فصل: فصل: يحوي حقائق في جمع الخيارين وفي ثبوت أحدهما دون الثاني:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: نهاية المطلب في دراية المذهب



.فصل: يحوي حقائق في جمع الخيارين وفي ثبوت أحدهما دون الثاني:

2902- فنقول: خيار المجلس يثبت في كل بيعٍ، وخيار الشرط لا يثبت في الصَّرف والسَلَم، ويثبت في غيرهما من البيوع. والوجه نفي الخيارين في الإجارة، ولا يتَّجه إثبات خيار الشرط في الإجارة؛ فيخرج من ذلك أن خيار الشرط أولى بالانتفاء في الإجارة؛ لأنه يتضمن التعطيلَ لا محالة، وخيار المجلس في الغالب لا يدوم.
وإذا قُلنا: القسمةُ بيع، وكانت قسمةَ اختيار، فقد ذكرتُ التردد فيها. والوجه أن يقال: هذا التردد في خيار المجلس؛ فإن خيار الشرط معتمدُه اللفظ، ويبعُد ثبوتُه لفظاً في القسمة، وهي لا تعتمد لفظاً.
ومن هذا الجنس أخذُ الشفيع الشقص المشفوعَ، فإذا أخذهُ ملكه بعوضٍ يبذله، وهو في حكم بيعٍ، ففي ثبوت الخيار للشفيع وجهان؛ فإنهُ ابتياع حكماً، ثم هذا إنما يجري في خيار المجلس، فأما خيار الشرط، فلا يثبت؛ فإن الخيار الذي يُثبته اللفظ يليق بعقدٍ يعتمد الإيجابَ والقبول.
ثم في خيار المجلس للشفيع غموضٌ أيضاً، من حيث إنه يستحيل ثبوتُهُ للمشتري؛ إذ هو مقهور، وثبوت الخيار حكماً في أحد الجانبين بعيدٌ. ثم إذا أثبتنا الخيار للشفيع، فليس المعني به ثبوتَ الخِيرة في الأخذ والترك، مادام في المجلس، تفريعاً على قول الفور. وقد غلط بذلك بعضُ الأصحاب. والصحيحُ عندنا أنه يأخذ على الفور، ثم له الخيار في نقض الملك وردّه.
وأما الحوالة فقد ذكرنا ترتيبَ المذهب في الخيار فيها، فإن قُلنا بثبوت الخيار، فقد قال العراقيون: لا يثبت خيارُ الشرط، وليس يتجه عندي فرق بين الخيارين في الحوالة؛ فإن المعتمد في الحوالة اللفظُ، فلا يبعد شرط الخيار معهُ.
فرع:
2903- ذكر الأئمة أن الصداقَ لا يثبت فيه الخياران جميعاً، وقد ذكر صاحب التقريب وغيرُه وجهاً آخر في إثبات الخيار في الصداق وحده، وإن كان لا يثبت في النكاح، كما يجري الرد في الصداق والنكاحُ بحاله. وهذا منقاسٌ، وقد ذكر الصيدلاني في كتاب الصداق قولين منصوصين في ثبوت الخيار في الصداق، ثم من أثبت الخيار في الصداق، لم يفصل بين خيار المجلس، وخيار الشرط. وخيارُ الشرط أليق بالصداق عندي من خيار المجلس، من حيث إنه يعتمد اللفظ، ويقبل التخصيص، فيجوز أن يشترط مختصّاً بالصداق. وخيار المجلس يبعُد ثبوتُه في الصداق؛ فإن وضعَه يتضمن التعَلُّقَ بالجانبين، فإذا امتنع ثبوتُه من جانبٍ، بَعُد ثبوته من الجانب الثاني.
فصل:
2904- إذا شرطنا في البيع خيارَ ثلاثة أيام، وثبتَ فيه خيار المجلس شرعاً، فقد رَتَّبَ الشيخُ في شرح الفروع ترتيباً وافقَ في معظمه ترتيبَ صاحب التقريب، فمما اشتهر فيه خلاف الأصحاب أن البيع إذا شُرط فيه خيار ثلاثة أيام مطلقاً، وثبت فيه خيار المجلس لا محالة، فخيار الشرط من أي وقت يحتسب؟ فعلى وجهين: أصحهما- أنه يحتسبُ من وقت العقد، ولا يبعُد ثبوتُ الخيارين في وقتٍ واحدٍ، ومطلقُ الشرط يتضمنُ اتصال المشروط بالعقد.
والوجه الثاني- أنه يثبت ابتداءُ مدة الخيار المشروط من وقت التفرق، وهذا القائل يعلل ما قاله بوجهين:
أحدهما: أن الشرط المطلق يتضمن إثبات الخيار في زمان لولا الشرط، لم يثبت جواز العقد، فإذا كان خيار المجلس ثابتاً شرعاً، وجَرَى شرط الخيار، أشعر ذلك بتخصيص الخيار المشروط بما بعد المجلس. والوجه الثاني- أن إثبات خيارين متماثلين، في وقتٍ واحدٍ لاغٍ، لا معنى له، وكل شرط لم يتضمن فائدة لغا، فسقط أثر الخيار.
ثم قال الشيخ وصاحب التقريب: هذا فيه إذا كان شَرْطُ الخيار مطلقاًً، فأما إذا صرحنا بإثبات خيار الشرط من وقت العقد، فإن قلنا: مطلق الشرط يقتضي ذلك، فهذا تصريح بمقتضى الإطلاق، فيصح. وإن قلنا: إن الخيار المطلق يحتسب من وقت التفرق، فإذا شرطا احتسابه من وقت العقد، ففي صحة الشرط وجهان، يتلقى توجيههما من المعنيين اللَّذيْن ذكرناهُما في توجيهِ احتساب الخيار المطلق من وقت التفرق. فإن قلنا: سبب ذلك أن الشرط يتضمن إثبات الخيار، حتى لا يثبت لولا الشرط؛ فاستئخار الخيار إذن من حكم إطلاق اللفظ، فإذا وقع التصريح بالاحتساب من وقت العقد، نجري على حكم التصريح، وإن اعتبرنا في التوجيه استبعادَ ثبوت خيارين، فهذا مسلكه المعنى إذن. فلا يجوز التصريح باشتراط جمع الخيارين، والشرطُ فاسد مفسدٌ للعقد، كما سيأتي تفصيل الشرائط في آخر الكتاب إن شاء الله تعالى.
وإن قلنا: الخيار المشروط يحتسب ابتداءُ مدته من وقت العقد عند الإطلاق، وهو الصحيح الذي اختاره ابن الحدّاد، فلو شرط احتساب ابتداء خيار الشرط من وقت التفرق، فقد قطع الشيخ بفساد الشرط، على هذا الوجه الذي عليه نفرعّ. ووجَّهه بأن الشرط تضمن إثباتَ ابتداء الخيارِ في وقتٍ مجهول، إذ لا يُدرَى متى يكون التفرق.
وذكر صاحب التقريب في هذه الصورة وجهين:
أحدهما: ما ذكرناه، والثاني: أن الشرط يصح. وهذا وإن أمكن توجيهه، فالأصح ما ذكره الشيخ.
فرع:
2905- إذا حكمنا باجتماع الخيارين، فلو قالا: أبطلنا الخيارين، بطل الخيار.
وإن قلنا: يستأخر ابتداءُ خيار الشرط عن المجلس، فإذا قالا: أبطلنا الخيارَ أو قطعناه، فينقطع خيارُ المجلس، وهل ينقطع خيارُ الشرط؟ فعلى وجهين:
أحدهما: لا يبطل؛ فإنه لم يصادفه الإبطال.
والثاني: يبطل الخياران؛ فإن مقصودَهما إلزامُ العقد، هذا هو المفهوم من مطلق الإبطال. فلو قالا: أَلزمنا العقدَ، وجب القطعُ بانقطاع الخيارين.
فرع:
2906- قد أوضحنا أن خيار الشرط يتأقَّت بثلاثة أيام، وشرط خيار زائد فاسدٌ مفسد. وأما خيار المجلس، فلا يتقدَّر بمقدارٍ، ومنتهاه إن لم يُقطع التفرقُ.
وحكى الشيخ أبو علي وجهاً أن خيار المجلس لا يزيد على ثلاثة أيام، وإذا تمادى المجلس في سفينة، أو غيرها، وانتهى إلى ثلاثة أيام، انقطع الخيارُ. وهذا بعيدٌ مزيّفٌ.
فرع:
2907- إذا ذكرا في البيع أجلاً، والعقد استعقبَ خيارَ المجلس، فقد ذكرنا أنه لو شرط فيه خيار الشرط، فهوَ من أيّ وقتٍ يحتسب؟ قال الشيخ: إن قلنا: خيارُ الشرط يحتسب ابتداؤه من وقت العقد، فيحسب ابتداءُ الأجل من وقت العقد أيضاً، وإن قلنا: الخيار المشروط يحسب ابتداؤه من وقت التفرق، ففي الأجل وجهان، والفرق بين الأجل والخيار أن الأجل ليس من جنس الخيار، فكان اجتماعهما أقربَ؛ لما بينهما من الاختلاف. فإن قيل: لا وجه لقول من يحتسب الأجلَ من وقت التفرق إذن، قلنا: الخيار يمنع المطالبةَ بالثمن، كالأجل، فكان قريباً منه. والخيار في التحقيق تأجيل لإلزام الملك، أو نقله، والأجلُ تأخيرُ المطالبة، ومن أخّر الأجل عن خيار المجلس، فقياسه يقتضي أن نقول: إذا شَرط في البيع خيار ثلاثة أيام، وأجَّل الثمنَ فيهِ، فينبغي أن يفتتح هذا القائلُ ابتداءَ الأجل من انقضاء خيار الشرط؛ لأنه عنده في معناه، ولا سبيل إلى الجمع بين المثلَين كما قررناه.
فرع:
2908- إذا شرط المتبايعان الخيار لثالث، وفوضا إليه الفسخَ والإجازةَ، صح ذلك باتفاق الأصحاب، ونفذ منه الفسخُ والإجازةُ.
فإذا شرطا الخيارَ لثالث، ولم يتعرضا لثبوت الخيارِ لأنفسهما، فهل يثبت لهما الخيار، وقد أطلقا شرط الخيار لثالث، ولم ينفياه عن أنفُسِهما؟ فعلى وجهين:
أحدهما: أنه يثبت لهما الخيار؛ فإن الثالث في حكم النائب عنهما، وليس عاقداً؛ فاستحال أن يثبت له الخيار، ولا يثبت لهما.
والثاني: أنه لا يثبت لهما؛ فإن هذا الخيار في أصله يتبع الشرط، فثبت لمن شُرِط له، ولا يثبت لغيره.
فإن حكمنا بأن الخيار يثبت لهما، فلو صرَّحا بنفي الخيارِ عن أنفسِهما، وخَصَّصا الخيارَ بالثالث، فَفي صحة هذا الشرط وجهان:
أحدهما: يصح اتباعاً للشرط.
والثاني: لا يصح. وحقيقةُ الوجهين ترجع إلى أن من حكم بثبوت الخيار للعاقدين فهو بماذا؟ فكان من أصحابنا من يقول: سبب ثبوت الخيار لهما أن شرطَهما الخيارَ لثالث يقتضي من حيث اللفظ أن يثبت لهُما. فمن قال ذلك بنى عليه أنهما لو صرَّحا بالنفي عن أنفسهما، انتفى عنهما. ومن أصحابنا من قالَ: سبب ثبوت الخيار للمتعاقدَيْن استحالةُ ثبوته لمن ليس عاقداً، إلا على طريق النيابة، فعلى هذا الجمع بين إثبات الخيار للغَيرِ ونفيه عن المتعاقدين فاسدٌ.
ولا خلاف أنهما لو شَرَطا الخيارَ لأحدِ المتعاقِدَين ثبتَ له مختصّاً به، وانتفى عن الثاني.
قال صاحب التلخيص: لو كان المبيع عبداً، فشرط المتعاقدانِ الخيارَ له، ففوَّضا إليه الفسخَ والإجازة، جاز. وكان تفويضُ الخيار إليه بمثابة تفويضه إلى أجنبي، وقد ساعده الأصحاب على ما قالَ.
فرع:
2909- إذا وكل رجل وكيلاً في بيع، وأذنَ له في اشتراطِ الخيار، فاشترَط على حسب أمره، ثبت الخيار له، واختلفَ أئمتنا في أن الخيارَ الثابتَ لمن؟ فمنهم من قالَ: هو للموكِّل، كما أن الملك في العوض له، والخيار من حقوق الملك والعقد. والوجه الثاني- أن الخيار للوكيل؛ فإنه المتعاطي للعقد، والوجه الثالث: أن الخيار ثابتٌ لهما جميعاً، فيثبت للوكيل لتوليه العقد، ويثبت للموكِّل لأن مقصود العقد إليه يئول.
وإذا شرط المتعاقدان الخيارَ لثالث، فلا يجري فيه إلا وجهان، كما تقدمَ ذكرُهما، ولا يخرج فيه أن الخيار لهما، ولا خيار للثالث. وقد ذكرنا وجهاً أن الخيار للموكّل ولا خيار للوكيل، ثم إذا أثبتنا الخيار للموكل وحده، أو للوكيل والموكل جميعاً، فإنما ذاك في خيار الشرط، فأمّا خيارُ المجلس، فإنه يتعلق بالوكيل، وينتهي بمفارقته المجلس. ويجب القطع بأنه لا ينفذ فسخُ الموكِّل وإجازتُه؛ فإنه لا تعلق له بالمجلس. وخيار المجلس إنما يثبت لمن يتعلق به المجلس، وينقطع بفراقِه. وهذا كما أن حق القبول يتعلق بالوكيل المخاطب، فمجلس العقد يختص بالعاقد كالعقد.
فهذا ما أراه.
وقد نجزت قواعدُ القول في الخيارين.
فصل:
2910- قد تقدَّم القول في ثبوت الخيارين، ونحن الآن نذكر أحكام الزوائد التي تَحدثُ في زمانِ الخيار، ثم نذكر التصرُّفَ الذي يَصدُر من المتعاقدَين، أو من أحدهما.
والوجه تقديمُ القول في المِلكِ، فإذا ثبت الخيار للمتعاقدَيْن جميعاً، فقد اختلفت نصوص الشافعي في أن الملكَ في زمان الخيار لمن؟ والنصوص مشهورٌ، فلم أنقلها، وحاصلها أقوال: أحدها: "أن الملك في المبيع للمشتري"، وهو الصحيح.
والثاني: "أن المِلكَ فيه للبائع". والثالث: "أن الملك موقوف". فإن تم العقد تبيّنا أن الملك زال إلى المشتري، بنفس العقد، وإن فُسخ العقدُ في زمان الخيار، تبيَّنا أن الملك لم يَزُل عن البائع، ثم طرد الأئمةُ الأقوالَ الثلاثةَ فيه، إذا كان الخيارُ لهما، أو كان الخيار لأحدهما.
وقال بعضُ المحققين: إن كان الخيار لهما، ففيه الأقوال. والأصحُّ أن الملك موقوف، وإن كان الخيار للمشتري فالأصحُّ أن المِلك له، وإن كان الخيار للبائع، فالأصح أن المبيع باق على ملكه، وكان الإمام يقول: يتّجه أن نجعل ذلك قولاً رابعاً مفصلاً، ضماً إلى الأقوال المرسلة.
توجيه الأقوال: إن قلنا: إن الملك للمشتري، فلأن البيعَ موضوعٌ لنقل المِلكِ، فلو استأخر عنه موضوعه، لكان في معنى تعليق العقدِ؛ إذ لا وجه لعقد لا يتحققُ فيه موضوعُه. نعم مقصود الخيار ثبوت استدراكٍ، وإلا فلا فرق بين تأخير المقصود بالعقدِ، وبين تأخير انعقادِه.
وإن قلنا: الملك للبائع، فوجهه أن البيع المطلق الذي لا يفرض فيه خيارٌ
موضوعُه نزولُ المشتري في المبيع منزلة البائع، في استفادة التصرفات، ومعلومٌ أن الخيار يوجب استئخار التصرُّف، فأشعر ذلك باستئخار الملك.
وإن قلنا بالوقف، فوجهه النظر في الجانبين، واعتمادُ العاقبة في الأمر، وهذا القول يلاحظ قول وقفِ العقود بعضَ الملاحظة.
ثم إذا حكمنا بأن الملك في المبيع للمشتري، فلا شك أن الملك في الثمن للبائع، وإذا حكمنا بأن المبيعَ باقٍ على ملك البائع، فالثمن باقٍ على ملك المشتري، وإذا حكمنا على الوقف، فالأمر في العوضين موقوف.
فإذا وضح غرضُنا في الملك، فنذكرُ بعد ذلك فصولاً: أحدها: في الزوائد، والثاني: في التصرفات المتعلقة بالأقوال، والثالث في التصرفات المتعلّقة بالأفعالِ، ونختم الغرضَ بما يقطع الخيار وما لا يقطع.
الفصل الأول
في الزوائد التي تحدث في المبيع في زمن الخيار
2911- فأما الزوائد: أما المتَّصلةُ، فلا أثر لها، وهي لمن يستقر الملك في الأصل له، ولا موقع للزوائد إلا في الصداقِ، عند فرض الطلاق قبل المسيسِ، كما سنذكره إن شاء اللهُ تعالى.
وأما الزوائد المنفصلة، فمنها الكسبُ، فإذا اكتسب العبد المبيعُ في زمان الخيار شيئاً، فنفرع حكمه فيه إذا أُجيز العقد وتَم، ثُم نفرع حكمَه إذا فُسخ العقد.
فإن أجيز العقد، نُفرِّع الأمر على الأقوال في الملك، فإن فرّعنا على أن الملك للمشتري، فالزوائد له؛ فإنها استفيدت والملكُ له، ثم استقرَّ الملك آخراً. وإن قُلنا: المِلكُ للبائع، ففي الكسب وجهان:
أحدهما: أنه للبائع؛ فإنه جرى والملك في الأصل له، على هذا القول، وهو الظاهر، والثاني: أن الملك للمشتري؛ فإن الملك في الأصل تقرر عليه، وكان العقد معقوداً لذلك، والبائع لم يقصد باستبقاء الملك تأثُّلَه، وهذا الوجه يلاحظ قولَ الوقف.
وإن فرعنا على قول الوقف، فالملك في الكسب للمشتري؛ فإن العقد إذا أُجيز نتبين أن الملك للمشتري.
فهذا تفريع الكسب، وقد أُجيز العقدُ.
2912- فأما إذا فسخ العقد في زمان الخيار، بعد حصول الكسب، فنخرّج ذلك على أقوال الملك، فإن حكمنا بأن الملك للبائع، وقد استقر الملك عليه آخراً، فالكسبُ لهُ، وإن حكمنا بأن الملك موقوفٌ، فالكسب للبائع أيضاً؛ فإن العقدَ إذا فسخ فمُوجَب الوقف أنا نتبين أن مِلكَ البائع لم يزل، وإن حكمنا بأن الملك للمشتري، ففي الكسب وجهان:
أحدهما: أنه له؛ إذْ حصل في زمانٍ كان الأصلُ مملوكاً له فيه.
والثاني: أنه للبائع؛ فإن الملك في الأصل استقرَّ له، وآل إليه.
وحاصل الخلاف والوفاق في الإجازة والفسخ، أنا نقول: من اجتمع له ملكُ الأصل، واستقراره عليه، فالملكُ في الكسب له وجهاً واحداً. ومن لم يكن له ملكٌ في الأصل، ولم يصر المِلكُ إليه في المآل، فليس الكسب له وجهاً واحداً. وإن كان الملك لأحدهما أولاً، ثم لم يستقرَّ له، بل صار إلى صاحبهِ، ففي المسألة وجهان:
أحدهما: أن ملك الكسب لمن صار الملكُ في المآلِ إليه، والثاني: أن الملكَ في الكسب لمن كان الملكُ حالة حصول الكسب له في الأصل.
ولو حدثت ثمرةٌ، أو وُلد مملوكٌ في زمان الخيار، فالقول فيه كالقول في الكسبِ، حرفاً حرفاً.
فهذا بيان الزوائد في زمان الخيار.
الفصل الثاني
في التصرفات التي تقطع الخيار
2913- فأما التصرف، فنبدأ بالأقوال، وهي تنقسم إلى ما يقبل التعليق، وهو العتق، وإلى ما لا يقبله، كالبيع، فنبدأ بالعتق، فنقول:
إن أعتق المشتري العبدَ في زمان الخيار، فلا يخلو إما إن كان المشتري منفرداً بالخيار، أو كان الخيار لهما جميعاً، أو كان الخيار للبائع وحدهُ.
فإن كان الخيار للمشتري وحده، فينفذ عتقُه، سواء قلنا: الملك له، أو قلنا: الملك للبائع، أو وقفناه؛ فإنّ عتقه إجازةٌ منه، وله الانفراد بها، إذا كان منفرداً بالخيارِ، فنَفَذَ إذاً عتقُه وتضمَّن الإجازة، وإن فرَّعنا على أنه لا ملك لهُ.
وإن كان الخيارُ لهما جميعاً، نفرعّ العتق على الملك، فإن قُلنا: الملكُ للمشتري، ففي نُفوذ عتقهِ وجهان:
أحدهما: ينفذ لمصادفته الملكَ.
والثاني: لا ينفذ لثبوت حق البائع من الخيار فيهِ، وهذا يدنو من اختلاف القول في نفوذ عتق الراهنِ في المرهُون. فإن قلنا: ينفذ عتقه، فهل يبطل حق البائع من الخيار؟ فعلى وجهين:
أحدهما: يبطل؛ فإن متعلّق الخيارِ العين، وإذا نفذنا العتق وتعذَّرَ ردُّه، فلا معنىً للخيارِ. والوجه الثاني- أن الخيار يبقى متعلّقه العقد، والعقدُ لا ينقطع بفوات المِلكِ في المعقود عليه.
التفريع:
2914- إن حكمنا بأن الخيار قد انقطع، فلا كلام، وقد لزم العقد، واستقرَّ الثمن، وإن حكمنا بأن خيار البائع باق، فهل له ردّ العتق، فعلى وجهين:
أحدهما: ليس لهُ ذلك؛ فإن رد العتق بعيدٌ بَعدَ الحكم بنفوذهِ. والوجهُ الثاني- له ردّهُ؛ فإن العتق يضاهي الملك، فإذا كان جائزاً، كان العتق مشابهاً لهُ في الجواز.
التفريع على هذين الوجهين:
2915- إن قلنا: له ردُّ الملك، فلا كلام. وإن قُلنا: ليس له رَدُّه، فإن أجاز العقدَ، جازَ، وإن فسخ، وجب على المشتري قيمةُ العبد، وقد يستفيد بذلك مزيداً، إذا كانت القيمة أكثرَ من الثمن.
هذا كلُّه تفريعٌ على قولنا: إنهُ ينفذ عتق المشتري، فأمَّا إذا قُلنا: لا يَنفذ عتقُ المشتري، فلا يخلو إما أن يفسخ البائعُ أو يجيز، فإن فسخ، ارتد العبدُ إليه مملوكاً، وإن أجاز العقدَ، ولزم الملك للمشتري، فهل ينفذ الآن عتق المشتري، فعلى وجهين:
أحدهما: لا ينفذ؛ لأنه نجَّز العتقَ، فرددناه، فتنفيذُه بعد ردّه محال، وهو بمثابة ما لو أعتقَ عبداً لغيره، ثم اشتراه.
والوجه الثاني- أنه ينفذ عتقُه إذا لزم ملكه؛ فإنه استقرَّ ملكه آخراً، فالاعتبار بما استقرَّ الأمر عليه، وهذا ميلٌ إلى قول الوقف.
فإن قلنا: بأن العتقَ لا ينفذ، فلا كلام، وإن قلنا: إن العتق ينفذ، فمتى ينفذ؟ فعلى وجهين:
أحدهما: أنه ينفذ إذا لزم الملك، والثاني: أنا نتبين أنه نفذ حين أنشأه، وإن كنا لا نُفرّع على قول الوقف. وهذا بعيد جداً، وهو تصريحٌ بمقتضى الوقف.
وكل ما ذكرناه تفريعٌ على أن الملك للمشتري، فإن حكمنا بأن الملك للبائع، فلا ينفذ عتق المشتري أصلاً؛ إذ لا ملك له، وليس منفرداً بالخيار، وإن أجيز العقد، ففي نفوذ العتق الخلافُ المتقدّم. وهذا أولى بألاّ ينفذ. ثم التفريع ينساق كما مضى.
2916- وإن فرَّعنا على أن الملك موقوف، فالقول الحاوي في التفريع عليه، أنه إن أُجيز العقد، فالتفريع في هذه الحالة على هذا القول، كالتفريع على أن الملك للمشتري وقد أجيز العقد. وإن فسخ، فالتفريع في هذه الصورة كالتفريع على أن الملك للبائع وقد فسخ العقد.
وكل ما ذكرناه فيهِ إذا كان الخيار لهُما جميعاً، أو كان الخيار للمشتري وحده.
2917- فأما إذا كان الخيار للبائع وحدهُ، فالوجهُ التفريع على أقوال الملك، كما ذكرناه فيه إذا كان الخيار لهما جميعاً، ولا يتفاوت شيء من التفريع.
2918- فأما إذا أعتق البائعُ العبدَ في زمان الخيار نُظر، فإن كان الخيار لهما، أو للبائع وحده، فينفذ عتقُه على الأقوالِ، لأن عتقَهُ يتضمن فسخاً، ويجوزُ للبائع الانفرادُ بالفسخ، وإن كان الخيار لهما، فلا يصح من المشتري إلزام العقد في حق البائع إذا كان الخيار لهما، نَعم إذا كان الخيار للمشتري وحدهُ، انفرد بالإجازة، ونفذ إذ ذاك عتقُه على الأقوال كلها، كما تقدَّم ذكرُه.
فرع:
2919- إذا رَددنا عتق المشتري، والخيارُ لهما، فهل يكون عتقُه المردودُ إجازةً منه، حتى لو أراد أن يفسخ العقدَ بعد ذلك لا يمكنه؟ فعلى وجهين:
أحدهما- لا يكون إجازة؛ فإن المردود لا حكم له، والإجازةُ لو حصلت، لكانت ضمناً للعتق، فإذا لم ينفذ العتقُ، كيف ينفذ ضمنُه.
والثاني: أنه يصير مجيزاً؛ فإنه ظهرَ بقصده الرّضا بالملكِ؛ فكان ذلك إجازةً، وتحصيل ذلك أنّ قصدَ الإجازةِ منه صحيح، وإن رُدَّ العتق.
ويتجه أن يقال: إن أعتق ظاناً أن عتقه نافذٌ، فرددناه، ففيهِ الاختلافُ الذي قدمناه، فأما إذا كان يعتقد أن عتقه مرددٌ، فيبعد أن يكون ذلك إجازة منه، مع حكمنا بردّ العتق، وذلك يظهر فيه إذا صرَّح بأنه يعتقد أن العتق لا ينفذ، وإن أطلق الإعتاق، لم يصدَّق في قوله: لا أعتقد النفوذ.
وإذا حكمنا بأن عتق المشتري نافذٌ، ثم أثبتنا للبائع ردّ عتقه فَردَّهُ، فالوجهُ القطعُ بأن العتق وإن رُد كذلك، فالمشتري يكون مجيزاً إذا تصرَّف، ونفذ منه، والردُّ إنما كان لحق البائع، فهو بمثابة تنفيذنا فسخَ البائع، بعدَ نفوذ إجازة المشتري في حق المشتري.
فرع:
2920- إذا أعتق البائع المبيعَ، ولم يكن له خيار، ولكنا رأينا في التفاصيل المقدَّمة أن ننفذ عتقه تفريعاً على قولنا: إن المِلكَ للبائع، ثم رأينا ألا نردّ العتق بعدَ نفوذهِ، فالوجه أن نقول: إن كان في يد البائع، فإعتاقُه إياه بمثابة إتلافه المبيعَ حِسَّاً، وسيأتي ذلك في باب الخراج بالضمان.
فصل:
2921- إذا وهب الأب من ابنه عبدأ فأقبضه، فله الرجوع فيما وهبَ. ولو أعتق الأبُ العبدَ، فهل ينفذُ العتقُ متضمناً رجوعاً، كما ينفذ عتقُ البائع ويتضمن الفسخَ؟ فعلى وجهين، ذكرهما العراقيون:
أحدهما: ينفذُ العتق؛ فإنه ينفرد بالرجوع، كما ينفرد البائع بالفسخ، فليكن العتقُ بمثابة التصريح بالرجوع.
والثاني: أنهُ لا ينفذ، بخلاف عتق البائع؛ فإن مِلك المتََّهب تام. ينفذ فيه جميعُ تصرفاته، فلا وجه لإقدام غيره على التصرّف، فليرجع أولاً. ثم ليتصرَّف في مِلكِ نفسهِ.
ومن اشترى عبداً، ولزم ملكُه فيه، وأفلسَ قبل أداء الثمن، فللبائع الرجوع في عين المبيع، فلو أعتقه ابتداءً، ففي نفوذ عتقهِ وجهان، كما ذكرناه في الرجوع في الهبة.
هذا بيان العتق من التصرفات.
2922- فأما البيعُ، ففيه طريقان فنطرد كل واحدةٍ على حدَتِها.
أما الإمام، فكان يقول: إن المشتري إذا انفرد بالخيار، فباع، نفذ بيعُه، سواء قلنا: الملك له، أو قلنا: الملك للبائع.
فإذا فرّعنا على أن الملكَ له، فقد صادف بيعُه ملكَه. وإن قلنا: للبائع، فبيعُ المشتري وهو منفردٌ بالخيارِ يتضمن الإجازة. ثم نُقدِّر انتقالَ الملك للمشتري قُبيل البيع، ليكون بيعُه مصادفاً ملْكَه. وهو كحكمنا بارتداد الملك في المبيع إلى البائع إذا تلفَ في يده، وكان يقول رحمه الله: بيع البائع المبيعَ في زمان الخيارِ، إذا كان الخيار له أو لهما ينفذ على الأقوال، متضمناً فسخاً، كما ذكرناه في العتق.
فأما إذا باع المشتري وكان الخيار لهما، أو للبائع، فلا ينفُذ بيعُه، وإن قلنا: الملكُ له؛ فإنه ليس له الانفراد بالإجازة، بخلاف ما تقدَّم، فبيعه بين أن يصادفَ ملكَ الغيرِ، وبين أن يصادف حقَّ الغير، وإذا ذكرنا خلافاً في العتق؛ فهو لمزيَّتِه في القُوَّة والنفوذ، وهذَا بمثابة قَطْعِنا بردّ بيع الراهن، مع التردد في نفوذ عتقه. ثم كان يقول: إذا رددنا بيعَ المشتري، فهل نجعله إجازةً منه، فعلى وجهين، كما تقدم في العتق المردود.
وقالَ بعض أصحابنا: إذا باع المشتري وكان منفرداً بالخيارِ؛ فإن قلنا: المِلكُ للبائع، فلا ينفذ بيع المشتري، وإن كان منفرداً بالخيار، وإن قلنا: الملكُ له، ففي نفوذ بيعه وجهان؛ لضعف الملك بالجواز.
وما ذكره الإمام أفقهُ. وكان رحمه الله يُشير إلى الوجهين، في بيع الواهب العبدَ الموهوبَ فيُنزله منزلة إعتاقه إياه، وينزل البيعَ منزلة العتق من جِهة صدوره ممن يستبد بالرجوع، كما نزل بيع المشتري المنفرد بالخيار منزلة إعتاقه.
وقال بعض أصحابنا: إذا انفرد المشتري بالخيار، فباع، ففي المسألة ثلاثة أوجه: أحدها: ينفذُ بيعه، ويلزم العقد.
والثاني: لا ينفذ، ولا يلزم، والثالث: لا ينعقدُ العقد، ولكنه يتضمن الإجازَةَ.
وهذه الأوجُه نشأت في هذه الطريقة، من خلافٍ في أصلين، أحدُهما- أن بيعه هل ينفذ، والثاني: أن التصرف الفاسد هل يتضمن الإجازة. وكان الإمام يقطع بنفوذ البيع إذا انفرد المشتري بالخيار.
ونذكر ثلاثة أوجهٍ في الصورة الأخرى، وهي أن الخيارَ إذا كان لهمَا جميعاً، وقد ذكرنا أن المشتري لو انفرد بالبيع من أجنبيّ، لم ينفذ بيعُه، ولو باع ما اشتراه من البائع، قال: فيه ثلاثةُ أوجهٍ:
أحدُها- أنهُ ينفذ البيع الثاني، ويلزم البيعُ الأول؛ فإن الخيار لا يَعدوهما، فكان إقدامهما على العقد متضمناً إلزام العقد الأول.
والوجه الثاني- أنه لا ينعقد؛ فإن المشتري لا يجوز لهُ الانفراد بالبيع، فإذا ابتدأ الإيجابُ، بطل، ثم القبول مترتب عليه.
والوجه الثالث: أن العقد الثاني لا يصح؛ لما ذكرناه، ولكن يلزم الأول؛ تخريجاً على أن التصرف وإن رُدّ يتضمن إجازة.
هذا بيان الطرق في البيع.
2923- وما ذكرهُ الإمام يقتضي تردداً في بيع الراهن المرهون من المرتهن، من غير تقديم فك الرهن؛ فإن البيع لا يَنفُذ من الراهن على الانفراد، فكان التبايع منهما على صورة التبايع من المتعاقدين في زمان الخيار.
فإن قيل: نص الأصحابُ على أنَّا إذا منعنا بيع الدار المكراة على قولٍ، فيجوز بيعها من المكتري. قُلنا: قد ينقدح فرقٌ؛ فإن بيع المرهون لحق المرتهن، فإذا لم يصرح أولاً بإبطالٍ، لم يبعد تخيل خلاف فيه، وبيع الدار المكراة في قولٍ لم يبطل لحق المكتري، فإن من يصحح بيعَ الدار المكراة لا ينقضُ الإجارة، فالمبطل في البيع ثبوت يد المستأجر على المبيع، فإذا باع من المستأجر، فالمبيع في يد المشتري، فاقتضى ذلك القطعَ بصحة العقد، كما ذكرته في بيع الراهن من المرتهن، تصرفاً في القياس. وإلا فالذي أقطع به نقلاً صحّةُ البيع فليُعتقد ذلك. وإن كان يبطل به نظم الأوجه الثلاثة في بيع المشتري من البائع.