فصل: كتاب البيع:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: نهاية المطلب في دراية المذهب



.كتاب البيع:

.باب: اختلاف المتبايعين:

3273- إذا جرى التحالف على الوصف الذي ذكرناه، فالقول بعده فيما يصير العقد إليه.
فظاهر نص الشافعي أن العقد لا ينفسخ، ولكن يُنشأ فسخه، ووجه ذلك بيّن؛ فإنه لا يتحقق بالتحالف إلا تعَدُّرُ إمضاءِ العقد، لو أصرّا على اختلافهما. ولا بأس من أن يصدّق أحدُهما الثاني، فلا معنى للحكم بالانفساخ. ولكنا نقول لكل واحد منهما: إما أن توافق صاحبك وتصدُقَ إن كنتَ الكاذب. وإما أن تفسخ العقد.
وذكر بعض أصحابنا قولاً اَخر مخرّجاً: أن العقدَ ينفسخ. وهذا القول منسوبٌ إلى أبي بكرٍ الفارسي، وفقهُه عندي أن العقد إذا انتهى إلى التنازع في المعقود عليه، فنجعل كأن العقدَ فُرض إنشاؤه مع الاختلاف في المعقود عليه، ولو كان الأمر كذلك لما انعقد العقد. فإن أفضى الأمر إلى هذا وتأكد بالأيمان، قدَّرنا كأن صيغةَ العقد كانت على الاختلافِ، وصيغةُ هذا المذهب المنسوب إلى الفارسي تُشعر بأنّا نتبيّن أن لا عقد استناداً.
وهذا ضعيفٌ.
ولا خِلافَ أن الزوائد التي حدثت بعد العقدِ وقبل التحالف مقررةٌ على المشتري، وكذلك لا خلاف أن المشتري لو كان تصرف تصرفاً مزيلاً للملك، ثم فرض الاختلاف من بعدُ، فلا نتبيَّن فساد العقد وارتفاعَه.
وذكر الشيخ أبو علي في تفريع مذهب الفارسيّ أنا نتبين فسادَ التصرّفات التي جَرت قبل التحالف. وهذا وفاءٌ بحق التبيُّن والإسناد، ومَصيرٌ إلى أن نجعل كأَنَّ العقد لم يَجْرِ، وهذا يتضمن ارتدادَ الزوائد إلى البائع لا محالةَ. هكذا ذكر الشيخ أبو علي.
ولو قيل: التحالف يوجب الانفساخَ، لأمكن تقريرُ وجهٍ فيه، من غير ردَّ الأمر إلى تقدير وقوع العقد كذلك؛ فإنَّ استحقاق إنشاء الفسخ إن نيط بالتحالُفِ، فغيرُ بدع أن تناط به عين الانفساخ.
وهذا على بعده أمثل مما ذكرناه.
التفريع:
3274- إن حكمنا بأن الفسخَ يُنشأ، فقد اختلف أصحابنا فيمن يتولاه: فمنهم من قال: يتولاه الحاكم أو من يفوِّض الحاكمُ إليه.
ومنهم من قال: يتولاه المتعاقدان. وهذا الوجه الأخيرُ أفقهُ؛ فإن التحالف تحقق جريانه، وهو المعتبر في إثبات حق الفسخ، ولا يبقى بعد جَريانه مضطرَبٌ لنظر الحاكم، فتعليق الفسخ بإنشائه بعيدٌ في المعنى، وإن كان مشهوراً في الحكاية.
ثم حكى أئمتُنا أن البائع إذا كان يفسخ البيعَ بسبب إفلاس المشتري بالثمن ووجود عين المبيع، فهو الذي يفسخ. قطعوا بهذا. وهذا حسن. وإفلاس المشتري إن كان مجتهداً فيه، فالحجر مطَّرِد عليه والتعذر متحقق. وإن لم نتحقق في علم الله الفَلَس.
وقال بعض الأصحاب: القاضي هو الذي يفسخ النكاح عند تحقق العُنَّة وجهاً واحداً، والزوجة تتعاطى الفسخ بالإعسارِ بالنفقة. ولستُ أرى بين العُنَّةِ والإعسار فرقاً؛ فإن الأمرين جميعاً متعلقان بالاجتهادِ، فليخرَّج الأمرُ فيهما على التردد الذي ذكرناه في التحالُفِ، والقياس في الجميع أن الفسخ لا يتوقف على إنشاءِ القاضي.
نعم، لابد من حكمه بثبوت العُنّة والإعسار. ولا حاجةَ إلى حكمه بعد التحالف.
وأما فسخ البائع بسبب الفلسِ، ففيهِ مزيدُ نظَرٍ، سنذكرهُ في كتاب الحجر، إن شاء الله عز وجل.
3275- ثم إذا ثبت ما ذكرناه في الفسخ والانفساخ، فالقول بعده في الظاهرِ والباطنِ. فإن حكمنا بالانفساخ، نفذ ذلك ظاهراً وباطناً عُقيبَ التحالف، ولا حاجةَ في هذا القولِ إلى عرض الأمر على المتعاقدَيْن بعد التحالُف.
وإن قُلنا بفسخ العقد، وهو المذهب، فالفسخ ينفذ ظاهراً وباطناً أم ينفذ ظاهراً والكاذب مؤاخذٌ بعُهدة العقد بينه وبين الله تعالى؟ قال الأئمة: إن كان المشتري كاذباً، وكان الثمن ألفين، وهو منكرٌ لألفٍ واحدٍ، فإن جرى الفسخُ، انفسخ العقد ظاهراً وباطناً، ونزل التعذُر المترتب على التحالف، منزلةَ التعذّرِ المترتب على الفَلَس؛ فإنّ البائع يقدر على بعض من الثمن، لو رضي بالمضاربة والمخاصَمة، فجعل تخلّفَ بعضِ الثمن عنه مُسلِّطاً على الفسخ والرجوع إلى المبيع ظاهراً وباطناً.
وإن كان البائع كاذباً والتفريع على إنشاء الفسخ، فهل ينفسخ العقد باطناً؟ فعلى وجهين مشهورين:
أحدهما: أنه ينفسخ باطِناً؛ لأن صورة التحالف تقتضي رفعَ العقد إذا أصرَّ المتعاقِدان المتحالفان.
والوجه الثاني- أن الفسخ لا يقع باطناً؛ فإن البائع هو الكاذب، والتعذُّر راجع إلى جهة المشتري، وليس لهذا النوع من التعذّر نظيرٌ يثبت حقَّ الفسخ، كما ذكرنا نظير الفلسِ في جانب المشتري.
وحق الناظر أن يحوي هذه الفصول ويَعيها.
وتمامُ البيان في نجازها.
وذكر شيخي أبو محمد رحمه الله طريقةً أخرى فقال: إذا كان البائع كاذباً، فلا ينفسخ البيعُ باطناً وجهاً واحداً. وإن كان البائع صادقاً والمشتري كاذباً، ففي الانفساخ باطناً وجهَانِ.
والطريقةُ المشهورةُ ما قدَّمناها، والبيان بين أيدينا بعدُ.
3276- فنقولُ: في هذا الفصلِ مباحثةٌ جليَّةٌ أغفلها الأصحاب. ونحن نأتي عليها بعون الله تعالى فنقول:
أولاً- ذهب ذاهبون إلى أن القاضي هو الذي يتولى الفسخَ، كما تقدّمَ، وسببُه أنه مادام يرجو تصديقَ أحدهما الآخر، فإنه لا يفسخ، فدرْكُ ذلك الوقت إلى نظرهِ، فكان هو المتعاطي للفسخ.
فلو قالَ المتعاقدان: لا نريد أن نفسخ، ونحن على خصامِنا نتنازع، فالقاضي يفسخ.
وإن قالا: أعرضنا عن الخصومة، ولم يصدّق أحدُهما صاحبَه. ولكن زعم المشتري أنه تَركَ المبيع في يدِ البائع، وقالَ البائع لستُ أطالبُ المشتري بالمزيد الذي ادّعيته، فاتركنا ولا تفسخ العقدَ بيننا. فللأصحاب في هذا لفظٌ ننقله، ثم ننظر.
قالوا: "إذا جَرى التحالفُ، فإن رغب أحدُهما في الأخذ بقول صاحبهِ، فذاك، وإلاَّ فسخ بينهما للتعذر".
وظاهر هذا يدل على أن أحدهما إن صدَّق الآخر، اندفع الفسخ. وإن لم يجرِ من أحدهما تصديقُ الآخر، فالقاضي يفسخ.
ولكن في كلام الأصحاب ذكرُ التعذر، فإنهم قالوا: "فسخ للتعذر" والمسألةُ على الجملة محتملةٌ إذا أعرضا وقطعَا الطَّلِبة، فيجوز أن يقال: يقطع القاضي مادَّة الخصومة بالفسخ؛ فإنّه لا يأمن أن يعودا في مستقبل الزمان. وإنما تنقطع مادةُ الخصام بالتصادق على قولٍ أو بالفسخ.
ويجوز أن يقال: إذا أعرضا، فلا تعذُّرَ، وإنما التعذُّر إذا كانا على التآخذ والمطالبة، وقالا للقاضي: وفِّ حَقَّ كُلِّ واحدٍ منَّا على ما يليق بالحال، أو التَمسا الفسخَ، فيبعدُ أن نحكم بوجوب الفسخ.
فهذا تردد واقع.
ثم نقول: إن كان الفاسخ هو القاضي، فالذي ذكرهُ الأصحابُ في الظاهرِ والباطنِ مفهوم.
وإن قلنا: الفسخ إلى المتعاقدَيْنِ، فإن توافقَا على الفسخ، فلا شك في انفساخ العقد باطناً، ولا يجوز أن نقدِّر في هذا خلافاً؛ فإنهما إذا تفاسخا، فقد جَرى الفسخُ من صَادقٍ محق، فيجب القضاءُ بتنفيذ فسخه، سواء كان ذلك المحق البائع أو المشتري. فإن كان المحق هو البائع، فهو مشبهُ بمسألة الفلس. وإن كان المحق هو المشتري، فالمبيع لم يسلم له بالثمن الواقع في علمِ الله تعالى.
وإذا تعذَّر استيفاءُ المبيع على الجهة المستحقَّة في العقد، فثبوت الخيار للمشتري أَوْجَه؛ فإنّ من لم يُثبت الخيارَ للبائع بعذر الفلس، أثبت الخيار للمشتري بتعذّراتٍ تطرأ على المبيع.
3277- وتمام البيان في هذا أنا إذا قلنا: يثبت حق الفسخ لهما لا نشترط أن يتوافقا؛ فإنهما قد لا يتوافقان. وتبقى الخصومة ناشبة بينهما. ولكن من ابتدرَ إلى الفسخ منهما يحكم به أولاً في ظاهرِ الأمرِ.
ولكن إن كان الفاسخ مُحقّاً فالوَجه تنفيذ الفسخ باطناً. وإن كان مبطلاً، فالوجه: القطع بأنه لا ينفذ الفسخ باطِناً. والوجهانِ يختصان بفسخ القاضي؛ فإنّ فسخه يرجع إلى مصلحة، فإن تخيلنا نفاذه باطناً، فمن هذه الجهة. وهذا لا يتحقق فيهِ إذا كان أنشأ المبطِل الفسخ.
وتمام البيان أنا إذا قلنا: لا ينفذ الفسخ باطناً على وجه فيهِ إذا تولَّى القاضي الفسخَ، فهل يثبت للمحق من المتعاقدين أن يفسخ ويوافقَ القاضي؟
هذا فيه احتمال؛ من جهة أنا إذا فوَّضنا إلى القاضي، فلا يمتنع أن لا يثبت للمتعاقدَيْن فيه سلطنة. ولكن الظاهر أنه ينفذ فسخ المحق باطناً، وإن كان لا يستقلّ به في الظاهر. هكذا ذكره شيخي.
والدليل البات فيه أنا إذا لم نثبت هذا المسلكَ، لما كان في الحكم بالفسخ ظاهراً فائدة.
ولكن يُعنَى من الفسخ زجرُ القاضي إياهما عن التآخذ. هذا منتهى البيان ولم نخالف الأئمَّةَ، ولكنهُم لم يبحثوا، ونحن بنينا البحث على ما تلقيناه منهم.
فصل:
3278- إذا اختلف المتبايعان والسلعةُ قائمة، لم يلحقها عيب، تحالفَا وتَرادَّا، على ما سَبق تفصيل الفسخ والانفساخ. وإن لحق السلعةَ عيب نقصَ من القيمة وفُسِخ العقدُ، استردَّ البائعُ السلعةَ، وغرِم المشتري أرشَ العيب.
والأصل المعتبرُ في هذا وأمثالِه أن السلعةَ لو كانت تالفة، فالفسخ يجري بسبب التحالُف بعد تلفها عندنا؛ فإن معتمدَ الفَسخ التنازُعُ في العقد، والتنازُع واقع والعقد دائم، فيترادّانِ، ويستردُّ البائعُ قيمةَ المبيع ويردُّ الثمنَ. فإذا كان يغرم القيمةَ عند تقدير التلف، يغرم أرش العيب عند ثبوت العيب، وكل يدٍ تضمن القيمةَ عند الفوات، تضمن أرشَ النقصان عند النقصان. وهذا مطَّرد، ولا يجوز أن يُعتقدَ خلافُه. وهو منعكس؛ فإن المبيع إذا عابَ في يد البائع، لم يلتزم البائعُ للمشتري أرشَ العَيبِ؛ لأن المبيع لو تلف في يَده، لم يلتزم قيمتَه، بل الحكم بالانفساخ.
ولا يُمكننا أن نُثبتَ في العَيب الانفساخَ؛ فإن الفائت بسبب العيب جزءٌ ليس مقصوداً مفرداً على حيالهِ، فكان أقربُ الأمور تخييرَ المشتري في الفسخ.
3279- وذكر الشيخ أبو علي بعد تمهيد ما ذكرناه في الطرد والعكس مسألة، ظاهرها يخالف ما مفَدناه. وهي أن من عَجَّل شاةً عن الزكاة قبل وجوبها، ثم تلف مال المعجِّل قبل حلول الحول؛ فإنه يسترد على تفصيلٍ، سبق ذكره، فيسترد الشاةَ من المسكين، إن كانت قائمة، وإن كانت تالفة، رجع عليه بقيمتها، وإن كانت باقيةً ولكنها عابت في يد المسكين، قال الشافعي: يُخرج الإمامُ من المال العام أرشَ النقص، ويضمُّه إلى الشاة، ولا يكلف المسكين غُرمَ العيب. وهذا بظاهِرِه يخالف ما مهَّدناه من إتباع الأرش القيمةَ.
وذهب بعض أصحابنا إلى القول بظاهر النّص. وهذا خيالٌ لا أصل له. والوجْهُ حملُ نصِّ الشافعي على الاستحباب عند اتساع المالِ. ثم هذا يجري في القيمة لو تلفت الشاة.
فلو كانت الجارية المبيعةُ خليةً عن الزوج حالة العقدِ، فزَوّجها المشتري، ثم فرض التحالف والفسخُ، فالتزويج عيبٌ.
قال الشيخ أبو علي: لو اشترى عبداً، ثم أذن له فزَوَّجه، فتزويجُه عيبٌ؛ فإنه يشغل كسبَه وتنقص الرغبةُ فيه، وهذا بيّن.
ثم إن جرى التفاسُخُ والسلعةُ تالفةٌ، فالرجوع إلى القيمة.
3280- ثم اضطربَ الأصحاب في الوقت الذي يعتبر فيه قيمة السلعة، فذكر العراقيون قولين:
أحدهما: أنا نعتبر قيمة التالف؛ فإن القيمة تخلُفُ العينَ ومورد الفسخ العينُ لو بقيت، فإذا فاتت، فنعتبر القيمةَ من وقت فواتِها.
والقول الثاني- أنا نعتبر أقصى قيمةٍ من يوم القبض إلى يوم التلف؛ فإن البائع يبغي العينَ، وكان تقدير الفسخ ممكناً في كل وقتٍ من القبض إلى التلف، فتعتبر أرفع قيمةٍ.
وذكر شيخي قولاً ثالثاً، وهو أنا نعتبر قيمةَ يوم القبض؛ فإنها أولُ دخول المبيع في ضمان المشتري، فلا ننظر إلى زيادةٍ بعد ذلك أو نقصان؛ فإن الزيادة إن كانت، فهي على ملك المشتري. والنقصان إن كان، فهو من ضمانه.
وذكر بعض الأثْباتِ قولاً رابعاً: وهو أنا نعتبرُ أقل قيمةٍ من يومِ العقدِ إلى يوم القبض. فإن كانت قيمته يوم العقد أقل، فالزيادةُ على ملك المشتري، وإن كانت يوم القبض أقلَّ، فهي المعتبرة، فإنها قيمةُ يوم الضمان. وأما ما يكون بعد ذلك من زيادة ونقصان فهما غير مُعتبَرين كما قدَّمناه. وهذا أضعف الطرق؛ فإن إدخالَ يوم العقد في الاعتبار بعيدٌ في هذا المقام.
وقد قدمنا في باب الخراج بالضمان اختلافاً في قيمته، وذلك الاختلافُ يباين ما نحن فيه. ولا نجد بداً من إعادة تصوير ما مضى، ليتبين الفرقُ بين المقامَيْن للناظر.
ذكرنا أن من اشترى عبدين، وتلف أحدُهما في يدهِ ووجد بالثاني عيباً، وفرَّعنا على أنه يُفرِد العبدَ الموجود بالردّ، ويستردّ قسطاً من الثمن، وسبيلُ التقسيط توزيعُ الثمن على قيمة التالف والباقي، ثم قيمةُ التالف في غرض التوزيع بأيّ يوم تعتبر؟ فيه أقوال: أحدها: أنا ننظر إلى قيمةِ يوم البيع؛ فإنا نحتاج إلى التوزيع ومعناه بيان ما وقع من المقابلةِ والتقسيط ابتداء.
والقول الثاني- أنا نعتبر حالة قبض المشتري؛ فإن المبيع عندها يدخل في ضمانهِ.
والقول الثالث: أنا نعتبر الأقلَّ من يوم البيع إلى القبض.
وقد وجَّهنا هذه الأقوالَ. وليست القيمةُ فيها على نسق القيمة التي يغرمها المشتري عند التحالف؛ فإن تلك القيمةَ لم نثبتها ليغرم، وإنما قدرناها ليطلع بها على حقيقةِ التوزيع. وهذا يستدعي لا محالة نظراً إلى يوم العقد.
وقد يَظُن ظان أن الاعتبار بأول حالِ الضمانِ، فعنده قرار الضمان. فأما اعتبار التلفِ، فلا يقتضيه هذا الأصل. والقيمة في مسألَتِنا مغرومة، فاعتبار العقد فيها بعيدٌ، واعتبار التلف قريب. فليفصِل الناظر بين البابين.
وإذا قلنا: لا يرد العبدَ القائمَ إلا مع قيمةِ التالف، فيضم القيمةَ إلى العبدِ القائم، ويسترد جملةَ الثمن، فقيمة العبد التالف مغرومة مبذولة، والتفصيل فيها كالتفصيل في السلعة التالفة، إذا كان المشتري يغرَم قيمتها بعد التحالف.
فهذا تمام ما أردناه في ذلك.
3281- ولو اختلفَ المشتري الغارم في مسألة التحالف والبائعُ المغروم له في مقدار القيمة، فالقولُ قولُ الغارم. وهذا أصلٌ تمهّد، نبهنا عليه فيما تقدَّم.
ولو اشترى عبداً وقبضه وأَبِق من يده، ثم اختلفا وتحالفا، فالفسخ جارٍ؛ فإنه إذا كان لا يمتنع الفسخ بتلف المعقود عليه، فلا يمتنع بإباقه والعجزِ عن تسليمه. ثم إذا نفذ الفسخ، غرِم المشتري قيمةَ العبدِ؛ فإن كل من يغرِم عيناً لو تلفت بقيمتها، يغرِم قيمتَها عند وقوع الحيلولة فيها.
ثم العبد في إباقه ملك من؟ المذهب الأصح أنه ملك البائع، والفسخ نقضَ الملكَ فيه إلى البائع، والقيمةُ التي أوجبناها سببها الحيلولةُ. فعلى هذا إذا عادَ العبد تعين رَدُّه، ثم القيمةُ مسترَدَّةٌ وينْزل إباق العبدِ فيما نحن فيه منزلةَ إباق العبد المغصوب؛ فإن الملك فيه للمغصوب منه، ولكن القيمةَ تلزم الغاصبَ؛ لمكان الحيلولة. وإذا عاد العبدُ ردّه الغاصبُ واستردّ القيمةَ. هذا وجه.
ومن أصحابنا من قال: الملك في العبد الآبق لا يرتد إلى البائع، والفسخ لا يَرِد على الآبق وإنما يرِد على القيمة كما يَرِد عليها إذا كان المبيع تالفاً؛ وذلك لأن الفسخ يستدعي مورداً ناجزاً، والذي تنجز فيه لا يغيّر، ولا يحال.
والأصح الوجه الأول.
ونحن نقول في الوجه الثاني إن الفسخ إذا ألزم المشتري القيمةَ، أبقى عليه ملك العبدِ الآبق.
ولو أعتق المشتري العبد المشترَى، أو كان اشترى جارية واستولدها، فالعتق والاستيلاد بمثابة التلف، وقد تقدم تلف المبيع. ولو كان اشترى عبداً، فرهنه وأقبضه أو كاتبه كتابةً صحيحة، ثم جرى التحالُف فالفسخ، فالمشتري مطالبٌ بالقيمة لا محالة، كما لو أبق العبد.
3282- ثم اختلفَ الأصحاب في أن الملك هل ينقلب في رقبةِ المرهون والمكاتب إلى البائعِ؟ فمنهم من قال: ينقلب إليه، ولكن على المشتري القيمةُ لمكانِ الحيلولة. والتفريع عليه كما تقدَّم في العبدِ الآبق.
ومنهم من قال: يَرِدُ الفسخُ على القيمة، ولا معدل عنها، ولا ينقلب الملك في الرقبة إلى البائع.
وكان شيخي يردد جوابه في الآبق على نحو ما سبق، ويقطع بأن الفسخ يَرِد على القيمةِ في المكاتب والمرهون؛ فإن المرهون خارجٌ عن قبول التصرف بجهة الردِّ، والمكاتَب كذلك. ونحن إنما نمنع بيعَ الآبق للعجز عن تسليمه لا لنقصٍ في ملكِ الرقبة. وكان يعضد ذلك، ويقول: إذا باع رجل عبداً وسلمه، ثم أفلسَ المشتري بالثمن والعبدُ آبقٌ، فللبائع الفسخُ، ويرجع إليهِ الملكُ في رقبةِ الآبق. ولو كان رهنه المشتري، أو كاتَبه، فليس للبائع ردُّ الملكِ في المكاتب والمرهون إلى نفسه.
وهذا عندنا حسن بالغ؛ فإن الرهن إذا كان لا ينفك، فيتعين أن يبقى مملوكاً للراهنِ، وكذلك القولُ في الكتابة. وإذا بقي مملوكاً له حالةَ نفوذ الفسخ، فيستحيل أن يتغير هذا بعد الفسخ.
3283- ولو اشترى عبداً وأجّره، ثم جرى التحالف. فإن قلنا: الإجارةُ لا تمنعُ صحَّة البيع، وَرَدَ الفسخُ على رقبة العبدِ. وإن قلنا: الإجارةُ تمنع صحةَ البيع، فهذا فيه احتمال عندي يجوز أن يقال: يُنْحى بالعبد المستأجَر نحو الآبق؛ فإن البيعَ يمتنع فيه، لا لحقِّ المستأجر في رقبته-وموردُ البيعِ الرقبةُ- وإنما امتنعَ البيعُ ليد المستأجر، ومَنع الشرع من إزالتها، وليس كذلك المرهون؛ فإن للمرتهن حقّاً في مَاليَّه الرقبة، وكذلك القول في المُكاتَب.
هذا وجهٌ من الاحتمال، وهو الأظهرُ.
ويجوز أن يقال: العبد المستأجَر كالمرهون والمُكاتب.
هذا بيان هذا الفن.
وعَبَّر الشيخ أبو علي عن هذا الغرض بعبارةٍ أُخرى، فقال: لو اختار البائع الفسخَ والرجوعَ إلى القيمةِ، فله ذلك، ولو قال: أصبرُ حتى يفك الرهن، فله ذلك.
وهذا عندنا يخرّج على ما ذكرناه، فإن عجَّل الفسخ وأَرادَ القيمة، أُجيب إليها، ثم القول في أن المرهون عند انفكاكِ الرهن هل يعود إليه؟ على ما مضى. وإن لم يُرِد القيمةَ، وقال: أؤخر حقّي إلى انفكاكِ الرهن، فهذا نخرّجه على الخلافِ المقدَّم.
فإن قلنا: الملك في المرهون ينقلب إليه، فله أن يؤخر طلبَ القيمة.
وهذا يبنيه أصل، وهو أن كلَّ ما يجب بدلُه لمكان الحيلولة وكان زَوالُها ممكناً، فإن طلبه ذو الحق، لزم إسعافُه، وإن لم يطلبه، فأراد الضامن أن يجبره على قبوله، لم يكن له ذلك. وليس كما لو أراد من عليه دين مستقر أن يجبر مُستحِقّه على قبولهِ، فإن الأصح أنه يُجبرُ على القبول.
فنقول في مسألتنا: إن قلنا: أصلُ حق البائع القيمةُ، ولا مَعْدِل عنها، فيظهر إجباره على قبولها، على قولٍ؛ قياساً على الديون كلها. وإن قلنا: القيمة تثبت للحيلولة، فلا يُجبر البائع على قبولها.
3284- فرع لابن الحدَّاد بناه على صورة التحَالف، ولا اختصاص له بمقصود الباب. ونحن نذكر غرضه على الإيجاز والاختصار ونتعدَّاه.
فإذا تحالف المتعاقدان، وفرَّعنا على أن العقدَ يُفسخ ولا ينفسخ، فلو قال البائع قبل إنشاء الفسخ: هذا العبد حرٌّ إن صدق المشتري. وقال المشتري: هذا العبد حرٌّ إن صدق البائع. فإذا جرَى هذا منهما بعد التحالف، ثم أنشأ القاضي الفسخ، نفذ الفسخُ، وحكمنا بأن العبد حر على البائع في الظاهر. وسبب ذلك أن المشتري قال قولاً لو كان كاذباً فيه، لعتق العبد، والبائع ادّعى كذبه وحلف عليه، فيجتمع من تكذيب البائع إياه، ومن قول المشتري: هو حُرّ إن صدق البائع كونُ الحرّيةِ حاصلةً على موجَب قول البائع، وهو مؤاخذ بإقراره. فهذا إذن عتقٌ محكومٌ به، ونفوذه في الباطن موقوف على موجَب علم الله.
فإن كان المشتري كاذباً، فالعتق واقعٌ لا محالةَ، وإن كان صادقاً، لم يقع باطناً، ولكن حُكم به ظاهِراً، من قِبَل أن العبد ارتد إلى البائع، فكان مؤاخذاً بموجَب أقوالهِ السابقة فيه.
وهذا بمثابة لو قال رجل: أعتقَ فلان عبده، فلو اشتراه هذا القائل، نفَّذنا العقدَ، وحكمنا بنفوذ العتق عليه ظاهراً؛ فإنه لم يقبل قولُه في حق البائع؛ فهو مؤاخذ بحكم قول نفسه، وهذا واضح لا يُحتاج فيه إلى تكلّف بيان.
ثم ولاءُ هذا العبدِ مشكل، ليس يدَّعيه البائع لنفسه من قِبَل أنه يقول: عَتَقَ هذا العبدُ على المشتري، فالولاءُ له، والمشتري يأباه؛ فكان الولاءُ موقوفاً. ولهذا نظائر ستأتي في كتاب الولاءِ، إن شاء الله.
ولو لم يفسخ العقد، وقال المشتري بعد جريان التفاوض الذي ذكرناه بينه وبين البائع: قد صدق البائع. فنقول: العقد يقرَّر بينهما، والعتق ينفذ على المشتري تحقيقاً إن صدق في تصديق البائع، والولاء له في ظاهِر الحكم.
ولو قالَ البائع قبل إنشاءِ الفسخ: صدق المشتري فيما ادَّعاه، فالعقد يقرَّر على موجب قول المشتري ولا ينفذ العتق على المشتري، وقول البائع لا يوجب العتقَ في العبد المبيع، فإنه ملكُ المشتري. نعم لو عادَ هذا العبد يوماً إلى البائع، فنحكم إذ ذاك بأنه يعتِق عليه، كما تمهَّد.
ولو قال المشتري بعد ما جرى منهما من تعليق العَتاقة: قد صدق البائع، فينفذ العتقُ على موجَب قوله، وتلزمُه القيمةُ للبائع عند التفاسخ؛ فإنه أعتق العبدَ بتعليقه السابق، وتصديقه اللاحق.
وبالجملة لا إشكال في أطراف المسألة كيف رُدّدت.
فرع:
3285- إذا اشترى الرجل جارية وقبضها، واختلف المتبايعان، وترافَعا إلى مجلس الحكم، فهل يحل للمشتري وطؤُها بعد التنازع قبل التحالف؟ فعلى وجهين:
أحدهما: يحل؛ فإن ملكه قائم بعدُ فيها.
والوجه الثاني- لا يحل له وطؤُها؛ فإن جهةَ الملكِ مختلفٌ فيها وإن كان أصل الملكِ متفقاً عليه؛ فالمشتري يزعم أنه استفاد ملكها بسبب عقدٍ ثمنُه مائة، والبائع يزعم أنه استفاد الملك بعقد ثمنه مائتان. والقولان معتبران.
وقد قال الشافعي: إذا اشترى الرجل زوجتَه على شرط الخيارِ، لم يملِك وطأها في زمان الخيارِ؛ فإنه لا يدري أيطأ زوجتَه أو مملوكتَه، والأصح تحليل الوطء.
ولو جَرى التحالفُ، فأراد الوطءَ قبل إنشاءِ الفسخ، فوجهانِ مرتَّبان على الأول.
وهذه الصورةُ أولى بالتحريم.
أما نصُّ الشافعي فيه إذا اشترى زوجتَه بشرط الخيار، فمشكلٌ جداً؛ فإنها مستحلة في كل حساب، فلا معنى للتحريم بسبب إشكال الجهةِ، إذا كان الحل يعم الجهتين.
ولو ملك الرجل جارية، وقطع بالملك فيها، وأشكل عليه، فلم يدرِ أنه اتهبها أو ورثها أو اشتراها، فالوطء حلالٌ بلا خلاف.
وسأذكر تأويل النص في كتاب الرهن إن شاء الله عز وجل.
والذي أراه في هذا الموضع أن أوجّه الوجهين بمسلكٍ آخر، فأقول: من أباح الوطءَ فوجهُ قوله بين، ومن حرَّمه فلا ينبغي أن يعتلّ بالاختلافِ في الجهة، ولكن ينبغي أن يقول: صارت الجارية مشرفةً على استحقاق الرد على البائع، فينبغي أن يمتنع على المشتري وطؤُها. وهذا بعدَ التحالف أظهر؛ من قِبلَ أنّه لم يبق إلا إنشاءُ الفسخ.
فهذا سبيل الكلام عندنا.
وسيأتي شرحُ النصّ، إن شاء الله عز وجل.
فصل:
3286- إذا اختلف رجلان في عقدين مضافين إلى عينٍ واحدة، وذلك مثل أن يقول من في يده الجاريةُ: قد وهبتَها منّي وأقبضتنيها. وقال الآخرُ: بل بعتكها بكذا، فاختلافهما يتعلّق بعقدين: صاحب اليد يدّعي الهبةَ على صاحبه، وهو يُنكرها، فالقول قولُه مع يمينه في نفيها. وهو يدعي على صاحب اليد الشراءَ، وعهدتُه وثمنُه، وهو منكرٌ، فالقول قوله في نفيه. فإذا حلف كل واحد منهما على نفي العقدِ الذي ادُّعي عليه، انتفى العقدان، ولا حاجةَ إلى فسخٍ وقولٍ بانفساخ. هذا حكمُ الظاهر، والثابتُ باطناً ما هو صِدقٌ في علم الله من قوليهما.
ووراء ذلك نظر سيأتي في كتاب الأقارير، وهو أن صاحبَ اليدِ اعترفَ بأن الجارية كانت لصاحبه، وادَّعى انتقالَ الملك فيها إليه بطريق الهبةِ، فانتفت الهبَةُ في ظاهر الحكم بيمين منكرِها، وبقي إقرارُ منكرِ الهبة بالملكِ عن جهةِ البيع. وهذا أصل من أصول الأقارير سيأتي إن شاء اللهُ. والضبط فيه أن من أقرّ باستحقاقٍ، وعزاه إلى جهةٍ، فأنكر المقَرُّ له الجهةَ فهل يثبت له الملك في المقر به؟ وسيأتي هذا مفصلاً إن شاء اللهُ.
فصل:
قال: "ولو لم يختلفا وقال كل واحدٍ منهما: لا أدفع حتى أقبض... إلى آخره".
3287- إذا باع الرجلُ سلعة معينة بثمن في ذمّة المشتري، ثم تنازع البائعُ والمشتري في البداية بالتسليم. فقال البائع: لا أسلّم المبيعَ حتى يتوفّر عليّ الثمنُ، وقال المشتري: لا أسلِّمُ الثمنَ حتى تسلّم إليَّ المبيعَ، فمن الذي يجاب منهما إلى ما يطلبه؟
هذا غرضُ الفصلِ. والشافعي عبَّر عنه، فقال: "ولو لم يختلفا، وقال كل واحدٍ منهما". ومعلوم أن تنازع البائع والمشترِي في البدايةِ بالتسليم اختلافٌ. فقولُ الشافعي: "ولو لم يختلفا " معناه: لم يختلفا الاختلافَ الذي تقدَّم في مقدار الثمن وجنسهِ، بل اتفقا على صفةِ العقد، وافتتحا نزاعاً في البدايةِ، وقد حكى الشافعي أقوالاً مختلفة عن العُلماء في الكبير، فحكى عن بعضهم أنهم يجبران معاً، وحكى عن بعضهم أنهم لا يجبران، ولكن من تبرع منهما بتسليم ما عليه أُجبر حينئذٍ صاحبُه على تسليم ما عنده. وحكى عن بعض العلماء أنه يُجبَر البائع.
والمزني لم ينقل هذه الأقاويل، ولم يصفها، واختلف أصحابُنا: فمنهم من جعل هذه المذاهب أقوالاً للشافعي.
ومنهم من خرَّج معها قولاً رابعاً، وهو أنه يُجبَر المشتري على التَّسليم ابتداء.
وهذا مخرَّج من نصّ الشافعي في الصداق؛ فإنه أجبر الزوجَ على البدايةِ بتسليم الصداق، وهو في مقام المشتري.
ومن الأئمة من قال: مذهب الشافعي أن البائعَ يجبر على البداية بالتسليم.
والشاهد له ما نقله المزني، حيث قال: الذي أحَبَّ الشافعي من أقاويلَ وصفَها، أن نأمر البائعَ بدفع السلعةِ إليه، ونجبر المشتري على دفع الثمن من ساعته.
ومن أصحابنا من قال: ميلُ الشافعي إلى أنهما يُجبران معاً؛ لأن المزني نقل في آخر الفصلِ عن الشافعي أنه قال: "لا ندع الناس يتمانعون الحقوق ونحن نقدر على أخذها منهم".
3288- والطريقة المشهورة إجراءُ أربعة أقوال، وعدُّ جميعها من المذهب، ونحن نوجهها.
فمن قال: إنهما يجبران، احتج بأن كلَّ واحدٍ منهما طلب من صاحبه مقصوداً بعوضٍ يبذله له، والإنصاف التسويةُ بينهما، من غير تخصيص أحدٍ بمزيةٍ، ومقتضى ذلك إجبارهما. وهو كما لو كان له دينٌ على إنسانٍ، ولذلك الإنسان عنده عينٌ غصبها.
ومن قال: لا يجبران، احتج بأنهما أنشآ العقدَ على التراضي بينهما، فيجب أن يدوم هذا الحكم؛ فإن أحدهما لم يلتزم شيئاً إلا بعوض، ومراعاةُ التسوية حق، كما ذكرناه، فالوجه أن يقال: من تبرع بالبداية، فقد وفَّى ما عليه، فيصير ماله بعد هذا حقاً متجدداًَ.
ومن قال: يجبر البائعُ على البداية بالتسليم، احتجَّ بأن تصرّفَ البائع نافذٌ في الثمن، وتصرفَ المشترِي غيرُ نافذٍ في المبيع قبل القبض، فينبغي أن يملكَ المشتري إجبار البائع على تمكينه من التصرف، وإنما يحصل هذا بتسليم المبيع.
ومن قال بإجبار المشتري على البدايةِ، احتج بأن حقَّ المشتري متعيّن، وحق البائع مطلقٌ في الذمَّة، حتى كأنّهُ وعدٌ يجب الوفاء به، فله أن يجبر المشتري على تعيين حقَه. وقد يستدلُّ هذا القائلُ بأن الثمن في البيع على مضاهاة رأس المالِ في السلم. ثم يجبُ تقديم رأس المال.
وفيما قدمناه مقنع.
والأقوالُ الأربعةُ إنما تطّرد إذا كان المبيع عيناً، والثمن دَيناً.
فأما إذا باع عبداً بجاريةٍ، فالعوضان في شقي العقد عينان، ولا يجري في هذه الصورةِ إلا قولان:
أحدهما: أنهما يُجبران.
والثاني: أنهما لا يجبران.
وإذا كان التنازعُ في الصداق وتسليمهِ، وتسليمِ المرأةِ نفسَها، فلا يخرج إلا ثلاثة أقوالٍ: أحدها: أن الزوجَ يجبر على البداية. وهذا إذا رأينا إجبار المشتري على البداية.
والقول الثاني- أنهما يجبران معاً.
والثالث: أنهما لا يجبران، بل من بدأ بتسليم ما عليهِ أجبر صاحبه على تسليم مقابله من ساعته.
ولا يخرّج هاهنا قولٌ في إجبار المرأةِ على البداية؛ فإنها لو سلّمت نفسَها، لفاتَ الأمرُ في جانبها، وتلف منافعُ بُضعها على وجهٍ لا يتوقع لها مستدرك.
فهذا تأسيس الطرق وتوجيه الأقوال.
والآن نفرعّ عليها، ونستعين الله.
3289- أما قولنا إنهما يجبران معاً، فمعناه أنهما محمولان على أن يأتيا بعوضي العقد ناجزاً. فإن فعلا في مجلسٍ واحدٍ، انفصلَ الأمر، ويسلم المبيعُ إلى المشتري، والثمن إلى البائع. وقد يتأتى تحصيل الغرض بأن يأخذ الحاكم المبيعَ من البائع والثمنَ من المشتري، ويمسكه بنفسه، أو يضعُه على يد عدلٍ، حتى إذا اجتمعَ العِوضانِ في يدي العدل، أو في يد الحاكم، سلّم إلى كُلّ واحدٍ من المتعاقدَيْن حقَّه.
وإنما يجري ما ذكرناه إذا طلب كلُّ واحدٍ من صاحبه حقَّه، فأمَّا إذا أعرضا، فلا يتعرض لهما.
ولو طلب أحدهما حقه. والثاني معرضٌ، قلنا للمعرض منهما: أتؤدي ما عليك وتأخذ مالَكَ؟ فإذا قال: أجل، أجرينا الأمرَ في الجانبين على ما وصفناه.
وإن قال المعرض: أؤدي ما عليَّ، ولا أطلب في الحالِ مالي، فإن رضي صاحبُة بذلك، أجرينا الأمر على هذا النحو. وإن قال صاحبه: أجبروه على قبض حقه كما تأخذون حقي منه، فهذا يخرّج على أن من عليه الحقّ إذا وفَّاه، هل يُجبر صاحبُه على القبول.
وهذا يجري في الثمن، فأمَّا المبيع المعيَّنُ، فيجبر المشتري على قبوله إذا بذله البائع، وذلك أنه في ضمانِ البائع، والعقد بهذا السبب عرضة للانفساخ، فالوجه أن يخلص البائع عن غَرر الضمان.
ولو قال البائع للمشتري: دونك المبيعَ، فاقبضه، ولست أطالبُك بالثمن في الحال، فقال المشتري: لا أقبض المبيعَ حتى أتمكّن من توفية الثمن، فهو مجبر على قبض المبيع، لما ذكرناه من وجوب تخليص البائع عن عهدة العقد، إذا طلب الخلاصَ.
3290- وإذا قلنا: إنهما لا يُجبران، فمعنى ذلك أن الطلب لا يوجه على واحدٍ منهما ابتداءً، ولكن من بدأ فوفَّى حقَّت الطَّلِبةُ على صَاحبه بتسليم ما عليه.
فأمَّا إذا قلنا: يجبر البائع على التسليم، أو لم نَرَ إجبارَه، ولكنَه تبرع بالبداية، قال الشافعي مفرّعاً على هذا: إذا سلَّم البائعُ المبيعَ، فإن كان الثمن حاضراً في المجلسِ، أُجبر المشتري على التسليم من ساعته. وإن غاب، أَشهدَ على وقف ماله وعلى وقف السلعة، فإذا سلَّم ما عليه، انطلق عنه الوقف.
وهذا موقفٌ يتعين على الناظر التثبت في فهم الكلام.
أوَّلاً معناه الظاهر ضربُ الحَجْر على المشتري، هذا هو المراد بالوقف، فقد قال: أحجر عليه في سائر أمواله، وفي المبيع الذي سلّم إليه؛ حتى لا يتصرف في شيءٍ، ثم يدوم الحجر إلى أداء الثمن، فإذا أدّاه انطلق.
وهذا حجرٌ بدع لا عهدَ بمثله في القواعد.
وقد اضطرب الأصحاب؛ فذهب بعضهم إلى أن هذا الحجرَ على قياس الحجر على المفلس. ثم أصلُ المذهب فيه أن دَيْن المرء إذا زاد على ماله، وطلبَ مستحقُّ الدين الحجرَ على المديون، أجيب إلى ذلك.
وإن كان الدينُ أقلَّ من المال قليلاً، أو مثلَه، فاستدعى من يستحق الدينَ الحجرَ، ففي المسالةِ أوجهٌ ستأتي مفصلةً، إن شاء الله تعالى في كتاب الحجر.
فما ذكره الشافعيُّ من وقف مالِ المشتري وضَرْب الحجر عليهِ خارج على هذا القياس عند هذا القائل، حتى إن كان في مال المشتري وفاءٌ بالثمن أو أضعافُ الوفاء، فلا حجرَ، ولا وقف. هذا حكاه شيخي عن بعض الأصحابِ. وكان يبالغُ في تضعيف هذه الطَرِيقة ويزيفُها، وينسُب صاحبَها إلى الذهول عن فهم كلام الشافعي بالكليّة.
ونحن نصف وجهَ التزييف، ثم نفتتح معنى كلام الشافعيّ، ونبني عليه تمامَ مقصوده إن شاء اللهُ عز وجل.
3291- أولاً- ما ذكره هذا القائل يخالفُ صريحَ النص على ما يُنقل لفظُ صاحبِ المذهب. قال رضي الله عنه: "ويجبر المشتري على دفع الثمن من ساعته، فإن غاب مالُه أَشهدَ على وقفِ مالهِ، وأَشهدَ على وقف السلعة. فإذا دفع أطلق عنه الوقفُ، وإن لم يكن له مالٌ، فهذا مفلس، والبائع أحق بسلعته ولا ندع الناس يتمانعون الحقوق".
هذه ألفاظ الشافعي. وقد ذكر الوقفَ أولاً مربوطاً بغيبةِ المال، ثم ذكر المفلسَ بعد نجازِ الغَرض من الوقف الذي أشهد عليه؛ فمن نزَّل ذلك الوقفَ على وقف مال المفلس، فقد خلطَ ما فصله الشافعي، وأبطل التعليلَ بغَيْبة المال. فهذا بيّن.
وأما من طريق المعنى، فإذا رأينا إجبارَ البائع على تسليم المبيع، ولم يكن مالُ المشتري في المجلسِ، فلو سلمنا المبيعَ إليه، وتركناه ينطلق، لم نأمن غوائله، وكنا معرضين حقَّ البائع للضَّياع، ولا سبيلَ إلى حبسه، فالوجه أن يُحجر عليه، حتى نمنع عليه التصرّفات في الأموال؛ إذْ لو كان مطلقَ التصرُّفِ، لخيفَ أن يهبَ أمواله، وما قبضه الآن من طفلٍ له، ويتسبَّب إلى إبطال حق البائع؛ فالوجه الأقصدُ الذي يجمع تسليمَ المبيع من غير تعرض حق البائع للضياع ما ذكره.
فهذا نوع من الحجر مختصٌّ بهذا المقام. ولا يمكن تخصيص الحجر بالبعض دون البعض من أمواله.
هذا مسلك المعنى، ويترتب عليه أمران لابد من فهمهما:
أحدهما: أنا لا نعتبر قياس الحجر على المفلس في النظر إلى الأقدار كما ذكرناه.
والآخر- أن الحجر على المفلس يسلّط البائعَ على فسخ البيع، والرجوعِ إلى عين المتاع. وهذا النوع من الحجر لا يقتضي ذلك، فإنا لم نضرب هذا الحجر بسبب ضيق المال، وإنما هو لمقصودٍ آخر. ولو ظن ظانّ أن هذا الحجر يسلط على الفسخ، لكان مُزْوَرّاً عن فهم مقصود المسألة بالكلِّيَّة؛ فإن الغرض تقريرُ المبيع، وإيصالُ كل ذي حق إلى حقه. وإلا فأي معنىً للإجبار على التسليم، وضربِ الحجر، حتى يثبت حق الفسخ والاسترداد.
فإذا تمهَّد ما ذكرناه، حان الآن أن نفصّل المذهبَ بعون اللهِ وتوفيقه.
3292- فنقول: إذا سلّم البائعُ المبيعَ أولاً، قلنا للمشتري: عجّل الثمنَ، فإن كان حاضراً أدّاه. ولو قال المشتري مالي غائب، وسأحضره عما قريب، قال الشافعي وقفتُ ماله، كما مضى.
ثم ذكر العراقيون طريقةً نحن نطردُها، فقالوا: إن كان مال المشتري على مسافة القصر، وقد وقفنا ماله، فللبائع فسخُ العقد، والرجُوعُ إلى عين المبيع. وإن كان دون مسافة القصر ولكن كان غائباً عن البلد، فهل يثبت حق الفسخ؟ فعلى وجهين.
وإن كان المال في البلدِ، ولكن كان غائباً عن المجلس، فلا يثبتُ حقُّ الفسخِ في هذه الصورة.
هذا كلامهم.
وقال ابن سُرَيج: إن كان مالُه في البلد، ولكن كان غائباً عن مجلس التسليم، فيمهل المشتري إلى تحصيل الثمن، ويُحجر عليه، ولا يردّ المبيع إلى البائع، فأما إذا كان ماله غائباً عن البلدِ، فليرد المبيعَ إلى البائع إلى أن يتوفَّر عليه الثمن. ولا يثبت حقُّ فسخِ البيع عند ابن سريج أصلاً، بهذا الوقف الذي نص عليه الشافعي، وإنما يثبت الفسخُ إذا انتهى الأمرُ إلى الإعسار، أو إلى امتناع الوصول إلى الثمن بغيبةٍ شاسعة يُعَدّ مثلها امتناعاً.
وبين طريق ابن سُريج والعراقيين بَونٌ بينٌ. وحاصل كلام ابن سريج يؤول إلى أنا إذا عرفنا غيبة المالِ، لم نوجب على البائع البدايةَ بالتسليم؛ إذ لا فائدة في التسليم والاسترداد. ومن ربط من أصحابنا هذا الحجرَ بحد الفَلَس، أثبت للبائع الفسخَ.
فهذا بيان الطرق.
ثم الذين راعَوْا حدَّ الفَلَس، قالوا: إن كان يتأَتَّى تأديةُ الثمنِ من غير بيع المبيع، فَلا حجر، ولا وَقف. وإن كان يتأتى تأدية الثمن ببيع المبيع، أو بِبَيع بعضه ضماً إلى سائر مال المشتري، ففي المسألة وجهان:
أحدهما: أنه لا يحجر عليه؛ إذْ أداء الثمن ممكن.
والثاني: يُحجر عليهِ؛ فإن بيعَ المبيع تفويتُ حق الحبس على البائع.
وهذا خبط؛ فإنه بناءٌ على حمل الوقف على حد الفَلَسِ، وليس الأمر كذلك.
وقد نجز الفصلُ بما فيهِ.
فرع:
3293- إذا سلّم البائع المبيعَ، فامتنع المشتري عن تسلمه وقبضه، فقد ذكرنا في الفصل السابق ما يليق بأصل المذهب.
وقد ذكر صاحب التقريب في جواب ذلك وجوهاً، لم أر ذكرَها في قانون المذهب، فرسمتُ فرعاً حتى أستوفي ما ذكره.
قال: إذا امتنع المشتري عن القبض، فالوجه إجباره، فإن لم يقبضه، قبضه القاضي عنه، أو أناب نائباً ليقبض عنه، وذكرَ وجهاً غريباً أن القاضي يبرئه من ضمان المبيع فتصير يدُه يدَ أمانةٍ؛ حتى لو تلفَ في يده، لم ينفسخ البيعُ بتلفه، وكان من ضمان المشتري.
وهذا بعيدٌ جداً، وهو في التحقيق تغييرُ وضع الشرع في قطع الضمان، لا بالطريق الشرعي. هذا إذا وجدنا قاضياً.
فأما إذا لم نجد قاضياً، وامتنع المشتري عن القبض، فالوجه القطع بأن المبيع يبقى في ضمان البائع، ويأثم المشتري بإدامةِ الضمان عليه، بسبب الامتناع عن القبض.
قال صاحب التقريب: قال بعض أصحابنا: إن البائعَ يقبض بنفسه عن نفسه للضّرورة الداعية إليه.
وهذا كما أنا نقول: إذا ظفر بغير جنس حقِّه، أو بجنسه، وقد تعذَّر عليه استيفاء حقِّه من المستحَق عليه طوعاً، يأخذ ويكون قبضاً منه بحق نفسه، فهو القابض والمقبض، فكذلك البائع يقبض للمشتري، فيكون قابضاً مقبضاً.
وهذا بعيد جداً. وإذا كان على إنسان دين، فجاء به، فامتنع مستحِقُّه من قبضه، ففي المسألة قولان مشهوران. فإن قلنا: لا يجبر مستحِق الحق على قبضه، فالقاضي لا يبرئه عن أصل الدَّيْن، وليس الإبراء عن أصل الديْن بمثابة الإبراء عن ضمان العين؛ فإن إسقاطَ أصل الحق لا وجه له. ولو صحَّ ما ذكره صاحب التقريب من تقديره قابضاً مُقبضاً، لكان لا يمتنع أن يجعل بنفسه-حيث لا قاضيَ- قابضاً مقبضاً حتى يصيرَ ما جاء به في يده مقبوضاً لمستحقه، ويده فيه يدُ أمانةٍ. ولا أصل لما ذكره.
فصل:
قال: "ولو كان الثمن عرْضاً أو ذَهباَّ بَعينهِ... إلى آخِره".
3294- المبيع إذا أتلفَه الأجنبي، فالمذهَبُ أن البيعَ لا ينفسخ وعليهِ التفريع.
التفريع في هذا الفصل:
3295- فإذا فرَّعنا على أن المشتري هو الذي يبدأ بالتسليم، فللبائع حق حبس المبيع، فإذا أتلفه الأجنبي، فقد أفسدَ ملكَ المشتري، وحقُّ البائع في الحبس، فيثبت لكل واحد منهما مطالبته بالقيمة: أما المالك فلملكهِ. والبائعُ لحقه. وهذا يتفرع على أن البائع يحبس قيمةَ المبيع بالثمن، قياساً على قيمة المرهون إذا تلف.
ومن أصحابنا من يقول: ينقطع حقُّ حبس البائع بفوات عين المبيع. وقد قدّمنا هذا فيما سبق.
وإذا أتلف الأجنبيَّ العينَ المرهونةَ والتزمَ قيمتَها، توجَّهت عليه الطَّلِبةُ من الراهن لحق الملك، وتوجهت عليه الطَّلِبَةُ من المرتهن لحق الوثيقة؛ فإنّ القيمةَ إذا حصلت، كانت رهناً.
هذا متفق عليه في الرهن.
وإنما الخلاف في المبيع وحق الحبس.
وإذا أتلف البائعُ المبيعَ وقلنا: ينفسخ العقدُ، فلا كلام. وإن قلنا: لا ينفسخ، فهل يطالبه المشتري بالقيمة قبل توفير الثمن؟ هذا يخرَّجُ على أن البداية بالتسليم على من؟ فإن قلنا ": البدايةُ على البائع، طالبه المشتري بالقيمة قبل توفير الثمن، ثم ينقُد الثمنَ من ساعته، كما مضى. وإن قلنا: البداية على المشتري، فلا يطالبه بالقيمة، ما لم ينقد الثمن.
ولو سلَّم المشتري الثمنَ، والمبيعُ عبدٌ فأبِق العبدُ من يد البائع، ولم يتمكن من تسليمه، فالإباق يُثبت للمشتري حقَّ الخيارِ في فسخ البيع لا محالة. ولو لم يرد الفسخَ، وأبق العبدُ وما كان وفّر الثمن، فلا يلزمه توفيرُ الثمن.
وإن فرعنا على أن البدايةَ تجب على المشتري، فإذا وفّر الثمنَ، ثم أبق العبدُ، فهل يستردُّ الثمنَ بناءً على أنه كان لا يجب عليه التوفير بعد الإباق، فطريان الإباق هل يثبت حق الاسترداد؟
نقل القاضِي عن القفَّال أنه لا يملك استرداد الثمن. فإن أراد استرداده، فليفسخ العقدَ. وهذا محتمل. والأظهرُ ما ذكره القفال؛ فإن الاسترداد بالفسخ إذا أمكن، فهو أولى. وهذا كما أنا لا نُثبت للمشتري الرجوعَ بأرش العيب القديم مع القدرة على الرَّدِّ وفسخ العقد.
فصل:
قال: "ولا أحب مبايعةَ مَن أكثرُ ماله حرام... إلى آخره".
3296- لا يخفى حكمُ اليقين في الحل والحرمة، وإنما الكلام فيه إذا أشكل الأمرُ، وكان من يعامله المرءُ ممن يظن أنه لا يتحفظ، وقد يغلب ذلك بناء على معاملاته، مع قلّة التحفظ فيها.
أمّا الورع، فلا يخفى على من يُوفّق له، قال النبي عليه السلام: «الحلال بيَّن والحرام بين، وبينهُما أمور متشابهات فمن توقَّاهن، فقد استبرأ لدينه وعرضه»، وفي روايةٍ: «فمن يدع ما تشابه عليه برىء له دينه، ألا إن لكل ملكٍ حمى، وحمى الله محارمُه فمن رتَع حول الحمى يوشك أن يقعَ فيهِ»، وقال عليه السلام: «دع ما يريبُك إلى ما لا يُريبك» هذا طريق الورع.
فأما الجواز والحكم بالصحة، فمذهبنا أنه وإن غلب على الظن أن ما تحويه يدُ من يعامله حرام، فالشرع يقضي بتقريره على ملكه، ولذلك نجعل القولَ قولَه إذا ادُّعي عليه مع يمينه. فإن قيل: هلا خرّجتم ذلك على قولي غلبة الظن في النجاسة والطهارة؟ قلنا: لأنا صادفنا أصلاً مرجوعاً إليه في الأملاك، وهو اليد، فاعتمدناه، ولم نجد في النجاسة والطهارة أصلاً يعارِض غلبةَ الظنّ في النجاسة إلا استصحابَ الطهارة.