فصل: كتاب الوصايا:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: نهاية المطلب في دراية المذهب



.باب: في قسمة التركات:

6556- هذا الباب خاتمة الحساب، بل نجاز الكتاب، ولا يقع بعده إلا فنونٌ لا يضرُّ تركها، ونحن نأتي بعيونها، إن شاء الله تعالى.
ومضمون هذا الباب قسمة التركة إذا كانت التركة مقدرةً بكيلٍ أو وزنٍ.
وإن لم تكن التركة كذلك، فما نحاوله في الباب يجري في تقدير قسمة التركة.
وهذا الباب كثير الفائدة، ولو قلنا: هو ثمرة الحساب في الفرائض ونتيجتُها، لم يكن ذلك بعيداً؛ فإن المفتي يُبلى بصور الوقائع. فإذا أخذ يصحح الفرائض من آلافٍ، والتركةُ مقدارٌ نَزرٌ، لم يكن كلامه مفيداً.
ونحن نذكر صورتين في قَسْم التركات: إحداهما فيه إذا لم يكن في التركة وهي من المقدَّرات كسرٌ.
والأخرى- أن يكون في المقدَّر المخلَّف كسرٌ.
6557- فإن لم يكن فيه كسر، فالوجه أن نقسمَ سهام الفريضة أولاً، ونعرف العددَ الذي تصح منه المسألة، كما تمهد ذلك فيما سبق.
ثم ننظر إلى التركة، ونأخذ سهام كل واحد من الورثة من جملة العدد الذي تصح منه المسألة، ونضربها في التركة، فما بلغ قسمناه على العدد الذي تصح منه المسألة، فما خرج، فهو نصيب ذلك الوارث.
ولا فرق بين أن يكون في المسألة عولٌ، وبين ألا يكون فيها عول.
مثال ذلك:
أربع زوجات، وثلاث جدات، وست أخوات لأبٍ
والتركة خمسة وستون ديناراً.
وأصل المسألة من اثني عشر وتعول إلى ثلاثة عشرَ، وتصح من مائة وستة وخمسين.
فنقول: حصة كل زوجة من العدد الذي صحت المسألة منه تسعة، فاضرب تسعة في التركة، وهي خمسة وستون، فبلغ خمسمائة وخمسة وثمانين، فنقسمها على الأصل الذي تصح المسألة منه وهو مائة وستة وخمسون، فنخرج ثلاثة دنانير وثلاثة أرباع دينار، فهو نصيب كل واحدة من الزوجات من جملة هذه التركة.
وكان نصيب كل جدة من الأصل ثمانية، فاضربها في التركة، فما بلغ فاقسمه على الأصل، فيخرج لكل واحدة منهن ثلاثة دنانير وثلث، فهو نصيب كل جدة.
وكان لكل أخت من الأصل ستة عشر، فاضربها في التركة، واقسم ما بلغ على الأصل، فيخرج لكل واحدة منهن ستة دنانير، وثلثان.
وهذه الطريقة كافية في الباب.
6558- هذا إذا لم يكن في التركة كسر، فإن كان فيها كسر، فنبسطها حتى تصير من جنس كسرها، وذلك بأن تضرب الصحيح في مخرج كسره، وتزيد عليه مثل كسره، فما بلغ فكأنه هو التركة صحاحاً، فنقسمه كما بيناه فيما تقدم، فما خرج لكل واحد منهم من القسمة والضرب نقسمه على مخرج ذلك الكسر الذي جعلنا التركة من جنسه، فما خرج فهو نصيبه.
مثاله: في الصورة التي ذكرناها كان التركة خمسة وستين ديناراً وثلث، فابسطها أثلاثاً تكون مائة وستة وتسعين، فكأن التركة مائة وستة وتسعون ديناراً، فاقسمها بين أربع زوجات، وثلاث جدات، وست أخوات. فأخرج لكل واحدة من الورثة من العدد المبسوط، فاقسمه على ثلاثة، فما خرج نصيباً للواحد، فهو نصيب الواحد من الجنس الذي تريده.
وهذا تمام الفرض.
6559- ولم يبق علينا بعد ذلك إلا ثلاثة أبواب: باب نجمع فيه المذاهب الغريبة في الفرائض عن الأئمة، وباب نذكر فيه المسائل الملقبات، وباب نذكر فيه وجوهاً من المعاياة وينتجز الكتاب بنجاز هذه الأبواب.

.باب: في الأقاويل الشاذة:

6560- قال العلماء: كل قول شاذ عن إمام، ففي نقله خلل، ونحن نذكر جملاً من الأقاويل الشاذة، وننبه على الخلل في النقل، ونحن نذكر إماماً إماماً من الصحابة رضي الله عنهم، وما يعزى إليه من المذاهب الغريبة.
6561- أما عليُّ بنُ أبي طالب فمما نقل عنه أنه كان لا يحجب بني الإخوة بالجد وينزلهم منزلة الإخوة. وهذا رواه إسماعيلُ بن أبي خالد عن الشعبي، عن علي. وفي إسماعيل كلام.
والرواية المشهورة عن علي وابن مسعود أنهما كانا لا يورثان بني الإخوة مع الجد، وهذا هو الذي رواه أبو بكر بنُ عياش عن المغيرة، والأعمش عن إبراهيم.
ومن الغرائب ما روي أنه قاسم الجد بالإخوة إلى سبعة وإلى ثمانية فصاعداً، والصحيح أنه يقاسمه إياهم إلى خمسة، فإن زادوا، ردّه إلى السدس.
ومنها ما روي أنه جعل الفاضل عن فرض البنت بين الجد والأخت نصفين، كقول ابن مسعود.
والمشهور عنه أن للبنت النصف وللجد السدس، والباقي للأخت.
ومنها أنه كان يورث الزوجَ جميعَ المال: فرضاً ورداً، وهذا غريب جداً، وهو فيما يقال عن عثمان رضي الله عنه، وقيل: إنما فعله عثمان في زوج كان ابن عم.
ومنها ما روي أنه لم يجعل الديةَ من التركة التي يشترك فيها ورثة القتيل، وإنما جعلها لعصبة الميت فقط، قيل: رواه الحسن عنه، وهو اختيار الحسن.
والصحيح عن علي ما رواه عمرو بنُ دينار عن محمد بن علي أن عليّاً قال: "لقد ظلم من لم يورِّث الإخوة من الأم من الدية".
ومنها ما روي أنه ورث المجوسي بنكاح ذوي الأرحام، وهذا حمله العلماء على إعراضه عنه.
ومنها ما روي عنه أن المسلم يرث معتقه الكافر، وهذا غريب، لا أصل له.
ومنها ما روي أنه قال: إذا كان في التركة عبدٌ هو قريب للمتوفى، وكان يرثه لو كان حرّاً، قال: يشترى من التركة، فيعتَق، وتحسب قيمته من نصيبه، ثم يرث باقي النصيب.
6562- وأما ابن عباس، فقد رويت عنه روايات شاذة، منها: أنه جعل للبنتين النصف.
ومنها: أنه قسم الثلث بين ولد الأم للذكر مثل حظ الأنثيين.
وأنه جعل للإخوة من الأبوين السدس الذي حجبوا الأم عنه.
ولعله خصصهم به ثم يورثهم على قياس التوريث في الباقي.
ومنها: أنه قال: في أبوين وأخوين من أم: هي من تسعة: للأم ثلاثة، وللأب أربعة، ولكل أخ سهم.
ومنها: أنه قال في زوج، وأبوين، وبنت، وبنت ابن:
للزوج الربع، وللأبوين السدسان، والباقي بين البنت وبنت الابن على أربعة أسهم.
والصحيح عنه أنه قال: إن الباقي للبنت خاصة.
وروي عنه أن الكلالة من لا ولد له، ولا والد.
وروي عنه أنه قال في الجدة من قبل الأم: إنها ترث كما ترث الأم.
6563- وأما ابن مسعود فمما روي عنه شاذاً أنه ورّث أم الأب مع وجود الأب.
وروي أنه قسم الفاضل من البنت بين الأخت والجد نصفين. وهذا ليس على حد الشذوذ.
والغريب عنه أنه جعل الفاضل عن الجد بين البنت والأخت نصفين.
6564- وأما عمر، فقد روي عنه أنه ورث المولى من أسفل.
وروي عنه في توريث من أسلم على يد إنسان.
6565- وعن زيد بن ثابت أن العبد إذا أعتق، لم يجرّ ولاء أولاده ومن بعدهم. ومدار الرواية على جابر الجعفي.
هذا ذكر جُملٍ من غرائب مذاهب الصحابة رضي الله عنهم.
وأما مذاهب التابعين ومن بعدهم، فلسنا لها.

.باب: المسائل الملقبة:

6566- وهي منقسمة، فمنها ما اختص بلقب واحد، ومنها ما اجتمع له ألقاب.
6567- فمنها المنبرية، وصورتها:
زوجة، وأبوان، وبنتان
سئل عنها علي وهو على المنبر، فقال على الفور: صار ثمنها تسعاً.
6568- ومنها الملقبة بالغراء، وبالمروانية، وصورتها:
زوج، وست أخوات مفترقات
وقعت في زمن مروان وسميت غراء، لاشتهارها.
6569- ومنها أم الفروخ، وهي
زوج، وأم، وأختان لأم، وأختان لأبٍ وأمٍ
وسميت أم الفروخ. لكثرة عولها؛ فإنها عائلة بثلثيها من ستة إلى عشرة.
6570- ومنها: أم الأرامل، وهي
ثلاث زوجات، وجدتان، وأربع أخوات لأم، وثمان أخوات لأب سميت بذلك لأن جميع الورثة إناث لا ذكر فيهن.
6571- ومنها الدينارية، وصورتها أن يقال: رجل مات وخلف ورثة ذكوراً وإناثاً، وترك ستمائة دينار، فأصاب أحد ورثته ديناراً واحداً. وذلك مثل أن يخلّف.
زوجة وجدة، وبنتين، واثنا عشر أخاً، وأختاً واحدة
أصلها من أربعة وعشرين، وينتهي التصحيح إلى ستمائة، للأخت منها سهم واحد.
6572- ومنها مسألة الامتحان، وهي أن يقال: رجل مات، وخلف ورثة عدد كل جنس منهم دون العشرة، لم تصح المسألة إلا من ثلاثين ألفاً فصاعداً.
ولا يكون ذلك إلا في مسألة واحدة، وهي أن يكون قد خلف
أربع زوجات، وخمس جدات، وسبع بنات، وتسعة إخوة لأب
أصلها من أربعة وعشرين. سهام كل صنف لا تصح ولا توافق، فنضرب بعضَ الكسور في البعض، ثم نضرب المبلغ في أصل المسألة، فيكون ثلاثين ألفاً ومائتين وأربعين.
6573- ومنها الأكدرية وهي
زوج، وأم، وأخت، وجد
والمذاهب فيها مشهورة.
6574- ومنها المعادّة وصورتها بينة.
6575- ومنها مختصرة زيد:
أم، وجد، وأخت لأبٍ وأمٍ، وأخ، وأخت لأبٍ والأقوال فيها معروفة. وسميت مختصرة زيد، لأنها تعمل على البسط والاختصار، فأما البسط، فوجهه أن نقول: أصلها من ستة: للأم السدس سهم، والباقي وهو خمسة بين الأخ والأختين والجد على ستة.
وتصح من ستة وثلاثين، ويردّ فيها الأخ والأخت من الأب على الأخت من الأب والأم تمامَ النصف، يبقى معها سهمان بينهما على ثلاثة فنضرب ثلاثة في ستة وثلاثين فتبلغ مائة وثمانية.
وأما بالاختصار فنقول: للأم السدس، وللجد ثلث ما بقي، وللأخت تمام النصف، والمسألة من ثمانية عشر، فيبقى سهم بين الأخ والأخت من الأب على ثلاثة فنضرب ثلاثة في ثمانية عشر فتبلغ أربعة وخمسين.
6576- ومنها تسعينية زيد، وهي
أم، وجد، وأخت لأبٍ وأم، وأخوان وأخت لأبٍ
سميت تسعينية، لأنها تصح من تسعين.
6577- ومنها الصماء وهي كل مسألة وقع الكسر فيها على جميع أصناف الورثة من غير موافقة.
6578- ومنها المشتركة وهي معروفة.
6579- ومربعات ابن مسعود معروفة.
6580- ومسائل العول تسمى مسائل المباهلة.
وقد أكثر الفرضيون في التلقيبات، ولا نهايةَ لها، ولا حسم لأبوابها.

.كتاب الوصايا:

6581- كانت الوصية واجبةً بجميع المال للأقربين في ابتداء الإسلام، ثم نسخ وجوبها بآية المواريث، وبقي جواز الوصية لمن لا يرث.
والأصل في ذلك حديث سعد بن أبي وقاص، وهو ما روي أنه مرض بمكة، وثقل مرضه، فدخل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم عائداً، فقال سعد: «وأُخلّف هاهنا يا رسول الله، إني أموت، فيبطل ثواب هجرتي»، وكان المهاجرون يتحرزون من الإقامة بمكة، ولا يؤثرون الموت بها، ولا يُلفى بالحرم قبرُ صحابي، فقال صلى الله عليه وسلم: «إنك ستعيش حتى ينتفع بك أقوام، ويتضرر بك آخرون، لكن البائس سعد بن خولة». قال سعدُ بنُ أبي وقاص: «فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم يرثيه، ويرق له: أن مات بمكة»، قال سعد: يا رسول الله، لا يرثني إلا بنت، وهي مني بخير، أفأوصي بجميع مالي، فقال: «لا». فقال: أفأوصي بثلثي مالي، فقال: «لا». فقال: أو أوصي بشطر مالي، فقال: «لا». فقال: أو أوصي بثلث مالي، فقال صلى الله عليه وسلم: «الثلثُ. والثلث كثير، إنك أن تذر ورثتكَ أغنياء خيرٌ من أن تذرهم عالةً يتكففون الناس».
فمحل الوصايا في بيان رسول الله صلى الله عليه وسلم الثلث.
وقال صلى الله عليه وسلم: «إن الله أعطاكم في آخر أعماركم ثلث أموالكم زيادة في أعمالكم».
وحديث عمران بن حصين معروف في الأنصاري الذي أعتق ستة أعبد لا مال له غيرهم.
6582- ثم قال علماؤنا: المستحب أن ينقص الموصي من الثلث قليلاً؛ فإنه صلى الله عليه وسلم استكثر الثلث، حيث قال: «والثلث كثير».
وعن علي: "لأن أوصي بخُمس مالي أحب إليّ من أن أوصي بربع مالي، ولأن أوصي بربع مالي أحب إليّ من أوصي بثلث مالي". ومن أوصى بثلث ماله لم يترك شيئاً.
فالوصية إذاً ثبت جوازُها، وبان محلُّها.
6583- وعن عطاء أنه قال: "وجوب الوصية باقٍ في الثلث، ثم الواجب عنده أن يوصي بثلث الثلث للأجانب، وبثلثي الثلث للأقارب الذين لا يرثونه، ولو أوصى بجميع الثلث للأجانب، لم ينفذ في أكثر من ثلث الثلث".
واحتج الشافعي عليه بحديث عمران بن حصين في عتق العبيد، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم نفَّذ العتق في الثلث منهم. ووجه الدليل بيّن.
6584- ثم إن الشافعي صدّر الكتاب بما رواه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ما حق امرىء مسلم أن يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده»، وذكر للحديث تأويلين:
أحدهما: أنه قال: يحتمل: من الحزم والاحتياط للمسلم ألا يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عند رأسه، قال: ويحتمل أنه أراد بهذا أمراً بالمعروف على طريق الأولى، وهذا قريب من الأول.
ثم ظاهر الحديث قد يوهم أنه لو كتب كتاب الوصية يكتفى بكتابته، ويعوّل على كتابه، وليس الأمر كذلك عند عامة العلماء، فلابد وأن يشهد شاهدين عدلين ولا يكفي أن يشهدهما على ما في الكتاب من غير أن يطلعا عليه.
ومما شهر من هفوات بعض الأئمة، وهم من المنتمين إلى أصحابنا ما حكي أن الأمير نصرَ بنَ أحمد، من أمراء خراسان، أراد أن يوصي بوصايا فيكتبها، فيُعمل بكتابه، فاستشار العلماء، فلم يفتوا له بذلك، فاستشار محمدَ بنَ نصر المروزي، فأفتى له بالتعويل على كتابه إذا استوثق فيه، ووضعه على يد مأمون بمشهد أُمناء، واحتج بظاهر الحديث، فحظي عنده، وارتفع قدره.
وأجمع علماء الزمان على تخطئته.
ولا ينبغي أن يجيل الإنسان فكره في هذا الفصل؛ فإنه من أعظم أركان الشهادات وسيأتي القول فيه مستقصىً في موضعه، إن شاء الله تعالى.
6585- ثم قال الأئمة: الوصايا على ثلاثة أقسام: وصية بعينٍ من الأعيان كالوصية بعبد، أو دابة، أو دار، أو نحوها.
ووصية بجزء شائع مضافٍ إلى المال، كالوصية بالثلث أو الربع، ونحوهما.
ووصية بمقدارٍ مقدر من غير ذكر جزئية منسوبة إلى المال، مثل الوصية بالألف، والألفين، ونحوهما. وهذا القسم يسمى الوصايا المرسلة.
ثم يلتحق بكل قسم من هذه الأقسام ألفاظ مبهمة تؤول إلى مقصود القسم، وهذا بمثابة الوصية بمثل نصيب الابن؛ فإنها ترجع إلى الوصية بجزء، كما سيأتي بيان ذلك.
6586- والوصايا في الأقسام الثلاثة متساوية في اعتبارها من الثلث، فإن زادت على الثلث، وللموصي ورثة متعينون مختصون، فردُّوا الزيادة على الثلث، ارتدت.
وإن أجازوها، فقد اختلف قول الشافعي في الوصية بالزائد على الثلث؛ فقال في قولٍ: الوصية باطلة، لا سبيل إلى تنفيذها. فإن أرادوا الورثة تحقيقَ قصد الموصي، احتاجوا إلى ابتداء هبة على شرطها، ولا يكون ما يبتدئونه محمولاً على الوصية، ولا مبنياً عليها، وسبيل الوارث فيه كسبيله لو ابتدأ هبةً من غير تقديم وصية.
والقول الثاني: أن الوصية بالزائد على الثلث منعقدة على الصحة، ولكن لزومها ونفوذها موقوف على رضا الورثة، فإن أجازوها، نفذت، ولزمت. وإن ردوها، ارتدت بعد الانعقاد.
وهذان القولان على هذا النظم ليسا منصوصين للشافعي، ولكنه أجرى القولين في الأحكام المتفرعة، فتحصل منها على القطع ترديد القول، على حسب ما ذكرناه.
التوجيه: من قال بانعقاد الوصية، قال: إنه تصرف في ملكه، فيجب انعقاد تصرفه، غيرَ أن حق الغير متعلق به، فوقف النفوذ على رضاه.
ومن قال بعدم انعقاد الوصية قال: تعلُّقُ حق الغير يمنع انعقادها، كما منع تصرُّفَ الراهن في المرهون.
6587- التفريع على القولين: إن قلنا: إجازة الورثة تنفيذ وصية الموصي، فلا حاجة في الإلزام إلى إقباض الوارث؛ فإن ثبوت الملك في الوصية لا يستدعي القبض.
وإن كان الوصيةُ عتقاً، فالولاء للموروث في الجميع: ما يحتمله الثلث، وما يزيد.
ويصح التنفيذ بلفظ الإجازة.
6588- وإن قلنا: الإجازةُ ابتداء عطية، وليست تنفيذَ وصية، فلابد من إقباضٍ، كما لابد منه في الهبات؛ فإن ما يصدر من الوارث عين الهبة على هذا القول، وليس مشبهاً بها.
وإذا أوصى بعتق عبدٍ لا مال له غيره، فأجاز الوارث، فالولاء في الثلثين للوارث، والولاء في الثلث للموروث؛ فإنا نجعل الوارث معتقاً للثلثين على الابتداء.
وهل تتم العطية في الزائد على الثلث بلفظ الإجازة؟ فعلى وجهين على هذا القول:
أحدهما: لا تصح العطية؛ فإنها مبتدأة حكماً، والإجازة تشعر بتنفيذ الوصية المتقدمة.
والوجه الثاني: أنها تصح؛ فإن العطية وإن كانت مبتدأة، فلها تعلقٌ بما تقدم، والعبارة صالحة لتحصيل الغرض.
وهذا الخلاف مأخوذ من أصلٍ قررناه مراراً، وهو الاعتبار بالمعنى أم باللفظ في أمثال ذلك.
وفي نص الشافعي ما يدل في كتاب الصداق على أن الزوج إذا طلق زوجته قبل المسيس، ثم أراد ألا يسترد منها شيئاً، فقال: عفوت عن النصف الذي يرتد إليّ، كان هذا تمليكاً. وإن كان في عينٍ. وسنذكر هذا مستقصىً في موضعه؛ فإن لفظ الشافعي متأوّل عند معظم الأصحاب.
فإن قيل: إذا أوصى بعتق عبدٍ، لا مال له غيره، أو أعتقه تنجيزاً في مرض موته، وكان لا يرثه إلا ابن واحد، فإذا نفّذ الوصية، فهل لإضافة الولاء إلى الميت مزيد فائدة، والغرض من الولاء، التوريث به، ولا وارث للميت إلا هذا الشخص الواحد؟
قلنا: تظهر فائدة ما قلناه فيه إذا كان الميت معتقاً لرجل، والوارث معتِقاً لرجل آخر، فإذا جرى التنفيذ على ما ذكرناه، فإذا مات الوارث، ثم مات المعتَق الذي نفّذ الوارث العتق فيه، وكان معتَق الموروث الأول ومعتَق هذا الوارث حيين باقيين، فإن قلنا: الولاء كله للموروث الأول، فمالُ المعتَق الموصَى بعتقه مصروف إلى معتَق الموصي، وإلا فالثلث له والثلثان لمعتَق الوارث.
6589- ثم من مات وليس له وارث خاص، فالمسلمون ورثته، فلو أوصى وزادت وصيته على الثلث، فالوصية بالزائد على الثلث غير منفذة، كما إذا أوصى وزاد وله ورثة متعينون مخلَصون، خلافاً لأبي حنيفة؛ فإنه قال: إذا أوصى بجميع ماله، لزمت وصيتُه، ونفذت، ولا مردّ لشيء منها.
وحقيقة هذه المسألة تستند عندنا إلى أن الصرف إلى المصالح سبيله سبيل التوريث، وقد قررنا هذا في الأساليب. فلو أوصى من ليس له وارث خاص، وزاد، فلو أراد الإمام أن يجيز وصيته في الزائد، فإن جعلنا الإجازةَ من الوارث الخاص ابتداءَ عطية، فلا معنى له من الوارث، فما الظن بالإمام؟ ولكن الإمام إن أراد على حكم النظر والمصلحة أن يبتدىء صرف الزائد إلى تلك المصارف، لم يمنع ذلك.
وإن قلنا: الإجازة من الوارث تنفيذ للوصية، فقد اختلف جواب القاضي في هذا فقال مرة: إن وافق التنفيذ المصلحة، لم يبعد أن يجوز للإمام التنفيذ، ويكون شرط المصلحة في هذا المقام بمثابة الرضا من الوارث، وقال مرة: لا يجيز الإمام ولا يتصور الإجازة في هذه المنزلة.
وإن قلنا: الإجازة من الوارث الخاص تنفيذ، فإن وجوه المصالح لا تنضبط، فالوجه حسم الباب، وقطعُ أثر الوصية بالزائد بالكلية؛ فإن التنفيذ من الوارث موقوف على إرادته وهذا هو المعهود في إجازة العقود الموقوفة على رضا المجيزين، فأما ما يتوقف على المصلحة ولا ضبط لها، فلا يتجه فيها التنفيذ.
والمسألة محتملة.
6590- ولعل الظاهر تجويز التنفيذ على حسب المصلحة.
ثم إذا جرينا على جواز التنفيذ، فيتصور حالتان:
إحداهما: ألا تتصور مصلحة أولى مما اشتملت الوصية عليه، فإن كان كذلك، فلا حاجة إلى التنفيذ، ولكن لابد وأن يظهر للإمام ذلك، وهذا كإظهار القضاء عند قيام ما يوجبه؛ إذ ليس القضاء عندنا موجباً أمراً على سبيل الابتداء.
والحالة الثانية: أن يتصور مصلحة تماثل ما أوصى به، وكان الإمام لولا الوصية يتخير عند تماثل الجهات في صرف هذا المال إلى أيتها شاء، فإذا تصور من المسألة كذلك، فهل يتعين على الإمام التنفيذ؟ أم له نقض تلك الوصية، ثم هو على نظره في تعيين الجهات؟ هذا فيه تردد يسبق إلى الفهم.
والوجه: القطع برد الأمر إلى رأي الإمام. والعلم عند الله تعالى.
6591- ومما نذكره في تصدير الكتاب، الوصية للوارث وفيها طريقان للأئمة: منهم من قطع ببطلانها، ومنهم من نزّل الوصيةَ للوراث منزلة الوصية للأجنبي بالزائد على الثلث، وقد مضى اختلاف القول فيه، وستأتي الوصية للوارث مفصلة في أثناء الكتاب، إن شاء الله عز وجل.
فصل:
قال الشافعي: "ولو أوصى بمثل نصيب ابنه... إلى آخره".
6592- ذكر الشافعي الوصية بمثل نصيب الورثة، ثم ذكر الوصية بجزءٍ شائع من المال، ونحن نرى في تقريب التفهيم أن نذكر الوصية بالجزءِ الشائع أولاً، ثم نذكر الوصية بالنصيب. فإذا انتجز القول في هذين الفصلين مفردين، فننتهي بعد ذلك إلى الجمع بين الوصية بالنصيب وبين الوصية بالجزءِ، وعند ذلك نقف، وننكف عن الخوض في فقه الكتاب، ونذكر قاعدةَ الجبر والمقابلة، على مراسم علماء الحساب، ونتعدى قليلاً حدودَ الفقهاء، ونتشوف بعون الله تعالى وحسن توفيقه إلى تسهيل الطريق على الناظر في جميع المسائل الحسابية المتعلقة بالوصايا والدَّوْر، والمعاملات، والعين، والدين، ولا نغادر مسألة تتعلق بالحساب إلا نأتي بها في أبوابٍ مرتبةٍ، وفصولٍ مفصلة، فتقع مسائل الوصايا جزءاً مما نحاول. ونحن في ذلك كله نبرأ إلى الله تعالى من حولنا وقوتنا، ونستعين به.
فنبدأ بالوصية بالجزء؛ فإن العمل فيها يداني العمل في مسائل الفرائض، ولا يحتاج المستخرج إلى أصلٍ، لم نمهده في حساب الفرائض.
6593- فإذا أوصى بجزءٍ شائع، وله ورثة، فالطريقة المثلى أن نصحح فريضة الميراث بطريق تصحيحها، أَحْوَجَتْ إلى التصحيح، أو صحت من أصلها، عالت أوْ لم تَعُل، ثم نجعل جزءَ الوصية فريضةً برأسها، ونخرج الوصية، وننظر إلى ما بقي من فريضة الوصية.
فإن كانت تلك البقية تنقسم على فريضة الورثة، فبها ونعمت.
وإن لم تنقسم تلك البقية على فريضة الورثة، فإن لم توافق تلك البقية فريضة الورثة، ضربنا فريضة الميراث في فريضة الوصية، فما بلغ، فمنه يصح حساب الوصية والميراث جميعاً.
وإن وافقت تلك البقية فريضة الورثة بجزءٍ، أخذنا جزءَ الموافقة من فريضة الميراث، وضربناه في فريضة الوصية، فمنه يصح الحساب كله.
6594- والجملةُ أنا نجعل فريضة الوصية مع فريضة الميراث بمثابة فريضتين في مسائل المناسخات، وفريضة الوصية أولاهما؛ فإن حق الوصية أن تُقدم في محلها، والباقي من جزء الوصية بمثابة سهام لبعض الورثة يموت عنها ويخلِّف ورثة.
وهذا القدر كاف، ولكنا نقيم مراسمَ الأصحاب في البيان والتمثيل. مثاله: أوصى لواحدٍ بربع ماله، وله ثلاثة من البنين.
فمسألة الوصية من أربعة، فتبقى ثلاثة أسهم من ثلاثة، فقد صحت الفريضتان من مسألة الوصية.
ولو أوصى بثلث ماله، ومات عن أبوين، وبنتين.
ففريضة الوصية من ثلاثة، وفريضة الميراث من ستة، فنخرج الوصية من فريضة الوصية، وهو سهم من ثلاثة، بقي سهمان لا ينقسمان على ستة، وبينهما موافقة بالنصف، فاضرب نصف الستة في فريضة الوصية، فتصير تسعة، فللموصى له ثلث المبلغ ولأهل الفرائض ستة.
6595- وذكر بعضُ الحُسَّاب طريقة ثانية يسمونها طريقة النسبة، وهي حسنة جارية، وأمُّ الحساب النسبة، وهي التي تُخرج المجاهيل، وكل طريقة حُررت في تقريب الحساب، فهي متلقاة من نوع النسبة. وإذا جهلت النسبة، لم يخرج مجهول أصلاً.
وبيان الطريقة هاهنا: أن نصحح فريضة الميراث، كما ذكرناه، ونصحح فريضة الوصية، ثم نعطي من فريضة الوصيةِ الوصيةَ، ثم ننظر كيف نسبة هذا الذي أعطيتَ إلى ما بقّيت من فريضة الوصية، فبتلك النسبة زِدْ على فريضة الميراث إذا كانت فريضته لا تصح من بقية الوصية، فنقول في هذه المسألة: فريضة الميراث من ستة، وفريضة الوصية من ثلاثة أعط منها الثلث، وهو سهم، ثم انسب ذلك السهم إلى ما بقي وهو سهمان، فإذا هو نصفه، فزد على فريضة الميراث مثلَ نصفه فتصير تسعة، فمنه تصح.
6596- فلو خلّف أبوين، وابنين، وأوصى بربع ماله لواحد، وسدس ماله لآخر، فنذكر إجازة الوصية الزائدة على الثلث، ثم نذكر الرد.
فإن أجاز الورثة الوصية بالزائد، فعلى الطريقة الأولى تصحح فريضة الميراث من ستة وفريضة الوصية من اثني عشر، فنعطي الوصيتين: لصاحب الربع ثلاثة ولصاحب السدس سهمان بقي سبعة، لا تنقسم على فريضة الميراث، ولا توافقها، فنضرب ستة في اثني عشر، فيرد اثنين وسبعين، فأعط صاحبَ الربع ثلاثة مضروبة في ستة، وهي ثمانية عشر، وصاحب السدس اثنين في ستة، وهو اثنا عشر. بقي اثنان وأربعون سهماً، تنقسم على فريضة الميراث لا محالة.
وعلى طريقة النسبة نخرج للوصيتين خمسة، فبقي سبعة، فتنسب الخمسة إلى السبعة، فإذا هي خمسة الأسباع، فرد على فريضة الميراث خمسة أسباعها، وخمسةُ أسباعِ ستةٍ ثلاثون سُبعاً، فنبسط الكل أسباعاً؛ تبلغ اثنين وسبعين، وتلتقي الطريقتان. هذا إذا أجاز الورثةُ الوصيةَ بالزائد على الثلث.
6597- فإن لم يجيزوا إلا الثلثَ، فاقسم الثلث بين صاحبي الوصيتين على قدر حقهما أخماساً، لأن الربع والسُدس خمسة من اثني عشر، فيضرِب صاحبُ الربع بثلاثة أسهم، وصاحب السدس بسهمين.
وإن كان الثلث خمسة، فجميع المسألة خمسة عشر، وإذا أخرجنا الثلث بقي عشرة، لا تنقسم على فريضة الميراث وبينهما موافقة بالنصف، فاضرب نصف الستة، وهو ثلاثة في خمسة عشر، فتردّ خمسةً وأربعين للموصى له بالربع تسعة، وللموصى له بالسدس ستة، ويبقى للورثة ثلاثون، تنقسم على ستة.
وعلى طريقة النسبة عند الرد زِدْ على فريضة الميراث، وهي ستة مثلَ نصفها؛ لتكون الزيادة ثلث الجميع، وذلك تسعة، فاقسم تلك الزيادة بين صاحبي الوصيتين أخماساً، فثلاثةُ أخماس (ثلاثةٍ) تسعةُ أخماس، وهي واحد وأربعة أخماس، فهذا للموصى له بالربع، والباقي وهو ستة أخماس، وهي واحد وخُمس للموصى له بالسدس.
ثم ابسط الجميع وهو تسعة على مخرج الخُمس، فتصير خمسة وأربعين.
6598- صورة أخرى: أوصى لواحدٍ بالربع، ولآخر بالثلث، وفريضة الميراث، كما ذكرنا، فمسألة الوصية من اثني عشر، فنقول: قصارى الحساب يؤول إلى ستة في اثني عشر، فإنك إذا أخرجت الثلث من اثني عشر، وهو أربعة، وأخرجت الربع، وهو ثلاثة، فتبقى خمسة لا تستقيم على فريضة الميراث، ولا توافق، فنضرب ستة في اثني عشر، فيردّ اثنين وسبعين، فتصح الفريضتان.
وعلى الطريقة الثانية: أخرجنا من اثني عشر عند الإجازة أربعة وثلاثة، فالمجموع سبعة، والباقي خمسة، فننسب ما أعطينا إلى ما بقَّينا، فإذاً المخرَج مثلُ الباقي، ومثلُ خُمْسَيه، فزد على فريضة الميراث وهي ستة مثلَها، ومثل خمسيها، فمثلها ستة، ومثل خمسيها اثنان وخمسان، فذلك أربعةَ عشرَ وخمسان، فابسط ذلك على مخرج الخمس، فيبلغ اثنين وسبعين، فتلتقي الطريقتان.
وإن فرضنا الرد، لم يخفَ طردُ الطريقتين، وتقريرُهما على القياس الذي مهدناه، وهذا هيّن على من أحكم ما قدمناه من أصول الحساب في الفرائض.
هذا بيان الوصية بالجزءِ والجزأين والأجزاء، في صورة الانحصار في الثلث، والزيادة عليه، وفي حالتي الإجازة والرد إذا زادت الوصية.
6599- فأما القول في الوصية بمثل نصيب وارث، فنقول: إذا أوصى بمثل نصيب ابنه لواحد، وله ابن واحد، لا وارث له غيره، فهذه وصية بنصف المال. إن أجازها الوارث، فإن ردّها، فالزيادة على الثلث مردودة، والوصية قارّةٌ في الثلث، ومخرج ذلك أن الابن يستحق كلَّ المال إذا لم تكن وصية، فإذا قال: أوصيت لفلان بمثل نصيب ابني، فقد أوصى له في الحقيقة بكل المال على وجهٍ لا يتضمن حرمان الابن وإخراجه من الوراثة، فإذا قال: أوصيتُ لفلان بمثل نصيب ابني، فكأنه نزّلهما منزلةً واحدة، وموجبُ قوله يتضمن استواءهما. وكان الموصى له في تقدير ابنٍ ثانٍ، وهذا مذهب أبي حنيفة.
وعبر بعضُ الأصحاب عن قاعدة المذهب، فقالوا: حق الابن من غير تقدير وصية الاستغراق، فإذا أحل الموصى له محلّه، فكأنه أثبت له كلَّ المال، مع الكل الثابت بالإرث لولا الوصية، وإذا عال مبلغٌ بمثله، كان الزائد مثلَ المزيد عليه، وموجب ذلك الاشتراك لا محالة على الاستواء.
6600- ولو قال الموصي: أوصيت لفلانٍ بنصيب ابني، وله ابن واحد، فالذي نقله الأئمة المعتبرون من أصحاب الشافعي أن الوصية بنصيب الابن بمثابة الوصية بمثل نصيب الابن، وهذا هو الذي نقله الفرضيون المتظاهرون بعلم الحساب، منهم الأستاذ أبو منصور وغيرُه، وحكَوْا عن أبي حنيفة أنه أبطل الوصية إذا قال الموصي: أوصيت لفلانٍ بنصيب ابني، وزعم أن هذه الصيغة فاسدة؛ من جهة أنها تقتضي وصية بمستحق، فإن نصيب الابن مستحَق له، والوصية بالمستحق باطلة، بمثابة الوصية بمال الغير.
هذا مذهب أبي حنيفة، وليس كما لو قال: أوصيت بمثل نصيب ابني، فإن لفظ الوصية يشعر بكون الموصَى به مغايراً للنصيب المعتبر زائداً عليه؛ فإن مثل الشيء غيرُه لا محالة.
وأقام الأئمة مسألة خلافية مع أبي حنيفة وأجرَوْا في أثناء الاحتجاج مسألة مستفادة من مسائل المعاملات، وهي أن الرجل إذا قال لمن يعامله: بعتك داري هذه بما باع به فلان عبده، وكانا عالمين بالمبلغ الذي باع به فلان عبده، فالبيع يصح، وإن كان لفظه مضافاً إلى ما باع به فلان عبده، وهو مستحق في بيع ذلك الإنسان، ولكن المقصود من العبارة البيع بمثل ما باع به فلان عبده، فإن سلم أبو حنيفة هذا، قامت الحجة عليه مع ترجيح ظاهر؛ فإنا قد نحتمل في الوصايا ما لا نحتمله في البيع، كما سيأتي ذلك مشروحاً في المسائل، إن شاء الله تعالى.
فإن منع أبو حنيفة المسألة، لم يضرنا منعُه إياها، مع علمنا بجريان هذه العبارة واطرادها، والمراد البيع بمثل ما باع به فلان، وهذا له مزيد اتجاه على رأي أبي حنيفة، فإنه يحمل العقود على الصحة، إذا وجد لها محملاً.
هذا هو المنقول عن أئمة المذهب.
6601- وذكر العراقيون في طريقهم أن الوصية بالنصيب باطلة، كما صار إليه أبو حنيفة، وذكروا هذا ذِكْر من بلغه في نقل المذهب غيرُه، ولكنهم زينوه، وقطعوا بما ذكروه، ولم يصححوا إلا الوصيةَ بمثل النصيب، وسلكوا في تعليل ما ذهبوا إليه مسلك أبي حنيفة بعينه.
ثم قالوا: لا يُلفى للشافعي في المختصر وفي غيره من الكتب التعرضُ للوصية بالنصيب، لكنه يُقَيّدٍ كلامَه، رضي الله عنه في جميع مسائل هذا الأصل بالوصية بمثل النصيب.
وزعموا أن من ألحق الوصية بالنصيب بالوصية بمثل النصيب، فليس ناقلاً مذهبَ الشافعي عن نص، وإنما هو مُتقوِّل عليه عن قياسٍ، ولا شك أنهم على هذه الطريقة لا يصححون بيعَ الرجل بما باع به فلان عبده، ويشترطون في البيع بهذه الجهة أن يقول: بعتك داري هذه بمثل ما باع به فلانٌ عبده؛ فإن الفساد إلى البيع أسرع في هذه المعاني منه إلى الوصية؛ ولذلك لا يصح البيع مع إبهام المبيع، مثل أن يقول البائع: بعتك عبداً من عبيدي، والوصية تصح على هذه الصيغة مع إبهام الموصى به.
هذا كلامهم، وهو مباين لما عرفه علماؤنا من مذهب الشافعي. ولست أرى الاعتداد بما قالوه، بل الوجه القطع في مذهب الشافعي بأن الوصية بالنصيب، كالوصية بمثل النصيب.
6602- فإذا انتجز الفراغ من هذا، عدنا إلى ترتيب المذهب مع نقل المشاهير من مذهب العلماء.
قال مالك: من أوصى لرجل بنصيب ابنه، أو بمثل نصيب ابنه، وله ابن واحد، فمقتضى الوصية الاستغراق، وكأنه أوصى له بجميع ماله، فإن أجيزت، نفذت على هذا الوجه.
وغيره من العلماء قالوا: الوصية بمثل نصيب الابن ليست مستغرِقة، وإنما هي مشتركة على الاستواء، كما قدمناه.
وعبر المعبرون عن مذهب الإمامين مالك والشافعي، فقالوا: مالك يعتبر النصيب بنصيب الابن قبل الوصية، ثم حق الابن الاستغراق إذا لم تكن وصية. والشافعي يعتبر الوصية مع ثبوت الابن، ومقتضى ذلك التشريك.
وقال شَريك، والحسنُ بن زياد اللؤلؤي: إن أوصى بمثل نصيب الابن، فهو وصية بالنصف، كما قال الشافعي وإن أوصى بنصيب الابن، فهو وصية بجميع المال، كما صار إليه مالك.
6603- ثم إنا نمهد بعد ذلك قاعدة المذهب، ونطرده على وجهه، وننعطف على التمهيد على ذكر مسائلَ ذكرها الأستاذ أبو منصور، ونقل في بعضها تخريجات لابن سريج، ليس يعرفها فقهاء المذهب. فنقول:
إذا كان للرجل ابنان، فأوصى لإنسان بمثل نصيب أحد الابنين، فمذهب الشافعي وأبي حنيفة أن هذه وصية بثلث المال؛ فإن ذلك تقرير الابنين على أصل الاستحقاق، وتنزيل الموصى له منزلة ابن ثالث، حتى يشتركوا على استواء، ومن فهم التنصيف والابنُ واحد، لم يخف عليه التثليث وفي المسألة ابنان، إذا وقعت الوصية بنصيب أحدهما.
فالوجه على مذهب الشافعي وغيرِه من العلماء أن نقيم فريضة الميراث بين الابنين، ثم نزيد في الفريضة مثلَ نصيب أحدهما، ونعود فنقسم التركة على هذه النسبة بين جهة الوصية والميراث.
فإذا كان في المسألة ابنان، فالميراث دون الوصية يقام من سهمين، فتمسك نسبَهما وتزيد سهماً.
وقال مالك: الوصية بنصيب أحد الابنين وصية بالنصف، وهذا بناه على أصله في أن الوصية معتبرة بنصيب من ذكر نصيبه قبل الوصية، ونصيب أحد الابنين النصف، إذا لم تكن وصية.
والشافعي يعتبر تقدير الابنين والتشريك معهما، وتنزيل الموصى له منزلة ابن ثالث.
فإن كان له ثلاثة بنين، فأوصى لإنسان بمثل نصيب أحد البنين، فالوصية بالربع عند الشافعي، والموصى له بمثابة ابن رابع.
وعند مالك الوصية بالثلث.
ولو كان له بنت وعصبة، وأوصى لواحد بمثل نصيب البنت، فللموصى له الثلث، فإنا نقيمه مقام بنت أخرى لو كانت.
ولو كان في المسألة بنتان وعصبة، لكنا نصرف إلى البنتين الثلثين والباقي إلى العصبة.
6604- وقد تقع فرائض فيها مقدَّرات، ونفرض الوصية بمثل نصيب بعض الورثة، فأصل مذهبنا وقياسه أن نقيم فريضة الميراث، ونصححها، عائلة وغير عائلة، من غير وصية، ثم نتبين نصيب من أضيفت الوصية إلى نصيبه، ونزيد في المسألة مثل ذلك، ونعيد القسمة.
فإذا كان له ثلاث بنات، وعصبة، فأوصى لواحد بمثل نصيب إحدى بناته، ففريضة الميراث من غير وصية من تسعة، لكل واحدة من البنات سهمان، فتزيد على التسعة سهمين للموصى له، فتصير الفريضة الجامعة للنصيب والميراث من إحدى عشر.
ولو كان له بنت وثلاثة بنين، فأوصى لواحدٍ بمثل نصيب البنت، ففريضة الميراث من سبعة، للبنت سهم واحد، فنزيد للوصية سهماً آخر، فتقع الوصية من ثمانٍ، ونعيد القسمة من ثمانية: للوصية سهم، والباقي بين البنين والبنات للذكر مثل حظ الأنثيين.
6605- ولو أوصى لإنسان بمثل نصيب أحد الورثة، والفريضة مشتملة على أصناف من الورثة وحصصهم مختلفة، فالوصية منزّلة على أقل الأنصباء، وهذا من أقطاب كتاب الوصية، وسيأتي مشروحاً في المسائل.
فلو أوصى لإنسان بمثل نصيب أحد الورثة، وكان في المسألة: بنت، وعشر أخوات، فإنا نقيم فريضة الميراث من اثنين، ثم نصححها من عشرين، فنتبين أن نصيب كل أخت سهم من عشرين سهماً، فنقيم الفريضة الجامعة من أحد وعشرين.
ولو كانت له عشر بنات، وأخت، فأوصى لإنسان بنصيب إحدى بناته، ففريضة الميراث من ثلاثة، ثم بالتصحيح تبلغ خمسة عشر، لكل بنت منها سهم، فنزيد للوصية فيها سهماً آخر، ونجعل الفريضة الجامعة من ستة عشر، للوصية واحد، ولكل بنت واحد، وللأخت خمسة.
ولو كان للرجل أربع زوجات، وأولاد، فأوصى بمثل نصيب زوجة، فنقيم فريضة الميراث ونفُضّ الثمنَ فيها على أربع زوجات، ثم نزيد للوصية بمثل نصيب زوجة، ولا مبالاة بتقدير زوجة خامسة، وإن كان ذلك غيرَ سائغ تحقيقاً؛ فإن الوصايا تنزل على الأقدار، لا على حقائق الوقائع، وهذا بمثابة الوصية بمثل نصيب الأم، فالوجه تقدير أم مع الأم، وهذا لا يقع وجوداً، والوصية منزلة على تقديره.
6606- ومما يتعلق بصور الفصل أنه لو كان للرجل ابن، فأوصى لرجل بنصيب ابنٍ ثانٍ لو كان، فهذا بمثابة ما لو كان له ابنان، فأوصى لرجل بنصيب أحدهما فتقع الوصية بالملثلث.
ولو كان له ابنان، فقال: أوصيت لفلان بمثل نصيب ابنٍ ثالث لو كان، فهذه وصية بالربع والابن المقدر في حكم الوصية كالابن الموجود.
وهذا القياس يطرد في جميع الورثة على اختلاف أصنافهم لو قُدّروا.
ولو كان لرجلٍ ثلاثُ بنين وبنت، فقال: أوصيتُ لفلان بمثل نصيب بنت ثانية لو كانت، فالوجه أن نقيم فريضة الميراث على ثلاثة بنين وبنتين، ولو كانت، لصحت المسألة من ثمانية لكل ابن اثنان، ولكل بنت واحد، فنزيد الوصية سهماً تاسعاً، ونستبين أن الوصية وقعت بالتسع.
فهذا بيان الوصية بمثل نصيب وارث مقدر لو كان.
6607- وحكى شيخي عن الأستاذ أبي إسحاق أنه كان يقول: إذا أوصى من له ابن بمثل نصيب ابن ثان لو كان، فهذا بمثابة الوصية بالنصف، وكأنه في الوصية أقام الموصى له مقام ابنٍ ثان، وعلى هذا لو كان له ابنان، فأوصى لرجل بمثل نصيب ابنٍ ثالث لو كان، فالوصية بالثلث، وهي متضمنةٌ قيامَه مقام ابن ثالث، وليس كما لو قال: أوصيت لفلان بمثل نصيب ابني، فهذا يتضمن تشريكاً ومزاحمة، وسبيله من ذِكْره.
وهذا الذي حكاه عن الأستاذ متجه من طريق المعنى مُخيل أخذاً من صيغة اللفظ، ولكنه ليس معدوداً من مذهب الشافعي، والأستاذ مسبوق فيه باتفاق الأصحاب على مخالفته.
فإن صار إلى مذهبه بعضُ المتقدمين، فهو مذهب من المذاهب، وليس معدوداً من مذهب الشافعي، وإن لم يوافق ما نقل عنه من مذهب المتقدمين، فلا نظن به على علو قدره مخالفةً للإجماع. ولعله ذكر ما ذكره إظهاراً لوجهٍ في الاحتمال من غير أن يعتقده مذهباً.
6608- ولو خلّف الرجل بنتاً، وبنت ابن، وعصبة، وكان أوصى لرجل بنصيب أحد ولديه، فهذه الصيغة تتضمن إدراج ولد الابن في قضية لفظ الولدين، وقد ظهر اختلاف أصحابنا في أن اسم الولد على الإطلاق هل يتناول ولد الولد؟ وهذا قد قدمنا ذكره في الوقف، وسنعيده في مسائل الوصايا، إن شاء الله عز وجل.
وهذا في الإطلاق، فإذا وقع التصريح بإدراج ولد الولد في التثنية المشتملة على ولد الصلب وولد الابن، لم يكن إطلاق ذلك ممتنعاً على هذا الوجه.
فإذا تبين هذا، فالوصية بمثل نصيب أحدهما منزلةٌ على أقل النصيبين، ونصيب بنت الابن أقلُّ، فنزّلت الوصية عليه. وصارت المسألة مع ما فيها من الترديد بمثابة ما لو صرح بالتوصية بمثل نصيب بنت الابن في المسألة التي فرضناها، ولو صرح، لكنا نقيم فريضة الميراث أولاً، ونقول: للبنت النصف، وهو ثلاثة من ستة، ولبنت الابن السدس، وهو سهم من ستة، والباقي وهو سهمان للعصبة. فقد قامت فريضة الميراث من ستة، وبان أن لبنت الابن سهماً منها، فنزيد لمكان الوصية سهماً ونضمه إلى الستة، فالفريضة الجامعة للوصية والميراث من سبعة للموصى لهم سهم، والستة الباقية مقسومة على فرائض الله تعالى. والوصية تتضمن إدخال النقص على حصص أصناف الورثة.
والشافعي ذكر هذه المسألة في المختصر، وأجرى لفظةً أشكلت على بعض الأكابر، وذلك أنه قال للمسألة التي نحن فيها: "للموصى له بمثل نصيب ثلث البنت سدس المال".
وظاهر هذا أنه يفوز بالسدس، ثم خمسة الأسداس تقسم على فرائض الله تعالى.
ولو كان كذلك، لكان نصيب بنت الابن أقلَّ من مال الوصية على القاعدة التي ذكرها الموصِي؛ فإنه جعل مال الوصية مثلَ نصيب من شبهت الوصية بنصيبه. وهذا لو قيل به يفسد قياس الباب بالكلية.
وقد نص الشافعي في سياق هذا الكلام على أن الوصية تدخل على فريضة الميراث كما مهدناه، فالسدس الذي أطلقه أراد به سدساً عائلاً. وهذا لا يسوغ التماري فيه أصلاً، ومن عرّضنا باسمه-وهو الأستاذ أبو منصور- ذكر في بعض مجموعاته أن الشافعي يثبت للوصية في المسألة التي ذكرناها سدسَ جميع المال، ونقل لفظ الشافعي في المختصر، فقال: قال الشافعي في هذه المسألة: "أعطيته السدس"، واعتقدَ هذا مذهباً للشافعي، وحكى عن ابن سُريج ما جعلناه أصلَ المذهب، وقال: للوصية السبع، وهو في التحقيق السدس العائل، وذكْرُه مذهبَ ابن سريج في معرض الاستدراك على الشافعي يصرّح بأنه اعتقد للشافعي مذهباً يخالف مذهب ابن سريج. وهذا محال.
ومن ظن بالشافعي هذا الظن، فقد سها سهواً بيناً.
وما ذكرت هذا لأعده من المذهب؛ فإن المذهب المبتوت الذي لا مراء فيه ما عزاه إلى ابن سُريج، ونصُّ السدس في لفظ الشافعي محمول على السدس العائل.
والعجب أنه نقل نصَّ الشافعي في جميع المسائل على قياس إدخال الوصية على فريضة الميراث عَوْلاً، ثم ظن في هذه المسألة على الخصوص أن الشافعي ترك قياس الباب.
6609- ولو ترك ابنين، وكان أوصى لزيد بمثل نصيب أحدهما، ولعمرو بمثل نصيب الثاني، فإن أجازا الوصية بالزائد على الثلث، فالمال يقع بينهم أرباعاً، وإن لم يجيزا وردّا الوصية بالزائد، انحصرت الوصيتان في الثلث، وأُشرك فيه زيدٌ وعمرٌو بالسوية، فلكل واحد منهما نصف الثلث، وهو السدس.
6610- ومن الأصول التي تدار عليها مسائل الوصايا اعتبار نسبة القسمة في فريضة الرد بالقسمة في فريضة الإجازة إذا استويا حالة الرد.
6611- ولو أجازا الوصية لأحدهما، ولم يُجَز للآخر، فمذهب الشافعي، ومذهب الأئمة المعتبرين أن يقال: يفوز كل واحد منهما بالسدس من المال، استحقاقاً من غير حاجةٍ إلى إجازة، ولو أجازا الوصيتين لأثّرت إجازتهما في تثبيت نصف السدس لكل واحد منهما، مضموماً إلى السدس الذي استحقه من غير إجازة، فإذا رُدَّ الزيادة في حق أحدهما، لم يستحق ذلك الشخص إلا السدسَ، ويبقى الزائد في حق من أجاز الوصية في حقه.
والمسألة تصح من أربعة وعشرين، لمن أجاز له ستة أسهم، وهو ربع المال المقدر الذي يستحقه لو أجاز الوصيتين، ولمن رد الزائد في حقه أربعة، وهو سدس المال، ولكل ابنٍ سبعة أسهم- وإنما ذلك لأنهما لما ردا الزائد في حق أحدهما، والزائد سهمان، اقتسماها بينهما، وهذا هو الذي لم يعرف الأصحابُ غيرَه، وهو الذي عزاه الأستاذ إلى قياس مذهب الشافعي.
6612- وحكى عن ابن سُرَيج مذهباً آخر، في نهاية الركاكة والضعف، ولم يحكه أحد من الأصحاب، ونحن نذكره، ونذكر المسلك الذي ذكره الأستاذ حكايةً عنه، ثم نذكر بعد ذلك مثالين أو ثلاثة للإيناس، ونذكر ما حكاه عن ابن سُريج فيها، أو في بعضها، ونبيّن أن التعويل على القياس الذي مهدناه.
قال ابن سريج فيما حكاه في المسألة التي نحن فيها: إذا أجاز لأحدهما، فنضم السدسَ الذي في يد من أجاز له إلى ما في يد الاثنين، وللمردود السدس فحسب، ثم إذا ضممنا جميعَ ما في يد من أجاز له، اقتسموا بالسوية أثلاثاً، فتصح القسمة من ثمانيةَ عشرَ، فإنها قُدِّرت من ستة، السدس منها المردود وصية، والخمسة الأسداس مقسومة على الابنين، وعلى من أجيزت وصيته، فتنكسر الخمسة على الثلاثة، ولا توافق، فنضرب ثلاثة في ستة، ونُجري القسمة على ما ذكرناه.
وهذا زلل عظيم، وحَيْدٌ عن مسلك الحق إلى تعقيدٍ، لا خير فيه، وأعظم غلط فيما ذُكر أنه أدخل السدس في حق من أجيزت وصيته في حساب الإجازة، وهذا خطأ؛ من قِبَل أن السدس مستحَقٌّ، لا أثر للإجازة فيه، وإنما تؤثر الإجازة في الزائد على السدس المحسوب من الثلث، وذلك الزائد نصف السدس، فما يردُّ من نصيب المردود عليه يرجع إلى الورثة، لا إلى الموصى له الآخر.
المسألة بحالها، فإن أجاز أحد الابنين لأحدهما، ولم يُجِز للآخر، ورد الابنُ الثاني الوصية بالزيادة في حقهما، فالمذهب المبتوت أن نقول: المسألة من أربعة وعشرين: لمن لم يُجز له أربعة، ومن أجاز له أحدُهما يأخذ أربعة بلا إجازة؛ فإن هذا القدرَ مستحق له، والباقي إلى تمام حقه، وهو الربع سهمان، وثبوتهما له موقوف على إجازة الابنين، وقد أجاز أحدُهما، وردَّ الثاني، فيصير في يده خمسة، ومع المجيز سبعة، ومع الابن الآخر ثمانية.
وقال ابنُ سريج: فيما حكاه الأستاذ عنه: المسألة من ثمانيةَ عشرَ: للموصى لهما ستة بغير إجازة، لكل واحد منهما ثلاثة، فيبقى في يد كل ابن ستة، فيدفع المجيزُ منهما مما في يده سهما واحداً إلى من أجاز له؛ لأنهما لو أجازا له، كان لكل واحد منهم خمسة، فإذا أجاز له أحدهما، أعطاه نصف ما بقي له، وهو سهم، فللابن المجيز خمسة، ولمن أجاز له أربعة، وللابن الآخر ستة وللموصى له الآخر ثلاثة.
وهذا غلطٌ صريح؛ فإنه قَدّر له خمسة من ثمانيةَ عشرَ، وهو أكثر من الربع، ثم نصَّف الزيادة وجرى فيه على قياسه الأول.
6613- فإن ترك ابناً وبنتاً، وأوصى بمثل نصيب الابن، فأجاز الابن دون البنت، فلو أجازا، لكانت الفريضة الجامعة خمسة: للموصى له سهمان، وللابن سهمان، وللبنت سهم.
ولو ردّا، لصحت الفريضة الجامعة من تسعة؛ فإنا كنا نقول: للموصى له الثلث، والباقي وهو سهمان بين الابن والبنت على ثلاثة، فنضرب ثلاثة في ثلاثة، فللموصى له من التسعة ثلاثة، وللابن أربعة، وللبنت سهمان.
ففريضة الإجازة خمسة، وفريضة الرد تسعة، ولا موافقة، فنضرب إحدى الفريضتين في الآخر: خمسة في تسعة، فيرُدُّ خمسةً وأربعين، فإذا أجاز الابن، ولم تُجز البنت، فللبنت سهامها من فريضة الرد، وهو اثنان، مضروبة في فريضة الإجازة وهي خمسة، فلها عشرة.
وندفع إلى الابن سهامه من فريضة الإجازة، وهو سهمان مضروبان في فريضة الرد وهي تسعة، فله ثمانيةَ عشرَ، والباقي للموصى له وهو تسعةَ عشرَ.
وإن شئت قلت: لو لم يجيزا، لكان للموصى له الثلث: خمسةَ عشرَ، وللابن عشرون، وللبنت عشرة.
ولو أجازا، لكان للابن ثمانية عشر، وللبنت تسعة، وللموصى له ثمانيةَ عشرَ، وقد أخذ خمسة عشر بغير إجازة، وبقي له إلى تمام حقه ثلاثة، يأخذ ثلثيها من يد الابن، وثلثها من البنت، فإذا ردت البنتُ، استردت سهماً ضمته إلى تسعتها، وإذا أجاز الابن فرد في يده سهمين مضمومين إلى الخمسةَ عشرَ.
6614- ولو أوصى لرجل بمثل نصيب الابن، وللآخر بمثل نصيب البنت.
فإن أجازا، فالفريضة من ستة، للموصى له بمثل نصيب الابن سهمان، وللموصى له بمثل نصيب البنت سهم، وللابن سهمان، وللبنت سهم.
وإن لم يجيزا، فالفريضة من تسعة: ثلثها وهو ثلاثة للموصى لهما: لصاحب الابن سهمان، ولصاحب البنت سهم. والباقي من المال وهو ستة أسهم بين الولدين: للابن منها أربعة وللبنت سهمان.
وإن أجاز لهما الابن دون البنت، فالذي لا يسوغ غيره أن نقول: للموصى لهما الثلث بلا إجازة، وهو بينهما أثلاثاً، كما قدمنا، فقاعدة الفرض من تسعة، ثم لو أجازا جميعاً، فالفريضة من ستة، ولو ردا، فالفريضة من تسعة: للابن أربعة، وللبنت سهمان، ولصاحب الابن سهمان، ولصاحب البنت سهم.
فالآن إذا أجاز الابن، فله ثلث المال، كما كان له الثلث، لو أجازا، وثلث التسعة ثلاثة، فنردّ سهماً إلى الوصية، فللوصية أربعة أتساع، وهي مقسومة على صاحب الابن والبنت على ثلاثة أسهم، والأربعة تنكسر على الثلاثة، ولا توافق، فنضرب ثلاثة في تسعة فتصير سبعة وعشرين: للابن ثلاثة مضروبة في ثلاثة، فهو تسعة. وللبنت من فريضة الرد سهمان، مضروبان في ثلاثة تكون ستة، والوصية أربعة مضروبة في ثلاثة، فهو اثنا عشر: لصاحب الابن منها ثمانية، ولصاحب البنت منها أربعة.
وحكى الأستاذ عن ابن سريج أنه لما انتهى إلى قسمة الأتساع الأربعة قال: إنها تقسم بين صاحب الابن، وصاحب البنت على خمسة لصاحب الابن ثلاثة، ولصاحب البنت سهمان، وتخيّل من هذا أن يكون المال بين الصاحبين على نسبة المال بين الابن المجيز، والبنت الرادّة، وللابن ثلاثة من تسعة وللبنت سهمان، والوصية تتضمن أن يكون صاحب الابن كالابن، وصاحب البنت كالبنت، وهذا مبلغ في الضعف والركاكة يقصر منه الوصف؛ فإن مقصود الموصي هو الذي يراعى، ونسبة الإجازة هي الأصل، ولو فرضت الإجازة منهما، لكان المال بين الصاحبين أثلاثاً، ولو ردّا، لكان الثلث بينهما أثلاثاً، فالقدر الذي تعلقت الإجازة به، وهو زائد على الثلث ينبغي أن يُفضَّ على نسبة الرد، أو على نسبة الإجازة، وإنما وقع المال أخماساً بين الابن والبنت، لردها وإجازته، فاعتبار النسبة مائل عن التحقيق.
6615- وقد تمهد في القدر الذي ذكرناه ما هو المذهب المقطوع به، ولم يعرف الأصحابُ غيرَه، وأشرنا إلى الخيال الذي حكاه عن ابن سريج، فلا مزيد. وقد انتهى الغرض.
فهذا كله في الوصية بالأجزاء مفردةً، وفي الوصية بالأنصباء مفردة.
6616- ونحن الآن انتهينا إلى محاولة الجمع بين الوصية بالنصيب، وبين الوصية بجزءٍ من المال.
ومسائل هذا القسم تنقسم: فمنها ما يخرج على قربٍ بالطرق التي قدمناها، ومنها ما يُحوج إلى الجبر، أو إلى طرق مستخرجة منه، مبنية على النِّسب.
وإذا أفضى الكلام إلى ذلك، فالأولى قطعُه، واستفتاحُ مقالةٍ في بيان الأصول التي لابد منها، ولا غنى عن الإحاطة بها في معرفة الجبر والمقابلة، وقد قدمنا في الفرائض طرفاً صالحاً في الضرب والقسمة، وأخْذ مخارج الكسور، فلا حاجة إلى إعادته، وإنما غرضنا ذكرُ أصول الجبر والمقابلة على صيغٍ وجيزة واضحة، لا يخفى دركُها على الفطِن، حتى إذا تمهدت، ولاح مأخذُ الجبر، عدنا بعدها إلى تخريج المسائل، واستفتحنا القول في مسائل النصيب والجزء، ثم نأتي بعدها بكل مسألة مشتملة على مجاهيل لا يخرّجها على السبر إلا الجبرُ، ونحرص على ألا نغادر أصلاً ينسلك فيه الحساب من قواعد الشريعة حتى يوافيها الناظر مجموعةً، وإذا أتاح الله نجازَها، عدنا بعدها إلى ترتيب المختصر، إن شاء الله عز وجل.
القول في بيان ما لابد من معرفته في أصول الجبر والمقابلة
ذكر الأستاذ أبو منصور سبعةَ فصولٍ، وفصّلها أحسن تفصيل، فأبان افتقار الجبر والمقابلة إليها، ونحن نأتي بها، ولا نألو جهداً في البيان والتقريب، بالزيادة على ألفاظه، وإكثار الأمثلة، إن شاء الله عز وجل.
الأصل الأول
في معرفة ألقابٍ وألفاظٍ متداولة بين الحسّاب
ونحن نذكرها ونمزجها بما هو القطب والمدار من أمر النِّسب، فنقول، والله المستعان:
6617- أطلق جملة علماء هذه الصناعة ألفاظاً منها: العدد، والجذر، والمال، والمكَعّب، ومال المال، ومال المكعب، ومكعب المكعب: فالعدد ما تركب من الواحد، فالواحد أمُّ العدد، علته وأصلُه، وليس عدداً في نفسه.
والجذر: كل مضروبٍ في نفسه، ويقال للمبلغ الذي يردُّه ضربُ الشيء في نفسه: المالُ.
فنبدأ من أول الأمر ونأخذ في التمثيل، حتى لا تُستصعبَ هذه العبارات على من لم يألفها، ونأخذ أول العدد، وهو اثنان، ونقدّره جذراً، بأن نفرض ضربه في نفسه، فهو جذر، وما يردّه ضربُ الاثنين في نفسه مالٌ، وهو أربعة.
فإذا ضربت جذرَ المال في المال، كان المبلغ مكعَّباً.
وإن ضربت المال في المال، كان المبلغ مال المال بالإضافة إلى الجذر الأول.
وإنما قيدنا الكلامَ بهذا لأنك لو ابتدأت وقدرت الأربعة جذراً بتقدير ضربه في نفسه، وبنيت عليه المراتب بعد ذلك، فهو مستقيم، لا معترض عليه. ولا شيء في عالم الله تعالى هو عدد، أو واحد، أو كسرٌ إلا ويجوز تقديره جذراً، بأن نفرض ضربَه في نفسه.
وبعد مال المال مالُ المكعب، وهو بأن نضرب الجذر الأول في مال المال، فيردّ اثنين وثلاثين، وبعد ذلك مكعب المكعب، وهو مردود الجذر الأول في مال المكعب، وذلك أربعة وستون.
وإذا حذفت العدد من المراتب فإن العمل بما بعده، وإنما ذكر العدد لاستيفاء الألقاب، فنقول: المراتب ست: الجذر، والمال، والمكعب، ومال المال، ومال المكعب، ومكعب المكعب.
ثم لا انتهاء في المرتبة الأخيرة، فإن تناسب الأعداد لا نهاية لها، فبعد مكعب المكعب، مال مكعب المكعب، ومكعب مكعب المكعب، وهكذا إلى غير نهاية.
ولكن اكتفينا بالمراتب التي ذكرناها من جهة ارتفاع الأغراض في مراتب الجبر والمقابلة بها.
ثم اعلم أن الجذر الأول المفروض يناسب الواحد، ويناسبه الواحد بجهة، فالمراتب المتوالية تتناسب بتلك الجهة، وهذا هو السرّ الأعظم الذي يجب اتباعه، وعنه صار معظم المقاصد.
6618- وبيان ذلك أنا إذا فرضنا الاثنين جذراً، فالواحد يناسبه بالنصف، والجذر يناسب الواحد بالضعف، فنسبة الجذر من المرتبة التي تليه كنسبة الواحد من الجذر، ونسبة المرتبة التي تلي الجذر من الجذر كنسبة الجذر من الواحد، وعلى هذا النسق تتوالى النسب، فالجذر نصف المال، كما الواحد نصف الجذر، والمال ضعف الجذر، كما الجذر ضعف الواحد.
والمال نصف المكعب، والمكعب ضعفُ المال.
والمكعب نصف مال المال، ومال المال ضعف المكعب ومال المال نصف مال المكعب.
وهكذا إلى الآخر.
وينشأ من هذا توليد المراتب بطرق الضرب، كما سنصفها، إن شاء الله تعالى.
أما الجذر كان جذر الضرب في نفسه، فإذا أردت المال، فلا يولده إلا ضرب الجذر في نفسه، وإذا أردت المرتبة الثالثة، فلا يولدها إلا ضرب الجذر في المال، وقد تحصلت ثلاث مراتب: الجذر، والمال، والمكعب.
فإن أردت المرتبة الرابعة، فلك مسلكان:
أحدهما: أن تضرب الطرف في الطرف، وذلك بضرب الجذر في المكعب، فيردّ مال المال.
والثاني: أن تضرب المال في نفسه، فيرد مال المال.
فإن أردت المرتبة الخامسة، فلك أيضاً مسلكان:
أحدهما: أن تضرب الطرف في الطرف، وذلك بضرب الجذر في مال المال، فيرد مال المكعب. هذا مسلك.
والثاني: أن تضرب إحدى الواسطتين في الأخرى، فإن معك أربع مراتب: الجذر، والمال، والمكعب، ومال المال. والطرفان: الجذر ومال المال، والواسطتان: المال، والمكعب. فإن ضربت الجذر في مال المال، كان كما لو ضربت المال في المكعب، فكلا الضربين يرد مالَ المكعب، وهو اثنان وثلاثون، وقد حصلنا على خمس مراتب، أولاهن الجذر.
فإن أردت المرتبة السادسة، اتجه لك في توليدها ثلاث جهات في الضرب: إحداها- أن تضرب الطرف في الطرف، وهو الجذر في مال المكعب، فيرد مكعب المكعب.
وإذا كنت على مراتب خمسة، وأنت تبغي السادسة، فبين طرفي الخمسة ثلاث مراتب: الأولى منها المال، والثالثة مال المال، والمتوسطة منها المكعب. فإن ضربت طرف هذه الثلاثة في الطرف، رد ذلك المرتبةَ السادسة، فتضرب المال في مال المال، أو تضرب الواسطة في نفسها، وهو ضربك المكعب في نفسه، كل ذلك يرد المرتبةَ السادسةَ التي أولاها الجذر الأول.
فلينظر الطالب إلى تناسب المراتب، وليعلم أنه إذا بنى المرتبة الأولى على نسبة التنصيف، تضعفت المراتب، كذلك إلى الأخيرة، وإذا انعكس من الأخيرة، تضعفت المراتب إلى الأولى. وهذا لوضعك الجذر الأول عدداً يناسب الواحد، ويناسبه الواحد بالتنصيف، والتضعيف.
6619- فإن قدرت الجذر في المرتبة الأولى ثلاثة، فالواحد ثلثها، والثلاثة ثلاثة أمثال الواحد، فتتّسق المراتب على نسبة التثليث كذلك، إلى حيث ينتهي العامل، فمال هذا الجذر تسعة، والجذر ثلاثة، والمال ثلاثة أمثال الجذر، والمكعب سبعة وعشرون، وهو ثلاثة أمثال المال، والمال ثلثه، وهكذا إلى منتهى الاعتبار.
6620- وإذا اتخذت الواحد جذراً، فضربته في نفسه، فهو في التحقيق جذر ومالٌ، فإن ضربت الجذر في المال رد الواحدَ أيضاً، وهكذا إلى غير نهاية، فالواحد جذرٌ، ومالٌ، ومكعب، ومال مال، ومال مكعب، ومكعب مكعب.
6621- وإن أردت الجذر كسراً كالنصف، فالمال الربع، والمكعب الثمن، ومال المال جزء من ستةَ عشرَ جزءاً، ومال المكعب جزء من اثنين وثلاثين جزءاً، ومكعب المكعب جزء من أربعة وستين جزءاً، فتنعكس المراتب على نسبة تقدمها، إذا كان الجذر عدداً.
وهذا مأخوذ من نسبة الواحد أيضاً، غير أن النسبة على العكس، فالجذر نصف الواحد، والمال نصف الجذر، والمكعب نصف المال، وهكذا إلى المنتهى.
فهذا بيان هذه المراتب، وألقابها، وتناسبها.
6622- وإن أردت معاني الألفاظ تقريباً من الاشتقاق، وفيه معنى مطلوبٌ أيضاً، فالجذر معناه الأصل، يسمى جذراً لكونه أصلاً للمال، حتى كأنه مُقيمه وكاسبُه، ثم تخيل الحسّاب المال بسيطاً، لا سمك له، وتخيلوا المكعب مالاً على مال، وسمكه الجذر، وهو اثنان فيما رسمناه، أو ما تريد، فالمكعب مرتفع، وهذا يبين في الأشكال المجسمة، ومال المال يُقيمه المالُ، فهو من المال، كالمال من الجذر.
فهذا ما ينتهي إليه الإرشاد إلى معاني الألفاظ، وقد انتهى الكلام في أصلٍ من الأصول السبعة الموعودة في مقدمة الجبر والمقابلة.
الأصل الثاني
في بيان ضرب هذه المراتب بعضِها في بعض، وقسمةِ بعضها على بعض
6623- وهذا الأصل يشتمل على ألفاظٍ اصطلاحية للحسّاب، ماتوا ضعوا عليها هَزْلاً، وإنما أصدورها عن حقائق أحاطوا بها، وليس على من يبغي العلمَ بالجبر والمقابلة إلا الإحاطة بالأصول؛ فإن في الإحاطة بها والعلم ببرهانها الاحتواءُ على طرف صالح من الهندسة؛ فإن البرهان يقوم على العدديات من الهندسة؛ قيامَه في باب الضرب والقسمة، فلما طال مُدرَك أصل الجبر والمقابلة، وضع الحُسّاب المحققون عباراتٍ يتلقفها المبتدىء، ويديرها في المجاهيل، فتُفضي به إلى سرّ الطلب مع حمله بالعلل والبراهين، والعالم بالباب من يحيط بكيفية استعمال مراسم الحساب، ويفهم الطرف الذي نبهنا عليه، وسنزيد في التناسب.
فإن أراد أن يعرف لقب الشكل الذي نشأ منه الجبر والمقابلة، فهو في المقابلة الثانية من الاستقصات لإقليدس، والشكل يعرف (بذات الوسط والطرفين).
فنخوض في ذكر مراسم هذا الأصل على أقرب مسلك نقتدر عليه، فنقول:
6624- مضمون هذا الأصل الضربُ والقسمة، فإذا أردنا أن نضرب نوعاً من هذه الأنواع في نوعٍ، فنردُّ العددَ أوّلاً إلى المراتب، ونضعه مثلاً مقدماً على الجذر، ونحصل على سبع مراتب، فإذا رمت فالمراتب سبع أن تضرب مرتبة في مرتبة، فخذ سميَّ تلك المرتبة من المراتب السبع، والعدد أولاها، وخذ سميَّ المضروب فيه، واجمع بينهما، وانقص من المبلغ واحداً، وما بقي فمنتهاه سَمِيُّ مرتبة مبلغ الضرب.
ومثال ذلك إذا أردنا أن نضرب مرتبة المال في المكعب، وقد علمنا أن المال في المرتبة الثالثة من العدد، فنأخذ سميَّها ثلاثة، والمكعب في المرتبة الرابعة من العدد، فنأخذ سميَّها أربعة، ثم نجمع الثلاثة والأربعة، ونحط واحداً أبداً، فيبقى معنا ستة، فنعلم مبلغ الضرب من جنس المرتبة السادسة من العدد، وهي مال المكعب.
فإذا قيل: اضرب خمسة أموال في ستة مكاعيب تردُّ ثلاثين من جنس المرتبة السادسة وهو ثلاثون مال مكعب.
وإن أردت امتحانه بالرد إلى العدد المصرح، فالمال أربعة وخمسة، منها عشرون، والمكعب على ما قدرنا ثمانية وستة منها ثمانية وأربعون، فإذا ضربت عشرين وخمسة أموال في ثمانية وأربعين، فقد ضربت خمسة أموال في ستة مكاعيب، فترد تسعمائة وستين، وهذا المبلغ ثلاثون مرة اثنان وثلاثون. فهذا معنى قولنا خمسة أموال في ستة مكاعيب ثلاثون مال مكعب. ولو بلّغت المال ما بلّغت، وكذلك المكاعيب، فلا يخرج مبلغ الضرب من رتبة مال المكعب، ولكن تكثر أعدادها ونحن نعلم أن مردود المال في المكعب يزيد على مكعب المكعب، ولكن تيك زيادة لو اعتبرناها وارتقينا بها إلى مكعب المكعب، أو إلى درجة وفقها، لخرجنا عن النسبة المعتبرة في المراتب، وهي رباط حساب الباب.
فهذا سبب انحصارها في المرتبة التي منها مبلغ الضرب.
6625- وكذلك إذا ضربت كسور هذه المراتب فنشتق الأسماء من صحاحها، ونجري على الرسم المقدم، فإذا ضربت نصف مالٍ في نصف مكعب، فالمبلغ ربعُ مال مكعب.
وامتحانه بالعدد الظاهر أن نقول: نصف المال اثنان، ونصف المكعب أربعة، فإذا ضربت اثنين في أربعة ردّ ثمانية، وهو ربع مال المكعب، فهذا بيان ضرب هذه المراتب، بعضها في البعض.
6626- وأما القسمة فإذا أردت أن تقسم نوعاً من المراتب على نوع، والمراتب سبع، والعدد أولاها، فإنا نقول: إذا أردنا قسمةَ العدد على نوع من المراتب بعدها، أو على كسر من نوع، فإنا نقسم العدد كم كان على عدد مقداره ذلك النوع أو كسره، إن كان كسراً، وقد علمنا أن المقصود من القسمة بيان نصيب الواحد. فإذا بان لنا نصيب الواحد فيما نحن فيه، فحصة الواحد قيمة الواحد، هذه عبارات الحُساب.
والمراد بقولهم قيمة الواحد أن تلك الحصة هي بعينها واحد من النوع المقسوم عليه.
مثال ذلك: أردنا أن نقسم ثمانين على عشرين جذراً، فقسمنا ثمانين على عشرين تخرج أربعة، فهي قيمة جذر واحد، والمراد من هذا أن الجذور إذا أطلقها الحيسوب، فهي متساوية في وضعهم، فاعْلَمْه وثِق به، فإذا قيل: اقسم ثمانين على عشرين جذراً، فكأنه قال: الجذور التي هي عشرون، وتنقسم الثمانون عليها كم يكون كل جذر؟ فنقول: كل جذر أربعة.
6627- وإنما فرضنا في الجذور لأن كل شيء مفروضٍ يجوز أن يكون جذراً.
فلو قلنا: اقسم ثمانين على عشرين مكعباً، لم يف بهذا؛ فإنا لا ندري كعباً هو أربعة على التناسب الذي ذكرناه.
ولا مزيد على هذا البيان في هذه الصور إن استدَّ الفهمُ وصدق الطلب.
6628- وإن قيل: نريد أن نقسم ثمانين على خمسة أموال، فقيمة كل مال ستةَ عشرَ، وهذا يخرج مستقيماً، ولكن بعد أن نضع العددَ على نحوِ يخرج نصيب الواحدِ منه مرتبة من المراتب المتناسبة، وهذا يستدعي أن يتقدم فهمك للمراتب، وتضع العدد بحسبها، وليس كذلك الجذر؛ فإن كل عدد قوبل بأعلى من الجذر استقام الغرض فيه بما ذكرناه من أن كل شيء جذر؛ فإن معنى الجذر ما نضربه في نفسه، وهذا يتأتى في الواحد والعدد والكسْر.
وبيان ذلك أنه لو قيل لك: اقسم عشرة على خمسة جذور، فكل جذر اثنان.
وإن قيل: اقسم عشرة على خمسة أموال، فسنقول: كل مال اثنان، والمال في مراد القوم مالَهُ جذر ينطبق بضربٍ في نفسه فيردّه، والاثنان ليس مجذوراً، فافهم ذلك ترشُد.
ولو قسمنا ثمانين عدد على مكعب وربع، تخرج قيمة المكعب الواحد أربعة وستين، وهذا المبلغ يجوز تقديره مكعباً، بأن نجعل الجذرَ أربعة، والمالَ ستة عشر، والمكعب أربعة وستين، ثم يستدعي هذا أن نضع المكعب وكسرَه وضعاً يخرج قيمة الواحد مكعباً مناسباً للمال قبله، وللجذر قبل المال، ولمال المال بعده إلى حيث ينتهي.
وإن أردت قسمة عددٍ على أموال مجذورة، فينبغي أن تفرض عدد الأموال على وجهٍ إذا قسمت العدد عليها، كان كلُّ واحد مجذوراً، فنقول: نريد أن نقسم ثمانين على خمسة أموال، فكل مالٍ ستة عشرَ، وهو مجذور، وجذره أربعة، فلتتقدم معرفتك بذلك؛ حتى يكون وضعك العددَ في مقابلة عدد من المال يقع كلُّ واحد منه مجذوراً، وكذلك إذا أردت وضع عدد على مقابلة مكاعيب أو أموال، فلابد من تقديم المعرفة، والوضع على القدر الذي ذكرناه؛ فإنه لو لم يكن كذلك، لانقسمت أعداد على أعداد، وتكون صماء، ولا انتفاع بفرض مثل هذه المقابلات؛ فإن معتمد الجذر النسبة بين المراتب، وبها استخراج المجاهيل.
6629- وإذا أردنا أن نقسم مرتبة على مرتبة ابتداء من الجذر إلى حيث ينتهي، فهذه الأنواع إذا رُمنا قسمة أعداد منها على أعداد، فقد ذكر أصحاب الجذر عبارة اصطلاحية تروع المبتدىء، وليس فيها كبير نَزَل.
ونحن نقول: إذا أردنا قسمة أعدادٍ من مرتبةٍ ليست من العدد، على أعداد من مرتبةٍ أخرى من المراتب الست، فإما أن يكون بين المقسوم والمقسوم عليه واسطة، وإما ألا يكون بينهما واسطة، فإن كان بينهما واسطة واحدة أو أكثر، فنذكر مراسم الحسّاب، ثم ننبه على الغرض.
قالوا: نريد أن نقسم عشرين مالاً على مال مال وربع مال مال، فنبسط مال المال مع الربع الزائد أرباعاً، ونقسم العشرين عليها، فيخص الواحد ستةَ عشرَ من العشرين، فنقول: المال الأول ستة عشر، وهذا الكلام في وضعه مخالف للقسمة المألوفة، فمن يقسم عدداً على عدد فغرضه أن يبيّن حصة الواحد من المقسوم عليه، كالذي يقسم عشرين على خمسة، فمقصوده أن حصة الواحد أربعة، وهذه القسمة موضوعة بين أعداد من الأموال ومال مال وكسر مال مال، فالغرض أن نبيّن مالاً واحداً من الأموال التي ذكرناها كم، ثم أثبتوا في ذلك نسبة، فقالوا: ننظر إلى مرتبة المقسوم ونرجع القهقرى إلى واحد، ويخرج العدد من البَيْن، ثم ننظر إلى مرتبة المقسوم عليه وهي المرتبة العالية، كفرضنا قسمة أموال على مال مال وكسر مال مال، فإن كان بين المقسوم عليه وبين المقسوم من الواسطة ما بين المقسوم والواحد، وكان بعد المقسوم من المقسوم عليه رُقيّاً وتصعّداً كبعده من الواحد انحداراً، فننظر إلى حصة الواحد من المقسوم عليه، ونأخذ ذلك العددَ، ونجعله واحداً من المقسوم.
وقد يقال: هو قيمة المقسوم، أو هو مثله ومعادله، وحقيقته أنه هو، فإذاً الغرض من لفظ القسمة بيان مبلغ الواحد من الأعداد المقسومة. وإذا كان المال الواحد ستة عشر، فكأنا نقول: عشرون مالاً كل مال ستة عشر، إذا قسمت على مال مال وربع مال مال، فيخص مال المال من أعداد الأموال ما هو آحاد مال واحد، والسبب فيه أن مال المال إنما هو من ضرب المال في نفسه وإذاً عشرون يعدل مال مال وربع مال مال، فمال المال يقابل ستة عشر في نفسه، فتبيّن أن مالاً واحداً ستة عشر.
وهذا لا يجري في كل قسمة يضعها الإنسان؛ فإن قائلاً لو قال: أريد أن نقسم عشرة أموال على مال مال وثلث مال مال، فعلى تقديره يخص مال مال تسعة أموال ونصف مال، ويستحيل أن يتركب مال مال من هذا؛ فإن مال المال هو الذي ماله مجذور، والتسعة والنصف ليس مجذوراً، فليقع الوضع على وجه إذا عرفنا مال المال، والمال الذي أقام مال المال، فيكون ذلك المال بحيث يُقِيمُه جذرٌ. وإن لم يكن كذلك، صار ما نسميه مالاً، جذراً، وما نسميه مال مال، مالاً.
6630- وإن أردنا أن نقسم عشرين مكعباً على مال مكعب وربع مال مكعب، فبين المكعب والواحد إذا انحدرتَ واسطتان: المال والجذر، وإن أحببتَ قلت بين الواحد والمكعب المقسوم واسطتان: الجذر والمال، فننظر بعد ذلك إلى المقسوم عليه، وهو مال المكعب، ثم ننحدر، ونخلّف واسطتين في الانحدار، ونقول: دون مال المكعب مال المال والمكعب، ووراءهما المال، فالقسمة تبين مبلغ المال، فإذا كان حصة مال مكعب من عشرين مكعباً، قسمناها على مال مكعب وربع مال مكعب ستة عشر مكعباً، تبيّنا أن المال ستة عشر.
ولو قسمنا ثلاثين مكعباً على مال مكعب وسبعة أثمان مال المكعب، فحصة مال المكعب من الثلاثين ستة عشر، فيكون الأمر على ما ذكرناه.
والغرض من استعمال لفظ القسمة تبيين المبلغ الذي ينحدر إليه المقسوم عليه على عدد الوسائط المشابه لعدد الوسائط من الواحد إلى حيث انحدر إليه المقسوم عليه.
وهذا يفيد معرفة التناسب على هذه الجهات، ولا يُبيّن مسلكاً مطرداً في كل عدد يقسم على كل عدد.
وإذا وضعت المال في نفسك أربعة، ثم قلت: نقسم خمسة أموال على مال مال وربع مال مال، فيخص مال المال أربعة، فنعلم أن المال أربعة.
هذا إذا أردت أن تستنبط ما ذكرناه من قسمة نوع على نوع وبينهما واسطة أو أكثر، فالسبيل فيه ما ذكرناه، وسرّه أن نفهم أن هذه العبارات وضعت لتبيين النسب، لا لتفيد طريقة مطردة في كل عدد.
6631- وإن أردنا أن نقسم مرتبة على مرتبة، وكانتا متلازقتين لا واسطة بينهما، فنقول في ذلك: إذا أردنا أن نقسم ثلاثة جذور على مالٍ ونصف مال، فيخص المال جذران، فنقول: الجذر اثنان أخذاً من هذا اللفظ.
فإن قلنا: نقسم أربعة جذور على مال وثلث المال فحصة المال ثلاثة جذور فالجذر ثلاثة.
وإذا قلنا: نقسم خمسة جذور على مال وربع مال، فيخص المال أربعة، والجذر أربعة.
وإذا أردنا أن نقسم ثلاثة أموال على مكعب ونصف، فيخص المكعب مالان.
وهاهنا وقفة للناظر؛ فإن المال لا يقيم المكعب، وإنما يقيم المكعبَ ضربُ الجذر في المال، فإذا قسمنا ثلاثة أموال على مكعب ونصف مكعب، وخص المكعب مالان، فخذ لفظ التثنية وقل: مكعب المكعب اثنان، والمكعب هو الجذر بنفسه، فجذر المال اثنان، والمال أربعة.
وإذا أردنا أن نقسم خمسة أسباع جذر على أربعة أتساع مال، فقد قدمنا في الفرائض سبيل قسمة الكسر على الكسر: قلنا: نضرب الخمسة وهو أجزاء الأسباع في مخرج التسع وهو تسعة، فيرد خمسة وأربعين، هذا هو المقسوم ثم نضرب أجزاء الأتساع في سبعة وهو مخرج السبع، فيردّ ثمانية وعشرين، وهذا هو المقسوم عليه، ثم نقسم خمسة وأربعين على ثمانية وعشرين. والمقصود من القسمة بيان حصة الواحد، وحصة الواحد واحدٌ وسبعةَ عشرَ جزءاً من ثمانية وعشرين جزءاً، فتبينا أن هذا هو الجذر.
وكل ما ذكرناه في ضرب المراتب وقسمة المراتب على المراتب من غير جمع.
6632- وإن أردنا أن نضرب نوعين في نوعين أو أنواعاً في أنواع، فهذا مما يجب الاهتمام به، وعليه تدور أقطابٌ وأصول من الجبر والمقابلة.
وقد أجرى الحُسّاب ألفاظاً لابد من اتباعهم فيها، ثم نذكر حقائقها على ما يليق بهذا المجموع.
والوجه أن نذكر اصطلاحاتهم أولاً في أشياء، ثم نذكر طريق عملهم في استعمال تلك الألفاظ. ثم نذكر تحقيقها.
فمما أطلقوه: الشيء وعَنَوا به الجذر، وإذا ضربوا شيئاً في شيءٍ سمَّوا المردودَ مالاً، بحملهم الشيءَ على الجذر، وقالوا: إذا ضربنا ثابتاً في ثابتٍ، فالمبلغ ثابت. وإذا ضربنا ثابتاً في ناقص، فالمبلغ ناقص، وإذا ضربنا ناقصاً في ناقص، فالمبلغ ثابت زائد، وأرادوا بالناقص الاستثناء من ثابت، كقولك عشرة إلا شيئاً في عشرة إلا شيئاً فـ (إلا شيء) نفيٌ في الحقيقة؛ فإنه استثناء من ثابت، والاستثناء من الثابت نفي.
ثم إذا انتهَوْا في تقاسيم الضرب إلى الاستثناء قالوا: إلا شيء في إلا شيء مال زائد، وهذا هو المعني بقولهم الناقص في الناقص ثابت زائد.
فإذا ثبتت عباراتهم. قالوا في طريق العمل: إذا أردنا أن نضرب عشرة دراهم إلا شيئاً في شيء، فالعشرة في الشيء عشرة أشياء، وإلا شيء في شيء مال ناقص.
فحصل معنا عشرة أشياء إلا مال.
وقالوا: عشرة دراهم إلا شيئاً في عشرة دراهم إلا شيئاً مائة من العدد، ومالٌ إلا عشرين شيئاً، وفصلوا ذلك، فضربوا أربع ضربات، وقالوا عشرة في عشرة مائة، وإلا شيء في عشرة إلا شيء عشر مرات، فيفيد هذا الضرب تعديد الاستثناء عشراً، ثم نضرب عشرة في إلا شيئاً فترد إلا شيئاً عشرَ مرات، كما ذكرنا، ثم نضرب إلا شيئاً في إلا شيئاً فتردُّ مالاً زائداً، ثم نجمع ونقول: عشرة إلا شيئاً في عشرة إلا شيئاً مائة من العدد، ومال زائد إلا عشرين شيئاً.
فهذه عباراتهم وعملهم، ومن لم يعرف حقائقها، كان على عماية.
6633- ونحن نذكر تحقيق هذه الألفاظ، وردَّها إلى أمثلة عديدة حتى يزول اللبس عن المعنى ولا يبقى قَصْرٌ في التقليد، ثم يعسر بعد ذلك اتباع القول على عباراتهم.
فنبدأ بضرب عشرة إلا شيئاً في عشرة إلا شيئاً، فنقول: الشيء هو الجذر، فإذا قلنا: عشرة إلا شيئاً، فكأنا نقول: عشرة إلا اثنين، فإذا حملنا الشيء على هذا في أحد العددين، حملنا الشيءَ عليه من العدد الثاني في أصل ضرب عشرةٍ إلا شيئاً في عشرةٍ إلا شيئاً، فصار ضَرْبَ ثمانية في ثمانية، وذلك يردُّ أربعة وستين، والشيء اثنان على ما فرضنا، وضرب الثمانية في الثمانية مائة إلا عشرين شيئاً، والشيء اثنان، وجعلناه مالاً زائداً، وهو الأربعة الحاصلة من ضرب إلا شيء في إلا شيء الزائدة على شيئين، وإنما سماه الحُسّابُ مالاً زائداً؛ فإنه لا يتعلق بالمستثنى والاستثناء منه، فقد تبين أن ضرب عشرة إلا شيئاً في عشرة إلا شيئاً مائةٌ إلا عشرين شيئاً ومالٌ زائد، جذره شيء.
ولو قدرنا الجذر الناقص ثلاثة، قلنا: التقدير عشرة إلا ثلاثة في عشرة إلا ثلاثة، والحاصل مردود ضرب سبعة في سبعة، وهو تسعة وأربعون، فنقول: السبعة في السبعة مائة إلا عشرين شيئاً، وكل شيء ثلاثة. ومعنا مال زائد جذره ثلاثة، وهذا تسعة وأربعون.
فهذا تحقيق ما أرادوه، وحاصل ما اصطلحوا عليه من العبارات.
ومما نضربه في ذلك مثلاًً أنا إذا قدرنا الجذر واحداً، وقلنا عشرة إلا واحد في عشرة إلا واحد، فحاصل ذلك ضرب تسعة، في تسعة، والمردود واحد وثمانون، فتسعة في تسعة مائة إلا عشرين شيئاً أو جذراً، وكل جذر واحد، ومعنا مال زائد، وهو واحد، وهو مردود في واحد. وهذا قياس الباب.
6634- ومما نذكره في بيان ما قالوه: الناقص في الثابت ناقص، وقالوا على ذلك: إذا أردنا أن نضرب عشرةَ دراهم إلا شيئاً في شيء، فالعشرة في الشيء عشرة أشياء، وإلا شيء في شيء مال ناقص.
وبيان ذلك أنا نقول: معنى قولهم: عشرة إلا شيئاً في عشرة إلا جذراً، وليكن ذلك الجذر اثنين، والشيء من الجانب الآخر اثنان أيضاً، فنضرب ثمانية في اثنين، فيردّ ستة عشر، وقولهم: إلا شيء في شيء مال ناقص، أرادوا به أن عشرة إلا شيء في شيء عشرةُ أشياء إلا أن نحطَّ من هذا مالاً بضَرْب اثنين في نفسه، فالمبلغ عشرون إلا مالاً ننقُصُه، فالمعنيّ بالمال الناقص أنه ينقص من المبلغ مال.
فإن قيل: اضرب عشرة دراهم وشيء في عشرة دراهم إلا شيئاً، فمعناه عند التحقيق ضرب عشرة وجذر، وليكن الجذر اثنين في عشرة إلا جذراً، وهو ثمانية، والمقصود ضرب اثني عشر في ثمانية، والمردود ستة وتسعون. ومراسم الحسّاب فيه أن يقال: نضرب عشرة في عشرة، فتكون مائة، ويُضرب شيء في عشرة فتكون عشرة أشياء، ثم نضرب عشرة في إلا شيء عشر مرات، ومعنا عشرة أشياء ثابتة، فيعارضها استثناء عشرة أشياء، فيقع النفي بالإثبات قصاصاً، فلا استثناء ولا إثبات، ونفي ضرب شيء في إلا شيء وشيء في إلا شيء مالٌ ناقص، فيخرج منه أن عشرة وشيئاً في عشرة إلا شيئاً مائة تنقص منها مالاً.
وقد بينا أن المردود ستة وتسعون وهذا المبلغ ناقص عن المائة بأربعة، والأربعة مال جذره اثنان، فقد نقصنا عن المائة مالاً.
فإن قيل: عشرة دراهم وشيء في شيء إلا عشرة دراهم. قلنا: طريقة الحُسّاب أن نضرب عشرة دراهم في شيء، فتصير عشرة أشياء، ويُضرب شيءٌ في شيء فتصير شيئاً، ثم نضرب عشرة دراهم في إلا عشرة، فتكون إلا عشرة مائة مرة، ثم نضرب الشيء في إلا عشرة، فيرد عشرة أشياء ناقصة، فنعارضها بالأشياء التي كانت معنا، فنسقط الإثبات بالنفي، ولم نتحصل على طائل إلا ضرب شيء في شيء مع الاستثناء وضرب الشيء في الشيء مال، فالمبلغ مالٌ واحد إلا مائة درهم.
هذا رسمهم، وردّه إلى التحقيق أن الغرض ضرب عشرة وجذر في جذر إلا عشرة، وليكن هذا الجذر الزائد على العشرة أكثر من العشرة؛ فإنا لو جعلنا الجذر عشرة مثلاً، فسنجعل الجذر في الجانب الآخر عشرة أيضاً، ولا يتأتى استثناء العشرة من العشرة، فنقول: عشرة وأحد عشر، ومن الجانب الآخر الجذر أحد عشر، والعشرة استثناء منه فبقي واحد، فكأنا نريد أن نضرب العشرة والجذر في بقية الجذر بعد استثناء العشرة، فيردّ ضربُ أحدٍ وعشرين في واحدٍ أحداً وعشرين، والجبري يقول: نضرب أحدَ عشرَ في أحدَ عشرَ، ونستثني منه مائة، فيبقى أحد وعشرون، فيستوي الجبران، ولكن ينتظم للجبري ضرب جذر في جذر.
ونحن إذا حققنا بالتمثيل، لم نفعل ذلك؛ فإنا طولبنا برد عشرة بضرب عشرة وشيء في بقية جذر، وضرب الجذر وعدد في بقية جذر لا يكون مالاً.
فهذا كشف الغطاء في معنى هذه الألفاظ، مع طرد مراسم الحسّاب.
6635- ومما بقي من الباب جمعُ أنواعٍ من الضرب، وهو سهل، فإذا قال قائل: اضرب الشيء في شيء وعشرة دراهم، فقد استدعى ضرب شيء في نوعين: شيء وعشرة، والعشرة عدد، فنقول: الشيء في الشيء مال، والشيء في العشرة عشرة أشياء، فمبلغ الضرب مال وعشرة أشياء.
فإن قيل: اضرب ثلاثة أشياء في أربعة من العدد، وستة أشياء، وخمسة أموال، فنضرب ثلاثة أشياء في أربعة من العدد، فتكون اثني عشر شيئاً، وتضرب ثلاثة أشياء في خمسة أموال، فتكون خمسة عشر مكعباً، فنضرب ثلاثة لأن ضرب الجذر في المال مكعب، ونضرب ثلاثة أشياء في ستة أشياء، فتكون ثمانيةَ عشرَ مالاً، فمبلغ الضرب خمسة عشرَ مكعباً، وثمانيةَ عشرَ مالاً، واثنا عشر شيئاً.
فإن قيل: اضرب عشرة أعداد وشيئين في خمسة أعداد وثلاثة أشياء، فنضرب العشرة في الخمسة، فتكون خمسين من العدد، ونضرب العشرة في ثلاثة أشياء، فترد ثلاثين شيئاً، ثم نضرب شيئين في خمسة، فتكون عشرة أشياء، ونضرب شيئين أيضاً في ثلاثة أشياء، فتكون ستة أموال، فمبلغ الضرب ستة أموال وأربعون شيئاً وخمسون عدد.
الأصل الثالث
في ضرب الجذور والأعداد في الجذور والأعداد، وقسمة بعضها على بعض، ثم ضرب الكعاب والأعداد في الكعاب والأعداد، وقسمة بعضها على بعض
6636- فنقول: إذا أردت أن تضرب جذر عددٍ في جذر عددٍ، فاضرب المجذور في المجذور، فجذر ما بلغ هو المبلغ المطلوب.
مثاله: إذا أردنا أن نضرب جذر أربعة في جذر تسعة، ضربنا الأربعة في التسعة تردّ علينا ستة وثلاثين، فنأخذ جذره وهو ستة، وهذا مردود ضرب جذر الأربعة في جذر التسعة، وضرب جذر الأربعة في جذر التسعة قريب لا عسر فيه، ولكن غرض الحسّاب أن يثبتوا أولاً أن ضرب المجذور في المجذور إذا أجذر مبلغه، كان كضرب الجذر في الجذر.
ثم إذا ثبت لهم هذا، توصلوا به إلى تقريبٍ في الأعداد الصُّم، فنقول: الخمسة أصم جذره غير مُنْطق، وإن كانا مُهَنْدَسا، وكذلك السبعة ليست مجذورة مُنْطقة الجذر، فنقول: ضرب جذر الخمسة في جذر السبعة كجذر المبلغ الذي يردّه ضربُ الخمسة في السبعة، وهو خمسة وثلاثون، وهذا الجذر أصم أيضاً.
واعلم أنك إذا ضربت عدداً جذره مُنطق في عدد جذره منطق، فالمبلغ يكون مجذوراً على جذر منطق، وإذا ضربت عدداً جذره منطق في عدد جذره أصم، فالمبلغ يكون أصمّ لا محالة، وإذا ضربت عدداً جذره أصم في عدد جذره أصم، فالمبلغ ربما كان جذره أصم، وربما كان جذره منطقاً، فإن ضربت اثنين في ثمانية، فهما أصمّان، ومبلغ ضرب أحدهما في الثاني ستة عشر، وهو منطق الجذر وجذره أربعة، فإذا ضربت خمسة في سبعة، فالمردود خمسة وثلاثون، وهو أصم.
فإذا أردت أن تضرب جذر عدد في عدد آخر، فاجعل العدد الذي تريد الضربَ فيه مجذوراً بأن تضربه في نفسه، فيئول إلى ضرب جذر عدد في جذر عدد.
مثاله: أردنا أن نضرب جذر تسعة في خمسة، فضربنا الخمسة في نفسها، فبلغ خمسة وعشرين، أردنا أن نضرب جذر تسعة في جذر خمسة وعشرين، فنضرب التسعة في خمسة وعشرين، فبلغ مائتين وخمسة وعشرين، فأخذنا جذرها، وذلك خمسة عشر، فهو مبلغ ضرب جذر تسعة في جذر خمسة وعشرين.
وإذا أردنا ضرب جذر عدد أصم في عدد معلوم، نحو جذر ثمانية في خمسة فنجعل الخمسة مجذورة بأن نضربها في نفسها فتكون خمسة وعشرين، ثم نضرب خمسة وعشرين في ثمانية فترد مائتين، فالمبلغ أصم، ولكنا نعلم أن جذر المائتين كضرب جذر الثمانية في جذر الخمسة والعشرين.
وإذا أردت أن تضرب كعب عدد في كعب عددٍ آخر، فاضرب أحد الكعبين في الثاني، وخذ كعب المبلغ، فهو المبلغ المطلوب.
مثاله: أردنا أن نضرب كعب ثمانية في كعب سبعة وعشرين، فضربنا الثمانية في السبعة وعشرين، فبلغ مائتين وستة عشر، وأخذ كعبها، وكان ستة، وهو المبلغ؛ لأن كعب ثمانية اثنان وكعب سبعة وعشرين ثلاثة، فإذا ضربنا اثنين في ثلاثة، رَدَّ ستة.
وكذلك القول في الأعداد الصم، كقول القائل: كم يكون كعب عشرة في كعب خمسة، فنضرب العشرة في الخمسة، فتكون خمسين مكعب، هذا المبلغ أصم، ولكنا نعلم أن كعبه كمبلغ كعب العشرة في كعب الخمسة.
وإذا ضربنا عدداً له كعب منطق في عدد له كعب منطق، فالمبلغ كعب مُنطق، وإذا ضربنا عدداً له كعب منطق في عدد كعبه أصم، فإن المبلغ يكون كعبه أصم، لا محالة، على القياس الذي ذكرناه في الجذور الصم، والمنطقة. وإذا ضربت عدداً كعبه أصم في عدد كعبه أصم، فربما كان المبلغ كعب منطق، وربما كان كعب المبلغ أصم.
فهذا ما أردناه في ضرب جذر عدد في جذر عدد، وفي ضرب جذر عدد في عدد، وفي ضرب كعب في كعب، وفي ضرب كعب في عدد.
القول في القسمة
6637- فأما القول في القسمة، فإذا أردنا قسمة جذر الأربعة على جذر التسعة، قسمنا الأربعة على التسعة، فخرج أربعة أتساع، فأخذنا جذرها، وذلك ثلثا واحدٍ، فهو نصيب الواحد، إذا قسمت الجذر على الجذر. وبيان ذلك أن الأربعة الأتساع جذرها ثلثا واحد؛ فإنك إذا ضربت ثُلُثيْن في ثُلثيْن ردّ أربعة أتساع فجذر الأربعة الأتساع هذا القدر، وإذا قسمت جذر الأربعة، وهو اثنان على جذر التسعة، وهو ثلاثة، فنصيب الواحد الثلثان، وهو جذر أربعة أتساع.
فإن أردنا أن نقسم جذر عددٍ على عدد، أو أردنا أن نقسم عدداً على جذر عدد، فنجعل العدد مجذوراً، فيؤول الأمر فيه إلى قسمة جذر عدد على جذر عدد، وقد وضح الرسم فيه، فمتى قسمنا عدداً له جذر منطق على عددٍ له جذر منطق، فالخارج من القسمة، وهو نصيب الواحد جذر منطق، فإذا قسمنا مالاً جذره منطق على مالٍ جذره أصم، فالخارج من القسمة أصم، ومتى قسمنا مالاً جذره أصم على مالٍ جذره أصم، فقد يكون الخارج من القسمة مجذوراً منطق الجذر، وقد يكون الخارج من القسمة أصمّ.
فإذا أردنا أن نقسم كعب عددٍ، على كعب عددٍ، قسمنا المكعب على المكعب، فما خرج من القسمة فكعبه نصيب الواحد إذا قسمت الكعب على الكعب.
مثاله: أردنا أن نقسم كعبَ سبعة وعشرين على كعب ثمانية، فقسمنا سبعة وعشرين على ثمانية، فالخارج من القسمة ثلاثة وثلاثة أثمان، أخذنا كعبها، وهو واحد ونصف، فهو نصيب الواحد، إذا قسمت كعب السبعة والعشرين، وهو ثلاثة على كعب ثمانية وهو اثنان.
6638- وإذا أردنا أن نقسم عدداً على كعب عدد، وأردنا أن نقسم كعب عدد على عدد، فنجعل العدد مكعباً، فيؤول الأمر فيه إلى قسمة كعب عددٍ على كعب عدد، وقد سبق طريقه.
ومتى قُسم عدد له كعب منطق على عدد له كعب منطق، فالخارج من القسمة له كعب منطلق.
ومتى قُسم مال كعبه منطق على مالٍ كعبه أصم، فمبلغ الخارج من القسمة أصم.
ومتى قسم عدد كعبه أصم على عدد كعبه أصم، فالخارج من القسمة كان كعبه منطَق، وربما كان كعبه أصم.
6639- وإذا أردنا تضعيف جذر عدد معلوم، فاضرب اثنين في اثنين، فما بلغ، فاضربه في العدد المعلوم، فجذر هذا المبلغ ضعف جذر العدد المعلوم.
مثاله: أردنا تضعيف جذر ستة عشر، فضربنا اثنين في اثنين، فبلغ أربعة فضربناها في ستة عشر، فبلغ أربعة وستين، فجذرها ثمانية، وهو ضعف جذر ستة عشر.
6640- فإذا أردنا أن نعرف عدّة أجذار معلومة، ضربنا تلك العدّة في مثلها، ثم ضربنا مبلغها في العدد المعلوم، وقلنا: جذر ما بلغ هو عدة أجذار ذلك العدد المعلوم.
مثاله: أردنا أن نعرف ثلاثة أجذار خمسة وعشرين، فنضرب ثلاثة في ثلاثة، ثم نضرب المبلغ في خمسة وعشرين، فجذرها خمسةَ عشرَ، وهو ثلاثة أجذار خمسة وعشرين.
6641- فإن أردنا تنصيف جذرها، ضربنا نصفاً في نصف، فما بلغ ضربناه في ذلك العدد، فجذر المبلغ، هو نصف جذر ذلك العدد الأول.
مثاله: أردنا تنصيف جذر أربعة وستين، فضربنا نصفاً في نصف، فبلغ ربعاً، فضربنا الربع في الأربعة وستين، فجذرها أربعة، وهو نصف جذر أربعة وستين.
فإن أردنا ثلث جذر تسعمائة، ضربنا ثلثاً في ثلث، فيرد علينا تسعاً، فضربناه في تسعمائة فكان المبلغ مائة، فجذره عشرة، وهو ثلث جذر تسعمائة.
6642- فإذا عرفت ذلك، وأحطت به، ثم أردت أن تضرب عدّة أجذار عدد معلوم في عدّة أجذار عددٍ آخرَ معلوم، فاعرف عدة أجذار كل واحد من العددين.
مثاله: إذا أردنا أن نضرب ثلاثة أجذار خمسة في أربعة أجذار ستة، فوجدنا العمل الذي قلناه قبلُ: ثلاثة أجذار خمسة جذر خمسة وأربعين، ووجدنا أربعة أجذار ستة جذر ستة وتسعين، فكأنا نريد أن نضرب جذر خمسة وأربعين في جذر ستة وتسعين. وقد تقدم الرسم فيه. فأما
الأصل الرابع
6643- فالمقصود منه جمع الجذور وتفريقُها ونقصانُ بعضها من بعض، إذا أردنا أن نضم جذر عدد إلى جذر عدد آخر، لنعلم أن المبلغ جذر أيّ عدد يكون، فهذا ممكن في عددين مجذورين، جذر كل واحد منهما منطَّق، فإن لم يكونا مجذورين، ولكن كانا بحيث لو ضرب أحدهما في الآخر، فإن المبلغ جذر منطّق، أو إذا قسم أحدهما على الآخر كان ما يخرج من القسمة جذر صحيح، وإن لم يكن كذلك، لم يتأت جمعُ جذريهما ليكون مجموعهما جذر العدد الآخر.
وكذلك القول في نقصان جذر أحد العددين من جذر العدد الآخر إن كان العددان مجذورين، أو كان مبلغ ضرب أحدهما في الآخر مجذوراً، أو كان الخارج من قسمة أحدهما على الآخر مجذوراً، فإن الباقي من جذر أحدهما بعد نقصان الجذر الآخر منه يقدر جذراً لعدد معلوم، وإن لم يتحقق مما ذكرناه شيء، لم يكن الباقي جذراً لعدد معلوم؛ فإنه لا يكون معلوماً لا تقديراً ولا تحقيقاً.
المثال: إذا أردنا أن نجمع جذر تسعة، وجذر أربعة، فنضم التسعة إلى الأربعة، فتكون ثلاثة عشر، فنحفظ ذلك، ثم نضرب التسعة في الأربعة، فتكون ستة وثلاثين، فإن شئنا أخذنا جذره وضربناه في اثنين، فيردّ اثني عشر، وإن شئنا ضربنا الستة والثلاثين في أربعة، ثم نأخذ جذر المبلغ، فيكون اثنا عشر.
والمسلكان مؤديان إلى مقصود واحد، فنزيد الاثني عشر على ثلاثة عشر، التي كانت معنا، فتكون خمسة وعشرين، وجذرها جذرُ تسعة، مع جذر أربعة مجموعين، فإن جذر الخمسة والعشرين خمسة، وهي تشمل على جذر الأربعة، وهي اثنان، وجذر التسعة وهو ثلاثة.
6644- ولا ينبغي أن يستطيل الناظر مثلَ ذلك قائلاً: إن جمع الاثنين إلى الثلاثة لا غموض فيه، والطرق الحسابية تصاغ لإخراج المشكلات، فإنّ ما ذكرناه تمهيد لمسلك الباب في الجليات، وسنجري في الغوامض والمعوصات.
فإذا أردنا أن نجمع جذر اثنين وجذر ثمانية، وهما أصمان، فنضم الاثنين إلى الثمانية، ونحفظ المبلغ، وهو عشرة، ثم نضرب اثنين في ثمانية، ثم ما بلغ في أربعة، وأخذنا جذر المبلغ، وزدناه على العشرة المحفوظة، فتكون ثمانية عشر.
وهذا المبلغ وإن كان أصم، فجذره الأصم هو جذر ثمانية، وجذر اثنين مجموعين.
وإنما تأتّى لنا هذا، لأن ضرب الاثنين في الثمانية يرد عدداً مجذوراً، ولو قسمت الاثنين على الثمانية، كان الخارج من القسمة مجذوراً أيضاً؛ فإنه ربع، والربع جذره النصف، فتأتى ما ذكرناه، وإن كان قولاً بيّناً، ولكنه عظيم المنفعة في الأشكال الهندسية. وقد يطلقها الجبريون إذا لم يجدوا غيره.
وإن أردت أن تنقص جذر أربعة من جذر خمسة وعشرين، فاجمع الأربعة والخمسة وعشرين، تكون تسعة وعشرين، فاحفظها. ثم اضرب الأربعة في الخمسة والعشرين، فما بلغ، فاضربه في أربعة، فيكون أربعمائة، فخذ جذرها، وهو عشرون، فانقصها من تسعة وعشرين المحفوظة، فالباقي منها تسعة، فجذرها هو الباقي من جذر خمسة وعشرين، بعد نقصان جذر الأربعة منه وذلك ثلاثة.
وإن أردت أن تنقص جذر خمسة من جذر خمسة وأربعين، فاجمع بينهما يكون خمسين، ثم اضرب خمسة في خمسة وأربعين، فيكون مائتين وخمسة وعشرين، فخذ جذريها وهو ثلاثون. وإن شئت، فاضربها في أربعة فتكون تسعمائة، فخذ جذرها، وهو ثلاثون، وانقصها من الخمسين المحفوظة عندك، والباقي عشرون، وجذرها أصم، إلا أن جذره هو الباقي من جذر خمسة وأربعين بعد نقصان جذر خمسة منه.
هذا قياس الباب فيما ذكرناه. وأما
الأصل الخامس
6645- فالمقصود منه بيان الاستثناء، ومقابلة الناقص بالكامل، والثابت بالمنتفي، وإذا تقابلت جملتان، فإن كان مع أحدهما أو مع كلّ واحد منهما استثناء من جنسه في الجانب الآخر ثابت، فيسقط من الثابت مقدار الاستثناء من جنسه، ثم نجمع ما بقي.
فإن كان الاستثناء من غير جنس الثابت، ولم يكن معهما استثناء، فنجمعهما كما هما، فأما النقصان والتفريق، فنجبر فيه الاستثناء من كل واحدٍ منهما بزيادته على الآخر، ثم ننقص أحدهما من الآخر.
مثال الجمع: أردنا أن نجمع بين جذر ثمانين إلا خمسة، وبين عشرة إلا جذر ثمانين، فيسقط الزائد بالناقص من المتجانسين مِثْلاً بمثلِ، فيحصل معنا خمسة، وهي المجموع الذي أردناه. وبيان ذلك أنا أردنا الجمع بين جذر ثمانين إلا خمسة فقد ذكرنا إثبات الجذر واستثناء خمسة، فكان ذلك نفياً وإثباتاً، وقلنا في الجانب الثاني عشرة إلا جذر ثمانين. فأثبتنا العشرة، ونفينا الجذر الثابت في الجانب الذي قدمناه بالجذر الذي نفيناه في الجانب الثاني، فكأنه لم يجر للجذر ذكر، وذكرنا في جانبٍ عشرة، ونفينا خمسة، فنُسقط خمسة من العشرة؛ مقابلة للإثبات بالنفي، فسلم من جميع الجملة خمسة.
ومثال النقصان: نريد أن نَنقُصَ جذر مائتين إلا عشرة، من عشرين إلا جذر مائتين، فالسبيل فيه أن نجبر أولاً جذر المائتين بالعشرة، ونزيد على عديله عشرة، فصار ثلاثين إلا جذر مائتين، فننقص الآن منها جذر مائتين، فبقي معنا ثلاثون إلا جذري مائتين، وذلك هو الباقي من عشرين إلا جذر مائتين بعد نقصان جذر مائتين إلا عشرة منه، وقس على ما ذكرناه أمثاله. وأما
الأصل السادس
6646- فمقصوده معرفة مناسبة الجذور والكعبات واشتراكها وتباينها، فنقول: نسبة الجذر إلى الجذر تكون أبداً مثل نسبة المجذور إلى المجذور مثنَّى بالتكرير.
مثاله: نسبة جذر الأربعة إلى جذر التسعة كنسبة الأربعة إلى التسعة مثنى بالتكرير.
وبيانه أن الاثنين، وهو جذر الأربعة إذا نسبناه إلى ثلاثة، وهي جذر التسعة، فتكون الاثنان ثلثي الثلاثة، والأربعة ثلثا ثلثي التسعة، فإنها ثلثا الستة، والستة ثلثا التسعة، فقد وجد التكرير في نسبة المجذور إلى المجذور، ولم يوجد التكرير في نسبة الجذر إلى الجذر.
ونسبة الكعب إلى الكعب كنسبة المكعب إلى المكعب مثلثاً بالتكرير: مثاله- كعب الثمانية اثنان، وكعب السبعة والعشرين ثلاثة، والاثنان ثلثا الثلاثة من غير تكرير، والثمانية التي هي مكعب الاثنين هي ثلثا ثلثي ثلثي سبعة وعشرين التي هي مكعب الثلاثة، لأن الثمانية ثلثا اثني عشر، والاثنا عشر ثلثا ثمانية عشر، وثمانية عشر ثلثا سبعة وعشرين، فبان أن نسبة الكعب إلى الكعب كنسبة المكعب إلى المكعب مثلثاً بالتكرير.
6647- والمقادير الصم ذواتُ الجذور الصم جذورها مباينةٌ لجذور المقادير المنطقة بلا تلاقي، ولا تناسب، ولو ناسب المنطقُ الأصمَّ، لكان مجهولاً، ولو ناسب الأصمُّ المنطق، لكان معلوماً، وليس الأصم في معنى المنطق، وقد ننسب عدداً أصم الجذر إلى عددٍ أصمَّ الجذر ويكون جذراهما يشتركان في القوة اشتراكاً أصم لا يتأتى النطق به، كما لا يتأتى النطق بالجذر الأصم، وذلك مثل: جذر عشرة، وجذر خمسة بينهما اشتراك بالقوة، لأنا إذا ربّعنا كلَّ واحد من العددين وضربناه في نفسه، وجدنا بين المبلغين تناسباً؛ فإن الخمسة والعشرين وهو مربع الخمسة يناسب المائة، وهو مربع العشرة، فنعلم أن جذريهما الأصمين مشتركان بالقوة، وإن لم يكن ذلك الاشتراك منطوقاً به، ولا يتأتى النطق بجزئيته، لأنا إذا ضربنا الخمسة في العشرة، لم يكن المبلغ مجذوراً، وإذا قسمنا العشرة على الخمسة، لم يكن الخارج من القسمة مجذوراً، وهو اثنان. وكذلك إذا قسمنا الخمسة على العشرة، فالخارج من القسمة نصفٌ، وليس بمجذور. وإذا لم يتحقق شيء مما ذكرناه، فلا تتأتى العبارة عن جزئية في الاشتراك.
ولكن إذا كان مربع أحد العددين يناسب مربّعَ الثاني، فنعلم أن بين جذريهما وإن كانا أصمين مناسبةً بالقوة والإمكان، وإن لم يكن وجه الاشتراك منطوقاً به.
وإن كان الأصمان بحيث لو ضرب أحدهما في الثاني، كان المبلغ مجذوراً، وكان أحدهما لو قسم على الثاني، لكان الخارج من القسمة مجذوراً، تَأَتَّى التعبير عن الجزئية، وإن كان العددان أصمّين.
ومثال ذلك: الاثنان والثمانية، فنقول: جذر الاثنين نصف جذر الثمانية؛ فإن الاثنين لو ضربا في الثمانية، لكان المبلغ مجذوراً. ولو قسم كل واحد منهما على الثاني، لكان الخارج من القسمة مجذوراً، فنعلم أن جذر الاثنين نصفُ جذر الثمانية؛ لأن الاثنين نصف نصف الثمانية، وقد ذكرنا أن نسبة الجذر إلى الجذر كنسبة المجذور إلى المجذور مثنًّى بالتكرير.
وإنما هذه الأصول نطلقها عن تقليد، وإنما يبرهن عليها الهندسةُ، ولكنا نأخذها عن ظنون مستندة إلى مراسم مطردة، ولو حاولت البرهان عليها من الاستقصات، لم نُعنَّ، ولكن القول فيه مجاوزٌ لحد الفقهاء وسردت، فاقتصرنا على المراسم، وذكرنا وجوهاً من المراسم تجري مجرى المذكِّرات.
6648- وخرج مما ذكرناه أن الأصم والمجذور متباينان، لا اشتراك بينهما بوجهٍ، والأصمان إذا تناسب مربعاهما، ولكن لم يكن مبلغ ضرب أحدهما في الثاني مجذوراً، ولم يكن الخارج من القسمة مجذوراً إذا قسمنا أحدهما على الثاني، فنحكم من تناسب المربّعين بتناسب الجذرين الأصمين بالقوة، من غير جزئية.
وإن كان الأصمان بحيث يؤدي ضرب أحدهما في الثاني إلى مبلغٍ مجذورٍ، أو كانت قسمة أحدهما على الثاني تُفضي إلى كون الخارج من القسمة مجذوراً، فالجذران متناسبان، ويتأتى التعبير عن جزئية تناسبهما على قياس تناسب الجذرين المنطقين، ولكنا نطلق الجزئية والجذران مجهولان.
وكذلك إن كان المكعب الأصم إذا ضرب في مكعب أصم بلغ مكعباً منطقاً، فإذا قسم أحدهما على الآخر، خرج من القسمة مكعب منطق، فنعلم أن كعبيهما يشتركان على القياس الذي مهدناه في الجذر.
ومعظم اعتناء الجبريِّين بالجذور والأموال والأعداد، ولا تترقى المسائل الحسابية في الفقه والمعاملات منها، وإذا انتهت مسألة إلى مال مال، ومكعب المكعب، ردّوها إلى الجذر، وجعلوا المال جذراً، ومال المال مالاً. وإن لم يتأت لهم ذلك في مسألة نتكلف في تصويرها، وقفَ الجبر والمقابلة. وأما
الأصل السابع
6649- فمضمونه بيان المعادلات ومأخذها، وقيم المتعادلات، وعلى هذا الأصل مدار الجبر والمقابلة، وبه يتوصل إلى استخراج الغوامض، وما قدمناه من الأصول الستة ذريعةٌ إلى هذا الأصل، جاريةٌ مجرى التوطئة والإيناس.
وقد ذكرنا أن المعادلات في الشرعيات والمعاملات تقع في ثلاثة أنواع: الجذور، والأموال، والعدد. وينشأ من تعادل هذه الأنواع ستُّ مسائل: ثلاث مفردات، وثلاث مُقرنات. وهي المسائل المست المعروفة، فأما المفردات، فإنها لا تتصور تركب على الأفراد من وجهٍ رابع. وهذا إذا ذكرناه يتبينه الفاهم، فإحدى المسائل أموال تعدل جذوراً، والأخرى أموالٌ تعدل عدداً، والأخرى جذورٌ تعدل عدداً.
ولا مزيد؛ فإن قلت: جذور تعدل أموالاً، فقد اندرج تحت قولنا: أموال تعدل جذوراً.
وإن قلت: عددٌ يعدل أموالاً، فقد اندرج هذا تحت قولنا: أموال تعدل عدداً، فلا مزيد إذاً في المفردات المفروضة في الجذور والأموال والعدد، على هذه المسائل الثلاث.
ونحن نبتديها، ونذكرها بطرقها، فإذا نجزت، خضنا في المقترنات.
6650- فأما المسألة الأولى من المفردات، فنقول: أموال تعدل جذوراً. فالوجه قسمة الجذور على الأموال، فما خرج من القسمة، فهو جذر مال واحد، وإن كان مال واحد يعدل جذوراً، فعدّة الجذور نأخذها لفظاً، ونقول هي جذر المال، مثال ذلك: مال يعدل خمسة أجذار، فمعنى هذا الكلام أن المال يساوي خمسة أجذار نفسه، هذا معناه لا غير.
ولو ظن الظان أن المراد خمسةُ أجذار مبهمةٍ، وليست أجذار المال، فلا يتأتى الوفاء ببيانها قط، فليعلم الناظر أن المعنيَّ بقول الجبري: مالٌ يعدل خمسة أجذار المال، أنه يعدل خمسة أجذار نفسه. ثم يترتب عليه أن المجيب إذا أجاب بمالٍ يعدل خمسة أجذاره، فقد أجاب السائل إلى مال يعدل خمسةَ أجذار، والدليل عليه أن الأجذار لو كانت مطلقة على حسب الاتفاق، لكان كل مال في الدنيا يعدل خمسة أجذار، فالعشرة تعدل خمسة أجذار كل جذر اثنان، ثم تدخل فيه الكسور؛ فإنها جذور، فيخرج الكلام إلى حكم الهزل، وما لا يفيد.
فإذا تُصوّرت المسألة، فالوجه فيها أن نأخذ لفظَ السائل سَمِيَّ عدّة الجذور، فإذا قال: مالٌ يعدل خمسة أجذار، قلنا: فجذره خمسة، والمال خمسة وعشرون، وهو يعدل خمسة أجذاره.
وإن قال: نصف مالٍ يعدل خمسةَ أجذار، فمعنى الكلام نصفُ مالٍ يعدل خمسة أجذار المال الكامل؛ فإن كلَّ مجذورٍ في الدنيا لا يكون نصفه مجذوراً. فإن أتَوْا إلى المجذورات نسبة طبيعية، ونحن نذكر طريقها في الأعداد دون الكسور، فالمجذور الأول أربعة، فماذا ضممت إليه جذرَ الأربعة، وما بعد ذلك الجذر في رتبة العدد، انتهيتَ إلى المجذور الثاني.
وبيانه أن جذر الأربعة اثنان، وبعد الاثنين في تركّب العدد ثلاثة، فنضم اثنين إلى ثلاثة، ونجمعها إلى الأربعة، فينتهي إلى المجذور الثاني في الأعداد.
ثم نأخذ جذر التسعة، وهو ثلاثة، ونضمُّ إليه ما بعد الثلاثة في العدد وهو أربعة، ونجمعها إلى التسعة، فينتهي إلى ستةَ عشرَ، وهو المجذور الثالث.
ثم نأخذ جذر الستة عشرَ، وهو أربعة، ونضم إليه ما بعد الأربعة، وهو خمسة، ونجمعها إلى الستةَ عشر فينتهي إلى المجذور الرابع، وهو خمسة وعشرون، فكذا ترتيب المجذورات، إلى غير نهاية.
ومن خواصها أن تَرتُّبَها أن بين كل مجذورين جذر الأول والثاني، فبين الأربعة والتسعة خمسة، وهو جذر الأربعة والتسعة. وبين التسعة والستة عشر سبعة، وهي جذر التسعة والستة عشر، وهكذا إلى غير نهاية.
ويخرج منه أن كل عدد كان مجذوراً لم يكن نصفه مجذوراً،.....،، فإذا قيل: نصف مال يعدل خمسة أجذار، فمعناه أنه يعدل خمسة أجذار المال الكامل، فإذا وضح ذلك، قلنا: نُكمل النصف مالاً، فنزيد عليه مثله، ونزيد على الأجذار مثلَها، فيكون كقول القائل: مال يعدل عشرة أجذار، فجذر المال عشرة، والمال مائة، ونصفها خمسون، وهو مثل خمسة أجذار المال.
وإذا قيل: ثلثا المال يعدل عشرة أجذار، فنكمل المال، ونزيد عليه مثل نصفه، فيكمل، ونزيد على عدّة الأجذار مثلَ نصفها. ويقال: مال يعدل خمسة عشر جذراً، فالجذر خمسة عشر، والمال مائتان وخمسة وعشرون.
فإن قال: خمسة أموال تعدل عشرين جذراً، فالوجه في هذا النوع أن نقسم عدد الجذور على عدد الأموال، فنقول: إذا قابلت خمسةُ أموالٍ عشرين جذراً، فكل مال يعدل أربعة أجذار، فيكون ذلك كقول القائل: مال يعدل أربعة أجذار، فجذر المال أربعة، والمال ستة عشر.
وإن قال: خمسة أموال تعدل خمسة عشر جذراً، فالوجه قسمة الخمسة عشر على الخمسة، كل واحد من الأموال ثلاثة، فيؤول غرض السؤال إلى قول القائل: مال يعدل ثلاثة أجذار، فجذر كل مال ثلاثة والمال تسعة.
فإن ذكر السائل في صيغة سؤاله عدداً من الجذور في مقابلة عدد من الأموال، وكان بحيث لو قسمنا الجذورَ على الأموال، لقابل كلَّ مالٍ جذرٌ وجزءٌ، مثل أن يقول: خمسة أموال تعدل سبعة جذور ونصف، فإذا قسمنا السبعة والنصف على الخمسة، قابل كلَّ مالٍ جذرٌ ونصفٌ، فالمسألة مستحيلة في الوضع؛ فإن المال لا يكون مجذوراً على هذا النسق، ولا يتصور مالٌ يعدل مثلَ جذر نفسه، ومثلَ نصف جذره، نعم، يتصور أن يكون الواحد والنصف جذراً، فيكون المال حينئذ اثنين وربعاً، ولكن الواحد والنصف جذرٌ واحد، فلابد في هذا النوع من ذكر المقابلة على وجه يقع في مقابلة كل مال عند القسمة عدد صحيح، أو واحدٌ، لا كسر معه.
فإن قال: عشرة أموال تعدل عشرين جذراً، فيقابل كلُّ مال جذرين، فكل مال أربعة، وجذره اثنان.
فإن قال: عشرة أموال تعدل عشرة جذور، فكل مال واحد، وجذره واحد.
فأما إذا نقصت عدّة الجذور عن عدد الأموال، فالعبارة مستحيلة، وكذلك إذا كانت القسمة تقتضي كسراً.
فهذا بيان مسألة واحدة من المفردات، وهي معادلة الأموال للجذور.
6651- فأما الثانية، فهي أن تعدل الأموالٌ عدداً، كقول القائل: مالٌ يعدل ستة عشرَ، فهذا النوع سهل في الوضع، والمراد أن المال ستةَ عشرَ، وجذره جذر ستةَ عشرَ، وهو أربعة.
فإن قال: خمسة أموال تعدل خمسة وأربعين، فرُدَّ الأموالَ إلى خمسها، والعددَ إلى خمسه، فيكون كقول القائل: مالٌ يعدل تسعة، فالتسعة مجذورة، وجذرها ثلاثة.
ثم هذا النوع ينبغي أن يوضع وضعاً يكون العدد مجذوراً في نفسه. وإذا وضع على وجهٍ لا يكون العدد مجذوراً، فالمال الذي يقابله لا يكون مجذوراً، كقول القائل: مال يعدل سبعة، فنقول المال سبعة، وليس له جذر منطق، والغالب على عادات الحسّاب إذا أطلقوا ذكر المال أن يريدوا به المجذورَ؛ فإن المال الذي هو إقامة ضرب جذره في نفسه.
وإذا لم يكن الجذر منطقاً، فلا يتأتى منّا وضع مالٍ بطريق ضرب جذره في نفسه.
فإن كنت تعني بالمال المجذورَ الذي جذره منطق، فينبغي أن يوضع العدد في مقابلة المال مجذوراً، وإذا وُضعت أموالٌ في مقابلة عددٍ، فينبغي أن يوضع العدد وضعاً لو قسم على الأموال، لكان الخارج من القسمة مجذوراً، فإن لم تُرد بالمال المجذورَ، فلا استحالة في تسمية الأصم مالاً؛ فإن له جذراً في علم الله تعالى، لا يطلع على مقداره غير الله، والهندسة تبين جذرَ الأصم عياناً، ولكن لا تنتظم عبارةٌ غيرُ مبلغه ومقداره.
فإذا كان المراد هذا، وقال السائل: مالٌ يعدل خمسة، فالمال خمسة، ولكن الغالب في الوضع في مراسم الحُسّاب ما ذكرناه من طلب كوْن المال مجذوراً في وضع المسائل. فإن قال السائل: ثلث مالٍ يعدل سبعةً وعشرين، فَنكمل جزء المال، ونُبْلغه مالاً بأن نزيد عليه مثليه، وإن أردنا قلنا: بأن نزيد عليه ضعفه، ثم نزيد على العدد أيضاً ضعفه، فحصل معنا مالٌ يعدل أحداً وثمانين، فالمال هذا المبلغ وجذره تسعة، وقد وضعنا المسألة وضعاً إذا كمل المال نزيد على العدد مثليه، كان المبلغ مجذوراً على حسب ما ذكرناه الآن.
6652- المسألة الثالثة من المفردات- جذورٌ تعدل عدداً، فالوجه أن نقسم العدد على الجذور، فما خرج من القسمة، فهو قيمة جذرٍ واحد.
مثاله: خمسة أجذار تعدل عشرين من العدد، فالجذر أربعة، وهو جذر ستةَ عشرَ، ولا حاجة في هذا القسم إلى تكلفٍ في الوضع؛ فإنه إذا قوبل عددٌ بجذرٍ، فكل عدد في عالم الله يجوز أن يكون جذراً، ولو أخرجت القسمةُ كسوراً، فلا استحالة؛ إذ لا كسر إلا ويجوز أن يكون جذراً، وإذا قال السائل: عشرة من العدد تعدل عشرين جذراً، فكل جذر نصف، وماله ربع، وهذا لا إشكال فيه. وإن قال: نصف جذر يعدل العشرة، والجذر التام يعدل عشرين، فالمال أربعمائة.
وقد نجز القول في وضع المسائل الثلاث في المعادلات المفردة.
6653- فأما إذا فرضت المعادلات مقترنةً، فينتظر مع الاقتران ثلاث مسائل في الوضع بلا مزيد، ولا يُتصوّر غيرُها إذا كان سائغاً من الأنواع الثلاثة: المال، والجذر، والعدد. فيركب الاقتران منها، ثم يقع نوعان في صورة الاقتران في جانب، ونوعٌ واحدٌ في مقابلهما.
ولا يتأتى تركيب الاقتران من الثلاثة إلا كذلك، فيتصور إذاً ثلاث مسائل: أموال وجذور تعدل عدداً، وأموال وعدد يعدل جذوراً، وجذور وعدد يعدلان أموالاً.
6654- المسألة الأولى: مال وجذر يعدلان عدداً. فإذا قال القائل: مال وعشرة أجذار يعدلان تسعة وثلاثين من العدد، فمعنى الكلام: أيّ مالٍ إذا زيد عليه عشرة أجذاره، بلغ تسعة وثلاثين.
هذا وضع السؤال، ومن ضرورة هذا النوع إضافة الجذور إلى المال، والتقدير مالٌ وعشرة أجذاره تعدل عدداً، وحق ذلك أن يوضع وضعاً ينتظم فيه التقدير إذا أردناه، حتى لو قال السائل: مال وعشرة أجذار تعدل ثلاثين من العدد، لم يكن الكلام مستقيماً؛ فإنك لا تجد مالاً مجذوراً تزيد عليه عشرةَ أجذار، فيبلغ ثلاثين، فالرسم المعهود من الحُسّاب له مسلكان في هذا المعنى:
أحدهما: يؤدي إلى إدراك الجذر، والثاني: يؤدي إلى المال نفسه. فأما السبيل الذي يؤدي إلى الجذر، فالرسم فيه أن ننصفَ عدد الأجذار، ونضرب نصف العدد في نفسه، ونزيدَ مبلغه على العدد المذكور في مقابلة المال والجذور، وتأخذ جذر ما بلغ، وتنقص منه نصفَ هذه الأجذار، فما بقي فهو جذر المال، فنقول في هذه المسألة التي وضعناها: نأخذ نصفَ الجذور خمسة، ونضربها في نفسها، ونزيد المبلغ على العدد المذكور في المسألة، وهو تسعة وثلاثون، فيبلغ أربعة وستين، فنأخذ جذرها ثمانية وننقص منها نصف الأجذار، وهو خمسة، فيكون الباقي ثلاثة، وهو جذر المال، والمال تسعة، فإذا زدنا عليها عشرة أجذارها، بلغ تسعة وثلاثين.
وأما الطريق التي تؤدي إلى مبلغ المال أن نضرب عدد الأجذار وهي في هذه المسألة عشرة في مثلها، فتكون مائة، فنضرب هذه المائة في العدد المذكور، وهو في هذه المسألة تسعة وثلاثون، فيبلغ ثلاثة آلاف وتسعمائة، فنحفظ هذا المبلغ، ثم ننصف المائة ونأخذ نصفها، خمسين، ونضربه في مثله، فيكون ألفين وخمسمائة فنزيدها على ثلاثة آلاف وتسعمائة، فيصير المبلغ ستة آلاف وأربعمائة، فنأخذ جذرها، وهو ثمانون. ونضم خمسين إلى العدد المذكور في المسألة، فتصير تسعة وثمانين، ثم نحط من هذا المبلغ المجموع الثمانين، التي هي جذر ستة آلاف وأربعمائة، وننظر إلى الباقي، وهو المال.
وحقيقة هذا الفن لا يطلع عليها إلا من يعلم أنه لا يجري في كل عدد كما قدمناه، فليوضع العدد وضعاً إذا زاد على المال أعداد أجذاره المذكورة، لكان مقابلاً للعدد الموضوع في سؤال السائل، هذا لابد منه، فيحتاج الحاسب أن يتطلع على ما يمكن أن يقابل المالَ وجذره من العدد، ثم نضع المسألة لإرشاد الطالب في عدد يستقيم، كما ذكرناه.
6655- المسألة الثانية من المقترنات: أموالٌ وعددٌ يعدل جذوراً، كقول القائل: مالٌ، وأحدٌ وعشرون من العدد يعدلان عشرة أجذار، فمعنى السؤال: أي مالٍ إذا زدت عليه أحداً وعشرين درهماً، كان المبلغ مثل عشرة أجذار ذلك المال؟
وفي هذا النوع المعادلة طريقان كل واحد منهما يؤدي إلى الزيادة مرة، وإلى النقصان أخرى، وقد يؤدي إلى أحدهما دون الآخر، ثم يجري مسلكان:
أحدهما: يؤدي إلى جذر المال.
والثاني: يؤدي إلى معرفة المال بعينه.
فأما الذي يؤدي إلى الجذر، فالرسم فيه أن ننصف الأجذار، ونضرب نصفها في مثلها، وننقص العدد المذكور في المسألة من مبلغها، ونأخذ جذر ما بقي وننقصه من نصف الأجذار، ونزيده عليه، فما بقي بعد النقصان، أو بلغ بعد الزيادة، فهو جذر المال، فربما خرجت المسألة بالزيادة والنقصان، وربما خرجت بالنقصان دون الزيادة، وربما خرجت بالزيادة دون النقصان.
ففي هذه المسألة نضرب نصف الأجذار وهو خمسة في مثلها، فتبلغ خمسة وعشرين، فننقص منها العدد وهو أحد وعشرون، فيكون الباقي أربعة، فنأخذ جذرها، وذلك اثنان، فإذا زدناه على نصف الأجذار، فيكون سبعاً، وهو جذر المال: تسعة وأربعون، فإذا زدنا عليها أحداً وعشرين من العدد، بلغ سبعين، وهي مثل عشرة أجذار المال.
وإن شئنا نقصنا الاثنين من نصف الجذور، فيكون الباقي ثلاثة، وهو جذر المال تسعة، وإذا زدنا عليه أحداً وعشرين، بلغ ثلاثين، وهي مثل عشرة أجذار تسعة، التي هي المال. وقد خرجت المسألة بالزيادة والنقصان.
ومعنى ذلك أن المسألة موضوعة وضعاً يتأتى فيه الجواب بطريق الزيادة، ويكون سديداً، ويتأتى فيها الجواب بطريق النقصان، ويكون سديداً.
ويحتاج هذا الفن إلى وضع العدد المضموم إلى المال على وجهٍ ينتظم فيه معادلة المال، والعدد الموضوع معه بعدد جذوره، وهذا إنما يتأتى بأن يفرض الواضعُ مالاً في نفسه مجذوراً، ويقدر له جذوراً، ونعرف مبلغها، ثم يضم إلى المال عدداً يقابل ذلك المبلغ، ثم يذكر الطريق.
وقد يتأتى له الوضع مع الزيادة، وقد يتأتى الوضع مع النقصان، وقد يتأتى معهما.
وإن وضع السائل عدداً إذا ضربنا نصف الأجذار في مثله، كان مبلغه أقلّ من العدد المذكور في المسألة مع المال، فالمسألة مستحيلة.
فإن كان المبلغ مثلَ العدد الذي معك في المسألة، فخذ الجذر مثلَ نصف عدد الأجذار، ولا تحمل عدداً أكثر من هذا.
ومثاله: مالٌ، وخمسة وعشرون من العدد تعدل عشرة أجذار المال. فنضرب نصف العشرة في نفسه فيصير خمسة وعشرين، فجذره خمسة، وهو جذر المال، فالمال خمسة وعشرون، والمضموم إليه خمسة وعشرون، والجملة تعدل عشرة أجذار خمسة وعشرين.
فإن كان ما يرده ضربُ نصف الأجذار أكثرَ من العدد المضموم إلى المال، فينبغي أن يكون بحيث لو نقص منه العدد، لكان الباقي مجذوراً، حتى لو قيل مالٌ وعشرةٌ من العدد تعدل عشرة أجذاره، فالعشرة لو حُطّت من مبلغ ضرب نصف الأجذار في نفسه، لبقي خمسة عشر، وليست خمسةَ عشرَ مجذوراً، فلا ينتظم الكلام على الجذور المنطقة.
فهذا وجه التنبيه على حقيقة هذا النوع وأقسامه. وقد ذكرنا في المسألة التي وضعناها ما يؤدي إلى معرفة الجذر.
فأما الطريق التي تؤدي إلى معرفة المال، فالرسم في هذه المسألة أن نضرب عدد الجذور في نفسه فتبلغ مائة، ثم نضرب هذه المائة في العدد الذي في المسألة، وهو أحدٌ وعشرون فيبلغ ألفين ومائة، ثم نأخذ نصفَ المائة، ونضربها في مثلها، فيكون ألفين وخمسمائة، فنُسقط منه المبلغَ الأول وهو ألفان ومائة، فيكون الباقي أربعمائة، فتأخذ جذرها، وذلك عشرون، فإن شئت، فأسقطها من الخمسين التي هي نصف المائة، فيكون الباقي ثلاثين، فأسقط منها الواحد والعشرين، التي كانت مع المال، فيكون الباقي تسعة، فهي المال.
وإن شئت فرُدَّ العشرين إلى الخمسين، فيكون سبعين، ثم أسقط منها الواحد والعشرين التي مع المال، فيكون الباقي تسعة وأربعين، وهو المال، فخرجت الزيادة والنقصان في المال، كما خرجا في السبيل المؤدي إلى الجذر، وهكذا يكون لا محالة.
6656- المسألة الثالثة من المقترنات: جذورٌ وعدد تعدل أموالاً. مثل قولك: ثلاثة أجذار، وأربعة من العدد يعدلان مالاً. وفي هذا النوع سببان يُفضي أحدهما إلى مبلغ الجذر، والثاني إلى مبلغ المال.
فأما ما يؤدي إلى الجذر، فالرسم فيه أن نضرب نصفَ الأجذار في مثله، ونزيد المبلغ على العدد، ونأخذ جذر ما بلغ، ونزيده على نصف الأجذار، فما بلغ، فهو جذر المال، ففي هذه المسألة نضرب نصف الأجذار، وهو واحد ونصف في مثله، فيردّ اثنين وربعاً، فنزيدها على العدد وهو أربعة، فيبلغ ستةً وربعاً، فنأخذ جذره، وهو اثنان ونصف، ونزيد ذلك على نصف الأجذار، وهي واحد ونصف، فيبلغ أربعة، وهو جذر المال، فالمال ستة عشر. فإذا أخذنا ثلاثة أجذاره، وزدنا عليه أربعةً من العدد، كان المبلغ ستةَ عشرَ، مثلَ المال.
وليس يخفى على الفطن-وقد ذكرنا الغرض مراراً- أن هذه المسائل لابد من وضعها على التقدير الذي يصح، وليس ما يسترسل على كل عدد في كل جذر.
والسبيل الذي يؤدي إلى المال في المسألة التي ذكرناها أن نضرب الأجذار، وهي ثلاثة في نفسها، فتصير تسعة، ثم نضرب هذه التسعة في العدد الذي معنا، وهو أربعة، فيبلغ ستة وثلاثين، فنحفظ هذا، ثم نأخذ نصفَ التسعة وهو أربعة ونصف، فنضربها، في مثلها، فيكون عشرين وربعاً، فنزيدها على الستة والثلاثين، فتبلغ ستة وخمسين وربعاً، فنأخذ جذرها، وهو سبعة ونصف، ومعنا نصف التسعة، والأربعة الموضوعة في العد المذكور في المسألة، والجملتان ثمانية ونصف، فنزيد عليها سبعة ونصف، فيبلغ ستة عشر، وهي المال، فيخرج كما خرج بالعمل الأول.
وإذا ذكرت عدداً من المال في المعادلات، فالوجه أن ترده إلى مالٍ واحد، ورُدَّ كل نوع من النوعين الآخرين إلى مثل ما رددت إليه المال، ثم استعمل فيه الرسوم التي ذكرناها.
وإن كان جنس المال جزءاً من المال، أو أجزاء دون التمام، فكمّل المال، ثم زد على واحدٍ من النوعين الآخرين، وهما الجذور والعدد مثل ما زدته في جنس المال بالنسبة، ثم تستعمل فيه الرسوم.
فهذه قواعد الجبر في المفردات، والمقترنات، وستزداد تهذّباً إذا خرجنا عليهما مسائل الكتاب، إن شاء الله عز وجل. ونحن نبتدىء بعد ذلك بالقول في الوصية بالجزء والنصيب ونستعين بالله، وهو خير معين.
القول في الوصية بالأنصباء، والأجزاء الشائعة
6657- قد تقدم كلامٌ بالغٌ في الوصية بأنصباء الورثة، وسبق تفصيل القول في الوصية بأجزاء المال، وأوضحنا في كل نوع ما يليق به، ويُفيد الناظر استقلالاً فيه، حملاً وحساباً.
ونحن الآن نبتدىء القولَ في الوصية بنصيب بعض الورثة، مع الوصية بجزءٍ من المال.
وأول ما يقتضي الترتيبُ ابتداءه أن نقسّم، فنقول: إذا أوصى بنصيب وجزءٍ شائع، لم يخل، إما أن يكون الجزء الشائع مضافاً إلى كل المال، وإما أن يكون مضافاً إلى ما يتبقى بعد النصيب. فإن كان مضافاً إلى كل المال، فلا حاجة في إيضاح الجزءِ، والنصيب إلى الطرق الجبرية، والمسالك المستنبطة منها. ولكن سبيل إيضاح ذلك وتصحيحه، كسبيل تصحيح مسائل الفرائض.
وإن وقعت الوصية بالنصيب، ثم بجزءٍ مما بقي بعد النصيب، أو بجزءٍ من جزءٍ يعدل النصيبَ، فمسائل هذا النوع تتعقّد، ولا يمكن استخراجها بحساب الفرائض، فإذ ذاك نستعمل الطرق الجبرية، وما استخرجه الحُسّاب منها، وسبب الاحتياج إليها، أن الجزء إذا أضيف إلى ما تبقى بعد النصيب، والنصيبُ في وضع المسألة مجهول، والباقي مجهول، وتكثر الأنصباء بقلة الجزءِ، وتقل بكثرة الجزءِ، ثم تنعطف قلّة أنصباء البنين على قلة النصيب الموصى به، وإذا قلّ ذلك، كثر الباقي، فلابد لمن يحاول الإفهام والتقريب من ذكر مراسم الحُسّاب.
وإذا كان الجزء مضافاً إلى جزءٍ مما يبقى بعد النصيب، فيتضمن ذلك الجهالة المُحْوِجَة إلى الجبر والمقابلة، وهو كالوصية بثلث ما بقي من الثلث بعد النصيب.
وكذلك الوصيةُ بالنصيب مع استثناء جزءٍ مما تبقى، يفتقر إلى الجبر والمقابلة، وهو كما لو أوصى بنصيب أحد البنين إلا عُشر ما بقي من المال، أو من جزءٍ.
ونحن نأتي بهذه الفصول مفصلةً، ونأتي في كل فصلٍ منها بطرق مطردةٍ، أصل جميعها الجبر والمقابلة، أصل الجبر أسرار النسبة. ولو اطلع مطّلع على سرّ النسبة، لم يحتج إلى شيء من مراسم الحسّاب، ولكن الوصول إلى حقائق النسب ليس بالهين، وتقع الهندسة، وخواصُّ العدد المسمى ريماطيقي جزءاً منها، وأشبه شيء بالنسب، والطرقِ الموضوعة في الحساب الذوقُ في الشعر مع العروض، فمن استدّ ذوقه، قال الشعر، ومن لا يترقى ذوقه، نظم، و قام له العروض مقام الذوق، إذا أحكم مراسمها. كذلك طرق الحُسّاب إذا تمرن المرء عليها، أهدته إلى إخراج المجاهيل، وقد تطول دُرْبته فيها، فيتطلع إذ ذاك إلى النسب.
6658- ونحن نبدأ بالقسم الأول: وهو ما لا يحوج إلى الجبر، ويقع الاكتفاء فيه بحساب الفرائض.
فنقول: إذا أوصى بنصيب أحد البنين، وأوصى بجزءٍ من جميع المال، فإن كانت الوصيتان جميعاً تخرجان من الثلث، أو زادتا عليه، وأجاز الورثة الزائدَ على الثلث، فالوجه أن يُجعلَ الموصَى له بالنصيب كأحد البنين، ونلقيه في جانبهم، ونقيم لفريضة الوصية بجزء من المال مسألة، ثم نقسم ما يفضل من ذلك الجزء على البنين، وعلى الموصَى له بالنصيب.
وإن كان الباقي من فريضة الجزء ينقسم على فريضة البنين، وقع الاكتفاء بها.
وإن كان الباقي لا ينقسم على فريضة البنين، ضربنا فريضتهم، أو وَفْقَها-إن كان وفقٌ- في فريضة الوصية بالجزء، وأعدنا القسمة.
وإن زادت الوصيتان على الثلث، وردّ الورثةُ الزيادة، نحصر الوصيتين في الثلث، ونقسم الثلث بينهما على نسبة القسمة في الإجازة.
وبيان ذلك بالأمثلة: أوصى لواحد بثلث ماله، ولآخرَ بمثل نصيب أحد الأولاد، وله خمسة من البنين، فنجعل الموصى له بالنصيب ابناً سادساً، ونقيم فريضتهم من ستة، وفيهم الموصى له بالنصيب، ثم نقيم فريضة الوصية بالجزء. فإن كان أوصى بثلث ماله، ففريضة الوصية من ثلاثة: يسلم إلى الوصية سهم، فيبقى سهمان يوافقان فريضة الورثة والموصى له بالنصيب بالنصف، فنضرب نصف ستة في فريضة الوصية، فتصير تسعة: للموصى له بالثلث ثلاثة، والباقي ستة بين البنين وبين الموصَى له بالنصيب على استواء؛ لكل واحدٍ منهم سهم، والوصيتان زائدتان على الثلث؛ فإن الأربعة من التسعة أكثر من ثلث المال.
فإن أجاز الوارثون، فذاك. والأمر على ما بيّناه.
فإن ردّ الورثةُ الزيادة، نحصر الوصيتين في الثلث، ونقسمه بين الموصى له بالثُلث، وبين الموصى له بالنصيب أرباعاً، فنجعل الثُلثَ أربعةً: للموصى له بالثلث منها ثلاثة، وللموصَى له بالنصيب سهم.
وطريق تصحيح المسألة أن نجعل الفريضتين: فريضة الوصية، وفريضة الميراث من ثلاثة، ثم نُقيم فريضة الوصية من أربعة، وفريضة البنين من خمسة، فإن الموصى له بالنصيب وقع في الثلث، ثم سهم من الثلاثة ينكسر على فريضة الوصية، وهي أربعة، وسهمان ينكسران على فريضة البنين، وهي خمسة، وليس بين الأربعة والخمسة موافقة بجزء صحيح، فنضرب خمسة في أربعة فتصير عشرين، ثم نضربها في أصل المسألة، وهي ثلاثة، فتصير ستين.
ولو قلت في الابتداء: نحتاج إلى عددٍ يخرج منه ثلث وربع وخمس: الثلث لنميّز محلّ الوصية، والربع لانقسام الثلث أرباعاً، والخمس لعدد البنين، فنطلب عدداً هو مخرج هذه الكسور، والطريق فيه أن نضرب الثلاثة في الأربعة، ثم المبلغ في الخمسة، فيردّ ستين. وإذا انقسم المال على هذا البسط أثلاثاً وأرباعاً وأخماساً، ينقسم كل جزء من أجزاء المال على هذه النسب، والوصية عشرون، وهو الثلث، نصرف ثلاثة أرباعه، وهو خمسةَ عشرَ إلى الموصى له بالثلث، ونصرف خمسة إلى الموصى له بالنصيب، ونقسم الباقي وهو أربعون على البنين الخمسة، لكل واحد منهم ثمانية ونقص نصيبُ الموصى له بالنصيب عن نصيب واحد من البنين بسبب الرد والحصر في الثلث.
وهذا قياس هذا الباب.
ومن أحكم ما قدمناه، هان عليه ما ذكرناه الآن، وما في معناه، فلسنا نرى لتكثير الصور في هذا القسم معنىً.
6659- فأما إذا أوصى لإنسانٍ بنصيب أحد البنين، وأوصى لآخر بجزءٍ بعد النصيب، فهذا يقع على صورٍ، ونحن نُفرد لكل نوع فصلاً، ونذكر ما فيه من الطرق والتقريبات.