فصل: فصل: في بيع الألبان وما يُتخذ منها:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: نهاية المطلب في دراية المذهب



.فصل في بيان القاعدة المترجمة بمُدّ عجوة ودرهم:

2957- وهذا ركن عظيم في مذهب الشافعي في أصل ربا الفضل، فنقول: مذهبُنا أن من باع مُدَّ عجوةٍ ودرهماً، بمُدَّي عجوة. فالبيع باطل، وقد اعتمد الشافعي في هذا الأصل حديثَ القلادة، وهو ما رُوي عن فَضالة بن عُبيدٍ قال: "أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بقلادةٍ فيها ذهب وخرزٌ تباع، وهي من المغانم، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالذهب الذي في القلادة، فنزع، وقال: الذهب بالذهب وزناً بوزنٍ"؛ فاعتمد الشافعي معنىً ظاهِراً قد تقصّيناه في الأساليب.
ولكن لابد من ذكرِ ما يجري مجرى التحديد، ونشير إلى أصل التعليل. فنقول: إذا باع مُدَّ عجوة قيمته درهمان ودرهماً بمدّي عجوة قيمةُ كلِّ مدٍّ درهمان فالبيعُ باطلٌ عند الشافعيّ. والذي اعتمدهُ الأصحاب فيه من طريق المعنى التوزيعُ.
فقالوا: الدرهم من هذا الجانب ثلث ما في هذا الجانب، فقابل ثلث ما في الجانب الآخر، وثُلث المُدّين ثلثا مُدٍّ، فيبقى مد وثلث، يقابل مُدّاً. وهذا تفاضل بيّن، ثم أثبتوا التوزيعَ بالقياس على جريانه في الشفعة إذا اشتملت الصفقةُ على شقصٍ وسيف، كما قررته في (الأساليب).
والتعويل على التوزيع في التحريم غيرُ سديدٍ عندي؛ فإن العقد لا يقتضي وضعُه توزيعاً مُفصلاً، بل مقتضاه مقابلةُ الجملة بالجملة، أو مقابلة جزأين شائعين مما في أحد الشقين بجزأين مما في الشق الثاني. والمصير إلى أن الدرهم ثلث ما في هذا الجانب تفصيل، والعقدُ جرى مبهماً، وقد تفصّل التوزيع في الشقصِ والسيف لضرورة الشفعة، كما أنا قد نقسم مِلكاً مشتركاً قسمة إجبارٍ، وإن كانت القسمةُ تُخالفُ شُيوعَ مِلك الشريكين في جميع أجزاء المِلك، فالوجه في التوزيع أن يقال: ثلثُ الدرهم وثلث المُدّ يقابل ثلُثَ المدّين، وهذا لا يفضي إلى ما يزيده، ولا ضرورةَ في تكلف توزيعٍ يؤدي إلى التفاضل.
فالمعتمد عندي في التعليل، أنا قد تُعبّدنا بالمماثلة تحقيقاً، وإذا باع مُدّاً ودرهماً بمُدّينِ، لم تتحقق رعاية التماثل، وهو شرط صحة العقد؛ ففسد العقدُ لعدم تحقق المماثلة، لا لتحقق المفاضلة. ثم لا نحكم بتوزيع التفصيل بوجهٍ، ولا سبيل إلى تحكم أبي حنيفة في مقابلة مدٍّ بمدٍّ، ودرهم بمد.
هذا قاعدة الفصلِ.
ومن مال إلى التوزيع من أصحابنا، فتقريبه أنا أُمرنا بطلب المماثلة، كما أُمرنا بتمييز الشقص المشفوع في الصفقة المشتملة على الشقص والسيف، ولا طريق يهتدى إليه إلا التوزيع.
وله نظائر في الشريعة، وهذا لا يقوى على السَّبرِ.
فقد حصل مسلكان:
أحدهما: التوزيع، والآخر- عدم التماثل والاستبهامُ، ونحن الآن نُخرِّج مسائلَ الفصل على المسلكين.
2958- فلو باع مُدَّ عجوة قيمتُه درهم ودرهماً؛ بمُدَّي عجوة قيمةُ كل واحد منهما درهم، فالبيع باطل باتفاق الأصحاب. فأمَّا من اعتمدَ التوزيع إذا قيل له: الدرهم نصف ما في هذا الجانب، فيقابل مداً، ويبقى مدٌّ في مقابلة مدٍّ، فلا تفاضل، فيقول مجيباً: إنما أدَّى التوزيع إلى التماثل من جهة أن قيمة المدّ الذي مع الدرهم فُرضت مثلَ الدرهم، وإنما صِيرَ إلى ذلكَ من جهة التقويم، والتقويم متلقى من الاجتهاد، وشرط التماثل أن يجري محسوساً.. هذا ما ذكره الموزّعون.
وأنا أقول: سبب التحريم في هذه الصورة ما قدَّمته من أن الصفقة اشتملت على مال الربا، ولم يتحقق جريان المماثلة، وقد تُعبّدنا بالمماثلةِ. وهذه الطريقة تجري في هذه الصورة جريانَها في الأُولى.
ولو باع مدَّ عجوةٍ ودرهماً بمُد عجوةٍ ودرهمٍ، فالبيع باطل، وسبيل تخريج الفساد على أصل التوزيع أن نقول: الدرهم في هذا الجانب ثلثُ ما في هذا الجانب مثلاً، فنقابل ثلُثَ درهم وثلُثَ مدٍّ، ويعود التفريع إلى بيع ثلث درهم وثلث مد بدرهم، ولو وضع البيع كذلك أول مرّة، لكان هذا بمثابة بيع درهم ومد بمدين؛ فإنه قد اتحد الجنس في أحد الشقَّين، واختلف ما في الشق الثاني، وما اعتمدتُه من الاستبهام يجري في هذه الصورة، كما تقرر من غير حاجةٍ إلى فَضْلِ بيان.
فهذه صُورُ الوفاقِ في التحريم مع التردّد في التعليل.
2959- ونحن نذكر الآن صُوَراً اختلف فيها الأصحابُ، فننقلها، ونذكرُ الخلاف فيها، ثم نذكر ضبطَها بالتعليل.
فممَّا اشتهر الخلافُ فيه أنه إذا باع خمسةَ دراهم مكسرة، وخمسةً صحاحاً بخمسة مكسرةٍ، وخمسةٍ صحاحٍ، أو باع مدَّ عجوةٍ وصَيْحانيَّ، بمدّ عجوة وصيحاني.
وذكر صاحب التقريب الخلاف فيه إذا باع خمسةً مكسرة وخمسةً صحاحاً بعشرة صحاح، وتعرض في توجيه الصحة لأمرٍ، وهو أن مُخرج الصحاح مسامحٌ بالصفة في الخمسة المقابلة بالمكسرة، والتفاوت في الصفة لا يضر. ولو باع خمسة مكسرة وخمسة صحاحاً بعشرة مكسرة، قد ذكر هو الخلافَ في هذه الصورة أيضاًً. وقال في توجيه الصحة: من أخرج الخمسة الصحاح مسامحٌ بالصفَةِ في مقابلة الخمسة المكسرة.
وكان شيخي يختار الفسادَ في هذه الصور كلها، جرياً على أصل التوزيع، فإنا نقول: الخمسةُ المكسَّرة ثلثُ ما في هذا الجانب مثلاً، فتقابل ثلث ما في الجانب الثاني، فيؤدي إلى التفاضل المحقق، والتوزيع في أصلهِ باطل عندي.
وهو في هذه الصورة نهاية في الفساد؛ فإن الصفقة إذا انطوت على عشرة من جانب، نصفها مكسّر، وعلى عشرة على هذا الوجه من الجانب الثاني، فتكلف التوزيع في هذا غلوّ، واشتغالٌ بجلب التفاضل على تكلف، وقد صارت المماثلةُ محسوسةً بين الجملتين. وهذا ما تُعبدنا به، ثم هذا على وضوحه في المعنى يعتضد بما يقرب ادّعاءُ الوفاق فيه، فما زال الناس يبيعون المكسرة بالصحاح. والمكسرةُ لو قسمت، لكان فيها قِطع كبار وصغار، والقيمةُ تتفاوت في ذلك تفاوتاً ظاهراً. ثم لم يشترط أحدٌ تساوي صفة القطاع، فقد خرجت هذه المسائل على ما ذكرته أولاً، فمن رَاعى التوزيعَ، أفسدَ البيع، ومن تعلق بما ذكرناه، حكم بالصحة، لتحقق تماثل الجملتين.
2960- والذي يحيك في الصدر نصُّ الشافعي؛ فأنه قال: "لو راطل مائةَ دينار عُتُق، ومائة مروانيَّة بمائتي دينار وسط، فالبيع باطل" وقد اتحد الجنس في شقّي العقد، وقياسي يقتضي القطعَ بصحة العقد، ولم أر أحداً من الأئمة يشير إلى خلافٍ في صورة النص. واللفظ الذي ذكرته لصاحب التقريب في توجيه الصحةِ إذا باع خمسةً مكسرةً وخمسة صحاحاً بعشرة صحاح، حيث قال: "صاحب العشرة الصحاح مسامحٌ بالصّفة". فيه احتراز من صُورة النص؛ فإن الشافعيَّ فرض مسألتَه في العُتُق وهي نفيسة، والمَرْوانيَّة وهي دونها، ثمَّ فرضَ من الجانب الثاني مائتي دينارٍ وسطاً حتى لا تتحقق معنَى المسامَحةِ، وإذا لم يتحقق ذلك، اقتضى العقدُ من الشقين طلب المغابنة، وهذا يقتضي التوزيعَ، وهو يُفضي إلى التفاضل لا محالةَ، لو ثبت التوزيع.
فهذا حكم المذهب تَلقِّياً من النصِ، وتصرُّف الأئمة.
وما ذكرتُه في هذه الصورة من التصحيح رأيٌ رأيتُه وهو خارج عن مذهب الشافعي وأصحابهِ.
ومما لا يخفى دركه أنه لو باع عشرةً مكسّرة بعشرة صحاحٍ، فالبيع صحيح؛ إذ لم يتحقق اختلاف جنس، ولا اختلافُ نوعٍ في واحد من الشقين.

.فصل فيما أثّرتِ النار فيه:

2961- هذا في وضعه كالقولِ في بيع الشيء في غير حال كماله، ولكنا أفردناه لغائلةٍ فيه. فنقول: بيع الدّبس بالدّبس ممتنع باتفاق الأصحاب؛ والسببُ فيه أن النار قد أثرت فيه تأثيراً بيّناً، وأثر النار يتفاوتُ في التعقيد تفاوتاً ظاهراً؛ فإن ألسنة النار في اضطرابها تختلف حتى يُرى حِسّاً اختلاف الأثر فيما يحويه المرجل الواحدُ، وإذا كان كذلكَ، فالدِّبس قد كان عصيراً، والعصير على كمالٍ، إذ يجوز بيع العصير بالعصير، وإذا نظرنا إلى مقدار من الدّبس يقابله مثله، فلا نَدْري كم في أحدهما من أجزاء العصير قد تعقَد، وكم في الثاني منه؛ فكان هذا خارجاً على منعنا بيعَ الدقيق بالدقيق، نظراً إلى توقع تفاوتٍ في كمالٍ سبقَ للحب، فهذا ما عليه التعويل.
ولو قيلَ: قد يخالف مكيالٌ من الدبس مكيالاً في الوزن لتفاوتٍ في التعقد، لكان كذلك، ولكن لا معولَ عليه؛ فإن المعقَّد يباع وزناً، فالتعويل على ما قدمته من ملاحظة كمال العصير. فهذا بيانُ قاعدة الفصل.
2962- ولو مِيزَ شيءٌ من شيءٍ من غير تعقيدٍ، لم يضرّ، كالشمع يُميَّز بالشمس عن العسل، ثم يباع العسل بمثله، فيجوز، ولا امتناع فيه. ولو مِيزَ الشمع بالنار، ووقع الاختصار على قدر الحاجةِ في التمييز، ففيه اختلاف: من أئمتنا من قال: هو بمثابة التمييز بالشمس، ومنهم من منع؛ لأن النار أعظم وقعاً من الشمس، وهي تؤثر آثاراً متفاوتة في مقدار زمان التمييز.
وظهر اختلاف الأئمة في بيع السكر بالسّكر، والفانيذ بالفانيذ، فمنعه بعضهم واعتمد أن تأثير النار ظاهر، وهو فوق التأثير في الدِّبس. وقالَ بَعضُهم: يصح؛ فإن تأثير النار قريب، والانعقاد من طباع السكر، لا من أثر النار، وأجزاءُ السكر لا تتفاوت.
فإن قيل: إذا صُفِّي العسلُ بشمس الحجازِ، فقد يكون أثر الشمس في تلك البلاد بالغاً مبلغ النار؛ فإنا نرى شرائح اللحم تُعرض على رمضاء الحجاز، فتنش نشَيشَها على الجمر. قلنا: هذا فيه احتمال، والأظهر جواز البيع؛ فإن أثر الشمس فيما أظن لا يتفاوت، وإنما يتفاوت أثر النار؛ لاضطرابها، وقربها وبُعدها من المرجل.
والتعويل على تفاوت الأثر، بدليل أنه لو أُغلي ماءٌ بالنار، أو خَلٌّ ثقيف، لم يمتنع بيع بعضه بالبعض؛ فإن النار لا تؤثر في هذه الأجناس بتعقيدٍ، حتى يفرضَ فيه التفاوت، فتزيل بعضَ الأجزاء، وتُبقي الباقي على استواءٍ، وهذا الذي ذكرته جارٍ في كل ما ينعقدُ.

.فصل: معقود في الألبان والأدهان والخلول:

2963- والغرض بيان اختلافها وتجانسها، فنقول: أدقّةُ الحبوب المختلفة الأجناس مختلفة، بلا خلاف، واختلف قولُ الشافعي في لحوم الحيواناتِ المختلفة، فقالَ في قولٍ: هي مختلفة؛ فإنها أجزاءُ أصولٍ مختلفةٍ، وقال في قول: هي جنسٌ واحد؛ لأنها اشتركت في الاسم، عند ابتداءِ دخولها في الربا، ولا ننظر إلى اختلاف أصولها؛ فإنها لم تكن مالَ ربا، والغرض من اختلاف الجنس واتحاده أمرُ الربا، وسيأتي القولان في بابه إن شاء اللهُ تعالى.
فأمَّا الأَدْهان والخلول إذا اختلفَتْ أجناس أصولها، ففيها طريقان: الطريقة المرضيّة- أنها مختلفة الأجناس؛ فإن أصولها مختلفة، وهي أموال الربا، وليست كالحيوانات إذا اختلفت أصولها؛ فإن لحومها أجزاء أصولٍ لا ربا فيها.
ومن أئمتنا من يخرجها على القولين المذكورين في اللحمان، من حيث إنها تشترك في الاسم الخاص، ولا تتميز إلا بالإضافة كاللحوم، ولا يتم غرض هذا القائل إلا بفرق بينها وبين الأدِقّة. فنقول: الدقيق عين أجزاء الحبّ ولكنَّها مجموعة ففرقت، والدّهن المعتصرُ وإن كان في أصله، ولكنّهُ في ظن الناس كالشيء المحصَّل جديداً. والوجه هو الطريقة الأولى.
وأمَّا الألبان، فالظاهر أنها كاللحوم، فنطرد فيها القولين؛ فإنها عصارة اللحوم جرت مَجراها.
ومن أصحابنا من قطع بالاختلاف، وطلب فرقاً بينها وبين اللحوم، فقال: اللحوم في أصولها ليست أموال الربا، والألبان يجري فيها الربا قبل انفصالها من أصولها، ويمتنع بيعُ شاة في ضرعها لبن بشاة في ضرعها لبن، وهذا الفرق رَديء؛ فإن الألبان في الضروع ألبان إطلاقاً واسماًً، فقد اشتركت في الاسم الخاص من أول حصولها، وهذا معتمد القضاءِ باتحاد جنس اللحوم، فلا فقه في إجراء الربا فيها في الضروع، بعد القطع باختلاف أصولها.
فرع:
2964- اختلف الأئمة في السكر والفانيذ: فمنهم من قال: هما جنس واحد، وهذا بعيد. ومنهم من قال: هما جنسان؛ فإن قصبهما مختلف، وليس الفانيذ عَكَرَ السكر، فاختلف اسمُهما وصفاتهما، وهذا متلقَّى الاختلافِ. وأما السكر الأحمرُ الذي يسمى القوالبَ فهو عَكَرُ السكر الأبيض، وهو من قصبه، وفيه مع ذلك تردد، من حيث إنه يُخالفُ صفةَ السكر الأبيض مخالفةً ظاهرةً، وقد يشتمل أصلٌ واحد على مختَلِفات؛ فإن اللبن جنس واحد، ثم المخيض منه يخالف السمن، كما سنذكره. ولعل الأظهر أنه من جنس السكر.
وذكر شيخي وجهين في عصير العنب وخلِّه:
أحدهما: أنه جنسٌ. ولكن حالت صفة العصير، فكان ذلك كاللبن الحليب مع القارص.
والثاني: أنهما جنسان، وهو الظاهر عندي؛ لإفراط التفاوت في الاسم، والصفة، والمقصود. والشيء لا يكون مأكولاً، فلا يجري فيه الربا، ثم تحول صفته، فيصير مأكولاً؛ ويدخل في حكم الربا. فإذا كان تحوُّل الصفات يؤثر هذا الأثر، جاز أن يؤثِّر في اختلاف الأجناسِ.
وكُسب السمسم مخالفٌ جنسَ دهنه وفاقاً، كما يُخالف المخيضُ السمنَ. ولو اعتُصر من اللحم ماؤُه، وبقي من اللحم ما لا ينعصر بفعلنا، فالكلُّ جنسٌ واحد، وليس كالدُّهن والكُسب؛ فإنا نعلم أن في السمسم دهناً وثُقْلاً في الخلقة، واللحم كلُّه في الخلقة شيءٌ واحدٌ، والبلحُ مع الرطب والتمر، والحُصرم مع العنب، في معنى العصير مع الخل عندي.
وحكى العراقيون عن ابن أبي هريرة أنه منع بيع الشَّيْرج بالشَّيْرج متماثلاً، وعلل بأن دُهن السمسم لا يتأتى استخراجُه إلا بالملح والماء، فهو على تقديره مختلِفٌ.
وسنذكر منع بيع المختلِط بمثله، ثم خصَّص هذا المنعَ بدهن السمسم دون غيره من الأدهان. حكَوْا هذا عنه، وزيّفوه، وقالوا: الماءُ لا يُخالطُ الدُّهن، والملحُ يبقى مع الكُسبِ، ولو كان في الشَّيْرج، لأُدركَ طعمه، ثم تخصيص هذا بالشَّيرج لا معنى له.

.فصل: في المختلِطات:

2965- نقول: كل مختلِطٍ بغيره من أموال الربا بِيع بمثله، فالبيع باطل، كالسكَّر المختلط ببعض اللُّبوبِ إذا بيع بمثله، وبطلان البيع يُخرَّجُ على القاعدة الممهدة في بيع مُدِّ عجوة ودرهم بمد عجوة ودرهم.
وبيع اللبن باللبن جائز وفاقاً؛ فإن قيل: اللبن مشتمل على السمن والمخيض، وهما جنسان مختلفان، قلنا: اللبن يُعدُّ جنساً واحداً، وليس يَبين فيه اجتماع أخلاطٍ، ولو سلكنا هذا المسلكَ، لمنَعنا بيع السمسم بمثله، لاشتماله على الثُّقل والدُّهن، ولقُلنا: لا يجوز بيع التمر بالتمر؛ لاشتماله على المطعوم والنَّوى.
واتفق الأصحاب على منع بيع الشَّهد بالشهد، وعللوا بأنه شمع وعسل. وأوقع عبارة في الفرق بين الشهدِ واللبن أن الشمع غيرُ مخامر للعسل في أصله؛ فإن النحلَ ينسِج البيوت من الشمع المحض، ثم يُلقي في خَللَهِ العسلَ المحضَ، فالعسل متميّز في الأصل، ثم من يشتارُ العسلَ يخلطه بالشمع بعضَ الخلط بالتعاطي والضَّغط، وليس اللبن كذلكَ.
فإن قيل: قد ذكرتم أن اللبن في حكم جنسٍ واحد، لا اختلاطَ فيهِ، فجوّزوا بيعَ اللبن بالسمن بناء على أن اللبن جنسٌ واحد. قلنا: هذا فيه بعض الغموض من طريق التعليل، ولكنه متفق عليه.
وفي معناه بيعُ السمسم بالشَيْرج، مع تجويز بيع السمسم بالسمسم، وأقصى الممكن فيه أن اللبن إذا قوبل بالسمن، فلا يمكن أن يُجعل مخالفاًً للسمن؛ فإنّ اللبن إذا مُخض يُجمع منه السمن، فإذا لم يكن مخالفاًً للسمن، فإنما يُجانسُه بما فيه من السمن، لا بصورته وطعمه؛ فإن صورته تُخالف صورة السمن، وإذا اعتبرنا السمنَ لما ذكرناه، انتظم منه أنه بيعُ سمنٍ بسمنٍ ومخيض، وأما بيع اللبن باللبن، فيعتمد تجانس اللبن في صفته الناجزة، ولا ضرورة تُحوِج إلى تقدير تفريق الأجزاء، فافهموا ذلك.
فإن قيل: ذكرتم أن منع بيع الشهد بالشهد معلّلٌ بأنه بيعُ شمع وعسل، ثم حققتم ذلك بتميّز العسل في الخلقة عن الشمع، والنوى في الفطرة متميز عن المطعوم في التمر؟ قلنا: الأمر كذلك، ولكن صلاح التمر في ادّخاره في بقاء النوى فيه، فاحتمل ذلك هذه الضرورةَ، وصلاح العسل في تصفيته. ويمكن أن يقال: الشمعُ في العسل بمثابة العظم في اللحم.
فإن قيل: إذا قلنا: الألبان جنسٌ واحد، فلا يجوز بيعُ لبن البقر بلبن الإبل متفاضلاً، فلو بيع سمن البقر بلبن الإبل، فكيف حكمه؟ وليس في لبن الإبل سمنٌ يتميّز بالمخض والعلاجِ؟ قُلنا: الظاهر أنا لا نجعل لبن الإبل مشتملاً على سمن تقديراً، حتى يقال: هو بمثابة سمن البقر بلبن البقر، ثم إذا كان كذلكَ، فوَراءه احتمالٌ في أن سمن البقر هل يخالف جنسَ لبن الإبل، والتفريع على تجانس الألبان؟ فالظاهر أنه خلافه؛ فيجوز بيعه به متفاضلاً؛ والسبب فيه أنا حكمنا بتجانس الألبان، لاجتماعها في الاسم الخاص، وقد زال هذا المعنى، ولم نُقدّر في لبن الإبل سمناً.
والعلم عند الله.
فهذا تمهيد القاعدة في المختلطات.
2966- ونحن نبني عليها الآن مسائل في بيع الخلول بعضِها ببعضٍ.
فنقول: بيع خل العنب بخل العنب، ولا ماء في واحدٍ منهما جائزٌ، مع رعايةِ التماثل. وبيع خل العنبِ بخل الزبيب ممتنعٌ؛ لمكان الماء في خل الزبيب. وعصيرُ الزبيب وخلُّه يجانس عصيرَ العنب وخلَّه. وبيع خل الزبيب بخل الزبيب ممتنعٌ، لتجانُس الخلَّين، واشتمالِ كل واحد منهما على الماء، فهو من فروع مُد عجوة. وكذلك يمتنع بيع خل التمر بخل التمر، فأما بيع خل التمر بخل العنب فيخرج على اختلاف القول في تجانس الخلول. فإن جرينا على الصحيح، وقلنا: هما جنسان، فالبيع صحيح، فإن الخلَّين جنسان، وليس في خل العنبِ ماءٌ، حتى يفرض تقابل الماءين. وإن قلنا: هما جنس واحد، فيمتنع البيع؛ لأنه بيع خل وماء بخل صرف يجانسه، فكان كبيع خل الزبيب بخل العنب. وأما بيع خل التمر بخل الزبيب، فيخرج على قول التجانس. فإن قلنا: هما جنس واحد، فالبيع ممتنع بما يمتنع به بيع خل التمر بخل التمر، وإن قلنا: هما جنسان، انبنى الأمر على أن الماء هل يجري فيه الربا؟ فإن قلنا: لا ربا فيه، صح العقد. وإن قلنا: فيه الربا، منع الأصحاب البيعَ؛ لجهالة مقدار الماء أولاً، ثم للجمع بينه وبين غيره في الشقين وفي الماء وكونه غيرَ مقصودٍ إشكالٌ سنشرحه في باب الألبان.
فهذا تفصيل بيع الخلول.

.فصل: في بيع الألبان وما يُتخذ منها:

2967- لا خلاف في جواز بيع اللبن باللبن، وهذا حالُ كمالٍ فيه، وليس اللبن في ذلك كالرطب؛ فإن الرطب كمالُه عُرفاً في جَفافه المنتظر، واللبن يستعمل أكثره لبناً كذلك، وما يُستعمل من الرطب يُعدُّ تفكهاً بعُجَالةٍ من جنس. والمقصودُ الأظهرُ منه اقتناؤه قوتاً، وذلك بأن يجفف ويُدَّخر في المخازن، ويقتات على طوال السنة.
ولا يجوز بيع اللبن بشيء يُتخذ منه، لما قررتُه في فصل المختلطات، فينبغي أن يُعلم أن اللبن مشتمل على مخيض وسمن، ثم يُتَّخذ من المخيض إذا مِيز الأَقِطُ والمصل، والجُبن يتخذ من اللبن كما هو، ثم إذا مِيز السمن، وبقي المخيض، فلا خلاف أن المخيض والسمنَ جنسان مختلفان، لتباين الصفات، واختلاف الاسم والغرض، ومن مقصود الفصل ما تقدّمَ من أن اللبن إذا قُوبل باللبن، كان بمثابة جنسٍ واحد يقابله مثله، كالسمسم يباع بمثله، ولا ينظر إلى اشتمال اللبن على السمن وغيرِه. وإذا قُوبل اللبن بالسمن، أو بالمخيض، لم يصح العقد، وكان كبيع السمسم بدُهنه.
2968- وجُملة ما سنذكره من مسائل الفصلِ يخرج على هذه القواعدِ، فاللبن يباع بمثله، والرائب الذي خَثُرَ بنفسهِ من غير نارٍ يباع باللبن الحليب، ويُباع بمثله.
فإن قيلَ: إذا خَثُر الشيءُ، كان أثقلَ، والذي يحويه المكيال من الشيء الخاثر يزيد على الرقيق من جنسه بالوزن زيادةً ظاهرةَ، فما الوجه في ذلك؟
قلنا: منع بيع الدبس بالدبس غير مبني على التفاوت في الوزن مع التساوي في المكيال؛ فإنا لو اعتبرنا ذلك لجوَّزنا بيع الدبس بالدبس وزناً، إذا كان يوزن. ولكنا اعتمدنا في ذلك خروجَ الدبس عن حال الكمال، ولا ندري كم في كل دبس من أجزاء العصير.
وأما الرائب الخاثر، فقد قطع الأصحاب بجواز بيعه باللبن، وجواز بيع بعضه بالبعض، ويتَّجهُ في بيع بعضه بالبعض أن يقال: الانعقادُ جرى في اللبن على تساوٍ، ولا يربو في الإناء إذا انعقد رائباً، ولا ينقص؛ فإنه طبيعة في نفس اللبن عقَّادة. وليس من جهة ذهاب جزءٍ وبقاء جزءٍ.
فأما بيع الخاثر باللبن، فإن كان يوزن، فيظهر تجويزه، وإن كان يكال، فبيعُ اللبن الحليب بالرائب الخاثر كيلاً فيه احتمال ظاهر في المنع، ووجهُ التجويز تشبيهُ الخاثر بالحنطة الصلبةِ العَلِكةِ، تباع بالرخوة. وتحقيقهُ فيه أن الرائب لبن خاثر، فكأنه لا يُعدُّ بعيداً عن اللبن الحليب، فيشبهان الحنطة الصُّلبة والرخوة.
وبيعُ المخيض بالمخيض جائز، إذا لم يكن فيهما ماء، ولا في أحدهما. وبيعُ السمن بالسمن جائز، والمخيض والسمن مختلفان؛ فيجوز بيع أحدهما بالثاني متفاضلاً.
واتفق الأئمة على جواز بيع المخيض بالزُّبد، ولا نظرَ إلى ما في الزُّبد من رغوة، وهي إذا مِيزَتْ كانت مخيضاً، ولكن لا مبالاة بذلك القدر؛ فإن المقصود من الزبد السمن.
2969- وقال الأئمة: لو باع حنطةً بشعير، وفي الحنطة حباتُ شعيرِ، صحَّ البيع؛ فإنّ الشعيرَ في الحِنطةِ غيرُ مقصودٍ لمن يبتغي تَملّكَ الحنطة، ولو باع حنطةً بحنطة وفي أحد المكيالين حبّاتُ شعير، فالبيعُ مردودٌ عند الأصحاب؛ من جهة أن المماثلة تزول بين الحنطتين بسبب ذلك القدر من الشعير، والمماثلة معتبرة في بيع الحنطة بالحنطة، والذي ذكرناه في بيع الحنطة بالشعير والمماثلةُ غيرُ معتبرةٍ في مقصود العوضين، فلنقع على ذلك. ولهذا لم نمنع بيعَ المخيض بالزُّبد؛ فإن المخيض وما هو مقصود من الزبد مختلفان، لا تعتبر المماثلة بينهما، والرغوة إن ماثلت المخيض، فهي ليست مقصودةً.
والذي يشير إليه كلامُ الأصحاب أن المقدار اليسيرَ من الشعير، وإن كان يفرض متموّلاً، فالأمر كما وصفناه، إذا لم يكن بحيث يُقصد في نفسه. والأصحابُ لما جوزوا بيعَ المخيض بالزبد، لم يفرقوا بين القليل والكثير، وإذا كثُر الزَّبدُ، فالرغوة قد تبلغ مبلغاً يُطلبُ مثله في جنس المخيض، ولكن المرعيَّ في الباب أن ما يُميَّزُ من الزَّبدِ في الغالب يُبدّدُ، ولا يُعتنَى بجَمْعه. وإن كثر الزَّبد، فهذا هو المعنيُّ بقول الأصحاب: الرغوةُ غيرُ مقصودة. والشعيرُ إذا قل بالإضافة إلى الحنطة، فلا يقصد تمييزها ليستعملَ شعيراً، فيتعيَّن التَنبه لهذا.
وإذا بَاع الحنطةَ بالحنطة وفي أحد المكيالين من الشعير ما لو مُيّز، لم يَبِن على المكيال، فلا مبالاةَ بهذا أيضاًً. فإذا اتفق جنسُ المطلوب في العوضين، وكان في أحدهما جنس آخر، لو مُيّز لم يَبِن على المكيال، فلاَ مبالاة به. وإن كان يَبِينُ على المكيال، لم يضح البيع؛ لعدم المماثلة في الجنسِ المقصود.
وإن اختلف الجنس في العوضين، وكان في أحدهما ما يُجانس العوض المقابلَ، ولكن لم يكن بحيث يُقصد على حياله، فالبيع صحيح، ولا نظر إلى التموّل تقديراً، ولا إلى التأثير في الكيل. أما التأثير في الكيل، فلا أثر له مع اختلاف جنس العوضين. وأما التموّل، فلم يُعتبر من جهة أنه مفردٌ غيرُ مقصودٍ، وشبّه هذا بأخذ المُحرِم الشعرَ من نفسه، فهو موجب للفدية، ولو قطع من نفسه عضواً عليها شعر، لم يلتزم الفِدية، من حيث لم يجرّد القصدَ إلى إزالة الشعر.
ولو باع حنطة بحنطةٍ، وفي أحد المكيالين تراب لو مِيزَ ظهر نقصُه في المكيال، فالبيع باطل، وكذلك إذا اشتمل المكيالان على التراب، على الحد الذي ذكرناه. فأما إذا كان التراب في أحد المكيالين، فالمفاضلة مستَيْقنةٌ، وإن كان الترابُ في المكيالين جميعاً، فالمماثلة مجهولة، وكِلا الأمرين يؤثر في صحَّة البيع.
ولو كان التراب منبسطاً على صُبْرةٍ انبساطاً واحداً على تناسب، فبيع صاعٌ منها بصاعٍ، فالمماثلة متحققة، ولكن هذا غيرُ موثوق به؛ فإن الترابَ لا ينبسط على تناسب واحد؛ فإنه ينسلّ من خلل الحبات يطلب التسفل، ولذلك يكثر التراب في أسفل الصُبْرة.
فخرج مما ذكرناه أنه إذا كان يؤثّر الترابُ في المكيال، فلا يجوز بيع حنطةٍ فيها تراب بحنطة فيها تراب، إذا كان بحيث لو مِيز التراب، ظهر نقصانهُ على المكيال، وإن كان لا يظهر، فهو محتمل.
2970- ومن تمام البيان في ذلك، أن النقصان قد لا يبين في المقدار اليسير، ويبين في الكثير، فالمتبع النقصان، فإن كان ما اشتمل عليه العقدُ بحيث لو مِيز التراب منه، لم يبن النقصان- صح العقد. وإن اشتمل العقدُ على مقدارٍ لو جُمع ترابه لملأ صاعاً، أو آصعاً، فالبيع باطل.
فإن استبعد من لم يُحط بأصل الباب تجويزَ البيع في القليل، ومنعَه في الكثير، لم نبُالِ به، ولزِمْنا الأصلَ المعتمدَ في النفي والإثبات.
ولو باع رجلٌ دنانيرَ هَروِيَّة بمثلها، فالبيع مردود؛ فإن كل شق من الصفقة اشتمل على ورِقٍ وذهب، وبيع الذهب الإبريز بالهروي عينُ الربا، وهو من فروع مد عجوة.
وبيع الذهب الهروي بالورِق باطل، وليس كبيع المخيض بالزبد؛ فإنّ الرغوة في الزبد لا تقصد، والنُّقْرة في الهرويّةِ مقصودة.
2971- ومن فروع الفصل بيع الزُّبد بالزّبد، وفيه وجهان ذكرهما الصيدلاني:
أحدهما: الصحة كبيع اللبن باللبن؛ فإنّ الرغوةَ التي في الزبد مختلطة بالسمن اختلاطاً خِلقياً، وهو أثبث من اختلاط رُكني اللبن، فإن ذلك الاختلاط يميّزه المخض، والرغوة لا تتميّزُ عن الزبد إلا بالنار. والوجه الثاني- أنه لا يصح بيع الزبد بالزبد، كما لا يصح بيع الشهد بالشهد؛ فإنّ صفاتِ السمن لائحة من الزبد، كما يلوح العسل في الشهد، واللبن في مدرك الحس كالجنس الواحد المنبسط، والأَقِط من المخيض، وكذلك المَصْل.
وأجمع الأصحابُ على منع بيع الأقِط بالأقِط، وذلك أنه إن كان مختلطاً بملح كثيرٍ يظهر له مقدار، فيلتحق بيع بعضهِ بالبعض ببيع المختلط. وإن لم يكن فيه ملح، فهوَ معروض على النار، وللنار فيه تأثير عظيم، فيلتحق القول فيه بالكلام في المنعقد، إذا بيع بعضه ببعض. ولم يفصلوا بين أن يكون عقدُه بالنار، أو بالشمس الحامية، وإذا امتنع بيع الأَقِط بالأقِط، فيمتنع بَيعُه بالمصلِ؛ فإنهما من المخيض، ولا يتفاوتان في الصفات تفاوتاً يختلف الجنس به، ويمتنع بيع المخيض بالأقِط والمَصْل. كما يمتنع بيع العصير بالدبس.
وبيعُ الجبن بالجبن باطل بالاتفاق؛ فإنه مختلط معقود، ولا شك في تفاوت العقد في الجبن، وهذا ظاهر فيه. وبيع الجبن بالأقِط ممتنع، كما يمتنع بيع اللبن بالأقِط.
قال العراقيون: الأقِط، والمخيض، والمَصْل، والجبن، جنسٌ واحد. أما المخيض والأقط والمصل، فكما ذكروه. وأما الجبن ففيه ما يُجانِسُ المخيضَ، وهو كقول القائل: اللبن والأقِط جنسن واحد، والوجه أن يقال في اللبن جنس الأقطِ. وذكر شيخي أبو محمد في بيع اللِّبأ باللِّبأ وجهين، وهو في الحقيقة لبن معروض على النار في أول الحلْبِ من الدَّرّةِ الأولى، وسبب الاختلاف أن أثر النار قريبٌ في اللِّبَأ وهو مشبه بالسكر في المعقوداتِ، والجبن تناهى عقدُه، فاتفق الأصحاب على منع بيع بعضه ببعض.
2972- ومما نتعرضُ له الإنْفَحة والوجه القطع بطهارتها، لإجماع المسلمين على طهارة الجبن، وهو في الغالب لا يخلو عن الإنْفَحة، والذي إليه إشارةُ الأصحاب أن الإنْفَحَة جنسٌ على حيالها، مخالف للبن، وكل ما يتخذ منه، ولستُ أدري أنها من المطعومات وحدها، كالملح حتى تعتبر المماثلةُ في بيع بعضها بالبعض، أم ليست من المطعومات؟
فصل:
" ولا خيرَ في شاةٍ في ضَرعها لبن... إلى آخره".
2973- بيعُ اللبن الحليب بشاةٍ لبون في ضرعها لبن يقدر على حَلْبه باطلٌ عندنا.
فإذا كنا نُبطل بيع اللحم بالحيوان، كما سيأتي ذلك في بابٍ، فلا يخفى إبطال بيعِ اللبن بشاة في ضرعِها لبن.
وإن كانت الشاة لبوناً، ولم يكن في ضرعها لبنٌ وقتَ البيع، فالبيع صحيح. وإن كان في الضَّرع مقدارٌ نزرٌ لا يُقصَدُ حلب مثله لقلّته، فالبيع صحيح؛ فإنّ مثله ليس مقصوداً، والحيوان مخالف لجنس اللبن، فيلتحق ببيع المخيضِ بالزبد، مع النظر إلى الرغوة.
ولو باع شاةً في ضرعها لبنٌ بشاة في ضرعها لبن، وكان اللبنُ الذي يُقصد مثله موجوداً في كل ضرعٍ، فالبيع باطل، وهو بمثابة بيع شاةٍ ولبن بشاةٍ ولبن.
وحكى العراقيون عن أبي الطيّب بن سَلَمة من أصحابنا أنه قال: يجوز بيع الشاة اللبون بالشاة اللبون، وإن كان في ضروعهما لبن، ووافق أنه لا يجوز بيع اللبن بشاةٍ في ضرعها لبن، وشبَّه ما جوَّزه وما منعه ببيع السمسم بالسمسم، وهو نظير بيع الشاة اللبون بالشاة اللبون، وبيع دُهن السمسم بالسمسم، وهو نظير بيع اللبن بالشاة اللبون التي في ضرعها لبنٌ.
فصل:
قال: "وكل ما لم يجز التفاضلُ فيهِ... إلى آخره".
اختلف قول الشافعي في أن القسمة بيعٌ أو إفراز حق.
وفي حقيقة القسمة وأحكامها مسائلُ ستأتي في آخر الدعاوى والبيّنات. فلا نلتزم الخوضَ فيها، ونختصر على مقدار غرضنا.
فنقول: ما جاز بيعُ بعضِه ببعضٍ، فالقسمةُ جائزةٌ فيه إذا كان يقبل القسمة، وما امتنع بيعُ بعضِه ببعض من أموال الربا، كالرطب والدقيق ونحوهما، فإن قلنا: القسمةُ ليست بيعاً، فلا يمتنع إجراؤها في هذه الأجناس؛ وإن قلنا: القسمةُ بيعٌ، فهي ممتنعة فيما يمتنع بيع بعضه ببعض، فلا يجوز على هذا القول قسمةُ الرطب والعنب، إذا كان لهما عاقبة التجفيف، وقد ذكرنا في مسائلِ الزكاة تردُّداً في قسمة الثمار إذا قطعناها قبل أوان الجِداد، وسبب التردد أن الأبدال لا مدخل لها في الزكاة، فلو لم تجز القسمة، ولم نميز حقَّ المساكين، لاضطررنا إلى الانتقال إلى الأبدال، فاختلف الأصحابُ على طُرقٍ استقصيناها في موضعها. وكمال البيانِ موقوفٌ على الإحاطة بباب القسّام.
وقد نجز الغرضُ من هذا القول في ربا الفضل، وشَذّ عما ذكرناه فروع قريبةٌ نرسمُها، وبنجازها ينتجز هذا الركن.
فرع:
2974- ذكرنا أن بيع ما لا يكال ولا يوزن من المطعومات، بعضُه ببعض- باطلٌ على القَولِ الجديدِ، كالخيارِ والبطيخ ونحوهما، فلو بيع القثاء بالقثاء وزناً، فالأصح المنعُ. ومن أصحابنا من جوَّز، كما نبهنا عليه فيما تقدم. وهو بعيد.
واتفقت الطرق على منع بيع البيض بالبيض والجوز بالجوز وزناً بوزن؛ من جهة أن المقصود منها في أجوافها، وقشُورُها تتفاوت تفاوتاً ظاهراً، وهذا لا يتحقق في القثاءِ وما في معناه، وذكر صاحب التقريب في البيض والجوز إذا بيع البعض منها بالبعض وزناً وجهين، وهذا بعيد.
فرع:
2975- إذا قُلنا: الماءُ يجري فيه الربا، وهو المذهب، فلو باع رجلٌ داراً فيها بئر ماء بمثلها، وقلنا: الماءُ يجري فيه الربا- قالوا: في هذه الصورة وجهان:
أحدهما: الجواز، وهو الظاهر؛ فإن الماء الكائنَ في البئر ليس مقصوداً، ولا يرتبط به قصد. والثاني المنعُ، وهو القياسُ، ولا ينقدح للوجه الأول وجهٌ في القياس، لكن عليه العمل، ومعتمدُه سقوط القصد إلى الماء الحاصل، وقد ذكرنا في فصلِ الخلولِ أن من باع خلَّ التمر بخل الزبيب، والتفريعُ على اختلاف أجناس الخلول، فالقَولُ في منع البيع يؤول إلى الماء الذي في الخلَّين، وهو مال ربا. فلو قال قائل: الماء ليس مقصوداً في الخلّ، كما أنه ليس مقصوداً في مسألة الدار، قلنا: قَدْرُ الماء مستعملٌ على صفة الخَلِّ حتى كأنه انقلبَ خلاً، فلم يخرج مقدار الماءِ عن كونه مقصوداً، وإن كان لا يقصد ماءً، وهذا لا يتحقق في البئر ومائِها.
وقد نجز منتهى المراد في ذلكَ.
وقد كُنَّا ذكرنا في أول الباب أن حديث عُبادةَ في أصل الربا مشتمل على ربا الفضل، والتعرضِ للتقابض، والنَّساءِ. نعني ما يتعلق من حُكمهِ بالربا. وبَيّنا أن أصلَ الباب ربا الفضل، والتقابضُ وتحريمُ النَّساء متفرعان عليه. ونحن الآن نعقد المذهب فيهما.
فصل:
2976- قد ذكرنا أن علّة الرّبا في الأشياء الأربعة الطُّعم، ومحل العلة اتحادُ الجنس، وعلةُ الربا في النَّقديْنِ جوهرُ النقدية، والمحل اتحاد الجنس.
ويرجع حاصل القول في النقدين والأشياء الأربعة إلى أن العلَّةَ في تحريم ربا الفضل في الأشياء الستة ما هو مقصودٌ من كل صنف. ثم رأينا جمعَ الأشياء الأربعةِ في مقصود الطُّعم، كما قرَّرناه في (الأساليب) وكتاب (الغُنية). والنقدان مجتمعان في معنىً واحدٍ، وهو جوهر النقدية.
فإن قيل: لم ذكرتم جوهرَ النقدية؟ قلنا: لأن التبرَ ليس نقداً في عينه، وكذلك الحلي والأواني. والرسول صلى الله عليه وسلم لم يتعرض للدراهم والدنانير، بل ذكر الذهب والورِق، والمقصود منهما مقتصر عليهما، فاقتضى ذلك ذكرَ جوهر النقدية، وهذا يعم المطبوعَ من الورِق والذهب، وغير المطبوع.
فإذا ثبتت علةُ الربا في الأشياء الستة، فباب التقابُض والنَّساء يدخلان تحت ضبط واحدٍ. فنقول:
2977- كلّ علّتين جمعتهما علة واحدة في تحريم ربا الفَضل، فإذا بيعت إحداهما بأخرى نقداً بنقدٍ، اشترط التقابض في المجلس، فلو تفرق المتعاقدان قبل التقابض، بطل العقد. ولا فرق بين أن يختلف الجنس أو يتحد. وإنما يختصّ باتحادِ الجنسِ ربا الفضل. واشتراط التقابض يعتَمد الاجتماعَ في علةِ التحريم، ولا التفات إلى المحل، وهو اتحاد الجنس.
وخصَّص أبو حنيفة اشتراط التقابض بالنقدين، ولا عذر له فيها. وقد طرد رسول الله صلى الله عليه وسلم تحريمَ ربا الفضل في الأشياء الستةِ عند اتحاد الجنس، ثم قال فيها بجملتها " إذا اختلف الجنسان، فبيعوا كيف شئتم يداً بيد " وتحريم النَّساء، يُنحَى به نحو التقابض، فكل عينين جمعتهما علةٌ واحدة في ربا الفضل، فلا يجوز إسلام أحدهما في الآخر، اتحد الجنس أو اختلفَ، فلا يصح إسلام البُرّ في الشعير، ولا إسلامُ الدراهم في الدنانير. وأما الاجتماعُ في الجنسية فلا وقعَ له عندنا؛ فيجوز إسلام الثوب في جنسه، وإسلام الخشبة في جنسها.
ومنع أبو حنيفة إسلام الشيء في جنسه، وظن أن اتحاد الجنس أحدُ وصفَي العلّة، وهذا عريٌ عن التحصيل، كما قرَّرناه في مصنفات الخِلافِ.
فإذا انعقدَ الأصلان وابتنيا على تحريم ربا الفضل، فنذكرُ بعدهما أن الدراهم والدنانير تتعيّنُ بالتعيين، فإذا عيَّن الرجل دراهمَ في بيعٍ ولزم، لم يملك إبدالها، ولو تلفت قبل القَبض والتسلم، انفسخ العقدُ، ولو أراد مالكها أن يستبدِل عنها، لم يكن له ذلك، كما لو فُرض التعيين في ثوب أو غيره، وخلاف أبي حنيفة في ذلك مشهور.
فإذا تمهّدَ هذا، خُضْنا بعدهُ في فصولٍ من الصرف وتحقيق التقابُض.
فصل:
2978- إذا بيعت الدراهم بالدراهم أو بالدنانير، وجرى التعيينُ من الجانبين، فيرتبط العقد بما عُين فيه، ولابد من التقابض في المجلس. ثم القول في مجلس التقابض، كالقول في مجلسِ الخيارِ، فلَسْنا نعني مكان العقد، وإنما نعني اجتماع المتعاقدَيْن وافتراقَهما، كما تفَصَّل في خيار المجلس بلا فرق، فإذا تفرقا قبلَ القبضِ، انفسخ العقد.
وإن تقابضا، والكلامُ مفروضٌ في التعيين، ثم وجد أحدُهما بما قبضه عيباً، فإن كان رديء الجنس، أو مشوَّشَ النقش، فإذا أراد الردَّ، فله ذلك، وحكم الردّ انفساخُ العقدِ، ولا استبدالَ؛ فإن مورد العقد معيّن، ولا فرقَ بين أن يجري الردُّ في المجلسِ، أو بعد التفرق.
وإن جرى التعيينُ كما ذكرناه والتقابضُ، ثم بان أن الذي قبضه أحدُهما نحاسٌ، فهذا يُثبت الردَّ، وقد بان أن العقدَ لم يكن عقدَ صرفٍ. ثم لا يخفى حكمُ الرد والفسخ.
والمسألةُ تلتفت على أصلٍ سيأتي، وهو أن من سمَّى جنساً وعيَّنه، ثم تبين أن الذي عيَّنَ ليس من الجنس الذي سمّى، ففي انعقاد العقد خلافٌ سيأتي. وذلك نحو أن يقول: بعتُك هذه النعجةَ، والإشارةُ إلى جحش، فإذا قال: بعتُك هذه الدراهم، فإذا هي فلوس، فالأمر يخرج على الخلاف الذي أشرنا إليه. وإن قال: بعتُك هذا، وكان حسِب المشتري أنه دراهمُ، فأخلف ظنه، فيلتحق هذا بفصول التلبيس، وسنذكرها في باب التصْرِية إن شاء الله.
فهذا إذا جرى العقد على التعيين، وليس هو غرضَ الفصل، وإنما ذكرناه لاستيعاب الأقسام.
2979- ولو وَرد العقدُ على الدراهمِ والدنانيرِ وصفاً بوصف، فهذا جائزٌ أولاً، اتفق عليه أئمتنا، ثم لابد من التعيين بالقبض في المجلس، ولا يكون هذا من السلم؛ فإن وضعَ السلم على اشتراط تسليم رأس المال في المجلس فحسب، والصرفُ يجوز عقده على الوصفِ، ثم لابد من التقابض. فإذا وضح ذلك، فلو تواصفا، ثم تقابضا، ثم بان أن ما قبضه أحدُهما ليس على الوصف الذي ذكره، فإذا جرى هذا في كل المقبوض في مجلس العقد، فالخطبُ يسير، فليردّ ما قبضه، وليستبدل عنه ما وصفه، ولا شك أن العقد لا ينفسخ بالرّدّ، وطلب البدلِ؛ فإن العقدَ ما ارتبط بالعين التي قبضها، وإنما ارتبط بموصوف، ثم بانَ أنَّ المقبوضَ ليس ذلك الموصوفَ، فكأن القابضَ لم يقبض، والمجلس بعدُ جامعٌ.
ولو تفرقا، ثم اطلع أحدهما على رداءة فيما قبضه لا يقتضيها الوصف، والقول فيه إذا كان المقبوض-مع ما بان فيه- من جنس الدراهم والدنانير، فإن رضي به القابض، فلا كلام. كما سيأتي شرحُه فيه إذا قبَض المسلمُ المسلَمَ فيهِ، فوجده دون الوصف.
ولو أراد الردَّ، فله ذلك، ولكن إذا ردّ، فهل ينفسخ العقدُ بردّهِ؟ فعلى قولين:
أحدهما: ينفسخ؛ فإنهما تفرّقا، ثم لما ردّ ما قبض، فكأنه لم يقبض في المجلسِ شيئاً، فيتبين انفساخُ العقد؛ من جهة التفرق قبل القبض المستحق.
والقول الثاني- لا ينفسخ العقد؛ فإنهما تقابضا ما لو قنِعا به، أمكن إجراءُ العقدِ عليهِ، فإذا رَام استبدالاً، فلا يرتفع القبض من أصله.
وعبَّر الأئمة عن حقيقة القولين، فقالوا: إذا فُرض ردٌّ على قصد الاستبدال، فنتبين أن القبضَ الذي هو ركن العقد لم يَجْرِ، أم لا يستدّ النقض إلى ما تقدَّم من القبض؟ فعلى قولين. وهذا بمثابة الاختلاف في نظيرٍ لهذا من السَّلم، فلو أسْلَم الرجل في جارية، ثم قبض جارية، فوجدها دون الوصف؛ فإن قنِع بها، فذاك. وإن ردَّهَا، فلا شك أنه يطلب جارية على الوصف المستحق، ولكن المسلَمَ إليه، هل يجب عليه استبراء الجارية التي رُدّت عليه، فعلى قولين مأخوذين من الأصل الذي مهّدناه الآن: فإن جعلنا ردّ الموصوفِ بمثابة ما لو لم يقبض، فيتبين أن ملك المسلم إليه ما زال عن الجارية بالتسليم إلى المسلِم، فلا حاجة إلى الاستبراء، وإن لم نُسند الأمر، فنقول: زال الملك فيها. ثم عاد وانتقض، فيجب الاستبراء.
2980- عدنا إلى تفريع ما ذكرناه في الصرف. فإن قلنا بالاستناد، فلو جرى الرد بعد التفرُقِ، بان انفساخُ العقدِ، ولم يملك الرادُّ بدلاً، وإن لم نقل بالإسنادِ، فالرّادّ يطلب من المردود عليه بدلَه على الوصف المذكور في العقد.
هذا إذا كان ما قبضه أولاً وأراد رَدّهُ من جنس ما سمّاه.
فأما إذا كان الموصوف دراهمَ والمقبوض زُيوفاً، فإذا وقع التفرق، بطل العقدُ، فإنه تفرّق قبل قبض الموصوف في الصرف.
ولو قال القابض: أقنعُ بما قبضتُه، لم يكن له ذلك، والجهةُ مختلفةٌ، فهو كما لو أسلم في جارية فسُلم إليه غلام، فليس له أن يقنع به.
وسيأتي شرح ذلك في كتاب السلَم.
وما ذكرناه في جميع المقبوض في رداءة الجنس، ومخالفة الجنس نُعيدُه في بعض المقبوض. فنقول: إذا تفرّقا، وقد تقابضا في ظاهر الحال، ثم بان أن بعضَ ما قبضه أحدُهما زيفٌ، فلا شك في انفساخ العقد في ذلك القَدرِ، ويتفرع في الباقي قولا تفريقِ الصفقةِ على ما سيأتي إن شاء الله تعالى.
وإن تفرقا، ثم كان بعضُ ما قبضه على خلاف الوصف مع اتحاد الجنس، فيخرجُ القولان في ذلك القدرِ الذي هو دون الوصف. فإن قلنا: لو ردّهُ، لانفسخ العقد تَبيُّناً، فهل ينفسخ في الباقي على قولي تفريق الصفقة؟ أم لا؟ وإن قلنا: لا ينفسخ العقدُ تَبَيُّناً، فليستبدل ذلكَ القدرَ. ولا يتطرقُ إلى هذا تفريقُ الصفقةِ؛ فإن التفريق ينشأ من انقسام حكم العقد ابتداءً، صحةً وفساداً، أو انتهاء فسخاً وإنفاذاً.
وقد يلتحق بما ذكرناه اشتمال الصفقةِ على جنسين من العقود، كالإجارة والبيع. وما ذكرناه من الاستبدال في البعض-حيث انتهى التفريع إليه- ليس من أصول تفريق الصفقة في شيء.
فصل:
2981- ذكر الشافعي في آخر الباب الصورةَ التي فرضناها في مد عجوةٍ ودرهمٍ، وهي بيع الدنانير المروانيَّة والعُتُق بالدنانير الوسط، وقد قدّمنا تفصيلَ المذهب في هذا الأصل، ثم ذكر بعد ذلك إباحةَ الذريعة التي لا تُناقض أصول الشريعة.
فإذا كان عند الرجل مائةُ درهمٍ صحاح، فأراد أن يحصل له مكانها مائةٌ وعشرون درهماً مكسرةً، فالوجه أن يشتري بالمائة سلعة أو دنانيرَ، ويسعى في إلزام العقدِ بطريقه، ثم يشتري بالسلعة أو بالدنانيرِ المائةَ والعشرين المكسَّرة، ويصح ذلك.
وقصدَ الشافعي بما ذكرهُ الردَّ على مالكٍ، فإنه يمنع أمثال هذا، واحتج الشافعي عليه بما روي أن عامل خيبرَ أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بتمر جَنيبٍ فقال: "أكُلُّ تمر خيبرَ هكذا؟ قال: لا. ولكن نبيع صاعين من الجَمْعِ بصاع من هذا-والجمع هو الدَّقَلُ وهو تَمر رديء- فقال النبي صلى الله عليه وسلم أَوْه عينُ الربا! لا تفعلوا، ولكن بيعوا الجَمع بالدراهم، واشتروا بالدراهم الجنيبَ".
ويقال: افتتح أبو حنيفة كتاب الحيل بهذا الخبر.
ولنا في الذرائع التي تتعلق بأمثال هذا والعاداتُ مطردة أو مختلفة كلامٌ سنذكره، إن شاء الله تعالى، في أثناء كتاب البيع.