ يَنْبَغِي أَنْ يَشْهَدَهَا بِنَفْسِهِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لِفَاطِمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: «قُومِي فَاشْهَدِي أُضْحِيَّتِك فَإِنَّهُ يُغْفَرُ لَك بِأَوَّلِ قَطْرَةٍ مِنْ دَمِهَا كُلُّ ذَنْبٍ».
الشرح:
الْحَدِيثُ الثَّامِنَ عَشَرَ: قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِفَاطِمَةَ: «قَوْمِي فَاشْهَدِي أُضْحِيَّتَكِ، فَإِنَّهُ يُغْفَرُ لَكِ بِأَوَّلِ قَطْرَةٍ مِنْ دَمِهَا كُلُّ ذَنْبٍ».
قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، وَمِنْ حَدِيثِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ.
أَمَّا حَدِيثُ عِمْرَانَ: فَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي حَمْزَةَ الثُّمَالِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِفَاطِمَةَ: قُومِي إلَى أُضْحِيَّتِك فَاشْهَدِيهَا، فَإِنَّهُ يُغْفَرُ لَكِ عِنْدَ أَوَّلِ قَطْرَةٍ مِنْ دَمِهَا كُلُّ ذَنْبٍ عَمِلْتِيهِ، وَقُولِي: {إنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ} إلَى قَوْلِهِ: {أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ}، قَالَ: عِمْرَانُ.
قُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا لَك، وَلِأَهْلِ بَيْتِك خَاصَّةً، أَمْ لِلْمُسْلِمِينَ عَامَّةً؟ قَالَ: لَا، بَلْ لِلْمُسْلِمِينَ عَامَّةً»
، انْتَهَى.
وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ، وَالطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ.
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: فِي إسْنَادِهِ مَقَالٌ، وَقَالَ الذَّهَبِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ لِلْمُسْتَدْرَكِ: أَبُو حَمْزَةَ الثُّمَالِيُّ ضَعِيفٌ جِدًّا. انْتَهَى.
ورَوَاهُ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي مُسْنَدِهِ أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، فَذَكَرَهُ.
وَأَمَّا حَدِيثُ الْخُدْرِيِّ: فَرَوَاهُ الْحَاكِمُ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ قَيْسٍ عَنْ عَطِيَّةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «يَا فَاطِمَةُ قُومِي إلَى أُضْحِيَّتِك فَاشْهَدِيهَا فَإِنَّ لَكِ بِأَوَّلِ قَطْرَةٍ تَقْطُرُ مِنْ دَمِهَا أَنْ يُغْفَرَ لَك مَا سَلَفَ مِنْ ذُنُوبِكِ، فَقَالَتْ فَاطِمَةُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا لَنَا أَهْلَ الْبَيْتِ خَاصَّةً، أَوْ لَنَا وَلِلْمُسْلِمِينَ عَامَّةً؟ قَالَ: لَا، بَلْ لَنَا وَلِلْمُسْلِمِينَ عَامَّةً»، انْتَهَى.
وسَكَتَ عَنْهُ، وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ، قَالَ الذَّهَبِيُّ: وَعَطِيَّةُ وَاهٍ، قَالَ الْبَزَّارُ: لَا نَعْلَمُ لَهُ طَرِيقًا عَنْ أَبِي سَعِيدٍ أَحْسَنَ مِنْ هَذِهِ الطَّرِيقِ، وَعَمْرُو بْنُ قَيْسٍ كَانَ مِنْ أَفَاضِلِ الْكُوفَةِ وَعُبَّادِهِمْ، مِمَّنْ يَكْتُبُ حَدِيثَهُ، انْتَهَى.
وَأَمَّا حَدِيثُ عَلِيٍّ: فَأَخْرَجَهُ أَبُو الْقَاسِمِ الْأَصْبَهَانِيُّ فِي كِتَابِ التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ، وَأَبُو الْفَتْحِ سُلَيْمُ بْنُ أَيُّوبَ الْفَقِيهُ الشَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ التَّرْغِيبِ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ إبْرَاهِيمَ ثَنَا سَعِيدُ بْنُ زَيْدٍ ثَنَا عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: يَا فَاطِمَةُ»، إلَى آخِرِهِ، قَالَ أَبُو الْفَتْحِ: وَسَعِيدُ بْنُ زَيْدٍ هُوَ أَبُو حَمَّادِ بْنُ زَيْدٍ، انْتَهَى.
قَالَ: (وَيُكْرَهُ أَنْ يَذْبَحَهَا الْكِتَابِيُّ)، لِأَنَّهُ عَمَلٌ هُوَ قُرْبَةٌ، وَهُوَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا وَلَوْ أَمَرَهُ فَذَبَحَ جَازَ، لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الذَّكَاةِ وَالْقُرْبَةِ أُقِيمَتْ بِإِنَابَتِهِ وَنِيَّتِهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا أُمِرَ الْمَجُوسِيُّ، لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الذَّكَاةِ فَكَانَ إفْسَادًا.
قَالَ: (وَإِذَا غَلِطَ رَجُلَانِ فَذَبَحَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أُضْحِيَّةَ الْآخِرَ أَجْزَأَ عَنْهُمَا وَالضَّمَانُ عَلَيْهِمَا) وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ وَأَصْلُ هَذَا أَنَّ مَنْ ذَبَحَ أُضْحِيَّةَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ لَا يَحِلُّ لَهُ ذَلِكَ وَهُوَ ضَامِنٌ لِقِيمَتِهَا، وَلَا يُجْزِئُهُ عَنْ الْأُضْحِيَّةِ فِي الْقِيَاسِ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ: يَجُوزُ وَلَا ضَمَانَ عَلَى الذَّابِحِ وَهُوَ قَوْلُنَا.
وَجْهُ الْقِيَاسِ: أَنَّهُ ذَبَحَ شَاةَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ فَيَضْمَنُ كَمَا إذَا ذَبَحَ شَاةً اشْتَرَاهَا الْقَصَّابُ، وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهَا تَعَيَّنَتْ لِلذَّبْحِ لِتَعَيُّنِهَا لِلْأُضْحِيَّةِ حَتَّى وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يُضَحِّيَ بِهَا بِعَيْنِهَا فِي أَيَّامِ النَّحْرِ، وَيُكْرَهُ أَنْ يُبْدِلَ بِهَا غَيْرَهَا فَصَارَ الْمَالِكُ مُسْتَعِينًا بِكُلِّ مَنْ يَكُونُ أَهْلًا لِلذَّبْحِ آذِنًا لَهُ دَلَالَةً، لِأَنَّهَا تَفُوتُ بِمُضِيِّ هَذِهِ الْأَيَّامِ وَعَسَاهُ يَعْجَزُ عَنْ إقَامَتِهَا بِعَوَارِضَ فَصَارَ كَمَا إذَا ذَبَحَ شَاةً شَدَّ الْقَصَّابُ رِجْلَهَا.
فَإِنْ قِيلَ: يَفُوتُهُ أَمْرٌ مُسْتَحَبٌّ، وَهُوَ أَنْ يَذْبَحَهَا بِنَفْسِهِ أَوْ يَشْهَدَ الذَّبْحَ فَلَا يَرْضَى بِهِ، قُلْنَا: يَحْصُلُ لَهُ بِهِ مُسْتَحَبَّانِ آخَرَانِ: صَيْرُورَتُهُ مُضَحِّيًا لِمَا عَيَّنَهُ، وَكَوْنُهُ مُعَجَّلًا بِهِ فَيَرْتَضِيهِ.
وَلِعُلَمَائِنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ مِنْ هَذَا الْجِنْسِ مَسَائِلُ اسْتِحْسَانِيَّةٌ، وَهِيَ: أَنَّ مَنْ طَبَخَ لَحْمَ غَيْرِهِ أَوْ طَحَنَ حِنْطَتَهُ، أَوْ رَفَعَ جَرَّتَهُ فَانْكَسَرَتْ أَوْ حَمَلَ عَلَى دَابَّتِهِ فَعَطِبَتْ كُلُّ ذَلِكَ بِغَيْرِ أَمْرِ الْمَالِكِ يَكُونُ ضَامِنًا، وَلَوْ وَضَعَ الْمَالِكُ اللَّحْمَ فِي الْقِدْرِ، وَالْقِدْرُ عَلَى الْكَانُونِ، وَالْحَطَبُ تَحْتَهُ أَوْ جَعَلَ الْحِنْطَةَ فِي الدَّوْرَقِ، وَرَبَطَ الدَّابَّةَ عَلَيْهِ أَوْ رَفَعَ الْجَرَّةَ وَأَمَالَهَا إلَى نَفْسِهِ أَوْ حَمَلَ عَلَى دَابَّتِهِ، فَسَقَطَ فِي الطَّرِيقِ فَأَوْقَدَ هُوَ النَّارَ فِيهِ، فَطَبَخَهُ أَوْ سَاقَ الدَّابَّةَ فَطَحَنَهَا أَوْ أَعَانَهُ عَلَى رَفْعِ الْجَرَّةِ فَانْكَسَرَتْ فِيمَا بَيْنَهُمَا أَوْ حَمَلَ عَلَى دَابَّتِهِ مَا سَقَطَ، فَعَطِبَتْ لَا يَكُونُ ضَامِنًا فِي هَذِهِ الصُّوَرِ كُلِّهَا اسْتِحْسَانًا لِوُجُودِ الْإِذْنِ دَلَالَةً.
إذَا ثَبَتَ هَذَا فَنَقُولُ: فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ ذَبَحَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أُضْحِيَّةَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ صَرِيحًا فَهِيَ خِلَافِيَّةُ زُفَرَ بِعَيْنِهَا وَيَتَأَتَّى فِيهَا الْقِيَاسُ وَالِاسْتِحْسَانُ، كَمَا ذَكَرْنَا فَيَأْخُذُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَسْلُوخَةً مِنْ صَاحِبِهِ وَلَا يَضْمَنُهُ، لِأَنَّهُ وَكِيلُهُ فِيمَا فَعَلَ دَلَالَةً فَإِنْ كَانَ قَدْ أَكَلَا ثُمَّ عَلِمَا فَلْيُحْلِلْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ وَيُجْزِيهِمَا، لِأَنَّهُ لَوْ أَطْعَمَهُ فِي الِابْتِدَاءِ يَجُوزُ، وَإِنْ كَانَ غَنِيًّا فَكَذَا لَهُ أَنْ يُحْلِلَهُ فِي الِانْتِهَاءِ، وَإِنْ تَشَاحَّا فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَضْمَنَ لِصَاحِبِهِ قِيمَةَ لَحْمِهِ ثُمَّ يَتَصَدَّقَ بِتِلْكَ الْقِيمَةِ، لِأَنَّهَا بَدَلٌ عَنْ اللَّحْمِ فَصَارَ كَمَا لَوْ بَاعَ أُضْحِيَّتَهُ، وَهَذَا، لِأَنَّ التَّضْحِيَةَ لَمَّا وَقَعَتْ عَنْ صَاحِبِهِ كَانَ اللَّحْمُ لَهُ وَمَنْ أَتْلَفَ لَحْمَ أُضْحِيَّةِ غَيْرِهِ كَانَ الْحُكْمُ مَا ذَكَرْنَاهُ.
(وَمَنْ غَصَبَ شَاةً فَضَحَّى بِهَا ضَمِنَ قِيمَتَهَا وَجَازَ عَنْ أُضْحِيَّتِهِ)، لِأَنَّهُ مَلَكَهَا بِسَابِقِ الْغَصْبِ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَوْدَعَ شَاةً فَضَحَّى بِهَا، لِأَنَّهُ يَضْمَنُهُ بِالذَّبْحِ فَلَمْ يَثْبُتْ الْمِلْكُ لَهُ إلَّا بَعْدَ الذَّبْحِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.