فصل: باب الرخصة في الجماع لعادم الماء

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار **


 باب الرخصة في الجماع لعادم الماء

1- عن أبي ذر قال‏:‏ ‏(‏اجتويت المدينة فأمر لي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم بإبل فكنت فيها فأتيت النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم فقلت‏:‏ هلك أبو ذر قال‏:‏ ما حالك قال‏:‏ كنت أتعرض للجنابة وليس بقربي ماء فقال‏:‏ إن الصعيد طهور لمن لم يجد الماء عشر سنين‏)‏‏.‏

رواه أحمد وأبو داود والأثرم وهذا لفظه‏.‏

الحديث أخرجه النسائي وابن ماجه أيضًا وقد اختلف فيه على أبي قلابة الذي رواه عن عمرو بن بجدان عن أبي ذر ورواه ابن حبان والحاكم والدارقطني وصححه أبو حاتم‏.‏ وعمرو بن بجدان قد وثقه العجلي‏.‏ قال الحافظ‏:‏ وغفل ابن القطان فقال‏:‏ إنه مجهول‏.‏

وفي الباب عن أبي هريرة عند البزار والطبراني قال الدارقطني في العلل‏:‏ وإرساله أصح‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏اجتويت المدينة‏)‏ بالجيم أي استوخمتها ولم توافق طبعي وهو افتعلت من الجوى وهو المرض‏.‏

والحديث يدل على جواز التيمم للجنب وقد تقدم الكلام عليه أول الباب‏.‏

ويدل على أن الصعيد طهور يجوز لمن تطهر به أن يفعل ما يفعله المتطهر بالماء من صلاة وقراءة ودخول مسجد ومس مصحف وجماع وغير ذلك وأن الاكتفاء بالتيمم ليس بمقدر بوقت محدود بل يجوز وإن تطاول العهد بالماء وذكر العشر سنين لا يدل على عدم جواز الاكتفاء بالماء بعدها لأن ذكرها لم يرد به التقييد بل المبالغة لأن الغالب عدم فقدان الماء كثرة وجدانه لشدة الحاجة إليه فعدم وجدانه إنما يكون يومًا أو بعض يومًا‏.‏

 باب اشتراط دخول الوقت للتيمم

1- عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال‏:‏ ‏(‏قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏:‏ جعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا أينما أدركتني الصلاة تمسحت وصليت‏)‏‏.‏

2- وعن أبي أمامة‏:‏ ‏(‏أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ جعلت الأرض كلها لي ولأمتي مسجدًا وطهورًا فأينما أدركت رجلًا من أمتي الصلاة فعنده مسجده وعنده طهوره‏)‏‏.‏

رواهما أحمد‏.‏

الحديث الأول أصله في الصحيحين والحديث الثاني إسناده في مسند أحمد هكذا حدثنا محمد بن أبي عدي عن سليمان يعني التيمي عن سيار عن أبي أمامة وذكره وإسناده ثقات إلا سيارًا الأموي وهو صدوق‏.‏

وفي الباب عن علي عند البزار وعن أبي هريرة عند مسلم والترمذي وعن جابر عند الشيخين والنسائي وعن ابن عباس عند أحمد وعن حذيفة عند مسلم والنسائي وعن أنس أشار إليه الترمذي ورواه السراج في مسنده بإسناد قال العراقي صحيح ورواه الخطابي في معالم السنن وسيأتي في الصلاة وعن أبي أمامة عند أحمد والترمذي في كتاب السير وقال‏:‏ حسن صحيح ولكنه لم يذكر فيه المقصود وعن أبي ذر عند أبي داود وعن أبي موسى عند أحمد والطبراني بإسناد جيد وعن ابن عمر عند البزار والطبراني وفي إسناده إبراهيم بن إسماعيل بن يحيى بن سلمة بن كهيل وهو ضعيف وعن السائب بن يزيد عند الطبراني وعن أبي سعيد عند الطبراني أيضًا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏جعلت لي الأرض مسجدًا‏)‏ أي موضع سجود لا يختص السجود منها بموضع دون غيره ويمكن أن يكون مجازًا عن المكان المبني للصلاة قال الحافظ‏:‏ وهو من مجاز التشبيه لأنه لما جازت الصلاة في جميعها كانت كالمسجد في ذلك‏.‏

قال الداودي وابن التين‏:‏ والمراد أن الأرض جعلت للنبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم مسجدًا وطهورًا أو جعلت لغيره مسجدًا ولم تجعل له طهورًا لأن عيسى كان يسيح في الأرض ويصلي حيث أدركته الصلاة وقيل إنما أبيح لهم موضع يتيقنون طهارته بخلاف هذه الأمة فإنه أبيح لهم التطهر والصلاة إلا فيما تيقنوا نجاسته والأظهر ما قاله الخطابي وهو أن من قبله إنما أبيحت لهم الصلاة في أماكن مخصوصة كالبيع والصوامع‏.‏

قال الحافظ في الفتح‏:‏ ويؤيده رواية عمرو بن شعيب بلفظ‏:‏ ‏(‏وكان من قبلي إنما يصلون في كنائسهم‏)‏ وهذا نص في موضع النزاع فثبتت الخصوصية ويؤيده ما أخرجه البزار من حديث ابن عباس وفيه‏:‏ ‏(‏ولم يكن أحد من الأنبياء يصلي حتى يبلغ محرابه‏)‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وطهورًا‏)‏ بفتح الطاء أي مطهرة وفيه دليل على أن التراب يرفع الحدث كالماء لاشتراكهما في الطهورية قال الحافظ‏:‏ وفيه نظر‏.‏

وعلى أن التيمم جائز بجميع أجزاء الأرض لعموم لفظ الأرض لجميعها وقد أكده بقوله‏:‏ كلها كما في الرواية الثانية‏.‏

واستدل القائل بتخصيص التراب بما عند مسلم من حديث حذيفة مرفوعًا بلفظ‏:‏ ‏(‏وجعلت تربتها لنا طهورًا‏)‏ وهذا خاص فينبغي أن يحمل عليه العام وأجيب بأن تربة كل مكان ما فيه من تراب أو غيره فلا يتم الاستدلال ورد بأنه ورد في الحديث المذكور بلفظ التراب أخرجه ابن خزيمة وغيره‏.‏

وفي حديث علي ‏(‏وجعل التراب لي طهورًا‏)‏ أخرجه أحمد والبيهقي بإسناد حسن وأجيب أيضًا عن ذلك الاستدلال بأن تعليق الحكم بالتربة مفهوم لقب ومفهوم اللقب ضعيف عند أرباب الأصول ولم يقل به إلا الدقاق فلا ينتهض لتخصيص المنطوق ورد بأن الحديث سبق لإظهار التشريف فلو كان جائزًا بغير التراب لما اقتصر عليه وأنت خبير بأنه لم يقتصر على التراب إلا في هذه الرواية نعم الافتراق في اللفظ حيث حصل التأكيد في جعلها مسجدًا دون الآخر كما سيأتي في حديث مسلم يدل على الافتراق في الحكم وأحسن من هذا أنقوله‏:‏‏:‏ تعالى في آية المائدة منه يدل على أن المراد التراب وذلك لأن كلمة من للتبعيض كما قال في الكشاف إنه لا يفهم أحد من العرب من قول القائل مسحت برأسه من الدهن والتراب إلا معنى التبعيض انتهى‏.‏

ـ فإن قلت‏:‏ ـ سلمنا التبعيض فما الدليل على أن ذلك البعض هو التراب قلت‏:‏ التنصيص عليه في الحديث المذكور ومن الأدلة الدالة على أن المراد خصوص التراب ما ورد في القرآن والسنة من ذكر الصعيد والأمر بالتيمم منه وهو التراب لكنه قال في القاموس والصعيد التراب أو وجه الأرض وفي المصباح الصعيد وجه الأرض ترابًا كان أو غيره‏.‏

قال الزجاج‏:‏ لا أعلم اختلافًا بين أهل اللغة في ذلك‏.‏ قال الأزهري‏:‏ ومذهب أكثر العلماء أن الصعيد فيقوله‏:‏‏:‏ تعالى ‏{‏صعيدًا طيبًا‏}‏ هو التراب‏.‏

وفي كتاب فقه اللغة للثعالبي الصعيد تراب وجه الأرض ولم يذكر غيره‏.‏

وفي المصباح أيضًا ويقال الصعيد في كلام العرب يطلق على وجوه‏:‏ على التراب الذي على وجه الأرض وعلى وجه الأرض وعلى الطريق ويؤيد حمل الصعيد على العموم تيممه صلى اللَّه عليه وآله وسلم من الحائط فلا يتم الاستدلال‏.‏

وقد ذهب إلى تخصيص التيمم بالتراب العترة والشافعي وأحمد وداود‏.‏ وذهب مالك وأبو حنيفة وعطاء والأوزاعي والثوري إلى أنه يجزئ بالأرض وما عليها ‏[‏قال ابن القيم في زاد المعاد‏:‏ وكذلك كان يتيمم بالأرض التي يصلي عليها ترابًا كانت أو سبخة أو رملًا وصح عنه أنه قال حيثما أدركت رجلًا من أمتي الصلاة فعنده مسجده وطهوره وهذا نص صريح في أن من أدركته الصلاة في الرمل فالرمل له طهور ولما سافر هو وأصحابه في غزوة تبوك قطعوا تلك الرمال في طريقهم وماؤهم في غاية القلة ولم يرو عنه أنه حمل معه التراب ولا أمر به ولا فعله أحد من أصحابه مع القطع بأن في المفاوز الرمال أكثر من التراب وكذلك أرض الحجاز وغيره ومن تدبر هذا قطع بأنه كان يتيمم بالرمل واللَّه أعلم وهذا قول الجمهور اهـ‏]‏‏.‏ وسيعقد المصنف لذلك بابًا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أينما أدركتني الصلاة‏)‏ في الرواية الثانية ‏(‏فأينما أدركت رجلًا من أمتي الصلاة‏)‏ وفي الصحيحين ‏(‏فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل‏)‏ وقد استدل به على عموم التيمم بأجزاء الأرض لأنقوله‏:‏‏:‏ ‏(‏فأينما أدركت رجلًا‏)‏‏.‏ ‏(‏وأيما رجل‏)‏ صيغة عموم فيدخل تحته من لم يجد ترابًا ووجد غيره من أجزاء الأرض‏.‏

قال ابن دقيق العيد‏:‏ ومن خصص التيمم بالتراب يحتاج إلى أن يقيم دليلًا يخص به هذا العموم أو يقول دل الحديث على أنه يصلي وأنا أقول بذلك فيصلي على الحالة ‏[‏نص عبارة ابن دقيق العيد في العمدة في شرح حديث جابر أعطيت خمسًا وفيه فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل‏.‏ ومن خص التيمم بالتراب يحتاج أن يقيم دليلًا يخص به هذا العموم أو يقول دل الحديث على أنه يصلي وأنا أقول بذلك فيمن لم يجد ماء ولا ترابًا فيصلي على حسب حاله وأقول بموجب الحديث إلا أنه قد جاء في رواية أخرى فعنده طهوره ومسجده والحديث إذا اجتمعت طرقه فسر بعضها بعضًا اهـ فليتأمل فإن نقل الشوكاني عنه غير ظاهر المعنى واللَّه أعلم‏]‏‏.‏ ويرد عليه حديث الباب فإنه بلفظ فعنده مسجده وعنده طهوره‏.‏

وقد استدل المصنف بالحديث على اشتراط دخول الوقت للتيمم لتقييد الأمر بالتيمم بإدراك الصلاة وإدراكها لا يكون إلا بعد دخول الوقت قطعًا‏.‏

وقد ذهب إلى ذلك الاشتراط العترة والشافعي ومالك وأحمد بن حنبل وداود واستدلوا بقوله‏:‏ تعالى ‏{‏إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا‏}‏ ولا قيام قبله والوضوء خص الإجماع والسنة‏.‏

وذهب أبو حنيفة وأصحابه إلى أنه يجزئ قبل الوقت كالوضوء وهذا هو الظاهر ولم يرد ما يدل على عدم الإجزاء والمراد بقوله‏:‏ ‏{‏إذا قمتم‏}‏ إذا أردتم القيام وإرادة القيام تكون في الوقت وتكون قبله فلم يدل دليل على اشتراط الوقت حتى يقال خصص الوضوء الإجماع‏.‏

 باب من وجد ما يكفي بعض طهارته يستعمله

1- عن أبي هريرة‏:‏ ‏(‏أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم‏)‏‏.‏

متفق عليه‏.‏

هذا الحديث أصل من الأصول العظيمة وقاعدة من قواعد الدين النافعة وقد شهد له صريح القرآن قال اللَّه تعالى ‏{‏فاتقوا اللَّه ما استطعتم‏}‏ فلك الاستدلال بالحديث على العفو عن كل ما خرج عن الطاقة وعلى وجوب الإتيان بما دخل تحت الاستطاعة من المأمور به وأنه ليس مجرد خروج بعضه عن الاستطاعة موجبًا للعفو عن جميعه‏.‏

وقد استدل به المصنف على وجوب استعمال الماء الذي يكفي لبعض الطهارة وهو كذلك وقد خالف في ذلك زيد بن علي والناصر والحنفية فقالوا يسقط استعمال الماء لأن عدم بعض المبدل يبيح الانتقال إلى البدل‏.‏

 باب تعين التراب للتيمم دون بقية الجامدات

1- عن علي كرم اللَّه وجهه قال‏:‏ ‏(‏قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏:‏ أعطيت ما لم يعط أحد من الأنبياء نصرت بالرعب وأعطيت مفاتيح الأرض وسميت أحمد وجعل لي التراب طهورًا وجعلت أمتي خير الأمم‏)‏‏.‏

رواه أحمد‏.‏

الحديث أخرجه البيهقي في الدلائل وأيضًا في حديث جابر المتفق عليه ‏(‏خمس النصر بالرعب وجعل الأرض مسجدًا وطهورًا وتحليل الغنائم وإعطاء الشفاعة وعموم البعثة‏)‏‏.‏

وزاد أبو هريرة في حديثه الثابت عند مسلم خصلتين وهما ‏(‏وأعطيت جوامع الكلم وختم بي النبيون‏)‏ فيحصل منه ومن حديث جابر سبع خصال‏.‏

ولمسلم من حديث حذيفة ‏(‏فضلنا على الناس بثلاث جعلت صفوفنا كصفوف الملائكة‏)‏ وذكر خصلة الأرض قال‏:‏ وذكر خصلة أخرى وهذه الخصلة المبهمة بينها ابن خزيمة والنسائي وهي ‏(‏وأعطيت هذه الآيات من آخر سورة البقرة من كنز تحت العرش‏)‏ يشير إلى ما حطه اللَّه عن أمته من الأصر فصارت الخصال تسعًا‏.‏

وفي حديث الباب زيادة ‏(‏أعطيت مفاتيح الأرض وسميت أحمد وجعلت أمتي خير الأمم‏)‏ فصارت الخصال ثنتي عشرة خصلة‏.‏

وعند البزار من وجه آخر عن أبي هريرة رفعه‏:‏ ‏(‏فضلت على الأنبياء بست غفر لي ما تقدم من ذنبي وما تأخر وجعلت أمتي خير الأمم وأعطيت الكوثر وأن صاحبكم لصاحب لواء الحمد يوم القيامة تحته آدم فمن دونه‏)‏ وذكر ثنتين مما تقدم‏.‏

وله من حديث ابن عباس رفعه‏:‏ ‏(‏فضلت على الأنبياء بخصلتين كان شيطاني كافر فأعانني اللَّه عليه فأسلم قال‏:‏ ونسيت الأخرى‏)‏ فينتظم بهذا سبع عشرة خصلة‏.‏

قال الحافظ في الفتح‏:‏ ويمكن أن يوجد أكثر من ذلك لمن أمعن التتبع وقد ذكر أبو سعيد النيسابوري في كتاب شرف المصطفى أن الذي اختص به نبينا صلى اللَّه عليه وآله وسلم ستون خصلة‏.‏

والحديث ساقه المصنف رحمه اللَّه تعالى للاستدلال به على تعين التراب للتصريح في الحديث بذكر التراب وقد تقدم الكلام على ذلك في باب اشتراط دخول الوقت للتيمم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏نصرت بالرعب‏)‏ مفهومه أنه لم يوجد لغيره النصر بالرعب لكن في مسيرة الشهر التي ورد التقييد بها في الصحيحين وفي أكثر منها بالأولى‏.‏ وأما دونها فلا ولكن ورد في رواية في البخاري ‏(‏ونصرت على العدو بالرعب ولو كان بيني وبينهم مسيرة شهر‏)‏ وهي تشعر باختصاصه به مطلقًا وإنما جعل الغاية شهرًا لأنه لم يكن بين بلده وبين أحد من أعدائه أكثر منه‏.‏

قال الحافظ في الفتح‏:‏ وهل هي حاصلة لأمته من بعده فيه احتمال وقد نقل ابن الملقن في شرح العمدة عن مسند أحمد بلفظ‏:‏ ‏(‏والرعب يسعى بين يدي أمتي شهرًا‏)‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وأعطيت مفاتيح الأرض‏)‏ هي ما سهل اللَّه له ولأمته من افتتاح البلاد الممتنعة والكفور المتعذرة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وجعلت أمتي خير الأمم‏)‏ هو مثل ما نطق به القرآن قال اللَّه تعالى ‏{‏كنتم خير أمة أخرجت للناس‏}‏‏.‏

2- وعن حذيفة قال‏:‏ ‏(‏قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم فضلنا على الناس بثلاث جعلت صفوفنا كصفوف الملائكة وجعلت لنا الأرض كلها مسجدًا وجعلت تربتها لنا طهورًا إذا لم نجد الماء‏)‏‏.‏

رواه مسلم‏.‏

قوله‏:‏‏:‏ ‏(‏بثلاث‏)‏ الثالثة مبهمة وقد بينها ابن خزيمة والنسائي وهي ‏(‏وأعطيت هذه الآيات من آخر سورة البقرة‏)‏ وقد تقدم التنبيه على ذلك‏.‏

والحديث يدل على قصر التيمم على التراب للتصريح بالتراب فيه وقد عرفت البحث في ذلك في باب اشتراط دخول الوقت‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏صفوفنا كصفوف الملائكة‏)‏ وهي أنهم يتمون المقدم ثم الذي يليه من الصفوف ثم يراصون الصف ‏[‏في ذلك تنبيه على فضل العناية بصفوف الصلاة في الجماعة وأن الواجب أن تكون على مثال صفوف الملائكة من تتميم الأول فالأول وسد الفرج فيها حتى تكون كالبنيان المرصوص وذلك لأن حكمة الجماعة هي ربط قلوب المؤمنين برباط الأخوة والمحبة ويكونوا قوة واحدة على درء الشر عنهم كما أن البنيان إنما كان بنيانًا باجتماع أجزائه وارتباطها ببعضها ومن المحزن جدًا أن المسلمين أهملوا ذلك كل الإهمال ولم يعبأوا به مع ما فيه من الخير العظيم جدًا ولقد أصبحنا ندخل أي مسجد فلا نجد فيه إلا شذاذًا متفرقين هنا واحد وهناك اثنان وهكذا والصفوف ناقصة ومعوجة والإمام يدخل إلى محرابه وفي صلاته ولا يهمه إلا أن يؤدي تلك المراسيم التي ظنوا العبادة قاصرة عليها وليس وراءها شيء آخر وتركوا ما كان عليه الإمام الأعظم صلى اللَّه عليه وآله وسلم من أنه ما كان يكبر تكبيرة الإحرام حتى تستوي الصفوف وتتراص وبذلك حفظ اللَّه له قلوب أصحابه ولكنا ضيعنا ذلك فأصبحنا والقلوب متفرقة بل ومتباغضة ويدخل أحدنا المسجد ويصل مع الجماعة ويخرج كما دخل قلبه على ما هو عليه لإخوانه من الغيظ والغل وغير ذلك وعلماؤنا وأئمتنا عن ذلك غافلون فاللَّهم الطف بنا وأرشد هذه الأمة إلى هدى خير المرسلين حتى نهتدي به إلى أطيب حياة في الدنيا وأسعد عاقبة في الآخرة‏]‏‏.‏ كما ورد التصريح بذلك في سنن أبي داود وغيرها‏.‏

 باب صفة التيمم

1- عن عمار بن ياسر‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال في التيمم ضربة للوجه واليدين‏)‏‏.‏

رواه أحمد وأبو داود وفي لفظ‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم أمره بالتيمم للوجه والكفين‏)‏ رواه الترمذي وصححه‏.‏

قال ابن عبد البر‏:‏ أكثر الآثار المرفوعة عن عمار ضربة واحدة وما روي عنه من ضربتين فكلها مضطربة وقد جمع البيهقي طرق حديث عمار فأبلغ‏.‏ وقد روى الطبراني في الأوسط والكبير أنه صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال لعمار بن ياسر ‏(‏يكفيك ضربة للوجه وضربة للكفين‏)‏ وفي إسناده إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى وهو ضعيف وإن كان حجة عند الشافعي‏.‏

والحديث يدل على أن التيمم ضربة واحدة للوجه والكفين وقد ذهب إلى ذلك عطاء ومكحول والأوزاعي وأحمد بن حنبل وإسحاق والصادق والإمامية‏.‏ قال في الفتح‏:‏ ونقله ابن المنذر عن جمهور العلماء واختاره وهو قول عامة أهل الحديث‏.‏

وذهب الهادي والناصر والمؤيد باللَّه وأبو طالب والإمام يحيى والفقهاء إلى أن الواجب ضربتان ضربة للوجه وأخرى لليدين‏.‏

وذهب ابن المسيب وابن سيرين إلى أن الواجب ثلاث ضربات ضربة للوجه وضربة للكفين وضربة للذراعين‏.‏

‏(‏احتج الأولون‏)‏ بحديث الباب وبالرواية الأخرى الآتية المتفق عليها من حديث عمار وأجابوا عن الأحاديث القاضية بالضربتين بما فيها من المقال المشهور‏.‏

‏(‏واحتج أهل القول الثاني‏)‏ بحديث ابن عمر مرفوعًا بلفظ‏:‏ ‏(‏التيمم ضربتان ضربة للوجه وضربة لليدين إلى المرفقين‏)‏ أخرجه الدارقطني والحاكم والبيهقي وفي إسناده علي بن ظبيان قال الدارقطني‏:‏ وثقه يحيى القطان وهشيم وغيرهما قال الحافظ‏:‏ هو ضعيف ضعفه القطان وابن معين وغير واحد‏.‏

وقد روي أيضًا من طريق ابن عمر مرفوعًا بلفظ‏:‏ ‏(‏تيممنا مع النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم ضربنا بأيدينا على الصعيد الطيب ثم نفضنا أيدينا فمسحنا بها وجوهنا ثم ضربنا ضربة أخرى فمسحنا من المرافق إلى الكف‏)‏ وفيه سليمان بن أرقم وهو متروك‏.‏

وروي أيضًا عن ابن عمر مرفوعًا من وجه آخر بلفظ حديث ابن ظبيان‏.‏ قال أبو زرعة‏:‏ حديث باطل‏.‏

ورواه الدارقطني والحاكم من حديث جابر وفيه عثمان بن محمد وهو متكلم فيه قاله ابن الجوزي قال الحافظ‏:‏ وأخطأ في ذلك‏.‏ قال ابن دقيق العيد‏:‏ لم يتكلم فيه أحد نعم روايته شاذة قال الدارقطني بعد رواية حديث جابر‏:‏ كلهم ثقات والصواب موقوف‏.‏

وفي الباب عن الأسلع بن شريك رواه الطبراني والدارقطني وفيه الربيع بن بدر وهو ضعيف‏.‏ وعن أبي أمامة رواه الطبراني قال الحافظ‏:‏ وإسناده ضعيف‏.‏ وعن عائشة مرفوعًا رواه البزار وابن عدي وقد تفرد به الحريش بن الخريت ولا يحتج بحديثه قال أبو حاتم‏:‏ حديثه منكر‏.‏

وعن عمار رواه البزار وقد عرفت أن أحاديثه الصحاح ضربة واحدة‏.‏ وفي الباب أيضًا عن ابن عمر مرفوعًا بلفظ‏:‏ ‏(‏أنه صلى اللَّه عليه وآله وسلم تيمم بضربتين مسح بإحداهما وجهه‏)‏ رواه أبو داود بسند ضعيف لأن مداره على محمد بن ثابت وقد ضعفه ابن معين وأبو حاتم والبخاري وأحمد‏.‏ قال أبو داود‏:‏ لم يتابع محمد بن ثابت أحد‏.‏

وبهذا يتبين لك أن أحاديث الضربتين لا تخلو جميع طرقها من مقال ولو صحت لكان الأخذ بها متعينًا لما فيها من الزيادة فالحق الوقوف على ما ثبت في الصحيحين من حديث عمار من الاقتصار على ضربة واحدة حتى تصح الزيادة على ذلك المقدار‏.‏

وأما أهل القول الثالث فلم أقف لهم على ما يصلح متمسكًا للوجوب بل قال الإمام يحيى‏:‏ إنه لا دليل يدل على ندبية التثليث في التيمم وقوى ذلك الإمام المهدي والأمر كذلك‏.‏

2 - وعن عمار قال‏:‏ ‏(‏أجنبت فلم أصب الماء فتمعكت في الصعيد وصليت فذكرت ذلك للنبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم فقال‏:‏ إنما كان يكفيك هكذا وضرب النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم بكفيه الأرض ونفخ فيها ثم مسح بهما وجهه وكفيه‏)‏‏.‏

متفق عليه وفي لفظ‏:‏ ‏(‏إنما كان يكفيك أن تضرب بكفيك في التراب ثم ينفخ فيهما ثم تمسح بهما وجهك وكفيك إلى الرصغين‏)‏ رواه الدارقطني‏.‏

قوله‏:‏‏:‏ ‏(‏فتمعكت‏)‏ وفي رواية ‏(‏فتمرغت‏)‏ أي تقلبت‏.‏

قوله‏:‏‏:‏ ‏(‏إنما كان يكفيك‏)‏ فيه دليل على أن الواجب في التيمم هي الصفة المذكورة في هذا الحديث‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وضرب بكفيه‏)‏ المذكور في هذا الحديث ضربة واحدة وقد تقدم ذكر الخلاف في ذلك في الحديث الذي قبل هذا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ثم مسح بهما وجهه وكفيه‏)‏ فيه دليل لمذهب من قال إنه يقتصر في مسح اليدين على الكفين وإليه ذهب عطاء ومكحول والأوزاعي وأحمد وإسحاق وابن المنذر وعامة أصحاب الحديث هكذا في شرح مسلم‏.‏

وذهب علي بن أبي طالب عليه السلام وعبد اللَّه بن عمر والحسن البصري والشعبي وسالم بن عبد اللَّه بن عمر وسفيان الثوري ومالك وأبو حنيفة وأصحاب الرأي وآخرون إلى أن الواجب المسح إلى المرفقين رواه النووي في شرح مسلم‏.‏

ورواه في البحر أيضًا عن الهادي والقاسم والمؤيد باللَّه وأبي طالب والفريقين وذهب الزهري إلى أنه يجب المسح إلى الإبطين‏.‏ قال الخطابي‏:‏ لم يختلف أحد من العلماء في أنه لا يلزم مسح ما وراء المرفقين‏.‏

‏(‏احتج الأولون‏)‏ بحديث الباب واحتج أهل القول الثاني بحديث ابن عمر مرفوعًا بلفظ‏:‏ ‏(‏ضربة للوجه وضربة لليدين إلى المرفقين‏)‏ وقد تقدم عدم انتهاضه للاحتجاج من هذا الوجه ومن غيره‏.‏

واحتجوا بالقياس على الوضوء وهو فاسد الاعتبار واحتج الزهري بما ورد في بعض روايات حديث عمار عند أبي داود بلفظ‏:‏ ‏(‏إلى الآباط‏)‏ وأجاب بأنه منسوخ كما قال الشافعي واحتج أيضًا بأن ذلك حد اليد لغة وأجيب بأنه قصرها الخبر وإجماع الصحابة على بعض حدها لغة‏.‏

قال الحافظ في الفتح‏:‏ وما أحسن ما قال إن الأحاديث الواردة في صفة التيمم لم يصح منها سوى حديث أبي جهيم وعمار وما عداهما فضعيف أو مختلف في رفعه ووقفه والراجح عدم رفعه فأما حديث أبي جهيم فورد بذكر اليدين مجملًا وأما حديث عمار فورد بذكر الكفين في الصحيحين وبذكر المرفقين في السنن وفي رواية إلى نصف الذراع وفي رواية إلى الآباط‏.‏

فأما رواية المرفقين وكذا نصف الذراع ففيهما مقال وأما رواية الآباط فقال الشافعي وغيره‏:‏ إن كان ذلك وقع بأمر النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم فكل تيمم صح للنبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم بعده فهو ناسخ له وإن كان وقع بغير أمره فالحجة فيما أمر به‏.‏

ومما يقوي رواية الصحيحين في الاقتصار على الوجه والكفين كون عمار يفتي بعد النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم بذلك وراوي الحديث أعرف بالمراد به من غيره ولا سيما الصحابي المجتهد انتهى‏.‏

فالحق مع أهل المذهب الأول حتى يقوم دليل يجب المصير إليه ولا شك أن الأحاديث المشتملة على الزيادة أولى بالقبول ‏[‏قال ابن القيم‏:‏ وأما ما ذكر في صفة التيمم من وضع بطون أصابع يده اليسرى على ظهور اليمنى ثم إمرارها إلى المرفق ثم إدارة بطن كفه على بطن الذراع وإقامة إبهامه اليسرى كالمؤذن إلى أن يصل إلى إبهامه اليمنى فيطبقها عليها فهذا مما يعلم قطعًا أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم يفعله ولا علمه أحدًا من أصحابه ولا أمر به ولا استحسنه وهذا هديه إليه التحاكم وكذلك لم يصح عنه التيمم لكل صلاة ولا أمر به بل أطلق وجعله قائما مقام الوضوء وهذا يقتضي أن يكون حكمه حكمه إلا فيما اقتضى الدليل خلافه‏.‏ واللَّه أعلم‏]‏‏.‏ ولكن إذا كانت صالحة للاحتجاج بها‏.‏ وليس في الباب شيء من ذلك‏.‏

قوله‏:‏ وفي لفظ هذه الرواية ثبت عند البخاري معناها ولفظه‏:‏ ‏(‏وضرب بكفيه الأرض ونفخ فيهما ثم مسح بهما وجهه وكفيه‏)‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إلى الرصغين‏)‏ هما لغة في الرسغين وهما مفصل الكفين‏.‏ قال المصنف بعد أن ساق الحديث‏:‏ وفيه دليل على أن الترتيب في تيمم الجنب لا يجب انتهى‏.‏