فصل: فصل: يَجْمع تفصيْل القَوْلِ فيمَا يَجُوزُ بَيْعُهُ مِنَ الحَيَوانَاتِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: نهاية المطلب في دراية المذهب



.فصل: مشتمل على إقرار العبد وإقرار السيد على العبد:

3413- فأما السيد إذا أقر على عبده، نظر في إقراره: فإن أقر بما يوجب عقوبةً على العبد، لم يقبل إقراره لتمكن التهمة منه، غير أنه إن أقر عليه بما يوجب القصاص، والعبدُ منكر، فرددنا إقراره في العقوبة، فعفا المقَرّ له على مالٍ، ثبت المال؛ فإنّ إقرار السيد وإن رُدَّ فيما يتعلق بالعقوبة لما ذكرناه، فهو مقبول فيما يتعلق بالمال، ومتضمّن الإقرار بالقصاص ثبوتُ المال عند عفو المستحِق على مال، ولكن الأرش الذي يثبت بجناية العبد وفاقاً يتعلق-على المسلك الأصح- بذمته ورقبته، حتى إذا لم تف قيمةُ الرقبة بمبلغه، طولب الجاني إذا عَتَق بالفاضل من قدر القيمة.
وإذا أقر السيد على عبده بالجناية الموجبةِ للقصاص لو ثبتت، وأنكر العبدُ، ثم آل الأمر إلى مالٍ، فلا تعلق لهذا المال بالذمة، وإذا عَتَقَ العبدُ، لم يطالب بشيء منه؛ فإن السيد لا يملك إلزام ذمةِ العبد مالاً. ولم يختلف الأصحاب في أنه لو أجبره على ضمان شيء، لم يصح ذلك مع الإجبار، ولو قبل الضمان عليه.
وكذلك لو أجبر السيد عبده على أن يشتري له متاعاً، فلا يصح الشراء، وإن كان محلُّ الديون التي تلتزم بالإذن الكسبَ، والكسب ملك السيد، ولكن لا استقلال للأكساب في هذا الباب ما لم يتحقق تعلق الدين بأصل الذمة، فلا احتكام للسادة على ذمم العبيد.
ولو أقرَّ السيد بمالٍ تباع الرقبة فيه، فيقبل إقراره في التعلّق بالرقبة، ولا يقبل في تقدير التعلّق بالذمة.
هذا في إقرار السيد.
3414- فأما إذا أقر العبد بشيء، فإن كان إقراره بمالٍ، فإقراره في رقِّه ورقبته مردود، وما يتعلق بالذمة منه فإقراره فيه مقبولٌ يُتبع به بعد العتق، صدّقه السيد أو كذّبه.
فأما إذا أقر بما يوجب العقوبة، فالذي ذهب إليه الشافعي وأبو حنيفة ومعظمُ العلماء أن إقراره مقبول، وإن كان تنفيذ المقرّ به يوجب إبطال حق المولى من ماليَّته، فإذا اعترف بما يوجب القصاصَ في النفس، أو القطع في الطرف للآدمي أو لله تعالى، نفذ إقراره، ويحكم به.
وخالف في ذلك المزني، ولم يرَ قبولَ إقرارهِ؛ لاعتراضه على ملك مولاه. وهذا مذهب محمد وزفر وأحمد وداود.
ومعتمد مذهبنا أن الإقرار حجةٌ من الحجج كالبيّنة، فالمقبول منه ما لا تهمةَ فيه، وإقرار العبد كذلك؛ فإن العاقل لا يعرّض نفسه للهلاك حتى يخسِّر غيرَه شيئاً نزراً من المال، والشاهد لذلك أن السيد على أنه المالك إذا أقر بما يوجب العقوبةَ، فإقراره مردود لما ذكرناه من التهمة، وإن كان لو أباح دمه صار هدراً. فالإقرار إذن في الرد والقبول يعتمد ثبوتَ التهمة وانتفاءها.
ولو قدر مقدر تهمةً على بُعدٍ في إقرار العبد، فالتهمة البعيدة غيرُ معمول بها.
3415- فإذا ثبت هذا، فلو أقر العبد بما يوجب القصاص، ونفذنا إقراره، فإن اقتص المقَرُّ له، فذاك، وإن عفا عن القصاص الثابت على مال، فالأحسن تنزيل ذلك على القولين في أن موجَبَ العمد ماذا؟ فإذا حكمنا بأن موجبه القَوَد المحضُ، فالمال يثبت إذا عفا المقَرُّ له على مالٍ؛ فإن هذا المال، لم يثبت بالإقرار نفسه، وإنما ثبت بالعفو عن العقوبة الثابتة بالإقرار. هذا إذا قلنا: موجَبُ العمد القَودُ.
فأما إذا قلنا: موجبه القود أو المال، أحدهما لا بعينه، فإن اقتصَّ المقَرّ له، نفذ الأمر. وإن أراد الرجوعَ إلى مالِ، فهذا يستدعي مقدمةَ:
وهي أن العبد إذا أقر بسرقةِ مالٍ، وزعم أنه أتلف ما سرق، فإقراره مقبولٌ في وجوب القطع لله تعالى، لما ذكرناه. وهل يقبل إقراره في تعلق قيمةِ ما اعترف بسرقته برقبته؛ فعلى قولين مشهورين:
أحدهما: لا يتعلق؛ فإن ذلك إقرار بإبطال مالية السيد من الرقبة من غير واسطة.
والقول الثاني- أن إقراره مقبول؛ فإن التهمة منتفية، ونفس العقوبة تبطل المالية، ولكن قُبل الإقرارُ بها لانتفاء التهمة. وهذا المعنى متحقق فيما ذكرناه. ولا استقلال للسرقة دون مال مسروق، ويستحيل ألا يثبت القول في المسروق ويثبت في السرقة المطلقة.
هذا إذا أقر بإتلاف المسروق، وتضمن إقراره تعلّقَ مبلغٍ برقبته.
فأما إذا أضاف سرقته إلى عينٍ قائمة، نظر: فإن كانت العين التي اعترف بسرقتها في يد مولاه، فإقراره مردود فيها. اتفق الأصحاب عليه؛ والسبب فيه أن ما نصادفه في يد السيد مُقرٌّ على حكم ملكه، فيبعد الحكم على ملكه بإقرار العبد، ولو قدّرنا قبول هذا الإقرار أَوْشَك أن يستغرق العبد جميع ذخائر سيده، وهذا الآن تظهرُ التهمةُ فيه؛ فإن العبد الحنِق على سيده، قد يستهين بقطع يده، في مقابلة تخسير السيد أموالاً لا تنضبط، وليس هذا كما لو ادّعى تلف المسروق؛ فإن غاية ما يتعلّق بالسيد قدرُ قيمةِ الرقبة؛ فإن أروش الإتلافات لا تعدو الرقبة إلى سائر أموال السيد.
ولو أقر العبد بسرقة مال في يد أجنبي، فإقراره مردودٌ في حق ذلك الأجنبي، إذا أضاف إقراره إلى عينٍ قائمة في يده، فإذا رُدّ في حق الأجنبي، فليرد في حق السيد.
وقيل: إنّ أبا حنيفة نَفَّذَ إقراره في الأعيان القائمة في يد السيد. وهذا خبالٌ عظيم.
ولو أقر العبد بسرقة عين وكانت العين في يد العبد، اختلف أصحابنا فيه على طريقين: فمنهم من خرّج قبولَ إقراره فيها على القولين، ومنهم من قطع القولَ بردِّ إقراره في العين الكائنة في يده. وهذا هو الظاهر؛ من جهة أن يده يدُ السيد، ولا استقلال له. ثم ما يتصوّر احتواء يده عليه في محل الإقرار لا ينضبط، كما تقدم وليس كالإقرار بالإتلاف؛ فإن غائلته تنحصر في مقدار قيمة الرقبة، كما تقدم.
وبنى بعضُ الفقهاء القولين في قبول إقراره بالمال عند ذكر الإتلاف على قولين في الحر لو أقر بسرقة مال، وقُبل إقراره.
فلو رجع عن الإقرار، قُبل رجوعُه، فيما يتعلق بالعقوبة، ولم تقطع يده. وفي قبول رجوعه عن ضمان المال قولان. وزعم هؤلاء أن وجه البناء أنا إذا قلنا: لا رجوع في المال، فكأنّا لم نبعّض حكمَ الرجوع. فنقول: على هذا لا نبعّض حكمَ إقرار العبد. فإذا قبلناه في وجوب القطع، قبلناه في تعلّق قيمة ما أقر بسرقته، ثم بإتلافه برقبته.
وإن قلنا: لا يقبل رجوعُ المقِرّ الحرِّ فيما يتعلق بالضمان، فقد بعّضنا حكمَ الرجوع آخراً، فلا يمتنع أن نبعّض حكمَ إقرار العبد أوّلاً، ونقولُ إقراره في العقوبة مقبول، وفيما يتعلق بحق المولى مردود.
وعندي أن هذا البناءَ فاسد، وقد عول الباني فيه على اتباع العبارة. أما القول الذي يُقبل فيه الرجوع عن المال وغَرَمه في حق الحر المقِرُّ، فلست أدري له وجهاً أولاً. ثم لا مشابهة في المعنى بين المسألتين؛ فإن الذي حملنا على قبول إقرار العبد في المسروق انتفاءُ التهمة، لا ينقدح في توجيه القبول غيره.
وهذا المعنى أنَّى يتحقق في الرجوع عن الإقرار؟.
3416- هذا تفصيل المذهب في إقرار العبد بالسرقة أتينا به مقدمةً لإقراره بما يوجب القصاصَ على قولنا: إن موجَبَ العمد القودُ أو المالُ أحدُهما لا بعينه. ثم يعفو المقَر له، وقد عاد بنا الكلام إلى بيان هذا:
وقد اختلف أصحابنا فيه: فمنهم من قال: في ثبوت المال في هذه الصورة تفريعاً على هذا القول قولان مرتبان على القولين في قبول إقرار العبد في إتلاف المسروق، فإن حكمنا بقبول إقراره ثَمَّ، فلأن نحكم بقبوله في المال في مسألتنا أولى.
وإن حكمنا بأن المال لا يثبت متعلِّقاً بالرقبة في الإقرار بالسرقة، ففي ثبوت المال حيث انتهينا إليه قولان. والفارق أن المقَرَّ به في مسألتنا شيءٌ واحد، وهو القتل، ثم ينقسم القول في بدله. والمقَرُّ به في السرقة على حكم المتميز؛ فإنه اعترف بحق مالي وكبيرةٍ موجبةٍ للعقوبة. هذا مسلك.
ورأى بعضُ الأصحاب أن يرتب على العكس، ويجعلَ المال في مسألة السرقة أوْلى بالثبوت؛ من جهة أن المواطأة ممكنة في صورة القصاص مع المقَرّ له. ثم إذا فرض العفوُ، فلا عقوبةَ والسرقة إذا ثبتت موجبةً للقطع، تعين استيفاء القطع لله تعالى. فكأنَّ صورةَ السرقة أبعدُ عن التهمة، وإذا كنا نُدير قبولَ الإقرار على انتفاء التهمة، فليقع الترجيح في منازِل الترتيب بما هو معتمد الباب.
هذا تمام البيان في ذلك.
3417- وكان شيخي أبو محمد لا يُعرِي قولَنا موجَبُه القود المحضُ عن تصرّف، ويقول: إن قلنا: العفو المطلق على هذا القول لا يوجب المال، فلا يتجه إلا القطعُ بثبوت المال، وإن قلنا: العفو المطلق يثبت المال، فكأناْ لا نمحّض القودَ على هذا القول موجَباً، ونجعل للمال مدخلاً. وإذا كان كذلك، تطرق الاحتمال. والعلم عند الله تعالى.
هذا منتهى الكلام في إقرار العبد بالعقوبة.
3418- فأما إقراره بالمال، ففيما لو ثبت لتعلق بالرقبة، فمردود، لا شك فيه لاعتراضه على ملك المولى، واشتماله على التهمة.
ولو أقر بما لو ثبت، لأوجب مالاً في ذمته، نفذ الإقرار، ولا أثر له في الحال ما اطّرد الرق ولكن إذا عَتَق اتُّبِع، وليس إقراره في هذا كإقرار المبذّر؛ فإنه لو أقر في اطراد الحجر عليه، ورددنا إقراره، فلو انطلق الحجر عنه، لم يؤاخذ بإقراره السابق. والسبب فيه أن العبد محجور عليه لحق مولاه، فإذا أقرّ بممكنٍ، فإن لم ينفذه في الحال، طالبناه به إذا زال حقُّ الموْلى. والمبذّرُ رُدَّ إقراره رعاية لحقه، وحقّه مرعيٌّ بعد انطلاق الحجر عنه. نعم، لو جدّد إقراراً بعد انطلاق الحجر، كان مؤاخذاً به.
وإنما يظهر أثر الفرقِ إذا أنكر العبدُ بعد إعتاقه ما أقرّ به، وأنكر المبذر بعد الرشد ما كان أقرّ به، فإذ ذاك يفرَّق بينهما، فيؤاخذُ العتيق، ولا يؤاخذ الرشيد بعد السفه.
وإن قيل: بينوا ما يلزم ذمةَ العبد. قلنا: كل ما يعترف به من ديون المعاملات ويدّعي فيه إذْنَ المولى، فهو متعلِّق بذمته.
فإن رددنا إقرار العبد في كسبه، فهو مقبول في التعلّق بالذمّة، وقد يقرّ بشيءٍ لا تعلّق له بالكسب أصلاً، وذلك إذا قال: اشتريت شيئاً بغير إذْن السيد، والتفريع على أنه لا يصح شراؤه، فالثمن لا يلزمه مع الحكم بفساد العقد. ولكنه لو قال: أتلفتُ ما اشتريته، فالقيمةُ المعترف بها لا تتعلق برقبته لو ثبت ما قال؛ فإن مالك المال سلّطه على إتلافه، وإنما يتعلق برقبة العبد ما يُتلفه من غير إذن المولى. وهذا من البيّنات التي لا تشكل على الفقيه.

.باب: بيع الكِلاب وغيرها:

3419- صح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم " نهى عن ثمن الكلب ومهر البغي وحُلوَان الكاهن". أما مهر البغي، فأجرة الزانية، وحلوان الكاهن ما يأخذه الكاهن على تغريرهِ بالكَهانةِ؛ فمذهبنا أن الكلب ليسَ بمالٍ، ولا يجوز بيعه وليس على متلفه قيمة لصاحبه، ولا يُنكر اختصاص صاحبه به، كما سنفصله الآن.
والوصية بالكلاب جَائزة ومعناهَا تنزيل الموصَى لهُ في الاختصاصِ بالكلب منزلةَ الموصي، وعلى هذه القاعدة يخلُف الورثة في الكلاب موروثَهم. وإذا لم يخلف إلا الكلابَ، ففي اعتبار خروج الوصيةِ والنظر إلى الثلث كلامٌ يأتي في كتابِ الوصايا إن شاء الله عز وجل.
وأما هبةُ الكلابِ، فقد ذَكر العراقيون والشيخ أبو علي وجهين فيها أحدهما- أنها تصح صحةَ الوصية.
والثاني: لا تصح؛ فإن الهبة مقتضاها التمليك والكلبُ ليس ملكاً؛ وتصح الوصيةُ بالحمل وما سيكون، ولا تصح الهبة على هذا الوجه، واختار الأئمة فسادَ الهبة، وقضى القاضي بصحتها. وهذا زلل.
وإذا أبطلنا الهبة ألغيناها، والواهب على اختصاصه بالكلب.
3420- واختلف الأصحابُ في إجارة الكلبِ، فصححها بعضهم؛ تعويلاً على منافعها، ومنعها بعضهم؛ تحقيقاً للبعد من التعامل عليها، ولا يتجه عندنا بناء الوجهين على الخلاف في أن المعقود عليه المنفعةُ أم الأعيانُ، حتى نقول: إذا جعلنا المعقود عليه العينَ، منعنا الإجارة. وإن جعلنا المعقود عليه المنفعةَ، أجزناها؛ فإن هذا يبطل بإجارة الحر. والمعنى فيه أن الممتنع تقدير الملك في عين الكلب. ومن يعتقد أن المعقود عليه في الإجارة العينُ لا يرى أن الملك ينتقل فيها.
ومن غصب كلباً يجوز اقتناؤه، استُرِد منه، ثم إن كان انتفع به، فهل يلزمه أجرةُ المثل؟ ذَكر الأصحاب وجهين في ذلك، وهذا ينطبق على الخلاف في إجارة الكلبِ.
والذي أراه تصحيحُ الإجارة. وإن لم نصححها، فالأوجه عندي إثبات أجرة المثل؛ فإنها منافع مقصودة تطلب بأموالٍ. فإن امتنعت الإجارة لتغليظٍ سببه المنع من التعامل على الكلاب، فلا وجه لتعطيلِ منفعته.
3421- ولو اصطاد الغاصب بالكلب المغصوب، ففي ذلك الصيد وجهان:
أحدهما: أنه للغاصبِ الصائد، وهو الأَصح، كما لو غصب شبكة واصطاد بها.
والثاني: أنه لصاحب الكلب؛ فإنَّ الكلبَ له اختيارٌ، وهو كالعبدِ المغصوبِ يحتش أو يحتطب في يد الغاصبِ. وهذا ضعيف؛ فإنَّ التعويل في تحليلِ الصَّيد على اختيارِ المرسل، وإذا ظهر اختيارُ الكلب، حرم الصيد الذي يقتله.
ثم فرع الأئمة على الوجه الضعيف وقصدوا التنبيه على أصول.
فقالوا: إذا قلنا: الصّيد للمغصوب منه، فالغاصب يرد الصيد عليه، ويغرم له أجرةَ مثل الكلب على وجهٍ؛ فإن المنفعةَ وإن صرفها إلى تحصيل فائدة وهي للمغصوب منه، فالغاصب في المنفعة متصرفٌ بعُدوان. وضربوا لذلك مثالين:
أحدهما: أن من غصب بذْراً وأرضاً، فزرع الأرض المغصوبة بالبذر المغصوب من صاحب الأرض، فالزرع للمالك؛ لأنه تولّد من عين ماله، وعلى الغاصب مثل ذلك البذر؛ فإن ما تعفن في الأرض كان في حكم الفاسد، وما نبت خلق جديد. ويجب عليه أيضاً أجر مثل الأرض؛ وإن صَرَف منفعتها إلى فائدة مالكها.
والثاني: أن من غصب بيضة فأحضنها دجاجةً وخرج الفرخُ، فالفرخ للمالك. وعلى الغاصب قيمة البيضةِ؛ فإنها تفسد وتصير مذرة، والفرخ نشوء جديد. وسنستقصي ذلك في كتاب الغصب، إن شاء الله تعالى.
فصل:
3422- قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من اقتنى كلباً إلا كلبَ مَاشِية أو ضَارياً، نقص من أجره كل يوم قيراطان» وفي بعض الألفاظ «أو كلب زرع» فنهى الرسول عليه السلام عن الاقتناء، وأجمع الأصحاب على أنه نهي تحريم، واستثنى من النهي الكلبَ الضّاريَ وهو الصيود، وكلب الماشية وهي التي تحرس النَّعم، وكلبَ الزرع وهي التي تحرس المزارع في أيام الحصدِ والدياسة والتنقية؛ فمن اقتنى كلباً إعجابا بصورته، فهو مرتكبُ محرّمٍ، وإذا اقتناه وهو منتفع به بالجهات الثلاثة التي استثناها النبي صلى الله عليه وسلم، فلا بأس.
ولو اقتنى كلب الحراسة للدروب والدور، فقد ذكر العراقيون وجهين:
أحدهما: أنه لا يجوز ذلك؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يستثن إلا ما تقدم ذكره، فيجب الاقتصارُ عليه، وطَرْدُ الحظر فيما سواه.
والثاني: يجوز؛ فإن الحراسة في معنى الحراسة، وهذا قريب ممّا يقال فيه: إنه في معنى الأصل.
ومن اقتنى جَرْوَ كلبٍ صَيُودٍ حتى إذا استقل صاد، ففي تحريم اقتنائه جرواً وجهان ذكرهما العراقيون أحدهما- يجوز؛ فإنه كلب صيدٍ، وإذا أبحنا اقتناء كلب الصيد، لم نشترط في الإباحةِ إدامةَ الاصطياد به.
ومن أصحابنا من قال: لا يحل اقتناء الجرو؛ فإنه ليس ضارياً في الحال، والاقتناء في فحوى الحديث مسوغ لحاجةٍ حاقَّةٍ، تقرب من الضرورة، فأما الاقتناء لتوقع منفعة، فبعيد.
ومن اقتنى كلب صيدٍ، وكان لا يعتاد الاصطياد، ففي تحريم الاقتناء وجهان أيضاً ذكروهما.
والتوجيه بين.
فإن قيل: الاختلاف في هذه الصورة مستند إلى احتمال، إلا ما ذكرتموه في الاقتناء لحراسة الدروب، والحراسة كالحراسة، فما وجه المنع؛ قلنا: وجهه أن النبي صلى الله عليه وسلم قسم الكلاب، ولو جاز الاقتناء لحراسة الدروب، لعمّ جوازُ الاقتناء؛ فإن كل كلب نباح في موضعه، وهو معنى حراسة الدروب، وكلبُ الصيد والماشية والزرع يحرس في مضايع، ولا يستقل بهذا إلا كلبٌ له اختصاصٌ عن الكلاب. ويمكن أن يقال: لو اقتنيت في الدروب وكثرت أجراؤها، وأنست، خالطت وانبثت نجاساتُها، وليس كذلك كلاب الصحارى.
3423- فإن قيل: فما قولكم في قتل الكلاب؟ قلنا: أما ما ينتفع به منها، ولا ضرار من جهتها، فلا يجوز قتلها. وأما العقور؛ فإنه يقتل دفعاً لضراوته، وقد نص رسول الله صلى الله عليه وسلم على قتل الكلب العقور، وعدّه من الفواسق اللاتي يقتلن في الحل والحرم. وكل كلبٍ عقورٌ إذا اضطر إليه دفعاً عن نفسه. والذي عنيناه الذي يضرى بالشر طبعاً. وأما الكَلِب، فلا يتمهل في قتله؛ فإن شره عظيم.
والكلب الذي لا منفعة له، ولا ضرار منه لا يجوز قتله. وقد ذكرنا طرفاً من ذلك مقنعاً في باب الصيود من المناسِك عند ذكرنا الفواسق، وقد صح أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الكلاب مرة، ثم صح أنه نهى عن قتلها، واستقر عليه على التفصيل الذي ذكرناه. وأمر بقتل الكلب الأسود البهيم. وهذا كان في الابتداء، وهو الآن منسوخ.

.فصل: يَجْمع تفصيْل القَوْلِ فيمَا يَجُوزُ بَيْعُهُ مِنَ الحَيَوانَاتِ:

3424- أما الآدمي، فلا يخفى تقسيمه إلى الحر والرقيق.
وما عداه ينقسم إلى ما لا ينتفع به حياً وميتاً، وإلى ما ينتفع به حياً، وإلى ما لا ينتفع به حياً وينتفع ببعض أجزائه إذا مات أو قتل. وينبغي أن يستثنى منها الحيوان النجس العين، وهو الكلب والخنزير والمتولد منهما ومن أحدهما. فكل ما كان نجساً لا يجوز بيعه. والتقسيم وراء ذلك.
فما ينتفع به حيّاً كالفهد والهرّ، فيجوز بيعه وفاقاً، ومنها الطيور الضارية.
وأما ما لا ينتفع به حياً وميتاً، فلا يجوز بيعه. وأخذ المال في بيع شيء منها من أكل المال بالباطل. ومن هذه الجملة حشرات الأرض.
ودودُ القز منتفع به، وكذلك نحل العسل، وتردد القاضي في العَلَق، فألحقها في جوابٍ بالديدان، ومال في جواب إلى جواز بيعها، لما فيها من منفعة مص الدم عند مسيس الحاجة إليه في بعض الأطراف.
وتردد الأئمة في مثل حمار زمِنٍ لا حراك به ولا منفعة له، فحرم بعضهم البيع لسقوط المنفعة، وأجاز آخرون البيعَ نظراً إلى الجنس. وقيل أيضاً: يجوز بيعه لمكان جلده بعد الموت، وهذا المعنى فيه بعض الضعف؛ فإن المنفعة النّاجزة أولى بالاعتبار من توقع أمرٍ سيكون ولو بني البيع على التوقع، لصح بيع جلد الميتة قبل الدباغ.
فأما الأسد والذئب والنمر، فلا انتفاع بها وهي حية، ولا نظر إلى اقتناء الملوك إياها لإقامة السياسة والهيبة، فليس ذاك منفعةً معتبرة، ولا تتأتى المقابلة بها، بخلاف الفِيَلة؛ فإنَّ ذلك ممكن، وهي مراكب، فالتحقت بما يُنتفع به. أما الأُسد والنمور والذئاب، فالمذهب أنه لا يجوز بيعُها. وذكر القاضي وجهاً آخر أنه يجوز بيعها، بناء على إمكان الانتفاع بجلودها، فهي طاهرة في الحال، والانتفاع متوقع ببعض الأجزاء.
ولا يجوز بيع الرَّخَمة، والحدأة، والغراب؛ فإنه لا منفعة فيها، فإن كان في أجنحة بعضها منفعة، التحقت بالأُسد والذئاب. والأصح منع البيع.
3425- ثم ألحق الأئمة مسائلَ بما ذكرناه في الحيوان: منها بيع المعازف وآلات الملاهي، فإن كانت بحيث لو كسرت الكسْر المأمور به، لم يكن رُضاضها متمولاً، فلا يصح بيعها. وإن كانت بحيث لو كسرت الكسرَ الواجبَ، لكان رُضاضها متمولاً، ففي إيراد البيع عليها قبل الرض وجهان:
أحدهما: يبطل البيع؛ نظراً إلى صفاتها في تركبها، ويعتضد هذا بإطباق الناس على استنكار بيع البرابط والطنابير.
والثاني: يصح بيعها؛ لأن جِرم الرضاض كائن فيها. وهذا وإن كان قياساً، فالعمل على الأول.
فأمّا إذا باع صوراً وأشباحاً كالأصنام وغيرها، وكانت متخذة من جواهر ذوات قيم، كالصُّفر والنحاس وغيرها، فهي مكسّرة على أربابها، والأصح جواز بيعها قبل التكسير؛ فإن جواهرها مقصودة بخلاف رُضاض المعازف. وذكر القاضي وجهاً آخر في منع بيعها.
فصل:
3426- الأعيان النجسة يمتنع بيعها، وإن كانت منتفعاً بها كالسِّرقين والأخثاء، وأجاز أبو حنيفة بيعها ومنع بيع العَذِرَة. وطرد الشافعي إفساد البيع في كل عين نجسة.
والثوبُ المضمخ بالنجاسة يجوز بيعه، والبيع يرد على جوهرِه الطاهر.
والدهن إذا أصابته نجاسة، ففي جواز بيعه قولان مبنيان على إمكان غسله، وفي إمكان غسل الدهن قولان، سبق ذكرهما في كتاب الصلاة. فإن قلنا غسله ممكن، فبيعه جائز. وإن قلنا غسله غيرُ ممكن، ففي بيعه قولان مبنيان على جواز الاستصباح بالدهن النجس. والقولان في الاستصباح يجريان في ودَك الميتة، وإن كان لا يجوز بيعه. وإنما استعملنا الخلاف في الاستصباح في دهن طاهر الجوهر لَحِقَتْه نجاسة، فإن ما كان نجس العين، فبيعه ممتنعٌ، وإن كان منتفعاً به. والبيع فيما هو طاهر الجوهر قد يتلقى من الانتفاع.
هذا تنزيل هذه المسائل على قواعدها.
3427- ثم أطلق الأئمة الخلاف في جواز الاستصباح. وهو مفصل عندي: فلو كان السراج الذي فيه الدهن النجس بعيداً، بحيث لا يَلقى دخانُه المستضيءَ بهِ؛ فلست أرى لتحريم هذا وجهاً؛ فإن الانتفاع بالنجاسات لا ينسدّ، وكيف يمتنع منه مع تجويز تزبيلِ الأرض وتَدْميلها بالعَذِرة، ولعل الخلاف في جواز الاستصباح ناشىء من لحوق الدخان الثائر من ذلك الدهن، وفيه تفصيل نذكره.
أمّا رماد الأعيان النجسة، فالمذهب أنه نجس، وفيه شيء قدمته في كتاب الصّلاة. و أمّا دخان الأعيان النجسة إذا احترقت-على قولنا بنجاسة الرماد- فما كان يقطع به شيخي أن الدخان رماد، وهو يتجمع بعد الانبثاث. وذكر القاضي وجهاً أنه طاهر وإن حكمنا بنجاسة الرماد؛ فإنه يُعد بخارَ النار. وهذا ركيك. ومما يعتنى به أن الدهن النجس في عينه في دخانه ما ذكرناه. وأمّا الدهن الذي وقعت فيه نجاسة، فدخانه أجزاء الدهن. وما وقع فيه ونجسه، قد لا يكون مختلطاً، ويظهر في هذا الدخان الحكمُ بالطهارة؛ فإن الذي خالط الدهن يتخلف قطعاً، والذي ثار محضُ أجزاء الدهن، والتردد في الاستصباح يجوز أن يكون مأخوذاً من نجاسة الدخان؛ فإنه يثبت في البيوت ويلحق الثياب، وقد لا يحسّ بأوائل لحوقه حتى يحترزَ منه.
ولا يمتنع على بعدٍ أن يطرد الخلاف في الاستصباح وإن بعد السراج، فإن هذا ممارسةُ نجاسة مع الاستغناء عنها، وليس كذلك التزبيل؛ فإنه لا يسد مسده شيء، فكان ذلك في حكم الضرورة، ويقرب من هذا جواز اقتناء الكلب الضّاري؛ فإن الحاجة ماسّة ولا يسد مسد الكلب في ظهور منفعته وخفة مؤنته شيء.
فصل:
3428- أكثر أئمتنا ذِكْرَ المالية وأجرَوْا في أثناء الكلام ما يتموّل وما لا يتمول، ورأَوْا ذلك قاعدةً متبعة في تصحيح البيع ونفيه. ونحن نفصل القول في هذا على إيجاز وبيانٍ، إن شاء الله تعالى.
فممّا يسميه الفقيه غيرَ متمول ما لا يقبل البيع في جنسهِ، وهو ينقسم إلى نجسٍ وإلى محترم: أما الأعيان النجسة قد سبق القول فيها، وأمّا المحترم الذي لا يتمول كالحرّ وما يحرز بالشرع كبقعة الكعبة، أو حرز كالبقاع التي اتخذت مساجد.
ثم ما لا يتمول لجنسه، وهو الأعيان النجسة لا قيمة لها، ولا تضمن بالإتلافِ، وما لا يتمول لحرمته، فلها أبدال عند الإتلاف.
ومقصودنا من هذا الفصل شيء آخر. فإذا قلنا: هذا لا يتمول لقدره، فليقع الاعتناء به، وإن كان جنسه مالاً. والضّابط فيه أن كل ما ليس للانتفاع به على حياله وقع محسوس، فهو الذي يقال: إنه لا يتمول، كالحبة والحبتين فصاعداً. وليعتبر وقعه منسوباً إلى كل جهة؛ فإن حبات معدودة قد لا يكون لها وقع في الإنسان، وهي تقيم عصفورة، أو تسد منها مسداً.
فكل ما فيه نفع محسوس، فهو مال، وكل ما ليس فيه نفع محسوس، فهو غير متمولٍ. وكل منتفع به طاهرٌ غير محترم إذا تحقق الاحتواء عليهِ، فهو مال. وإن كان الناس لا يتمولونه لكثرته ورخاءِ السّعر.
فليكن التعويل في الفرق بين ما يتمول وما لا يتموّل على المنفعة في الأجناس الطاهرة غير المحترمة. فلو أجدَّ الرجل صخرة، وكان فيها منفعة ظاهرة، فيجوز أن يبيعها بآلاف ممن يشتريها: وهم في شعاب جبال مفعمة بالصخور. وعليه يخرج تجويز بيع هذِه في أمثال هذه البلاد.
فأما الحبة من الحنطة فلا، ولا يختلف هذا بسِنِي الأَزْم والمَجاعة ورخاء الأسعار. ولكن ما يقال فيه: إنّه لا يتمول لقلته فيه حق لصاحبهِ، فلا يجوز أخذ حبة من مال إنسان بناء على أنها لا تتمول. ومن أخذها لزمه ردُّها. قال شيخي: كان القفال يقول: إن تلفت لم يبعد أن أوجب مثلَها. وإنْ منعتُ بيعها. نعم لو كان كذلك القليل من جنس متقوم، فلا قيمة.
فهذا حَاصل القول في ضبط ما يتمول. وما لا يتمول.