فصل: فصل: في السخال في الغنم، والصغار في غيرها من المواشي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: نهاية المطلب في دراية المذهب



.باب: زكاة البقر:

1805- اعتمد الشافعي في الباب حديثَ معاذٍ رضي الله عنه، وفي حديثه: "أنه أخذ من ثلاثين من البقر تبيعاً"؛ فليس فيما دون الثلاثين زكاةٌ عند عامة العلماء.
وذهب بعض السلف إلى أن في كل خمسٍ منها شاة إلى الثلاثين، وهذا مذهب مهجور لا عمل به، ولا تعويل عليه، ومذهبنا ما ذكرناه.
1806- ثم التبيع أولاً ذكَرٌ، فإن أخرج تبيعة، قُبلت؛ فإنها أفضل. والتبيع هو الذي استكمل سنة، وطعن في الثانية، ومعتمد المذهب فيه أنه قد ورد في بعض الأخبار الجَذَعُ في مكان التبيع، والجَذَع من البقر، كالجَذَع من الضأن، وليس كالثَّنِيَّة من الضأن. وقد ذكر بعض المصنفين ما ذكرناه، وقال: إنه المذهب، قال: وقيل: التبيع العجل الذي يتبع أمه.
وذكر العراقيون في معنى التبيع طرقاً: أحدها: أنه الجَذَعُ، كما سبق تفسيره، قالوا: وهو المختار، قالوا: وقيل: التبيع هو العِجْل الذي يتبع أمه، وقيل: هو الذي بدا قرنُه، وصار يتبع أذنَه.
وعندي أن هذا تصرف منهم في مأخذ اللفظ من طريق اللغة، فأما حظ الفقه مما ذكروه، فهو أنه الجَذَع.
ثم المذهب الذي عليه التعويل أنه الذي استكمل سنة، وليس لما قيل من أنه العجل الذي يتبع أمه ضبطٌ، فإن كان يتطرق إلى المذهب شيء بعيد، فهو تردّد سنذكره في سن الجذعة من الضأن، وظاهر المذهب أنها التي طعنت في السنة الثانية، ومن أصحابنا من قال: إذا استكملت أشهراً، فهي جذعة. وهذا على بعده يجري في التبيع؛ فإن التبيع والجذع واحد، والمذهب ما ذكرناه.
1807- ثم لا شيء في الزيادة على الثلاثين حتى تبلغ أربعين، ففيها مُسِنَّة، وهي التي استكملت سنتين، وطعنت في الثالثة، وهي بمثابة الثَّنِيَّة في الغنم، والمسن لا يؤخَذ مكان المسنة؛ فإن الوارد في الخبر المسنة، والتعويل في النصب وواجباتها الأخبارُ.
ولو أخرج مسناً بدلاً عن تبيعٍ ذَكر، حيث يؤخذ التبيع، فلا شك في إجزائه؛ فإنه أفضل من التبيع.
1808- ثم يمتدّ الوقص بعد الأربعين إلى ستين. فإذا بلغت البقر ستين، استقر الحساب، ففي كل ثلاثين تبيع، وفي كل أربعين مسنة. ففي الستين تبيعان، والأوقاص بعد ذلك عشر عشر، ففي سبعين تبيع ومسنة، وفي ثمانين مسنتان، وفي تسعين ثلاثة أتبعة، وفي المائة مسنة وتبيعان، وفي المائة والعشرة مسنتان وتبيع.
ويجتمع في المائة والعشرين الحسابان؛ فإنها ثلاث أربعينات، وأربع ثلاثينات، فالواجب أربعة أتبعة، أو ثلاث مسنات.
1809- ثم الساعي يأخذ الأصلح عند وجود السنَّيْن، أو الاختيار إلى المعطي؟ تفصيل القول في ذلك كتفصيل القول في اجتماع الحِقاق وبنات اللبون في المائتين من الإبل، حرفاً حرفاً، من غير فرق في الأصل والتفريع، ولا مدخل للجبران في زكاة البقر أصلاً؛ فإنا أثبتناه في الإبل اتباعاً، ولا مدخل للقياس في قواعد الأبواب.

.باب: زكاة الغنم:

قال الشافعي: "ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم معنى ما أذكره... إلى آخره".
1810- لما أراد رضي الله عنه، أن يذكر نُصب الغنم لم يحضره لفظُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: "ثابت معنى ما أذكره". ويجوز أن يقال: صادفَ أوقاص الغنم مجمعاً عليه، فلم يتأنَّق في نقل لفظ رسول الله صلى الله عليه وسلم، ففي أربعين من الغنم شاة، ثم لا شيء حتى تبلغ مائةً وإحدى وعشرين، ففيها شاتان، ثم لا شيء فيها حتى تبلغ مائتين وواحدة، ففيها ثلاثُ شياه، ثم يمتد الوقص إلى أربعمائة، فلا شيء في الزيادة إلى هذا المبلغ، ثم إذا بلغت أربعمائة، ففيها أربع شياه، ويستقر الحساب، ففي كل مائةٍ شاة والأوقاص بعد ذلك مائة مائة.
1811- ثم نؤخذ الجَذَعة من الضأن والثَّنِيَّة من المعز.
وأبو حنيفة لا يقبل إلا الثَّنِيَّةَ من النوعين.
ومالك يرضى بالجَذَعَة منهما.
ومعتمدنا ما رُوي عن سويد بن غَفَلَة، أنه قال: سمعت مصدّق رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "أُمرنا بالجَذَعَة من الضأن، والثَّنِيَّة من المعز".
1812- ثم المذهب الذي عليه التعويل أن الجَذَعة هي التي استكملت سنة، وقال العراقيون: هكذا رواه الرِّياشي عن الشافعي، ومن أصحابنا من قال: إذا استكملت ستة أشهر، فهي جَذَعَة، وهذا ضعيف، نقلوه وزيّفوه، وفي بعض التصانيف أن الجذعة ما بين الثمانية الأشهر إلى العشرة، ولست أرى لهذا أصلاً، والتعويل على استكمال السنة، وقيل الجذعة من الضأن تحمل، وهي من المعز لا تحمل، وإنما تحمل منها الثَّنِيَّة، ولذلك قوبلت الجَذَعة من الضأن بالثَّنِيَّة من المعز.
1813- وأما الثَّنِيَّة، فهي التي استكملت سنتين، ولم أر في ذلك تردداً أصلاً، ولا خلاف أن الجَذَعَة من الضأن كالثَّنِيَّة من المعز في الضحايا.
فهذا بيان نصب الغنم، وما يجب فيها.
فصل: يشتمل على بيان أخذ الذكور.
1814- فنقول: التبيع أولاً ذكر مأخوذٌ، نصاً وإجماعاً، وإن كانت البقر إناثاً.
وابن اللبون مأخوذ من الخمس والعشرين من الإبل إذا لم يكن في المال بنتُ مخاض، وإن كانت الإبل إناثاً.
فأما القول في غيرهما، فنبدأ بالغنم، ونقول: إن كانت إناثاً، أو كان فيها إناث، فلا نقبل ذكراً، جَذَعاً ولا ثَنِياً، والذكورة في غير موارد النص عيبٌ. وقد ورد الخبر بالجَذَعة والثَّنِيَّة. فإن كانت الغنم كلها ذكوراً، فظاهر القياس والمذهب أنا نأخذ ذكراً، كما نأخذ من الغنم المعيبة معيباً.
ومن أئمتنا من قال: لابد من الأنثى، جَذَعة أو ثَنِيَّة، وإن كانت الغنم ذكوراً اتباعاً للحديث.
1815- وأما أخذُ المعيب، فليس في الحديث في صفة المأخوذ تعرّضٌ للسليم والمعيب، فحسُنَ حملُ المطلق على اتباع جنس المال، في الصحة والمرض.
1816- ولو كانت إبله كلها ذكوراً، فهل نأخذ ذكراً؟ التفصيل أنها إن كثرت، وكان الفرض يزيد فيها بزيادة العدد، فهي كالغنم فيما ذكرناه من أخذ الذكور، وإن كانت النُّصب بحيث يزداد الفرض فيها بالترقي من السن، فهذا ينقسم: فإن كان في أخذ الذكر تسوية بين القليل والكثير، كأخذ ابن اللبون بدلاً عن بنت اللبون في الست والثلاثين؛ فظاهر المذهب أنه لا يؤخذ الذكر في هذه المنزلة؛ لأن في أخذه التسوية بين فريضة الخمس والعشرين وبين فريضة الست والثلاثين.
ومن أئمتنا من يأخذ الذكر في هذه المنزلة، طرداً للقياس الذي ذكرناه؛ فإنا إذا كنا نأخذ مريضة من مراض، فنقدر الذكر بمثابة معيب. ثم هذا القائل يقول: نأخذ من خمس وعشرين من الإبل الذكور ابنَ مخاض، ولا نكلف المالكَ ابنَ لبون؛ فإنّ ابن اللبون يؤخذ من الخمس والعشرين حيث يكون واجب المال أنثى.
1817- وإن جمعنا كلام الأصحاب في المواشي، قلنا: أما مواقع النص في التبيع وغيره، فمستنثى، وأما غيره، فلا نأخذ ذكراً وفي المال أنثى.
فإن تمحّضَ المالُ ذكوراً، فأوجه: أحدها: أنا لا نأخذ ذكراً من غير فصل.
والثاني: أنا نأخذ الذكور من غير فصلٍ.
والثالث: أنا نأخذ من الغنم، ومن البقر، وكذلك نأخذ من الإبل، حيث لا يؤدي أخذُه إلى التسوية بين القليل والكثير، كما تقدم تقريره وتصويره.
فرع:
1818- إذا كان يُخرج مالك الإبل الشاةَ عن الخمس، فهل نكلفه إخراج أنثى أم يجزئه الذكر؟ فعلى وجهين، ذكرهما الصيدلاني:
أحدهما: نكلفه الأنثى؛ فإنها الأصل في الزكاة، إلا أن يرد نص في ذكَر.
والثاني: يقبل منه الذكر؛ فإنها ليست من جنس ماله، والشاة في هذا الموضع مطلقة في السُّنّة، ليس فيها تعرض للذكورة والأنوثة.
وهذا الخلاف الذي ذكرناه يجري في شاة الجُبران؛ إذ لا فرق.
ثم قال الأئمة: الذكورة لا أثر لها في الضحايا، فيجزىء الذكر إجزاء الأنثى؛ فإن الغرض اللحم، وما ينتجر من اللحم، فأما الزكاة؛ فإنا نأمل فيها أن ينتفع المسكين بأخذها واقتنائها؛ فتقع الأنوثة مقصودة من هذا الوجه.
فهذا منتهى القول في أخذ الذكور والإناث.

.فصل: في السخال في الغنم، والصغار في غيرها من المواشي:

1819- فنقول: أولاً إذا ملك الرجل أربعين سَخْلة، فالحول ينعقد عليها عندنا، ثم ينقضي الحول، وقد صارت جذاعاً، فيخرج منها جَذَعة إن كانت ضأنية.
وخالف أبو حنيفة في هذا، فقال: إذا ملك سخالاً، لا أمهات معها، لم ينعقد الحول أصلاً، حتى تصير جِذاعاً، ثم ينعقد ابتداءُ الحول.
1820- وإذا ملك نصاب أو نُصباً من كبار الغنم، فحدث في أثناء الحول نتاج، فالسخال تتبع الأمهات في حولها بشرائطَ، منها: أن تكون مستفادة من نتاج الأمهات، فإن استفادَها عن إرث، أو شراء، أو غيرهما، لم تجب الزكاة فيها إلا بحول كاملٍ من وقت الاستفادة، كما سنذكر من بعدُ أن المستفاد من الأموال لا يضم إلى النصب العتيدة في الحول. ولكنْ حولُ كلِّ مستفاد من وقت استفادته.
ومما نشترطه أن تكون الأمهات نصاباً، فصاعداً، فإذا حدثت منها السخال، ثم تم حولها، فتجب الزكاة في السخال بحول أمهاتها، حتى لو كان في ملكه مائتان من الغنم، فنُتِجَتْ سخلةً في اليوم الأخير من الحول، فيجب في المال ثلاثُ شياه، ولولا هذه السخلة، لكان واجب المائتين شاتين. ولو كان يملك تسعاً وثلاثين من الغنم، فنُتِجَت سخلةً، فالآن كما تم النصاب من هذا الوقت، ينعقد ابتداء الحول.
ومما نشترطه أن تحدث السِّخال في الحول، فلو انقضى الحول على الأمهات، ثم حدثت السخال في الحول الثاني، فلا زكاة في السخال بحكم الحول الأول، ولكنها يُتربص بها انقضاء الحول الثاني، ثم إذا نُتجت سخالاً وقد بقي من حول الأمهات بقية، وماتت الأمهات بعد السخال، وكانت السخال نصاباً، فإذا تم حولُ الأمهات، وجبت الزكاة في السخال بحول الأمهات عندنا.
1821- وأبو حنيفة يقول: "إن هلك جميع الكبار، انقطع حول السخال، وزالت التبعية"، والسخال لا تتأصل في الزكاة عنده، فإذا صارت ثنايا، فينعقد الحول من ذلك الوقت، ولو بقي من الكبار واحد بقي حولُ السخال، وإن كان ذلك الباقي ذكراً.
1822- وقال أبو القاسم الأنماطي ينقطع حول السخال بموت الأمهات، كما قال أبو حنيفة إلا أن يبقى من الكبار نصابٌ، فلم يكتف ببقاء واحدٍ كما اكتفى أبو حنيفة.
1823- وهذا غير معدود من المذهب، وإنما مذهب الشافعي ما قدمناه: من أن جميع الكبار لو تماوتت، فتبقى السخال في حول الأمهات بشرط أن تكون نصاباً كاملاً كما قدمنا.
1824- ثم إذا انقضى حول الأمهات، وأوجبنا الزكاة في الصغار، فكيف التفصيل فيما يخرج منها؟ فنقول: إن كان فيها كبيرة أو كبار، فلا تجزىء إلا كبيرة، على القياس الممهد في المراض والصحاح، والأصل فيه ما روي: "أن مصدق عمرَ قال لعمرَ: إن هؤلاء يقولون: يعدّون علينا السخال، ولا يأخذونها، فقال عمر: اعتدّ عليهم بالسخلة، يروح بها الراعي على يديه، ولا تأخذها، ولا تأخذ الأكولةَ، ولا الرُّبَّى.
ولا الماخضَ، ولا فحلَ الغنم، وخذ الجذعةَ من الضأن والثنيةَ من المعز، وذلك عدل بين غِذاءِ المال وخياره".
فهذا إذا كان في المال كبيرة، أو كبار.
1825- فأما إذا تمحضت السخال أو صغار الإبل والبقر، والصغر هو الانحطاط عن السن المجزىء في الشرع، فما دون بنات المخاض، فصيل وحُوار، كالسخال من الغنم، وما دون التبيع عجاجيل. وتفصيل المذهب فيما يؤخذ منها يقرب مما ذكرناه في أخذ الذكور من الذكور.
فمن أئمتنا من قال: يتعين الكبير في جميع ذلك ولا يجزىء إلا كبيرة، وهذا مذهب مالك، وقيل: هو قول قديم للشافعي.
ومن أصحابنا من قال: تؤخذ الصغيرة من الصغار، في جميع أجناس المواشي.
ومنهم من قال: تؤخذ الصغيرة من الغنم، فأما من البقر والإبل، فحيث يؤدي أخذ الصغير إلى التسوية بين القليل والكثير، فلا نأخذ الصغير، وذلك حيث يكون زيادة الواجب بالترقي في الأسنان، وحيث تكون الزيادة بالزيادة في العدد، فلا يؤدي إلى هذا، فيؤخذ من الإبل والبقر.
وهذا وجه عدل متجه، وقد ذكرنا نظيره في الذكور وأَخْذها، ولكن بين الوجهين في الفصلين فرقان:
أحدهما: في الظهور والصحة، والثاني: في التفصيل، فأما الظهور، فهذا التفصيل في أخذ الصغار منقاس، كما ذكرناه، فأما في أخذ الذكور، فقُصاراه أن نأخذ من ست وثلاثين ابن لبون، ونحن قد نأخذ ابن لبون من خمس وعشرين.
وهذا يُجاب عنه بأنا إنما نأخذ ابن لبون بدلاً عن بنت المخاض، إذا كان في ماله إناث، فأما إذا كان كله ذكوراً، فنأخذ ابن مخاض عن خمسٍ وعشرين، وابن لبون، من ست وثلاثين؛ فلا يؤدي إلى التسوية، فأما في الصغار، فإذا أخذنا فصيلاً من خمس وعشرين، وفصيلاً من إحدى وستين فيؤدي إلى التسوية بين القليل والكثير، وهذا بعيد لا وجه لاحتماله، ولكنه على بعده منقولٌ على الصحة، ذكره شيخي والصيدلاني وغيرهما.
وهذا في أخذ صغيرٍ من صغار.
فأما أخذ ابن لبون من ست وثلاثين، والإبل كلها ذكور، فمن وجَّه المنعَ فيه بأنا قد نأخذ من خمس وعشرين ابنَ لبون إذا كان في الإبل إناث، ولم يكن فيها بنتُ مخاض؛ فإذا أخذناه من ست وثلاثين، كان ذلك تسويةً بين القليل والكثير. وهذا إنما يجاب عنه بأنا إنما نأخذ ابنَ لبون من خمسٍ وعشرين، إذا كان فيها إناث، ولم يكن في المال بنتُ مخاض؛ فإنا نقيم زيادةَ السن في ابن اللبون مقام فضيلة الأنوثة في بنت المخاض، فأما إذا كانت الإبل كلُّها ذكوراً؛ فإنا نأخذ من خمس وعشرين ابنَ مخاض، فيظهر الفصل بين القليل والكثير، فأما أَخْذ فصيل من خمس وعشرين، وأَخْذُه من إحدى وستين، فتسوية على القطع بين القليل والكثير، فكان ظاهر السقوط.
فهذا بيان ما وعدنا من الفصل بين أخذ الذكور، وأخذ الصغار في الظهور.
1826- فأما الفصل بينهما على التفصيل، فهو أن من يفصل في الذكور إنما يقول ذلك في الست والثلاثين فحسب؛ فإن ما يُصوّر من أداء أخذ الذكر إلى التسوية يتحقق في هذه الصورة، ولا جريان لهذا التفصيل في البقر. فأما من يفصل في الصغار، فإنه يطرد المنع حيث يكون ازدياد الفرض بالترقِّي في السن عند وجود الأسنان، وهذا يجري في صورٍ في زكاة الإبل ويجري أيضاً في زكاة البقر.
ثم قال الأئمة: إن قلنا: لابد من كبيرة، وإن كانت الماشية صغاراً، فإنا نجتهد في ذلك ونحرص؛ حتى لا نجحف برب المال، فنأخذ جذعة من أربعين من سخال الغنم، قريبة القيمة من سخلة، ونشترط أن تكون سليمة من العيوب.
ولا ينبغي أن يظن الفقيه أنا نلتزم التسوية بين قيمة تلك الجذعة وبين السخلة؛ فإن هذا قد لا يتأتى أصلاً؛ إذ قد يكون أكبر سخلة في المال غيرَ مستكملة شهراً، وقد لا تكون شريفة الجنس أيضاً، فليس من الممكن فرض جذعة سليمة على قيمتها، ولكن معتمد هذا القول الاتباع أولاً، ثم بعده يقال: السخال إلى الكبر ها هي.
ولئن أخذنا في سنةٍ جذعة من صغار، فقد نرضى بجذعة من كبارٍ نفيسة، وتمحُّضُ الصغار مما يندر، فيقابل هذا الوفاقُ صوراً غالبة تنحط فيها الجذعة عن أسنان الماشية.
غير أنا مع هذا نحرص على ما ذكرناه، فإن أمكننا أن نرضى بجذعة تساوي سخلة مما معنا، بأن نفرض شرفاً في جنس السخال، وكانت الجذعة من نوع قريب القيمة، فما عندي أن الأئمة يسمحون بالعدول عن النوع الشريف، وفيه احتمال؛ فإنه يعارض ما ذكرناه. وإن عدلنا عن أسنان السخال، فلم نرض بسخلة، فلا يبعد أن نعدل عن نوعها، فنرضى بنوع دون نوعها. والعلم عند الله تعالى.
1827- ولا أحد يصير إلى أنا إذا لم نجد جذعة قريبة من سخلة أنا نعدل إلى الدراهم، فإن هذا يؤدي إلى إيجاب إخراج قيمة سخلة، ولو أجزأت قيمة سخلة، لأجزأت سخلة في نفسها.
فلينظر الطالب فيما يرد عليه.
1828- وقال الشيخ أبو بكر: إذا قلنا: يجوز أن نأخذ صغيرةً من صغار الإبل إذا تمحضت صغاراً، فينبغي أن يحرص الساعي حتى يأخذ من المقدار الكثير فصيلاً أكبر سناً مما يأخذه مما دونه، حتى يحصل عند الإمكان فصلٌ بين المأخوذ من الكثير والمأخوذ من القليل، فلو أراد أن يأخذ أكبر فصيل من خمس وعشرين، فالوجه أن يُمنع، ويكلف النظرَ إلى الأسنان عند وجودها، ومعلوم أنه لو ملك خمسة وعشرين من جذاع الإبل، أو ثناياها، فإنا نكتفي منه ببنت مخاض، وهي أول الأسنان المعتبرة، فلينظر الناظر إلى مثل ذلك في الفُصلان.
ثم يخرج من هذا أنه يأخذ أكبر الفُصلان في المقدار الكثير. وعلى الجملة إن أمكن التفاوت، فهو حتم، والأمر فيه إلى نظر الساعي، واقتصاده. ومهما بُلي بهذا المقام، فقد وقع إلى أمر ليس بالهيّن؛ فإن الأسنان إذا كانت موجودة ممكنة، فالمتبع والأسوة فيها الشرع، ولا اجتهاد. وقد كفى الشارع بنصوصه. وإن كانت الفُصلان كلُّها على مرتبة واحدة، فلابد على هذا من التسوية بين القليل والكثير، على الوجه الذي نفرع عليه.
1829- ثم قال الأئمة: الزكاة تنفصل عن الضحايا بعد تمهيد ما ذكرناه من وجوه: منها- أن الأصح أخذ صغيرة من صغار، حيث تكون زيادة الفرض بالعدد، فنأخذ سخلة من أربعين، وقد اشتدّ في الجديد نكيرُ الشافعي على من يخالف في ذلك، وقال: "قد يكون أقل جذعة تساوي عشرين، وكل سخلة تساوي نصف درهم"، ففي أخذ الجذعة استيعاب ماله، أو الإتيان على معظمه.
ولا مدخل للصغير في الضحايا، والسبب فيه أن الزكاة تتعلق بأصناف الأموال وأجناسها؛ ففي أخذ صغيرة من صغار جريان على ذلك، وأما الضحية؛ فإنها لا تتعلق بصنف المال وجنسه، وإنما الأمر بها على صفتها يصادف الذمة.
ومما تفارق فيه الضحية الزكاةَ أن الذكر في الضحايا يجزىء، وفي الزكاة التفصيل الذي تقدم، والفرق أن المقصود الأظهر في الضحايا اللحم، والذكورة لا تؤثر فيه، والغرض من الزكاة شرف الجنس إذا كان النصاب شريفاً، والأنثى أشرف في الماشية، وصرّح الصيدلاني بأن الشَّرْقاء والخرقاء مجزئة في الزكاة؛ فإنها ليست معيبة بعيب يؤثر في القيمة والمالية، وهي المرعية في الزكاة، وأما الضحايا، فقد يعتبر فيها استشراف المنظر حُسْناً.
وما حكيته عن شيخي من التسوية بين الضحايا والزكاة في هذه العيوب، غير معدود من المذهب، وإنما هو هفوة من السامع أو المسمِّع.
فصل:
1830- إذا اختلف أنواع ماشيةٍ مع اتحاد الجنس، فكان في الإبل مَهْريّة وأرْحَبِيّة، وفيها مُجَيْدِيّة، وكذلك لو فرض اختلاف النوع في الغنم، فكان فيها ضأنية وماعز، فقد اختلف قول الشافعي في المأخوذ زكاةً منها، فقال في أحد القولين: ينظر إلى غالب ماله، فإن كان أكثره ضأناً، طلبنا جذعة من الضأن، وإن كان أكثره معزاً طلبنا ثنية من المعز.
والقول الثاني: أنا ننظر إلى كل صنف، ونحرص أن نأخذ من كل بقسطه على ما سنفصله في التفريع.
توجيه القولين: من قال: ينظر إلى الأغلب الأكثر، استدل بأنا لو تكلفنا النظر إلى كل نوع، فقد تكثر الأنواع في الماشية، وتكون الزكاة حيواناً واحداً، وذلك يعسر جداً، على ما سنبيّن عسره في التفريع.
ومن قال: ينظر إلى كلّ صنف، بناه على قاعدة القياس في الصنف إذا اتّحد، شريفاً كان أو خسيساً؛ فإنا نؤثر أن نأخذ من نوع المال، فيلزم هذا الأصل في اختلاف الأنواع.
1831- التفريع: إن قلنا: نأخذ من غالب ماله، فلو ملك خمساً وعشرين من المعز، وخمسة عشر من الضأن، اكتفينا منه بثنية من المعز، كنا نأخذها لو كانت غنمه كلها معزاً، ولو كان الأكثر ضأناً، طلبنا جذعة من الضأن، كنا نطلبها لو تمحّض المال ضأناً.
ولو استوى النوعان في المقدار، فقد نزّل الأئمة هذا في التفريع، منزلة ما لو اجتمع في الإبل البالغة مائتين الحقاقُ وبناتُ اللبون، فظاهر المذهب أن الساعي يأخذ الأشرف، والأصلح، فكذلك ها هنا.
ومن قال ثَمَّ: الخِيَرةُ إلى المالك، يَطْردُ هذا القياسَ هاهنا أيضاً.
وإن قلنا: ننظر إلى كل نوع، فليس المراد به أنا نأخذ نصف ضأنية، ونصف ماعزة؛ فإن التبعيض فيهما عسر.
ولو بذل المالك أشقاصاً، ورضي بها الساعي، لم يَجُزْ، ولم يقع موقع الاعتداد وفاقاً، ولكن المراد باعتبار الأصناف، أنه إذا ملك عشرين من الضأن، وعشرين من المعز، وكانت الثنية من المعز تساوي اثني عشر، والجذعة من الضأن تساوي عشرين، فإنا نأخذ نصف العشرين تقديراً، ونصف الاثني عشر، وذلك ستة عشر، فنكلفه أن يشتري بهذا المبلغ جذعة من الضأن وسطاً، أو ثنيّةً من المعز شريفة.
فهذا معنى النظر إلى الأصناف.
وقال الشافعي مفرِّعاً على هذا القول: لو ملك خمساً وعشرين من الإبل، عشرٌ منها مَهْرِيّة وعشرٌ أرحبية، وخمسٌ مُجَيْدية؛ فإنا نقدر خُمْسَي بنتِ مخاض أرْحَبية وخُمْسَي مَهْرِيّة، وخُمْسَ مُجَيْدِية، ونكلفه أن يشتري بها صنفاً من هذه الأصناف التي ذكرناها.
فهذا بيان رعاية الأصناف والنظر إليها.
ثم إنا نلحق بخاتمة الفصل أموراً يتم بها البيان.
1832- فنقول: الضأن أشرف من المعز، فلو ملك أربعين من الضأن الوسط، فأخرج ثنيةً من المعز الشريفة، وكانت تساوي جذعة من الضأن الذي يملكه، فهذا محتمل متردد، والظاهر عندي إجزاؤها، وليس كما لو أخرج معيبة قيمتها قيمةُ سليمة؛ فإنا لا نقبلها.
والدليل على الفصل بين البابين، أنه لو كان في ماله سليمة، وأغلبه معيب، لم نكتف منه بمعيبة، وإذا كان في ماله ماعزة وضأنية، فإنا قد نأخذ منه ماعزة كما تفصَّل.
ثم مما يجب التفطّن له أن الذكورة والصغر ملحقان بالعيب في الزكاة بل قد يزيدان على العيب، بدليل أنا نأخذ من المعيب المتمحّض معيباً، وقد لا نأخذ من الذكور ذكراً، ومن الصغار صغيرة، على التفصيل المقدم.
1833- ولو كانت ماشيته سمينةً في المرعى، فنطالبه بسمينة، ونجعل ذلك كشرف النوع.
قال صاحب التقريب: لو كانت ماشيته كلها ماخضة، لا نطلب منه ماخضة، وهذه الصفة معفوّ عنها، كما يعفى عن الوقص، والذي ذكره حسن لطيف.
وفيه نظر دقيق، وهو أن الماخض قد تتخَيّل حيوانين: الأم، والجنين. وفي الأربعين شاةٌ واحدة؛ فتكليفه ماخضاً لا وجه له، وقد يرد على هذا إيجاب الخَلِفات في المائة من الإبل، ولكن الدية اتباعية، لا مجال للنظر في مقدارها، وصفتها، ومن يحملها، ولا وجه عندي لمخالفة صاحب التقريب فيما ذكره.
1834- ومما ذكره الأئمة عن صاحب التقريب أن الساعي لا يعتمد كريمةً شريفةً من ماشية الرجل، وقد صح نهيُ رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك في أخبار، فلو تبرع الرجل بإخراج تلك الكريمة، فهي مقبولة منه في ظاهر المذهب.
قال: ومن أئمتنا من قال: إنها غير مقبولة؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم "نهى عن أخذ كرائم أموال الناس".
وهذا مزيّف لا أصل له؛ من جهة أن المراد بالنهي منع السعاة من الإجحاف بملاك الأموال، وأمرهم برعاية الإنصاف، ولا يفهم الفقيه من هذا أن المالك لو تبرع ببذل كريمةٍ لا تقبل منه، وهذا الوجه لم أنقله في (الزوائد) من كلام صاحب التقريب. وغالب ظني أني اكتفيت فيه بنقل الأئمة.
ومما يتصل بذلك أنه لو بذل ماخضاً، قبلت منه على طريقة الأئمة، واعتدّت فريضة كالكريمة في نوعها، أو صفتها.
ونقل الأئمة عن داود أنه منع قبول الماخض، مصيراً إلى أن الحمل عيب، وهذا ساقط من جهة أنه ليس عيباً في البهائم، وإنما يُعد عيباً في بنات آدم.
وذكر العراقيون أنه لو تبرع بالرُّبَّى-وهي التي تربِّي ولدها- على قرب عهد بالولادة، قُبلت، جرياً على القياس.
وحكَوْا وجهاً بعيداً عن بعض الأصحاب أن الرُّبَّى لا تقبل من جهة أنها لقرب عهدها بالولادة تكون مهزولة، والهَزْل عيب. وهذا ساقط، فقد لا تكون كذلك، وقد تكون غيرُ الرُّبَّى مهزولة، والهزال الذي يعد عيباً هو الهزال الظاهر البيّن.
فصل:
1835- اختلف قول الشافعي في جواز نقل الصدقات، على ما سيأتي مشروحاً في موضعه، إن شاء الله تعالى، والغرض تفريع مسألةٍ ذكرها الشافعي وهي: إذا كان للرجل أربعون من الغنم، عشرون ببلدة وعشرون ببلدة أخرى، ووجبت الزكاة، فقد قال الشافعي: "يؤدي شاةً بأي البلدين شاء".
وقد تردد الأصحاب في هذا، فقال قائلون: هذا تفريع تجويز نقل الصدقات، فإن منعنا ذلك، لزم إخراجُ نصف شاة بإحدى البلدتين، وإخراجُ نصفٍ آخر بالبلد الآخر، وتُحْتَمَلُ ضرورة التبعيض، حتى لا يؤدي إلى نقل الصدقة؛ فإن موجب القول بمنع النقل أن أهل كل ناحيةٍ بها المال استحقوا زكاته، وتعينوا لاستحقاقها، فلا يجوز إبطال استحقاقهم بسبب التبعيض، فيجزىء لهذه الضرورة نصفا شاتين، وإن كان ذلك لا يجزىء من غير ضرورة وحاجة.
والأئمة وإن اختلفوا في أن إعتاق نصفي عبدين هل يجزىء عن إعتاق رقبة مستحَقة في الكفارة، لم يختلفوا في أن إخراج نصفي شاتين لا يقوم مقام إخراج شاةٍ، من غير ضرورة ولا حاجة، ولكن إذا ثبتت ضرورة، أجزأت.
ثم تمام التفريع عند هؤلاء أنه إن أمكن التبعيض، فذاك. وإن عسُر، ولم يصادف الإنسانُ نصفَ شاة، فقد قال صاحب التقريب: يخرج قيمةَ شاة حيث عسر.
ونحن قد نجوّز إخراج القيمة عند التعذر والعسر، على ما سنقرر ذلك عند ذكرنا منعَ إخراج الأبدال في الزكوات.
وقد يخطر لذي نظرٍ أن الشاة التي تساوي عشرين، قد لا يشترى نصفها بعشرة، وإنما يشترى بثمانية، ولكنا عند الرجوع إلى القيمة، لمكان قيام ضرورة، نعتبر قيمةَ النصف بقيمة التمام، ولا نظر إلى ما أشرنا إليه.
فإن قيل: إذا جوزتم إخراج نصفي شاتين، وكان ذلك ممكناً، فقد يتوصل مالك المال إلى نصفي شاتين بأقل من عشرين. قلنا: لا نظر إلى ذلك، مع حصول نصفي الشاتين.
فهذه طريقة.
1836- ومن أئمتنا من منع التبعيض، وقال: ينبغي أن يخرج شاة بإحدى البلدتين، والخِيَرةُ في ذلك إليه، وهذا ظاهر النص؛ فإنَّ ذكرَه البلدتين، وانقسامَ المال عليهما، ثم جوابه بأنه تجزىء شاة في إحدى البلدتين دالٌّ على أنه يفرعّ على منع النقل، وإلا فلا فائدة-على قولنا بجواز النقل- لتخصيص هذه الصورة بالذكر.
وإذا ثبت أنه يخرج شاةً بإحدى البلدتين، فقد اختلف أصحابنا على وجهين في العلة، على هذه الطريقة الصحيحة، فمنهم من قال: سبب جواز ذلك-والتفريع على منع النقل- التبعيضُ والتشقيص، وهوْ مُجتنب في المواشي، وعلى ذلك ابتنى جريان الأوقاص، عفوَه عن مزيد واجب. ومنهم من قال: علة التخيير بين إخراج شاة هاهنا أو بالبلدة الأخرى أن المالك واحد، والمال منقسم، فله بكل بلدة من البلدتين عُلقة، فنفرع عليه التخيير فيما ذكرناه.
1837- وينبني على هاتين العلتين مسألة وهي أنه إذا كان له أربعمائة من الغنم في أربع بلاد، فواجبها أربع شياه، والتفريع على منع النقل، فإن عللنا بالتبعيض في الصورة المقدمة، فلا يجوز النقل في هذه الصورة؛ بل يتعين إخراج شاة بكل بلدة، وإن علّلنا بأن له بكل بلدةٍ عُلقة، وجنس المال متحد، فهو بالخيار: إن شاء فرّق الشياه، كما ذكرناه في البلاد الأربعة، وإن شاء جمعها في بلدة، أو كما يشاء بعد أن لا يتعدى الأربع البلاد ولا يبعض.
1838- قلت: تجويز النقل بأن له بكل بلدة مالاً لا أصل له عندي، وإنما يظهر التعليل في الصورة المتقدمة بضرورة التبعيض لا غير، فإن لم يكن بدّ من تخريج المسألة الأخيرة على الخلاف، فلعل الأقرب في التعليل أن الزكاة وإن لم تتبعض في الصورة التي ذكرناها، فالغنم نامية، وهي سريعة المصير ترفّعاً إلى مبالغ يقتضي الحساب تشقيص واجبها على التفريق، وذاك يعسر ضبطه، فيجوز النقل لحسم هذا الإمكان.
ومما أقطع به تخريجاً على هذا التنبيه أنه لو كان للرجل عروض تجارة ببلد، وله مال تجارة ببلدة أخرى، ورأس المالين دراهم، فيجب القطع بأنه يخرج زكاة كل مال حيث هو، ولا يجوز النقل على منع النقل، فإن التبعيض لا وقع له في الدراهم بوجه، ولذلك لم يثبت عند الشافعي للدراهم وقص بعد الوجوب، وهذا ظاهر لا ريب فيه. فيظهر بهذا بطلان التعليل بأن له بكل بلدة عُلقة في الجنس الواحد الزكاتي.
فصل:
قال: "ولو قال للمصدق هذه وديعة، صَدَّقه... إلى آخره".
1839- إذا جاء الساعي يطلب صدقة ماشيته مثلاً، فقال من في يده المال: ليست الماشية لي، وإنما هي وديعة، وليس عندي حساب حولان الحول عليها، أو تفصيل أمرها، أو قال: هي وديعة لذميّ، أو قال: ما تمّ حولها بعدُ، أو قد أديت زكاتَها إلى ساع آخر، مرّ بنا، أو أزلتُ ملكي في أثناء الحول وانقطع الحول، فكيف السبيل إليه؟
فنقول: هذه الصورة تفرع لا محالة على أنه يتعيّن دفع زكاة الأموال الظاهرة إلى السلطان، فإذا جرى النزاع بين الساعي والمالك، وكان قول المالك يقتضي سقوطَ الطلب عنه لو صُدِّق، فظاهر نص الشافعي يقتضي أنه يُصدَّق، وقاعدة المذهب أن القول في جميع ذلك قولُ رب المال، وإن تُصوِّر في بعضها بصورة من يدعي إذا قال: قد أديت الزكاة.
وكأن السر فيه أنّا وإن قلنا: يتعين صرف الزكاة إلى الساعي، فالأصل قول رب المال، وهو الملتزِم، والزكاة تجب لله تعالى، ركناً في الإسلام، ولكن الشارع عيّن له نائباً، وأمره بصرف الزكاة إليه إقامةً لمصلحة كلية، فالقول إذاً قول رب المال في الوجوه التي ذكرناها.
1840- وإنما الكلام بعد تمهيد القاعدة في أنه هل يحلَّف أم لا؟ وكيف السبيل فيه لو عرضت عليه اليمين فنكل؟
فنقول: ما تحققتُه من الطرق أنه إذا كان الظاهر لا يكذِّب المالكَ، ولم يُتصور بصورة مدّعٍ، مثل أن يقول: ما تمّ حول هذا المال، أو وقع النزاع في سخال، وتاريخ ولادتها، فكان رب المال يقول: ما ولدت في الحول المنقضي، فلا زكاة فيها لحول أمهاتها، وإنما ولدت من بعدُ، فلا ظاهر يكذبه فيما ذكرناه.
فإن كان المالك مع ما ذكرناه، عدلاً ثقة، عند الساعي، وكان لا يتهمه، فلا يحلِّفه، بل يكتفي بقوله.
وإن تصور بصورة مدّعٍ مثل أن يقول: قد أديتُ الزكاة، أو كان الظاهر يخالفه في مثل قوله: ليست الماشية لي، وظاهر اليد يقتضي كونَها له، أو قال: قد قطعت الحول ببيع، ثم استفدت، فإن انضم إلى مخالفة الظاهر في هذه الصورة، كونُه متهماً عند الساعي، فإنه يحلّفه، وإن لم يكن متهماً عند الساعي بل كان في ظاهره عدلاً، فهل يحلِّفه؟ فعلى وجهين. ولو كان لا يكذِّبه ظاهر، ولم يكن عدلاً عند الساعي، فالذي ذكره العراقيون أنه لا يحلَّف أيضاًً.
ومن أئمتنا من قال: يُحَلّف.
1841- فحاصل المذهب أنه إذا لم يكن الظاهر مخالفاً له، ولم يكن متهماً، فلا يحلّف. وإن كان الظاهر يخالفه وكان متهماً، حُلّف. وإن خالفه الظاهر وكان عدلاً، أو لم يخالفه الظاهر، ولم يكن عند الساعي عدلاً، ففي تحليفه وجهان.
فهذا أصل المذهب، ومستنده ما ذكرته من تأصّل ربّ المال في الزكاة؛ فإليه الرجوع.
1842- ثم حيث قلنا يحلّفه الساعي، فقد ظهر اختلاف الأئمة في أن اليمين مستحبة أو مستحقة؟ وكل ذلك يؤكد ما ذكرته من أن الأصل رب المال، فإن قلنا: اليمين مستحبة، فلا أثر لعرضها، ولا وقع للنكول عنها.
والذي يفرع على ذلك أن الساعي إذا رأى عرض اليمين مستحباً، فالذي أراه أنه على هذا لا ينبغي أن يجزم الأمر باليمين؛ فإن السلطان أَمْرُه ممتَثَل، فإذا أمر، فقد أرهق واقتهر. وقد يخفى على رب المال عقدُ الساعي في أن عرض اليمين ليس بواجب.
وإن قلنا: عرضُ اليمين مستحق؛ فإذا حلف رب المال، سقطت الطَّلِبَة في جميع هذه الوجوه.
1843- وإن نكل عن اليمين، فقد اختلف أئمتنا على أوجه، فمنهم من قال: يقضى عليه بنكوله، وهذا فائدة استحقاق اليمين. فإن قيل: القضاء بالنكول يخالف مذهب الشافعي. قلنا: نحن لا نقضي بالنكول في خصومات الآدميين، لإمكان ردّ اليمين فيها على المدعي، والرد هاهنا غير ممكن، لا على الساعي؛ فإنه نائب، ولا على المساكين، فإنه لا نهاية لهم، فمنتهى الخصومة نكولُه فقضي به.
1844- ومنهم من قال: لا يقضى بنكوله، جرياً على القاعدة في الامتناع عن القضاء بالنكول. و خصومة الزكاة أولى بهذا، لما قدّمنا ذكره في أثناء الكلام؛ إذ قلنا: الوالي في حكم النائب عن رب المال، وإلا فهو الأصل في التزام الزكاة، والمخاطب بها، فإن رأينا وجوبَ التسليم إلى النائب لمصلحة، فلا تخلو القاعدة عن حقيقتها، حتى يقضى فيها بمجرد النكول، من غير حجة تقوم.
1845- ومن الأئمة من فصّل القول، وقال: إن كان ربّ المال متصوّراً بصورة مدعىً عليه، فلا يقضى بنكوله، مثل أن يقول: لم يحل الحول على هذا المال، أو ليس المال لي، وإنما هو وديعة عندي، فإذا حُلّف، ونكل عن اليمين، لم يقض عليه بنكوله؛ طرداً للقياس في منع القضاء بالنكول.
وإن تُصوِّر رب المال بصورة المدعي مثل أن يقول قد أديت الزكاة إلى ساعٍ آخر، أو بعتُ المالَ بيعاً يقطع الحول، فإذا حُلِّف ونكل عن اليمين، يُقضى عليه بنكوله؛ فأنه لو حلف، لكان على صورة مدعٍ مثبت، فإذا احتمل ذلك في تحليفه، فليجر في نكوله على قياس نكول المدعي، ولو نكل المدعي عن اليمين المردودة عليه، لقضي بنكوله. على ما سيأتي تفصيله مشروحاً في الدعاوى والبينات، إن شاء الله عز وجل.
1846- وهذا-مع أنه أعدل الوجوه- فيه شيء؛ فإن المودع إذا ادّعى رَدَّ الوديعة، فاليمين معروضة فيها عليه، وهو على صورة المدعين، ولو نكل، لم يقض عليه بنكوله.
ولكن سبب منع القضاء عليه إمكانُ الردّ على الخصم، الذي هو مالك الوديعة، والرد غير ممكن في الزكاة، وانضم إليه تصوّر من عليه الزكاة بصورة المدعي، فقيل: إنه يقضى عليه.
فإن قلنا: يقضى عليه بنكوله، فلا كلام.
وإن قلنا: لا يقضى عليه، فقد اختلف أصحابنا: فمنهم من قال: يخلى سبيله، وهذا ظاهر المذهب.
1847- ومنهم من قال يُحبس، حتى يَحلِف، أو يعترف. وهذا القائل يُعلل ذلك بأنا إذا كنا نخلّيه، فلا فائدة للحكم بوجوب عرض اليمين عليه، والقضاءِ بأن استحلافه مستحق. فإن قُضي عليه بالنكول، فقد أفاد استحلافُه، وإن حبسناه، فيحلف، فقد ظهر وجوب اليمين عند الإنكار.
وإن قلنا: لا يحبس، ولا يُقضى عليه، فقد سقط أثر استحقاق الاستحلاف.
1848- قلت: الحبس ليَحْلف خروجٌ عن قاعدة الشافعي، وانسلال عن الضبط بالكلية؛ فإن مما ظهر تشغيبنا فيه على أبي حنيفة مصيره في القسامة إلى حبس المستَحْلَفين حتى يحلفوا.
ولكن يجب القطع بأنه إذا كان لا يحبس، ولا يُقضى بنكوله، فلا يجب استحلافه. ولا يتفرع هذا قطعاً على رأي من يوجب الاستحلاف، ويجب رد الكلام إلى أنا إذا لم نقض بنكوله، فلا يجب استحلافه، فإن قصارى الأمر أن ينكل فيخلّى.
وإن قلنا: يُقضى عليه بالنكول، فيجب استحلافه. ومن تخيل خلاف ذلك فقد عاند وجحد.
1849- ويخرج من مضمون ذلك أن الوجه نفيُ إيجاب الاستحلاف؛ من جهة أن القضاء بالنكول عسر، وآل مآل الكلام، إلى أن موضع تسلّط الوالي في المطالبة بالزكاة، أن يعترف الرجل بالزكاة، فإذ ذاك يلزمه التسليم ظاهراً وباطناً، وإن أبى كاذباً عصى ربه باطناً، ولم يتسلط عليه الوالي.
1850- ومما يتعلق بإتمام الغرض أنا إذا منعنا نقل الزكاةِ، وكان مستحقو الزكاةِ محصورين في البقعة، وقد عُرضت اليمين على رب المال، فنكل، فقد قال كثير من أئمتنا: تُردّ اليمين على المستحقين، وهو الذي ذكره الصيدلاني، ووجهه بيّن؛ فإنا على قول منع النقل نوجب صرف الزكاة إليهم، ولا نجوّز حرمانَهم، فتعيَّنُوا للاستحقاق، ونزلوا منزلةَ من يستحق ديناً.
ومن أئمتنا من قال: لا ترد اليمين عليهم، وإن تعيَّنوا بسبب الانحصار ومَنع النقل، وهذا الوجه ذكره العراقيون، وهو في بعض تصانيف المراوزة، ووجه ذلك أنهم وإن تعيّنوا، فسببه انحصارهم، وإلا، فالزكاة تتعلق في قاعدة الشرع بالصفات، لا بالأعيان، ثم من يرى الرد عليهم، فإنما ذاك فيه إذا ادَّعَوْا، والقول في أن دعواهم هل تسمع، وهل لها وقع؟ يخرج عندي على أن اليمين هل ترد عليهم لو نكل رب المال.
ومما يخرج على هذا القانون أنا إذا رأينا الرد عليهم، ونزلناهم منزلة مستحقين متعينين للدَّين، فقياس هذا أن تنقطع طلبة السلطان فيه، ويكون الأمر موقوفاً على دعواهم ورفعهم ربَّ المال إلى السلطان، فإن سكتوا، وهم أهل رشد لا يولى عليهم؛ فلا يبقى للسلطان في هذا تصرف وسلطنة، على سبيل الابتداء؛ فإن سلطانَه يثبت حيث يكون رأيُه متَّبعاً في الصرف إلى من رأى.
1851- وقد ينقدح في هذا شيء، وهو أن المستحقين، وإن كانوا محصورين، فلرب المال أولاً ألاّ يسوي بين الفقراء، وهم ثلاثة مثلاً، بل يفضل بعضَهم.
فيجوز أن يقال: هذا على قولنا بوجوب تسليم الزكاة إلى السطان، يتعلق برأي الوالي، ويزيد وينقص، وإن كان لا يَحْرِم، ثم ما يفوّض إلى الوالي لا يكون تخيُّراً من طريق التمني، بل يرى رأيَه.
1852- وقد سمعت شيخي يقول: إذا منعنا النقل، وانحصر الفقراء، وزادوا على ثلاثة، فيجب صرف الحصة إليهم، ويجب التسوية بينهم، وإنما يجوز الاقتصار على الثلاثة، وتجوز المفاضلة عند خروجهم عن الضبط الممكن؛ فإن سبب جواز الاقتصار على الثلاثة أنهم أقل الجمع، ولا عدد بعده أولى من عدد، وسبب المفاضلة أن كل من أُعطي أقلَّ، فلو حُرم، لأمكن حرمانه بإقامة غيره مقامه، فأما إذا انحصروا، وامتنع النقل، وتيسر الاستغراق، فالوجه وجوب الصرف إليهم، مع رعاية التسوية.
والذي ذكره حسن منقاس إذا قلنا ترد اليمين عليهم، ويخرج عليه أنه لو مات منهم ميت، فحصته من الزكاة مصروفة إلى ورثته الأغنياء، إرثاً على فرائض الله تعالى، وكان شيخي يلتزم جميع ذلك.
1853- وفيه مستدرك عندي؛ من جهة أن الحاجات هي سبب الاستحقاق، وهي تختلف باختلاف الأشخاص: فرُب رجل تنسدُّ حاجته بمقدارٍ، وحاجة غيره لا تنسد بأضْعافه، فإطلاق التسوية مع ما ذكرناه، لا وجه له. نعم، لو كان المدفوع إليهم لا تنسد حاجتهم أصلاً، فإذ ذاك تتخيّل التسوية.
ثم هذا فيه شيء، وهو أن المستكفي في سِداد الحاجة بمقدارٍ قليل، وإن قصر المدفوع إليه عن كفافه، فهو أقرب إلى دفع الضرر عنه، بما يفرض مصروفاً إلى من لا تنسد حاجته إلا بالشيء الكثير، وللخبير في هذا تفكير.
والتفريع إذا بعُد على القاعدة، جرّ خبلاً وأموراً ينبو عنه قياس القواعد الكلية.
1854- ومما يتعلق بتمام القول في هذا إذا انتهى القول إليه أنا إذا منعنا نقلَ الصدقة، وقد انحصر المستحقون، فلو فرضنا في زكاة العين في المواشي وغيرِها انحصار المستحقين، مع التفريع على منع النقل، وأوجبنا فضَّ الزكاة على جميع الحاضرين، فلو اعتاضوا عن الغنم دراهمَ، فالذي يقتضيه القياس تفريعاً على هذه الأصول جوازُ ذلك؛ فإنهم المستحقون.
1855- وقد ذكر الأئمة أنه لو مات منهم واحد، ورث حصتَه وارثُه الغني الخارجُ عن صفة الاستحقاق.
ولكن يظهر على قاعدة المذهب منعُ ذلك رعايةً للتعبد، ولأجله منعنا أصلَ الإبدال، وإن سلمنا أن سد الحاجة غرضٌ ظاهر في الزكاة.
1856- ولو أبرأ هؤلاء مستوجب الزكاة، فاستحقاقهم واختصاصهم يقتضي تنفيذَ إبرائهم، ولكن أصل التعبد ينافي ذلك؛ فإن الزكاة عبادة واجبةٌ لله تعالى، فيبعد سقوطُها من غير أداء.
ولا نقلَ عن الأئمة في أعيان هذه المسائل.
1857- ولو وجبت الزكاة، ووقع الحكم بانحصار الاستحقاق في معيّنين، فلم يتفق صرف الزكاة إليهم حتى افتقر طائفة، واتصفوا بالصفات المرعيّة في استحقاق الزكاة، فيحتمل أن يقال: يختص بالزكاة المعيّنون عند الوجوب، ويُجعل اللاحقون كمدد يَلحق الجندَ بعد انجلاء القتال وإحراز المغنم. ويظهر أن يقال: لمن عليه الزكاة الصرف إلى اللاحقين؛ وحرمان الأولين؛ فإن أصلَ الزكاة منوط بالأوصاف، لا بالأعيان، فإن فرض تعيّن، فالحكم بموجبه لأجل الضرورة، لا لأصلٍ متمهدٍ في الشرع.
فصل:
قال "ولو ضلت غنمه أو غُصبها أحوالاً، ثم وجدها، زكّاها لأحوالها... إلى آخره".
1858- فأوجب الزكاة في الأحوال التي اطّرد الضلالُ والغصب فيها، وقال بعد ذلك في الضال والمغصوب والمجحود: "لا يجوز فيه إلا واحد من قولين: إما أن لا تجب الزكاة؛ لأنه محول دونه، أو تجب لأن ملكه لم يزل".
1859- فنقول: الضال، والمغصوب الذي يتعذر انتزاعه من يد الغاصب، والمجحود في يد الجاحد ولا بيّنة، فقد تعذر تصرف المالك فيه، وحيل بينه وبينه، ولكن الملك دائم قائم، فنصُّ الشافعي كما قدمناه ونقلناه.
وقد اضطرب الأئمة، فذهب بعضهم إلى القول بوجوب الزكاة قطعاً، كما نصفه في التفريع، وحمل تردد النص على توجيه الحجة على مالكٍ في تفصيلٍ له؛ فإنه قال: إذا مرت أحوالٌ مع اطراد الحيلولة، فتجب الزكاة في السنة الأولى فحسب، فقال الشافعي راداً عليه: هذا التفصيل لا معنى له، إما أن تجب الزكاة بجميع الأحوال؛ نظراً إلى استمرار الملك، وإما ألاّ تجب أصلاً؛ نظراً إلى اطراد الحيلولة، والفصل بين السنة الأولى وما بعدها لا معنى له، فكان كلامُ الشافعي صيغةَ المحاجّة، ولم يكن ترديداً منه للمذهب.
ومالك إنما قال ما قال لأصلٍ له، وهو أنه قال: إذا مضت السنة، ولم يتمكن مالكُ المال من تأدية الزكاة بعد انقضاء الحول بأشهرٍ، ثم تمكن، فابتداء الحول الثاني يحسب عنده من وقت الإمكان، وهذا الأصل يقتضي ما ذكرناه من مذهب مالك.
1860- ومن أئمتنا من حمل نص الشافعي على ترديد القول والمذهب؛ فإنه لم يتعرّض للسنة الأولى وما بعدها، وذِكْرُه الحيلولةَ والملكَ إبداءٌ لتوجيه القولين، ففي المسألة قولان:
أحدهما: أنه لا تجب الزكاة في مدة الحيلولة؛ فإن مبنى الشرع مشعر بأن الزكاة إرفاقٌ في مقابلة ارتفاق المالك، ولذلك تتعلّق الزكاة بالمال النامي جنساً وقدراً، واعتبرت مدةٌ يغلب النماء في مثلها، والحيلولة تمنع الارتفاق.
والثاني: تجب الزكاة نظراً إلى الملك، والجنسِ، والقدرِ، مع حولان الحول. وامتناعُ التصرف في حكم مرضِ المواشي، وانقطاعِ نسلها وزيادتِها، وقد يكون مع ما ذكرناه فحولاً، ثم الزكاة تجب. وطريان الحيلولة بهذه المثابة.
1861- ثم الذين جعلوا المسألة على قولين اختلفوا في محلهما، فقال بعضهم: لو غُصب مواشيَه، وكانت تنمو وتتوالد، ثم ردت بعد أحوال إليه، مع الزوائد المستفادة، فيجب إخراج الزكاة للأحوال الماضية، قولاً واحداً. وإنما القولان فيه إذا رجعت الأصول وماتت الزوائد.
ومنهم من قال: في الصورتين جميعاً قولان، لصورة الحيلولة وامتناع التصرف.
وهذا فيه بُعد.
ومن فصّل القول في محل القولين، فلو عادت الأصول مع بعض الفوائد، ومات بعضها، فالوجه عنده طرد القولين في صورة تبعض الفائدة؛ نظراً إلى المعلوفة، فإنه لا زكاة فيها لمكان المؤنة، وإن كانت الفوائد تزيد على المؤن.
وإن فات في يد الغاصب شيء من الفوائد، وكان يفوت في يد المالك أيضاًً، فهذا لا يبالى به؛ فإنه لا أثر للحيلولة فيه، وإنما هو اتفاق جائحةٍ مثلها لا يسقط الزكاة، لو جرى في يد المالك، فالمعنيُّ بفوات الفوائد أن يُهلكها الغاصب، أو تهلك بسبب زوال نظر المالك.
ولو ردت الأصول والفوائد هالكة، وتمكن المالك من تغريم الغاصب، فهو في حكم عود الفوائد بأعيانها.
1862- ومما تتعين الإحاطة به أنا إذا أوجبنا الزكاة في المغصوب والضالّ، فلا نوجب تعجيلَ إخراج الزكاة أصلاً، ولكن إذا عادت الأموال، فإذ ذاك نوجب إخراج الزكاة للأحوال الماضية، والطرق متفقة على ذلك تصريحاً وتلويحاً، وعدم التمكن من المال مع إيجاب الزكاة ينزل منزلة إيجاب الزكاة بانقضاء الحول من غير إمكان أداء الزكاة.
وتحقيق ذلك أنا، وإن غلّبنا تعلّق الزكاة بالذمة، فلا شك في تعلقها بالمال، فلو عسر الإخراج من عَيْن ذلك المال، لم نوجب إخراجها من مال آخر.
1863- ونقول على موجب ذلك: لو انقضت أحوال في زمان الحيلولة، ثم تلفت الأموال قبل وصولها إلى يد المالك، سقطت الزكوات بتلفها، كما تسقط الزكاة بتلف المال بعد الحول وقبل التمكن من أداء الزكاة.
فهذا بيان أصل المذهب في الفصل.
فرع:
1864- لو غُصب عبداً، وكان مغصوباً عند استهلال رمضان، ففي زكاة الفطر طريقان: من أصحابنا من أجراها مجرى زكاة المال؛ حتى تخرَّج على القولين. ومنهم من قطع بوجوب زكاة الفطر؛ فإنه لا يراعى فيها ماليّة المحل، ويجب إخراجها عن المستولدة، وعن الولد الحر.
ولو نشزت امرأة الرجل، وسقطت نفقتُها واستهل الهلال؛ فلا تجب الفطرة على الزوج؛ فإن الفطرة تتبع النفقة، وقد سقطت النفقة بالنشوز، ونفقة المملوك لا تسقط بالغصب.
1865- ولو أبق العبد، فظاهر كلام العراقيين أن فطرته في إباقه على التردد الذي ذكرناه، وليس إباق العبد بمثابة نشوز المرأة؛ إذ نشوز المرأة يضاد التمكين، والنفقة في حكم العوض عن التمكين، ونفقة المملوك في مقابلة الملك، ويجب على مقتضى هذا أن يقال: لو وجد الآبق طعاماً لسيده في إباقه، حل له أن يأكل منه. وهذا فيه نظر ظاهر، فليتأمله الطالب.
وبالجملة إن اتجه سقوط نفقة الآبق، ففي فطرته تأمل على الفقيه.
فرع:
1866- إذا حُبس المرء، وحيل بينه وبين ماله، ولم يثبت على ماله يد، ولكن ضِيقَ الحبس، والإفرادَ عن المال، وعمن يتعلق التصرف به، عَسَّرَ عليه التصرف، فالذي قطع به الأئمة في طرقهم، تنبيهاً ورمزاً، وجوب الزكاة. ولا وجه غيره.
فرع:
1867- من اشترى نصاباً زكاتياً، ولم يقبضه حتى انقضى حول كامل في يد البائع، فللأئمة تردد في ذلك: فذهب بعضهم إلى أن القول في الزكاة في المبيع قبل القبض كالقول في المجحود والمغصوب.
وقال صاحب التقريب: تجب الزكاة قولاً واحداً؛ فإن المشتري قادر على الوصول إليه بأن يسلم الثمن، ويتسلم المبيع، وليس كالمغصوب الذي يتعذر الوصول إليه.
وحكى بعض المصنفين عن القفال القطعَ بأنه لا تجب الزكاة في المبيع، لضعف ملك المشتري فيه، ولذلك لا ينفذ تصرفه فيه، وإن أذن البائع، ولهذا يقال: إنه يتلف على ملك البائع، لو تلف في يده. والله أعلم.
1868- ثم نختتم الفصل بأمرٍ واضحٍ، فنقول: إذا طرأ على الحول زوال ملكه، ثم عاد، حكمنا بانقطاع الحول، ثم يستأنف بعد عود الملك حولاً جديداً، قولاً واحداً.
ولو طرأ علف مؤثر كما سيأتي شرحه، ثم أُسيمَت الماشية، قطعنا الحول، واستأنفنا حولاً جديداً باتفاق، ولا يُبنى على ما تقدم من الإسامة.
ولو نوى التاجر الاقتناء في السلعة، ثم جرت تجارة، ابتدأنا حولاً جديداً وفاقاً، ولو طرأ غصب-على قولنا: لا زكاة في المغصوب- ثم زال، فالوجه القطع بانقطاع الحول واستئنافه، كما ذكرناه في نظائره، ولا بناء أصلاً؛ فإن الحيلولة في منع الزكاة، كالعلف، ونية الاقتناء. وسنعود إلى طرفٍ من ذلك عند ذكر السَّوْم والعلف.
فصل:
قال: "وإن ارتد، فحال الحول على غنمه... الفصل".
1869- قال الأئمة: من وجبت عليه الزكاة، فارتدّ بعد وجوبها، فالزكاة الواجبة لا تسقط بالردة، وإذا حال الحول في زمان الردة، ففي وجوب الزكاة تفصيلٌ، مخرّج على اختلاف القول في ملك المرتد، فإن قلنا: يزول ملكه بالردة، فلا تجب الزكاة في حال الردة، وإن قلنا: لا يزول ملكه، فتجب الزكاة بحولان الحول في الردة، وإن قلنا: ملكه موقوف، فوجوب الزكاة على الوقف أيضاًً. وسيأتي تفصيل الأقوال في ملكه إن شاء الله تعالى.
1870- قال صاحب التقريب: لو قلت: إذا ارتد، لم يخرج الزكاة، ما دام مرتداً، لم يكن بعيداً من جهة أن الزكاة قُربة محضة، مفتقرة إلى النية، ولا تجب على الكافر الأصلي-بخلاف الكفارة- فيتعذر أداؤها من المرتد، وقال على هذا: إذا حكمنا بأن ملكه لا يزول، ومضى حول في الردة، لم يخرج الزكاة أيضاًً للمعنى الذي ذكرناه. ثم قال: إن عاد إلى الإسلام، لزمه إخراج ما وجب في إسلامه، وما وجب في ردته، كما يجب عليه قضاء الصلوات التي مرت مواقيتها في ردته.
فخرج مما ذكره أن الردة لا تنافي وجوبَ الزكاة، ولكنها تنافي أداءها لتعذّر النية، ثم قال: "ولو قُتل مرتداً فقد أيسنا من تأدية الزكاة على هذا الطريق، فسقطت في حكم الدنيا، ولم تسقط المعاقبة بها في العقبى" هذا تمام كلامه.
1871- قلت: ما قطع به الأصحاب إخراجُ الزكاة لحق المساكين عاجلاً، ولكن يحتمل أن يقال: إنه إذا أسلم، فهل يلزمه إعادة الزكاة؟ فعلى وجهين. وهذا يناظر مسألة، وهي أن الممتنع عن أداء الزكاة، إذا ظُفر بماله، أُخذ الزكاة منه، ولكن إذا لم ينوِ من عليه الزكاة، فهل تسقط الزكاة عنه، بينه وبين الله تعالى؟ فعلى وجهين، وترك النية بالامتناع، بمثابة ترك النية بالردة، هذا حاصل القول في ذلك.
فصل:
قال: "ولو ضربت غنمَه فحولُ الظباء... إلى آخره".
1872- المتولد بين الظبي والغنم لا زكاة فيه عندنا، ولا فرق بين أن يكون الفحول من الظباء والإناث من الغنم، أو تكون على العكس من ذلك، والمرعي أن المتولّد-كيف فرض الأمر-لا يكون من جنس الغنم، والمرعي الجنس، كما تقرر ذلك في مسائل الخلاف.