فصل: أبواب الحيض

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار **


 باب من تيمم في أول الوقت وصلى ثم وجد الماء في الوقت

1- عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري قال‏:‏ ‏(‏خرج رجلان في سفر فحضرت الصلاة وليس معهما ماء فتيمما صعيدًا طيبًا فصليا ثم وجد الماء في الوقت فأعاد أحدهما الوضوء والصلاة ولم يعد الآخر ثم أتيا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم فذكرا ذلك له فقال للذي لم يعد‏:‏ أصبت السنة وأجزأتك صلاتك‏.‏ وقال للذي توضأ وأعاد‏:‏ لك الأجر مرتين‏)‏‏.‏

رواه النسائي وأبو داود وهذا لفظه‏.‏ وقد روياه أيضًا عن عطاء بن يسار عن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم مرسلًا‏.‏

الحديث أخرجه أيضًا الدارمي والحاكم ورواه الدارقطني موصولًا ثم قال‏:‏ تفرد به عبد اللَّه بن نافع عن الليث عن بكر بن سوادة عن عطاء عنه موصولًا وخالفه ابن المبارك فأرسله وكذا قال الطبراني في الأوسط‏:‏ لم يروه متصلًا إلا عبد اللَّه بن نافع‏.‏ وقال موسى بن هارون‏:‏ رفعه وهم من ابن نافع‏.‏

وقال أبو داود‏:‏ رواه غيره عن الليث عن عميرة عن بكر عن عطاء مرسلًا قال‏:‏ وذكر أبي سعيد فيه ليس بمحفوظ وقد رواه ابن السكن في صحيحه موصولًا من طريق أبي الوليد الطيالسي عن الليث عن عمرو بن الحارث وعميرة بن أبي ناجية جميعًا عن بكر موصولًا ورواه ابن لهيعة عن بكر فزاد بين عطاء وأبي سعيد أبا عبد اللَّه مولى إسماعيل بن عبيد اللَّه وابن لهيعة ضعيف ولا يلتفت إلى زيادته ولا تعل بها رواية الثقة عمرو ابن الحارث ومعه عميرة بن أبي ناجية وقد وثقه النسائي ويحيى بن بكير وابن حبان وأثنى عليه أحمد بن صالح وابن يونس وأحمد بن سعيد بن أبي مريم وله شاهد من حديث ابن عباس رواه إسحاق بن راهويه في مسنده أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم بال ثم تيمم فقيل له إن الماء قريب منك قال‏:‏ فلعلي أن لا أبلغه‏.‏

والحديث يدل على أن من صلى بالتيمم ثم وجد الماء بعد الفراغ من الصلاة لا يجب عليه الإعادة وإليه ذهب أبو حنيفة والشافعي ومالك وأحمد والإمام يحيى وقال الهادي والناصر والمؤيد باللَّه وأبو طالب وطاوس وعطاء والقاسم بن محمد بن أبي بكر ومكحول وابن سيرين والزهري وربيعة كما حكاه المنذري وغيره‏:‏ إنها تجب الإعادة مع بقاء الوقت لتوجه الخطاب مع بقائه لقوله‏:‏ تعالى ‏{‏أقم الصلاة‏}‏ مع قوله‏:‏ ‏{‏إذا قمتم إلى الصلاة‏}‏ فشرط في صحتها الوضوء وقد أمكن في وقتها ولقوله‏:‏ فإذا وجد الماء فليتق اللَّه وليمسه بشرته‏.‏ الحديث‏.‏ ورد بأنه لا يتوجه الطلب بعد قوله‏:‏ ‏(‏أصبت السنة وأجزأتك صلاتك‏)‏ وإطلاق قوله‏:‏ ‏(‏فإذا وجد الماء‏)‏ مقيد بحديث الباب ويؤيد القول بعدم وجوب الإعادة حديث ‏(‏لا تصلوا صلاة في يوم مرتين‏)‏ عند أحمد وأبي داود والنسائي وابن حبان وصححه ابن السكن ويجاب عنه بأنهما عند القائل بوجوب الإعادة صلاة واحدة لأن الأول قد فسد بوجود الماء فلا يرد ذلك عليه‏.‏

وما قيل من تأويل الحديث بأنهما وجدا بعد الوقت فتعسف يخالف ما صرح به الحديث من أنهما وجدا ذلك في الوقت ‏[‏الحق الذي دلت عليه ظواهر النصوص من قوله‏:‏ صلى اللَّه عليه وآله وسلم إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم ومن قوله‏:‏ أصبت السنة وأجزتك أن لا إعادة لا في الوقت ولا بعده لأن المتيمم قام بالأمر على قدر استطاعته فأجزأه وخلصت منه ذمته ولم يبق مكلفًا به فأمره بالإعادة تكليف جديد لا يثبت إلا بشرع ولا يوجد بل الذي وجد نقيضه وهو قوله‏:‏ صلى اللَّه عليه وآله وسلم أصبت وأجزأتك أما قوله‏:‏ للذي أعاد لك الأجر مرتين فمعناه الأجر الأول على صلاتك بالتيمم والثاني على اجتهادك الذي أخطأت فيه وهذا واضح إذا لم نضرب النصوص ببعضها أو بالضعيف منها واللَّه الموفق‏]‏‏:‏ وأما إذا وجد الماء قبل الصلاة بعد التيمم وجب الوضوء عند العترة والفقهاء وقال داود وسلمة بن عبد الرحمن‏:‏ لا يجب لقوله‏:‏ تعالى ‏{‏ولا تبطلوا أعمالكم‏}‏ وأما إذا وجد الماء بعد الدخول في الصلاة قبل الفراغ منها فإنه يجب عليه الخروج من الصلاة وإعادتها بالوضوء عند الهادي والناصر والمؤيد باللَّه وأبي طالب وأبي حنيفة والأوزاعي والثوري والمزني وابن شريح‏.‏

وقال مالك وداود‏:‏ لا يجب عليه الخروج بل يحرم والصلاة صحيحة وسيأتي الكلام عليه قوله‏:‏ ‏(‏أصبت السنة‏)‏ أي الشريعة الواجبة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وأجزأتك صلاتك‏)‏ أي كفتك عن القضاء والإجزاء عبارة عن كون الفعل مسقطًا للإعادة‏.‏

 باب بطلان التيمم بوجدان الماء في الصلاة وغيرها

1- عن أبي ذر‏:‏ ‏(‏أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ إن الصعيد الطيب طهور المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين فإذا وجد الماء فليمسه بشرته فإن ذلك خير‏)‏‏.‏

رواه أحمد والترمذي وصححه‏.‏

الحديث أخرجه أيضًا النسائي وأبو داود وابن ماجه وقد اختلف فيه على أبي قلابة وقد تقدم الكلام عليه في باب الرخصة في الجماع لعادم الماء‏.‏

والمصنف رحمه اللَّه قد استدل بقوله‏:‏ ‏(‏فإذا وجد الماء فليمسه بشرته‏)‏ على وجوب الإعادة على من وجد الماء قبل الفراغ من الصلاة وهو استدلال صحيح لأن هذا الحديث مطلق فيمن وجده بعد الوقت ومن وجده قبل خروجه وحال الصلاة وبعدها‏.‏

وحديث أبي سعيد السابق مقيد بمن وجد الماء في الوقت بعد الفراغ من الصلاة فتخرج هذه الصورة بحديث أبي سعيد وتبقى صورة وجود الماء قبل الدخول في الصلاة بعد فعل التيمم وبعد الدخول في الصلاة قبل الفراغ منها داخلتين تحت إطلاق الحديث‏.‏

وفي كلا الصورتين خلاف قد ذكرناه في الباب الذي قبل هذا ولكنه يشكل على الاستدلال بهذا الحديث‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فإن ذلك خير‏)‏ فإنه يدل على عدم الوجوب المدعي‏.‏

 باب الصلاة بغير ماء ولا تراب عند الضرورة

1- عن عائشة رضي اللَّه عنها‏:‏ ‏(‏أنها استعارت من أسماء قلادة فهلكت فبعث رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم رجالًا في طلبها فوجدوها فأدركتهم الصلاة وليس معهم ماء فصلوا بغير وضوء فلما أتوا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم شكوا ذلك إليه فأنزل اللَّه عز وجل آية التيمم‏)‏‏.‏

رواه الجماعة إلا الترمذي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أنها استعارت‏)‏ وفي بعض الروايات أنها قالت ‏(‏انقطع عقد لي‏)‏ ولا مخالفة بينهما فهو حقيقة ملك لأسماء وإضافته في الرواية الثانية إلى نفسها لكونه في يدها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فصلوا بغير وضوء‏)‏ استدل بذلك جماعة من المحققين منهم المصنف على وجوب الصلاة عند عدم المطهرين الماء والتراب وليس في الحديث أنهم فقدوا التراب وإنما فيه أنهم فقدوا الماء فقط ولكن عدم الماء في ذلك الوقت كعدم الماء والتراب لأنه لا مطهر سواه‏.‏

ووجه الاستدلال به أنهم صلوا معتقدين وجوب ذلك ولو كانت الصلاة حينئذ ممنوعة لأنكر عليهم النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم وبهذا قال الشافعي وأحمد وجمهور المحدثين وأكثر أصحاب مالك لكن اختلفوا في وجوب الإعادة فالمنصوص عن الشافعي وجوبها وصححه أكثر الصحابة واحتجوا بأنه عذر نادر فلم يسقط الإعادة والمشهور عن أحمد وبه قال المزني وسحنون وابن المنذر لا تجب‏.‏ واحتجوا بحديث الباب لأنها لو كانت واجبة لبينها لهم النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم إذ لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة وتعقب بأن الإعادة لا تجب على الفور فلم يتأخر البيان عن وقت الحاجة وعلى هذا فلا بد من دليل على وجوب الإعادة‏.‏

وقال مالك وأبو حنيفة في المشهور عنهما لا يصلي لكن قال أبو حنيفة وأصحابه يجب عليه القضاء وبه قال الثوري والأوزاعي وقال مالك فيما حكاه عنه المدينون‏:‏ لا يجب عليه القضاء وهذه الأقوال الأربعة هي المشهورة في المسألة‏.‏

وحكى النووي في شرح المهذب عن القديم تستحب الصلاة وتجب الإعادة وبهذا تصير الأقوال خمسة قاله الحافظ في الفتح ‏[‏قال الشيخ علاء الدين الدمشقي في ترتيب اختيارات شيخ الإسلام تقي الدين ابن تيمية‏:‏ ومن عدم الماء والتراب يتوجه أن يفعل ما يشاء من صلاة فرض أو نفل وزيادة قراءة على ما يجزئ وفي الفتاوى المصرية لابن تيمية على أصح القولين وهو قول الجمهور‏]‏‏.‏

 

أبواب الحيض

قال في الفتح‏:‏ أصله السيلان وفي العرف جريان دم المرأة‏.‏

قال في القاموس حاضت المرأة تحيض حيضًا ومحيضًا ومحاضًا فهي حائض وحائضة سال دمها والمحيض اسم ومصدر ومنه الحوض لأن الماء يسيل إليه‏.‏

 باب بناء المعتادة إذا استحيضت على عادتها

1- عن عائشة قالت‏:‏ ‏(‏قالت فاطمة بنت أبي حبيش لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏:‏ إني امرأة أُستحاض فلا أطهر أفأدع الصلاة فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏:‏ إنما ذلك عرق وليس بالحيضة فإذا أقبلت الحيضة فاتركي الصلاة فإذا ذهب قدرها فاغسلي عنك الدم وصلي‏)‏‏.‏

رواه البخاري والنسائي وأبو داود وفي رواية للجماعة إلا ابن ماجه‏:‏ ‏(‏فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة فإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم وصلي‏)‏ زاد الترمذي في رواية وقال‏:‏ ‏(‏توضئي لكل صلاة حتى يجيء ذلك الوقت‏)‏ وفي رواية للبخاري‏:‏ ‏(‏ولكن دعي الصلاة قدر الأيام التي كنت تحيضين فيها ثم اغتسلي وصلي‏)‏‏.‏

الحديث قد أسلفنا بعض الكلام عليه في باب الغسل من الحيض وعرفناك هنالك أن فيه دلالة على أن المرأة إذا ميزت دم الحيض من دم الاستحاضة تعتبر دم الحيض وتعمل على إقباله وإدباره فإذا انقضى قدره اغتسلت منه ثم صار حكم دم الاستحاضة حكم الحدث فتتوضأ لكل صلاة لا تصلي بذلك الوضوء أكثر من فريضة واحدة كما سيأتي في باب وضوء المستحاضة لكل صلاة وقد بينا في باب غسل المستحاضة لكل صلاة عند انتهاض الأحاديث الواردة بوجوب الغسل عليها لكل صلاة أو للصلاتين أو من ظهر إلى ظهر وعرفناك أن الحق أنه لا يجب عليها الاغتسال إلا عند إدبار الحيضة لهذا الحديث وقد ذكرنا الخلاف في ذلك هنالك‏.‏

والحاصل أنه لم يأت في شيء من الأحاديث الصحيحة ما يقضي بوجوب الاغتسال عليها لكل صلاة أو لكل يوم أو للصلاتين بل لإدبار الحيضة كما في حديث فاطمة المذكور فلا يجب على المرأة غيره وقد أوضحنا هذا في باب غسل المستحاضة‏.‏

وأحكام المستحاضة مستوفاة في كتب الفروع والأحاديث الصحيحة منها ما يقضي بأن الواجب عليها الرجوع إلى العمل بصفة الدم كما في حديث فاطمة بنت أبي حبيش الآتي في الباب الذي بعد هذا‏.‏ ومنها ما يقضي باعتبار العادة كما في أحاديث الباب ويمكن الجمع بأن المراد بقوله‏:‏ ‏(‏أقبلت حيضتك‏)‏ الحيضة التي تتميز بصفة الدم أو يكون المراد بقوله‏:‏ ‏(‏إذا أقبلت الحيضة‏)‏ في حق المعتادة والتمييز بصفة الدم في حق غيرها وينبغي أن يعلم أن معرفة إقبال الحيضة قد يكون بمعرفة العادة وقد يكون بمعرفة دم الحيض وقد يكون بمجموع الأمرين‏.‏

وفي حديث حمنة بنت جحش بلفظ‏:‏ ‏(‏فتحيضي ستة أيام أو سبعة أيام‏)‏ وهو يدل على أنها ترجع إلى الحالة الغالبة في النساء وهو غير صالح للاحتجاج كما ستعرف ذلك في باب من قال تحيض ستًا أو سبعًا ولو كان صالحًا لكان الجمع ممكنًا كما سيأتي‏.‏

وقد أطال المصنفون في الفقه الكلام في المستحاضة واضطربت أقوالهم اضطرابًا يبعد فهمه على أذكياء الطلبة فما ظنك بالنساء الموصوفات بالعي في البيان والنقص في الأديان وبالغوا في التعسير حتى جاؤوا بمسألة المتحيرة فتحيروا‏.‏

والأحاديث الصحيحة قد قضت بعدم وجودها لأن حديث الباب ظاهر في معرفتها إقبال الحيضة وإدبارها وكذلك الحديث الآتي في الباب الذي بعد هذا فإنه صريح في أن دم الحيض يعرف ويتميز عن دم الاستحاضة فطاحت مسألة المتحيرة وللَّه الحمد ولم يبق ههنا ما يستصعب إلا ورود بعض الأحاديث الصحيحة بالإحالة على صفة الدم وبعضها بالإحالة على العادة وقد عرفت إمكان الجمع بينها بما سلف‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال توضئي لكل صلاة‏)‏ سيأتي الكلام عليه في باب وضوء المستحاضة‏.‏

قال المصنف رحمه اللَّه بعد أن ساق الحديث‏:‏ وفيه تنبيه على أنها إنما تبنى على عادة متكررة انتهى‏.‏

2- وعن عائشة‏:‏ ‏(‏أن أم حبيبة بنت جحش التي كانت تحت عبد الرحمن بن عوف شكت إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم الدم فقال لها‏:‏ امكثي قدر ما كانت تحبسك حيضتك ثم اغتسلي فكانت تغتسل عند كل صلاة‏)‏‏.‏

رواه مسلم ورواه أحمد والنسائي ولفظهما‏:‏ ‏(‏قال فلتنتظر قدر قروئها التي كانت تحيض فلتترك الصلاة ثم لتنظر ما بعد ذلك فلتغتسل عند كل صلاة وتصلي‏)‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ثم اغتسلي‏)‏ قال الشافعي وسفيان بن عيينة والليث بن سعد وغيرهم‏:‏ إنما أمرها النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم أن تغتسل وتصلي ولم يأمرها بالاغتسال لكل صلاة‏.‏

قال الشافعي‏:‏ ولا أشك أن غسلها كان تطوعًا غير ما أمرت به وقد قدمنا الكلام على هذا في باب غسل المستحاضة‏.‏ والرواية الأولى من الحديث قد أخرج نحوها البخاري وأبو داود بزيادة‏:‏ ‏(‏وتوضئي لكل صلاة‏)‏‏.‏

والحديث يدل على أن المستحاضة ترجع إلى عادتها إذا كانت لها عادة وتغتسل عند مضيها‏.‏ وقد تقدم الكلام على ذلك‏.‏

وقوله‏:‏ في الرواية الأخرى ‏(‏فلتغتسل عند كل صلاة‏)‏ استدل به القائلون بوجوب الغسل لكل صلاة وقد تقدم الكلام على ذلك أيضًا‏.‏

3- وعن القاسم عن زينب بنت جحش‏:‏ ‏(‏أنها قالت للنبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم أنها مستحاضة فقال‏:‏ تجلس أيام أقرائها ثم تغتسل وتؤخر الظهر وتعجل العصر وتغتسل وتصلي وتؤخر المغرب وتعجل العشاء وتغتسل وتصليهما جميعًا وتغتسل للفجر‏)‏‏.‏

رواه النسائي‏.‏

الحديث إسناده في سنن النسائي هكذا أخبرنا سويد بن نصر قال أخبرنا عبد اللَّه عن سفيان عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه فذكره ورجاله ثقات‏.‏

قال النووي‏:‏ أحاديث الأمر بالغسل ليس فيها شيء ثابت وحكى عن البيهقي ومن قبله تضعيفها‏.‏ وأقواها حديث حمنة بنت جحش الذي سيأتي وستعرف ما عليه‏.‏

والحديث استدل به من قال يجب الاغتسال على المستحاضة لكل صلاة أو تجمع بين الصلاتين بغسل واحد‏.‏ وقد تقدم الكلام على ذلك في الغسل‏.‏

4- وعن أم سلمة‏:‏ ‏(‏أنها استفتت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم في امرأة تهراق لدم فقال لتنظر قدر الليالي والأيام التي كانت تحيضهن وقدرهن من الشهر فتدع الصلاة ثم لتغتسل ولتستثفر ثم تصلي‏)‏‏.‏

رواه الخمسة إلا الترمذي‏.‏

الحديث أخرجه أيضًا الشافعي‏.‏ قال النووي‏:‏ إسناده على شرطيهما‏.‏ وقال البيهقي‏:‏ هو حديث مشهور إلا أن سليمان بن يسار لم يسمعه منها وفي رواية لأبي داود عن سليمان أن رجلًا أخبره عن أم سلمة‏.‏ وقال المنذري‏:‏ لم يسمعه سليمان‏.‏ وقد رواه موسى بن عقبة عن نافع عن سليمان عن مرجانة عنها وساقه الدارقطني وابن الجارود بتمامه من حديث صخر بن جويرية عن نافع عن سليمان أنه حدثه رجل عنها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏تهراق‏)‏ على صيغة ما لم يسم فاعله وفتح الهاء‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ولتستثفر‏)‏ الاستثفار إدخال الإزار بين الفخذين ملويًا كما في القاموس وغيره‏.‏ والحديث يدل على أن المستحاضة ترجع إلى عادتها المعروفة قبل الاستحاضة‏.‏

ويدل على أن الاغتسال إنما هو مرة واحدة عند إدبار الحيضة وقد تقدم الكلام على ذلك‏.‏

ويدل على استحباب اتخاذ الثفر ليمنع من خروج الدم حال الصلاة وقد ورد الأمر بالاستثفار في حديث حمنة بنت جحش أيضًا كما سيأتي إن شاء اللَّه‏.‏

وقوله‏:‏ ‏(‏لتستثفر‏)‏ بسكون الثاء المثلثة بعدها فاء مكسورة أي تشد ثوبًا على فرجها مأخوذًا من ثفر الدابة بفتح الفاء وهو الذي يكون تحت ذنبها‏.‏

 باب العمل بالتمييز

1- عن عروة عن فاطمة بنت أبي حبيش‏:‏ ‏(‏أنها كانت تستحاض فقال لها النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏:‏ إذا كان دم الحيضة فإنه أسود يعرف فإذا كان كذلك فأمسكي عن الصلاة فإذا كان الآخر فتوضئي وصلي فإنما هو عرق‏)‏‏.‏

رواه أبو داود والنسائي‏.‏

الحديث رواه ابن حبان والحاكم وصححاه وأخرجه الدارقطني والبيهقي والحاكم أيضًا بزيادة‏:‏ ‏(‏فإنما هو داء عرض أو ركضة من الشيطان أو عرق انقطع‏)‏ وهذا يرد إنكار ابن الصلاح والنووي وابن الرفعة لزيادة انقطع‏.‏

وقد استنكر هذا الحديث أبو حاتم لأنه من رواية عدي بن ثابت عن أبيه عن جده وجده لا يعرف وقد ضعف الحديث أبو داود‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فإنه أسود يعرف‏)‏ قال ابن رسلان في شرح السنن‏:‏ أي تعرفه النساء‏.‏ قال شارح المصابيح‏:‏ هذا دليل التمييز انتهى‏.‏

وهذا يفيد أن الرواية يعرف بضم حرف المضارعة وسكون العين المهملة وفتح الراء‏.‏ وقد روي بكسر الراء أي له رائحة تعرفها النساء‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عرق‏)‏ بكسر العين وإسكان الراء أي إن هذا الدم الذي يجري منك من عرق فمه في أدنى الرحم ويسمى العاذل بكسر الذال المعجمة‏.‏

والحديث فيه دلالة على أنه يعتبر التمييز بصفة الدم فإذا كان متصفًا بصفة السواد فهو حيض وإلا فهو استحاضة‏.‏ وقد قال بذلك الشافعي والناصر في حق المبتدأة وفيه دلالة أيضًا على وجوب الوضوء على المستحاضة لكل صلاة وسيأتي الكلام على ذلك إن شاء اللَّه تعالى‏.‏

 

باب من تحيض ستًا أو سبعًا لفقد العادة والتمييز

1- عن حمنة بنت جحش قالت‏:‏ ‏(‏كنت أُستحاض حيضة شديدة كثيرة فجئت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم أستفتيه وأخبره فوجدته في بيت أختي زينب بنت جحش قالت‏:‏ قلت يا رسول اللَّه إني أُستحاض حيضة كثيرة شديدة فما ترى فيها قد منعتني الصلاة والصيام فقال‏:‏ أنعت لك الكرسف فإنه يذهب الدم قالت‏:‏ هو أكثر من ذلك قال‏:‏ فاتخذي ثوبًا قالت‏:‏ هو أكثر من ذلك قال‏:‏ فتلجمي قالت‏:‏ إنما أثج ثجًا فقال‏:‏ سآمرك بأمرين أيهما فعلت فقد أجزأ عنك من الآخر فإن قويت عليهما فأنت أعلم فقال لها‏:‏ إنما هذه ركضة من ركضات الشيطان فتحيضي ستة أيام أو سبعة في علم اللَّه ثم اغتسلي حتى إذا رأيت أنك قد طهرت واستنقيت فصلي أربعًا وعشرين ليلة أو ثلاثًا وعشرين ليلة وأيامها فصومي فإن ذلك مجزيك وكذلك فافعلي في كل شهر كما تحيض النساء وكما يطهرن لميقات حيضهن وطهرهن وإن قويت على أن تؤخري الظهر وتعجلي العصر فتغتسلين ثم تصلين الظهر والعصر جميعًا ثم تؤخري المغرب وتعجلي العشاء ثم تغتسلين وتجمعين بين الصلاتين فافعلي وتغتسلين مع الفجر وتصلين فكذلك فافعلي وصلي وصومي إن قدرت على ذلك‏.‏ وقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏:‏ وهذا أعجب الأمرين إلي‏)‏‏.‏

رواه أبو داود وأحمد والترمذي وصححاه‏.‏

الحديث أخرجه أيضًا ابن ماجه والدارقطني والحاكم ونقل الترمذي عن البخاري تحسينه وفي إسناده ابن عقيل قال البيهقي‏:‏ تفرد به وهو مختلف في الاحتجاج به‏.‏

وقال ابن منده‏:‏ لا يصح بوجه من الوجوه لأنهم أجمعوا على ترك حديث ابن عقيل وتعقبه ابن دقيق العيد واستنكر منه هذا الإطلاق لأن ابن عقيل لم يقع الإجماع على ترك حديثه فقد كان أحمد وإسحاق والحميدي يحتجون به وقد حمل على أن مراد ابن منده بالإجماع إجماع من خرج الصحيح وهو كذلك‏.‏

قال ابن أبي حاتم‏:‏ سألت أبي عنه فوهنه ولم يقو إسناده‏.‏ وقال الترمذي في كتاب العلل‏:‏ إنه سأل البخاري عن هذا الحديث فقال‏:‏ هو حديث حسن إلا أن إبراهيم بن محمد بن طلحة هو قديم لا أدري سمع منه ابن عقيل أم لا‏.‏

وهذه علة للحديث أخرى ويجاب على البخاري بأن إبراهيم بن محمد بن طلحة مات سنة عشر ومائة فيما قاله أبو عبيد القاسم بن سلام وعلي بن المديني وخليفة بن خياط وهو تابعي سمع عبد اللَّه بن عمرو بن العاص وأبا هريرة وعائشة وابن عقيل سمع عبد اللَّه بن عمر وجابر بن عبد اللَّه وأنس بن مالك والربيع بنت معوذ فكيف ينكر سماعه من إبراهيم بن محمد بن طلحة لقدمه وأين ابن طلحة من هؤلاء في القدم وهم نظراء شيوخه في الصحبة وقريب منهم في الطبقة فينظر في صحة هذا عن البخاري‏.‏

وقال الخطابي‏:‏ قد ترك العلماء القول بهذا الحديث وأما ابن حزم فإنه رد هذا الحديث بأنواع من الرد ولم يعلله بابن عقيل بل عللّه بالانقطاع بين ابن جريج وابن عقيل وزعم أن ابن جريج لم يسمعه من ابن عقيل وبينهما النعمان بن راشد قال وهو ضعيف‏.‏ ورواه أيضًا عن ابن عقيل شريك وزهير بن محمد وكلاهما ضعيف‏.‏

وقال أيضًا‏:‏ عمر بن طلحة الذي رواه إبراهيم بن محمد بن طلحة عنه غير مخلوق لا يعرف لطلحة ابن اسمه عمر‏.‏

وقد رد ابن سيد الناس ما قاله قال‏:‏ أما الانقطاع بين ابن جريج وابن عقيل فقد روي من طريق زهير بن محمد عن ابن عقيل وأما تضعيفه لزهير هذا فقد أخرج له الشيخان محتجين به في صحيحيهما‏.‏ وقال أحمد‏:‏ مستقيم الحديث وقال أبو حاتم‏:‏ محله الصدق وفي حفظه شيء وحديثه بالشام أنكر من حديثه بالعراق وقال البخاري في تاريخه الصغير‏:‏ ما روي عنه أهل الشام فإنه مناكير وما روي عنه أهل البصرة فإنه صحيح‏.‏ وقال عثمان الدارمي‏:‏ ثقة صدوق وله أغاليط وقال يحيى‏:‏ ثقة وقال ابن عدي‏:‏ وأهل الشام حيث رووا عنه أخطئوا عليه وأما حديثه ههنا فمن رواية أبي عامر العقدي عنه وهو بصري فهذا من حديث أهل العراق وأما عمر بن طلحة الذي ذكره فلم يسق الحديث من طريقه بل من طريق عمران بن طلحة وقد نبه الترمذي على أنه لم يقل في هذا الإسناد أحد من الرواة إلا ابن جريج وأن غيره يقول عمران وهو الصواب‏.‏ وأما شريك الذي ضعفه أيضًا فرواه ابن ماجه عن ابن عقيل من طريقه وشريك مخرج له في الصحيح‏.‏

ومن جملة علل الحديث ما نقله أبو داود عن أحمد أنه قال‏:‏ إن في الباب حديثين وثالثًا في النفس منه شيء ثم فسر أبو داود الثالث بأنه حديث حمنة ويجاب عن ذلك بأن الترمذي قد نقل عن أحمد تصحيحه نصًا وهو أولى مما ذكره أبو داود لأنه لم ينقل التعيين عن أحمد وإنما هو شيء وقع له ففسر به كلام أحمد وعلى فرض أنه من كلام أحمد فيمكن أن يكون قد كان في نفسه من الحديث شيء ثم ظهرت له صحته‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أنعت لك الكرسف‏)‏ أي أصف لك القطن‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فتلجمي‏)‏ قال في الصحاح والقاموس اللجام ما تشد به الحائض قال الخليل‏:‏ معناه افعلي فعلًا يمنع سيلان الدم واسترساله كما يمنع اللجام استرسال الدابة‏.‏

وأما الاستثفار فهو أن تشد فرجها بخرقة عريضة توثق طرفيها في حقب تشده في وسطها بعد أن تحتشي كرسفًا فيمنع ذلك الدم‏.‏

وقوله‏:‏ا ‏(‏إنما أثج ثجًا‏)‏ الثج السيلان وقد استعمل في الحلب في الإناء يقال حلب فيه ثجًا واستعمل مجازًا في الكلام يقال للمتكلم مثجاج بكسر الميم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ركضة من ركضات الشيطان‏)‏ أصل الركض الضرب بالرجل والإصابة بها وكأنه أراد الإضرار بالمرأة والأذى بمعنى أن الشيطان وجد بذلك سبيلًا إلى التلبيس عليها في أمر دينها وطهرها وصلاتها حتى أنساها بذلك عادتها فصار في التقدير كأنه ركض بآلة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فتحيضي‏)‏ بفتح التاء الفوقية والحاء المهملة والياء المشددة أي اجعلي نفسك حائضًا‏.‏

والحديث استدل به من قال إنها ترجع المستحاضة إلى الغالب من عادة النساء ولكنه كما عرفت مداره على ابن عقيل وليس بحجة ولو كان حجة لأمكن الجمع بينه وبين الأحاديث القاضية بالرجوع إلى عادة نفسها والقاضية بالرجوع إلى التمييز بصفات الدم وذلك بأن يحمل هذا الحديث على عدم معرفتها لعادتها وعدم إمكان التمييز بصفات الدم‏.‏

واستدل به أيضًا من قال إنها تجمع بين الصلاتين بغسل واحد وإليه ذهب ابن عباس وعطاء والنخعي روى ذلك عنهم ابن سيد الناس في شرح الترمذي‏.‏ قال ابن العربي‏:‏ والحديث في ذلك صحيح فينبغي أن يكون مستحبًا انتهى‏.‏

وعلى فرض صحة الحديث فهذا جمع حسن لأنه صلى اللَّه عليه وآله وسلم علق الغسل بقوتها فيكون ذلك قرينة دالة على عدم الوجوب‏.‏ وكذا قوله‏:‏ في الحديث أيهما فعلت أجزأ عنك‏.‏

قال المصنف رحمه اللَّه‏:‏ فيه أن الغسل ككل صلاة لا يجب بل يجزئها الغسل لحيضها الذي تجلسه وأن الجمع للمرض جائز وأن جمع الفريضتين لها بطهارة واحدة جائز وأن تعيين العدد من الستة والسبعة باجتهادها لا بتشهيها لقوله‏:‏ صلى اللَّه عليه وآله وسلم ‏(‏حتى إذا رأيت أن قد طهرت واستنقيت‏)‏ انتهى‏.‏

 

باب الصفرة والكدرة بعد العادة

1- عن أم عطية قالت‏:‏ ‏(‏كنا لا نعد الصفرة والكدرة بعد الطهر شيئًا‏)‏‏.‏

رواه أبو داود والبخاري ولم يذكر بعد الطهر‏.‏

الحديث أخرجه أيضًا الحاكم وأخرجه الإسماعيلي في مستخرجه بلفظ‏:‏ ‏(‏كنا لا نعد الكدرة والصفرة شيئًا‏)‏ يعني في الحيض وللدارمي بعد الغسل‏.‏ قال الحافظ‏:‏ ووقع في النهاية والوسيط زيادة في هذا وراء العادة وهي زيادة باطلة‏.‏

وأما ما روي من حديث عائشة بلفظ‏:‏ ‏(‏كنا لا نعد الصفرة والكدرة حيضًا‏)‏ فقال النووي في شرح المهذب‏:‏ لا أعلم من رواه بهذا اللفظ‏.‏

والحديث يدل على أن الصفرة والكدرة بعد الطهر ليستا من الحيض وأما في وقت الحيض فهما حيض وقد نسب القول بذلك في البحر إلى زيد بن علي والهادي والمؤيد باللَّه وأبي طالب وأبي حنيفة ومحمد ومالك والليث والعنبري‏.‏

وفي رواية عن القاسم وعن الناصر وعن الشافعي قال في البحر مستدلًا لهم‏:‏ إذ هو أذى ولقوله‏:‏ تعالى ‏{‏حتى يطهرن‏}‏ ولقوله‏:‏ صلى اللَّه عليه وآله وسلم لحمنة ‏(‏إذا رأيت أنك قد طهرت واستنقيت فصلي‏)‏ وفي رواية عن القاسم ليس حيضًا إذا توسطه الأسود لحديث‏:‏ ‏(‏إذا رأيت الدم الأسود فأمسكي عن الصلاة حتى إذا كان الصفرة فتوضئي وصلي‏)‏ ولحديث الباب‏.‏ وعورضا بقوله‏:‏ صلى اللَّه عليه وآله وسلم لعائشة ‏(‏لا تصلي حتى تري القصة البيضاء‏)‏ وقوله‏:‏ا ‏(‏كنا نعد الكدرة والصفرة في أيام الحيض حيضًا‏)‏ ولكونهما أذى خرج من الرحم فأشبه الدم‏.‏ وفي رواية عن الناصر والشافعي وهو مروي عن أبي يوسف أنهما حيض بعد الدم لأنهما من آثاره لا قبله ورد بأن الفرق تحكم وفي رواية عن الشافعي إن رأتهما في العادة فحيض وإلا فلا هذا حاصل ما في البحر‏.‏

وحديث الباب إن كان له حكم الرفع كما قال البخاري وغيره من أئمة الحديث أن المراد كنا في زمانه صلى اللَّه عليه وآله وسلم مع علمه فيكون تقريرًا منه ويدل بمنطوقه أنه لا حكم للكدرة والصفرة بعد الطهر وبمفهومه أنهما وقت الحيض حيض كما ذهب إليه الجمهور‏.‏

2- وعن عائشة رضي اللَّه عنها‏:‏ ‏(‏أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال في المرأة التي ترى ما يريبها بعد الطهر إنما هو عرق أو قال عروق‏)‏‏.‏

رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه‏.‏

الحديث إسناده في سنن ابن ماجه هكذا حدثنا محمد بن يحيى عن عبيد اللَّه بن موسى عن شيبان عن يحيى ابن أبي كثير عن أبي سلمة عن أم بكر عن عائشة وأم بكر لا يعرف حالها وبقية الإسناد ثقات‏.‏ والحديث حسنه المنذري وهو من الأدلة الدالة على عدم الاعتبار بما ترى المرأة بعد الطهر وقد تقدم الخلاف فيه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يريبها‏)‏ بفتح الياء أي شك فيه هل هو حيض أم لا يقال رابني الشيء يريبني إذا شككت فيه‏.‏

 

باب وضوء المستحاضة لكل صلاة

1 - عن عدي بن ثابت عن أبيه عن جده‏:‏ ‏(‏عن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال في المستحاضة‏:‏ تدع الصلاة أيام أقرائها ثم تغتسل وتتوضأ عند كل صلاة وتصوم وتصلي‏)‏‏.‏

رواه أبو داود وابن ماجه والترمذي وقال‏:‏ حسن‏.‏

الحديث لم يحسنه الترمذي كما ذكره المصنف بل سكت عنه‏.‏

قال ابن سيد الناس في شرحه‏:‏ وسكت الترمذي عن هذا الحديث فلم يحكم بشيء وليس من باب الصحيح ولا ينبغي أن يكون من باب الحسن لضعف راويه عن عدي بن ثابت وهو أبو اليقظان واسمه عثمان بن عمير بن قيس الكوفي وهو الذي يقال له عثمان ابن أبي حميد وعثمان ابن أبي زرعة وعثمان أبو اليقظان واعشي ثقيف كله واحد‏.‏

قال يحيى بن معين‏:‏ ليس حديثه بشيء وقال أبو حاتم‏:‏ ترك ابن مهدي حديثه وقال أبو حاتم أيضًا‏:‏ إنه ضعيف الحديث منكر الحديث كان شعبة لا يرضاه‏.‏

وقال أبو أحمد الحاكم‏:‏ ليس بالقوي عندهم ولم يرضه يحيى بن سعيد وقال النسائي‏:‏ ليس بالقوي وقال الدارقطني‏:‏ ضعيف وقال ابن حبان‏:‏ اختلط حتى لا يدري ما يقول لا يجوز الاحتجاج به‏.‏

قال الترمذي‏:‏ سألت محمدًا يعني البخاري عن هذا الحديث فقلت‏:‏ عدي بن ثابت عن أبيه عن جده جد عدي بن ثابت ما اسمه فلم يعرف محمدًا اسمه وذكرت لمحمد قول يحيى بن معين أن اسمه دينار فلم يعبأ به وقال الدمياطي في عدي المذكور‏:‏ هو عدي بن أبان بن ثابت بن قيس بن الحطيم الأنصاري ووهم من قال اسم جده دينار وعدي هذا من الثقات المخرج لهم في الصحيح وثقه أحمد بن حنبل‏.‏ وقال أبو حاتم‏:‏ صدوق‏.‏

وقال أبو داود في سننه‏:‏ حديث عدي بن ثابت والأعمش عن حبيب وأيوب وأبي العلاء كلها لا يصح منها شيء وذكر في آخر الباب الإشارة إلى صحة حديث قمير عن عائشة ومداره على أيوب بن مسكين وفيه خلاف وقد اضطرب أيضًا فرواه عن ابن شبرمة عنها مرفوعًا وعن حجاج عنها موقوفًا‏.‏ وكذلك رواه الثوري عن فراس عن الشعبي عن قمير موقوفًا ذكره المزي في الأطراف‏.‏

والحديث يدل على أن المستحاضة تغتسل لكل صلاة وقد تقدم الكلام على ذلك‏.‏

ويدل أيضًا أنها تتوضأ عند كل صلاة وقد ذهب إلى ذلك الشافعي وحكي عن عروة بن الزبير وسفيان الثوري وأحمد وأبي ثور واستدلوا بحديث الباب وبالحديث الذي سيأتي بعده وبما ثبت في رواية للبخاري بلفظ‏:‏ ‏(‏وتوضأ لكل صلاة‏)‏ وغير ذلك‏.‏

وذهبت العترة وأبو حنيفة إلى أن طهارتها مقدرة بالوقت فلها أن تجمع بين فريضتين وما شاءت من النوافل بوضوء واحد‏.‏

واستدل لهم في البحر بحديث فاطمة بنت أبي حبيش وفيه‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال لها‏:‏ وتوضئي لوقت كل صلاة‏)‏‏.‏

وستعرف قريبًا أن الرواية لكل صلاة لا لوقت كل صلاة كما زعمه ـ فإن قيل ـ إن الكلام على حذف مضاف والمراد لوقت كل صلاة فيجاب بما قاله في الفتح من أنه مجاز يحتاج إلى دليل فالحق أنه يجب عليها الوضوء لكل صلاة لكن لا بهذا الحديث بل بحديث فاطمة الآتي وبما في حديث أسماء بلفظ‏:‏ ‏(‏وتتوضأ فيما بين ذلك‏)‏ وقد تقدم وبما ثبت في رواية البخاري من حديث عائشة وقد تقدم وسيأتي‏.‏

2- وعن عائشة قالت‏:‏ ‏(‏جاءت فاطمة بنت أبي حبيش إلى النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم فقالت‏:‏ إني امرأة أُستحاض فلا أطهر أفأدع الصلاة فقال لها‏:‏ لا اجتنبي الصلاة أيام محيضك ثم اغتسلي وتوضئي لكل صلاة ثم صلي وإن قطر الدم على الحصير‏)‏‏.‏

رواه أحمد وابن ماجه‏.‏

الحديث أخرجه أيضًا الترمذي وأبو داود والنسائي وابن حبان ورواه مسلم في الصحيح بدون قوله‏:‏ ‏(‏وتوضئي لكل صلاة‏)‏ وقال في آخره حرف تركنا ذكره قال البيهقي‏:‏ هو قوله‏:‏ ‏(‏وتوضئي‏)‏ وتركها لأنها زيادة غير محفوظة وقد روى هذه الزيادة من تقدم‏.‏ وكذا رواها الدارمي والطحاوي وأخرجها أيضًا البخاري وقد أعل الحديث بأن حبيبًا لم يسمع من عروة بن الزبير وإنما سمع من عروة المزني فإن كان عروة المذكور في الإسناد عروة بن الزبير كما صرح بذلك ابن ماجه وغيره فالإسناد منقطع لأن حبيب ابن أبي ثابت مدلس وإن كان عروة هو المزني فهو مجهول‏.‏

وفي الباب عن جابر رواه أبو يعلى بإسناد ضعيف والبيهقي وعن سودة بنت زمعة رواه الطبراني‏.‏

والحديث يدل على وجوب الوضوء لكل صلاة وقد تقدم الكلام فيه‏.‏ ويدل على أن الغسل لا يجب إلا مرة واحدة عند انقضاء الحيض وكذلك الحديث الذي قبله يدل على ذلك وقد تقدم البحث فيه في مواضع‏.‏

 باب تحريم وطء الحائض في الفرج وما يباح منها

1- عن أنس بن مالك‏:‏ ‏(‏أن اليهود كانوا إذا حاضت المرأة منهم لم يواكلوها ولم يجامعوها في البيوت فسأل أصحاب النبي النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم فأنزل اللَّه عز وجل ‏{‏ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض‏}‏ إلى آخر الآية فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏:‏ اصنعوا كل شيء إلا النكاح‏)‏ وفي لفظ‏:‏ ‏(‏إلا الجماع‏)‏‏.‏

رواه الجماعة إلا البخاري‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فسأل‏)‏ السائل عن ذلك أسيد بن الحضير وعباد بن بشر‏.‏ وقيل إن السائل عن ذلك هو أبو الدحداح قاله الواقدي والصواب الأول كما في الصحيح‏.‏

والحديث يدل على حكمين‏:‏ تحريم النكاح وجواز ما سواه‏.‏

‏(‏أما الأول‏)‏ فبإجماع المسلمين وبنص القرآن العزيز والسنة الصريحة ومستحله كافر وغير المستحل إن كان ناسيًا أو جاهلًا لوجود الحيض أو جاهلًا لتحريمه أو مكرهًا فلا إثم عليه ولا كفارة وإن وطئها عامدًا عالمًا بالحيض والتحريم مختارًا فقد ارتكب معصية كبيرة نص على كبرها الشافعي ويجب عليه التوبة وسيأتي الخلاف في وجوب الكفارة‏.‏

‏(‏وأما الثاني‏)‏ أعني جواز ما سواه فهو قسمان القسم الأول المباشرة فيما فوق السرة وتحت الركبة بالذكر أو القبلة أو المعانقة أو اللمس أو غير ذلك وذلك حلال باتفاق العلماء وقد نقل الإجماع على الجواز جماعة‏.‏

وقد حكي عن عبيدة السلماني وغيره أنه لا يباشر شيئًا منها بشيء منه وهو كما قال النووي غير معروف ولا مقبول ولو صح لكان مردود بالأحاديث الصحيحة وبإجماع المسلمين قبل المخالف وبعده‏.‏ القسم الثاني فيما بين السرة والركبة في غير القبل والدبر وفيها ثلاثة وجوه لأصحاب الشافعي الأشهر منها التحريم‏.‏ والثاني عدم التحريم مع الكراهة‏.‏ والثالث إن كان المباشر يضبط نفسه عن الفرج إما شدة ورع أو لضعف شهوة جاز وإلا لم يجز وقد ذهب إلى الوجه الأول مالك وأبو حنيفة وهو قول أكثر العلماء منهم سعيد بن المسيب وشريح وطاوس وعطاء وسليمان بن يسار وقتادة وممن ذهب إلى الجواز عكرمة ومجاهد والشعبي والنخعي والحاكم والثوري والأوزاعي وأحمد بن حنبل ومحمد بن الحسن وأصبغ وإسحاق بن راهويه وأبو ثور وابن المنذر وداود‏.‏

وحديث الباب يدل على الجواز لتصريحه بتحليل كل شيء مما عدا النكاح فالقول بالتحريم سدًا للذريعة لما كان الحوم حول الحمى مظنة للوقوع فيه لما ثبت في الصحيحين من حديث النعمان بن بشير مرفوعًا بلفظ‏:‏ ‏(‏من وقع الحمى يوشك أن يواقعه‏)‏ وله ألفاظ عندهما وعند غيرهما ويشير إلى هذا حديث ‏(‏لك ما فوق الإزار‏)‏ وحديث عائشة الآتي لما فيه من الأمر للمباشرة بأن تأتزر‏.‏ وقوله‏:‏ا في رواية لهما ‏(‏وأيكم يملك إربه كما كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم يملك إربه‏)‏‏.‏

2- وعن عكرمة عن بعض أزواج النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم كان إذا أراد من الحائض شيئًا ألقى على فرجها شيئًا‏)‏‏.‏

رواه أبو داود‏.‏

3- وعن مسروق بن أجدع قال‏:‏ ‏(‏سألت عائشة رضي اللَّه عنها ما للرجل من امرأته إذا كانت حائضًا قالت‏:‏ كل شيء إلا الفرج‏)‏‏.‏

رواه البخاري في تاريخه‏.‏

4- وعن حزام بن حكيم عن عمه‏:‏ ‏(‏أنه سأل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏:‏ ما يحل لي من امرأتي وهي حائض قال‏:‏ لك ما فوق الإزار‏)‏‏.‏

رواه أبو داود قلت عمه هو عبد اللَّه بن سعد‏.‏

حديث عكرمة إسناده في سنن أبي داود هكذا حدثنا موسى بن إسماعيل عن حماد ابن سلمة عن أيوب عن عكرمة فذكره ورجال إسناده ثقات محتج بهم في الصحيح وقد سكت عنه أبو داود والمنذري وقد قال ابن الصلاح والنووي وغيرهما‏:‏ إنه يجوز الاحتجاج بما سكت عنه أبو داود وصرح أبو داود في نفسه أنه لا يسكت إلا عن الحديث الصالح للاحتجاج ويشهد له حديث الأمر بالإتزار وحديث ‏(‏لك ما فوق الإزار‏)‏ وأما حديث مسروق عن عائشة فهو مثل حديث أنس بن مالك السابق المتفق عليه‏.‏ وأما حديث حزام بن حكيم فأورده الحافظ في التلخيص ولم يتكلم عليه وإسناده في سنن أبي داود فيه صدوقان وبقيته ثقات‏.‏

وقد روى أبو داود من حديث معاذ بن جبل نحوه وقال‏:‏ ليس بالقوي وفي إسناده بقية عن سعيد بن عبد اللَّه الأغطش‏.‏ ورواه الطبراني من رواية إسماعيل بن عياش عن سعيد بن عبد اللَّه الخزاعي فإن كان هو الأغطش فقد توبع بقية وبقيت جهالة حال سعيد‏.‏ قال الحافظ‏:‏ لا نعرف أحدًا وثقه وأيضًا عبد الرحمن بن عائذ راويه عن معاذ قال أبو حاتم‏:‏ روايته عن علي مرسلة وإذا كان كذلك فعن معاذ أشد إرسالًا‏.‏

والحديث الأول يدل على جواز الاستمتاع من غير تخصيص بمحل دون محل من سائر البدن غير الفرج لكن مع وضع شيء على الفرج يكون حائلًا بينه وبين ما يتصل به من الرجل‏.‏

والحديث الثاني يدل على جواز الاستمتاع بما عدا الفرج‏.‏

والحديث الثالث يدل على جواز الاستمتاع بما فوق الإزار من الحائض وعدم جوازه بما عداه فمن أجاز التخصيص بمثل هذا المفهوم خصص به عموم كل شيء المذكور في حديث أنس وعائشة ومن لم يجوز التخصيص به فهو لا يعارض المنطوق الدال على الجواز والخلاف في جوازه وعدمه قد سبق في أول الباب‏.‏

5- وعن عائشة‏:‏ ‏(‏قالت كانت إحدانا إذا كانت حائضًا فأراد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم أن يباشرها أمرها أن تأتزر بإزار في فور حيضتها ثم يباشرها‏)‏‏.‏

متفق عليه قال الخطابي‏:‏ فور الحيض أوله ومعظمه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أن يباشرها‏)‏ المراد بالمباشرة هنا التقاء البشرتين لا الجماع‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أن تأتزر‏)‏ في رواية للبخاري ‏(‏تتزر‏)‏ قال في الفتح‏:‏ والأولى أفصح‏.‏ والمراد بالإتزار أن تشد إزارًا تستر سرتها وما تحتها والركبة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏في فور حيضتها‏)‏ هو بفتح الفاء وإسكان الواو‏.‏ ومعناه كما قال الخطابي كما ذكره المصنف‏.‏ وقال القرطبي‏:‏ وفور الحيضة معظم صبها من فوران القدر وغليانها والكلام على فقه الحديث قد تقدم‏.‏

 باب كفارة من أتى حائضًا

1- عن ابن عباس‏:‏ ‏(‏عن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم في الذي يأتي امرأته وهي حائض يتصدق بدينار أو بنصف دينار‏)‏‏.‏

رواه الخمسة وقال أبو داود‏:‏ هكذا الرواية الصحيحة قال دينار أو نصف دينار‏.‏ وفي لفظ للترمذي‏:‏ ‏(‏إذا كان دمًا أحمر فدينار وإن كان دمًا أصفر فنصف دينار‏)‏‏.‏

وفي رواية لأحمد‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم جعل في الحائض تصاب دينارًا فإن أصابها وقد أدبر الدم عنها ولم تغتسل فنصف دينار كل ذلك عن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏.‏

الرواية الأولى رواها أيضًا الدارقطني وابن الجارود وكل رواتها مخرج لهم في الصحيح إلا مقسمًا الراوي عن ابن عباس فانفرد به البخاري لكن ما أخرج له إلا حديثًا واحدًا‏.‏

وقد صحح حديث الباب الحاكم وابن القطان وابن دقيق العيد‏.‏

وقال أحمد‏:‏ ما أحسن حديث عبد الحميد عن مقسم عن ابن عباس فقيل‏:‏ تذهب إليه فقال‏:‏ نعم‏.‏ وقال أبو داود‏:‏ وهي الرواية الصحيحة وربما لم يرفعه شعبة‏.‏ وقال قاسم بن أصبغ‏:‏ رفعه غندر قال الحافظ‏:‏ والاضطراب في إسناد هذا الحديث ومتنه كثير جدًا ويجاب عنه بما ذكره أبو الحسن بن القطان وهو ممن قال بصحة الحديث أن الإعلال بالاضطراب خطأ‏.‏ والصواب أن ينظر إلى رواية كل راو بحسبها‏.‏ ويعلم ما خرج عنه فيها‏.‏ فإن صح من طريق قبل ولا يضره أن يروى من طرق أخر ضعيفة‏.‏ فهم إذا قالوا روي فيه بدينار وروي بنصف دينار‏.‏ وروي باعتبار صفات الدم‏.‏ وروي دون اعتبارها‏.‏ وروي باعتبار أول الحيض وآخره‏.‏ وروي دون ذلك‏.‏ وروي بخمسي دينار‏.‏ وروي بعتق نسمة‏.‏ وهذا عند التدين والتحقيق لا يضره‏.‏ ثم أخذ في تصحيح حديث عبد الحميد‏.‏ وأكثر أهل العلم زعموا أن هذا الحديث مرسل أو موقوف على ابن عباس‏.‏

قال الخطابي‏:‏ والأصح أنه متصل مرفوع لكن الذمم بريئة إلا أن تقوم الحجة بشغلها‏.‏ ويجاب عن دعوى الاختلاف في رفعه ووقفه بأن يحيى بن سعيد ومحمد بن جعفر وابن أبي عدي رفعوه عن شعبة وكذلك وهب بن جرير وسعيد بن عامر والنضر بن شميل وعبد الوهاب بن عطاء الخفاف‏.‏

قال ابن سيد الناس‏:‏ من رفعه عن شعبة أجل وأكثر وأحفظ ممن وقفه‏.‏ وأما قول شعبة أسنده إلى الحكم مرة ووقفه مرة فقد أخبر عن المرفوع والموقوف أن كلًا عنده ثم لو تساوى رافعوه مع واقفيه لم يكن في ذلك ما يقدح فيه‏.‏

قال أبو بكر الخطيب‏:‏ اختلاف الروايتين في الرفع والوقف لا يؤثر في الحديث ضعفًا وهو مذهب أهل الأصول لأن إحدى الروايتين ليست مكذبة للأخرى والأخذ بالمرفوع أخذ بالزيادة وهي واجبة القبول‏.‏

قال الحافظ‏:‏ وقد أمعن ابن القطان القول في تصحيح هذا الحديث والجواب عن طرق الطعن فيه بما يراجع منه‏.‏ وأقر ابن دقيق العيد تصحيح ابن القطان وقواه في الإمام وهو الصواب فكم من حديث قد احتجوا به فيه من الاختلاف أكثر مما في هذا كحديث بئر بضاعة وحديث القلتين ونحوهما‏.‏

وفي ذلك ما يرد على النووي في دعواه في شرح المهذب والتنقيح والخلاصة أن الأئمة كلهم خالفوا الحاكم في تصحيحه وأن الحق أنه ضعيف باتفاقهم وتبع النووي في بعض ذلك ابن الصلاح‏.‏

وأما الرواية الثانية من حديث الباب فأخرجها مع الترمذي البيهقي والطبراني والدارقطني وأبو يعلى والدارمي بعضهم من طريق سفيان عن خصيف وعلي بن بذيمة وعبد الكريم ثلاثتهم عن مقسم وبعضهم من طريق أبي جعفر الرازي عن عبد الكريم عن مقسم وخصيف فيه مقال وعبد الكريم مختلف فيه وقيل مجمع على تركه وعلي بن بذيمة فيه أيضًا مقال‏.‏

وأما الرواية الثالثة من حديث الباب فقد أخرج نحوها البيهقي من حديث ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس‏.‏

والحديث يدل على وجوب الكفارة على من وطئ امرأته وهي حائض وإلى ذلك ذهب ابن عباس والحسن البصري وسعيد بن جبير وقتادة والأوزاعي وإسحاق وأحمد في الرواية الثانية عنه والشافعي في قوله‏:‏ القديم واختلف هؤلاء في الكفارة فقال الحسن وسعيد‏:‏ عتق رقبة وقال الباقون‏:‏ دينار أو نصف دينار على اختلاف منهم في الحال الذي يجب فيه الدينار أو نصف الدينار بحسب اختلاف الروايات واحتجوا بحديث الباب‏.‏

وقال عطاء وابن أبي مليكة والشعبي والنخعي ومكحول والزهري وأبو الزناد وربيعة وحماد ابن أبي سليمان وأيوب السختياني وسفيان الثوري والليث بن سعد ومالك وأبو حنيفة وهو الأصح عن الشافعي وأحمد في إحدى الروايتين وجماهير من السلف‏:‏ إنه لا كفارة عليه بل الواجب الاستغفار والتوبة وأجابوا عن الحديث بما سبق من المطاعن‏.‏ قالوا‏:‏ والأصل البراءة فلا ينتقل عنها إلا بحجة وقد عرفت انتهاض الرواية الأولى من حديث الباب فالمصير إليها متحتم وعرفت بما أسلفناه صلاحيتها للحجية وسقوط الإعتلالات الواردة عليها‏.‏

قال المصنف بعد أن ساق الحديث‏:‏ وفيه تنبيه على تحريم الوطء قبل الغسل انتهى ‏[‏قال أبو بكر الجصاص‏:‏ وقد تنازع أهل العلم في قوله‏:‏ تعالى ‏{‏ولا تقربوهن حتى يطهرن فإذا تطهرن فأتوهن‏}‏ فمن الناس من يقول أن انقطاع الدم يوجب إباحة وطئها ولم يفرقوا في ذلك بين أقل الحيض وأكثره ومنهم من لا يجوز وطئها إلا بعد الاغتسال في أقل الحيض وأكثره وهو مذهب الشافعي وقال أصحابنا إذا انقطع دمها وأيامها دون العشرة فهي في حكم الحائض حتى تغتسل إذا كانت واجدة للماء أو يمضي عليها وقت الصلاة فإذا كان أحد هذين خرجت من الحيض وحل زوجها وطؤها‏.‏ وإن كانت أيامها عشرة ارتفع حكم الحيض بمضي العشرة وتكون حينئذ بمنزلة امرأة جنب في إباحة وطء الزوج‏.‏

واحتج من أباح وطئها في سائر الأحوال قبل الاغتسال بقوله‏:‏ تعالى ‏{‏ولا تقربوهن حتى يطهرن‏}‏ وحتى غاية تقتضي أن يكون حكم ما بعدها بخلافها فذلك عموم في إباحة وطئها بانقطاع الدم واحتج من حظر وطئها في كل حال حتى تغتسل بقوله‏:‏ ‏{‏فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم اللَّه‏}‏ فشرط في إباحته شيئين أحدهما انقطاع الدم والآخر الاغتسال لأن قوله‏:‏ ‏(‏فإذا تطهرن‏)‏ لا يحتمل غير الاغتسال ثم قال‏:‏ قال أبو بكر‏:‏ قوله‏:‏ تعالى ‏{‏حتى يطهرن‏}‏ إذا قرئ بالتخفيف فإنما هو انقطاع الدم لا الاغتسال لأنها لو اغتسلت وهي حائض لم تطهر فلا يحتمل قوله‏:‏ ‏{‏حتى يطهرن‏}‏ إلا معنىً واحدًا وهو انقطاع الدم الذي به يكون الخروج من الحيض وإذا قرئ بالتشديد احتمل الأمرين من انقطاع الدم ومن الغسل لما وصفنا آنفًا فصارت قراءة التخفيف محكمة وقراءة التشديد متشابهة وحكم المتشابه أن يحمل على المحكم ويرد إليه فحصل معنى القراءتين على وجه واحد وظاهرهما يقتضي إباحة الوطء بانقطاع الدم اهـ‏.‏

أقول‏:‏ وليس في السنة ما يدل صريحًا على حرمة الوطء حتى تغتسل فيبقى الأمر على ما قال أبو بكر الجصاص واللَّه أعلم‏]‏‏.‏