فصل: فصل: معقود في ظلم الزوج بعضَ نسائه بالقَسْم وإقامته عند صواحباتها:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: نهاية المطلب في دراية المذهب



.فصل: معقود في ظلم الزوج بعضَ نسائه بالقَسْم وإقامته عند صواحباتها:

8633- فنقول: إذا ظلم واحدة، فبات عند ضراتها، ولم يبت عندها، يلزمه القضاء للمظلومة، وأول ما يتّضح القصد به أن نوبتها المستحقة وإن كانت ليلة من أربع ليال، فظُلْمها يقع على تفرق، فإذا ألزمنا الزوج القضاءَ، فإنه يوفيها حقها وِلاءً تباعاً، وليس له أن يفرِّق القضاء. وهذا بمثابة ما لو أتلف أموالاً في أزمنة متفرقة على إنسان، فإنه يغرَمُها له دفعة واحدة. وإذا ترك صلوات في مواقيتها عاصياً بتركها، قضاها وِلاءً وإن تركها مفرقة.
ثم صورة الظلم والقضاء ما نَصِفه، فلو كانت تحته أربع نسوة، فبات عند ثلاث ستين ليلة، عند كل واحدة منهن عشرين، فإنه يقضي للمظلومة عشرين ليلة تباعاً.
ولو بات عندهن ثلاثين ليلةً، قضى للمظلومة عشر ليال، ولو كنَّ ثلاثة، فبات عند اثنتين عشرين قضى للمظلومة عشراً.
8634- وإن تصورت المسألة بالصورة التي ذكرناها آخراً، فنكح جديدة، فالوجه أن يخص الجديدة بحكم الزفاف-كما سيأتي ذلك، إن شاء الله تعالى-، إن كانت بكراً، فسبع، وإن كانت ثيباً، فثلاث، وهذا لا يحسب في حساب.
ثم هذه المظلومة تستحق عشر ليال، وإنما يقضي لها من حقوق اللتين ظلم الزوجُ هذه بهما، والجديدة لم يظلم الزوج بها.
فقال الأئمة: الوجه أن نُدير الليالي بين المظلومة وبين الجديدة، فنقسم للجديدة ليلة، وللمظلومة ثلاثَ ليال، فتمضي ثلاث نوب، وقد وفّى المظلومة من العشر التي استحقتها تسعاً، فبقي ليلة واحدة، فلو وفاها، جرَّ ذلك عسراً على الجديدة في حقها؛ فإنَّ القضاء إذا انقضى يجب إعادة النوب، وربما لا تنتهي النوبة إلى الجديدة إلاَّ في الخامسة مع احتساب الليلة العاشرة، وحقها أن ترجع النوبةُ إليها في كل أربع ليال إن كانت النوبة ليلة، وهذا إذا وقع أفضى إلى ظلم الجديدة.
وكان شيخي يرتبك في هذه المسألة وتختلف أجوبته، ثم كان يستقر على أن هذا تَحَيُّفٌ لازم لابد منه؛ فإنه لا مستدرك فيه إلا بالتبعيض، وتبعيض الليل مفسد، ولو بعَّضنا، لأضررنا لأجل التبعيض بالأُوليين والمظلومة، وهذا يجر خبلاً، ونحن قد نعدل عن المنصوص عليه في الزكاة إلى القيمة حذاراً من التشقيص.
وهذا الذي ذكره محمول على مسلكٍ من إعمال النظر في صرف الكلام إلى تمهيد الوجه البعيد.
والذي قطع به الأصحاب أن هذا التحيّف يجب استدراكه، ولا طريق في استدراكه إلاَّ التبعيض، ولا يقع ضرر التبعيض موقعاً إذا كان في معارضة إحباط حق.
فإذا ثبت هذا، فالوجه: أن يقضي للجديدة ثُلثَ ليلة؛ فإنَّ الليلة العاشرة دارت بين ثلاثٍ: المظلومة والأُولَيَيْن، فانقسمت عليهن أثلاثاًً، فليثبت للجديدة مثلما ثبت لكل واحدة، وهذا لطيف في مجاري الحساب؛ فإنَّ الظلم وقع في ليلة، والقسمة وقعت من ليلة وثلث ليلة، فإنَّ الذي يقتضيه الإنصاف التسويةُ بينهما، ولا سبيل في طلب التسوية إلا هذا، فإذا قضى لها ثلث ليلة، فالوجه: أن يخرج ويبيت عند صديق في بقية الليل، فإنَّ تخلل الفُرَج في النّوَب ليس ظلماً، إنما الظلم في الإقامة عند بعضهن تخصيصاً وترك بعضهن.
ولو كان يدير عليهن النُّوبَ ليلة ليلة، وكان يخلل في أثناء النوب فرجات، فلا بأس عليه.
فإن قيل: في أصل المسألة سؤال؛ فإن المظلومة إذا كانت تستحق قضاء عشرٍ وأدرنا النوبَ بينها وبين الجديدة على أربع، فكما نُثبت للجديدة في كل أربع ليلةً متجددة، فنثبت للمظلومة أيضاًًً ليلة متجددة، فما لنا نحسب لياليها من محض الظلم، ولا نثبت لها مما يتجدد في الزمان مزيداً؟ قلنا: هذا خيال؛ فإن اللتين وقع الظلم بهما كانتا تستحقان من تلك الأيام شيئاً، فقد جرى التدارك على نحو الظلم، وهذا متجه لا خفاء به.
8635- ولو طلَّق المظلومة، فقد سقط حقُّها في الحال، ولكن بقيت مظلمتُها في القيامة وإن سقطت طَلِبتُها، ولو راجعها، فهي على حقها؛ فإن النكاح واحد، ولو أبانها ثم جدد النكاح عليها، قال القاضي: عليه قضاء ما ظلمها به في النكاح الثاني، وهذا متجه، وكأنَّا نقول: لم يسقط حقها، ولكن تَعذَّر إمكانُ إبقائه، فإذا عاد الإمكان، فالحق قائم كما كان.
ويتجه جداً تخريج هذا على القولين في عَوْد الأحكام في النكاح الثاني.
وأقربها شبهاً بما نحن فيه طَلِبة المُولَى عنها في النكاح الثاني. وقد ينقدح في ذلك فرق؛ فإنَّ عود الحق في الطلاق فيه بُعدٌ، من جهة أنه قطع حِلَّ نكاح مضى، وإيلاء المولي في وضع اليمين باقٍ، بدليل أنه لو وطئها في النكاح الثاني، حنث.
وليس قضاء الظلم من هذه المآخذ، وإنما هو من المأخذ الذي ذكره، وهو عُسر التوفية، فإذا زال العسر، فالطلبة قائمة.
8636- ووراء ما ذكرناه غائلةٌ، وهي أن هذا إنما يتجه إذا جدد النكاح على المظلومة، واللواتي وقع الظلم بهن باقيات تحته، فإن استبدل بهن، فلا يقضي الظلم أصلاً؛ فإنه لو قضاه، لظلم الجديدات.
ولو لم يُفرض بينونة، ولكن ظلم واحدةً بعشرين ليلة، ثم لم يُبنها، بل أبان اللواتي وقع الظلمُ بهن، واستبدل عنهن جديدات، فلا يتصور القضاء؛ فإنَّ القضاء لا معنى له إلاَّ أن ينقطع عن اللواتي وقع الظلمُ بهن، ويشتغل بتوفية حق المظلومة، وهذا بيّن لا إشكال فيه.
فصل:
قال: "ويقسم للمريضة والرتقاء... إلى آخره".
8637- حق القَسْم يثبت للنسوة، وإن كان بهن موانعُ طبيعيةٌ أو شرعيةٌ من الوقاع، فيقسم للمريضة، والرتقاء، والحائض، والنفساء، والتي ظاهر عنها-وإن كان لا يقربها حتى يُكَفِّر- وكذلك يقسم للصائمة، والمُحْرِمة؛ والسبب فيه أن المقصود الظاهر من القَسْم الإيناس، ولسنا ننكر أن المقصود الأقصى الوقاعُ، أو تزجيةُ الوقت على رجائه، ولكن عماد القَسْم الإيناسُ، واجتنابُ التخصيص، والحذرُ من الإضرار، بإظهار الميل وهذا يتضمن إشراكَ اللاتي ذكرناهن، والتي آلى عنها زوجُها إذا انقضت مدة الإيلاء، فلها المطالبة بالطلاق، والمطالبة بحق القَسْم على البدل، وإليها الخِيَرةُ.
8638- ثم إن كان الزوج يسكن منزلاً، وكان يدعوهن في نُوَبهن، فعليهن أن يحضرنَه، ومن امتنع منهن، فهي ناشزةٌ، ويسقط حقها من القسم في نوبة امتناعها.
وإن كان يدور عليهن في مساكنهن، فليفعل من ذلك ما يراه.
وإن كان يُساكن واحدة منهن، وكان يدعو إلى دارها ضَرّاتِها، فلهن أن يمتنعن؛ فإنَّ مُساكنة الضَّرَّة لا تجب.
والقول في تفصيل المساكنة، واشتمالِ دارٍ على حُجَر يأتي مستقصًى في كتاب العِدد، إن شاء الله عز وجل، ومحل غرضنا: منْزِلٌ مُتحد لا يجوز للزوج أن يُسكنه ضرتين.
ولو كان يدعو بعضَهن ويصير إلى بعضهن في منزلها، فقد قال القاضي: ليس هذا من العدل والتسوية.
ولست أرى الأمرَ في هذا بالغاً مبلغ الحظر، وإنما هو ممّا يُفرض من التفاوت في التهلّلِ والاستبشارِ والوقاعِ نفسِه- وإن استُثْني الوقاع بخروجه عن الاختيار، فالاستمتاعات الاختيارية كالقبل واللثم والالتزام لا تشترط فيها التسوية.
وقد ينقدح في ذلك فرق، فإنَّ تخصيص البعض بالمسير إليها، وتخصيص البعض بالاستدعاء، قد يورث ضغينةً وإظهارَ تفاوت في الميل والتقديم والتأخير، ومع هذا يجب القطع بأنَّ هذا القدر من التفاوت محتمل؛ لأنَّ تفاوت الأقدار والمناصب قد يقتضي هذا القدر، فلا ينتهي الأمر فيه إلى التحريم.
8639- ثم قال الشافعي: "وإن سافرت بإذنه... إلى آخره".
إذا سافرت المرأة، ففي سفرها ثلاث مسائل: إحداها- أن تسافر دون إذن الزوج، فهي ناشزة، لا قَسْمَ لها ولا نفقة.
والمسألة الثانية- أن تسافر الزوجة بإذن الزوج، بأنْ كان أشخصها في شغل من أشغال نفسه فنفقتها دارّة، وحقها من القسم ثابت، فإذا عادت وكان أقام في غيبتها عند ضراتها، فيجب عليه أن يقضيَ حقَّها، كما بيِّنا كيفية القضاء فيما مضى.
والمسألة الثالث: أن تخرج بإذن الزوض في حاجة نفسها ومُهمٍّ سَنَحَ لها، فإذا كان ذلك، فالمنصوص عليه في الجديد: أنه يسقط حقها من القَسْم ونفقتِها، وقال في القديم: لها القسم والنفقة؛ لأنها خرجت بالإذن والرضا. والصحيح: القول الجديد؛ فإنها اشتغلت عن الزوج بما هو خالص حقها، فيبعد أن يثبت حقها على الزوج وهي مشتغلة عنه، وهذا في القَسْم على نهاية الوضوح؛ من جهة أن طمعها في استمرار حقها من القسم مع اشتغالها بغرضها عن استيفاء الحق طمع في غير مطمع، فالإذن لا يفيدها إذاً إلا سقوطَ المأثم.
8640- ثم قال: "وعلى ولي المجنون أن يطوف به على نسائه... إلى آخره".
ذهب أئمة المذهب إلى أنَّ الزوج إذا جُنَّ، فإنَّ حق القَسْم ثابت، كما كان من قبل، وعلى ولي المجنون أن يطوف به على نسائه، مع رعاية التسوية، وإن رأى، دعاهن إليه في نُوَبهن. ثم قالوا: لو ترك الوليُّ حقَّ واحدة، وخصَّ الزوجَ بالباقيات، فهذا ظلمٌ يجب تداركه بطريق القضاء كما تقدم، فإنْ تداركه الوليُّ بنفسه جاز. وإن أفاق المجنون، وقامت البينة على ما جرى من الظلم، واعترف به اللواتي وقع الظلم بهن، فيجب عليه أن يقضي إذا استبلَّ واستبد به.
وإن لم تقم بيِّنة، ولم يثبت اعتراف، فقول الولي غيرُ مقبولٍ في دعوى ظلمٍ جرى؛ لأنَّ الولاية قد انقطعت بالإفاقة؛ فلم يبق للولي سلطان. وإذا زال سلطان الولاية، زال بزواله قبولُ القول. هذا مسلك الأئمة المعتبرين.
8641- وذكر بعض المصنفين وجهين:
أحدهما: ما ذكرناه.
والثاني: أن حق القسم يسقط بالجنون، فلا مطالبة على الولي برعايته؛ فإنَّ الغرض الأظهر من القَسْم الإيناسُ، والمحذورُ من التحيف فيه إظهارُ الميل، والإضرارُ بهذه الجهة بالتي يقع التخلف عنها، وهذان المعنيان مفقودان من المجانين.
وهذا لا بأس به، وإن لم أرَه إلا في هذا التصنيف ومؤلفه مجهول عثورٌ في المذهب.
وعندي وراء ذلك نظر، وهو أن مخاطبة الولي بأنْ يطوف به عليهن لا وجه لها؛ فإنَّ الزوج العاقل لو أراد التخلف عنهن، فلا مطالبة عليه، وإنما يُطَالَبُ الوليُّ بما يُطَالَبُ به الزوجُ لو لم يكن مَوْلياً عليه.
ولو أدخل الوليُّ واحدةً على الزوج، فهل يجب عليه أن يُثبت لكل واحدة مثلَ هذا؟ هذا محل النظر، فالذي ذكره معظم الأصحاب: أنه يجب؛ تنزيلاً للولي منزلة الزوج. والذي ذكر في هذا التصنيف أن ذلك لا يجب على الولي؛ فإنَّ عماد القَسْم ما ذكرناه من اجتناب إدخال المغايظ على المحرومات بتمخصيص المخصَّصات، وهذا إنما يُفزع قلوبَهن من جهة الزوج، فأما الولي، فلا يتعلق بفعله هذا.
وما ذكره الأصحاب أظهرُ؛ طرداً للقياس الذي مهدناه من أن الولي مُخاطبٌ في المجنون بما يُخاطب به الزوجُ لو كان عاقلاً. ونحن وإن راعينا ترك الإضرار واجتناب المغايظ، فلسنا ننكر كونَ القسم حقاًً مطلوباً.
وبقي في المسألة نظر في أنهن لو جِئْنَ وقُلنَ: للزوج أن يتخلف عنا بجملتنا لو كان عاقلاً، بناءً على الاختيار والإيثار، ونحن في أثناء ذلك نرجو عودَه إلى القَسْم، وإذا جُن الزوج وأطبق الجنون، فلا إيثار له، فلو منعْتَه عنا، لكان ذلك إضراراً بنا؛ فقد يتجه إذا لم يكن على الزوج ضرر من الوقاع أن تجب إجابتهن، فظاهر النص دال عليه، فإنَّ الشافعي قال: وعلى ولي المجنون أن يطوف به على نسائه، وفحوى كلام الأئمة دالةٌ على حمل ذلك على التسوية، حتى لو فرض الامتناع عن إدخاله عليهن جملةً، فالمسألة محتملة جداً. وقد أشرنا إلى وجوه الكلام في أطراف المسألة، وما حكيناه من الوجهين في بعض التصانيف يمكن حمله على هذا الطرف أيضاًًً.
8642- ثم إن كان يُجن يوماً، ويُفيق يوماً، فليس من العدل أن نجعل نوبة الجنون لواحدة، ونوبةَ الإفاقة لواحدة، ولكن الوجه: أن نبني نوبة الجنون ونوبة الإفاقة إمَّا على التناوب، وإمَّا على الجميع.
وحكى الأئمة أيضاًً للشافعي قولاً في أنَّ الرجل إذا كان مفيقاً في نوبةِ واحدةٍ، مجنوناً في نوبة الأخرى، فأيام الجنون غيرُ محسوبة على التي كان الزوج مجنوناً في نوبتها، ونجعلُ كأنَّه غاب عنها، فإذا أفاق، وفّاها حقها مثلما وفَّى للأولى في حالة الإفاقة.
وهذا يُحوج إلى تدبر؛ فإنَّ أيام الجنون على الجملة أيام قَسْم على ظاهر النص. وقول الأصحاب، بإخراج أيام الجنون عن الاعتبار فيه بعضُ النظر: يجوز أن يُقال: إن لم ترض بالإقامة عندها في أيام الجنون وانتظرت الإفاقة، فلها ذلك؛ فإنها تقول: أقام عند صاحبتي عاقلاً والتسويةُ مرعية، فأما إذا أقام عندها في الجنون، فهذا منها بمثابة الرضا بعيبِ ما يجوز رده بالعيب، فإن لم يكن بأيام الجنون اعتبار، فهذا يؤكد سقوطَ حكم القَسْم في أيام الجنون بالجملة، كما نقلنا التردد فيه، والله أعلم.
8643- ثم قال الأئمة: إن كان الزوج محجوراً سفيهاً، فهو في نفسه مخاطب بالتسوية بينهن؛ فإنه عاقل مكلف، ولا مدخل للولي في هذا.
8644- ثم قال: "وإن خرج من عند واحدة في الليل أو أخرجه السلطان... إلى آخره".
إذا كان الزوج عند واحدة في نوبتها، فخرج في بقية الليل باختيارٍ، أو أخرجه السلطانُ، فقد تبعض على صاحبة النوبة حقُّها في هذه الليلة، فيجب على الزوج قضاءُ ما فاتها من حقها، ولم يصر أحدٌ من الأصحاب إلى أن ما مضى من الليل يبطُل ويتعطل حتى يجب قضاء الليلة بتمامها، وإن كنَّا ذكرنا وجهاً في أنه لو جامع في نوبةِ واحدةٍ ضرّتها، فقد بطلت الليلة، وهذا الوجه حيثما ذكرناه ضعيف. ثم الفرق لائح؛ فالذى يجب قضاؤه المقدارُ الذي فات.
ثم إذا أراد قضاءه وتحته امرأتان مثلاً، فالوجه: أن يبيت المقدار الذي كان فيه عند تلك الزوجة عند صديقٍ، أو في مسجدٍ، فإذا انتهى إلى الزمن الذي خرج فيه، عاد إليها وأقام عندها، ولا يضر تخلفه عن ضرتها في ليلة تامة؛ فإنّ تخلل التفريق والفُرَجُ في خلَلَ القسم ليس ظلماً، إذا لم يكن فيها مقيماً عند واحدة؛ فإذاً المقدار الذي كان فيه ثاوياً عند صديق مستثنى من حساب نُوَبِ القَسْم، وإنما المحسوب المقدار الذي يقضيه.
ثم التبعيض في هذه الصورة محتملٌ على الضرورة، وإن كنا نمنع من وضع القَسْم على أنصاف الليالي؛ فإنما نمنع ذلك على الاختيار، وإذا حَمل عليه اضطرارٌ في القضاء، فلابد من احتماله.
وإن أراد الذي يبغي قضاء نصفِ ليلة أن يبيت في النصف الأول عند زوجتيه؛ فهو ممكن، فليجعله نصفين في المقدار متساويين، يقيم في أحد النصفين-وهو ربع الليلة- عند إحداهن، ويبيت في الربع الآخر عند الأخرى، وقد حان وقت القضاء. والأشبه أن يقيم عند التي يقضي لها ثلاثةَ أرباع ليلةٍ ليلةً وِلاءً حتى لا يحتاج إلى الانتقال.
8645- ثم قال: "وليس للأماء قَسْمٌ، ولايُعطَّلْن"، لا خلاف أنه لا قَسْم للإماء، ولا قَسْم للمستولدات أيضاًًً، وإن ثبت لهن أحكام الفراش عند بعض العلماء، ثم كما لا قَسْم لهن مع الزوجات، لا قسم بينهن والمولى بالخيار فيهن-وما ينشأ من إسقاط حكمهن، وهو عظيم الوقع على الحرائر المنكوحات-أن الزوج لو أقام عند أَمَةٍ دهراً، فلا اعتراض عليه، مع العلم بما يتداخل الزوجات من ذلك، ولكن مقتضى الشرع أنهن مخرجات من الاعتبار نفياً وإثباتاً، وإنما يُطلب حق القسم إذا دخل على واحدة من المنكوحات، فللباقيات جينئذٍ أن يُطالبنه بالتسوية.
8646- ثم ذكر الشافعي فصلاً في إضرار الرجل بامرأته، ورفْعِها شكواها إلى مجلس القاضي، ونحن نرى تأخير ذلك إلى باب الحَكَمَيْن، وفيه نذكر إضرارها ونشوزَها عليه، والتباسَ الأمر بينهما، وقد عقد الشافعي في النشور باباً مُفرداً.
8647- ثم قال: "وله منعها من شهود جنازة أمها وأبيها، وما أحب ذلك... إلى آخره".
للزوج أن يُلزم المرأةَ لزومَ البيت، ويمنعَها من الخروج حسماً، ويمنعها عن عيادة الوالدين إذا مرضا فضلاً عن زيارتهما، ويمنعها عن شهود تجهيزهما إذا ماتا، هذا الحق ثابت له إجماعاً.
ولكن قال الشافعي: "وما أحب ذلك". أراد: أني لا أستحب للزوج الغلوّ إلى هذا الحد؛ فإنه سرف يُفضي إلى الحمل على قطيعة الأرحام، ثم فيه حملُها على ما تمقُت به الزوَج وتفرَكُه لأجله، ثم يتنغص العيش عليه، فيؤدي الأمر إلى قطع الوُصلة، والمسلك المستقيم رعايةُ القصد على التعميم، وكلا طرفي قصد الأمور ذميم، فلا ينبغي أن يأذن لها في التبرج، ولا يمنَعها عن زيارة الأبوين وعيادِتهما، وشهودِ تجهيزهما، أو زيارةِ القبر، فأمَّا اتباع الجنازة إلى المقبرة؛ فإنه هُتكة وتكشف؛ فالأولى منعها.

.باب: الحال التي يختلف فيها حال النساء:

8648- مضمون الباب الكلامُ في حق الزِّفاف. فنقول: إذا نكح الرجل بكراً أو ثيّباً، وعنده زوجات، فتُخَص المزفوفةُ إليه بحقٍّ في العقد غيرِ محسوب في نُوَبِ القَسْم، فإذا انقضى ذلك، كما سنصفه، عاد إلى ترتيب النُّوَب، فإن كانت الجديدة بكراً، خَصّها بسبع ليالٍ، وإن كانت ثيِّباً خَصّها بثلاث ليالٍ، ثم لا تحسب السبع والثلاث على الجديدتين، ولا يلزمه قضاؤهما في حقوق المتقدمات.
وأبو حنيفةَ يجوِّز التخصيصَ، ويُلزم القضاءَ في البكر والثيب. ومعتمد الشافعي ما روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقام عند أم سلمة لما زُفت إليه ثلاثَ ليال، فلما انقضت، فارقها، فتعلقت برسول الله، فقال صلى الله عليه وسلم: «ليس على أهلك هوان! إنْ شئت سبَّعتُ عندك وسبَّعت عندهن، وإن شئت ثلّثت عندك ودُرت». وعن أنس أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «للبكر سبع، وللثّيبِ ثلاث». فالباب موضوع على الخبرِ، ومقتضاه ما ذكرناه، فللبكر سبعٌ، فإنها نفورةٌ، فلا يزول ما بها من الحشمة والحياء إلاَّ بمدة، والثيِّبُ في ذلك دونها، ثم الرجوع في المقادير إلى التوقيف.
8649- ثم لو أقام عند الثيِّب سبعاً بطلبها ورضاها، أقام عند كل واحدة من صاحباتها سبعاً سبعاً، وبطل حقُّ اختصاصها بحق العقد. وإن أقام عندها ثلاثاًً، لم يقض الثلاث.
وإن أقام عندها سبعاً من غير طلبها، لم يبطلُ اختصاصُها بالثلاث، ولم يقض لصواحباتها إلا الأربع الزائدة على مقدار حقها، والتعويل فيما ذكرناه على الخبر، فإنه قال صلى الله عليه وسلم: «إن شئت سبَّعت لك وسبعت لهن-وهذا تصريح بقضاء السبع- وإن شئت ثلثت عنك ودُرت». معناه: عدت في الأدوار إلى أحسابها، ولم أقض الثلاث. وإنما قال هذا، إذ طلبت منه أم سلمة أن يقيم، فإذا لم يكن منها طلب، لم يملك الزوج إبطالَ حقِّ عقدِها بإطالة المقام عندها.
وذكر الأصحاب لِمَا ذكرناه من بطلان حقِ العقد نظيراً، وفي ذلك النظير كلامٌ، ولكنا نذكره، قالوا: لو قطع الجاني يدَ إنسانٍ من المرفق، فقطع المجنيُّ عليه يدَه من الكوع في القصاص، فليس له حكومة في الساعد؛ فإنه قَطَعَ ما لم يكن له قَطْعُه، وعدل عن حقه. وكذلك الثيب إذا عدل عن حقها إلى ما هو حق غيرها.
8650- ولو أقام عند البكر أكثرَ من سبع، لم يقض لضراتها إلاَّ مقدار الزيادة.
ولسنا نفي بمعانٍ جامعة فارقة، وإنما ندور على مقتضى الخبر، فإذا لم نجد متعلقاً فيه، رجعنا إلى التمسك بالقياس. ومن القياس الجلي ألاَّ يبطل حقُ صاحبِ الحقِ إذا أخذَ أكثرَ من حقه، فأجرينا الزيادةَ على حقِّ البكرِ على هذا القياس، وتركنا ما ذكرناه في حق الثيب من بطلان حقها-إذا طلبت الزيادةَ وأُجيبت- على موجب الخبر.
8651- ولو طلبت الثيب أن يقيم عندها خمسَ ليال، فهل يبطلُ حقُها بهذا المقدار من الزيادة أو بما دونها؟ أم يتوقف بطلانُ حقِها في الثلاث على أن تطلب السبعَ أم ببعض هذا؟ لم أرَ فيه نصاً، وفي المسألة احتمال تشيرُ إليه الترديداتُ التي ذكرناها.
8652- ومما يتعلق بالباب أنَّ المنكوحةَ إذا كانت أَمَة؛ فكيف القول في حق عقدها إذا زُفت؟ اختلف أصحابنا في المسألة، فمنهم من قال: هي كالحرة، وإن كانت أعلى منها في القسم المستمر في دوام النكاح؛ لأنَّ حقَّ العقدِ لغضِّ الحياء وكسر الحشمة، وهذا يرجع إلى الجِبلَّة، وما يتعلق بالجبلات من المُدد لا يختلف بالرق والحرية ولذا لم يتطرق إليه فرقٌ في مدة العُنَّة والإيلاء وفيما ذكرناه احتراز عن العدّة.
ومن أصحابنا من رأى تنصيف حق العقد بالرق؛ فإنَّ هذا على مضاهاة القَسْم، وإن اختص بمزيد غرض، فإلحاقه بقاعدة القَسْم أولى.
فإنْ فرعنا على هذا الوجه الأخير، فلا وجه إلاَّ التنصيف، فللأَمَةِ البكر ثلاثُ ليال ونصف، والأيام على حسب ذلك، وللأَمَةِ الثيب ليلةٌ ونصف، والأيام كما ذكرناه، وليس ذلك كالأقراء، فإنَّا لا نثبت للأَمة في العدة قرءاً ونصفاً؛ فإنَّ القروء لا تتبعض، والليلة تتبعض.
فإن قيل: أليس تردَّدَ الأصحاب في الاعتداد بالأشهر، فقال قائلون: تعتد الأمة بشهرين، قلنا: سبب ذلك أنهم رأوا الأصل الأقراء، فأثبتوا شهرين في مقابلة قرأين.
والأصح أنَّ اعتداد الأمة بشهر ونصف. وهاهنا قطعوا بالتنصيف؛ إذ لا أصل يمتنع التبعيض فيه.
8653- ثم قال الشافعي: "ولا أحب أن يتخلف عن صلاة ولا عن شهود جنازة... إلى آخره".
أراد بهذا أنَّ الزوج في إقامته أيام الزفاف عند زوجته ينبغي أن لا يترك إقامة الجماعات والخروج لها، وهذا إنما ذكره الشافعي على ظهوره؛ لأنَّ أهل الحجاز يعتادون لزومَ بيت العرس إلى انقضاء أيامٍ، لا يرون البروز فيها، فأبان أنَّ تلك العادة لا أصل لها.