فصل: فصل: في ميراث البنين والبنات إذا تبعضت الحرية فيهما:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: نهاية المطلب في دراية المذهب



.باب: ميراث المرتد:

6345- لم يختلفوا في أن المرتد لا يرثُ المسلمَ، والخلافُ في أن المسلمَ هل يرثُه؟ فمذهب الشافعي أن المسلمَ لا يرثه، ولا فرق بين ما اكتسبه في الإسلام، وبين ما اكتسبه في الردة.
وقال أبو حنيفة: يرثه المسلم ما اكتسبه في الإسلام، ولا يرثه ما اكتسبه في الردة، وعبر عما اكتسبه في الإسلام بالتليد، وعما اكتسبه في الردة بالطريف.
وفي العلماء من قال: يرثه التليدَ والطريفَ جميعاً.
والكفار عندنا يتوارثون، وإن اختلفت مللهم، واختلف قول الشافعي في أن الذمي هل يرث الحربيَّ؟ والحربيُّ هل يرث الذميّ؟ فأحد القولين- أنهما يتوارثان؛ لأن الكفر يجمعهما، والثاني: لا يتوارثان لانقطاع الموالاة بينهما.
والمرتد لا يرث مرتداً عندنا، كما لا يرث مسلماً.
والأصل المعتبر أن المرتد فيه عُلقةُ الإسلام، والأمر مغلّظٌ فيه. فإذا طالب المرتد ميراث مرتدٍ، قلنا: لا نورثك منه، كما لا نورثك من مسلم. وهذا كما أن المرتد لا ينكح مرتدة ابتداءً، وإن كانا متساويين في الردة. وسيأتي في كتاب المرتد قولٌ: إن ولد المرتد من المرتدة مرتدٌّ، فكان لا يبعد على هذا أن نورث المرتدَّ من المرتد.
والقول الظاهر أن ولد المرتد من المرتدة مسلم، فعلى هذا يتجه قطعُ ميراث المرتد عن المرتد.
وسنذكر في كتاب الجراح قولاً أنّ المرتد يستوجب القصاص بقتل المرتد، وهذا يتضمن الحُكم بتساويهما. ولا يدفع ما ذكرناه من الاحتمال قولُ القائل: مال المرتد مستحَقٌّ بجهة الفيء، فإن ذاك الاستحقاق إنما يسلّم إذا لم توجد جهةٌ خاصة في الوراثة.
نعم، إن قلنا: ملكُ المرتد يزول بالردّة إلى أهل الفيء، وإذا مات مرتداً نتبيّن أن ملكه زال إلى أهل الفيء من وقت ردّته، فلا وجه للتوريث منه؛ فإن ملكه زال قبل الموت تحقُّقاً، وتبيُّناً فأمّا إذا قلنا: يزول ملكه بالموت، ففيه التردد الذي ذكرته.
والذي رأيته للأصحاب أن المرتدَّيْن لا يتوارثان.
6346- ثم أجرى الشافعي في الاحتجاج على أبي حنيفة كلاماً، وقال: المرتد لا يرث المسلم، فلا يرثه المسلم. وهذا قد يرد عليه في القرابات مسائلُ، منها: ابن الأخ مع العمة، فإنه يرثها، ولا ترثه، ولكن إذا قُرّر طريانُ الردة، واعتراضُه وأبينَ أن اختلاف المسلم والمرتد في الدّين الحق والباطل أمرٌ شملهما على قضيةٍ واحدة، فإذا تضمن قطعَ الميراث من جانب، وجب أن يتضمن قطعَه من الجانب الثاني، فهذا يتقرّر. ويخرّجُ عليه. انقطاعُ ميراث المبتوتة في مرض الموت؛ فإن الزوج لا يرثها لو ماتت، فلا ترثه؛ فإن البينونة شملتهما.
6347- ولما أشار الشافعي إلى هذا الكلام ولم يحرره، تعلق المزني به فيمن بعضه حرّ وبعضه عبد، ومذهبه أنه يرث ويورث، والكلام في توريثه والتوريث منه عند الفرضيين قطبٌ من أقطاب هذا العلم. فلو أردت الاقتصارَ على مذهب الشافعي، لاكتفيت بما تقدَّم، فإني أوضحت من أصله أنه لا يرث، وهل يورث؟ فعلى قولين. ثم فرعت على القولين بما فيه بيان كافٍ، ولكن لستُ أوثر أن أخلي هذا المجموع عن ذكر هذا الأصل على مذهب الغير، مع أنه من الأركان، ونحن نعقد في ذلك باباً نوضح فيه مذهبَ من يقول بتوريث من بعضه حر وبعضه عبد، ونجعل مضمون الباب في فصول تحوي الغرض، ونطرح المكررات وتكثيرَ المسائل.
القول فيمن بعضه حر وبعضه مملوك
6348- وهذا موضوعٌ على من يسلِّم تبعُّضَ الرق والحرية؛ فإن في العلماء من يكمل الحرية في كل صورة، فإذا صورنا شخصاً بعضه رقيق، وبعضه حر، فمذهب زيد: أنه لا يرث ولا يورث. وافقه الشافعي في أنه لا يرث، وردَّد قوله في أنه هل يورث كما تقدم شرحه.
وقال عليٌّ بن أبى طالب: إنه يرث ويورث، وبه قال الشعبي، وعطاء والمزني، وأبو ثور.
واختلفت الرواية عن ابن مسعود، فروي عنه مثلُ قول علي، وروي عنه مثل قول زيد.
وغرضنا الآن تفريع مذهب علي في توريثه. وقد اختلف العلماء في قياس مذهبه، ونحن نذكر أصناف الورثة في فصولٍ، ونذكر الطرق في كل فصلٍ، إن شاء الله عزوجل.

.فصل: في ميراث البنات اللائي بعضهن حر:

6349- إذا مات الرجل، وخلّف بنتاً نصفُها حر، أو ثلثها، أو ربعها، فلا اضطراب، ولا إشكال في مذهب علي إذا كانت البنت واحدة، فنقول: لو كانت حرة كاملة، لأخذت نصفَ المال، فإذا كان نصفها حراً، تأخذ نصف النصف، وإن كان ربعها حراً، فلها ربع النصف، وكذلك القول في جميع الأجزاء.
فإن ترك بنتين نصفُ كل واحدةٍ منهما حر، فقد اختلف الفرضيون في قياس قول علي، فقال أبو يوسف، ومحمد، واللؤلؤي، وابن أبي ليلى، ويحيى ابن آدم: قياس قوله: أن يجمع ما فيهما من الحرية، فتكون حريةَ بنت كاملة الحرية، فنقول: لهما بذلك النصف، وهو بينهما، لكل واحدة منهما الربع.
وهذه الطريقة ليست مرضية عند الفرضيين.
وقال سفيان الثوري: قياس قوله أن يقسم المال بينهما وبين العصبة، على تقدير كمال الحرية، فتصيب كلُّ واحدةٍ منهما ثلثَ المال لو كانتا حرتين، فنقول بعد هذا التقدير: لكل واحدة من الثلث بقدر حريتها، وهو نصف الثلث، فلكل واحدة السدس إذاً، والباقي مصروف إلى العصبات.
وعبّر البصريون عن هذا المذهب بعينه بعبارة أخرى، تؤدي إليه، فقالوا: ننظر إلى جزء الحرية، ونأخذ مثلَ ذلك الجزء من المال، فيقسم بينهما وبين العصبة على ثلاثة: الثلثان لهما، والباقي من النصف مع النصف الآخر للعصبة، وجزء الحرية النصف، فينقسم على النسبة التي ذكرناها: النصفُ، ثم يضم الفاضل من النصف إلى النصف الباقي، ونسلمه إلى العصبة.
وهذا وإن كان غيرَ مذهب سفيان، فهذا يؤدي إليه بالحساب، ومذهب سفيان مشتمل على الفتوى. وطريقة سفيان عند الفرضيين مرضية، وسنبيّن أثرَهَا.
6350- صورة أخرى:
أربع بنات نصف كل واحدة حر
فعلى طريقة أبي يوسف، ومحمد، ومن تبعهما: نجمع أجزاء الحرية فتكون حرية بنتين كاملتين، فلهن الثلثان، والباقي للعصبة.
وهذا فيه خبطٌ؛ من جهة أنهن لو كن حرائر، لما ورثن أكثر من الثلثين، فإذاً الرق لم ينقصهن شيئاً، وقد يتجه لهم أن يقولوا: الثلثان يكملان لبنتين حرتين، ثم لا يزيد بزيادتهن، فلو كن أربع حرائر، فلا حاجة إلى عدّتهن لاستحقاق الثلثين.
وأما على طريقة سفيان، فنقول: لو كن حرائر، لكان لهن الثلثان، لكل واحدة منهن السدس. فنقول: لكل واحدة السدس لو كانت حرة، فإذا كان النصف منهما رقيقاً، نقصها الرقُّ نصفَ ما كانت تستحق لو كانت حرة، فلهن إذاً ثلثُ المال، لكل واحدةٍ منهن نصفُ السدس، والباقي للعصبة.
وعبر البصريون فقالوا: جزء الحرية نصفٌ، فنقسم النصف بينهن وبين العصبة، ثلثين وثلثاً، فلهن ثلثا النصف، وهو ثلث المال، وباقي النصف مع النصف الآخر مصروفٌ إلى العصبات.
6351- صورة أخرى:
ثلاث بناتٍ ثلثُ كل واحدة حرّ.
فعلى طريق أبي يوسف ومحمد: نجمع الحريةَ فتكون حريةً كاملة، لهن بذلك النصف، لكل واحدة ثلث النصف.
وعلى طريقة سفيان لو كن حرائر، لكان لهن الثلثان، وإذا قسمنا على ثلاثة، تقع القسمة بالأتْساع لكل واحدة منهن تسعان لو كانت حرة، فلكل واحدة منهن ثلث التسعَين، والباقي للعصبة.
والبصريون يقولون: جزء الحرية ثلث، فنأخذ ثلث المال ونقسمه بينهن وبين العصبة على تسعة، لهن ثلثاها، وهو ستة أسهم، والباقي من الثلث مع ثلثي المال للعصبة. وهذا مذهب سفيان.
6352- صورة أخرى
بنتان نصف إحداهما، وثلث الأخرى حر.
فعلى طريقة أبي يوسف، ومحمد: نجمع حريتَهما فتبلغ خمسة أسداس حرية، لهما بذلك خمسة أسداس النصف، يقسمانها على نسبة الحريتين.
6353- وعلى طريقة سفيان دقيقةٌ لابد من التنبه لها، وهي حسنةٌ مستقيمة.
فإن استويا في ثلث الحرية، فلكل منهما من هذا الحساب ثلث الثلث، وهو التّسع. ثم التي نصفها حر لها زيادة حرّية وراء الثلث، وهو السدس، فلها سدس النصف.
والذي يجب مراعاته في ذلك أنا لا ننسبها في حصة هذه الزيادة إلى صاحبتها؛ إذْ لَوْ نسبناها إلى صاحبتها، لقلنا: للتي نصفها حر في أصل الوضع نصف الثلث، ولا سبيل إلى ذلك؛ فإن التثنية تتحقق في الجزء الذي استويا فيه، ففي ذلك يعتبر حساب التثنية، فإذا انفردت بجزء اعتبر في ذلك الجزء حسابُ الانفراد، وهو النصف، فيجتمع لها من حساب التثنية والانفراد ما ذكرنا.
وعبّر البصريون فقالوا: نقسم ثلثَ المال بينهما، وبين العصبة على ثلاثة، لاستوائهما في ثلث الحرية، فيكون لكل واحدةٍ منهما ثلث الثلث، وهو التسع، ثم نأخذ سدس المال لأجل السدس الزائد في حرية إحداهما فيقسم بين التي نصفها حر وبين العصبة نصفين؛ فيحصل لها نصف سدس المال ضماً إلى التسع، وهو سدس النصف.
6354- صورة أخرى:
بنت نصفها حر، وأخرى ثلثها حر، وثالثة ربعها حر.
فعلى قول أبي يوسف، ومحمد: نجمع أجزاء الحرية فتكون حرية ونصف سدس حرية، فلهن بالحرية الكاملة نصف المال، وبنصف السدس الزائد نصف سدس السدس؛ فإن هذا يعتبر من حساب العدد، فيجمع ذلك إلى النصف، فيكون سبعة وثلاثين جزءاً من اثنين وسبعين جزءاً من المال، وهذا يقسم على ثلاثةَ عشرَ للتي نصفها حر ستة، وللتي ثلثها حر أربعة، وللتي ربعها حرّ ثلاثة، والباقي للعصبة.
وعلى طريقة سفيان قد استوين في ربع الحريّة، فلكل واحدة منهنّ ربع التسعَيْن، ثم نُخرج التي ربعها حر، فلا حساب معها.
ثم التي ثلثها حر والتي نصفها حر اشتراك في نصف سدس، فلكل واحدة منهما نصف سدس الثلث، وحسابهما من اثنين، فنخرج التي ثلثها حر، ثم يكون للتي نصفها حرّ سدس النصف، وما بقي للعصبة.
قال البصريون: يؤخذ ربع المال، فيقسم بينهن وبين العصبة على تسعة، لهن ستة، ثم يؤخذ نصف سدس المال، فيقسم بين التي نصفها حر، وبين التي ثلثها حر، وبين العصبة على ثلاثة: لهما سهمان منها، ثم يؤخذ سدسُ المال، فيقسم بين التي نصفها حر وبين العصبة نصفين.

.فصل: في ميراث البنين:

6355- اثنان نصف كل واحد منهما حُرّ، فعلى قياس أبي يوسف ومحمد: المال بينهما نصفين؛ لأنه قد اجتمع فيهما حريةُ ابنٍ كامل، ويلزم على طريقتهم ألا يكون للرق أثر، وجوابه ما ذكرناه في الباب الأول.
وعلى طريقة سفيان نقدِّر قسمةَ المال بينهما نصفين، ثم نسترد من كل واحدٍ منهما نصفَ حصته، ونسلّمُهُ إلى العصبة.
صورةٌ أخرى:
ابنان ثلث كل واحدٍ منهما حرّ
على قياس من جَمَعَ الحريةَ: لكل واحدٍ منهما ثلث المال.
وعلى قياس سفيان لكل واحد منهما ثلث النصف.
وعبارة البصريين تؤدي أبداً إلى مذهب سفيان.
صورة أخرى:
ثلاثة بنين نصفُ كلِّ واحدٍ منهم حُرّ
فعلى رواية من جمع الحرية: المال بينهم أثلاثاً.
وعلى رواية سفيان: لكل واحد منهم نصف الثلث، وهو السدس. وعلى هذا البابُ وقياسُه.
صورة أخرى:
ثلاثة بنين: نصف أحدهم، وثلث الثاني، وربع الثالث حرّ
فعلى قياس أبي يوسف ومحمد: لهم جميع المال، على ثلاثة عشر سهماً، لصاحب النصف ستة، ولصاحب الثلث أربعة ولصاحب الربع ثلاثة.
وعلى رواية سفيان: نقسم المال بينهم بالسويّة، فيصيب كل واحد منهم الثلث، فيأخذ كلُّ واحد منهم ربعَ الثلث، فإنهم اشتركوا في حرية الربع، وربع الثلث نصف سدس المال، ونخرج الذي ربعه حر، ثم نقسم المال بين الباقيين نصفين: فيأخذ كل واحد منهما نصف سدس النصف، وهو ربع السدس، ونخرج صاحب الثلث. ثم يأخذ صاحب النصف سدس المال، فيحصل لصاحب الربع نصف سدس المال، ولصاحب الثلث ثمن المال، ولصاحب النصف سدس المال، وثمنه. والباقي للعصبة.
وعلى عبارة البصريين: نقسم ربع المال بينهم أثلاثاً، ثم نقسم نصف سدس المال بين الآخرين نصفين، ثم يكون لصاحب النصف سدس المال.

.فصل: في ميراث البنين والبنات إذا تبعضت الحرية فيهما:

6356- فنقول:
ابن وبنت، نصف كل واحد منهما حر
على رواية أبي يوسف ومحمد: نضم نصفَ حرية البنت إلى حرية الابن، وإنما يفعلون ذلك، لأن بنتين بابن، فنجعل ثلاثة أرباع حرية، فلهم بذلك ثلاثة أرباع المال، يقسم بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين.
6357- وانفرد عنهما يحى بن آدم في هذا الباب بمذهبٍ آخر، فقال: معنا نصف حرية ابن، ونصف حرية بنت، وحرية الابن لو كانت كاملةً مع رق البنت، لتعلق بها استحقاق جميع المال، ومع حريتها يتعلق بها استحقاق ثلثي المال، فحرية البنت تحجبه عن ثلث المال، فنصف حريتها يحجبه عن نصف الثلث، وهو السدس، فللابن على هذا التقدير خمسة أسداس المال لو كان حراً كاملاً، والبنت نصفها حر.
فإذا كان نصف الابن حراً، فله نصف ذلك وهو ربعٌ وسدسٌ.
ثم قال: البنت تستحق بحريتها الكاملة مع كمال رق الابن نصفَ المال، وتستحق مع حريته ثلثَ المال، فحرية الابن تحجبها عن سدس المال، فنصف حريته يَحجبها عن نصف السدس، فيبقى لها ثلث، ونصف سدس، لو كانت حرة، والابن مبعَّضاً. فإذا كان نصفها حراً، كان لها نصف ذلك، وهو سدس، وربع سدس.
6358- وحكى عنه الفرضيون عبارةً أخرى تؤدي إلى هذا المذهب، وهي أنه قال: نقسم حرية الابن على حرية البنت ورقها، فما أصاب رقُّها من حريته، ورث به من جميع المال بقسطه، وما أصاب حريتُها من حريته ورث به بقسطه من ثلثي المال؛ لأنه يرث مع رقها جميع المال، ومع حريتها ثلثي المال.
فإذا قسمنا على هذا الاعتبار حريةَ الابن على رق البنت وحريتها، أصاب حريةُ البنت ربع حرية الابن، فله بذلك ربع الثلثين وهو السدس. وأصابَ رقُّ البنت ربعَ حرية الابن، فله بذلك ربعُ جميع المال، فيحصل له ربع وسدس.
وكذلك البنت ترث مع حرية الابن ثلثَ المال، ومع رقِّه نصفَ المال، فنقسم حريتها على حرّية الابن ورقِّه، فتصيب حريتُه ربعَ حريتها، لها بذلك ربع الثلث، ونصفُ رقه ربعُ حريتها، لها بذلك ربعُ النصف، وجملتها: سدس وربع سدس، وهو ربع النصف، وربع الثلث، وربع النصف ثُمُن الكل، فيخرج ذلك من أربعة وعشرين، فثمنه ثلاثة، ونصف سدسه اثنان: الجملة خمسة، والخمسة سدس، وهو أربعة، وربع سدس، وهو واحد. فقد أدّت هذه العبارة إلى ما أدى إليه الاعتبار الأول.
واستحسن الحُسَّاب هذه العبارة الثانية من يحيى.
6359- فأما سفيان؛ فإنه يقسّم المال بينهما للذكر مثل حظ الأنثيين: للابن الثلثان، وللبنت الثلث، ثم نقول يأخذ كل واحد منهما نصفَ ما أصابه، فيكون ثلث المال للابن، والسدس للبنت والباقي للعصبة.
وعلى عبارة البصريين يقسم نصف المال بينهما للذكر مثل حظ الأنثيين، فيؤدّي إلى مذهب سفيان.

.فصل: في ميراث البنات وبنات الابن اللائي بعضهن حُرُّ:

6360- هذا الفصل تقطعت فيه مذاهب العلماء كما نصفه في المثال:
بنت وبنت ابن نصف كل واحدة منهما حُرّ
قال أبو يوسف: يدفع إلى البنت الربع، ويقال لبنت الابن: لو كانت بنت الصلب مملوكة، وأنت حرة، لكان لك النصف، ولو كنتما حرتين، لكان لك السدس، فحريتها تحجبك عن الثلث، فنصف حريتها يحجبك عن نصف الثلث، فيحصل لك الثلث: السدس باعتبار كمال حرية البنت، والسدس الآخر باعتبار حرية نصفها. ثم أنت في نفسك مبعَّضة: نصفك حُر، ونصفك رقيق، فلك مما تجمع نصفه، وهو السدس. فيخرج من هذا الاعتبار أن للبنت الربع، ولبنت الابن السدس، لأن البنت أخذت بحساب انفرادها؛ فإن للبنت الواحدة النصف، سواء كان معها بنت الابن، أو لم يكن. وبنت الابن أخذت بحسابين أحدهما بحساب الانفراد، ولها فيه النصف، والآخر بحساب الاجتماع مع بنت الصلب، فخرج من الاعتبارين السدس.
6361- وقال محمد بن الحسن في قياسه: تضافُ حرية بنت الابن إلى حرية بنت الصلب، فيحصل في المسألة بنتٌ كاملة، فيكون لهما النصف بينهما بالسوية، لكل واحدة منهما الربع، فأدى اعتباره إلى التسوية بين بنت الصلب، وبنت الابن، والسبب فيه أن بنت الابن تقول لبنت الصلب: ليس لك إلا الربع، فخذي ربعَك، واتركيني مع العصبة، ولي لو انفردت مع العصبة النصف، كما لك لو انفردت النصف. فآخذ بعد نصيبك بحساب الانفراد.
وإذا قيل لمحمّد بن الحسن: قد أبطلت أثر حجب بنت الصلب لبنت الابن قال: لو كانتا حرتين، لقيل: الثلثان بينهما لبنت الصلب النصف منها، فكانت بنت الابن مزحومة في بعض نصيبها لو انفردت ببنت الصلب، والآن هي تقول: ليس لكِ لو انفردت إلا الربع، وقد أخذتِ الربعَ، فلا زحمة بيني وبينك، فآخذ بحساب الانفراد كما أخذتِ.
فهذا مذهب محمد.
وذكر بعض الكوفيين أن قياس محمد أن نأخذ النصف ونقسمه بين البنت وبنت الابن على أربعة: ثلاثة أرباعها لبنت الصلب، وربعها لبنت الابن على نسبه قسمة الثلثين بينهما لو كانتا حرتين.
6362- وأما يحيى بن آدم، فإنه وقع في مذهب أبي يوسف، فإن ما ذكرناه من اعتبار أبي يوسف، هو بعينه اعتبارُ يحيى في الفصل الذي قبل هذا، وهو النوع الذي سمّاه الفرضيون المخاطبةَ والدعوى.
6363- وأما سفيان، فإنه يقسم المال بينهما وبين العصبة على تقدير كمال الحرية، فللبنت النصف، ولبنت الابن السُّدُسُ، ثم تردُّ كلُّ واحدة نصفَ حصتها لو كانت حرة: فلبنت الصلب الربع، ولبنت الابن نصفُ السدس.
وإذا ضمت حصتها إلى حصة البنت، فالحصتان ثلث المال، وهو مقسوم بين البنت وبنت الابن على نسبة الأرباع: سدس ونصف سُدسٍ، لبنت الصلب وهو ربع. ونصف سدس لبنت الابن.
فهذا بيان المذاهب في هذا الصنف، والمثال الذي ذكرناه كافٍ في غيره من الأمثلة.

.فصل: في ميراث البنين وبني البنين مع تبعّض الرق والحرية:

6364- وخاصّية هذا الفصل أن الابن لو كان حراً، حجب ابنَ الابن حَجْب حرمان، لا حجبَ نقصان، فإذا تبعَّضت الحريةُ والرق، فنذكر مثالاً، فنقول:
ابنٌ نصفه حر، وابن ابن ثلثاهُ حر
قال أبو يوسف: نبدأ بالابن الأعلى، فندفع إليه ما يستحقه لو انفرد، فإن ابن الابن لا يُزاحمه، فنسلِّم له نصفَ المال، ونقول: لابن الابن الثلث؛ فإن الابن الأعلى يحجبه عن الجميع، بكمال الحرية لو كانا حرَّين، فيحجبه عن النصف بنصف الحرّية، فله من النصف ثلثاه؛ فإن ثلثيه حُرّ، وهو ثلث جميع المال.
6365- وعلى رواية محمد بن الحسن: نضم حرية الأسفل إلى حرية الأعلى، فيحصل معنا حرية وسدس، فسدس الحرية ساقط لا حاجة إليه؛ فإنا نستوعبُ المالَ بحريةٍ، فالمال إذاً بينهما نصفان، وتعليل ذلك أن الحجب الذي يقع بين الأشخاص يرجع حقيقةً إلى الزحمة: فلو كانا حرّين، فالابن الأعلى يزحَم بجميع المال، فيقدّمُ به، وينتج هذا سقوطَ ابن الابن. فإذا أخذ الابن الأعلى النصفَ، فقد سقطت منه زحمتُه؛ فإنه لا يستحق إلا هذا القدر لو انفرد. فيقول ابن الابن: اخرج أنت من البين، واتركني مع العصبة، ولو انفردت معهم لأخذتُ النّصف، فإن قيل: ثلثاه حرّ؟ قلنا: نعم. ولكنا أبطلنا سدسَ الحرية في وضع المسألة.
6366- وعلى طريقة سفيان: للابن الأعلى النصف، ثم بين الابن وابن الابن لو كانا حرين حجْبُ الحرمان، فإذا كان الابن يحجب ابن الابن، فنصفه يحجب نصفَه، فيسقط بهذا السبب أثر الحرية في نصف ابن الابن؛ فإن أثر الحرية في نصف الابن الأعلى يعارض النصف في الأسفل، فيسقط النصفُ بالنصفِ، ويبقى في الأسفل سدس الحرية، لا يعارضه حريةُ الأعلى، ففيه سدس حرية لا يعارضه حجبٌ، فله سدس المال بذلك السبب.
ولو كان في المسألة ابنُ صلب، وابن ابنٍ نصف كلِّ واحدٍ منهما حرٌّ، فللابن نصف المال، ويسقط ابن الابن على رأي سفيان؛ فإن الحرية بنصف الأعلى تعارض كمال الحرية في نصف الأسفل، فيسقط كما تسقط كل حرية لو كملت ابنَ الابن.
وإنّما فرضنا المال في ابن ابن ثلثاه حر، وابنٍ نصفه حُرّ، حتى لا يسقطَ ابنُ الابن على رأي سفيان.
فحاصل الأجوبة في المال الذي ذكرناه أن لابن الصلب النصف في كل مذهب، وفي ابن الابن ثلاثة أجوبة: أحدها: له النصف، والثاني: له الثلث، والثالث: له السدس.