فصل: فصل: مشْتمل عَلى بَيعْ المَاءِ وحُكمِهِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: نهاية المطلب في دراية المذهب



.فصل: مشْتمل عَلى بَيعْ المَاءِ وحُكمِهِ:

نظمه الشيخ أبو علي في الشرح ونحن نأتي به على وجهه فلا مزيد عليه.
3429- فنقول:
من ينزح ماء من موضع مباع، فالمذهب المشهور أنه يملك ما أحرزه، كما يملك الحطب إذا احتطب، والصيدَ إذا اصطاد.
وفي المسألة وجه بعيد أنه لا يملك قط. ولكن محرزه أولى به، وهذا بعيد لا تفريع عليه.
وإنما التفريع على أن الماء يملكه محرزه.
فمن أحرز ماء في إداوة وسقايةٍ، فقد ملكه، ويجوز بيعه على شط الدجلة، بما يقع من التراضي عليه.
فأما إذا حفر بئراً أو قناةً، فاجتمع فيها ماء، فهل يملك ذلك الماء؟
هذا يستدعي أولاً تفصيلَ المذهب في أن الآبار كيف تملك، وهذا مما يأتي استقصاؤه في إحياء الموات، والقدر الذي تمس الحاجة إليه الآن أن من حفر بئراً في مواتٍ وقصد باحتفارها تملّكَها، فإذا ظهر مقصودُه، مَلَكَها، ومقصودهُ ظهور الماء، فكما ظهر، مَلَك، ولا يتوقف الملك على أن يطويَ البئر ويعمرَها. هذا ظاهرُ المذهب.
وقيل: ظهور الماء يجعل حافرَ البئر كالمتحجر، وهذا يأتي في الإحياء.
ولو كان يحتفر نهراً إلى نهر عظيم كالفرات، وقصده أخذ شيءٍ من ماء الفرات في نهرهِ، فإذا قصد باحتفار النهر تملكها، وانتهت فوهة النهر إلى النهر الكبير، وجرى فيه الماء، فهذا في ملك النهر نظير إنباط الماء في البئر. هذا إذا قصد التملك.
فأما إذا قصد احتفار البئر ليستقي ماءها لا أن يتملكها. فيكون أولى بماء البئر، فإذا تعداها وجاوزها، فالبئر بمائها مباح.
فإذا بان ذلك، فلو لم يملك البئر، ولم يقصد تملكها، فالماء المجتمع فيها لا يكون مملوكاً باتفاق الأصحاب.
هكذا قال الشيخ.
فأمّا إذا ملك البئر، أو كان في ملكهِ الخالص بئرٌ كَدَارِه، فالماء المجتمع في تلك البئر هل يكون ملكاً على الحقيقة لمالك البئر؛ فعلى وجهين مشهورين:
أحدهما: وهو اختيار أبي إسحاق أنه لا يملكه، وينزل الماء الحاصِل في ملكه منزلةَ ما لو عشش طائر في ملكه؛ فإنه لا يملكه. وقال ابن أبي هريرة: الماء ملك لصاحب البئر على الحقيقة، وهو نازل منزلة الثمرة التي تخرج من أشجاره من غير قصده.
3430- فإذا ثبت ذلك، فالكلام وراء ذلك في فصلين:
أحدهما: إفراد الماء بالبيع.
والثاني: بيعه مع قرارِه.
فأما إفراد الماء بالبيع، فالماء الذي جمعه في إداوة أو حوض، أو أحرزه، فيجوز بيعه؛ فإنه غير متزايد.
فأمّا الماء المجتمع في البئر المملوكة، أو الماء الجاري في النهر المملوك، فإن قلنا: إنه غير مملوك، فإذا أفرده بالبيع، لم يصح؛ لأنه باع ما لم يملكه، فأشبه ما لو باع فرخَ طائر على عش في ملكه. ولم يأخذه بعدُ.
وإن قلنا: إنه مملوك، قال رضي الله عنه: لا يصح إفراده بالبيع إذا قال: بعتك ماء هذا البئر؛ لأنه ممّا يتزايد تزايداً كثيراً، وليس كذلك بيع الجِزة من قُرطٍ، فإنه إذا ابتدرَ الجزَّ، لم يتزايد تزايداً محتفلاً به، والماء الجاري أولى بالفساد، فلا يصح إذا بيع الماء على الوجهين لعلّتين.
ولو قال: بعتك مائة مَن من ماء هذه البئر، فإن قلنا: إنه مملوك، ففي المسألة وجهان:
أحدهما: يصح.
والثاني: لا يصح. وهما مبنيان على ما إذا أراه نموذجاً من لبن الضرع، فينبغي أن يكون المقدار المذكور من ماء البئر، ومن لبن الضرع بحيث يعتقد قلةُ التزايد فيه، كما قدمناه في لبن الضرع.
قال الشيخ: لو باع مقداراً من ماء نهرٍ جارٍ، فهو ممنوع؛ فإنه غير واقفٍ ولا يستمكن من تنزيل العقد على معاين فيه تَسلُّم.
وكل ما ذكرناه فيه إذا باع الماء وحده.
3431- فأما إذا باع ماء البئر مع البئر، فنذكر التفصيل في البئر أولاً، ثم نذكره في النهر.
فإذا باع البئرَ، فلا يخلو إما أن يشترط معه الماءَ الذي فيه أو لا يشترط: فإن شرط معه الماء الذي فيه، فإن قلنا: إنه غير مملوك، فلا يصح البيع فيه.
وهل يصح في البئر؟ فهو على قولي تفريق الصفقة. وهو كما لو باع ظبية مملوكة، وأخرى في الصحراء لم يصطدها.
فأما إذا قلنا: الماء في البئر مملوك، فإذا باع البئر مع مائه الذي فيهِ، صح؛ فإنه مشاهد. وليس كما لو أفرد ماء البئر بالبيع؛ فإن الأصل في تلك الصورة مُبْقَى للبائع. وما نَبَع بعد تقدير البيع، فهو لمالكِ الأصل، فيؤدي إلى اختلاط المبيع، وأما هاهنا مَلَك المشتري المنابع، فلا أثر للازدياد، ولا يضر أن يختلط ملكُ المشتري بملكه. هذا إذا شرط مع البئر ماءها.
فأفا إذا باع البئر ولم يتعرض للماء الذي فيه، فإن قلنا: إن الماء ليس بمملوك، فقد ملك المشتري البئر، وصار أحق بالماء، كما كان البائع أحقَّ به.
وإن قلنا: إنه مملوك، فالبئر صارت مملوكة للمشتري، والأصح أنه لا يتبعها الماء؛ فإنه نماءٌ ظاهر، فأشبه الثمار الظاهرة المؤبرة لا تدخل في مطلق بيع الشجرة.
ومن أصحابنا من أتبع الماءَ البئرَ وجعله كالثمار التي لم تؤبَّر، ونزل الأمر في هذا على العرف. وهذا قدمته في أثناء مسائل البيع فيما أظنه.
فهذا في البئر.
3432- فأمّا في النهر، فإن باعه من غير تعرض للماء الذي فيه، فالبيع في النهر صحيح، والقول في إتباع الماء الموجود في النهر على ما تفضل. فأما إذا باع النهرَ مع الماء الجاري، فإن قلنا: إنه غير مملوك، فقد جمع بين مملوك وغيرِ مملوك مجهولٍ، لا سبيل إلى ضبطه. والأصح في مثل ذلك بطلان البيع في الجميع، ما قدمناه في تفريق الصفقة.
وإن قلنا: الماء مملوك وقد ذكره مع النهر، فهو مجهول لا يفرد بالبيع ضُمَّ إلى معلوم، فيخرج على التفريق.
ولو اجتمع في ملك الرجل شيء سوى الماء كالموميا والملح، وكان يتزايد تزايد الماء، فقد قال الشيخ: حكمه مع قراره حكم الماء في كل تفصيل، إلا أنا ذكرنا في صدر الفصل وجهاً بعيداً أن الماء لا يملك أصلاً، وذلك لا يجري هاهنا.
ولماء الأودية والقنوات وموارد البيع منها تفاصيل كثيرة في إحياء الموات، إن شاء الله تعالى.

.فصل في الإقالة:

3433- لا خلاف في جوازها، وارتداد عوضي العقد بها، وأنها تختص بالثمن الأول، ولا حاجة إلى ذكر الثمن والمثمن على التفصيل، بل الإطلاق ينصرف إليه، ولا تختص الإقالة بالمتعاقدين، بل لو ماتا، جرت الإقالة بين الورثة.
3434- ثم هي فسخ، أو ابتداء عقد؟ فعلى قولين:
أحدهما: أنها عقد، وهو المنصوص عليه في القديم، لتضمنها تمليكَ مال بمالٍ على التراضي، وصيغةِ الإيجاب والقبول.
والمنصوص عليه في الجديد أنها فسخٌ، لاختصاصها بالثمن الأول، ولأن الغرض منها رفع ما كان، ورد الأمر إلى ما كان عليه قبل العقد. ولفظ الإقالة مشعر بهذا.
ومنه إقالة العثرات.
ولم أر أحداً من الأصحاب يخرجُ الإقالةَ قبل قبض المبيع على أن الإقالة فسخ أو بيع. حتى إن قلنا: إنها فسخ، نفذت. وإن قلنا: إنها بيع خرجت على الخلاف في أن بيع المبيع من البائع قبل القبض هل يجوز.
وكذلك لم يردد أحد من أصحابنا القولَ في الإقالة في السلم، بل أطلقوا جوازها. وإن كان يمتنع بيع المسلم فيه قبل القبض.
وكان شيخي يقول: الإقالة بعد القبض على القولين، والإقالة قبل القبض تنفذ.
فإن جوزنا بيع المبيع من البائع قبل القبض، خرجت المسألة على قولين في أن الاقالة فسخ أو بيع، وإن قلنا: لا يصح بيع المبيع من البائع قبل القبض، فالإقالة نافذة، وهي فسخ قولاً واحداً.
وذكر شيخي في كتاب الخلع في أثناء كلامه فصلاً به تظهر حقيقةُ الإقالة، وهو أنه قال: اختلف أصحابنا في أن البيع هل يقبل الفسخ بالتراضي؟ فمنهم من قال بقطع القول بقبوله الفسخ بالتراضي. والقولان في لفظ الإقالة.
ومنهم من قال: كل ما فرض على التراخي سواء كان بلفظ الفسخ، أو بلفظ الإقالة، فهو خارج على القولين، ولا نظر إلى الألفاظ، فالفسخ لفظٌ ألفه الفقهاء، ومعناه ردَّ شيء واسترداد مقابله. فإن تعلّق متعلّق بلفظ الفسخ، فالإقالة من طريق اللسان صريحة في رفع ما تقدَّم، ورد الأمر إلى ما كان عليه قبل العقد.
فرجع حاصل القول إلى أن من أصحابنا من جعل الخلاف في تصور الفسخ بالتراضي من غير سبب يوجبه.
ثم هؤلاء يقولون: يتصور الفسخ بالتراضي قبل القبض؛ لأن العقد لم يُفض إلى نقل الضمان، فإذاً هو متصور قبل القبض. وفي تصويره بعد القبض الخلاف.
ومن أصحابنا من قطع بتصوّر الفسخ، ورد الخلاف إلى الإقالة ومعناها، ثم هؤلاء قالوا: هي محمولة قبل القبض على الفسخ، والخلافُ في عملها بعد القبض.
3435- ثم يتفرع على القولين في أن الإقالة فسخ أو عقدٌ أمور: منها- تجدد حق الشفعة للشفيع إذا كان قد عفا عنها في البيع: إن جعلناها فسخاً، لم يتجدد حق الشفعة بالإقالة. ضمان جعلناها عقداً، تجدد له حق الشفعة.
وإذا تلف المبيع في يد المشتري بعد الإقالة، فإن قلنا: هي عقد، انفسخت كما ينفسخ البيع بتلف المبيع قبل القبض، وعاد الأمر إلى ما كان عليه قبل الإقالة. وإن قلنا: هي فسخ، لم ترتفع الإقالة، وضمن المشتري قيمة التالفِ في يده.
ومما يتفرع على ذلك أنهما إذا تقايلا، فإن قلنا: الإقالة بيع؛ فلا يتصرف البائع في ملك العين مادامت في يد المشتري.
وإن قلنا: هي فسخ، نفذت تصرفاته كالمفسوخ بالعيب.
3436- وإذا تلف المبيع، ثم تقايلا، فإن جعلنا الإقالة عقداً، لم يصح؛ فإن البيع لا يرِدُ على تالفٍ. وإن جعلناه فسخاً، فوجهان:
أحدهما: أنه ينفذ كالفسخ بالتحالفِ.
والثاني: لا ينفذ؛ فإن الفسخ بالتحالف ليس مقصوداً في نفسه، وإذا أنشأ المتحالفان دعوتيهما، فليس غرضهما الفسخ. لكن كل واحدٍ يبغي أن ينكُل صاحبه ويحلف هو فإذا تحالفا، كان الفسخ ضروريّاً، والفسخُ بالإقالة معمودٌ مقصود، فلا ينفذ في التالف، كالفسخ بالعيب بتقدير ردَّ قيمة المعيب التالف واسترداد عوضه. فإذا اشترى عبدين، فتلف أحدهما، فأراد الإقالة في الآخر، إن جوزنا الإقالة، والمبيع تالفٌ بجملته. فهذا أولى بالجواز، فإن منعنا الإقالة عند تلف المبيع، وهو واحد، فهاهنا وجهان؛ إذ القائم يلاقيه الإقالة، ثم يستتبع التالفَ.
3437- ولو اشترى عبدين فتقايلا في أحدهما مع بقاء العبدين. فإن قلنا: الإقالة بيع، لم تصح الإقالة؛ فإنها لو صحت، لقابل العبدَ قسط من الثمن يبيّنه التقسيط.
وهذا مجهول. فلا يصح تقدير العقد، مع جهالة العوض.
وإن قلنا: الإقالة فسخ، جاز ذلك. ولو كان مكان العبدين قفيزان من الحنطة، فخُصت الإقالة بأحدهما، جاز على القولين. أما قول الفسخ، فلا يخفى. وأمّا قول العقد، فلا جهالة. والثمن يتقسط بالأجزاء.
ولو اشترى عبداً وتقايلا على نصفه، فالإقالة صحيحة على القولين؛ إذ لا جهالة. والفسخ لا شك في نفوذه على قول الفسخ.
فإن قيل: هلا خرّجتم على تفريق الصفقة؛ قلنا: سبب منع التفريق على قولٍ في هذا المقام تنزيلُ العقد على جملةٍ مع تخلفه عن بعضها، فتارة يقول: ارتفع العقد، وتارة يقول: يتخير من تبعض الأمر عليه. وأما الإقالة فَصَدَرُها عن التراضي. والحق لا يعد وهماً. وإنما يمتنع رد أحد العبدين على أحد القولين قهراً. فلو فرض التراضي به، كان إقالة مسوغة. ومن جوز فسخاًً بعد لزوم العقد بلا سبب التراضي، لم يغادر متعلقاً في التبعيض.
وذكر بعض المصنفين أنهما إذا تقايلا على أحد العبدين، وجعلنا الإقالة فسخاً، نفذت. وهل ينفسخ العقد في العبد الآخر؟ فعلى قولي تفريق الصفقة. وهذا خبال.
والأصل اتباع الرضا في الفسخ والإبقاء. ولو سلكنا هذا المسلك، لخرَّجنا قولاً في منع الإقالة في أحد العبدين. فإذا اجتمع الأصحابُ على خلافه، بطل هذا المسلك، وانتسب صاحبه إلى عدم الإحاطة بحقيقة الإقالة.
3438- ومما يتفرع على ذلك أنا إذا جعلنا الإقالة عقداً، فلو قالا: تفاسخنا، اختلف أصحابنا في المسألة: فمنهم من قال: هو عقد؛ تعويلاً على اشتراط التراضي، ومنهم من قال: هو فسخ. وهذا يستند إلى ما ذكرته من حقيقة الإقالة في صدر الفصل.
وقد نجز الغرض من الإقالة وتفريعها، وانتهت مسائل الأصول من كتاب البيع. ونحن نذكر فروعاً انسلت عن ضبطنا، فليلحقها الناظر بأصولها، وليرتبها على قواعدها.
فرع:
3439- إذا اشترى الرجل جارية ثم تبين أنها أخته من رضاع أو نسب، فلا خيار للمشتري. وإذا اشترى جارية فإذا هي معتدة من وطء شبهةٍ، فله الخيار.
أمّا نفي الخيار إذا بانت أخته، فسببه أن الأخوّة لم تقدح في المالية. وهي مقصود البيع، ولا التفات إلى ما يتخلف من الأعراض بعد وفور المالية.
ولو اشترى رجل جارية وسعى في تحريمها على البائع بسبب طارىء في يده، ثم اطلع على عيب قديم بها، ردّها، ولم يكن للبائع أن يقول: بعتُها وهي محلٌّ لحلي، ورددتَها وهي محرّمة، فلا أقبلها؛ فإن التحريم والتحليل لا تعويل عليهما في عقد البيع.
وأمّا ما ذكرناه في المعتدة، فالسبب فيه أنها محرمة على الناس كافة، وهذا يرِّغب الطالبين عنها، وما كان كذلك أثر في المالية. وهو بمثابة ما لو اشترى داراً، ثم تبين أنها مستأجرة، والتفريع على صحة البيع يثبت الخيار.
وعلى هذا القياس لو اشترى جارية وقبضها، فوطئها واطىء بالشبهةِ، ثم اطلع على عيبٍ قديمٍ، كانت العدة بمثابة عيبٍ حادث طرأ في يد المشتري. وقد سبق التفصيل فيه. ثم ذكرنا في مسائلِ العيوب أن العيب الحادث إذا زال وقد كان تعذر الردُّ بسببه، فهل يملك المشتري الردَّ؟ فيه خلاف وتفصيل. والعدة وإن كانت في حكم عيب، فهي مرجوة الزوال.
فلو قال المشتري: أصبر حتى تنقضي العدة ثم أرد. فقال البائع: ضُمّ الأرشَ أو اقبل العيب القديم، وإلا فتأخيرك يبطل حقك من الرد، فكيف الحكم فيه؛ فعلى وجهين:
أحدهما: أنه يملك التأخير؛ فإن العُذر لائح، ورجاء زوال العيب ظاهِر، وإنما يبطل حق الرد بالتأخير إذا لم يكن عذرٌ.
ومن أصحابنا من قال: إذا أخر يبطل حقه؛ فإنه يجد سبيلاً إلى التخلّص من الظلامة دون الرد، فليرض به.
فرع:
3440- إذا اشترى عبداً معيباً وقبضه، ثم جاء بعبد وقال: هذا العبد المبيع، وهو معيب، وهو الذي قبضتُه. وقال البائع: ليس هذا الذي قبضتَه مني واشتريتَه، وإنما هو عبد آخر، ولا بينة. قال الأصحاب: القول قول البائع مع يمينه؛ فإنه يستبقي العقدَ، والأصل بقاؤه. ولهذا صدقناه إذا ادعى حدوثَ العيب، وأنكر قدمه. فأما إذا أسلم في عبدٍ أو غيره من الموصوفات، وقبض ثم جاء وقال: هذا الذي قبضتُه ليس على الوصف الذي طلبتُه وذكرته في السَّلم، فقال المسلم إليه:
ليس هذا ذاك الذي قبضتَه مني، فالقول قول من؛ فعلى وجهين:
أحدهما: القولُ قولُ المسلَم إليه؛ فإنه قد سبق قبض وفاقاً، والمسلِم يدَّعي بعد ذلك مرجعاً.
والوجه الثاني أن القول قول المسلِم؛ فإنهما اتفقا على اشتغال ذمة المسْلم إليه، والمسلَم إليه يدعي براءة ذمته، والأصل اشتغالها. وليس كذلك العبد المعيّن؛ فإنهما اتفقا على أن المشتري قبض ما اشتراه، ثم اختلفا في أن العقد هل يفسخ بعد ذلك أم لا. والأصل بقاء العقد.
وما ذكرناه من الوجهين في المسلم إليه يجريان في الثمن الواقع في الذمة.
وذكر ابن سريج في كل عوضٍ ثابت في الذمة ثمناً كان أو مثمناً ما ذكرناه من الوجهين في الحُكم الذي أردناه، وزاد وجهاً ثالثاً ذكره في الثمن. وهو أنه قال: لو قال البائع: الدراهم التي سلمتها أيّها المشتري مبهرجةٌ زيوفٌ، وليست وَرِقاً، فالقول قوله؛ فانه ينكر أصلَ القبض. وإن قال: هي معيبةٌ، فالقول قول المشتري حينئذٍ؛ فإن أصل القبض ثابت؛ بدليل أنه لو رضي القابض به لعد ثمناً، وجرى عوضاً.
فرع:
3441- إذا أوصى إلى رجل أن يبيع عبداً معيباً من تركته، ويشتري بثمنه جاريةً، ويعتقها عنه، فباع الوصي العبد بألف، واشترى بالألف جارية، وأعتقها عن الموصي، ثم وجد مشتري العبد به عيباً ورده، فللوصي أن يبيع ذلك العبد المردود ويؤدي من ثمنه الألفَ الذي كان ثمناً، فإن وفَّى ثمنُ العبد لمَّا باعه بعد الرد، فلا كلام. وإن كان ثمنه تسع مائة، لمكان العيب الذي بدا، فذلك النقصان لابد من جبره لرد جملة الثمن على المشتري. فذلك النقصان على من؟ اختلف أصحابنا في المسألة: فمنهم من قال: هو على الوصي؛ فإنَّ الموصي إنما أمره أن يشتري بثمنه جارية، وقد بان أخيراً أن ثمنه تسع مائة؛ فكان من حقه ألا يشتري الجارية إلا بهذا المبلغ؛ فهو بترك البحث مفرّط. ثم هو ضامن بسبب تفريطه.
ومن أصحابنا من قال: لا ضمان على الوصي في تلك الزيادة، ولكنها في ذمة الميت الموصي تؤدَّى من تركته؛ وذلك أن الوصيّ بالحاكم والعدل في الرهن أشبه. وقد قال الشافعي: إذا باع الحاكم شيئاً، فلزمت فيه عُهدة، فلا تتعلق الغرامة بالحاكم، وكذلك من عُدّل الرهن على يده.
ولو باع الوصيُّ العبدَ المردودَ عليه، فزاد ثمنُه على الألف، فقد بان لنا فيه أنه فرط في بيعه لما باعه بالألف وكانت قيمته ألفان. والمسألة فيه إذا لم تكن الزيادة عن ارتفاع سِعرٍ، ولا عن قبول زبون، فقد جرى بيعه بغبن وكان باطلاً، ولا حاجة إلى الرد.
وشراءُ الجاريةِ إن كان واقعاً في الذمة، فينصرف إليه، والعتق واقعٌ عنه، وعليه الآن بتمام ثمن العبد جارية، فيعتقها عن الموصي. وإن كان قد اشترى الجارية بعين ما قبضه في ثمن العبدِ، فلا يصح العقد؛ فإن المشار إليه كان مستحقاً ولم ينفذ العتق.
ومما يليق ببقية المسألة أنا قطعنا القول بأن الوصي إذا رُدَّ العبدُ عليه، فله بيعه، لم يحك الشيخُ فيه خلافاً.
3442- فإن قيل: لو باع الوكيل عبداً فرُدَّ عليه بالعيبِ، فهل له أن يبيعه مرة أخرى؟ قلنا: اختلف أصحابنا في المسألة: فذهب بعضهم إلى أنه يبيعه؛ فإن الموكل قد أذن له في بيعٍ يلزم وينفذ، فإذا نُقض عليه، فله البيع ثانياً والمذهب الصحيح الذي اختاره القفال أنه لا يصح منه البيع ثانياً؛ لأن المبيع رجع إلى ملك الموكَل رجوعاً جديداً، فلا يستفيد الوكيل التصرف في هذا الملك الجديد.
ولو أذن للوكيل في بيع عبده بشرط الخيار للمشتري، فباعه وشرط الخيارَ، ففسخ المشتري البيع، فهل يجوز للوكيل أن يبيعه ثانياً؛ فعلى وجهين مشهورين قرَّبهما القفال من القولين في أن البيع بشرط الخيار هل يوجب نقلَ الملك. فإن قلنا: انتقل الملك إلى المشتري، فالأشبه أن لا يبيع الوكيل مرة أخرى. وإن قلنا: الملك للموكل، فيجوز أن يبيعه الوكيل ثانياً؛ فإن هذا ذلك الملك بعينه، فلا يبعد أن يدوم الإذن إلى أن يتفق نقل الملك. والمسألة محتملة على القولينِ.
فرع:
3443- إذا اشترى الرجل عبداً، ثم بان له أنه ابنه، صح العقد، ونفذ العتقُ، ولا مردّ له.
وإذا عسر ردُّ العتق، فلو اطلع على عيب قديم به رجع بالأرش.
ولو قال ولا عيب به للبائع: أغرمك شيئاً إذْ خسَّرتني، لم يغرمه؛ فإن العبد لا نقصان به.
فرع:
3444- إذا باع سمسماً على أن يكون الدهن مبيعاً والكسب للبائع، أو باع قطناً على أن الحليج هو المبيع والحب للبائع، فالبيع باطل؛ فإن المبيع ليس متعيناً على التحقيق ولا جزءاً شائعاً.
فرع:
3445- إذا قال: بعتك هذا على أن لا ثمن لي عليك، فقال: اشتريتُ وقبضه، فالذي قطع به الأئمة فسادُ البيع. ثم قالوا: لو تلف المقبوض في يد المشتري، ففي وجوب الضمان وجهان:
أحدهما: الوجوب؛ لأنه مقبوض على حكم بيع فاسد.
والثاني: لا يجب الضمان؛ لأن البائع رضي بحطِّه، وبنى الأمر عليه، فصار القبض قبض وديعة.
وذكر القاضي قولين في أن ما جرى هل يكون هبة صحيحة مملكة:
أحدهما: أنه هبة؛ نظراً إلى القصد، ولا اعتبار بالخطأ في اللفظ.
والثاني: أن هذا ليس بهبة؛ فإن البيع ينافي في وضعه معنى الهبة، و العقود لا تنعقد بالمقاصد، وإنما تنعقد بالألفاظ.
ولو قال: بعتك هذا، ولم يتعرض لنفي الثمن وإثباتِه، فقال المخاطب: قبلتُه، فلا يكون هذا تمليكاً وفاقاً. والأصح أن القبض المترتب عليهِ قبض ضمان؛ فإنه ليس مشتملاً على نفي الضمان.
ومن أصحابنا من خرّج الضمان في هذه الصورة على الخلاف المقدم، وسنذكر أمثلة لهذا في كتابِ الخلع، إن شاء الله عز وجل.