فصل: فصل: مشتمل على التغرير بالنَّسَبِ وما في معناه:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: نهاية المطلب في دراية المذهب



.فصل: مشتمل على التغرير بالنَّسَبِ وما في معناه:

8270- فنذكر تغرير الزوج الزوجة بشرفِ نَسَبِ نفسِهِ، ثم نذكر تغريرها زوجهَا بشرف نسبها.
فإذا قال الرجل: أنا عربي أو قُرَشي، فانتسب إلى النسب كاذباً، ثم بان كذبه، نُظر، فإن بان أنه دونها في النسب، وقد تحقق الخُلف في الشرط، فالقول في انعقاد النكاح على ما قدمناه في التغرير بالحرية. وقد أوضحنا جريان القولين في كل خُلف يُفرض في شرط الصفات، والتفريع على صحة النكاح، فنقول: إذا حكمنا بالصحة، وقد بان الزوجُ دونها في النسب، وظهر الخلف في الشرط؛ فالذي أطلقه الأصحاب: أنَّ الخيار يثبت لها. فإن فسخت النكاح، لم يخف تفريع المهر والنفقة وغيرهما من الأحكام.
والقول الجامع أنَّ فَسْخَها قبل الدخول وبعده بمثابة فسخها النكاح بعيب في الزوج يُثبت الخيار. وقد تقدم ذلك مستقصى في بابه.
وإن اختارت الإجازة، فلأوليائها حق الفسخ، دفعاً للعار عن النسب.
ولو أخلف شرط الزوج في شرف النسب، فبان دون ما شرط، ولكن كان مثلها أو فوقها-وإن ظهر كونه دون ما شرط- فهل يثبت لها الخيار-والحالة هذه- أم لا؟ فعلى قولين:
أحدهما: لها الخيار؛ للخُلف في المشروط.
والثاني: لا خيار لها؛ فإنَّ خيار الفسخ في النكاح يجب أن يكون مستنداً إلى ضررٍ ظاهر، وإلاَّ فالنكاح بعيد عن قبول خيار لا يتعلق بدفع ضرر، ولو جاز ثبوت الخيار من غير دفع ضرر، لثبت في النكاح خيار التروي، وهو خيار المجلس والشرط، فإن لم يثبت الخيار، فلا كلام، وإن أثبتنا الخيار، فإن فسخت؛ نفذ الفسخ، وإن أجازت، فلا يثبت الفسخ للأولياء؛ فإنَّ الشرط لا يُثبت لهم شيئاًً، وإنما حقهم في دفع العار عن النسب، فإذا كان الزوج كفؤاً لها-وإن أخلف شرطه- فلا عار على الأولياء في نكاحه.
8271- قال الأئمة: إذا زوّج السيد أَمَتَهُ من إنسان، وقد جرى في النكاح شرط حرية الزوج، ثم بان عبداً، والتفريع على صحة النكاح، ففي ثبوت الخيار قولان.
فإنَّ الزوج-وإن خرج عبداً- فهو مثل زوجته، فكان ذلك بمثابة ما لو خرج الزوج كفؤاً لها، وإن بان دون ما شرط.
وكان شيخي أبو محمد يرى مسألة العبد أولى بالخيار؛ فإنَّ العبد، وإن كان كفؤاً للأَمَة، ففي نكاحه ضرار وتضييق في النفقة وغيرها، وهذا المعنى لا يتحقق في الخلف في النسب مع الكفاءة.
والذي يتعلق بهذا المنتهى أنَّا إذا أثبتنا الخيار في مسألة العبد، فالخيار لا يثبت إلاَّ للسيد؛ فإنَّ الأمة مجبرة على التزويج من العبد، وكيف ينتظم إجبارها على التزويج من عبد مع إثبات الخيار. وأيضاًً فإنَّ الإضافة بضيق أمر النفقة ثَمَّ، ضرره يرجع على السيد، وليس كالجَبّ والعُنَّة والجنون والبرص والجذام؛ فإنَّ حق الفسخ يثبت في هذه العيوب للأَمَة، لا للسيد؛ فإنَّ الغرض منها يتعلق بالجبلات وشهوات النفوس، فكانت أولى بها.
وأمَّا أمر النفقة في الأمة، فيتعلق ضراره بالسيد؛ فإنَّ الزوج إذا أعسر، فعلى السيد الإنفاق على أمته.
8272- وإذا وضح ما ذكرناه، فالكلام بعده في طلب التحقيق والبحث عن حقيقة الباب. فنقول أولاً:
أمَّا العيوب التي تكون بالزوج، فتُثبتُ لها الخيار كيف فرضت، ولا حاجة إلى تقدير الشرط؛ فإنَّ وجود تلك العيوب يُثبت حق الفسخ من غير تقدير شرط، وكان القياس يقتضي ألا نُثبت خياراًّ متعلقاً بخُلفٍ في شرط، ولكن اشتهر اختلاف القول في إثبات الخيار المتعلق بالخلف في الشرط.
وأنا أذكر على الاتصال تفصيل الغرور من جانبها والمغرور الزوج، ثم آتي بفصلين، بهما تتحقق أبواب وأحكام في الفسوخ.
8273- فإذا غَرَّت زوجَها بشرفِ نسبها، والتفريع على أنَّ النكاح يصح وإن أخلف الشرط، فإذا غرّت الزوجَ بشرف النسبَ، ثم أخلف الشرط، فقد قال الأصحاب: إنْ بانت دونه ودون ما شرطت، ففي ثبوت الخيار قولان:
أحدهما: يثبت الخيار، وهو اختيار المزني.
والقول الثاني- لا يثبت الخيار.
توجيه القولين: من قال: يثبت الخيار، قاس خلف الشرط وهو المغرور، على خلف الشرط وهي المغرورة، وأكد بأنَّ الخيار ينبغي أن يثبت من الجانبين؛ اعتباراً بالفسخ المتعلق بالعيوب.
ومن قال: لا يثبت الخيار، احتج بأنَّ نقصان نسب الزوج عن نسبها يشينها ويعير حسبَها، والرجل لا يتعير بنكاح خسيسة.
وقد قال الأئمة: القولان في ثبوت الخيار له إذا كان مغروراً- كالقولين في ثبوت الخيار لها إذا كانت مغرورة، وقد بان الزوج مثلها ودون ما شرط.
ووجه التسوية أنَّ الرجل إذا بان مثلها، فلا معرَّة عليها من جهة نسب زوجها، ولكن أخلف الشرطُ المقتضي مزيداً في الشرف، وجرى القولان بخلف الشرط من غير ضرار، ولحوق عار. وهذا المعنى يتحقق فيه إذا بانت المرأة خسيسةً؛ فإنَّ الزوج، وإن كان لا يلحقه عار من دناءةِ نسبها، فقد تحقق خلف الشرط المتضمن مزيد شرف فيها.
وما ذكرناه فيه إذا كان هو المغرور وقد بانت دونه.
فإن كان كذلك، ولكنها بانت مثله ودون ما شرطت، ففي ثبوت الخيار للزوج قولان، كان يرتبهما شيخي على الصورة الأولى، وهي: إذا بانت دونه ودون ما شرطت، وهذا الترتيب ضعيف؛ من جهة أنا إنما نثُبت الخيار للزوج بخلف الشرط فحسب، وهذا المعنى لا يختلف بأن تبين مثله أو دونه، وسأشير إلى ما حمل شيخي على هذا الترتيب إذا خضت في الفصلين الموعودين وها هما.
الفصل الأول في قاعدة الفسخ
8274- فنذكر فصلاً في قاعدة الفسخ أولاً فنقول:
نُبيّن قواعد الفسخ من جانبها، ثم ننعطف على جانب الزوج، فأمَّا فسخها النكاح بموانع الزوج من الوطء مما لا يتعلق بالعيافة وخوف العار واستشعار العدوى، فهو بمثابة فسخها النكاح بجَبِّ الزوج وعُنَّته، فهذا النوع يجري على قاعدة كلية؛ فإنَّ المقصود من النكاح تعففها بالمستمتَع في الزوج، وكذلك المقصود الأظهر في جانب الزوج التعفف بالزوجة، فإذا فقدت المستمتع منه على اليأس، فقد تعذر الغرض الأظهر من النكاح، ولم يُثبت الشرع للنساء سبب اختيارٍ يفضي إلى الفراق، فإذا انضم انحسام المستمتَع إلى اطراد قهر النكاح عليها، كان ذلك بالغاً في الضرر، والشرعُ لا يحتمل أمثال هذا، سيما وهي حرة، وإنما رضي الشرع لها النكاح رقاً لما لها فيه من حق المستمتع.
فإن عارض معارض ما ذكرناه بأنَّ الزوج هو مستحق منفعتها، وهي لا تستحق من الزوج مستمتعاً تملك المطالبة به، قلنا: هذا لا يصفو عن خلاف، كما سيأتي الشرح عليه في باب العُنة. ثم من تأمل حِكَم الشرع، تبيّن له اندفاع هذا السؤال؛ وذلك أنَّ صورة الاستمتاع من الجانبين على وتيرة واحدة، وغرض الشرع في إعفاف الرجل بالمرأة كغرضه في إعفاف المرأة بالرجل، وهذا لا ينكره ذو عقل، غير أنّ الشرع لو أثبت لهن حق الطلب، لَمَا كان ذلك على موافقة الجبلّة؛ فإنَّ الرجال لا يواتيهم الإمكان على مطّرد الزمان، وتشوفهن دائم ولا فتور فيه، فرأى الشرع إثبات الطلب للرجل؛ فإنه لا عسر من جانبهن في التمكين. ثم لما أثبت الطلب لهم أقامهم مقام من يستحق معوَّضاً، وألزمهم كفايتهن كي يلزمهن الحجاب، فانتظمت المحاسن، ثم اكتفى باقتضاء جِبلاَّت الرجال الاستمتاع بهن مع تهيُّئهن وقيام الرجال بمؤنتهن؛ وهذا يُقيم أغراضهَن في الاستمتاع.
فإذا كان الرجل مجبوباً، وانقطع إمكان الإعفاف، أثبت الشرع لها مخلصاً، وعلى هذا حرم أصل الإيلاء، فإنَّ الرجل وإن كان ينكف عن وقاع امرأته، فهي تزجي أحوالها بتوقع الوقاع، فإذا آلى الرجل لا يواقعها في مدة يظهر فيها الضرار عليهن بالانكفاف عن وقاعهن، أثبت الشرع حق رفع النكاح بالطلاق، حتى يبقى مستدرك إن أراده الزوج. فإذاً جرى فسخ المرأة للنكاح بجَب الزوج وعُنته على هذه القاعدة.
ثم من لطائف وضع الشرع، الفرق بين الجب والعُنة؛ فإنَّ الجب موئسٌ متعلقٌ به تنجيز الفسخ على البت، من غير احتياج إلى رفع الواقعة إلى مجلس الحكم.
والعُنة مرجوة الزوال، فبُني أمرها على التأخير، كما سيأتي حكمها في بابها.
8275- فأما فسخها للنكاح بسبب البرص والجذام والجنون، فحائدٌ بعض الحيد؛ فإنَّ الاستمتاع لا ينحسم بهذه الأشياء إلاَّ من طريق العيافة. ووضعُ النكاح على اللزوم، فكان الفسخ بهذه الأشياء مائلاً عن الأمر الظاهر الذي مهدناه، على أنه حالٌ يسهل مأخذه من فسخ المبيع بالعيوب المؤثرة في المقاصدة المالية؛ فإنها لما أثبتت حق الفسخ، لم تنحصر في الموئسات، بل ثبتت ثبوتاً متسعاً، فابتعد أن يكون البرص مانعاً من الاستمتاع، كما أومأنا إليه في المالية.
ولكن اعترض في هذا المقام اضطرار الأصحاب، فارعوى معظمهم عن تعدي ما ورد فيه النص عن الشافعي ولم يثبتوا حق الفسخ في غير محل النص، وجرى المحققون على تنزيل ما يظهر أثره في الاستمتاع منزلة البرص وما في معناه، وإليه مال القاضي، ومن لطيفِ ما جاء به أن قال: ما أُثبت الخيار به-مما عدا المنصوص- قد يكون فرداً كالبَخَر المفرط، وقد يكون معانٍ متضامّة.
ولا ينقدح إلاَّ هذا المسلك؛ فإنَّ البرص والجذام والجنون لم يثبت فيها توقيف تعبدي، كما سبق تمهيده في باب العيوب.
8276- ومما يُثبت للمرأة حق الفسخ ما يتعلق بالشرط وإخلافه؛ فالذي لا خلاف فيه: أن تشترط الحرة حرية زوجها، فإذا أخلف الشرط، ثبت لها الخيار، وهذا منقاس، لأنّا نثبت للمعتقة تحت العبد الخيار شرعاً، ومعوّلنا فيه الخبر، كما سنشرحه في الباب الذي يأتي على أثر هذا، إن شاء الله تعالى.
فإذا تأملنا ذلك، لم يبعد ثبوت الخيار للحرة الأصلية إذا شرطت الحرية في زوجها، وكأن الشرعَ ألحق الرق في الزوج بالعيوب، وليس لنا إلاَّ الاتباع وترك النزاع.
8277- ولو ظنت الحرة زوجها حراً، ولم تشترط الحرية، فأخلف ظنها؛ فقد تردد الأصحاب في هذا. وقد نبهت على اختلاف الطرق، وبيَّنت أنَّ مأخذ هذا التردد أنَّ رقَّ الزوج هل هو ملتحق بالعيوب من غير شرط؟ وفيه الكلام المقدم.
8278- ومما يتصل ببابها أن تشترط شرف النسب، فيخلف الشرط، وهذا ينقسم إلى خُلف يخرجه عن كفاءتها وإلى خُلف لا يخرجه عن كفاءتها، فقد أطبق الأصحاب على أنه يثبت الخيار لها، والتفريع على أن النكاح ينعقد، وسبب ذلك أنَّ عدمَ الكفاءة سببٌ يؤثر في الاعتراض على العقد، ولذلك قلنا: إذا زوَّجَ المرأةَ واحدٌ من أوليائها ممن لا يكافئها، فالنكاح فاسد، أو مُعْتَرضُ الفسخ لبقية الأولياء، فإذا كان هذا مثبتاً للفسخ من غير شرط، فإذا اتصل الشرط به وظهر الخلف المسقط للكفاءة، فثبوت الخيار ليس بدعاً.
8279- ولو كان للمرأة وليٌّ واحد، فزوّجها برضاها من رجل مجهول الحال، ثم بان أنه ليس كفؤاً، فلا خيار باتفاق الأصحاب. وليس كما لو بان الزوجُ عبداً، ففيه التردد المقدم.
والفارق أنَّ الرقَّ في الزوج لا يمتنع أن يكون كالعيب، ومِن حُكمِ العيب أن يُثبت الفسخ، وإن جرى العقد عليه مطلقاً من غير تعرض لشرط السلامة؛ فإنَّ الرق يعد من النقائص، والأصل السلامة عنه بالحرية الأصلية، وأمَّا شرف النسب ودناءته؛ فإنها بمثابة المناقب المطلوبة التي يحتمل التحلّي بها والعروّ عنها، والعقود المطلقة لا تُثبت خياراً في أبوابها عند اختلاف الظنون من غير شرط، فإذا شُرطت، التحقت بالسلامة التي تَثبتُ ضمنَ العقد المطلق؛ إذ مراتب الإنسان تنضبط، والرفعة والضِّعة فيها تتعلق بالنسب والإضافات، فكان انفصال النسب عن الرق لهذا الذي ذكرناه في العقد المطلق.
فهذا منتهى القول فيما يثبت الفسخ لها على قياس.
8280- وأمَّا ما يخرج عن القانون، فهو أن تتبين الزوج دون ما شرط ولا يخرج عن مكافأتها.
وقد ذكرنا في ثبوت الخيار لها قولين: أحدهما على القواعد- أنه لا خيار لها، فعلى هذا الشرطُ لاغٍ لا أثر له، فإنه لم يُفسد العقد ولم يُثبت الخيار، فليكن التعيين فيه أنه شرط لاغ غير مُفسد ولا مؤثر.
وإن حكمنا بإثبات الخيار لها، فهذا بعيد عن قاعدة النكاح؛ من قِبَلِ أنَّ وضع النكاح أنَّه لا يُرفع إلاَّ بضرر ظاهر يؤثر في المقصود، كالعيوب، والرق الملتحق بها، وفقدان الكفاءة، وهذه المعاني غير متحققة في الصورة التي انتهينا إليها.
ولكنَّ المزني اختار ثبوت الخيار، وهذا يقتضي تشبيه النكاح بالبيع في كل وجه إلاَّ في تباعد المقاصد واختلافها، وهذا بمثابة اتفاق الإجارة والبيع في قواعد الفسخ، فإن كانت الإجارة تمتاز عن البيع بمقاصدها اللائقة بها، والبيع يمتاز عنها بمقاصده اللائقة به والعقدان مجتمعان في قبولهما للفسخ على أصل واحد، فيلتحق النكاح على هذا بالبيع. وهذا ليس بعيداً لو كان مألوفاً بين الأصحاب، ولا يبقى بعد هذا من الفروق إلاَّ أن البيع يقبل خيارَ التروي-وهو خيار المجلس- وخيارَ الشرط، وخيارَ الرؤية، إن جاز بيع خيار الرؤية، والنكاح لا يقبل شيئاًً منها؛ والسبب فيه أنَّ البيع قَبلها عن نصوصٍ تعبدية اقتضتها اقتضاء الرُّخَص، فلم يبعد اختصاصُها بمواردَ النصوص، ومثلُ البيع يغلب وقوعه بغتةً، ويتفق صدوره ممن لم يصادم التجارب، وهذا المعنى قد لا يتحقق في النكاح. ولا حاجة إلى هذا مع ما قدمناه.
وإذا حكمنا بأنَّ النكاح يقبل الفسخ تراضياً كالبيع، ولا غرض يُرجى في فسوخ التراضي، قوي المسلك الذي ارتضاه المزني، وقد انتهى القول في الفسخ الذي يثبت في جانبها.
8281- أما الفسخ الثابت في جانبه، فأصل بابه الفسخ بعيوبها. ولا شك أنَّ فسخه أبعد عن القاعدة الكلية من فسخها؛ فإنّ الضرار لا يعظم؛ من جهة تمكنه من حل النكاح بالطلاق؛ ولهذا لم يثبت أبو حنيفة للرجل الفسخ، ولكن قيام الرجل مقام المستحِق، وقيامها مقام المعقود عليه المقصود يقوي حقَّه من الفسخ، ويعتدل في هذا المعنى الجانبان؛ فإنها ليست مستحِقة، فحق الفسخ لها مربوط بالضرار، وهو مستحق، فحق الفسخ في جانبه مربوط بعيب المستحَق.
ثم يقوم النظر في خصلةٍ، وهو أنَّ حقَّ الزوج يرتبط بأمر الصداق؛ من حيث إنه يستفيد بالفسخ إسقاطه عن نفسه، والطلاق لا يفيده ذلك، و في هذا موقف بين المتناظرين لا يليق بهذا المجموع شرحه، مع ما يتصل به سؤالاً وانفصالاً.
ثم عيوبها تنقسم إلى ما يمنع المستمتع حسّاً، وإلى ما يؤثِّر فيه عيافة، والقول في ذلك كالقول في جانبها، فلا معنى لإعادته.
8282- فأما ما يتعلق بالخُلف في جانب الزوج، فينقسم قسمين:
أحدهما: يتعلق بضرار يلحق الزوج.
والثاني: ما يلحق بخُلفٍ في الشرط لا يجر ضرراً.
فأمَّا ما يتعلق بضرر، فقد حصره الأصحاب في الكفر والرق، فإذا اشترط الرجل كونها مسلمةً، فخرجت كتابيةً، أو اشترط كونها حرةً، فخرجت رقيقة، ففي ثبوت الخيار للرجل أقوال: أصحها- ثبوت الخيار، وهو ظاهر المذهب.
والثاني: أنه لا خيار أصلاً، وجانبه ينفصل عن جانبها بما أشرنا إليه في القاعدة من بُعد جانب الزوج عن الفسخ.
والقول الثالث: إنه يثبت الخيار للحر، ولا يثبت للعبد، وقد قدمنا هذا.
ويجري فيما ذكرناه قولان في اختلاف شرط الإسلام وهذا النوع لا يتصور في جانبها.
ويتصل بهذا المقام ظن الرق من غير شرط، وقد قدمت في ذلك تفصيلاً، ولا خروج لثبوت الخيار إلاَّ على إلحاق الكفر والرق بالعيوب التي تمنع المستمتَع مع عيافة.
ومن فصل بين الكفر والرق، أجرى ذلك؛ فإنَّ الكافرة تُعاف والرقيقة لا تُعاف، فهذا خُلف الشرط فيما يجر ضراراً معتبراً.
فأمَّا خُلف الشرط في النسب؛ فإنه ينظر فيه؛ فإن أخرجها عن مكافأة الرجل، فالذي ذهب إليه الجماهير أنَّ هذا ليس من باب الخُلف الذي يجر ضراراً؛ فإنه لا عار على الشريف بغشيان خسيسة، وعلى هذا بنى أئمة المذهب جواز تزويج الخسيسة من الطفل الشريف.
وذهب بعض الأصحاب إلى إلحاق هذا بالخُلف الذي يجر ضراراً، ومنع هؤلاء تزويج الخسيسة من الطفل الشريف، وصاروا إلى أنَّ النكاح من مقاصده ابتغاء النسل، ولا يخفى تفاخر الخلق بالانتماء إلى الشريفة على قربٍ من تفاخرهم بالانتساب إلى الآباء الشرفاء، ومما شاع في العرب-وهم أخبر الخلق بالمناسب والمناصب- الذم بأن يكون الرجل ابن أَمَة، والمدح بأن يكون ابن حرة.
فأمَّا الخُلف الذي لا يخرجها عن المكافأة، ففي إثبات الخيار فيه قولان أيضاًً، ولا خروج له إلاَّ على القاعدة التي ذكرناها في جانبها في مثل هذه المنزلة، وبه وصلنا إلى التزام إلحاق النكاح بالبيع، وقد نجز الغرض في أحد الفصلين الموعودين.
الفصل الثاني
8283- فأما الفصل الثاني، فمضمونه ثبوت المسمى وسقوطه عند جريان الفسوخ، أو الأسباب المفضية للانفساح.
وقد تمهد حكم الطلاق وأمر المهر معه، وبان أنه إن جرى قبل المسيس تشطر الصداق، وإن جرى بعد المسيس، لم يسقط من المهر شيء، وأطلق الفقهاء أنَّ المسيس يقرر الصداق، وعنَوْا بذلك أن الطلاق لا يؤثر في إسقاط شيء من المسمى بعد المسيس.
وغرضنا الآن جمعُ معاقد المذهب في الفسوخ، والكلام يتعلق بقسمين:
أحدهما: في الفسوخ المنشأة لأسباب تقتضي إثباتها.
والثاني: في انفساخ العقد بأسباب تطرأ على النكاح.
فأمَّا الفسخ الذي ينشأ، فينقسم إلى ما يصدر من الزوجة، وإلى ما يصدر من الزوج، فأمَّا ما يصدر من الزوجة، فينقسم، فمنه ما يستند إلى سبب كائن حالة العقد، ومنه ما يستند إلى سبب طارىء بعد العقد.
فأمَّا ما يستند إلى سبب كائن حالة العقد كالفسخ بالعيوب الثابتة يومئذ، ومنه الفسخ المترتب على خُلف مترتب على شرط مذكور في العقد. فكل ما يكون كذلك؛ فإنه يتضمن إسقاط المهر قبل المسيس، فإذا فرض بعد المسيس، فالمنصوص سقوط المسمى والرجوع إلى مهر المثل، والقول المخرج استقرار المسمى.
وما يستند إلى سبب طارىء، فإذا جرى قبل المسيس، فحكمه ما ذكرناه من إسقاط المهر وهذا كالفسخ بالعيوب الحادثة.
وإن جرى الفسخ بعد المسيس حيث يجري، فإن رأينا ثبوت المسمى إذا كان العيب مقترناً بالعقد، فلا شك أنَّ المسمى بالثبوت أولى إذا كانت الأسباب طارئة.
وإن جرينا على النص في إسقاط المسمى والأسباب مقترنة بالعقد، ففي الطارئة ثلاثة أوجه تقدم ذكرها.
هذا في الفسخ الذي تنشئُه المرأة.
فأمَّا الفسخ الذي يُنشئه الرجل، فهو في غرضنا من حكم، المهر كالفسخ الذي تنشئه المرأة، فلا فرق قبل المسيس وبعده.
8284- فأمَّا الأسباب التي يقتضي طريانُها انفساخَ النكاح، كالردَّة وما في معناها، فكل ما لو فرض قبل المسيس تشطر الصداق به، كردة الزوج، فإذا فرض بعد المسيس، لم يؤثر في إسقاط المسمى كالطلاق.
وقد ذكرنا أنَّ هذه الأسباب لو حدثت من المرأة قبل المسيس، تضمنت إسقاط المهر، فإذا صدرت منها بعد المسيس، فهل تتضمن إسقاط المسمى؟ وكيف السبيل فيه؟ هذا يترتب على الفسوخ المنشأة بالأسباب الطارئة على النكاح.
وهذه الأسباب التي انتهينا إليها أولى بأن يتقرر المسمى معها من الفسوخ المترتبة على العيوب الحادثة، والسبب فيه أنَّا نقول: المرأة تستحق سلامة الزوج على دوام النكاح بحكم العقد، فأمَّا إذا طرأ ما ينافي هذا الدوام-ومقصودُ العقد منفعة- جاز أن يلتحق بالعيوب المقترنة بالعقد، وأمَّا الردَّة إذا طرأت، فلا استناد لها، ولا تتضمن قطعَ مستحق بالعقد يُثبت الفسخ، ولكنه كما يرد يقطع، ولهذا نصَّ الشافعي على ثبوت المسمى إذا ارتدت المرأة بعد المسيس، ونصَّ على القرب منه بسقوط المسمى إذا فرض فسخ بعيب، ولم يفرِّق بين المقترن والطارىء.
وقد رأيت في تعليقي عن شيخي، وفي تعليقه عن شيخه ذكرَ سقوط المسمى إذا ارتدت بعد المسيس، وإني لأخشى ألاَّ يصح فيه نقل المذهب، فالموثوق به ثبوت المسمى لما نبهت عليه.
وقد نجز الغرض في الفصلين، وتهذب بهما فصول أبواب وأحكام الفسوخ والله المستعان.