فصل: فصل: مشتمل على ما إذا تهوّد النصرانيّ، أو تنصّر اليهوديّ، أو فُرض انتقالُ آخر من كفر إلى كفر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: نهاية المطلب في دراية المذهب



.فصل: مشتمل على ما إذا تهوّد النصرانيّ، أو تنصّر اليهوديّ، أو فُرض انتقالُ آخر من كفر إلى كفر:

8056- فنقول: الوثني إذا تهوّد، أو تنصّر، لم يستفد بما تعلّق به أمراً أصلاً، وهو على ما كان عليه من توثّنه؛ وعلتُه أن من لا عصمة له ديناً، لا يستفيد بعد نزول القرآن عصمة، إلا بالتزام الإسلام، وهو موجب قولنا في الفصل السابق؛ إذ قلنا: من تهوّد بعد مبعث المصطفى، لم يناكَح، ولم تحلّ ذبيحته، وكما لا يستفيد كما ذكرناه الآن، لا يستفيد التقريرَ بالجزية على ما اختاره. هذا متفق عليه بين الأصحاب.
8057- ولو تهوّد النصرانى، أو تنصّر اليهوديّ؛ ففي المسألة قولان مشهوران:
أحدهما- إنه يُقرّ على الدين الذي انتقل إليه.
والثاني: إنه لا يُقر عليه.
توجيه القولين: من قال: لا يقرّ المنتقل على الدين الذي انتقل إليه، احتج بأن هذا استحداث دين بعد ابتعاث محمد صلى الله عليه وسلم، فلا يقبل، وحكم رده ألا يقر عليه بوجهٍ.
ومن قال: إنه يقر، احتج بأن التنصّر والتهوّد جميعاً باطلان، وهما في جميع الأحكام متساويان في ديننا؛ فلا أثر للانتقال بعد استواء الدينين في المقتضى، وإنما نُنْكِر استفادة عصمةٍ لم تكن، كما لو تهوّد وثني، وهذا المعنى غير متحقق في تهوّد النصراني وتنصّر اليهودي.
التفريع على القولين:
8058- إن حكمنا بأنه يقر على ما انتقل إليه، فنجعل الذي تنصّر وكان يهودياً، كمن لم يزل نصرانيّاً، وكذلك عكسه، وحظ النكاح منه أن هذه تنكح، ولو تنصرت يهودية تحت مسلم، فلا أثر لما جرى منها.
8059- وإن قلنا: لا يقر المنتقل على دينه الذي انتقل إليه، فماذا يُصنع به؟ القول في ذلك يتعلق بفصلين:
أحدهما: في بيان ما يطالب به، وفيه قولان:
أحدهما: أنه لا نقنع منه بشيء غير الإسلام؛ فإنه بدّل ما كان عليه، ولسنا نُقره على ما انتقل إليه، فلا عاصم إلا الإسلام، وهذا أصح القولين.
والقول الثاني- إنه لو عاد إلى الدين الذي كان عليه، أزلنا الاعتراض عنه، ونجعل كأن الانتقال الذي جرى منه لم يكن أصلاً.
والتعبير عن هذا القول يحتاج إلى تأنق، فلا ينبغي أن يقال: هو مطالب بالإسلام أو العود إلى التهوّد؛ فإن طلبَ الكفر كفر، ولكن الوجه أن يقال: هو غير مُقرّ على التنصّر الذي انتقل إليه، ونطالبه بالإسلام، فإن عاد إلى التهود، فهل نكف عنه؟ فعلى قولين كما تقدم ذكرهما، وليس للانكفاف عنه إذا عاد إلى ما كان عليه وجه عندي؛ فإن ذلك الدين زال بتركه إياه، فعوده إليه انتقال منه إليه، ولو كنا نقرر على دين منتقل إليه، لقررناه على التنصر، هذا ما تسقط به الطَّلِبة، فإن وُفق وتمسك بالإسلام، أو بما يقطع الطلبة عنه، فذاك، وإن أبى إلا الإصرار على ما انتقل إليه، ففي المسألة قولان:
أحدهما:أنا نغتاله- إذا تبين إباؤه، ونقتله قتل المرتد، ونقطع العصمة عن دمه وماله وذريته؛ لأنه كان على عصمة، فأبطلها؛ فهو كافر، لا عصمة له.
والقول الثاني- إنه لا يُغتال، ويبلّغ مأمنه؛ فإنه كان على عهدٍ فينا، فصار كذمّيّ ينقض عهده، ويبغي اللحوق بدار الحرب.
وللقائل الأول أن ينفصل عن هذا، ويقول: الذمّي إذا أراد الالتحاق بدار الحرب لم نمنعه منه، وإذا تهوّد النصراني، فهو ممنوع عن انتقاله هذا، وهذا يناظر ما لو نقض الذمّي العهد بجناية على الإسلام، فإنا قد نقول: إنه يُقتل، كما سيأتي شرح ذلك في كتاب الجزية، إن شاء الله عز وجل.
8060- وقد بقي من مقصود الفصل حظ النكاح. فإذا قلنا: لا يقر المنتقل على ما انتقل إليه، فإن أصرت اليهودية التي تنصرت، لم ننكحها.
ولو كانت تحت مسلم، وفرضنا إصرارها؛ كانت بمثابة المسلمة ترتد تحت مسلم.
وإن قلنا: لا يقتل اليهودي إذا تنصّر، ولا يقر على التنصر، فاليهودية تحت المسلم إذا تنصّرت وأصرّت، فهي كالمرتدة، وإن كنا نبلّغها المأمن، فلا يتوقف تغير النكاح على اغتيالنا المنتقلة، فليفهم الناظر هذا.
وإن كنا نكتفي بالعود إلى ما كانت عليه، فإذا تنصرت اليهودية، وكان تنصرها كالردة؛ فعودها إلى التهود كعود المرتدة إلى الإسلام.
8061- ومما يتعلق بما نحن فيه: أن اليهودي إذا توثّن، فلا شك أنه لا يُقر، فإن الوثني الأصلي لا يقر، ثم بماذا تسقط الطَّلِبة عنه؟ ذكر الصيدلاني والعراقيون ثلاثة أقوال مقتضبة من الأصول التي ذكرناها: أحدها: أنه لا نقنع إلا بالإسلام.
والثاني: أن الطلبة تسقط عنه بالعود إلى التهود. وهذا متفرع على أن اليهودي إذا تنصر، يقنع منه بالعود إلى التهود.
والقول الثالث: إنه لو تنصر، اكتفي منه بذلك. وهذا متفرع على قولنا: إن اليهودي إذا تنصر، يقر على تنصره. وهذا القول أضعف الأقوال الثلاثة؛ فإنا وإن كنا نرى تقرير اليهودي على النصرانية- إذا انتقل إليها، فإنا لا نقر وثنياً على التنصر، ولا نثبت له عصمة النصرانية، وإذا توثن اليهودي ثم تنصّر، فهذا تنصّر عن توثّن، وبمثل هذا يضعف قول العود إلى التهود.
فصل:
قال: "فإن نكحها، فهي كالمسلمة فيما لها وعليها... إلى آخره".
8062- المسلم إذا نكح يهودية، أو نصرانية، فيثبت لها من حقوق النكاح ما يثبت للمسلمة من النفقة والكسوة، وحق القَسْم- إن كان معها ضَرَّة، وعليها من بذل الطاعة للزوج في توفية حقه من المُسْتَمْتَع ما على المسلمة. ويمنعها الزوج من البروز إلى الكنائس والبِيع، كما يمنع المسلمة من البروز إلى المساجد ومشاهد الخير، وإذا حاضت، وطهرت عن الحيض، فالزوج يُلزمها الاغتسال؛ فإن الاستحلال موقوف على الاغتسال، ويمنعها من التضمخ بالنجاسات إذا كانت تلابسها.
وذكر أئمتنا قولين في أنه هل يُلزمها الاغتسال من الجنابة؟ وإلزامُ الاغتسال عن الجنابة غير متجه. وقد ذكر العراقيون في مجامع القول في هذا الفصل تفصيلاً حسناً، فقالوا: كل ما يمنع من أصل الاستمتاع، فهي مجبرة على إزالته وتغييره. وذلك مثل أن تحيض وتطهر، فتُجبر على التطهر؛ فإنّ ترك الغسل مانع من الاستمتاع، وكذلك لو تضمخت بالنجاسة، والزوج لو لابسها، لتضمخت ثيابه؛ فهي ممنوعة من ذلك، وكذلك لو تركت الاستحداد حتى تفاحش الأمر، وبلغ مبلغاً يتعذر معه الاستمتاع؛ فيجب عليها إزالة ذلك.
فأما إذا وجد منها ما لا يمنع من أصل الاستمتاع، ولكن يمنع من كماله؛ فهل تجبر على إزالته؟ فعلى قولين، وهذا كالاستحداد- إذا لم يبلغ المبلغ الذي ذكرناه، ومثله شرب قليل الخمر الذي لا يسكر، ومنه أكل لحم الخنزير مع الغسل، لما فيه من التقذر والعيافة.
ويتصل بذلك أكل الثوم والأشياء ذوات الروائح الخبيثة، وهذا الفن والاستحداد يجري في المسألة على التفصيل الذي ذكرناه.
وهذا-وإن كان يضبطُه مقصود الفصل؛ ففيه بقية- لابد منها، وهي تقرر في الاستحداد، ثم يقاس عليه غيره.
فنقول: إذا كان ترك التنظّف والاستحداد، بحيث يؤثر في غض شهوة التوّاق، فهذا مما نقطع به في إلزام التنظف، وإن كان لا يغض شهوة التواق، ولكن قد يورث المتوسط في شهوته عيافة، فهذا محل القولين.
فأما ما يُحرّم الوقاع شرعاً، فلا شك في وجوب إزالته.
والقول في أن غسل الذمية: هل يعتد به- إذا أسلمت، وكيف سبيل الحكم بتصحيحه، ولا تصح النية من الذمية؟ مما تقرر في كتاب الطهارة.
باب الاستطاعة للحرائر وغير الاستطاعة
فصل:
قال الشافعي: "قال الله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِح الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَات} [النساء: 25]. وفي ذلك دليل أنه... إلى آخره".
8063- لا يحل للحر المسلم أن ينكح الأمة، إلا بشرطين فيه، وشرط فيها، فأما الشرطان المعتبران فيه: فخوف العنت، وفقدان طَوْل الحرة. وأما الشرط المرعي فيها، فالإسلام.
وحقيقة مذهب الشافعي ترجع إلى أن نكاح الأمة في حق الحر ينزل منزلة الرُّخَص، ونصُّ الشافعي فيما نقله المزني- دالٌّ على ذلك، وقد استدل الشافعي على هذا بقوله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ} إلى قوله تعالى: {ذَلِك لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَت} [النساء: 25]. وقد قررنا في (الأساليب) وجهَ ذلك، وإنما نذكر من مساق الأساليب-ما نذكر- المسلكَ، وئجري ضابطاً لتفصيل المذهب.
ولو وجد طَوْل حرة كتابية، فهل له أن يتزوج الأمة؟ فعلى وجهين:
أحدهما:وهو أقربهما إلى طريق المعنى- أن ليس له أن يتزوج أمة، لقدرته على طوْل حرة، والحرة الكتابية لا تنحط رتبتها في حقوق النكاح-فيما لها وعليها- عن رتبة الحرة المسلمة.
ومما يتعلق بأطراف الكلام اجتناب التسبب إلى إرقاق المولود، فإن ولد الحر من زوجته الرقيقة رقيق، وولده من الحرة الكتابية كولده من الحرة المسلمة، ونقص دين الكتابية لا يلحق المولود.
والوجه الثاني-وهو الأليق بقاعدة المذهب- أنه ينكِحُ أَمة إذا لم يجد طوْل حرة مسلمة، وإن وجد طوْل كتابية، فإن المعتمد في القاعدة تنزيل نكاح الإماء منزلة الرخص، واتخاذ مواقع النص في الكتاب قدوة النفي والإثبات، وقد قال تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَات} [النساء: 25] فقيّد بالإيمان، فدل التخصيص به على الحكم في الكوافر بخلاف ذلك، وقد يشهد لهذا قوله تعالى: {وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ} [البقرة: 221].
وقد أرسل الأصحاب مسائل هذا الفصل، ونحن نأتي بها على وجوهها، ثم ننعطف على مواقع النظر فيها.
8064- فمما ذكروه أن القادر على أن يشتري أمة ويتسراها، لا يجوز له أن ينكح أمة. هذا ما قطع به الجماهير، وفي بعض التصانيف أن المذهب هذا.
وفيه وجه آخر أن له أن ينكح أمة؛ فإن التسرّي لا يسد مسد النكاح، ولذلك لا يثبت لهن حق في القَسْم، فكأنهن مخرجات من الاعتبار، ومن كان تحته حرة، أو حرائر، وكان يملك أمة، فعكف عليها، وعطّل الحرائر؛ فلا معترض عليه من جهتهن، ويعتضد هذا الوجه-على بعده- بالآية؛ فإليها الرجوع، وليس فيها للتسري ذكر.
8065- ولو كان للرجل حرة منكوحة، وهي غائبة عنه، وهو يخاف على نفسه العنت، ولا يتوصل إلى الحرة لعائقٍ ناجز، فليس له أن ينكح أمة؛ فإن الأمة لا سبيل إلى إدخالها على نكاح حرة- إذا كان صاحب الواقعة حراً. فإن أراد التوصل إلى نكاح أمة، فليُطلّق الحرة.
8066- وكذلك لو كانت الحرة، ولكن كانت هِمَّةً هرمةً، لا يتأتى التمتع بها، فلا يجوز أن ينكح أمة، ما دامت الحرة في حِبالته. فإن أراد نكاح الأمة، فليطلّق الحرة.
8067- ولو وجد مالاً ولم يجد حرة ينكحها؛ فله أن ينكح أمة؛ فإن المال لم يعتبر في هذا الباب لنفسه، وإنما اعتبر لجهة كونه ذريعة موصِّلة إلى نكاح الحرة، فإذا كان لا يتأتى هذا، فوجود المال كعدمه.
8068- ومما ذكره الأصحاب: أنه لو لم يجد الرجل حرة، ولكن لو سافر، لوجد حرة، قال الأصحاب: إن كان يناله مشقة ظاهرة في المسير إليها؛ فلا نكلفه ذلك، وله أن ينكح أمة، وإن كان لا يناله مشقة معتبرة، فلا ينكح أمة؛ فإن اراد النكاح، قصد الحرة.
8069- ولو كان للحر مال غائب، وهو لا يتوصل إليه إلا بعد زمان متطاول، والحاجة ماسة، والعنت غير مأمون، فله أن ينكح أمة، وليس وجود المال بمثابة وجود الحرة في حِبالته؛ فإن الحرة يتأتى تطليقها، والمال الكائن في ملكه لا نكلفه قطع ملكه عنه. وقد تعسر فرض طريق شرعي.
8070- ومن قواعد الفصل: أنه لو لم يجد طَوْل حرة، ولكنه صادف حرة تسمح ببعض المهر، أو ترضى بمقدار من المهر؛ فلو ثقلت عليه المِنّة، فهل له أن ينكح أمة؟ فيه اختلاف مشهور بين الأصحاب: فمنهم من لم يوجب عليه تقلّد المِنّة، وأباح له نكاح الأمة.
ومنهم من لم يبح له نكاح الأمة. وهذا هو الذي اختاره الصيدلاني، واعتل بأن العادة قد جرت بالتزويج بأقل من مهر المثل، لأغراض في المواصلات، وليس هذا مما تعظم المِنّة فيه، بخلاف بيع الماء بالغبن؛ وذلك أن الغرض من الأموال، المالية المحضة؛ فالمحاباة في الثمن حط من عين المقصود، وفي النكاح أغراضٌ سوى المال؛ فيخف قدر المال.
ولو كانت الحرة ترضى بمهرها مؤجلاً، وكان صاحب الواقعة معسراً، فنجعله فاقداً لطَوْل الحرة؛ فإن الطَّلِبة-وإن كانت لا تتوجه بالمهر في الحال- فستنقضي المدة، وسيطالب عند حلول الأجل.
فإن قدّر مقدّر له يساراً، فذاك متوقع، ولا نكلفه الالتزام على توقع اليسار.
وكذلك إذا وجد السافر الماء معروضاً على البيع، وكان يباع بالثمن المؤجل، وليس له مال؛ فلا نكلفه ابتياع الماء بالثمن المؤجل، بناء على انتظار وجدان وفاء في الثمن.
فهذه المسائل نقلناها على وجوهها، ونحن الآن نرجع إلى تتبع مواقع السؤال ونبحث عن مواضع الإشكال جهدنا، والله ولي التوفيق.
8071- فأول ما نوجه البحث عليه، القول في العنت وخوفه، وقد فسر الفقهاء العنت بالزنا. وهذا يستدعي مزيد كشف. فإن كانت الشهوة فاترة، وكان صاحب الواقعة يُبعد من نفسه-لدينٍ أو حياءٍ، أو رعاية مروءة- اقتحامَ السفاح؛ فهذا غير خائف من العنت، فلا يحل له نكاح الأمة.
وإذا لاح ذلك، فحيث ينحسم إمكان الوقاع أولى بالتحريم.
والحر المجبوب لا يتصوّر منه الوطء-لا مستباحاً ولا سفاحاً- فلا يحل له نكاح الأمة قط.
ولو اغتلمت النفس، وتشوّفت الشهوة ورقّ عصام التقوى، فهذا خائف من العنت.
وإن تاقت النفس، وكان الرجل مستمسكاً بالتقوى عليه، وأَمِن وألِف صنع الله تعالى في عصمته، فهذا يبعد منه أن يتمضخ بوضر الزنا، ولكنه قد يتأذى، وقد يُفضي الأمر إلى إعلال، فهذا محل التردد: يجوز أن يقال: لا يحل له نكاح الإماء؛ لأنه يفضي إلى إرقاق المولود؛ فلا يجوز التسبب إليه بسبب قضاء وطر، أو غضّ شهوة. وإن كان يخاف الوقاع في السفاح، فوقْعُ هذا المخوف عظيم، والإيلاد ليس مستيقناً، فأثبت الشرع نكاح الإماء مع ما فيه من الإفضاء إلى إرقاق الأولاد.
هذا وجه.
ويجوز أن يقال: إذا كان ترك الوقاع يجرّ ضرراً، وقد يجلب مرضاً، فيسوغ نكاح الإماء، وإن كان الغالب على الظن عدمُ الوقوع في السفاح، والعنت في حقيقة اللغة هو المشقة، وهو كناية في الزنا.
وإن لم يكن خوفُ مرض ولا خشية بالوقوع في الزنا؛ فمحض التوقان وغلبة الشهوة لا يسلط على نكاح الإماء، لما فيه من التسبب إلى إرقاق الأولاد.
وما ذكرناه من خوف الزنا؛ لم نعن به غلبة الظن في وقوعه، بل المعنيُّ به توقع وقوعه، لا على سبيل الندور، والشهوة إذا اغتلمت غلاّبة للعقل، والذي لا نصفه بالخوف لا نبغي تقدير العصمة فيه على علم، ولكن غلبة الظن بالتقوى والانكفاف ينافي الخوف، وغلبة الظن ليست شرطاً في تحقيق الخوف من الوقوع في الزنا.
وهذا يتضح بضرب مثال: فإذا غلب الأمن في بعض الطرق، وُصف به، وإن كنا لا نقطع به، وإن كان وقوع المحذور يعارض السلامة، فهذا يعدّ مخوفاً، وإن كان لا يغلب على الظن الخوفُ. فهذا وجه البحث عن خوف العنت.
8072- ومما يجب البحث عنه ما أجريناه في أثناء المسألة في تصوير غيبة الحرة المطلوبة المخطوبة، فإن الذي ذكره الأصحاب فيه أنه إن كان يناله مشقة، فلا نكلفه السفر، ويجوز له أن ينكح الأمة، وهذه المشقة مبهمة، ونحن نقول فيها: إن كان يخاف الوقوع في السفاح في المدة التي يقطع فيها المسافة؛ فينكح ناجزاً. وإن كان لا يخاف ذلك-على ما مضى تفصيل الخوف نفياً وإثباتاً- ولكن كان يناله مشقة في بدنه، ويمكنه أن يتماسك في المدة التي يقطع في مثلها تلك المسافة، غير أنه يتضرر في بدنه؛ فهذا محل التأمل. فلا مطمع في ربط هذا بالسفر الذي يتوفر عليه الرخص، حتى يقال: إذا كان يحتاج إلى قطع مسافة القصر، لم نكلفه ذلك؛ مصيراً إلى أن السفر مظنة المشاق فيه؛ ولذلك تعلقت الرخص بها جمعاً وقصراً وإفطاراً؛ فإن معنى المشقة ليس معتبراً في الرُخص في تفصيل المسائل.
وإنما نذكر هنا معنىً كلياً، والمعاني المعتبرة فيما نحن فيه مرعيّة في آحاد الأشخاص، وحق الفقيه أن يفرق بين ما يعتبر فيه صفة كل شخص، والأمر مبني على انقسام الأشخاص لاختلاف صفاتهم، وبين معنى كلي لم يلتفت فيه على الأشخاص، فعين السفر لا نعتبره، بل نعتبر ما ينال كلَّ شخص من المشقة، وذلك يتفاوت تفاوتاً بيّناً.
8073- فإذا وضح هذا، رجع النظر إلى المشقة المعتبرة، وتقريب القول فيها.
والغرض لا يبين منه إلا بتقديم أصل عليه، مقصودٍ في نفسه؛ فنقول: إذا كان الرجل ذا يسار وثروة، وكانت ذات يده وافية، ولكن كانت الحرة تغالي بمهرها، ولا ترضى بمهر مثلها؛ فهل يجوز نكاح الأمة بسبب مسيس الحاجة إلى بذل مزيد في مهر المثل؟ وقد تمهد في باب التيمم أن الماء إذا كان يباع بوكيسة درهم فأقل؛ فيجوز الانتقال إلى التيمم. ولا ينبغي أن ينظر الناظر إلى هذا الأصل، ويُنزل الأمة مع الحرة منزلة التراب مع الماء، والسبب فيه أن الغرض الأظهر من النكاح المستمتَع و المواصلة؛ ولا يعد مَنْ بذل أدنى مزيد على مهر المثل مغبوناً، بل قد يحتمل هذا لأغراض في مقابلته؛ فإذا وفت الثروة، فكان المقدار الزائد على مهر المثل بحيث يعدّ باذله متكرّماً، ويحمل على الأغراض الصحيحة؛ فلا يسوغ نكاح الأمة ببذل هذا المقدار في مهر الحرة مع وفاء القدرة والثروة.
فإن كان ما تطلبه الحرة المغاليةُ خطيراً بحيث يعدّ بذله سرفاً، فلا يحال على إمكان غرضٍ يعدل المبذول، فإذا انتهت المغالاة إلى هذا الحد، فالوجه تجويز نكاح الأمة، وإن وفت ذات اليد بإجابة المغالية.
وينشأ مما نحن فيه أمر كثير الوقوع في الوقائع: فالأب إذا زوّج ابنته بدون مهر مثلها، فالذي أطلقه الأصحاب أنه يثبت مهر مثلها كَمَلاً بالعقد، وليس يبعد عن الاحتمال عندنا أن يُحتمل الحط القريب إذا أمكن حمله على رعاية غرض.
وكذلك إذا زوّج من ابنه امرأة بأكثر من مهر مثلها، وكان لا يبعد حمل ذلك الزائد، فلا يمتنع الحكم بثبوته.
ولست قاطعاً بما ذكرته من جهة النقل، ولكنه احتمال بيّن. وكيف يمتنع خروجه على المذهب، وقد نقلنا قولاً أن الأب إذا زوّج ابنته ممن لا يكافئها، فنقضي بلزوم تزويجه؟ وهذا أبعد من حطيطة قريبة في المهر.
فإذا تمهد هذا عدنا إلى بيان المشقة التي أبهمها الأصحاب عند الحاجة إلى السفر إلى الحرة، فنقول: حقها أن تعتبر بالزائد في المهر. والتقريبُ فيه: أن المشقة إذا كانت بحيث لا ينتسب محتملها إلى مجاوزة الحد في طلب زوجة، فهي محتملة.
وإن طالت الشُّقة، وعظمت المشقة، وكان مثلها لا يحتمل في طلب حرة، فهذه المشقة معتبرة، وهذا يحتاج إلى مزيد نظر، وهو: أن من يبغي حرة بمبلغ زائد على مهر المثل، فتلك الزيادة تقابل بغرض مطلوب. وفي مسألة الحرة والأمة غرض مطلوب مع إضرار يلحق الولد، وهذا يشعر باشتراط مزيد في ترتيب هذا التقريب.
فهذا منتهى الإمكان.
وما نحن فيه ينقسم إلى ما يتم فيه انحسام النظر، وإلى ما يُبقي فيه لنا مضطرباً، ولنا حق السبق بالإرشاد إلى الطريق.
8074- ثم نختتم الفصل بما صدرناه به ونقول: نكاح الحر الأمةَ مخصوص بظهور الحاجة، وإذا كان كذلك، لم يجز للحر أن يزيد على أمة واحدة؛ فإنها يُكتفى بها وتنسد حاجته بالتمكن منها، ثم لا يقع الاكتفاء برعاية الحاجة المحضة؛ فإن الحر إذا كان تحته حرة، وبقي لا يتمكن من وقاعها، فليس له أن ينكح أمة، وإن كانت الحرة الرتقاء لا تسد حاجة فلسنا ننكر امتناع إدخال الأمة على الحرة.
ولو نكح أمة فإذا هي رتقاء، فما قدمناه من القياس يمنعه من نكاح أمة أخرى، حتى يطلّق الأولى؛ فليس يسمح أحد من أئمة المذهب بإدخال أمة على حرة، كيف فرضت الأمة. وإدخال الأمة على الأمة بهذه المثابة. فإذا أراد نكاح أمة أخرى، فليطلّق الأولى.
وكل ما ذكرناه، في الحر إذا أراد أن ينكح أمة.
8075- فأما العبد، فله أن ينكح أمة بإذن مولاه وإن تمكن من نكاح حرة، لم يختلف المذهب فيه، وتعليله مشكل فيه؛ فإن الحر مأمور بالنظر لولده، وإنما يتوجه مثل هذا الخطاب على من يجوز أن يكون ناظراً، والعبد ليس من أهل النظر لولده الموجود، فكيف يناط به النظر للمفقود؟ وينضم إلى ذلك أن العبد لا خِيَرة له.
فلا احتكام للشرع عليهِ من أن يتخير، ثم الحرة في حق العبد كالأمة، فله أن ينكح أمة على حرة، وله الجمع بينهما في عقدة، وله نكاح أمتين، ولا فرق في حقه بين الحرائر والإماء.
والمكاتَب كالعبد إذا كان ينكح، ومن نصفه حر ونصفه عبد كالعبد القن، كما أن من نصفها حرة ونصفها رقيق كالأمة.
ولو نكح الحر-الذي يجوز له نكاح الأمة- جارية نصفها حر ونصفها رقيق، فحكم ولده منها في الحرية والرق كحكمها، فولد الحرة حر، وولد الرقيقة رقيق، وولد المتبعضة في الرّق والحرية متبعض؛ إذ ولد كل ذي رحم بمثابتها.
8076- وإذا تمكن الحر من نكاح جارية- نصفها حر، فهل له أن ينكح أمة كاملة الرق؟ هذا فيه تردد؛ من جهة أن إرقاق بعض الولد أقرب من استغراقه بالإرقاق.
والعلم عند الله تعالى.
ومن نصفه حر ونصفه عبد، ينكح أمةً مع القدرة على نكاح حرة. اتفق عليه الأصحاب؛ لأن ما فيه من الرق حطَّه عن الكمال وأخرجه عن الولاية، وليس من أهل النظر، فلا يؤاخذ بتخير حرة.
فلينظر الناظر فيما نلقيه إليه، فإن كان يخطر له أن منع الحر من الأمة لكمال الحر حتى لا يقدم على ناقصة، وبنى عليه أن فيمن نصفه حر بعض الكمال، قيل له: هذا.
غير سديد مع تجويزنا للحرة أن تنكح عبداً على كمالها، وجانبها أولى برعاية هذا المعنى، ولهذا حصرنا اعتبار الكفاءة في جانبها، فمنعنا تزويج كريمة من خسيس، ولم نمنع تزويج خسيسة من كريم، ومع هذا لم يمتنع نكاح العبد الحرة إذا رضيت ورضي أولياؤها.
8077- الحر إذا جمع في عقد واحد بين حرة وأمة، نظر: فإن كان ممن لا يحل له نكاح الإماء، فلا شك في بطلان نكاح الأمة، فأما نكاح الحرة، فقد قطع الشافعي قوله في القديم بصحة نكاحها. وقال في الجديد: "وقد قيل: يثبت نكاح الحرة وينفسخ نكاح الأمة. وقيل: ينفسخان معاً"؛ فحمل الأصحاب هذا على ترديد القول في الجديد؛ واتفقوا على طرد قولين في المسألة:
أحدهما: أن النكاح يصح في الحرة، وهو القياس؛ لأن الفساد إن اعتقد مجيئه من جهالة الصداق، فهو محال؛ فإن النكاح لا تفسده جهالة الصداق، وإن قدّر مقدِّر الفساد من الجمع في لفظ واحد بين ما يفسد ويصح، فهذا غير صحيح؛ فإن العقد ينعقد بمعنى اللفظ لا بصورة اللفظ، والحرة متميزة في معنى اللفظ عن الأمة.
وعبّر المزني عن هذا، فقال: نكاح الحرة قائم بنفسه، أراد أنه لا تعلق له بنكاح الأمة؛ فإذا قام بنفسه، لم يفسد بفساد غيره، وآية هذا: أن النكاح لا تفسده الشروط الفاسدة، على ما سيأتي تفصيلها في بابها، إن شاء الله عز وجل؛ وأثر الجمع في اللفظ دون أثر الشرط؛ فإن الشرط متعلق بالمشروط، ولا تعلق للشيء بما ينضم إليه ذكراً.
والقول الثاني- إن النكاح يفسد في الأمة والحرة جميعاً؛ لأن العبارة عنهما جميعاً واحدة؛ والمعنى لا يتأدى إلا بالعبارة، والعبارة الشاملة لو أسقطت بعضها لم يستقل الباقي، ففساد بعضها كسقوط بعضها. وهذا خيال.
والأصح: القول الأول. والوجه عندي القطع بما قطع به في القديم؛ لما ذكرناه في توجيهه.
ويتجه حمل قول الشافعي: "وقيل" على حكاية مذهب الغير؛ إذ لا يليق بمسلكه في الجديد ترديد القول في صحة النكاح في الحرة مع قيامه بنفسه، كما تقدم تقريره.
هذا إذا جمع بين الحرة والأمة، وهو ممّن لا يجوز له نكاح الأمة.
8078- فإن رضيت الحرة بمهر أمة، وقلنا: يجوز له نكاح أمة، فهذا حر يتأتى منه الإقدام على نكاح الحرة ويحل له نكاح الأمة.
فإذا جمع بينهما، فلا شك أن النكاح لا ينعقد على الأمة؛ إذ لو انعقد النكاح عليها، لا نعقد على الحرة؛ ثم هذا يؤدي إلى الحكم بانعقاد نكاح الأمة مع ثبوت نكاح الحرة. ولو جاز هذا، لجاز إدخال الأمة على الحرة.
فإذا بان أن النكاح لا ينعقد على الأمة، فهل ينعقد على الحرة؟ ذكر أصحابنا طريقين: منهم من قطع القول بفساد النكاح على الحرة؛ لأن الجمع بينهما غير سائغ والإقدام على نكاح كل واحدة منهما جائز، وكأن الجمع بينهما بمثابة الجمع بين الأختين.
وهذه الطريقة مزيفة؛ فإنا إنما نحكم بإبطال نكاح الأختين؛ إذ ليست إحداهما أولى من الأخرى، والجمع غير ممكن. والحرة إذا جمعت مع الأمة، فهي ممتازة عن الأمة، بدليل أن الحرة تنكح على الأمة، والأمة لا تنكح على الحرة.
ومن أصحابنا من أجرى في صحة نكاح الحرة قولين، ورتبهما على القولين في الصورة الأولى.
والأصح عندنا: القطع بانعقاد النكاح على الحرة في الصورتين.
ولم أتعرض لمهر الحرة، إذا حكمنا بانعقاد النكاح عليها؛ فإن ذاك من الأصول الحسابية في الصداق، وكتابه بين أيدينا، إن شاء الله عز وجل.
8079- ولو قال: زوّجتك ابنتي وبعتك هذا الزق من الخمر بألف درهم، فالذي قطع به المحققون صحة النكاح، لامتيازِ البيع في وضعه عن النكاح، ولأن النكاح خُص بعبارة مستقلة مفردة، ولا يتأتى التعبير عنهما إلا كذلك، وقد ذكرنا أنه لا وجه لإفساد النكاح في الجمع بين الحرة والأمة إلا اتحاد العبارة، كما تقرر، فإذا انفرد النكاح بصيغة، لم يبق للإفساد وجه.
ومن الأصحاب من أجرى في فساد النكاح قولين. وهذا ساقط من الكلام غير معتد به.
ولو قال: زوّجتك ابنتي هذه، وزوجتك أمتي هذه. فقال المخاطَب: قبلت نكاح ابنتك، وقبلت نكاح أمتك؛ فلا خلاف في انعقاده على البنت؛ لأن تزويجها وقبولها متميزان عن تزويج الأمة وقبولها.
ولو فصل المزوج كما صوّرنا، فأتى المخاطَب بعبارة واحدة في قبولهما، وقال: قبلتهما؛ أو قبلت نكاحهما، فالأصح القطع بصحة النكاح على الحرة. ومن أصحابنا من أجرى هذا مجرى ما لو قال المزوّج: زوجتكهما، وقد مضى الكلام فيه.
8080- ثم ذكر الأصحاب صوراً في الجمع وفاقاً وخلافاً لا يخفى مُدركها: فإذا نكح الرجل خمس نسوة أجنبيات في عقدة، بطل النكاح بهن بالتدافع، كما لو جمع أختين أو أخوات في عقدة.
ولو تزوج أربع نسوة وفيهن أختان؛ فنكاح الأختين باطل، وفي نكاح الأخريين قولان، على ما ذكره الأصحاب تخريجاً على التفريق، كما قدمناه في الجمع بين الحرة والأمة، والقولان يجريان فيما لو جمع بين خلية من العدة ومعتدة في عقدة.
ولو نكح خمساً فيهن أختان، بطل النكاح في الأختين، وفي الثلاث القولان. وليس يخفى قياس ذلك، ولسنا للإطناب في مثله.
ولو جمع بين أم وابنتها، فهو كذلك، كما لو جمع بين أختين.
فإن قيل: الأم تحرم بالعقد على البنت، والبنت لا تحرم بالعقد على الأم؟ قلنا: ذاك افتراق في تحريم الأبد، ولسنا نحتاج إليه، وبين الأم وابنتها من تحريم الجمع ما بين الأختين؛ فالافتراق-وذلك فيما يتعلق باثبات الصهر والمحرمية- لا وَقْع له في هذا المقام.
فصل:
8081- قد ذكرنا أن الأمة الكتابية لا يحل للحر المسلم نكاحها، وظاهر نص الشافعي أنها كما لا تحل للحر المسلم، لا تحل للعبد المسلم. قال الشافعي: "العبد كالحر في أنه لا يحل له نكاح أمة كتابية". وقد ذكرنا في ذلك تخريجاً عن ابن خَيْران في الحكاية التي أثبتناها عن الماسَرْجِسِي، ومسلك التخريج: أن الرق غير معتبر ولا مؤثر في حكم العبد، فلتكن الأمة الكتابية، في حقه بمثابة الحرة الكتابية، وهذا متجه على هذه القاعدة من طريق المعنى.
وذكرنا هذا التخريج في تزويج الأمة الكتابية من الحر الكتابي، ووجهه أخفى قليلاً في حقه منه في حق العبد المسلم؛ فإن الذي نذكر في هذه الصورة أن كفرها لا يؤثر في حق الكافر، وهذا ليس بذاك؛ فإنا كما لا نتزوج الوثنية لا نزوّجها من وثني. ولو أراد مسلم أن ينكح أمة مسلمة لكافر إذا كان عادماً للطوْل خائفاً من العنت، فالمذهب الصحيح النظر إلى صفة المنكوحة.
ومن أصحابنا من منع ذلك، صائراً إلى أن نكاحها يفضي إلى إرقاق الولد المسلم. وهذا ليس بالقوي، وأجمع المحققون على أن الحر المسلم لا ينكح أمة كتابية لمسلم، وإن كان النكاح يفضي إلى إرقاق الولد لمسلم.
وذكر الخلافيون في ذلك وجهاً، نظراً إلى من يحصل الولد رقيقاً له، فانتظم من مجموع ما ذكرناه مسلكان:
أحدهما: أن الأمة الكتابية كالمرتدة، لا يحل لأحد نكاحها.
والثاني: أنها ليست كالمرتدة، وقد تحل لبعض الناس. ونصُّ الشافعي فيما مضى دليل عليه؛ فأنه قال: "لا يلي المسلم كافرة إلا أن تكون أمة". ومن ضرورة هذا تصور نكاحها على الجملة. ونصَّ هاهنا على أن العبد المسلم لا ينكح أمة كتابية، ولعل ابن خَيْران ذكر ما حكيناه من القولين عن اختلاف هذين النصين. ثم إن جوّزنا نكاحها على الجملة، فقد ذكرنا التفصيل فيمن يُنكحها.
فصل:
قال: "ولو تزوّجها، ثم أيسر... إلى آخره".
الحر إذا خاف العنت، وعدم الطَّول، فنكح أمة، ثم أيسر واستغنى، لم تحرم عليه الأمة، ولم ينقطع نكاحها.
8082- وذهب المزني إلى أنه إذا طرأ اليسار بعد نكاح الأمة، بطل النكاح، وكما يشترط في العقد ألا يكون واجداً للطول، فكذلك يشترط في دوام النكاح دوام هذا المعنى. وقياسه أن من نكح حرة على أمة، انقطع نكاح الأمة كما انعقد نكاح الحرة.
ولا خلاف أن زوال خوف العنت لا يقطع نكاح الأمة؛ فإن النكاح إنما يُعنى لذلك، فيستحيل أن ينقطع بما هو مقصود منه.
وذكر بعض المشايخ أن طريان الغنى مما يتوقع بالنكاح، اعتصاماً بوعد الله تعالى؛ إدْ قال عز من قائل: {إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِه} [النور: 32].
ثم ذكر في آخر الباب محاجّة في الأمة الكتابية، وأشار إلى كراهية التزوج بالحربية، وقد تقدم القول فيهما.