فصل: باب: مسائل في الوصايا المقيدة بالدراهم والدنانير والمقصود استخراج أعداد سهمها للسائل في سؤاله:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: نهاية المطلب في دراية المذهب



.باب: مسائل في الوصايا المقيدة بالدراهم والدنانير والمقصود استخراج أعداد سهمها للسائل في سؤاله:

6878- مسألة: ابن وبنت، وقال السائل: أوصى بوصية كانت الوصية إذا زدت عليها ثلاثة دنانير- مثلَ نصيب البنت، وإذا زدت عليها عشرةَ دنانير، كانت مثلَ نصيب الابن. كم الوصية؟ وكم التركة؟
والوجه أن نقول: نجعل نصيب البنت شيئاً وثلاثة دنانير، ونجعل نصيب الابن شيئاً، وعشرةَ دنانير، ثم نضعّف نصيب البنت، فيكون شيئين وستة دنانير، فنقابل بين نصيب الابن، وهو شيءٌ وعشرةُ دنانير، فيبقى بعد المقابلة وإسقاط المثل بالمثل شيءٌ، يعدل أربعةَ دنانير، وهي الوصية.
فعد وقل: الوصية أربعة، ولو زدت عليها ثلاثة دنانير، كانت سبعة، وهي نصيب البنت، وإذا زدت عليها عشرة دنانير، كانت أربعةَ عشرَ ديناراً، وهو مثل نصيب الابن.
والتركةُ كلُّها خمسةٌ وعشرين ديناراً. حصة الابن والبنت منها أحدٌ وعشرون، والوصية أربعةٌ.
وهذه المسألة في وضعها أدنى إشكال؛ من جهة أنا بالتضعيف آخراً، قدرنا نصيب البنت شيئين وستة دنانير، فكان الوضع يقتضي أن يكون نصيب الابن شيئين ونصيب البنت شيئاً واحداً، وستأتي مسائل على النظم الذي ذكرناه، ولكن الحُسَّاب لم يخرجوا على تقدير ثلاثة أشياء، واحتاجوا إلى تضعيف الدنانير الثلاثة، وانتظم لهم اللفظ الذي ذكرناه، ولا يختلف الغرض بذلك التقدير.
6879- مسألة: ابن وبنت وقد أوصى بوصية إن زدتها على نصيب البنت بلغ المجموع ثلاثين ديناراً، وإذا زدتها على نصيب الابن، بلغ المجموع خمسين ديناراً، فكم الوصية؟ وكم التركة؟
الوجه أن نجعل الوصية شيئاً، فإذا ألقيته من الخمسين ديناراً، بقي خمسون ديناراً إلا شيء، وذلك نصيب الابن. وإذا ألقيته من ثلاثين ديناراً، بقي ثلاثون ديناراً إلا شيئاً، وذلك نصيب البنت، فضعّف نصيبَ البنت أبداً في قياس الباب، فيصير ستين ديناراً إلا شيئين، فنقابل الآن بينها وبين نصيب الابن، وهو خمسون دينار إلا شيئاً، ونجبر الشيئين بشيئين، ونزيد على الخمسين شيئين، فتصير شيئين، في مقابلة خمسين وشيئاً، فنسقط المثل بالمثل، فيبقى شيء في مقابلة عشرة دنانير.
فنقول: الوصية عشرةُ دنانير، ونصيب الابن أربعون، ونصيب البنت عشرون.
وإذا زدت العشرة على الأربعين صار المبلغ خمسين، وإذا زدتها على عشرين، صار المبلغ ثلاثين.
والتركة سبعون ديناراً للوصية عشرة، وللابن أربعون، وللبنت عشرون.
6880- مسألة: ثلاثة بنين وبنت وقد أوصى لكل واحد من عمه وخاله بوصية، إذا زدت على وصية الخال أربعة دنانير، كان مثل نصيب البنت، وإذا زدت على وصية العم ستة دنانير، كان المبلغ مثلَ نصيب الابن، والوصيتان جميعاً ثلاثون ديناراً؟ كم التركة؟ وكم مبلغ كلِّ واحد من الوصيتين؟
والوجه أن نقول: نصيب البنت شيء، ونصيب كل ابن شيئان، على القياس الذي يجب، وتكون وصية الخال شيئاً إلا أربعة دنانير؛ فإن نصيب البنت في الوضع شيءٌ، ووصية الخال ناقصة عنه بأربعة دنانير.
ووصية العم شيئان إلا ستة دنانير.
والوصيتان إذاً ثلاثة أشياء إلا عشرة دنانير وذلك يعدل ثلاثين ديناراً، فنجبر الأشياء بعشرة دنانير، ونزيد على عديلها عشرة، فيبقى ثلاثة أشياء كاملة في مقابلة أربعين ديناراً، فتبين أن قيمة الشيء ثلاثة عشر ديناراً وثلث، فذلك نصيب البنت، فنصيب الابن إذاً ستةٌ وعشرون وثلثان، وإذا نقصت من الثلاثةَ عشرَ والثلثِ أربعةَ دنانير، بقي تسعةٌ وثلث. وهذا وصية الخال من ثلاثين، وإذا نقصت من الستة والعشرين والثُّلثَيْن ستة دنانير، بقي عشرون ديناراً وثُلثَيْن، وهي وصية العم، والوصيتان جميعاً ثلاثون ديناراً، تسعة وثُلثٌ واحدٌ، وعشرون وثلثان فإذا جمعت أنصباء البنين على ما قدرنا ونصيب البنت، وضممت إليها الوصيتين، كان المبلغ مائةً وثلاثةً وعشرين ديناراً وثلث، وهي التركة الجامعة للوصية والميراث.
6881- مسألة: ثلاثة بنين وبنت، وأوصى لكل واحد من عمه وخاله بوصية، وكانت وصية الخال إذا نقصت من عشرين درهماً بقي مثلُ نصيب البنت، وإذا نقصت وصية العم من ستين درهماً، بقي مثلُ نصيب أحد البنين، والوصيتان جميعاً ثلاثون درهماً، كم التركة؟ وكم كل نصيب؟ وما مبلغ كلِّ وصية؟ فنجعل نصيبَ البنت شيئاً، ونصيبَ كلِّ ابن شيئين، على القياس الواجب، وننقص نصيب البنت من عشرين درهماً، تبقى عشرون درهماً إلا شيئاً، فنعلم أن هذا وصيةُ الخال، وننقص نصيب الابن وهو شيئان من ستين درهماً، بقي ستون درهماً إلا شيئين، وهو وصية العم.
فالوصيتان ثمانون درهماً، إلا ثلاثة أشياء، وذلك يعدل ثلاثين درهماً، فنجبر ونقابل، ونقول: نجبر الثمانين بثلاثة أشياء، ونزيد على عديلها ثلاثةَ أشياء، فيبقى ثمانون كاملة في مقابلة ثلاثين وثلاثة أشياء، فنُسقط الثلاثين من الثمانين، فيبقى ثلاثة أشياء في مقابلة خمسين، فقسِّمه يخرج كل شيء إذاً ستةَ عشرَ درهماً وثلثا درهم، وهو نصيب البنت.
ونصيب الابن ثلاثة وثلاثون درهماً وثلث.
فإذا ألقيت نصيبَ البنت من عشرين، بقي ثلاثة وثلث، هي وصية الخال.
وإذا ألقيت نصيب الابن وهو ثلاثة وثلاثون وثلث، من الستين بقي ستة وعشرون وثلثان، وهو وصية العم، فالوصيتان جميعاً ثلاثون درهماً، والتركة الجامعة للوصية والأنصباء مائة وستة وأربعون درهماً وثلثان.
6882- مسألة: ابنان، وقد أوصى لكل واحد من عمه وخاله وأخيه بوصية، فكانت وصاياهم جميعاً مثل نصيب أحد البنين، وإذا جمعت وصية العم والخال، كانت أكثرَ من وصية الأخ بستة دراهم، وإذا جمعت وصية الخال والأخ، كانت أكثر من وصية العم بتسعة دراهم، وإذا جمعت وصية العم والأخ، كانت أكثر من وصية الخال بخمسةَ عشرَ درهماً. كم التركة؟ وكم كل وصية؟
الوجه أن نجعل نصيب كلِّ ابن شيئاً، فيكون جميع الوصايا شيئاً؛ فإنا ذكرنا أن جميع الوصايا مثلُ نصيب ابنٍ. فأسقط من الشيء الذي هو جميع الوصايا الفضلَ الذي في وصية العم والخال على وصية الأخ، وهو ستة دراهم، يبقى شيء إلا ستة، فخذ نصفَها، وهو نصف شيء إلا ثلاثة، وقل هذا وصية الأخ.
ثم ارجع، واطرح من جميع الوصايا، وهو شيء الفضل الذي في وصية الخال والأخ على وصية العم وهو تسعة، يبقى شيء إلا تسعة، فخذ نصفها وهو نصف شيء إلا أربعة دراهم ونصف، فقل هذا وصية العم.
ثم ارجع، وقل: نطرح من جميع الوصايا-وهو شيء- الفضلَ الذي في وصية الأخ والعم على وصية الخال، وهو خمسةَ عشرَ درهماً، يبقى شيء إلا خمسةَ عشرَ، فخذ نصفها، وذلك نصف شيء إلا سبعةَ دراهم ونصف درهم، فذلك وصية الخال.
ثم اجمع الوصايا، فتكون شيئاً ونصفاً إلا خمسة عشر درهماً، وذلك يعدل شيئاً واحداً، فاجبر وقابل، فيبقى بعد الجبر والمقابلة وإسقاط المثل بالمثل نصفُ شيء في مقابلة خمسةَ عشرَ، والشيء إذاً ثلاثون، وبان بهذا المقدار من العمل أن الوصايا ثلاثون درهماً، فإنها في الوضع شيء واحد.
فإن أردت أن تعرف مقدار كل وصية بعد معرفة جملتها، فالوجه أن تسقط من الجملة المعلومة الفضلَ الذي في وصية العمّ والخال على وصية الأخ، وهو ستة تبقى أربعة وعشرون، فخذ نصف الباقي وهو اثنا عشر، وقل هي وصية الأخ، ثم نسقط من الشيء الفضلَ الذي في وصية الخال والأخ على وصية العم، وذلك تسعة تبقى أحدٌ وعشرون، فخذ نصفها، وقل: هو وصية العم وذلك عشرة ونصف، ثم نسقط من الثلاثين الفضلَ الذي في وصية العم والأخ على وصية الخال، وهو خمسةَ عشرَ، تبقى خمسة عشر، فنصفها وهي سبعة ونصف وصيةُ الخالي، وإذا خرجت الوصايا ثلاثين، فنعلم أن نصيب كلِّ ابن ثلاثون، وجملةُ التركة تسعون.
6883- واعلم أن الوصايا إن كانت أربعة، وكل ثلاثة منها تفضل الرابعة بعدد، فإن الوصايا كلَّها ثلث ما ذُكر من الفواضل.
فإن كانت الوصايا خمساً، وكل أربعةٍ منها تفضل الخامسة بعدد، فإنها كلها ربع ما ذكر من الفواضل، وكلّما زدت وصيةً ازداد نقصانُ جزءٍ، على القياس الذي ذكرناه، وهكذا الترقِّي من أربع وصايا إلى حيث ننتهي.
6884- مسألة: ثلاثة بنين أوصى لرجل بمثل نصيب أحدهم، ولآخر بثلث ما تبقى من الثلث، فكانت الوصيتان عشرة دراهم، كم المال كلُّه؟ وكم كل واحد من الوصيتين؟
فمعلوم أن الباقي من المال بعد الوصيتين أنصباء الورثة، وذلك ثلاثة أنصباء، فزد عليها الوصيتين، فيكون ثلاثة أنصباء، وعشرة دراهم، فخذ ثُلثَه، وذلك نصيبٌ وثلاثةُ دراهم وثلث درهم، فأسقط منه نصيباً للموصى له بالنصيب، وأسقط ثلثَ الباقي للموصى له بثلث الباقي من الثلث، يبقى درهمان وتسعا درهم، فزدها على ثلثي المال، وهو نصيبان وستة دراهم وثلثا درهم، فيبلغ نصيبين وثمانية أتساع درهم، يعدل ثلاثة أنصباء، فالنصيبان بالنصيبين، وبان أن النصيب يعدل ثمانيةَ دراهم وثمانيةَ أتساع، فتضرب ذلك في عدد البنين، فيكون ستةً وعشرين درهماً وثلثي درهم، وهي الأنصباء، وهذا معنى الضرب في ثلاثة، فزد عليها العشرة التي هي مجموع الوصيتين، فيبلغ ستةً وثلاثين درهماً، وثلثي درهم، فذلك جميع التركة.
ولا يخفى الامتحان بعد ذلك.
6885- مسألة: ثلاثة بنين: وقد أوصى لرجلٍ بمثل نصيب أحدهم، ولآخر بثلث ما يبقى من الثلث، فكانت وصية الموصى بثلث ما تبقى من الثلث ستة دراهم. كم المال؟
فنقول: معلومٌ أن المال أنصباء البنين ووصيتان، إحداهما بنصيب، والأخرى بستة دراهم، فجميع المال أربعة أنصباء، وستة دراهم، فخذ ثلث ذلك، وهو نصيبٌ وثلث نصيب ودرهمان، فأسقط منه نصيباً، يبقى ثلثُ نصيب، ودرهمان، فخذ ثلث ذلك للموصى له الثاني، وذلك تسع نصيب وثلثا درهم، وهو يعدل ستة دراهم، فإذا أسقطت ثلثي درهم، بقي خمسةُ دراهم وثلثٌ، تعدل تُسعَ نصيب، فالنصيب الكامل يعدل ثمانيةً وأربعين درهماً، فاضربه في أربعة، وهي عدد الأنصباء، وزد عليه ستةَ دراهم تكون مائةً وثمانيةً وتسعين درهماً، فهو المال كله، وثلثُه ستةٌ وستون، فنطرح منها النصيب ثمانية وأربعين درهماً، فيبقى ثمانيةَ عشرَ، وثلثه ستة.
ومن هذه النسبة تأتي الأنصباء وجملة المال.
مسائل فيها عروض وأعيان
6886- مسألة: إذا خلّف ثلاثة بنين وأوصى من ثلث ماله بنصيب أحدهم، وأوصى لآخر بثلث ما تبقى من الثلث ودرهم.
و حصرَ هذه الوصايا في الثلث، وتركته عشرةُ دراهم وثوبٌ واحد، فأخذ الموصى له بمثل نصيب أحدهم الثوبَ بحقه. فكم قيمةُ الثوب؟
الوجهُ أن نجعل الثوبَ من طريق التقدير ديناراً، فتكون التركة عشرةَ دراهم وديناراً، فنأخذ ثلثَ التركة، وهو ثلاثةُ دراهم وثلثُ درهم وثلثُ دينار، ثم نطرح منه بالنصيب ديناراً، فنصرف إليه الثلثَ دينار الذي وقع في الثلث، ونأخذ بقية الدينار من قيمة ما معنا في الثلث المفروض، فيبقى ثلاثة دراهم وثلث درهم إلا ثلثي دينار، فنلقي من ذلك درهماً وتسع درهم إلا تسعي دينار وهي تمام الوصايا، فيبقى معنا تسعان ودرهمٌ فإنا أخذنا درهماً وثلث ثلث درهم، وهو تُسع للوصية بثلث ما تبقى، وأخذنا درهماً للوصية بالدرهم، فيبقى معنا ما ذكرناه.
ولكن كان في الثلاثة الدراهم والثلث استثناء بثلثي دينار، فنسقط ثلث هذا الاستثناء تابعاً لما أخذه الموصى له بثلث ما يبقى من الثلث، فإذا سقط من ثلثي دينار ثلثه، بقي أربعة أتساع دينار، وأما الدرهم الموصى به، فإنا نخرجه كاملاً؛ فإن الوصية به وقعت على كماله، فقد بقي معنا إذاً درهم وتسعا درهم إلا أربعة أتساع دينار، فنزيده على ثلثي التركة، والثلثان قبل ضم هذه الزيادة ستة دراهم وثلثا درهم وثلثا دينار، فيصير بهذا الضم سبعةَ دراهم وثمانيةَ أتساع درهم وتسعا دينار، فإنّ فيما ضممناه استثناء أربعة أتساع دينار، وإذا نقصنا أربعة أتساع دينار من بين ثلثي دينار، بقي تسعا دينار، فالمجموع إذاً سبعةُ دراهم وثمانيةُ أتساع درهم وتسعا دينار، وذلك كله يعدل أنصباء الورثة، وهو ثلاثة دنانير، فنسقط تُسعي دينار بتسعي دينار، فيبقى سبعةُ دراهم وثمانيةُ أتساع درهم في مقابلة دينارين وسبعة أتساع دينار، فابسطهما جميعاً أتساعاً، فيصير ما بقي من الدنانير في جانب الأنصباء خمسة وعشرين ديناراً، ويصير الدراهم أحداً وسبعين درهماً، فالدينار الواحد يعدل درهمين وأحداً وعشرين جزءاً من خمسة وعشرين جزءاً من درهم، فذاك قيمة الثوب الذي قدرناه ديناراً في وضع المسألة، وهي مقدار النصيب إذا حسبت وامتحنت.
ولا حاجة إلى البسط بعد البيان.
6887- مسألة: خلف ابنين، فأوصى بمثل نصيب أحدهما إلا ثلثَ جميع المال، وأوصى لآخر بثلث ما تبقى من الثلث، وخلّف ثلاثين درهماً وثوباً، وأخذ الموصى له بثلث ما تبقى من الثلث الثوبَ بمقدار حصته، فكم قيمة الثوب؟
المسألة: أولاً ردَّدنا الكلام مراراً في أنواع في ظاهرها استثناء مستغرق؛ فإنه لو لم يخلّف إلا ابنين وأوصى بمثل نصيب أحدهما، لكانت الوصية بثلث المال، وإذا استثنى ثلثَ المال من هذه الوصية، كان الاستثناء مستغرقاً، ولكن المسألة اشتملت على وصية أخرى، فاقتضت تلك الوصية تخريجَ المسألة من طريق الحساب، وفي المسألة تردُّدٌ من طريق الفقه، سبق ذكره، وجرياننُا الآن على طريق الحساب.
فنعود ونقول: نجعل الثوب الذي أخذه الموصى له بثلث ما تبقى من الثلث ديناراً، فيكون مالُ الميت ثلاثين درهماً وديناراً، ثم إنا نعلم أن الثوب مأخوذٌ بثلث ما تبقى من الثلث، فإذا قدرناه ديناراً، احتجنا إلى فرض ثلاثة دنانير بعد الوصية بالنصيب.
فالوجه أن نقول: نأخذ ثلثَ المال، وهو عشرة دراهم وثلث دينار، ونلقي منه الاعتبار ثلاثة دنانير بما تبقى من الثلث بعد الوصية بالنصيب، فيبقى معنا عشرة دراهم إلا دينارين وثلثي دينار؛ فإنا صرفنا في الدنانير الثلاثة ما كان معنا من ثلث دينار، فيبقى استثناء دينارين وثلثين؛ بناء على حط ثلاثة دنانير من الثلث، فنزيد ذلك على الثلث الكامل، وهذا عشرة دراهم إلا دينارين وثلثي دينار، والثلث عشرة دراهم وثلث دينار، فإذا زدنا ما معنا على الثلث الكامل، صار المجموع عشرين درهماً إلا دينارين وثلث دينار؛ فإنا حسبنا من الاستثناء ما كان مع الثلث الكامل من ثلث دينار، فرجع استثناء الثلثين إلى ثلث.
ثم نقول: هذا المجموع نصيب أحد الابنين، والسبب فيه أن في الوصية استثناءَ ثلث كامل، وحق الوصية بالنصيب إذا كانت كاملةً، لا استثناء فيها، أن تكون كنصيب أحد الابنين، فلابد من تقدير هذا المبلغ الذي ذكرناه، حتى إذا استثنينا منه الثلث الكامل، بقي للوصية بالنصيب مقدار، ونصيب الابن لا استثناء فيه، فيصير هذا المجموع نصيب ابن؛ فنصيب الابنين إذاً أربعون درهماً إلا أربعة دنانير وثلثي دينار، فاحفظ ذلك.
وارجع، وقل: ثلثُ المال عشرةُ دراهم وثلث دينار، فنلقي منه عشرة دراهم إلا دينارين وثلثي دينار، تبقى الدنانير الثلاثة التي قدرناها لمكان الوصية بثلث ما يبقى، فاطرح منها ثلثها للوصية بثلث ما تبقى، فيبقى ديناران، فاطرح منها درهماً، فيبقى ديناران إلا درهماً، فزد ذلك على ثلثي المال، وهو عشرون درهماً وثلثا دينار، فيبلغ المجموع تسعةَ عشر درهماً ودينارين وثلثي دينار، وسبب نقصان الدرهم أن فيما ضممناه إلى الثلثين استثناء درهم، فحسبناه مما معنا ليكمل، فالذي معنا إذاً تسعة عشر درهماً وديناران وثلثا دينار، وذلك يعدل نصيب الابنين، وهو أربعون درهماً إلا أربعة دنانير وثلثي دينار، فنجبر نصيب الابنين بما فيه من الاستثناء وهو أربعة دنانير وثلثي دينار، ونزيد على عديله مثلَه، فيصير تسعةَ عشرَ درهماً وسبعة دنانير وثلث دينار، تعدل أربعين درهماً فنسقط المثل بالمثل، فيبقى في جانب النصيب أحدٌ وعشرون درهماً، وفي جانب المال سبعةُ دنانير وثلث، فابسطهما أثلاثاً، فيصير الدنانير اثنين وعشرين ديناراً، والدرهم في الجانب الآخر ثلاثة وستين درهماً، فالدينار الواحد يعدل درهمين وتسعةَ عشرَ جزءاً من اثنين وعشرين جزءاً من درهم، فقد تخرَّج لنا بهذا العمل قيمةُ الثوب الذي أخذه الموصى له بثلث ما تبقى من الثلث.
وقد تمت المسألة، ثم إذا بان أن ثلث ما تبقى من الثلث هذا المقدار، لم يخف على الفطن استخراج النصيب، وإجراء المسألة على الامتحان المعهود.
6888- مسألة: ترك أربعة بنين وأوصى بتكملة الثلث بنصيب أحدهم، وبثلث ما تبقّى من الثلث وبدرهم، وخلف ثلاثين درهماً وثوباً فأخذ الموصى له بتكملة الثلث بنصيب أحدهم و بثلث ما تبقى من الثلث الثوبَ، سواءٌ كانت الوصيتان لشخص واحد أو لشخصين، فالفرض أخذ الثوب بالوصيتين.
فإذا قيل لنا: كم قيمةُ الثوب؟ فالوجه أن نطرح من الثلاثين درهماً الدرهم الموصى به، يبقى تسعة وعشرون درهماً، فاقسم ذلك بين أربعة بنين، فيكون نصيب الواحد سبعة دراهم وربع، فهذا هو النصيب من الدراهم، ثم ارجع وقل: نجعل قيمةَ الثوب ديناراً، فيكون المال ثلاثين درهماً وديناراً، فخذ ثلثها، وهو عشرة دراهم وثلث دينار، فاطرح منه نصيب ابن من الدراهم وذلك سبعة دراهم وربع، فتبقى درهمان وثلاثة أرباع درهم وثلث دينار، فهذا هو تكملة الثلث.
ثم عد فخذ ثلثَ سبعةٍ وربع، والسبب فيه أن الثلث إذا أسقطت منه التكملة، فالباقي منه مقدار النصيب، وقد وقعت الوصية بثلث الباقي بعد التكملة، وثلث سبعة وربع درهمان وربع وسدس، فزده على التكملة وهو درهمان وثلاثة أرباع درهم وثلث دينار، فيكون المجموع خمسة دراهم وسدس درهم وثلث دينار، فذلك يعدل ديناراً، والدينار قيمة الثوب، فنُسقط المثلَ بالمثل، فتبقى خمسة دراهم وسدس في مقابلة ثلثي دينار، وإذا كان خمسة دراهم وسدس تعدل ثلثي دينار، فالدينار الكامل يعدل سبعة دراهم وثلاثة أرباع درهم، فقد خرجت قيمة الثوب، ولا يخفى ما بعدها.
مسائل من فنون مختلفة
6889- مسألة: ثلاثة بنين وقد أوصى بوصية إذا نقصها من نصيب أحد البنين، بقي من ذلك النصيب مثل الوصية وسدس جميع المال. فكم الوصية والتركة؟ وكم نصيب كل حساب؟
المسألة: أن نجعل سدس المال شيئاً، فإذا أضفت إليه وصية، كان السدسُ والوصية مثلَ نصيب أحد البنين إلا وصية، فنصيب أحد البنين إذاً شيء ووصيتان، وإذا كان نصيب ابنٍ شيئاً ووصيتين، فقل: المال ستة أشياء، فإن السدس ممثل بشيء، وإذا كان السدس شيئاً، فالمال ستة أشياء، فاطرح منها الوصية، تبقى ستة أشياء إلا وصية، وذلك أنصباء الورثة، وهو ثلاثة أشياء وست وصايا؛ فإن كلّ نصيب شيء ووصيتان، فنجبر المال بوصية ونزيد على عديله وصية، فيصير مال كامل في مقابله ثلاثة أشياء وسبع وصايا، فحصل سبع وصايا وثلاثة أشياء، فاقلب العبارة، واجعل الشيء سبعة والوصية ثلاثة، فالمال إذاً اثنان وأربعون، فإنه ستة أشياء كل شيء سبعة، والمجموع ما ذكرناه. ونصيب كل ابن شيء ووصيتان، فهو إذاً ثلاثة عشر: الشيء سبعة والوصيتان ستة، فإذا نقصت الوصية من النصيب، بقي عشرة، وهي مثل الوصية، وهي ثلاثةٌ ومثل سدس جميع المال وهو سبعة.
والذي يجب التنبه له في هذه المسألة أنا لما كمّلنا المالَ بالجبر، لم نصادف في المسألة كسراً نبسط ما في المسألة به، وكنا ذكرنا في جانب الأنصباء تقدير الشيء والنصيب، ثم انتهت المسألة إلى تبليغ الوصايا سبعة، والأشياء ثلاثة، كما فرضناها، وأخذنا القلبَ من ذلك الجانب.
فاتخذ هذه الصورة إمامك في كل مسألة تناظر هذه.
6890- مسألة: أربعة بنين وقد أوصى لكل واحد من عمه وعمته بوصية إذا جُمعتا، كانتا مثل نصيب أحد البنين، وأوصى لخاله وخالته بوصيتين إذا جمعتا، كانتا مثل نصيب أحد البنين أيضاً، وكانت وصية العمة مثل نصف وصية الخال ووصية الخالة مثل ثلث وصية العم.
فاجعل وصية العمة شيئاً، فيكون وصية الخال شيئين لا محالة؛ فإن وصية العمة نصفُ وصية الخال، فألق وصية الخال من نصيب أحد البنين، يبقى نصيب إلا شيئين، فذلك وصية الخالة؛ فإنا ذكرنا أن وصية الخال والخالة مثلُ نصيب ابنٍ، فإذا حططنا وصية الخال من نصيب، فالباقي وصية الخالة لا محالة.
ونلقي وصية العمة من نصيب أحد البنين وهي شيء، فيبقى نصيب إلا شيء، فذلك وصية العم، لا محالة؛ فإنا ذكرنا أن وصية العم والعمة مثلُ نصيب ابن.
ثم نعلم أن وصية العم ثلاثة أمثال وصية الخالة؛ فإنا ذكرنا في الوصية أن وصية الخالة ثلث وصية العم. فقابل وصية العم بثلاثة أمثال وصية الخالة، وقد ذكرنا أن وصية الخالة نصيب إلا شيئين، فثلاثة أمثالها ثلاثة أنصباء إلا ستةَ أشياء، وهي مقابلة وصية العم، وهو نصيب إلا شيئاً، فنجبر ونقابل، ونقول: نجبر الأنصباء الثلاثة بستة أشياء، ونزيد على العديل ستة أشياء، فيصير نصيباً وخمسة أشياء فإذاً نصيب وخمسة أشياء تعدل ثلاثة أنصباء، فنسقط النصيب بالنصيب، فيبقى نصيبان في مقابلة خمسة أشياء، فاقلب العبارة من هذا الموضع، وقل النصيب خمسة والشيء اثنان.
ثم عد وقل: وصية العم اثنان؛ فإنها كانت شيئاً ووصية الخال أربعة؛ فإنها كانت شيئين، والنصيب خمسة. وإذا نقصت وصية الخال وهي أربعة من النصيب، وهو خمسة، بقي واحد، فهو الوصية للخالة، وإذا ألقيت وصية العمة وهو اثنان من النصيب، بقي ثلاثة، وهي وصية العم، وذلك ثلاثة أمثال وصية الخالة.
والتركة كلها ثلاثون سهماً: للعمة سهمان، وللعم ثلاثة أسهم، وللخال أربعة أسهم، وللخالة سهم، والباقي وهو عشرون بين أربعة بنين، لكل واحد منهم خمسة.
6891- مسألة: ثلاثة بنين، وبنت، وقد أوصى لكل واحد من عمه وخاله وأخيه بوصية، فكان إذا جُمعت وصية العم والخال، كان مجموعهما مثلَ نصيب أحد البنين، وإذا جمعت وصية الخال والأخ، كان مجموعهما مثلَ نصيب البنت، وإذا جمعت وصية العم والأخ، كان ربع التركة.
فاجعل وصية الخال شيئاً، وألقه من نصيب ابن، وللابن نصيبان، لمكان البنت في المسألة-وقد مهدنا هذا في المسائل- فيبقى نصيبان إلا شيئاً، فذلك وصية العم؛ فإن وصية العم والخال مثلُ حصة ابن.
ثم عُد وقل: قدَّرنا وصية الخال شيئاً، فنلقيه من نصيب البنت أيضاً-ولها نصيب واحد- يبقى نصيبٌ إلا شيئاً، فهو وصية الأخ، فيكون وصية العم والأخ ثلاثةَ أنصباء إلا شيئين، وإذا كان هذا ربع المال، فالمال كله اثنا عشر نصيباً إلا ثمانية أشياء. فألق منه الوصايا كلها، وجدد العهد بتفصيلها، ثم اجمعها، فوصية الخال شيء، ووصية العم نصيبان إلا شيئاً، فهما إذاً نصيبان ووصية الأخ نصيب إلا شيئاً، فالمجموع ثلاثة أنصباء إلا شيء، فنحط ذلك مما قدرناه جميع المال، فيبقى تسعة أنصباء إلا سبعة أشياء، فإن في الوصايا استثناء شيء.
وهذا الباقي وهو تسعة أنصباء، إلا سبعة أشياء يعدل أنصباء الورثة وهي سبعة-فإن في المسألة ثلاثةَ بنين وبنت- فنجبر الأنصباء السبعة بسبعة أشياء، ونزيد على عديلها مثلَها، فتصير تسعة أنصباء في مقابلة سبعة أنصباء وسبعة أشياء، ونسقط الأنصباء بالأنصباء، فيبقى نصيبان يعدلان سبعةَ أشياء.
فاقلب العبارة فيهما، فيصير النصيب سبعةً، والشيءُ اثنين، فوصية الخال إذاً اثنان؛ فإنها كانت شيئاً، ونصيب البنت سبعة، ونصيب الابن أربعة عشر، ووصية العم-وهي نصيبان إلا شيئاً- اثنا عشر سهماً، ووصية الأخ-وهو نصيب إلا شيئاً- خمسة أسهم.
والتركة كلها ثمانيةٌ وستون سهماً: للعم اثنا عشر، وللأخ خمسة، وللخال اثنان، والمجموع تسعة عشرَ سهماً، فيبقى تسعةٌ وأربعون بين ثلاثة بنين وبنت، لكل ابن أربعة عشر، وللبنت سبعة.
6892- مسألة: خمسة بنين وبنت. أوصى لكل واحد من عمه وخاله بوصيةٍ لو ضرب إحداهما في الأخرى، ثم أسقط من المبلغ وصية العم قبل الضرب، وقسم الباقي على وصية الخال قبل الضرب، خرج نصيب الواحد مثلَ نصيب أحد البنين.
وإذا أسقط منه وصية الخال، وقسم الباقي على وصية العم، خرج نصيب الواحد مثل نصيب البنت.
فحساب المسألة أن نجعل وصية الخال شيئاً، ووصيةَ العم ثلاثةَ أشياء؛ فإنا بيّنا أن وصية العم أكثرُ؛ من جهة أن المقسوم-بعد حط وصية الخال- على وصية العم، يُخرج نصيبَ البنت، وهو لكثرة سهامه، وإذا كانت القسمة المقدرة على هذا الوجه في جانب مخرج نصيب الابن، وهو لقلة سهامه، وبين الابن والبنت تفاضل الضعف، ينضم إليه تقابل الوصيتين في وضعهما، فوصية الخال شيء ووصية العم ثلاثة أشياء.
ويستخرج الامتحانُ حقيقةَ ذلك.
فاضرب وصيةَ الخال في وصية العم، وقل شيءٌ في ثلاثة أشياء، فترد ثلاثة أموال؛ فإنا مهدنا في أصول الجذر أن ضرب الشيء في الشيء مال، ولفظ الشيء قد لا نعني به الجذرَ، وإنما يراد به شيء مجهول، ولهذا نمثل بالدينار، فإذ مست الحاجة إلى ضرب الشيء في الشيء، فالشيء في هذا المقام جذرٌ في مسالك الحُسّاب، فإذاً معنا ثلاثةُ أموال، فأسقط منها وصية العم، وهي ثلاثة أشياء، تبقى ثلاثة أموال إلا ثلاثة أشياء، فاقسمها على وصية الخال، وهي شيء، فيخرج من القسمة ثلاثة أشياء إلا ثلاثة دراهم.
وبيان ذلك أن الشيء إذا أردنا القسمة عليه، فهو محمول على ثلاثة من العدد في هذه المسألة، وإذا خرج لنا من الضرب ثلاثة أموال، أخذنا من هذا اللفظ الجذرَ المسمى شيئاً، وقدرناه ثلاثة من العدد، فليكن ثلاثة دراهم، فإذا حططنا من ثلاثة أموال شيئاً، ثم أردنا قسمةَ الباقي على وصية الخال، فنفصل الشيء، ونقول: هو ثلاثة دراهم، وإذا قسمنا ثلاثةَ أموالٍ جذرُ كل مالٍِ ثلاثة إلا ثلاثة أشياء، كل شيء ثلاثة دراهم على وصية الخال، وهي شيء واحد، تفصيله ثلاثة دراهم، فيخص كل درهم ثلاثة أشياء إلا ثلاثة دراهم؛ فإن الأموال ثلاثة، وفي كل مال استثناء شيء، وهو ثلاثة دراهم، وكل مال ثلاثة أشياء، فالخارج من القسمة، وهو حصة درهم من الدراهم الثلاثة التي مجموعها شيء ثلاثةُ أشياء إلا ثلاثة دراهم، ولم نقل مال إلا ثلاثة دراهم؛ لأنا أخذنا من كل مالٍ قسطاً، وتركنا الأمر مفصَّلاً، ولم نضم منها مالاً.
فإذا بان الخارج من هذه القسمة، فذاك نصيب أحد البنين، على ما ذكرناه في وضع المسألة.
ثم نعود، فنطرح ثلاثة أموال وصية الخال، وهي شيء وتفصيله ثلاثة دراهم، فتبقى ثلاثة أموال إلا شيئاً، ونقصُ الاستثناء مفضوض على الأموال الثلاثة، فنَقْسم هذه الأموال مع ما فيها من الاستثناء على وصية العم، وهي ثلاثة أشياء، وتفصيلها تسعة دراهم، فإذا قسمنا ثلاثة أموال إلا شيئاً، وهي في التحقيق ثلاثة أموال إلا ثلاثة دراهم، فيخص كل درهم من الدراهم التسعة التي هي تفصيل وصية العم شيء إلا ثلاثة دراهم، فإن كل مال ثلاثةُ أشياء، وفيه نقصان درهم.
ومما يجب التنبه له في ذلك أنا لا نجمع الأشياء في وصية العم، حتى نقول: إنها مال، ولكننا نتركها على تفصيلها، ولا نقتصر على تفصيلها أشياء بل نفصّل كلَّ شيء دراهم، وإنما تصير الأشياء مالاً في منزلة الضرب، فالخارج من القسمة على وصية العم بعد حطّ وصية الخال شيء إلا ثلث درهم، وهو نصيب البنت في وضع المسألة، فإذا انتهينا إلى هذا الموضع، فأضعف نصيب البنت؛ لأنك تحتاج إلى معادلته بنصيب الابن، فيكون شيئين إلا ثلثي درهم، نقابل بهذا نصيب الابن، وهو ثلاثة أشياء إلا ثلاثة دراهم، فاجبره، وقابل، وقل: نجبر نصيب الابن بثلاثة دراهم، ونزيد على نصيب البنت ثلاثة دراهم، فتصير ثلاثةَ أشياء في مقابلة شيئين ودرهمين وثلث؛ فإنا جبرنا بزيادة ثلاثة دراهم ما كان في نصيب البنت من الاستثناء وهو ثلثا درهم، فيكمل الشيئان، ويبقى بعد كمالهما درهمان وثلث، فنسقط شيئين بشيئين، فيبقى شيء في مقابلة درهمين وثلث، فهو قيمة الشيء الذي أبهمناه ابتداء، وهو وصية الخال، ووصية العم ثلاثة أمثالها، فهي إذاً سبعة دراهم.
ومما يجب الاعتناء به في هذا المقام أنا وضعنا العمل في المسألة على تقويم الشيء ثلاثة دراهم، وعلى هذا خرّجنا القسمة التي تقدم ذكرها، ثم عدنا في آخر المسألة، وقوّمنا الشيء درهمين وثلثاً، وهذا شأن الجبر، فما يجري في تقادير العمل ليس بياناً لشيء مطلوب، إذ لو كان بياناً، لاقتصر عليه، ووقف عنده، ولكن ذاك بسط وتقدير يُفضي إلى بيان الأمر المطلوب عند الجبر والمقابلة، وإسقاط المثل بالمثل، فإذاً بان وصية الخال-وهي الشيء الكامل- درهمان وثلث، ووصية العم سبعة دراهم، فيخرج منه أن نصيب الابن أربعة دراهم؛ فإن نصيبه ثلاثة أشياء إلا ثلاثة دراهم، فكأنا قلنا: نصيبه سبعة دراهم إلا ثلاثة، ونصيب البنت درهمان؛ فإنه شيء إلا ثلث درهم. قلنا: نصيب الابن سبعة دراهم إلا ثلاثة، ونصيب البنت درهمان؛ فإنه شيء إلا ثلث درهم، والشيء درهمان وثلث، وقد بان ما نريد، ولا يخفى طريق الامتحان.
6893- مسألة: ابن وبنت، وقد أوصى لكل واحد من عمه وخاله بوصية، وفضل العمَّ على الخال، وكانت الوصيتان إذا جُمعا سدس المال، وإذا ضربت كل واحدة منهما في نفسها-وإن أردت، قلت في مثلها- وأسقط أقل المبلغين بعد الضرب من الأكثر فالباقي مثل نصيب البنت.
هذا وضع المسألة: وحسابها أن نجعل وصية الخال شيئاً، وجعلنا وصية العم شيئين، فمجموعهما سدس المال، وإن كان سدس المال ثلاثة أشياء، فالمال كله ثمانيةَ عشرَ شيئاً، فنحفظ هذا.
ثم نعود فنضرب كل وصية في نفسها، فنقول: وصية الخال شيء، وإذا ضربناه في نفسه، صار مالاً، ونضرب نصيب العم في نفسه، وإذا ضربت شيئين في شيئين ردّ أربعة أموال.
ثم إنا نحط الأقل من الأكثر، فيبقى ثلاثة أموال، فهي نصيب البنت.
فإذا كان نصيبها ثلاثة أموال، فنصيب الابن ستة أموال، ومجموع الحصتين تسعة أموال، فزد الوصيتين الموضوعتين في المسألة قبل الضرب على تسعة أموال؛ فإن الفريضة الجامعة للوصية والميراث هكذا تكون، فإذاً معنا تسعة أموال، وثلاثة أشياء تعدل المال المحفوظ عندنا، وهو ثمانية عشر شيئاً، فنُسقط ثلاثة أشياء بثلاثة أشياء، فيبقى تسعة أموال في مقابلة خمسةَ عشرَ شيئاً، فالمال الواحد يعدل شيئاً وثلثي شيء، فنقلب العبارة، ونجعل الشيء واحداً وثُلثين، ونرد العبارة إلى العدد، كدأبنا في أمثال هذه المسائل، فوصية الخال واحد وثلثان ووصية العم ضعفه، وهو ثلاثة وثلث، والوصيتان خمسة دراهم، وهو سدس التركة فالتركة ثلاثون درهماً.
وإذا أردت امتحانَ ما ذكرناه في وضع المسألة ضربنا درهماً وثلثين في درهم وثُلثين، وضربت ثلاثة دراهم وثلث، في ثلاثة دراهم وثلث، وحططنا أقل المبلغين بعد الضرب من الأكثر، كان الباقي حصة البنت من خمسة وعشرين. وهذا ما ذكرناه في وضع المسألة.
6894- مسألة: ابن وبنت، وقد أوصى لكل واحد من عمه وخاله بوصية، وفضّل العم في وصيته على الخال، وإذا جُمعتا، كانتا مثلَ نصيب البنت، وإذا ضربت كل واحدة منهما في مثلها، كان الباقي ستة أمثال ما بين الوصيتين قبل الضرب، والمراد أن الباقي بعد حط الأقل من الأكثر مثل فضل إحدى الوصيتين على الأخرى ست مرات.
فنجعل وصية الخال شيئاً، ووصية العم شيئين، ومجموعهما ثلاثة أشياء، وهو مثل نصيب البنت في وضع المسألة، فنصيب الابن إذاً ستةُ أشياء، ومجموع الحصتين تسعة أشياء، فنضرب كلَّ وصيةٍ في نفسها، فتصير وصية الخال مالاً، ووصية العم أربعة أموال، ثم إنا ننقص الأقلَّ من الأكثر، فيبقى معنا ثلاثة أموال، وهي تعدل ستة أشياء.
وبيانه أنا قدرنا في وضع المسألة وصيةَ الخال شيئاً ووصيةَ العم شيئين، والفضل بين الوصيتين شيء، وقد ذكرنا أنا إذا ضربنا كلَّ وصيةٍ في نفسها، وحططنا أقل المبلغين من الأكثر، كان الباقي مثلَ الفضل بين الوصيتين ست مرات، والباقي معنا بعد الحط ثلاثة أموال، فهي تعدل ستة أشياء، فالمال الواحد يعدل شيئين، فنرد العبارة إلى العدد، ونقلب الاسم، ونقول: الشيء الواحد اثنان، ونعود، فنقول: وصية الخال اثنان، ووصية العم أربعة، ونصيب البنت مثل الوصيتين، وهو ستة، ونصيب الابن اثنا عشر، وإذا ضممنا الوصيتين إلى المبلغ وهي ستة، صارت الفريضة الجامعة للوصية والميراث أربعة وعشرين.
وإذا أردت امتحان ما ذكرناه من الضرب، فاضرب اثنين في اثنين، وأربعة في أربعة، فيصير أحد المبلغين أربعة، والثاني ستةَ عشرَ، ثم حط الأربعة من ستة عشرَ، فيبقى اثنا عشر، وهذا الباقي مثل فضل وصية العم في أصل الوضع قبل الضرب على وصية الخال ست مرات، فإن الفضل بين الوصيتين سهمان، وذلك ما أردنا أن يبين.
مسائل في نوادر الوصايا التي تكون بفض الوصايا على بعض الورثة دون بعض
واللقب الشائع في الباب الضيم وهو الظلم، فالظلم والضيم يرجعان إلى النقصان.
6895- مسألة: إذا خلّف الرجل امرأةً وأماً وأخاً، وأوصى من ثلث ماله بمثل نصيب المرأة، وأوصى لآخر بعُشر ما بقي من الثلث، وقال في وصيته لا تضامُ الأم بالوصية، وأراد أن نصيبها يكمل كمالَه لو لم تكن وصية، وهذا معنى المسألة في وضعها.
وحساب المسألة: نقول: فريضة الميراث من اثني عشر سهماً: للمرأة ثلاثة أسهم، وللأم أربعة أسهم، والباقي للأخ، وهو خمسة أسهم، فنقول: نجعل ثلث المال ثلاثة دنانير وعشرة دراهم؛ لذكر الموصي عُشر ما تبقى، فأما ثلاثة دنانير، فإنّا وضعناها على عدد نصيب المرأة؛ إذ هي الموصى بمثل نصيبها، فندفع إذاً بالنصيب ثلاثةَ دنانير، يبقى عشرةُ دراهم، فندفع بالوصية التامة عشرها، وهو درهم يبقى، تسعة دراهم، فنزيده على ثلثي المال، وثلثا المال عشرون وستة دنانير، فيكون بعد الضم تسعة وعشرين درهماً وستة دنانير، فنقول: هذا يعدل ثلث جميع المال وثمانية دنانير.
وبيان ذلك أن الأم لا يداخلها من الوصية نقص؛ فلها ثلث جميع المال وللمرأة والأخ ثمانية دنانير؛ فإن الأنصباء ممثلةٌ بالدنانير. فنضع الثلث الكامل في مقابلة نصيب الأم، وهو ثلاثة دنانير وعشرة دراهم، وسنقيم ما ذكرناه في المعادلة من أن ما معنا، وهو تسعةٌ وعشرون درهماً وستة دنانير تعدل ثلثَ المال وثمانيةَ دنانير، وثلثُ المال وثمانيةُ دنانير أحدَ عشرَ ديناراً وعشرة دراهم، فنسقط المثلَ بالمثل، فترجع الدنانير إلى خمسة، والدراهم إلى تسعةَ عشرَ، فنقول خمسة دنانير تعدل تسعةَ عشرَ درهماً، ونرد العبارة إلى العدد، ونقلب الاسم، فيكون كل دينار تسعةَ عشرَ سهماً، وكل درهم خمسة أسهم.
وقد كان ثلث المال في الوضع الأول ثلاثة دنانير وعشرة دراهم، فهو الآن بعد التقويم الذي ذكرناه مائةٌ وسبعةُ أسهم، فنعزل منها نصيبَ المرأة، وكان نصيبها ثلاثة دنانير وذلك سبعة وخمسون سهماً، فيبقى خمسون سهماً فاعزل منها عشرها بالوصية الثانية وهو خمسة، تبقى خمسةٌ وأربعون سهماً، زدها على ثلثي المال، وهو مائتا سهم وأربعةَ عشرَ سهم، فيبلغ مائتين وتسعةً وخمسين سهماً: للأم من ذلك ثلثُ جميع المال كاملاً، وهو مائة سهم وسبعة أسهم، لأنه ليس عليها من الضيم شيء، يبقى مائة واثنان وخمسون درهماً، للمرأة منها سبعة وخمسون سهماً، وهو قيمة ثلاثة دنانير، وللأخ خمسة وتسعون سهماً، وهو قيمة خمسة دنانير.
وهذه المسألة وأمثالها تستدعي لا محالة إجازة من الورثة الذين عليهم الضيم، فإن الأم إذا فازت بالثلث الكامل، ففيما أخذت وصيةٌ لها لا محالة، والوصية للوارث وإن وقعت من ثلث المال بمثابة الوصية للأجنبي لما زاد على الثلث. وسيأتي شرح ذلك، إن شاء الله تعالى.
6896- مسألة: ترك أربعة بنين، وأوصى من ربع ماله بمثل نصيب أحدهم إلا خمس ما تبقى من الربع وإلا درهماً، وأوصى ألا يكون الضيم على واحدٍ عيَّنه من بنيه، وهو زيد مثلاً، وخلف ثلاثين درهماً.
فالوجه أن نقول: الوصيةُ دينار، فنطرحه من الثلاثين درهماً، تبقى ثلاثون درهماً إلا ديناراً، فنقسم ذلك بين أربعة بنين، لكل واحد منهم سبعةٌ ونصف إلا ربعَ دينار.
نقول ربع المال على الحقيقة سبعةُ دراهم ونصفٌ، فنسقط نصيب ابن بعد حط الوصية من الثلاثين وهو سبعةٌ ونصف إلا ربع دينار، وإذا أسقطت سبعةً ونصفَ إلا ربعَ دينار من سبعةٍ ونصفٍ، لا استثناء فيها، فيبقى ربعُ دينار، وهو قدر الاستثناء، فنأخذ خُمسَ ذلك ودرهماً، وخمس الربع نصف عشر، فنأخذ نصف عشر دينارٍ ودرهماً، ونطرح ذلك من النصيب، وهو سبعة دراهم ونصف إلا ربع دينار، يبقى ستة دراهم ونصف إلا ثلاثة أعشار دينار.
وبيان ذلك أن النصيبَ كان سبعةً ونصفاً إلا ربع دينار، فإذا أسقطنا منه درهماً؛ لأن في الاستثناء ذكرَ درهم، فبقي ستة دراهم ونصف، وكان في النصيب استثناء ربع دينار، فنضم إليه نصفَ عشر دينار استثناءً وإذا ضممت نصف العشر إلى الربع، كان المجموع ثلاثةَ أعشار؛ إذ ربع العشرة درهمان ونصف، ونصف عُشْره نصف درهم، فالمجموع ثلاثةُ دراهم، وهي ثلاثة أعشار العشرة، فاستقام ما ذكرناه من أن الباقي ستةُ دراهم ونصف إلا ثلاثة أعشار دينار، فنزيد على هذا المبلغ ربعَ دينار، فيصير ستة دراهم ونصف درهم إلا نصف عشر دينار، وذلك أنه كان معنا ستةُ دراهم ونصف درهم إلا ثلاثة أعشار دينار، فالآن إذا زدنا ربعاً، رجع الاستثناء إلى نصف عشر دينار، ثم نقول: هذا المبلغ يعدل ديناراً، وإنما زدنا في آخر الأمر ربعَ دينار، فإنا أردنا أن نعادل ما معنا بالوصية، وقد جعلنا الوصية ديناراً في ابتداء الأمر، فنجبر ونقابل، ونقول: نجبر المال بنصف عشر، ونزيد على الدينار نصف عشر، فيكون دينار ونصف عشر دينار يعدل ستّةَ دراهم ونصف درهم، فنبسط ما في الجانبين بأنصاف الأعشار، فيصير الدينار والكسر الذي معه أحداً وعشرين ديناراً، والدرهم والكسر الذي معها مائة وثلاثون درهماً، فيخرج منه أن الدينار الواحد يعدل ستة دراهم وأربعة أجزاء من أحدٍ وعشرين جزءاً من درهم، فذلك مقدار الوصية، فامتحنها وأجْرِ فيها المراسم المقدّمة، تجد المسألة صحيحة، إن شاء الله عز وجل.
6897- مسألة أوردها الأستاذ أبو منصور رحمه الله وحكاها عن الخصاف في الحساب والعمل به، وصحح مسلكَه في الحساب، ثم نَقَم عليه لفظةً في آخر المسألة، ونحن نذكر صورةَ المسألةِ ومسلكَ الخصَّاف فيها، حتى إذا انتهى كلامُه، بينا بعده اعتراضَ الأستاذ، إن شاء الله عز وجل.
6898- أما صورة المسألة: إذا ترك رجل خمسةَ بنين، وأوصى لرجل بمثل نصيب أحدهم، وأوصى لآخر بثلث ما بقي من الثلث، وقال في وصيته: لا تُدخلوا نقصاً على ابني زيد بسبب الوصية بثُلث ما بقي، وأدخلوا عليه النقص بالوصيّة بالنصيب ولا تدخلوا نقصاً على ابني عمرو بسبب الوصية بالنصيب، وأدخلوا عليه النقص بالوصية بثلث ما يبقى، فَبَرَأَ كلُّ واحد من الاثنين المسمَّيْن عن نقصان واحدةٍ، على ما عيّن وفصّل، وأجاز البنون ذلك؛ يعني أنهم أجازوا الوصيتين لزيد وعمرو، فيما يختصان به من مزيد وصية في حقوقهما، على ما سيأتي الشرح عليه.
هذا بيان صورة المسألة. قال الخصّاف: حسابه أن نأخذ مالاً، ونُخرج منه نصيباً لصاحب النصيب، يبقى مالٌ إلا نصيب، فندفع إلى زيد-لما قال الموصي: لا تدخلوا على زيد نقصان الوصية بثلث ما يبقى من الثلث- خمسَ الباقي من المال، وكان بقي معنا مالٌ إلا نصيب، فخمسه خُمس مال إلا خُمس نصيب، فذاك نصيب زيد، وإنما فعل ذلك لأنه أدخل النقص على زيد بسبب النصيب، ولم يدخل عليه النقص بسبب الوصية بثلث ما يبقى من الثلث، وإذا كان كذلك، حَطَّ النصيب ليناله نقصان، وأعطاه خُمس الباقي، ولم يتعرض للوصية الأخرى في حقه، حتى كأنْ لا وصية إلا النصيب، ثم قال: إذا كان هذا نصيبَ زيد، فاعرف هذا واحفظه.
وعُد إلى ثلث المال كلِّه، فانقصْ منه نصيباً، يبقى ثلث مال إلا نصيب، فألق ثلث ذلك للموصى له بثلث ما بقي من الثلث، وهو تُسع مالٍ إلا ثلث نصيب، وهذا وصية الثاني، فألقها من رأس المال، فيبقى ثمانية أتساع مال وثلث نصيب؛ فإنا قدرنا المالَ كلَّه تسعةً، فالثلث ثلاثة أتساع.
ثم عدنا، فقدّرنا إسقاط النصيب ليتعين الوصية الثانية، ونسترد النصيب في حق الابن الثاني وهو عمرو، فإذا سلمت تسعاً إلى الموصى له بثلث ما تبقى بعد النصيب، كان ذلك التسع ناقصاً بثلث نصيب، ولا نقدّر في التُسعين الباقيين من الثلث الآن نقصاناً؛ فإنا لا نحتاج إلى نقصان النصيب في حق عمرو، وإنما قدّرنا النصيب لبيان مقدار الوصية الثانية، فنضم إذاً تُسعين كاملين إلى ثلثي المال، ونسترد من التسع ثلثَ نصيب، فنضمه أيضاً، فيجتمع معنا ثمانية أتساع كاملة وثلث نصيب، وقد حططنا الوصية الثانية من رأس المال، ولم نحط النصيب، حتى كأنه لا وصية بالنصيب في حق عمرو، وأدخلنا عليه النقص بالوصية الثانية، فندفع إذاً إلى عمرو خُمسَ هذا الباقي المجموع.
ونضرب المال والنصيب في مخرج الخمس والتسع، فيصير المال كلُّه خمسةً وأربعين، ويصير النصيب أيضاً خمسة وأربعين، فهي ثمانية أتساع خمسة وأربعين، وهي أربعون، وخذ ثلث النصيب وهو خمسةَ عشرَ، وادفع إلى عمرو خُمسَ المبلغين وهو ثمانية من خمسة وأربعين، وثلاثة من خمسة وأربعين من النصيب، هذا خمس ثلث النصيب، وخمس ثمانية أتساع المال.
فإذا تبين ذلك، وبان طريق العمل، فخذ مالاً له خُمس وتسع، وذلك خمسةٌ وأربعون، خذ ثلث ذلك، وهو خمسة عشر، واحفظ ثلثي المال وهو ثلاثون، ثم ادفع من الثلث نصيباً إلى الموصى له بالنصيب، يبقى ثلث مال إلا نصيباً، فألق ثلث ذلك إلى الموصى له بثلث ما تبقى من الثلث، يبقى من الثلث تسعا مال إلا ثلثي نصيب، وذلك عشرةُ أسهم من خمسة وأربعين سهماً من مال إلا ثلاثين سهماً من خمسة وأربعين سهماً من نصيب، وزده على ثلثي المال، فيصير أربعين سهماً من خمسة وأربعين سهماً من مال إلا ثلاثين سهماً من خمسة وأربعين سهماً من نصيب، فألق منه نصيبَ زيد، وهو خُمس مال إلا خُمس نصيب، وخمس المال تسعة أسهم من خمسةٍ وأربعين سهماً من المال، وخمس النصيب تسعة أسهم من خمسةٍ وأربعين سهماً من نصيب، فله تسعة أسهم من المال الذي هو خمسةٌ وأربعون إلا تسعةَ أسهم من النصيب الذي هو خمسة وأربعون، يبقى من المال أحدٌ وثلاثون سهماً من خمسةٍ وأربعين سهماً من المال إلا أحداً وعشرين من خمسةٍ وأربعين سهماً من نصيب، وانقص منه أيضاً نصيبَ عمرو، وهو ثمانية أسهم من خمسة وأربعين من المال، وثلاثة أسهم من خمسة وأربعين سهماً من النصيب، يبقى من المال ثلاثة وعشرون سهماً من خمسةٍ وأربعين سهماً من المال إلا أربعة وعشرين سهماً من خمسةٍ وأربعين سهماً من النصيب؛ فإنه كان معنا استثناء أحد وعشرين من النصيب المبسوط، والآن زدنا ثلاثة أخرى، فصار الاستثناء أربعة وعشرين، فإذاً الباقي معنا ثلاثة وعشرون سهماً من خمسةٍ وأربعين سهماً من المال إلا أربعة وعشرين سهماً من خمسةٍ وأربعين سهماً من النصيب، وذلك يعدل أنصباء الباقين من البنين، وهي ثلاثة أنصباء، فنجبر ما بقي من المال بأربعةٍ وعشرين سهماً من النصيب، ونزيد على الأنصباء الثلاث مثلها، ونضرب الكل في مخرج المال، فنقول: الأنصباء الثلاثة نضربها في خمسة وأربعين، فيصير مائة وخمسة وثلاثين، فنضم إليها أربعةً وعشرين؛ فإنها أجزاء والأجزاء إذا ضربت، صارت سهاماً كاملة، فالمبلغ مائة وتسعة وخمسون، ومعنا في جانب المال ثلاثةٌ وعشرون، وهي أجزاء، فنجعلها سهاماً، ثم نقلب الاسم، فنجعل النصيب ثلاثة وعشرين، والمال مائة وتسعة وخمسين، فمنها تصح المسألة.
الامتحان: نأخذ ثلث المال، وهو ثلاثة وخمسون، نلقي منه نصيباً يبقى من الثلث ثلاثون، فألق ثلثها عشرة، تبقى عشرون، فنزيدها على ثلثي المال، فيصير مائة وستة وعشرين، ثم نعود إلى المال، فنلقي منه نصيباً لنعطي زيداً حصته، وإذا حططت من أصل المال-وهو مائة وتسعةٌ وخمسون- نصيباً، وهو ثلاثة وعشرون، بقي مائة وستة وثلاثون، ولزيد الذي عليه الضيم والنقصان من النصيب خُمس ذلك، وهو سبعة وعشرون سهماً وخمس سهم. هذا نصيب زيد: ثلاثة وعشرون بإرثه، وأربعة وخُمس وصية له؛ من حيث لم ينله النقص من الوصية الأخرى.
ثم نرجع إلى المال فننقصُ منه ثلث ما تبقى من الثلث، وذلك عشرةُ أسهم، تبقى مائة وتسعة وأربعون، فلعمرٍو الذي عليه الضيمُ والنقصُ من الوصية بثلث ما تبقى من الثلث، خُمس ذلك، وهو تسعة وعشرون سهماً وأربعة أخماس سهم، وذلك جميع ما لَه، منها ثلاثة وعشرون بالإرث، وستة أسهم وأربعة أخماس سهم وصية له، إذا لم ينله النقص من الوصية بالنصيب.
هذا مسلك الخصاف في الحساب، ثم قال: وصية الابنين أحدَ عشرَ سهماً، فنلقيها من المائة والستة والعشرين وهذا هو الباقي بعد الوصيتين، إذ إحداهما ثلاثة وعشرون، والأخرى عشرة، وإذا ألقينا من المائة والستة والعشرين وصية الابنين-وهي أحدَ عشرَ سهماً- تبقى مائة وخمسةَ عشرَ بين خمسةِ بنين، لكل واحد منهم ثلاثة وعشرون سهماً.
هذا ترتيب الخصاف في الحساب ولا مَعَاب عليه في القسمة والطريق، غير أنه غَلِطَ غلطة فاحشة، لما قال: الوصية للابنين زيد وعمرو أحد عشر سهماً. قال الأستاذ أبو منصور وَهِم الخصاف في قوله: إن الأحدَ عشرَ كلَّها وصيةٌ للابنين؛ لأنه جعل ما زاد في نصيبهما وصيةً لهما، وليس كذلك لأن لهما في تلك الزيادة ميراثاً، والوصية ما زاد على الميراث.
والدليل على ذلك أن رجلاً لو ترك خمسة بنين، وأوصى لأحدهم بمثل نصيب ابن، لكان المال بينهم على ستة للموصى له منها سهمان، وهو ثلث المال، ولكل ابن سهم، وهو سدس المال، ولا نقول السدس الزائد في حق الموصى له وصية؛ فإنه يستحق بالميراث خمسَ المال، فالوصية ما زاد على الخُمس، وهو أربعة أخماس سهم، ولا يقال لما أخذ كلُّ ابن سدسَ المال، وأخذ الموصى له ثلثَ المال إن وصيته من ذلك فضل ما بينهما، وهو السدس الزائد على ما أخذه كل ابن.
فإذا ثبت ما قلناه، فالوجه أن نخرج وصية الأجنبيين في مسألة الخصاف، وهي، ثلاثة وثلاثون سهماً، يبقى من المال مائة وستة وعشرون بين خمسة بنين لكل واحد منهم خمسة وعشرون سهماً، وخُمس سهم، فهذا ميراث كل ابن، وقد أخذ زيدٌ سبعة وعشرين سهماً وخمسَ سهم، فوصيته من ذلك سهمان، وأخذ عمرو تسعةً وعشرين سهماً وأربعة أخماس سهم، فوصيته من ذلك أربعة أسهم وثلاثة أخماس سهم، ووصية الابنين إذاً ستة أسهم وثلاثة أخماس سهم.
هذا بيان مسألة الخصاف وما فيها من الاستدراك.
مقالة في العين والدين
6899- مسائل هذه المقالة تدور على أن يخلّف الميت عيناً، ويخلّف ديناً على بعض الورثة، أو على أجنبي، فإن كان على وارث، وقع الكلام فيما سقط عنه من الدين، وفيما يستحقه من العين، وإن كان الدين على أجنبي غيرِ وارث، فقد نفرض وصيةً لذلك الأجنبي بمقدارٍ، ثم يقع الكلام فيما يسقط عنه من الدين بسبب الوصية لمن عليه الدين، وقد تقع الوصية لأجنبيٍّ لا دين عليه، والدين على بعض الورثة، فيقع الكلام فيما يستحقه الموصى له من الدين والعين، وفيما يستحقه الوارث الذي لا دين عليه.
وهذه المسألة لها وقعٌ عند أصحاب الرأي، ولا يغمُض مأخذها على مذهب الشافعي، ولا يدِق الحساب على طريق الشافعي فيها، إلا أن يُتكلّف وضعُ أصلٍ كما سيأتي الشرح عليه، حتى يُستعمَل على طريق الحُسّاب، ولا نُخلي هذا الكتاب عن شيءٍ مستفادٍ، إن شاء الله عز وجل.
ويتعين تقديم المقالة بفصولٍ فقهيةٍ، لم يوضحها الأستاذ أبو منصور على ما ينبغي، وأطلق ألفاظاً لا نؤثرها، وإن كنا نظن به إصابةَ المعنى، فنقول: الدَّين قد يكون على الوارث وحده، وقد يكون على الأجنبي وحده، وقد يكون الدين على الوارث وعلى الأجنبي، وسيأتي في كل قسم من ذلك ما يليق به من الفقه والحساب إن شاء الله عز وجل.
فمما نرى تقديمَه أن من مات وخلّف ابنين، وترك عشرةَ دراهم عيناً، وكان له على أحد الابنين عشرةُ دراهم ديناً، وما خلّفه من العين من جنس ماله من الدين، فالمذهب المبتوت الذي لا يجوز تقدير الخلاف فيه أن الابنين يشتركان في ميراث العين والدين، فالعشرة المخلّفة بينهما نصفان، والعشرة الدينُ بينهما. هذا مقتضى توريثهما، فالإرث يثبت شائعاً في العين والدين جميعاً، ثم إن كان من عليه الدين مليئاً وفيّاً، لم يكن لمن لا دين عليه أن يستبدَّ بالعشرة التي هي عينٌ على تقدير أخْذ الخمسة بالميراث، والخمسة الأخرى قصاصاً عما يستحقه من الدين.
فإن وقع تراضٍ، فلابد من إنشاء عقدٍ وارد على ما يوجب الشرع.
وإن كان من عليه الدين مُعسراً، أو أنكر الدينَ، فأردنا ثبات الحكم باطناً، فالذي لا دين عليه يستحق نصف العين إرثاً، وله خمسةُ دراهمَ في ذمة أخيه، وقد عسر عليه استيفاؤه منه، إما بإعساره وإما بإنكاره ولا بينةَ، ومن ظفر بجنس حقِّه من مالِ مَنْ عليه الحقُّ، فله أن يأخذه عند تحقق العذر، ولا يملكه ما لم يأخذه على قصد التملك.
هذا بيان هذا الأصل، وهو من جليات الفقه، ولفظ الأستاذ فيه بعدٌ عن المسلك الذي يعرفه الفقهاء؛ فإنه قال: يأخذ من لا دين عليه العينَ، في الصورة التي ذكرناها إرثاً وقصاصاً، فسمى أخذه الخمسةَ قصاصاً، ثم رمز إلى خلاف الأصحاب في أن التقاصّ كيف يقع، وهذا بعيدٌ؛ فإن الأقوال المعروفة في التقاصّ إنما تقع في الدينين، على ما سنشرحها، ولا يجري التقاصّ بين الدين والعين، ثم فحوى كلامه مصرحةٌ بوقوع ما سماه قصاصاً من غير فرق بين أن يكون مَن عليه الدين مفلساً، أو يكون مليئاً وفيّاً، وهذا لا سبيل عليه، ولا يسوغ أن يعتقد ذلك من مذهب الشافعي.
ومن بديع ما جاء به محكيّاً عن ابن سريج أنه قال: إذا كان على الابن الذي عليه الدين دينٌ: عشرةٌ لأجنبي، وعليه عشرةٌ للمتوفى، ومعلوم أن الذي عليه الدين يستحق من العشرة التي هي عينٌ نصفَها وهو خمسة، فحكى عن ابن سريج وجهين:
أحدهما: أن الابن الذي لا دين عليه أولى بتلك الخمسة، حتى كأن هذا القائل يعتقد أن حق من عليه الدين في العين لا أصل له، ولا ثبات. هذا وجه حكاه كذلك.
والوجه الثاني- أن تلك الخمسة بين الابن الذي لا دين عليه وبين الأجنبي الذي يستحق العشرة على مقدار دينهما، فيضاربان فيها، فيضرب الابن بخمسة، ويضرب الذي استحق العشرة بعشرة، وهذا الوجه الأخير مستقيم.
والوجه الأول لا أصل له، ولا يحل عدُّه من المذهب، ولولا علمنا بأن الأستاذ موثوق في حكايته، وقد أسند الحكاية إلى متن مذهب أبي العباس، لما استجزت إثباته، فكأن الأستاذ يعتقد أن حق من لا دين عليه ينحصر في العين، إذا لم يكن على من عليه الدين دينٌ آخر لأجنبي، فإن كان عليه دينٌ لأجنبي؛ فالمسألة مختلف فيها عنده.
ومما تجب الإحاطة به أن الميت لو لم يخلِّف عيناً، وترك ابنين وعشرةَ دراهم ديناً على أحدهما، فالذي عليه الدين يبرأ عن حصته، ولا تتوقف براءته على أن ينقُد لصاحبه حصتَه من الدين، والسبب فيه أنه ملك نصفَ الدين قطعاً، كما ملك أخوه نصفَه، والملك المستفاد بالإرث لا يستأخر عن الموت، وإذا ثبت ملكه في النصف، استحال أن يصير مستحِقاً للدين على نفسه، فلابد من اعتقاد براءة ذمته عن حصته، ولو لم نقل بهذا، لزمنا ألا يملك من الميراث حصةً، أو يلزمُ أن نملّكه ونقضي بأنه يستحق على نفسه ديناً، والأمران جميعاً مستحيلان.
6900- ومما نذكره في مقدمة المسائل أنه لو ترك عيناً وديناً أو مالاً غائباً، وأوصى بالدين أو بالمال الغائب، وهو قدر الثلث أو أقلُّ، فحق الموصى له ينحصر في الدين، أو في المال الغائب الذي عيّنه في الوصية، ولا شيء له في العين الحاضرة، فلو تلف ذلك المال الغائب، فالتَّوى على الموصى له، ولا رجوع له إلى العين.
وإذا تبيّنا استحقاقَه في المال الغائب، ولزمت الوصية، فقد ملك المالَ، فلو تلفت العين بعد ذلك في يد الورثة، فلا أثر لتلفها؛ فإن الملك قد استقر في العين الفائتة، وهذا بيّنٌ لا خفاء به.
ولو كانت المسألة بحالها إلا أنه أوصى بثلث الدين، أو ثلثِ المال الغائب، فلو نضَّ من الدين ثُلثُه مثلاً، فهل نقول: إنه يسلّم للموصى له ثلث ذلك؟ أم كيف السبيل؟ فعلى وجهين مشهورين في المذهب: فمن أصحابنا من قال: إن كان في يد الورثة من العين ما يكون ضعفاً لما نضَّ من الدين، فهو مصروف إلى الوصية؛ فإنه ثلثٌ، والوصيةُ بثلث الدين، وفي يد الورثة ضعف ذلك.
ومن أصحابنا من قال: كلما نضَّ من الدين شيء، فللورثة ثلثاه، وللموصى له ثلثه، وإن كان في أيدي الورثة أضعافُ ما نضّ. وهذا القائل يستمسك بلفظ الموصي، وذلك أنه أوصى له بثلث الدَّين، وهذا يقتضي الشيوع؛ فإذا نضَّ من الدين ثلثُه، فليس للموصى له إلا ثلثُ ما نضَّ. هذا هو الصحيح.
ولما ذكرناه من الخلاف التفاتٌ على مسألةٍ ستأتي في فقه الوصايا، إن شاء الله تعالى، وهي أن الرجل إذا أوصى لرجل بثلث دارٍ، وكنا نقدّر أن جميع الدار له، فبان أنه لا يستحق منها إلا ثلثَها، فللشافعي قولان في أن الثلث الذي يملكه هل يصرف إلى الوصية، أم لا يصرف إليها إلا ثلث الثلث؟ وسيأتي ذكر القولين والتفريع عليهما، إن شاء الله تعالى.
والخلاف في هذه المسألة أمثلُ؛ فإن من رأى صرفَ ثلث الدار إلى الوصية حَمَل وصيتَه على التصرف في ملكه، وهذه عادةٌ غالبةٌ، لا تُنكرُ، و لغلبة العادات سلطنةٌ على الألفاظ تفسِّر مجملَها وتقيّد مطلقَها، وتخصص عامها، وليس يتأتى مثل ذلك في مسألة الوصية بثلث الدين؛ فإن اللفظ مقتضاه الإشاعة، وليس في معارضِه هذا ما يمنع الإشاعة، والدليل عليه أن الموصى له استحق ثلث الدين شائعاً، ولم يتوقف استحقاقُه على النضوض، وإذا كان كذلك، فما ينضّ لا ينحصر حق الوصية فيه، نعم، إذا ثبت استحقاقه في ثلث الدين، فأراد من عليه الدين أن يقدّمه بحقه كدأب من عليه دينٌ لرجلين، فلا امتناع. وهذا إذا كان في يد الورثة ضعف ما نضَّ، ولا يجوز أن يكون في هذه الصورة خلاف.
وإن جاء من عليه الدين بثلث ما عليه، وألقاه في التركة، وتشبث الموصى له به، فهذا هو الموضع الذي ذُكر الخلاف فيه، ولا وجه للخلاف أيضاً؛ فإن من عليه الدين إن جاء بما يقدِّر ملك الورثة والموصى له، ووقع القبض كذلك، فوجب الرجوع إلى هذا.
ولكن صاحب الوجه الضعيف يقول: إذا جاء من عليه الدين بمقدار حقه، فللموصى له أن يقول: ليس للورثة أن يأخذوا منه شيئاً، حتى يتوفر عليَّ حقي كَمَلاً؛ فإن في أيديهم ضعفُ هذا. و وجه الخبط سببُه ما يراعى من قصد المؤدِّي، فإن فرضت المسألة في الوصية بثلث المال الغائب إذا حضر ثلثُه، كان الوجه البعيد أوجه في هذه الصورة وأقرب إلى الفهم منه في صورة الدين.
والقياس المقطوع به في المسألتين الجريانُ على حكم الإشاعة.
فهذا ما رأينا تقديمَه على المسائل التي تتعلق بالحساب، وإذا خضنا فيها، ذكرنا في كل مسألة حظَّها من الفقه القويم، ووجهَ استعمال الحساب على جهة مستقيمة في الفقه.
مسائل في العين والدين
6901- إذا كان الدين على وارث، ولم يكن في المسائل وصية، وجملة الصورة مفروضة فيه إذا كان العين من جنس الدين ونوعه.
فنقول: إذا ترك ابنين وخلّف دراهم معيّنة ودَيْناً على أحد الابنين، فلا يخلو إما أن يكون نصيبُ مَنْ عليه الدين من التركة عيِنها وديِنها بحق الإرث مثلَ مقدار الذي عليه من الدين.
وإما أن يكون نصيبه من التركة أقلَّ مما عليه من الدين، وإما أن يكون نصيبه من التركة أكثرَ مما عليه من الدين؛ فإن كان نصيبه من التركة مثلَ ما عليه من الدين، فنذكر مسلك الحُسَّاب طرداً إلى آخره، ثم نذكر تقويمَه على موجب الفقه، إن شاء الله تعالى.
6902- فإن ترك ابنين وبنتاً، وخلف ثمانيةَ عشرَ درهماً عيناً، واثني عشر درهماً ديناً على أحد الابنين، فالتركة كلُّها ثلاثون درهماً.
وإذا قُسمت الثلاثون بين ابنين وبنت، أصاب كلَّ ابن اثنا عشرَ وأصاب البنتَ ستةٌ، فنصيب الذي عليه الدين مثلُ الدين، فإذا كان كذلك، فطريق الحساب عند أهله أن نقيم المسألة من فريضتها في الميراث، ونقول: مسألة الابنين والبنت من خمسة: لكل ابنٍ سهمان، وللبنت سهم، فنسقط ما يخص الابن الذي عليه الدين من سهام الفريضة، فيبقى بعد إسقاطه ثلاثة أسهم، فنقسم العينَ وهي ثمانيةَ عشرَ درهماً على الأسهم الثلاثة، فيخص كلَّ سهم ستةٌ، فهي نصيب البنت، ونصيب الابن اثنا عشر درهماً، فيأخذها.
وإذا قسمنا العين كذلك، بقي الدينُ اثنا عشرَ درهماً على ما عليه الدين، فيبرأ عنها، ولا حظَّ له في العين. هذا طريق الحُسّاب.
وسبيل تقويمها على موجب الفقه أن نقول: إذا كان من كان عليه الدين معسراً فحقُّه ثابت في العين والدين ملكاً، ولكن للابن الذي لا دين عليه وللبنت من الحق والدين مثلُ ما لمن عليه الدين في العين، وإذا استوى المبلغان واتحد الجنس والنوع، واستيفاء الحق متعذر ممن عليه الدين إلا من جهة حصته من الميراث، والابن والبنت اللذان لا دين عليهما قد ظفرا بجنس حقهما، فيأخذانه إن أرادا.
هذا هو المسلك الفقهي، ثم مقدار ما يأخذانه هو الذي أخرجه الحساب، فلابد من فرض ما ذكرناه ليستمر الحساب سديداً موافقاً للفتوى، فإن كان من عليه الدين موسراً، فلا سبيل إلى ذلك إلا أن يُفرضَ الرضا من جهته، فإذا أطلقنا أخْذَ العين ومقدار الدين في هذه المسألة وأمثالِها عَنَيْنا بأخذ العين ما ذكرناه من الظفر بجنس الحق، إن كان من عليه الدين مفلساً، أو أردنا الرضا، وإلا، فلا يخفى أن الحق يثبت في العين والدين شائعاً من الجانبين.
6903- ولو كان نصيب من عليه الدين من التركة أكثرَ من مقدار الدين الذي عليه، فسبيل الحساب أن نقسم جميع المال، عينَه ودينَه بينهما، فما أصاب الذي عليه الدين، سقط مقدارُ ما عليه، وأخذ الباقي من العين.
ومثال ذلك: أن يخلّف الميت ابنين وعشرةَ دراهم، وخمسةً ديناً على أحد الابنين، فنصيب من عليه الدين من التركة-وهي خمسة عشر- سبعةٌ ونصفٌ، والدين الذي عليه خمسة، فالوجه أن يُحطَّ الدين من حصته، فيبرَأ عن الخمسة، ونعطيه من العشرة العينِ درهمين ونصفاً تكملةً لحصته من العين، بعد حط جميع الدين عنه وهذا محمولٌ على ما إذا كان مَنْ عليه الدين مفلساً، كما ذكرنا، وحضر حقُّ من لا دين عليه؛ من جهة ظفره بجنس حقه، فإذا أطلقنا المقاصة عنينا ذلك، فلا نعود إليه بعد هذا في أمثال هذه المسائل.
6904- فأما إذا كان نصيب من عليه الدين من التركة أقلَّ مما عليه من الدين، فقد يقع في هذا القسم حسابٌ سهلُ المأخذ، كما سيتضح في أثناء المسألة.
المثال: أن يخلف امرأةً وابنين، وعشرةً عيناً وعشرةً ديناً على أحد الابنين، فالتركة عشرون، ونصيب من عليه الدين أقلُّ من الذي عليه، فنقيم فريضةَ الميراث من ستةَ عشرَ؛ فإن أصلها من ثمانية للزوجة الثمن، والسبعةُ الباقيةُ منكسرةٌ على الابنين، فنضرب اثنين في ثمانية، فيبلغ ستةَ عشرَ، ومنها تصح المسألة، وإذا أردنا قسمة العشرين عيناً وديناً على الورثة، أصاب كلَّ ابن ثمانيةٌ وثلاثةُ أرباع، فنصيب من عليه الدين أقلُّ إذاً، فنقول فريضة الميراث من ستةَ عشرَ، لكل ابنٍ منها سبعةٌ، وللزوجة سهمان، فنحط سهام من عليه الدين من فريضة الميراث، وهي سبعة، فيبقى من فريضة الميراث تسعةُ أسهم: سهمان للزوجة، وسبعةٌ لمن لا دين عليه، فنقسم العين على هذه السهام بعد حط سهام من عليه الدين، فإذا قسمنا العشرة العينَ على هذه التسعة أصاب كلُّ سهم درهماً وتسعاً، فتأخذ المرأة من هذه العشرة درهمين وتسعين، ويأخذ الابن الذي لا دين له سبعة دراهم وسبعةَ أتساع درهم، على تأويل المقاصّة، ويصير الذي عليه الدين كأنه استوفى سبعةً وسبعةَ أتساع درهم.
قال الحُسّاب في هذه المقالة: "هو الذي جُني من الدين " وهذه اللفظة مُدارةٌ في مسائل الدين والعين، والمعنيُّ بها أن المقدار الذي يقع في مقابلة العين من الدين عن جهة المقاصّة هو الذي يقال: جُني من الدين هذا المقدارُ، ومعنى اللفظة أنه صار مستوفىً بالمقاصّة، فقد جُني، ولولا العين والمقاصّة منها، لكان الدين على المفلس في حكم الميت الفائت.
فإن أردت أن تعرف مقدار ما يُجْنَى من الدين في أمثال هذه المسألة، فسبيل الحساب أن تُقسِّط العينَ على السهام، سهام من عليه الدين من فريضة الميراث، حتى إذا ضبطتَ حصةَ كلِّ سهم من سهام الفريضة من العين، ضربت ما يخص سهماً واحداً فيما حططت من سهام مَن عليه الدين، فما يرده الضرب، فهو الذي يُجْنَى من الدين، فحصة كل سهم درهم وتسع، فنضرب الدرهمَ والتسعَ في حصة من عليه الدين من فريضة الميراث وهي سبعة، فيرد الضربُ سبعةً وسبعةَ أتساع، وهذا هو الذي جُني من الدين، وقد بقي من الدين درهمان وتسعان.
فإذا أردت أن تعرف كم تُسقط من هذا الباقي وكم تُبقي، فالوجه أن نعود إلى التركة ونقسمها عيناً وديناً، ونضبط حصة من عليه الدين من جملة التركة، وحصته منها في هذه المسألة ثمانيةٌ وثلاثة أرباع، وقد جُني من الدين ما ذكرناه، فنُسقط إلى قيمة الدين تتمةَ ثمانية وثلاثة أرباع، ويبقى عليه من الدين درهم وربع، ولسنا نجد من العين ما نأخذه مقاصّةً، فهذا الباقي من الدين حق للزوجة والابن الذي لا دين عليه، وإذا ما تمكنا منه واستوفيناه، فهو مقسوم على تسعة أسهم، وهي النسبة التي قسم عليها العين، فما يخص سهمين مصروف إلى الزوجة، وما يخص سبعةَ أسهم مصروفٌ إلى الابن الذي لا دين عليه. هذا تعديل القسمة بالحساب، وقد بان مجملها وتأويلها في الفقه.
مسائل في العين والدين على بعض الورثة مع فرض وصيةٍ لغير الوارث
6905- مسألة: إذا ترك ابنين وعشرةَ دراهم عيناً وعشرة ديناً على أحد الابنين، وأوصى لرجل آخر بثلث ماله.
فقد ذكر الأستاذ مسلكين، ونسب أحدَهما إلى ابن سُريج وجمهورِ الأصحاب، وحكى المسلك الثاني عن أبي ثور، ونسبه إلى بعض الأصحاب، ومال إلى اختياره، ونحن نذكر المسلكين على مساقه، ثم نذكر بعد نجازهما ما يهذِّبُ الغرضَ، ونبين الحق.
فأما ما نسبه إلى ابن سريج والجمهور، فطريق الحساب فيه-وبه نبُيّن الفقهَ والفتوى- أن نقول: الفريضة الجامعةُ للوصية والميراث ثلاثة: للموصى له سهم، ولكل ابن سهم، فيأخذ الغريم سهماً، ممّا عليه، ويَقْسِم الموصى له والابنُ الذي لا دين عليه العينَ نصفين، لكل واحدٍ منهما خَمْسة، وقد جُني من الدين خمسةٌ، وبقي من الدين خمسة، لمن عليه الدين ثلثُها، وهو درهم وثلثان، فيبقى عليه ثلاثةٌ وثلث، إذا أداها، اقتسمها الموصى له والابنُ الذي لا دين عليه بينهما نصفين، على نسبة قسمتهما للعين؛ فإن هذا مذهب الجمهور وابن سريج، وأصحاب الرأي.
وبيان ذلك أن الوصية وحق الابنين بنيا على الشيوع، فالعين أثلاثاً بين الموصى له والابنين، والدين كذلك أثلاثاً، فيأخذ من لا دين عليه ثلثَ العين ميراثاً، ويأخذ الموصى له ثلثها بالوصية، فيبقى من العين ثلثٌ للابن الذي عليه الدين، وللموصى له عليه ثلث الدين، وللابن الذي لا دين عليه ثلث الدين، وقد وجَدا الثلثَ من العين فيقسمانه بينهما نصفين، هذا معنى اقتسام العين نصفين.
ومن عليه الدين يبرأ عن ثلث الدين بحكم إرثه، وقد أدى من العين ثُلثَها إلى جهة الوصية، وإلى أخيه الذي لا دين عليه، فيبرأ بهذا السبب عن ثلثٍ آخر، وقد استوفَى تمامَ حقه إرثاً وقصاصاً، فيبقى عليه ثلث الدين، وهو بين الموصى له والابن الذي لا دين عليه نصفين.
هذا بيان ما حكاه عن ابن سريج، والجمهور، وأصحاب الرأي.
وحكى عن أبي ثورٍ مسلكاً آخر، وذلك أنه قال فيما حكاه عنه: للموصى له ثلثُ العين من غير مزيد، ولا يأخذ من العين غيرَها، والابن الذي لا دين عليه يأخذ ثلثي العين، أما الدين، فيسقط ثلثاه عمن عليه الدين ميراثاً وقصاصاً، وهو الذي جرى بينه وبين الابن ويبقى عليه ثلث الدين هو حق الموصى له يستوفيه منه خالصاً. قال الأستاذ هذا الوجه أقيس على مذهب الشافعي مما ذكره ابنُ سريج، واعتلّ في توجيه ذلك بأن قال: لو كانت المسألة بحالها، وفي التركة عشرةٌ عين وعشرةٌ دين على أجنبي، وقد خلف ابنين، فأوصى بثلث ماله لأجنبي لا دين عليه، فليس للموصى له في هذه المسألة إلا ثلث العين وثلث الدين، فكذلك إذا كان الدين على أحد الابنين، فإن الجزئية في الدين والعين لا تختلف باختلاف من عليه الدين.
وهذا الذي ذكره عن أبي ثور واختاره نُبَيّن معناه أولاً لنفهم وجهه، ثم نُتبع ما ذكره بالحق.
فمعنى قول أبي ثور إن الموصى له يأخذ ثلث العين بحكم الجزئية، وله ثلث الدين على الابن الآخر، وللابن الذي عليه الدين ثلث العين بحكم الإرث الشائع، وللابن الذي لا دين عليه على أخيه ثلث الدين، وقد ظفر بثلث العين، فجعل أبو ثور الأخَ أولى بالثلث الذي ظفر به، ولم يُثبت للموصى له فيه شركة.
هذا معنى كلامه وهو عندنا غلطٌ صريح، فإنا حملنا المقاصَّة على أخذ ما يظفر مستحق الدين به من مال من عليه الدين، وللموصى له عليه ثلث الدين كما للابن الذي لا دين عليه ثلث الدين، وقد استويا في استحقاق الدين عليه، فلا وجه لاختصاص الابن بأخذ ما ظفر به دون الموصى له.
فإن قيل: إنما أوصى له بالثلث، فالابن الذي لا دين عليه إنما يرث الثلث أيضاً من الدين والعين، وإنما يأخذ ما يظفر به لأخذ المقاصّة كما بيناه، فليأخذ الموصى له كذلك بالمقاصّة حصته مما وقع الظفر به، كما لو وجد يوماً من الدهر درهماً لمن عليه الدين، فخرج منه أن الذي رآه الأستاذ أصحَّ وأقيس والذي ذكره عن أبي ثور لا أصل له، وليس هو مما يُلحَق بالوجوه البعيدة أيضاً، والذي حكاه عن ابن سريج هو الصواب على شرط حمل المقاصّة على ما ذكرناه وهو لا يجري إلا في المعسر ظاهراً وباطناً، أو المنكر باطناً، وأما ما استشهد به في توجيه مذهب أبي ثور من كون الدين على أجنبي ظاهر السقوط؛ من جهة أن الابن لا يأخذ منه إلا الثلث أيضاً، والسبب فيه أنه لو لم يظفر له بمال حتى يفرض التضارب فيه فأين يقع هذا مما نحن فيه.
6906- مسألة: إذا ترك ابنين وعشرةً عيناً، وعشرةً ديناً على أحدهما، وأوصى لأجنبي بربع ماله. فالذي حكاه عن الجمهور وابنِ سريج أن الفريضة الجامعة تصح من ثمانية بعد التصحيح، للموصى له سهمان ولكل ابنٍ ثلاثة، فنُسقط منها سهامَ الابن الذي عليه الدين، وهو ثلاثة يبقى خمسةُ أسهم، سهمان منها للموصى له وثلاثة أسهم للابن الذي لا دين عليه، فنقسم العين وهو عشرة على هذه السهام الخمسة، فيخرج حصةُ كل سهمٍ اثنان، وللموصى له إذاً أربعةُ دراهم وللابن ستة دراهم، والسبب فيه أن الموصى له يستحق بحكم الوصية ربعَ العين، وهو درهمان ونصف، ويستحق ربعَ الدين وهو درهمان ونصف، والابن الذي لا دين عليه يستحق بحكم الإرث ثلاثةَ أثمان العشرة التي هي عينٌ، ويستحق ثلاثة أثمان الدين، والابن الذي عليه الدين يستحق ثلاثةَ أثمان العين، والموصى له يستحق عليه ثُمني الدين، وهو الربع، وقد ظفر هو والابن الذي لا دين عليه بثلاثة أثمان العشرة التي هي عين مال من عليه الدين، فيضربُ فيه صاحب الوصية بثمنين ويضرب الابن الذي لا دين عليه بثلاثة أثمان.
وإذا اعتبرنا هذه النسبة في هذه الأثمان التي ظفرا بها، وهذه النسبة بعينها جارية فيما يأخذه الموصى له بالوصية، وفيما يأخذه الابن الذي لا دين عليه بالإرث، فيقتضي ذلك أن يقتسما العشرة أخماساً والابن الذي عليه الدين يسقط عنه من الدين مثلُ ما أخذه أخوه من العين، وهو ستة، وعند ذلك نقول جُني من الدين ستة، وبقي عليه أربعة تقديراً، فنحط عنه من الأربعة درهماً ونصف درهم، ونقسم درهمين ونصف درهم بين الموصى له والابنِ الذي لا دين عليه على خمسة، كما قسمنا العشرة على خمسة، فيحصل لكل ابن سبعة ونصف، ويحصل للموصى له خمسة.
هذه طريقةُ ابن سريج، وهي الحقُّ، على شرط حمل المقاصّة على حالة الإفلاس والتعذّر.
وحكى طريقة أبي ثور فقال حاكياً عنه: للموصى له بالربع من العين درهمان ونصف، والباقي من العين للابن الذي لا دين عليه، ونُسقط عن الغريم ثلاثة أرباع ما عليه، وهو سبعة دراهم ونصف، ويبقى للموصى له على الغريم ربعُ الدين على الخلوص، وذلك درهمان ونصف. وهذا هو القياس الذي تقدم.
وقد أوضحنا أنه غلطٌ صريح، لا اتجاه له على قربٍ، ولا على بعدٍِ، وهو يحكم بتقديم الابن بحق المقاصّة على الموصى له، ولا سبيل إلى ذلك.
6907- ولو كانت المسألة بحالها إلا أنه أوصى بنصف ماله، وأجاز الابنان ذلك، فعلى قول الجمهور يملك الموصى له نصفَ العين ونصفَ الدين، ويملك كلُّ ابن ربعَ العين وربعَ الدين، وتصحيحُ الفريضة من أربعة لصاحب الوصية سهمان، ولكل ابن سهم، ثم نحط سهمَ الغريم ونقسم العين على ثلاثة أسهم: سهمين للوصية، وسهمٍ للذي لا دين عليه، فيكون للموصى له ثلثا العشرة، وللابن ثلثُ العشرة، ويبرأُ الابن الذي عليه الدين عن ربع الدين بحق الإرث، وعن ربع آخر بحكم القصاص؛ فإنه كان له في العين ربعُها، فيسقط عنه إذاً إرثاً وقصاصاً نصفُ العشرة، وبقي عليه نصفُ الدين، نقسمه إذا أداه بين الموصى له وبين الابن الذي لا دين عليه: ثلث للابن وثلثان للموصى له؛ فيحصل للموصى له بعد التوفية عشرةٌ، وللابن الذي لا دين عليه خمسةٌ وقد برىء مَنْ عليه الدين عن خمسة.
وعلى قول أبي ثور، للموصى له نصفُ العين خمسة، وله على الغريم نصفُ الدين خمسة، ونأخذ للابن الذي لا دين عليه الخمسةَ الباقية من العين، يأخذ نصفها بالميراث، ونصفَها قصاصاً بميراثه من الدين الذي على أخيه، وسقط عن الغريم نصفُ ما عليه، وبقي عليه للموصى له وحده نصفُ الدين، وهو خمسة، وهو القياس المقدّم، وقد تكرر بيانُ فساده.
6908- ولو كانت المسألة بحالها: الوصية بالنصف والتركة عشرةٌ عيناً وعشرةٌ ديناً على أحد الابنين، فقد ذكرنا التفصيل فيه إذا أجازا الوصيةَ الزائدةَ على الثلث، ونحن نذكر ثلاثة أحوالٍ سوى ما تقدم.
فلو ردّا الزيادةَ على الثلث، كان كما لو أوصى بالثلث وقد قدمنا التفصيل فيه، واخترنا مذهب ابن سريج، ورددنا قولَ أبي ثور، وهذا بتلك المثابة.
6909- والحالة الثانية أن يجيز الوصيةَ الزائدةَ على الثلث من لا دين عليه، ويردُّ من عليه الدين، فالزيادة على الثلث سدس المال؛ فإن الوصية بالنصف، فإذا أجاز من لا دين عليه، نفذ بإجازته نصفُ الزيادة، وارتد برد الآخر نصف الزائد، ولو كانت الوصيةُ بالثلث، والتفريعُ على مذهب ابن سريج والجمهور، لأخذ الموصى له من العين نصفَها، وإذا كانت الوصية بالنصف وأجازاها، فإنه يأخذ ثلثي العين، والآن بين الثلثين والنصف، وهو خمسة دراهم وثلثان فننصِّفُها بسبب بعض الإجازة والرد، ونقول على مذهب الجمهور: يأخذ الموصى له من العين خمسة بحق الثلث، وخمسة أسداس درهم، وهو نصف ما بين النصف والثلثين، والباقي للابن الذي لا دين عليه وهو أربعةٌ وسدس إرثاً وقصاصاً.
وهذا بيان هذه الحالة في غرضنا.
6910- فأما إذا أجاز من عليه الدين الزيادة في حصته، ولم يجز من لا دين عليه فلا يأخذ الموصى له من العين إلا خمسةً، وهي المقدار الذي يأخذه لو كانت الوصية بالثلث، وسبب ذلك أن المسألة مبنيةٌ على المقاصّة، وهي عندنا مخصوصةٌ بحالة الإفلاس، وليس للمفلس أن يبطلَ حقَّ مستحق الدين بسبب تبرعه مبتدئاً كان، أو مُجيزاً؛ فإن قيل: ألستم أبنتم لردِّه أثراً؟ قلنا: نعم ردُّ المفلس في استيفاء ملكه صحيح، وإنما المردود إبطاله حقَّ الغرماء المتعلقين بماله، وهذا متجةٌ حسنٌ، وقد ذكره الأستاذ كذلك، وهو لا يتعرض لتفصيل الإفلاس، بل معتقده أن القصاص واقع لإدراكه، وذاك وإن لم نقل به، فالفتوى صحيحة خروجاً على ما ذكرناه.
والذي يختلج في النفس منه أنا نجوّز أخذ مال المفلس عند الظفر به، ولكن قبل التملك وقبل ضرب الحجر على المفلس يجب تنفيذ إجازته؛ فإنه مطلَق وتصرف المطلَق المفلس في ملكه نافذٌ، فعلى هذا تنفُذ إجازتُه في هذا المقدار الذي تنفذ إجازة من لا دين عليه، وإن صورنا إجازته بعد أخذ الغرماء، فهي باطلة وكذلك إن صورنا إجازته بعد الحجر، فهذا حقيقة المسألة.
ولم نتعرض لأبي ثور؛ فإنه قد بان قياسُه، فلا معنى لإعادة مذهبه في كل مسألة.
6911- مسألة: إذا خلّف ابنين، وعشرةً عيناً، وعشرةً ديناً على أحدهما، وأوصى لإنسان بخمسة دراهم من ماله، قال الأستاذ حاكياً عن الجمهور: يدفع إلى الموصى له خمسةُ دراهم من العين، ويأخذ الابن الذي لا دين عليه الخمسةَ الباقية، النصفَ منها بالميراث، والنصفَ منها بالقصاص مما له على أخيه، ويَبْرَأ من عليه الدين من نصف الدين، بميراثه منه، ويبرَأ أيضاً من رُبعه، فالقصاصُ يُبقي عليه لأخيه ربعَ الدين.
وهذا فيه نظرٌ؛ من جهة أن التركة عشرون، والخمسة ربعُها، ولو أوصى لإنسان بربع ماله من هذه المسألة لم يأخذ نصفَ العين، وإنما يأخذ خُمسيها، على قول الجمهور، كما تقدم. ومن أصل الشافعي رضي الله عنه أن الاعتبار في الوصايا بمآلها.
ولو أوصى بالخمسة، ولم يتعرض لذكر جزء، وكنا لا نعلم بأن الخمسةَ ربعٌ أو خمس، فإذا بان آخراً أن الخمسة وقعت ربعاً، فليقع الحكم فيها على حسب الحكم في الربع، والدراهم التي أطلقها لم يُخصِّصْها بالعين، بل أطلق الوصيةَ بها، ولو كانت تركتُه كلُّها ديناً، لصحت الوصية بخمسة دراهم، على معنى الاستيفاء ممن عليه الدين، وقد نقَم أصحابنا على أبي حنيفةَ فصله بين الوصية المرسلة بدرهم، وقد بانت أنها زائدة على الثلث آخراً، وبين الوصية بجزءٍ زائد على الثلث، على ما سيأتي، إن شاء الله تعالى، مع نظائره في مقالةٍ جامعةٍ، إن شاء الله.
6912- ولو كانت المسألة بحالها، وأوصى له بنصف العشرة التي هي عينٌ، قال الأستاذ: يأخذ خمسةً، ولا حاجةَ إلى الإجازة، ولا غروَ أن يقول هذا. وقد قال بهذا في الوصية بالخمسة المرسلة، فإذا كان يحصرها في العين وهي مرسلة، فلا شك أنه يقول بحصرها وقد قُيّدت بالعين.
وهذا فيه نظر، فإن كنا لا نحمل الخمسة على الحصر في العين، فالتخصيص العين وصية، سيّما إذا كان الدين على مفلس. نعم، لو نفذ من عليه الدين الذي نفذت الوصية من العين المذكورة وعلى هذا تجرى الوصايا بالأعيان.
وهذا الذي نذكره مرامزُ، وفقهُ الوصايا بين أيدينا.
6913- مسألة: لو ترك ثلاثة بنين وعشرين درهماً عيناً، وعشرةً ديناً على أحد البنين، وأوصى لرجل بثلث ماله.
أما مذهب ابن سريج، فالسبيل فيه أن نصحح الفريضة الجامعة من تسعة نضعها من ثلاثة، ثم نبلّغها بالتصحيح تسعة، فنلقي منها نصيبَ الابن الذي عليه الدين وهو سهمان، يبقى من سهام الفريضة سبعة، فنقسم عليه العشرين التي هي عين، فيخرج على مقابلة كل سهم درهمان وستة أسباع درهم، فإذا أردنا أن نعبِّر عما جُني من الدين، ضربنا حصة سهمٍ فيما عزلناه من الفريضة حصةً لمن عليه الدين، وإذا ضربنا اثنين وستةَ أسباع في نصيب من عليه الدين من الفريضة، وهو سهمان، خرج خمسةُ دراهم وخمسةُ أسباع درهم، هذا مقدار ما جني من الدين.
ثم يحسن في مسلك الحساب أن نضم ما جُني من الدين إلى العين وهي عشرون، فيبلغ المجموع خمسةً وعشرين وخمسةَ أسباع درهم، فنقول: كان جميع المال هذا، مثلاً، للموصى له ثلثها، وهي ثمانية دراهم وأربعة أسباع درهم، والباقي بين البنين، وذلك سبعةَ عشرَ درهماً وسُبعُ درهم، لكل واحد منهم خمسةُ دراهم وخمسة أسباع، فيأخذ الموصى له ثمانيةَ دراهم وأربعةَ أسباع درهم، وقد أصاب الذي عليه الدين مثلَ ما أخذه كلُّ ابن من الابنين، ولكن ما يصيبه يُحسب من الدين الذي عليه إذا أمكن، فإذا أردت أن تعرف كم يؤدي من عليه الدين، فارجع أبداً إلى أصل المال، وقل: في هذه المسألة جملة الدين والعين ثلاثون، فنميز ثلثها للموصى له، وهو عشرة، يبقى عشرون، نقسمها بين البنين الثلاثة نصيب كل واحد منهم ستةٌ وثلثان، فإذاً تبقى على الابن الذي عليه الدين ثلاثة وثلث، فإذا أداها اقتسمها الابنان الآخران والموصى له، على سبعة أسهم، للموصى له منها ثلاثة أسهم، ولكل ابن سهمان، على النسبة التي قسمنا العين عليها.
وعلى قول أبي ثور للموصى له من العين ثلثها، وهو ستة دراهم وثلثان، ولكل واحد من الابنين الذين لا دين عليه مثل ذلك، ويسقط مثل هذا عن الابن الذي عليه الدين، ويبقى للموصى له وحده ثلاثة دراهم وثلث، وهو تتمة الثلث.
6914- مسألة: لو ترك ابنين وعشرةً عيناً وعشرةً ديناً على أحد الابنين، وأوصى لرجل بثلثي الدين.
فحكم هذه اللفظة على طريقة الجمهور، ورأي ابن سريج أن يملك كلُّ واحد من الابنين نصفَ العين، وسدسَ الدين؛ فإنه حصر الوصية في الدين؛ فإذاً يبرأ الغريم من سدس الدين بميراثه، ويبقى للموصى له والأخ-في ذلك- النصفُ على نسبة الأخماس، للموصى له أربعة أخماسه، وأربعة أخماس النصف أربعة دراهم، وللأخ خُمُسه، وهو درهم، ولا شك أن ذلك يقع بين الثلثين والسدس، وقد كان أخذ الابن الذي لا دين عليه خمسة دراهم من العين، فحصل معه ستة، وبرىء الغريم من نصف الدين قصاصاً، ومن سدسه ميراثاً، وبقي لهما عليه ثلث الدين، فإذا أداه، اقتسمه الموصى له والابن الذي لا دين عليه على خمسةٍ، كما مضى: أربعة أخماسه للموصى له وخُمسه للأخ.
وعلى قول أبي ثور للابن الذي لا دين عليه من العين ستة دراهم وثلثان، وهذا أقصى ما يستحقه إرثاً وقصاصاً مع الوصية بثلثي الدين وثلثا الدين، ثلثُ التركة، وقد توفر عليه الثلث من العين، فنصرف ثلث العين نحو القصاص إلى الموصى له بثلثي الدين؛ فإن هذا الثلث الباقي محض حق من عليه الدين.
6915- ولو كانت المسألة بحالها وأوصى لرجل بثلث العين، وأوصى لآخرَ بثلث الدين، فعلى المذهب المعتمد يأخذ صاحبُ العين ثلثَ العين، وملكَ كلُّ ابن ثلثَ العين، ويملكُ صاحب الدين ثلثَ الدين، وهو الموصى له بثلث الدين، ويملك كل ابنٍ ثلثَ الدين، فيبرأ الغريم من ثلث الدين لحق الإرث، ويبقى عليه لأخيه ثلث الدين، ولصاحب الوصية ثلثُ الدين، فيأخذ صاحب الوصية والابن الذي لا دين عليه حقَّه من العين قصاصاً، وهو ثلاثة وثلث فيقسمانه، نصفين، ويخرج منه أن الغريم يبرأ عن ثلث الدين إرثاً، ويبرأ من ثلثه قصاصاً، ويجتمع للأخ من العين خمسةُ دراهم، وهو نصف العين، وقد فاز صاحب الوصية بثلث العين بحقه، وبقي لصاحب الوصية بثلث الدين، وللابن الذي لا دين عليه ثلث الدين، فكلما أدَّى منه شيئاً، فحكمه أن يقسماه نصفين.
فهذا بيان قياس هذه المسألة.
مسائل إذا كان الدين على الموصى له
6916- مسألة: إذا ترك ثلاثين درهماً عيناً، وثلاثين درهماً ديناً على رجل، فأوصى بثلث العين لرجل، وأوصى للغريم بما عليه، وهو معسر.
فالوصيتان مجموعهما زائدتان على الثلث، فإن رُدّ الزائد، فالثلث بينهما على أربعة: ثلاثة أرباعه للغريم، ولصاحب العين ربع الثلث، والفريضة الجامعة من اثني عشر، للوصيتين أربعة، وللورثة ثمانية، ثم يقسم الورثةُ وصاحبُ العين الثلاثين درهماً التي هي عين على قدر سهامهم، وقد ذكرنا أن لصاحب الوصية بجزءٍ من العين سهم، وللورثة ثمانية؛ فيقتسمان الثلاثين على تسعة أسهم: لصاحب الوصية تُسع الثلاثين، وهو ثلاثة دراهم وثلث، وللورثة ثمانية أتساعها: ستةٌ وعشرون درهماً وثلثان، ويبرأ الغريم عن ثلاثة أرباع الثلث ممّا عليه، والثلث عشرون، ثلاثة أرباعه خمسةَ عشرَ، فبرىء عن خمسةَ عشرَ درهماً؛ لأن وصيته في ذمته، فيبقي عليه خمسةَ عشرَ درهماً؛ فإذا أداها، اقتسمها الورثةُ وصاحبُ الوصية كجزء من العين على تسعةٍ: لصاحب الوصية تُسعُها، وهو درهم وثلثان، فنضمُّه إلى ما أخذ من العين أولاً فيتمّ له ربعُ الثلث وهو خمسة دراهم، والباقي، وهو ثلاثةَ عشرَ درهماً وثلث درهم للورثة، فيحصل للورثة ثلثا المال.
وفي هذه المسألة أدنى تأملٍ على الناظر، والمسألة سديدة، ووجه التأمل فيها أنا لو أكملنا لصاحب الوصية بالعين حقَّه من العين، وهو خمسة دراهم، لكنا نفّذنا الوصيةَ في عشرين عيناً، والحاصل في يد الورثة خمسةٌ وعشرون، والباقي دين، وهذا لا سبيل إليه، فنفذنا من وصيته العين ثلاثة وثلثاً على النسبة الحسابية التي ذكرناها.
وتعليل ذلك أنا إذا رددنا الوصيتين إلى الثلث، وعرفنا أن الثلث أرباعٌ بين الوصيتين، فلا يثبت لصاحب الوصية بالعين إلا الربع من مبلغٍ لو ضم إلى ما بقي في يد الورثة، لكان ثلثي الجميع: الحاصلَ والمقدرَ، وهذا إنما ينتظم بأن نجمع ثلاثةً وثلثاً أربع مرات، فيبلغ ثلاثةَ عشرَ وثلثاً، ثم إذا ضممنا هذا إلى الستة والعشرين والثلثين، كان المبلغ أربعين، وثلثا الأربعين ستةٌ وعشرون وثلثان، فلم ننفذ وصية العين إلا على هذه النسبة، ولم نحسب لأجل العين الدينَ على الورثة؛ فإنه غيبٌ بعدُ، ثم اضطررنا في حق صاحب الدين إلى توفية حقه بالإسقاط عنه، كما أشرنا، ونفذنا الوصية بالعين على قياس النسبة، فهذا تعليل المسألة، وهي حسنة بالغة الحسن على رأي ابن سريج والجمهور من أصحابنا.
وقال أبو ثور: لصاحب العين ربع الثلث وهو خمسة دراهم من العين، والباقي وهو خمسة وعشرون بين الورثة، وبين صاحب الدين كما ذكرنا، ويستوفي الورثة بقيةَ الدين خالصةً لهم، وهذا الذي ذكره ذَهاب عن سر النسبة والتفاوت الواقع بين قياس العين وقياس الدين، كما أوضحناه.
6917- مسألة أخرى توضّح ما ذكرناه الآن:
ترك ابنين وعشرة دراهم عيناً وعشرين درهماً ديناً على رجلين، على كل واحد منهما عشرة، وهما معسران، وسبب فرض الإعسار أن يختلف حكم العين والدين اختلافاً بيناً، فلو أوصى لكل واحد من الرجلين بما عليه من الدين، وأوصى بثلث ماله لرجل، والوصايا زائدة على الثلث، فإذا رُدّت إلى الثلث، فقد قال ابن سُريج: يضربُ كل واحد من الغريمين بما عليه، وهو عشرة، ويضرب صاحب الثلث بالثلث وهو عشرة، فيتضاربون بالسوية في ثلث المال أثلاثاً، ثم لكل واحد من الغريمين ما يخلص له من الثلث، يأخذه مما عليه.
والفريضة الجامعة للوصايا والميراث تسعة، فتشتمل على الثلث ويشتمل الثلث على الانقسام أثلاثاً.
ثم سبيل الحساب في المسألة، وبه تظهر النسبة المطلوبة في حق الموصى له بالثلث أن نقول: إذا أسقطنا من التسعة سهمين للغريمين، وصرفنا كلّ سهم إلى دين كل غريم، فيبقى من سهام الفريضة سبعة أسهم، فنقسم العين عليها بين الورثة وبين الموصى له بالثلث، وهكذا يقع إذا فُضَّتْ عشرة على سبعة أسهم، وهذه هي النسبة التي ذكرناها في المسألة المتقدمة على هذه، فإنا نُقدِّر جميعَ ثلثه مقاديرَ، كلُّ مقدار درهم وثلاثة أسباع، وللورثة ثمانية دراهم وأربعة أسباع، وإذا نحن قدرنا ذلك، صار المجموع اثني عشر درهماً وستة أسباع، للابنين منها ثمانية وأربعة أسباع، فقد سلمنا إلى صاحب الثلث ثلثاً من ثلثٍ قدرناه، لو حضر، لكان كما ذكرناه، وقد برىء كل غريم عن ثلث ما عليه، وهو ثلاثة وثلث، ولو جمعنا ما برئا منه إلى ما سلمناه إلى الموصى له بالثلث، لزاد ذلك على ما قدرنا، ولكن تلك الزيادة لمكان الدين، كما قدرناه في المسألة الأولى، والغرض أن التسليم من العين يقع بحساب العين كما سبق، فإن حصلت زيادةٌ في الدينين على خلاف نسبة العين، فسببه ما اضطررنا إليه في أمر الدين.
وكشف الغطاء فيه أن سقوط الدين عن معسرٍ لجواز أن يحسب في خروجه من ثلث الدين الباقي على المعسر في حق الورثة، وأما تسليم العين، فلا يجوز أن نعتبر فيه نسبة بقاء الدين، ثم النسبة القويمة ما ذكرناها.
هذا هو الغرض من إعادة هذه المسألة. وباقي الكلام بيّنٌ لا إشكال فيه.
مسائل في العين والدين إذا كان الدين على أجنبي والوصية لغيره
6918- مسألة: إذا خلف ثلاثين درهماً عيناً وثلاثين درهماً ديناً على أجنبي، وأوصى بثلث ماله لرجل.
فإنا نعطي الموصى له في الحال ثُلثَ العين، ولا نزيده بسبب الدين؛ فإنه مُغَيَّبٌ بعدُ، ويُصرف باقي العين إلى الورثة من غير حجرٍ عليهم، ثم كلما حضر من الدين شيء، سلمنا إلى الموصى له ثُلثَه، والباقي للورثة. هكذا إلى استيفاء الدين بكماله.
ولا فرق بين أن يكون الدين على معسرٍ، وبين أن يكون على مليء وفيٍّ؛ فإن الدين على كل حال مغيّب، وهذا القياس بعينه نطرده في المال الحاضر والغائب.
6919- ولو أوصى له بثلث الدين، لم يكن له في العين شيء، واقتسم الورثةُ العينَ، فإن حضر من الدين خمسةَ عشرَ درهماً، فله ثلثُها على المذهب الظاهر، والقياس البيِّن، والباقي للورثة، وهذا قدمناه في أول المقالة، وذكرنا أنه القياس.
وأبعد بعضُ أصحابنا-على ما حكاه الأستاذ- وقال: يسلّم مما يحضر من الدين ما يقع ثلثاً لو أضفناه إلى ما هو عين في التركة، وهذا لا أصل له، ولا أعتد مثلَه من المذهب.
6920- ولو كان قد أوصى في هذه المسألة لرجل بثلث العين، وأوصى لآخر بثلث الدين، والدينُ على معسر، فلصاحب العين ثلثُ العين، وباقيها للورثة، ولا حق لصاحب الدين في العين، فإن حضر من الدين خمسةَ عشرَ درهماً، فللموصى له بثلث الدين ثلثُها: خمسةُ دراهم، وباقيها للورثة.
هذا هو المذهب الظاهر، وهو رأي من جعل الوصية شائعةً في الدين.
ومن جعل الموصى له بالجزء أحقَّ بما يُجنى من الدين، أعطاه من الخمسةَ عشرَ، عشرةً، وهو تمام حقه، إن أجاز الورثة، فإن لم يجيزوا، لم يعطَ تمامَ العشرة؛ فإن صاحب الوصية بالعين، قد أخذ ثلث العين، فإذا أخذ هذا عشرة، فيصرف إلى الوصية عشرون، والحاصل في يد الورثة خمسة وعشرون: عشرون من العين، وخمسةٌ مما حضر من الدين، وهذا لا سبيل إليه، ولا وجه لحبس الدين عليهم، وتنفيذِ الوصية من العين الحاضرة، وليس كما إذا أوصى لمن عليه الدين، فإنا نضطر إلى إبراء ذمته، كما قدمنا تقريره، وسيزداد هذا وضوحاً من بعدُ، إن شاء الله تعالى.
وإذا تُصوّرت المسألة بالصورة التي ذكرناها وحضر من الدين خمسةَ عشرَ، والوصية بعشرةٍ من الدين، وهي ثُلثُه، والوصية الأخرى بعشرة من العين، وهي ثلث العين، والحاصل الآن خمسة وأربعون درهماً، إذا قدرنا ضمَّ ما حضر من الدين إلى الثلاثين التي كانت عيناً، فإذا لم يجز الورثة إلا ما يقتضي الشرعُ إجازتَه من الثلث، فقد ذكر الأستاذ منهاجاً في الفقه والحساب لا نجد بداً من ذكره، حتى إذا نجز، نذكر الحقَّ المبين عندنا.
قال رضي الله عنه: ذهب أبو ثور في هذه المسألة إلى أن الموصى له بثلث العين يأخذ العشرة المسماة من العين، فإذا حضر من الدين خمسةَ عشرَ، أخذ الموصى له بثلث الدين خمسةَ دراهم من الخمسةَ عشرَ الحاضرة من الدين، وسلمنا العشرةَ منها إلى الورثة، فيكون المجموع خمسةً وأربعين، والمخرج للوصية خمسةَ عشرَ، وهذا ثلث المجموع، والباقي في يد الورثة، من بقية العين، ومما حضر من الدين ثلاثون.
قال الأستاذ: هذا كلامٌ معتدل مستقيم على الفتوى والحساب.
وأما ابن سريج، فإنه فرع على إشاعة الوصية، وقضى بأن كلَّ ما يحصل من الدين، فليس للموصى له بجزء من الدين إلا جزءاً مما حضر على قدره، حتى إذا كان الموصى به ثلث الدين، والحاضر خمسةَ عشرَ، فللموصى له بجزءٍ من الدين ثلثُ ما حضر وهو خمسة، فينطبق هذا الجواب على مذهب أبي ثور، ويكون سديداً.
وإن فرع ابن سريج على أن الوصية بكمالها تنحصر فيما يحصل ويحضر، فموجب هذا أن يستوفي الموصى له بجزءٍ من الدين تمامَ العشرة مما حصل من الدين، ولكن لو استوفى ذلك، وقد استوفى الموصى له بثلث العين العشرة، فتزيد الوصيتان على ثلث المال الحاصل؛ فإنه تبقَّى في يد الورثة خمسةٌ وعشرون، والوصية نافذةٌ في عشرين، وهذا خطأٌ لا سبيل إليه. وإنما تنفذ الوصية في عشرين إذا كان في يد الورثة أربعون؛ فإنه امتنع هذا على وجه الحصر، فصاحب الوصية بجزء من الدين يقول: ثبت حقي في عشرة على قول الحصر، ولكن امتنع عليّ أخذُها لضيق الثلث، فأنا أضارب بعشرة، وأنت يا صاحب الوصية بالعين ضارب بعشرة، وهذا القياس يقتضي أن يكون الثلث بيننا نصفين، وثلث المال الحاصل خمسة عشر، ونصفها سبعة ونصف.
قال الأستاذ هاهنا: أما العشرة، فقد فاز بها صاحب الوصية بالعين، فقياس مذهبه على ذلك أن ندفع إلى الموصى له بجزءٍ من الدين سبعةً ونصفاً؛ إذ التفريع على وجه الحصر، فيكون المجموع سبعةَ عشرَ درهماً ونصفاً، وليس في يد الورثة ضعفٌ.
قال: وبهذا تبين أن الصحيح ما ذكره أبو ثور؛ فإن مسلك ابن سريج أدى تفريعه إلى هذا الفساد.
6921- هذا كلامه. وهو مضطرب يشتمل على خبطٍ ظاهر، فنقول أولاً: أما وجه الحصر، فقد أطلقنا فيما تقدم، وأوضحنا أنه غير معتد به، ولا اتجاه له، وقد ذكر استقامةَ وجه الشيوع، فلنحمل ما أدى التفريع إليه على فساد وجه الحصر، لا على فساد مذهب ابن سريج.
هذا وجهٌ. ثم لم يتصور في التفريع على وجه الحصر مع فساده، وقياسُ ذلك الوجه لو قيل به أن يقول: الثلث خمسةَ عشرَ، وهما يتضاربان في الثلث بجزأين متساويين، أما صاحب العين فوصيته عشرة، وصاحب الدين ضاربٌ بعشرة لقياس الحصر، ولا سبيل إلى خرم حساب الثلث والثلثين، فالوجه جعل الثلث بينهما نصفين ثم السبعة والنصف التي هي حصة صاحب العين إذا بان مقدارها، أخذها من العين.
وقد يعترض على ما ذكرنا أن صاحب العشرة يفوز بالعشرة، وإن لم يحصل من الدين شيء، فلِمَ يُنتقص حقُّه بأن يحصل من الدين شيء؟ وهذا مدفوع؛ فإنه إذا لم يحصل من الدين شيء فلا مزاحم له، فقدرُ وصيتِه ثلثُ العين، فإذا حصل من الدين شيء امّحق ما حصل بالتركة، وصار صاحب الدين ضارباً بالعشرة لقياس الحصر، فأنتج مجموعُ ذلك زحمة ونقصاً.
وكل ما ذكرناه وإن كان يعترض عليه الفقيه، فهو مؤذنٌ بفساد الحصر، وليس يرد إلينا عن جهة أخرى فسادٌ، ونحن معترفون بأن الحصر لا أصل له.
6922- ونحن نذكر صورةً أخرى أوردها الأستاذ، وفيها بيان لما قدمناه، واشتمالٌ على مزيد إشكال، سيأتي التفريع عليه إن شاء الله عز وجل.
فنقول: إذا خلف ثلاثين درهماً عيناً، وثلاثين درهماً على أجنبي، ثم أوصى للغريم بجميع ما عليه، وأوصى لآخر بثلث العين، وهو عشرة، فإذا كان الدين على مليء، فالوصيتان بالغتان ثلثي المال، وتبيّن بالأخرة أن نسبة الوصيتين بالأرباع: للموصى له بالدين ثلاثةُ أرباع، وللموصى له بالعشرة الربعُ.
فلو رد الورثة ما زاد على الثلث، وانحصرت الوصيتان في الثلث، فقد قال الأستاذ: الثلث مقسوم بينهما أرباعاً، لأحدهما وهو الموصى له بالدين ثلاثةُ أرباع الثلث، وللموصى له بالعين ربُع الثلث، وهذا مستقيم.
فلو حضر الدين كلُّه، فثلث المال عشرون، ثلاثة أرباعها للموصى له بالدين، وهو خمسةَ عشرَ، وربعُه، وهو خمسةٌ للموصى له بجزءٍ من العين. غيرَ أن هذه الخمسة مستحقة من الثلاثين التي كانت عيناً، والخمسةَ عشرَ مؤداة مما حصل من الدين، وفاءً لمحلّ الوصيتين.
فلو حصل من الدين خمسةَ عشرَ، وتلف باقي الدين وتحقق التّوى فيه، والذي ذكره الأستاذ في هذه الصورة أنا نأخذ ثلثَ المال الحاصل، وهو خمسة وأربعون، وثلثها خمسةَ عشرَ، فنعمد إلى الثلث ونجعله على أربعة أسهم: لصاحب العشرة منها ربعُها، وهو ثلاثة وثلاثة أرباع درهم، ولصاحب الوصية الأخرى باقي الخمسةَ عشرَ، وهو أحدَ عشرَ وربعُ درهم، وذلك ثلاثة أرباع الثلث.
هذا كلامه، وقد صححه، وعبَّر عليه، واختتم الباب به، وندب إلى العمل بقياسه.
وهذا كلام مختلط، والسبب فيه أن الوصية مضافةٌ إلى الدين، ولو ورد التّوى على جميع الدين، سقطت الوصية سقوطاً لا يبقى بجزءٍ منها ضربٌ، فإذا تلف بعضها، وجب أن يسقط من الوصية بمقدار ما تلف، فإذا عادت الوصية إلى الثلث لا بردّ الورثة، ولكن بالتّوى الوارد على خمسةَ عشرَ، فكأن الوصية بخمسةَ عشرَ.
ولو فرضنا وصيتين إحداهما بعشرة، والأخرى بخمسةَ عشرَ، ثم فرضنا عود الثلث إلى خمسةَ عشرَ، وحصر الوصيتين في الثلث، لكان أحدهما ضاربٌ بخمسة عشرَ، والآخر ضاربٌ بعشرة، والتضارب على هذا الوجه يقع بالنسبة إلى الأخماس.
فيجب من ذلك أن نقول: لصاحب العشرة في مسألتنا خمسا الخمسةَ عشرَ، وهو ستة، ولصاحب الخمسةَ عشرَ ثلاثةُ الأخماس، وهو تسعة.
وهذا ما يقتضيه الحساب والفتوى.
فإن قيل: قد سبق قصدُ الموصي إلى تفضيل أحدهما على الثاني بنسبة الأرباع؟
قلنا: نعم، كانت الوصية كذلك، ولكن يقتضي سقوط الوصية بسقوط المحل، ونقصانها بنقصان المحل، ولم تجر الوصية بثلاثين مرسلة.
فهذا هو الحق الذي لا محيد عنه.
6923- مسألة: إذا ترك الرجل ابنين، وألفَيْ درهم عيناً وألفاً ديناً على أجنبي، وأوصى للغريم بما عليه، وأوصى لرجل آخر بألفٍ من العين، وردّ الورثةُ ما زاد على الثلث من الوصايا. فالمذهب المبتوت أن الغريم يبرأ عن خَمْسمائة، ويستحق الموصى له بالألف أربعَمائة، وتسلّم للورثة من العين ألفاً وستمائة، ولهم استيفاء بقية الدين ممن عليه الدين، كلما استوفَوْا منه قدراً سلّموا بحسابه، كما تمهد الحساب إلى الموصى له بالألف العين، حتى يكمل له خَمسُمائة.
وتعليل ذلك وتمهيد حسابه ما قدمناه قبلُ في المسائل، ونحن الآن نُعيده لغرضٍ، فنقول: لو سلمنا خَمسَمائة إلى الموصى له بالعين، وقد برىء الغريم عن خمسمائة، لقال الورثة: تقديم الوصية في ألف-براءً وتمليكاً، وليس في أيدينا ضعف الألفِ- غير ممكن فلا يُسلّم للموصى له بالعين إلا مقدراً لو ضم إليه مثلُه، لكان المبلغان ثلثاً، وما في يد الورثة ضعفاً، وذلك ثَمانمائة، فنحسب على صاحب العين هذا الحساب، ثم يبرأ الغريم عن خمسمائة للضرورة التي قدرناها في براءة الذمة.
وقد مضى لهذا أمثلةٌ، وأسدُّ ما فيها هذا الجواب. ولم يتعرض الأستاذ لما يخالفه.
وذكر في هذه المسألة وجها ثانياً غريباً نحكيه ونبطله؛ حتى لا يعتد به الناظر، ونقطع بما سبق القطع به. قال رضي الله عنه: من أصحابنا من قال: يسلّم إلى الموصى له بالألف من الألفين خَمسمائة، واحتج هذا القائل-فيما حكى- أن العين المأخوذة أقل من ثلث العين والباقي من العين أكثر من الضعف بالإضافة إلى الخَمسمائة، والدين الباقي مضموم إلى العين الحاصلة في أيدي الورثة، فيكون في أيديهم ألفٌ وخمسُمائة، ولهم من الدَّيْن خَمسُمائة، والمجموع ألفان والوصيتان ألفٌ.
وهذا القائل يزعم: أنا أقمنا الدين مقام العين؛ لمكان الوصية بالدين.
وهذا ساقط عريٌّ عن التحصيل، فلسنا للإطناب في إبطاله مع وضوحه، وفيما قدمناه اكملُ مَقْنع، وليس يخفى على الفطن قياسُ هذا الوجه الضعيف في الأمثلة المتقدمة، ولكن لا معنى للتفريع على ما لا أصل له.
وقد نجز والحمد لله القولُ في العين والدين، لم نغادر من لُبابه شيئاً، بل أوضحنا مشكلَه، وبيَّنا معضله، وذكرنا مسلك الحُسّاب ومجمله، ونفضنا عن أدراج الحُسّاب ما جرى فيها من زلل في الفتوى، وتعرضنا لكثيرٍ من الأجوبة، كما يتنبّه لها الموفق إذا انتهى إليها.
والآن حان أن نبتدي مقالةً شاملة في أنواع المسائِل الدائرة الحسابية، إن شاء الله عز وجل.
مقالة في دور الضرب الحسابي في المسائل الشرعية
6924- هذه المقالة تشمل أنواعاً، وكل نوع يشتمل على أبواب محتويةٍ على مسائل، ونحن نأتي بالأنواع مفصلةً، ونرسم في كل نوع تراجم المسائل، ثم نذكر المسائل موضحةً بالحساب، مقومةً بالفقه، إن شاء الله تعالى.
6925- النوع الأول- فيما يقع من الدور في العتق.
مسائل في المريض يعتق عبداً، فيكتسب مالاً بعد توجيه العتق.
فنقول: فقهُ العتق وما لا يتعلق بالدَّوْر منه يأتي في كتاب العتق، وإنما نذكر هاهنا ما يتعلق بالدَّوْر، ولا يتوصل إلى تلخيص العَقْد فيه إلا بطريق الحساب، ثم نلقط المسائل الحسابية من كتاب الوصايا ونأتي بها مجموعةً؛ حتى تُلْفَى قواعدُ الحساب منتظمةً في مكانٍ واحد، ونترك فقه كل كتاب إلى موضعه، إن شاء الله تعالى.
مسألة: إذا أعتق. المريض عبداً قيمته مائةُ دينارٍ، لا مال له غيره، فاكتسب العبدُ بعدَ الإعتاق، وقبل موت السيد مثلاً مثلَ قيمته، ومات المريض، فهذا يتطرق الدور إليه؛ لأنه إذا أُعتق من العبد شيءٌ، فعتقه يقع تبيُّناً، وإذا تبينا حصول العتق في جزءٍ، فنتبع ذلك الجزءَ مقدارَه من الكسب بالجزئية، ولا نحسب ذلك من التبرع؛ فإن تبعيتَه للجزئية مستحقّة؛ إذ كسب الجزء غيرُ محسوب عليه، ولا على مُعتقِه، فالكسب الذي تبقى للورثة، وهو محسوب على الورثة، والعتق يقلّ بقلّته، ويكثر بكثرته. ثم إذا قل العتقُ، قلّ الجزء التابع من الكسب، وكثر ما تبقى للورثة، وإذا كثر حظُّهم لزم أن يكثر العتق، وإذا كثر العتق، كثر التابع من الكسب، وقل ما تبقى للورثة، وإذا قل ما في أيديهم، قل العتق، فيدور مقدار العتق بين القلّة والكثرة.
هذا معنى الدور، فقلّتُه توجب كثرتَه، وكثرتُه، توجب قلّته، فينفصل الأمر بالحساب، وقد ذكر الحسّاب طرقاً ارتضَوْها في الدائِرات، أصلها الجبر، وطريقُه أن نقول: يعتق من العبد شيء ويتبعه من الكسب شيء؛ إذا كسب مثله في القيمة، يبقى في يد الورثة عبدٌ إلا شيء، ويبقى في أيديهم من كسبه مقدار عبدٍ إلا شيئاً؛ فإن الكسب مقداره مقدار العبد، ففي أيديهم من طريق المثل عبدان إلا شيئين، والعبد شيء واحد، وما تبقى للورثة يجب أن يعدل ضعفَ العتق، فإن العتق يعتبر من الثلث، فإذاً عبدان إلا شيئين يعدل شيئين إذا كان العتق شيئاً، وقد ضعّفناه للمعادلة.
وأما ما يتبع العتق، فلا يحسب في حساب الجبر، فنجبر العبدين بشيئين، ونزيد على عديله شيئين، فيصير عبدان كاملان في مقابلة أربعة أشياء، فنقلب الاسم، ونجعل العبد أربعة والشيءَ اثنين، وإذا كان العبد أربعة، والشيءُ الذي أطلقناه اثنان، واثنان من أربعة نصفها، فقد بان أنه عَتَق من العبد نصفُه، ويتبعه نصفُ كسبه، فيبقى للورثة نصفُ رقبته، ونصف كسبه، وقد عَتَق مقدارُ خَمسين، والباقي في يد الورثة مقدار مائة، وما يتبع العتقَ من الكسب غير محسوب.
6926- وذكر بعضُ الحسّاب مسلكاً آخر في الجبر، وقال: لو لم يكسب العبد، ولم يملك المريض غيرَه، لكان يعتِق ثلثُ العبد، ويرِق ثلثاه، وإذا كان له كسب كما صورناه، زاد العتق على الثلث، فنقول: نجعل تلك الزيادة شيئاً، ونطلق، فنقول: عَتَق من العبد ثلثُه وشيءٌ، ويتبعه من الكسب مثلُ ذلك، وهو ثلث عبد وشيء؛ لأن الكسب مثل الرقبة، فيبقى للورثة من الرقبة ثلثا عبد إلا شيئاً ومن الكسب مثل ذلك، وهو مثل ثلثي عبد إلا شيئاً، وإذا جمعنا ما في يد الورثة، كان مقدارَ عبدٍ وثلث إلا شيئاً، وعلمنا أن الذي حصل من الحرية مع ما يتبعه من الكسب مثلُ ما حصل للورثة، وإنما كان كذلك لأن العتق يقع ثلثاً من التركة، وإذا زدنا عليه مثلَه، كان مثل الباقي في يد الورثة، وقد يتبع العتقَ مثلُه من الكسب، فالعتق وما يتبعه من الكسب مثلُ ما في يد الورثة، فنجمع الجميع، ونقول: العتق وما يتبعه، وما بقي في يد الورثة مقدارُ عبدين وثلثي عبد إلا أربعة أشياء، وذلك يعدل قيمة العبد والكسب، وهما عبدان، فنجبر ونقابل، ونقول: نجبر العبدين والثلثين بأربعة أشياء، ونزيد على عديلها أربعةَ أشياء، فيصير عبدان وثلثا عبد في مقابلة عبدين وأربعة أشياء، فنُسقط العبدين بالعبدين، فيبقى ثلثا عبد في مقابلة أربعة أشياء، فنعلم أن الشيء يقابل السدس، فنرجع، ونقول: عتق من العبد ثلثُه وشيء، وذلك الشيء سدس، وقد عتق من العبد نصفه، ويتبعه من الكسب نصفه، وعاد الأمر إلى ما تقدم.
6927- طريقة أخرى: تعرف بطريقة السهام، وهي أن نقول: نأخذ للحرية سهماً، ولما يتبعه من الكسب سهماً؛ لأن الكسب مثل قيمة الرقبة، ونأخذ للورثة ضعفَ ما أخذناه للحرية، وذلك سهمان، فيجتمع معنا أربعة أسهم، ثم قيمة العبد مائة، وقيمة الكسب مائة، فنقسمها على أربعة أسهم المأخوذة، فيخرج من القسمة خمسون، فهو قيمة ما عتق من العبد، وذلك نصفه.
وباقي العمل كما ذكرنا.
6928- طريق الدينار والدرهم: نجعل قيمةَ العبد ديناراً ودرهماً، فيكون كسبه أيضاً ديناراً ودرهماً؛ لأنه مثلُ الرقبة، ثم نُجيزُ العتقَ في درهم من الرقبة، ونُتبعه درهماً من الكسب، يبقى للورثة من الرقبة دينار، ومن الكسب دينار، فمعهم ديناران يعدلان درهمين؛ فإن العتق درهمٌ، وضعفهُ درهمان، وقيمة الدينار درهم، وكنا جعلنا العبد ديناراً ودرهماً، فالآن نجعله درهمين، ونجعل الكسب درهمين، فإذا أعتقنا من العبد درهماً، فقد أعتقنا من العبد نصفَه.
وانتظم العمل كما مضى.
وإن أحببتَ، قلتَ: عَتَق من العبد دينار، ويتبعه من الكسب دينار، فيبقى من العبد والكسب درهمان يعدلان دينارين، فهو ضعف العتق، فقيمة كل دينار درهم، وعاد الأمر إلى ما مضى.
6929- وحساب المسألة بطريق الخطأين أن نجعل العبد ثلاثةَ أسهم والكسبَ كذلك، ونُجيز العتق في سهم من العبد، ويتبعه سهم من الكسب، يبقى للورثة سهمان من العبد وسهمان من الكسب، فيجتمع معهم أربعة أسهم، والعتق سهم واحد، وكان الواجب أن يكون معهم من جميع الوجوه سهمان، ضعف الذي عَتَق، فحصل الخطأ زائداً بسهمين، ثم نعود ونجعل العبد أربعة أسهم، والكسبَ كذلك، فنجبرُ العتق في سهم ونُتبعه من الكسب سهماً، يبقى مع الورثة ثلاثة أسهم من العبد، وثلاثة أسهم من الكسب، وكان الواجب أن يكون معهم سهمان؛ إذ العتق سهم واحد، وتابعه غير محسوب، فقد أخطأنا خطأً زائداً بأربعة أسهم، والخطآن زائدان، فيسقط أقلهما من أكثرهما يبقى سهمان، فاحفظهما، فالقسمة عليهما، ثم نضرب سهام العبد في المرة الأولى وهي ثلاثة في الخطأ الثاني، وهو أربعة، فيبلغ اثني عشر.
ونضرب سهامَ العبد في المرة الثانية، وهي أربعة في الخطأ الأول وهو اثنان، فيبلغ ثمانية، فأسقط الثمانية من اثني عشر، فيبقى أربعة، فاقسمها على الاثنين المحفوظين معك، فيخرج من القسمة اثنان، فنعلم أنك يجب أن تقسم على اثنين.
ثم نعود، ونقول: قدرنا العتق سهماً في المرة الأولى، فنضربه في الخطأ الثاني، وهي أربعة، وقدرنا العتق سهماً أيضاً في المرة الثانية، فاضربه في الخطأ الأول، وهو اثنان، فأسقط أقل المبلغين من أكثرهما، يبقى سهمان، فاقسمهما. على السهمين المحفوظين معك في القسمة، فيخرج سهم واحد، فتعلم بذلك أن الوصية سهم واحد والرقبة سهمان، والواحد من الاثنين نصفها.
6930- مسألة: إذا أعتق المريض عبداً قيمته مائة، فاكتسب مائتين بعد العتق، كما تقدم التصوير، فالحساب بطريق الجبر أن نقول: يعتِق من العبد شيء، ويتبعه من الكسب شيئان؛ لأن الكسب ضعف القيمة، يبقى مع الورثة من الرقبة عبدٌ إلا شيء، ومن الكسب مقدارُ عبدين إلا شيئين، فيحصل معهم ثلاثة أعبد إلا ثلاثةَ أشياء، تعدل ضعف ما عتق من العبد وهو شيآن، فنجبر ما في يد الورثة بثلاثة أشياء، ونزيد على العديل ثلاثة أشياء فيكون بعد الجبر والمقابلة ثلاثة أعبد تعدل خمسة، فاقلب العبارة في الجانبين، واجعل العبد خمسةَ أشياء، ِ والشيءَ ثلاثة، والثلاثة من الخمسة ثلاثة أخماسها، فقل: يعتق من العبد ثلاثةُ أخماسه، وتصح المسألة على الامتحان والسبر.
طريقة الامتحان بالسهام: نأخذ للحرية سهماً واحداً، وللعتق من الكسب سهمين، وتأخذ للورثة ضعفَ ما أخذت للعتق، وضعفُ العتق سهمان، فتجتمع خمسةُ أسهم، فاحفظها، ثم اجمع العبد والكسب، فيكون ثَلاثَ مائة، فاقسمها على الخمسة المحفوظة، فيخرج ستون سهماً، وهو قيمة ما يعتق من العبد، والستون من المائة ثلاثة أخماسها، فقد عتق من العبد ثلاثة أخماسه.
6931- وطريقة الدينار والدرهم أن نجعل العبدَ ديناراً ودرهماً، ونجعل كسبه دينارين ودرهمين، ونجيز العتق من العبد بدرهم، ونتبعه من الكسب درهمين، فيبقى مع الورثة دينار من الرقبة، ودينار من الكسب، وما في أيديهم يعدل ضعف العتق، وضعفُ العتق درهمان، فثلاثة دنانير تعدل درهمين، فاجعل كلَّ دينار اثنين، وكلَّ درهم ثلاثة، بطريق قلب العبارة، ومجموع الرقبة دينار ودرهم، فهي إذاً خمسةُ أسهم، ولما قلنا: عَتَق منه درهمٌ، فقد بان أنه عتق منه ثلاثة أسهم من خمسة أسهم، وهي ثلاثة أخماس العبد، كما تقدم.
وإن أحببتَ، قلت: العبدُ دينار ودرهم، والكسب ديناران ودرهمان، فيعتِق من العبد دينار، ونُتبعه من الكسب دينارين؛ فإن الكسب ضعف الرقبة، فيبقى في يد الورثة درهم من العبد ودرهمان من الكسب، وهذه الدراهم الثلاثة تعدل ضعفَ العتق، وضعفُ العتق ديناران، فقيمة العبد درهمان ونصف، فنعود ونقول: كنا جعلنا العبد ديناراً ودرهماً، ونحن نقول الآن: العبد درهمان ونصف، فنعتق منه قيمة الدينار، وهو درهم ونصف والدرهم والنصف من الدرهمين والنصف ثلاثةُ أخماس، فيعود العمل إلى ما تقدم من إعتاق ثلاثة أخماس العبد، ولا تخفى طريقة الخطأين.
6932- مسألة: لو كسب العبد مثلَ نصف قيمته، فحساب المسألة بالجبر أن نقول: يعتِق من العبد شيء، ويتبعه من الكسب نصفُ شيء، يبقى من الرقبة للورثة عبدٌ إلا شيئاً، ومن الكسب نصفُ عبدٍ إلا نصفَ شيء، فالحاصل معهم عبد ونصف عبد إلا شيئاً ونصف شيء، وذلك يعدل ضعف العتق، وهو شيئان، فنجبر ونقابل على الرسم المعروف، فيكون عبدٌ ونصف عبد يعدل ثلاثة أشياء ونصفَ شيء، فابسطهما أنصافاً، لتصير الأشياء سبعة، والعبد والنصف ثلاثة، ثم تقلب الاسم والعبارة، وقل: العبد سبعةٌ والشيء ثلاثة، والثلاثة من السبعة أشياء ثلاثة أسباعها، فيعتق منه ثلاثةُ أسباعه، ويستقيم علي العمل والامتحان.
6933- طريقة السهام أن نأخذ للعتق سهماً، وللكسب نصفَ سهم، ونأخذَ للورثة سهمين ضعفَ العتق، فالمجموع ثلاثةُ أسهم ونصفٌ، وقيمةُ العبد والكسب، مائة وخمسون، فنبسط الأسهم والقيمة أيضاً بالضرب في مخرج النصف، فتصير الرقبةُ والكسب ثلاثمائة، والسهام سبعة، فإذا قسمنا الثلاثمائة على السبعة، خرج اثنان وأربعون سهماً وستةُ أسباع سهم، فذلك قيمة ما يعتق، وهو قيمة ثلاثة أسباعه.
6934- وحساب المسألة بطريق الدينار والدرهم أن نجعل الرقبة ديناراً ودرهماً، والكسب نصف دينار ونصف درهم، فإن أحببنا، قلنا: نعتِق من العبد ديناراً، ويتبعه من الكسب نصفُ دينار، فيبقى في يد الورثة من العبد درهم، ومن الكسب نصفُ درهم، وذلك يعدل ضعف العتق، وهو ديناران، فقيمة الدينار ثلاثة أرباع درهم.
فنعود ونقول: كنا جعلنا العبد ديناراً ودرهماً، وهو الآن درهم وثلاثة أرباع درهم، فإذا بسطناها أرباعاً، صارت سبعة، فقيمة الدينار منها ثلاثة، فقد عتق من العبد ثلاثة أسباعه.
وإن أردت، قلت: عتَق من العبد درهمٌ، ويتبعه من الكسب نصفُ درهم، يبقى للورثة من الرقبة دينار، ومن الكسب نصف دينار، وذلك يعدل ضعفَ ما عتق، وهو درهمان، فأضعف الدينار والنصف، فيكون ثلاثة دنانير، تعدل أربعة دراهم.
هذا طريق البسط بالأنصاف، فاقلب الاسم فيكون الدينار أربعة والدراهم ثلاثة، وقد كانت الرقبة ديناراً ودرهماً، فهي سبعة وقد عتق ما يقابل الدرهم من السهام، وهو ثلاثة، وعاد إلى أنه عتَق منه ثلاثة أسباعه.
6935- مسألة: قيمة العبد مائة وعشرة، والكسب مائتان وثلاثون، فالوجه أن نجعل العبد أحد عشر سهماً، كل عشرةٍ سهماً، فيكون الكسب ثلاثةً وعشرين سهماً، ثم اطلب النسبة، وهي أمُّ الحساب، فيكون الكسب مثلي الرقبة، ومثلَ جزءٍ من أحد عشر جزءاً منها.
فنقول بعد ذلك: حساب العتق شيء، ويتبعه من الكسب شيآن وجزءٌ من أحدَ عشرَ جزءاً من شيء، وبقي للورثة من الرقبة عبدٌ إلا شيء، ومن الكسب عبدان وجزء من أحدَ عشرَ جزءاً من عبد إلا شيئين وجزءاً من أحد عشر جزءاً من شيء، فجميع ذلك ثلاثةُ أعبد وجزءٌ من أحدَ عشرَ جزءاً من عبد إلا ثلاثةَ أشياء وجزءاً من أحدَ عشر جزءاً من شيء، وذلك يعدل ضعفَ العتق وهو شيئان، فنجبر ونقابل، فيكون ثلاثةُ أعبد وجزءٌ من أحدَ عشرَ جزءاً من عبد، يعدل خمسة أشياء وجزءاً من أحدَ عشرَ جزءاً من شيء، فابسط جميع ذلك بأجزاء الأحدَ عشرَ، فيكون العبد أربعة وثلاثين، والشيء ستة وخمسين، فاقلب الاسم، فيكون العبد ستة وخمسين، والشيء أربعة وثلاثين، وإن أردت الاختصار أمكنك الرد إلى النصف، فالعبد ثمانية وعشرون والشيء سبعة عشرَ، فينفذ العتق في سبعةَ عشر جزءاً من ثمانية وعشرين جزءاً من العبد.
وإن أردت جمع الأجزاء، فقل عتَق من العبد أربعة أسباعه، وربع سبعه، وبيان ذلك واضح. وإن أردت الامتحان، قلت عتق من العبد سبعةَ عشرَ جزءاً، وبقي للورثة من رقبته أحدَ عشرَ جزءاً، و من الكسب مثلاه ومثلُ جزء من أحدَ عشر جزءاً، وذلك ثلاثةٌ وعشرون جزءاً، فنزيده على الأحد عشر جزءاً من الرقبة، فيجتمع معهم أربعة وثلاثون جزءاً، وهو ضعف سبعةَ عشرَ جزءاً.
مسائل فيه إذا كان مع العتق والكسب تركة للسيد
6936- فنقول: إن كانت التركة ضعفَ قيمة العبد، استحقّ جميعَ كسبه؛ فإنّ في يد الورثة ضعفُ القيمة، فإن كان التركةُ أقلَّ من ضعف العبد دارت المسألة والمثال أن يكون قيمةُ العبد مائة دينار، وكسبه مائة، وخلّف السيد مائة دينار سوى العبد والكسب، فطريق الجبر أن نقول: يعتِق منه شيء ويتبعه من الكسب شيء، يبقى من رقبته للورثة عبد إلا شيئاً، ومن الكسب مثله، ومعهم من التركة مثل قيمة العبد، فجميع ما معهم ثلاثة أعبد إلا شيئين، وذلك يعدل ضعفَ العتق، وهو شيئان، فنجبر ونقابل، فيكون ثلاثة أعبد تعدل أربعة أشياء، فنقلب العبارة في الجانبين، فيكون العبد أربعةً، والشيء ثلاثة، والثلاثة من الأربعة ثلاثة أرباعها.
فهذا ما يعتق من العبد وتستمر المسألة على سدادها.
6937- طريقة السهام أن نأخذ للعتق سهماً، ولما يتبع العتقَ سهماً؛ فإن الكسب مثلُ القيمة، ونأخذ للورثة ضعفَ ما أُخذ للعتق، وذلك سهمان، فيجتمع ذلك كله، فيكون أربعة أسهم. فاحفظها.
ثم اجمع الكسب، والتركة، وقيمة العبد، فيكون ثلاثمائة، فاقسمها على الأربعة المحفوظة، فتخرج حصةُ كل سهم خمسةً وسبعين، فهو قيمة ما يعتِق من العبد، وذلك ثلاثة أرباعه.
6938- طريقة الدينار والدرهم: أن نجعل العبد ديناراً ودرهماً، ونجعل كسبه ديناراً ودرهماً، ونجعل التركة كذلك ديناراً ودرهماً، نجبر العتق في درهم من العبد، ويتبعه درهمٌ من الكسب، يبقى للورثة من الرقبة دينار، ومن الكسب دينار، ومن التركة دينار ودرهم، فجميع ذلك ثلاثة دنانير ودرهم، تعدل ضعفَ ما عتق، وهو درهمان، فنطرح درهماً بدرهم، قصاصاً، تبقى ثلاثة دنانير، تعدل درهماً.
فنقلب الاسم فيكون الدرهم ثلاثة والدينار واحد، ومجموعها أربعة، والثلاثة من الأربعة ثلاثة أرباعها، فعلمنا أنه يعتِق من العبد ثلاثة أرباعه.
وإن أردنا، قلنا: يعتق من العبد دينار، ويتبعه من كسبه دينار، فيبقى في يد الورثة من العبد وكسبه درهمان، والتركة في أيديهم درهم ودينار، فيكون جميع ما معهم دينار وثلاثة دراهم تعدل ضعفَ العتق، وهو ديناران، فنحطّ ديناراً بدينار، فيبقى ثلاثة دراهم في مقابلة دينار، فنعلم أن الدينار ثلاثة دراهم، ولما جعلنا العبد ديناراً ودرهماً، كان أربعةَ دراهم، فنعتق منه قيمةَ الدينار، وهو ثلاثة من أربعة.
6939- طريقة الخطأين: نجعل العبد ثلاثةَ أسهم، ونقول: نفذ العتق في سهم منه، وتبعه سهم من الكسب، يبقى للورثة من الرقبة سهمان، ومن الكسب سهمان، والتركة ثلاثة أسهم، فجميع ذلك سبعة أسهم والعتق سهم واحد، وكان يجب أن يبقى في يد الورثة سهمان ليكون ضعفَ العتق، فقد أخطأنا بخمسة أسهم زائدة.
ثم اجعل سهام العبد إن شئت خمسةً، والعتق منها سهمين، إن أردت؛ فإن الخطأ لا ضبط فيه ويتبع العتقَ سهمان من الكسب، يبقى من الرقبة للورثة ثلاثة أسهم، ومن الكسب ثلاثة أسهم، والتركة خمسة أسهم، وجميع ذلك أحدَ عشرَ سهماً، وكان الواجب أن يبقى مع الورثة أربعةُ أسهم، ضعف العتق، فوقع الخطأ سبعة أسهم زائدة، والخطآن زائدان، فاطرح أقلَّهما من أكثرهما، وكان الخطأ الأول خمسة، فإذا طُرحت من سبعة، بقي اثنان. ثم احفظها.
ثم اضرب سهام العبد في المرة الأولى، وهي ثلاثة في الخطأ الثاني وهو سبعة، فيبلغ أحداً وعشرين، واضرب سهام العبد في المرة الثانية، وهي خمسة، في الخطأ الأول، وهو خمسة، فيكون خمسة وعشرين، فانقص أحداً وعشرين، يبقى أربعة، فاقسمها على الاثنين المحفوظين، فيخرج اثنان، فذلك سهام العبد، ثم اضرب سهم العتق في المرة الأولى، وهو واحد في الخطأ الثاني، وهو سبعة، فيكون سبعة، واضرب سهمَ العتق في المرة الثانية، وهو اثنان في الخطأ الأول، وهو خمسة، فيكون عشرة، ثم اطرح السبعة من العشرة، يبقى ثلاثة، فاقسمها على الاثنين المحفوظين، فيخرج واحد ونصف، فنقول: العبد اثنان، وقد عتق منه واحد ونصف، والواحد والنصف من الاثنين ثلاثة أرباعه، فقد عتق من العبد ثلاثة أرباعه.
6940- مسألة: أعتق المريض عبداً قيمته مائة، واكتسب العبد ستين، وخلّف السيد عشرين.
فهذه السهام كلها متفقة بنصف العُشْر، فردّ كل جنس منها إلى نصف عُشره؛ فيصير العبد خمسةً، والكسب ثلاثةً، والتركة واحداً، ثم نقول من طريق الجبر: عَتَق من العبد شيء، وتبعه من الكسب ثلاثة أخماس شيء؛ فإن الكسب ثلاثة أخماس العبد.
يبقى من الرقبة للورثة عبدٌ إلا شيئاً، ومن الكسب ثلاثة أخماس عبد إلا ثلاثة أخماس شيء، ومن التركة خمس عبد، وإذا جمعنا ذلك كله، كان عبداً وأربعة أخماس عبد إلا شيئاً، وثلاثة أخماس شيء.
وذلك يعدل ضعف ما نفذ العتقُ فيه، وهو شيئان، فنجبر ما في يد الورثة بشيء وثلاثة أخماس شيء، ونزيد على عديله مثله، فيصير عبد وأربعة أخماس عبد يعدل ثلاثة أشياء، وثلاثة أخماس.
فنبسط الجميعَ أخماساً، فيصير ما في يد الورثة تسعة، وتصير الأشياء ثمانيةَ عشرَ شيئاً، فنقلب الاسمَ، ونجعل العبد ثمانيةَ عشرَ، والشيء تسعة، والشيء من العبد نصفه، إذا كان التسعة من الثمانيةَ عشرَ نصفُها.
فيعتِق نصفُ العبد، وقيمتُه خمسون، ويأخذ نصف كسبه، وهو ثلاثون، يبقى للورثة خمسون من الرقبة وثلاثون من الكسب، وعشرون من التركة، فجميع ذلك مائة، والعتق خمسون.
مسائل في العتق مع الكسب وعلى السيد المعتِق دينٌ
6941- إذا أعتق في مرضه عبداً قيمته مائة دينار، لا مال له غيرُه، فاكتسب مائةَ دينار بعد الإعتاق، ثم مات السيد، وعليه مائتا دينار دينٌ، وطالب الغرماء بالدين، فلا ينفذ من العتق شيء؛ فإن الدين مقدمٌ على التبرع، وهو مستغرق لقيمة العبد والكسب، فيباع العبد، ويصرف ثمنه وكسبه إلى الدين.
وإن أبرأه الغرماء عن الدين نفذ من العتق ما كان ينفذ لو لم يكن دين أصلاً.
6942- وإن كان الدين على السيد مائة دينار، وقيمة العبد مائة والكسب مائة، فطريق الجبر أن نقول: نفذ العتق في شيء من العبد، وتبعه من الكسب شيء، فبقي في يد الورثة عبدٌ إلا شيئاً، وبقي من كسبه مقدارُ عبد إلا شيئاً، فالمجموع عبدان إلا شيئان، فينقص بسبب الدين عبدٌ كامل؛ فإن الدين مائة، فيبقى في أيديهم عبد إلا شيئين يعدل ضعف العتق وهو شيآن، فنجبر ونقابل، فيبقى عبدٌ كامل، يعدل أربعةَ أشياء، فالعبد واحد، والأشياء أربعة، فنقلب العبارة، ونقول: العبد أربعة أسهم، والشيء واحد، فنعلم أن الذي عتق سهم من أربعة، وهو ربعُ العبد. والمسألة سديدة على الامتحان.
6943- وطريق السهام: نأخذ للعتق سهماً، ولما يتبعه من الكسب سهماً ويأخذ الورثةُ ضعفَ ما أخذنا للعتق، وهو سهمان، فيكون الجميع أربعة أسهم، فنحفظها.
ثم نجمع قيمة العبد والكسب، فيكون مائتين، فنطرح مقدار الدين، وهو مائة، يبقى منها مائة، نقسمها على السهام الأربعة، فيخص كل سهم ربعُ المائة، فنعلم أن السهم الذي أعتقناه ربعُ العبد، كما خرج بالعمل المقدّم.
6944- طريق الدينار والدرهم: أن نجعل العبد ديناراً ودرهماً، والكسب ديناراً ودرهماً، ثم إن أحببنا، قلنا: عتَق من العبد درهمٌ وتبعه من الكسب درهم، فيبقى في يد الورثة ديناران، فنحط منه الدين، والدين دينار ودرهم؛ فإنه مثل الكسب، فنسقط ديناراً، ونُسقط من الدينار الآخر درهماً، فيبقى دينار إلا درهماً يَعدل ضعفَ العتق، وهو درهمان، فنجبر الدينار بدرهم، ونزيد على عديله درهماً، فيصير دينار يعدل ثلاثة دراهم، فالعبد أربعة، وقد أعتقنا منه واحداً، وهو ربعه، كما تقدم، وخرج بالعمل الأول.
فإن أردنا قلنا: عتق من العبد دينار وتبعه من الكسب دينار، فيبقى في يد الورثة درهمان فنحط منه الدين والدينُ دينار ودرهم، نُسقط درهماً للدين وديناراً من الدرهم الثاني، فيبقى درهم إلا ديناراً يعدل ضعفَ العتق، وهو ديناران، فنجبر ونقابل، فيصير درهم يعدل ثلاثة دنانير، فالدرهم واحدٌ والدينار ثلاثة، فنقلب الاسم ونجعل الدينار واحداً والدرهم ثلاثة والعبد أربعة، والدينار الذي عتق منه ربعه.
فتأمل. فقد نحتاج إلى قلب العبارة، وقد نستغني عنه، ولا يخفى دَرْكُ ذلك على الفطِن.
6945- وحساب المسألة بطريق الخطأين أن نقدّر العبد ثلاثة أسهم والكسب ثلاثة أسهم، ونجيز العتق في سهم، ويتبعه من الكسب سهمٌ لا محالة، فيبقى لا محالة من الرقبة والكسب أربعة أسهم، فنقضي الدينَ منها وهي ثلاثة أسهم، فيبقى سهمٌ واحد، وكان الواجب أن يبقى سهمان، فوقع الخطأ سهم واحد، وهو ناقص.
ثم نعود فنجعل سهام العبد خمسة، والكسب خمسة، فنعتِق سهمين منه، ونُتبعه من الكسب سهمين، فيبقى ستةُ أسهم في يد الورثة من الرقبة والكسب، فنقضي الدين منها خمسة أسهم، فيبقى سهم واحد، وكان الواجب أن يبقى أربعة أسهم ضعفَ العتق؛ فإن العتق قدرناه في سهمين، فوقع الخطأ بثلاثة أسهم، والخطأ ناقص أيضاً، وإذا كان الخطآن ناقصين، فنطرح الأقل من الأكثر، والخطأ الأقل واحد، فنطرحه من الثلاثة، فيبقى سهمان، فاحفظها، فالقسمة عليهما.
ثم اضرب سهام العبد في المرة الأولى في الخطأ الثاني تصير تسعة، فاضرب سهامَ العبد في المرة الثانية في الخطأ الأول، فيرد خمسة، فألق أقل الجملتين من الأكثر، فيبقي من التسعة أربعة، فاقسمها على الاثنين المحفوظين فيخرج من القسمة سهمان، فهما سهام العبد.
ثم عد واضرب سهام العتق في المرة الأولى وهو واحد في الخطأ الثاني وهو ثلاثة، فيكون ثلاثة. واضرب سهم العتق في المرة الثانية، وهو سهمان في الخطأ الأول وهو واحد، فيرد اثنين، فأسقط الأقل من الأكثر، فيبقى سهم واحد، فاقسمه على الاثنين، فيخرج نصف سهم، فبان أنه يعتق منه نصف سهم، وهو ربع العبد كما خرج بالأعمال المقدمة.
6946- مسألة: قيمة العبد مائة، والكسب مائة وخمسون، وعلى السيد المعتق من الدين ستون.
فنقول: يعتِق من العبد شيء، ويتبعه من الكسب شيءٌ ونصف؛ لأن الكسب مثلُ الرقبة ومثل نصفها، فيبقى في يد الورثة عبدٌ إلا شيء، ومن الكسب عبد ونصف إلا شيئاً ونصف شيء، فالمجموع عبدان ونصف إلا شيئين ونصفاً، فنقضي منه الدين وهو ستة أعشار عبد، يبقى عبد وتسعة أعشار عبد إلا شيئين ونصف، وذلك يعدل شيئين، فنجبر ونقابل، فيكون عبد وتسعة أعشار عبد يعدل أربعة أشياء ونصف.
فابسط الجميع أعشاراً، فيصير ما في يد الورثة تسعةَ عشرَ، ويصير الأشياء خمسة وأربعين، فنقلب العبارة، فيصير العبد خمسة وأربعين، والشيء تسعة عشر، فنقول: عتق من العبد تسعةَ عشرَ جزءاً من خمسة وأربعين جزءاً من العبد، فيبقى للورثة من العبد ستة وعشرون جزءاً من خمسة وأربعين، ويبقى لهم من الكسب مثلُها ومثل نصفها، وهو تسعة وثلاثون، والجميع خمسة وستون جزءاً وتكوِّنُ كلُّ خمسة وأربعين منها واحداً، فأسقط منها الدين، وذلك مثل ثلاثة أخماس الرقبة، وقد بان أن الرقبة خمسةٌ وأربعون، فثلاثة أخماسها سبعة وعشرون، فنسقط ذلك من الخمسة والستين، تبقى ثمانية وثلاثون جزءاً من خمسة وأربعين جزءاً من واحد، وذلك ضعف التسعةَ عشرَ جزءاً.
فهذا قياس الباب.
6947- ومما يتعلق بذلك أنه إذا اجتمع العتق والكسب والتركة والدين على السيد، فالجواب سهلُ المُدرك، والوجه مقابلةُ التركة بالدين، فإن كانت التركة الزائدة على العبد والكسب مثلَ الدين في المقدار، فكأنه لا دين عليه ولا تركة، وإنما أعتق عبداً لا مالَ له غيره فاكتسب، وقد ذكرنا العمل في ذلك.
فإن كانت التركة أكثر من الدين فنُسقط من التركة مقدار الدين، ونجعل كأن في المسألة مع الكسب والعبد مقدارَ ما بقي من التركة، فنلحق ذلك بما إذا كان في المسألة تركة.
وإن كانت التركة أقلّ من الدين، فنسقط من الدين مثلَها ونجعل كأن المسألة فيها من الدين المقدارَ الباقي من الدين، وقد تقدم الطريق فيه.
ولو لم يكن في المسألة كسب، ولكن جُني على العبد بعد العتق فأرش الجناية بمثابة الكسب.
ولو لم يعتق العبدَ، ولكن وهبه من إنسانٍ، فأقبضه إياه، فاكتسب في يد المتّهب، فالكسب يبعض كما يبعض في العتق، فطريق العمل والبيان ما تقدّم؛ فإن المقدار الذي تصح الهبة فيه يتبعه من الكسب ما يتبع المقدار الذي يعتِق في مسألة العتق، ولا يكون ذلك المقدار محسوباً، ولكنه ملك الموهوب له، وما يتبع العتق ملك الشخص الذي يبعض العتق، والحساب في جميع ذلك على نسقٍ واحد.
6948- مسألة في إعتاق العبد وكسبه بعد العتق، مع استقراض السيد منه:
أعتق المريضُ عبداً قيمته مائة، واكتسب العبد بعد العتق وقبل الموت مائة، فاستقرض السيد منه المائة التي اكتسبها، وأتلفه السيد.
فالوجه أن نهجم على الحساب، ونذكر ما تقتضيه الفتوى، فنقول في طريق الجبر: عتَق من العبد شيء، واستحق من كسبه شيئاً، هو دينٌ على السيد، فيبقى مع الورثة عبدٌ إلا شيء، فنقضي منه الدين، وهو شيء، يبقى عبدٌ ناقصٌ شيئين، وذلك يعدل ضعفَ العتق، وهو شيئان، فنجبر ونقابل، فيبقى عبدٌ كاملٌ، يعدل أربعة أشياء.
فنقلب الاسمَ، ونقول: العبد أربعة، والشيء واحد، وقد بان أنه عتَق منه على كل حالٍ ربعُه.
وتمام الفتوى يذكر بعد نجاز المسألة.
6949- طريقة السهام: أن نقول: نأخذ للعتق سهماً، ولما يتبعه من الكسب سهم، ونأخذ للورثة ضعفَ العتق سهمين، فالمجموع أربعة أسهم، فنحفظ ذلك، ثم نأخذ العبدَ وحده؛ فإن كسبه قد أتلفه السيد، فنقسمه على الأربعة المحفوظة، فيعتق من العبد سهم من أربعة أسهم، وهو رُبعُه.
6950- طريقة الدينار والدرهم: أن نجعل العبدَ ديناراً ودرهماً، والكسبَ مثلَه ديناراً ودرهماً، ثم نُجيز العتق في درهم، يبقى مع الورثة من الرقبة دينار واحد، وعليهم دينٌ درهم، فاطرح الدرهم من الدينار، يبقى دينار إلا درهماً، يعدل ضعف ما عتق منه، وذلك درهمان، فبعد الجبر والمقابلة يكون الدينار يعدل ثلاثة دراهم، فنقلب الاسم فيهما، فيكون الدينار ثلاثة، والدراهم واحداً، ومجموعهما أربعة، والواحد من أربعة رُبعُها، فيعتق ربعُه، كما خرج بالأعمال المتقدمة.
هذا بيان الحساب.
وبيان الفقه فيه أنا إذا حكمنا بعتق رُبعه، فله رُبع كسبه ديناً على السيد، ولم يخلّف هو شيئاً غيرَ الرقبة، فإن أدى الورثةُ الدينَ من سائر أموالهم، استمرّ لهم الرقُّ على ثلاثة أرباعه، وملك هو بربعه الحر ما سلّموه إليه، فإن أَبَوْا أن يؤدوا الدين من أموالهم، فلابد من أداء دينه من التركة، ولا تركة إلا ثلاثة أرباع العبد، فإن لم يجدوا من يشتري منه شيئاً، وطلب العبد أن يسلموا إليه ربعَه بدينه، تعين عليهم ذلك.
ثم إذا فعلوا هذا، عَتَق على العبد ربعٌ آخر.
وإن وجدوا من يشتريه، وطلب هو أن يشتري نفسَه، فظاهر ما أورده الأستاذ أنه يتعين عليهم أن يبيعوا رُبعَه من نفسه؛ فإنه أولى بنفسه من غيره به، ولا غرض لهم في بيع ربعه من غيره.
وهذا إن ذكره في معرض الاستحباب، فهو قريب قليل النَّزَل، فإن اعتقده واجباً، فخطأ؛ لأن الورثة مسلطون على أعيان التركة.
وهذا بمثابة ما لو كان في التركة أبٌ، أو ابنٌ لبعض مستحق الدين، فلا يتعين على الورثة أن يصرفوا إليه جزءاً بدينه، وإن كان طالبه راغباً فيه.
هذا تمام الغرض فقهاً وحساباً.
6951- مسألة: قيمة العبد مائة وقد اكتسب بعد الإعتاق ثلاثمائة، فأتلف السيد من كسبه مائة، وبقي مع العبد مائتان، وخلّف السيد أيضاً مائتي دينار.
فسبيل الحساب أن نقول: يعتق منه شيء، ويتبعه ثلاثة أمثاله، وهو ثلاثة أشياء، وللورثة باقي الرقبة وباقي الكسب مع المائتين التي خلفها السيد، وذلك خَمسُمائة إلا أربعة أشياء، تعدل شيئين، فإذا جبرنا وقابلنا، فتكون خَمسُمائة معادلةً لستة أشياء، فنقلب الاسم، فالشيء سدس الخَمسمائة، وذلك خمسة أسداس العبد، فقد عَتَق منه خمسةُ أسداسه، وتبعه خمسةُ أسداس الكسب والباقي من كسبه مائتان، وخمسة أسداسه مائة وستة وستون وثلثان، فنضم الباقي من الكسب إلى التركة، وهو ثلاثة وثلاثون وثلث، والتركة مائتان، فتصير مائتين وثلاثة وثلاثين، فالمجموع مائتان وثلاثة وثلاثون وثلث، فنحط عنها خمسة أسداس المائة التي أتلفها السيد، وذلك ثلاثة وثمانون وثلث، فيبقى مائة وخمسون، ولهم من الرقبة سدسها، وذلك ستةَ عشرَ وثلثان، والمجموع مع هذا السدس مائة وستة وستون وثلثان، وذلك ضعف ما عتق من العبد.
ولو أبرأ العبدُ سيده عن الدين، لعتق واستتبع جميع ما معه، ولكان العتق مائة والتركة مائتين، فإذاً العبد بالخيار إن لم يبرىء، عتق خمسةُ أسداسه، وله خمسةُ أسداس الكسب، وهو مائتان وخمسون ديناراً، وإن أبرأ، عتق كلُّه، وله المائتان من كسبه.
6952- مسألة في العتق والكسب وموت العبد المعتَق قبل موت السيد:
فنقول: إذا أعتق المريض في مرضه عبداً، لا مال له غيره، فمات العبد بعد الإعتاق، ثم مات السيد، وما كان اكتسب العبد شيئاً، فقد اختلف أصحابنا في ذلك، فقال بعضهم: مات ذلك المعتَق رقيقاً؛ لأن عطايا المريض من ثُلثه، وإنما ينفذ التبرع في الثلث إذا سَلِم للورثة الثلثان، ولم يسلم للورثة من الرقبة شي، فلا ينفذ من الوصية شيء.
ومن أصحابنا من قال: مات المعتَق حُرّاً والأمر مثلُ الوصية، ولكن لما مات العبد، فقد بطل حقُّ الإرث فيه، ولم يُتلف المريضُ شيئاً هو محل حق الورثة، فصار كتبرعه في صحته.
وأبعد بعضُ أصحابنا، فقال: مات وثلثه حر، وثلثاه رقيق.
وهذا بعيدٌ لا أصل له.
6953- فإن خلّف العبدُ مائتي درهم، وقيمته مائةُ درهم، ولم يخلّف إلا مولاه، مات حراً، وورثه السيد بالولاء، وحصل ذلك للورثة وهو مِثلا قيمته، فإنا إذا فرعنا على أنه يموت حراً، وإن لم يخلّف شيئاً، فلا كلام.
وإن فرعنا على الوجه الثاني، فإنا نحكم بموته رقيقاً؛ لأن السيد لم يخلِّف شيئاً، فإذا خلف مثلي قيمته، فالعتق خارجٌ من ثُلثه.
فإن ترك المعتِق مائةَ درهم، فإن قلنا: لو مات المعتَق، ولم يخلّف شيئاً، لمات عتيقاً، فلا إشكال أنه يموت حراً في هذه الصورة، ويرث مولاه المائة، فالمسألة مفروضةٌ فيه إذا لم يكن له وارث.
فأما إذا فرعنا على أنه لو مات ولم يخلِّف شيئاً يموت رقيقاً، فإذا خلف مائة، فهذه المائة لابد وأن يكون فيها للسيد حق على كل مذهب، وليس كالمقدار الذي يخلص لمن بعضه حر بالمهايأة والقسمة على الرق والحرية؛ فإنا قد نقول في قولٍ: إنه مصروف إلى بيت المال، وهذه المائة اكتسبها هذا المعتَق مطلقاً، وما خلصت له بقسمة ولا مهايأة، والتفريع على أنه لا يموت عتيقاً لو لم يخلّف شيئاً، والمائة ليست وافيةً في مقابلة عتق جميع الرقبة.
فإن قلنا: من نصفه حر يرثه معتِقه، فالمائةُ ترجع إلى المولى، ويعتِق في مقابلها نصف العبد في هذا المنتهى الذي انتهينا إليه، ويكون نصفه على الرق في الموت.
وإن قلنا: من نصفه حر لا يورث، فسبيل الحساب فيه أن نقول: عَتَق منه شيء، وتبعه من المائة شيء، والذي تبعه مصروفٌ إلى بيت المال، فيبقى مائةٌ ناقصةٌ شيئاً يَعدل ضعف العتق، وهو شيآن، وإذا جبرنا وقابلنا، صارت مائة تعدل ثلاثة أشياء، فالشيء ثلث المائة.
وخرج منه أنه عَتَق منه ثلثُه ورقَّ منه ثلثاه، وبقي للسيد بحق الملك ثلثا كسبه، والباقي ضعف العتق.
6954- فإن ترك العبد المعتَق مائتي درهم وترك بنتاً حرة ومولاه، فإن قلنا: إنه لو لم يخلّف شيئاً، لمات حرّاً، فلا شك أنه يموت هاهنا حرّاً والمائتان ميراثٌ بين البنت والمولى، للبنت النصف، والباقي للمولى.
فإن قلنا: لو لم يخلّف شيئاً، لمات رقيقاً، فإذا خلف مائتين والبنتَ والمولى، فهذا نفرعه الآن على أن من بعضه حر هل يورث؟ فإن قلنا: إنه لا يورث، فالوجه أن نقول: عَتَق منه شيء، وتبعه من كسبه شيئان؛ فإن الكسب مثلا القيمة، ثم البنت ترث نصفَ الشيئين، وهو شيء، ويعود شيء إلى المولى بالإرث، وإذا رجع إلى المولى، رجع إلى الورثة، فنقول: إذاً لورثة السيد مائتا درهم إلا شيء يعدل شيئين، وهو ضعف العتق، فبعد الجبر والمقابلة يكون مائتي درهم تعدل ثلاثة أشياء، فالشيء ثلث المائتين، فيقع ثلثين للعبد لا محالة، وهو الذي عتق منه، وملك ثلثي كسبه، وذلك مائة وثلاثة وثلاثون وثلث، فورثت البنت نصفها، وللمولى الباقي وهو ستة وستون وثلثان، ومات ثلثُه رقيقاً، فاستحق ثلث الكسب بحق الملك، فحصل مع ورثة السيد ثلثا كسبه، وهو ضعف ما عتق.
هذا تفريع على أن من بعضه حر موروث.
فأما إذا قلنا: لا يورث مَنْ بعضُه حر، فالجواب على هذا القول أن كلّه يموت حراً، وماله لمولاه لجهة الإرث، ولا ترثه البنت؛ فإنها لو ورثته، لنقصت حصةُ السيد من التركة، فلا يخرج العبد حينئذ من ثلثه، وإذا لم يخرج من ثلثه رَقّ بعضه، وإذا رق بعضُه، لم يورث، ولا ترثه البنت، ففي توريثها إبطال توريثها، وهذا من الدور الفقهي، وستأتي قواعدها ومسائِلها في كتاب النكاح، إن شاء الله عز وجل.
فإن قيل: صرفتم المائتين إلى المولى بأية جهة؟ قلنا: صرفناها إليه إرثاً، لا وجه غيره.
فإن قيل: لماذا ورثتم المولى، ولم تورثوا البنت، قلنا: لأن في توريثها الدور المانع من التوريث، وليس في توريث المولى دورٌ، ومن حجبه الدور، فكأنه معدوم، وإن كان فيه معنى حاجباً.
ولو ترك العبدُ أربعَمائة درهم، وخلف بنتاً والمولى، كما صورنا، فقد مات العبد حراً بكل حساب، والبنت ترثه مائتين؛ إذ ليس في توريثها تبعيض الرق والحرية، والمولى يأخذ مائتين ويخلفهما على ورثته، فيقع ضعفاً لقيمة العبد.
6955- ولو ترك العبد مائتي درهم، وترك ابناً، فإن قلنا: إنه كان يموت حراً لو لم يخلّف شيئاً، فقد مات حراً، وما خلّفه لابنه.
وإن قلنا: كان يموت رقيقاً لو لم يخلف شيئاً، فهذا نفرعه على أن مَنْ بعضُه حر هل يورث؟ فإن قلنا: إنه يورث، فالوجه أن نقول: عتق من العبد شيء وتبعه شيئان يكونان لابنه، ولورثة السيد باقي كسبه إذا مات السيد، وهو مائتا درهم إلا شيئين، وذلك يعدل شيئين، وهو ضعف العتق، وبعد الجبر والمقابلة يعدل مائتان أربعةَ أشياء، فالشيء ربع المائتين، وهو خمسون، وهو نصف قيمة العبد، فقد عَتَق منه نصفُه، واستحق نصفَ كسبه، وهو مائة، نصرفها إلى ابنه، ولورثة السيد نصف كسبه بحق الملك، وهو مائة، والمائة ضعف العتق.
وإن قلنا: مَنْ بعضُه رقيق لا يورث، فعلى هذا القول مات حراً، وكسبه كلُّه للسيد، ولا يرثه ابنه؛ لأنه لو ورثه، لم يخرج من الثلث، وإذا لم يخرج من الثلث، لم يرثه الابن، ففي توريثه إبطال توريثه، والمولى يأخذ كسبَه إرثاً، كما قررناه في مسألة البنت.
6956- فإن كانت المسألة بحالها، فمات العبد، وخلّف ابناً كما صورنا، ثم مات الابن بعد العبد، ثم مات السيد ولا مال لهم غير المائتين التي اكتسبها العبد.
فنقول: عتق العبدُ وورث ابنُه كسبَه كلَّه، ثم ورث السيد ذلك عن ابن العبد، فتحصل لورثة السيد مائتا درهم، ضعف قيمة العبد، ولا جرم؛ فإن المائتين في العاقبة إلى تبعيض الحرية، وإنما ينشأ الدور من أداء التوريث إلى التبعيض، مع التفريع على أن المبعض لا يورث.
ولو لم يخلّف العبد شيئاً وفرعنا على أنه يموت رقيقاً، فإن مات ولم يخلف شيئاً، ثم مات ابنٌ له، وخلّف مائتي درهم، وترك مولَى أمِّه، ومولى أبيه، وهو معتِق العبد، فنقول: مات العبد حُرّاً، وورث السيد العبدَ، وحصل مع ورثته ضعف العتق من ميراث الابن، والغرض أن يخلف تركةً هي ضعف العتق، والأصل فيه أن العتق جرى، ونحن نُبقيه ما وجدنا إلى تبقيته سبيلاً، فنفوذه إذا وجدنا شيئاً مستمر، وإنما يندفع بمانعٍ، ومولى الأم محجوبٌ إذا أمكننا أن نورِّث مولى الأب؛ فإنه الذي يجر الولاء.
6957- فلو كانت المسألة بحالها، ولكن لم يمت المعتَق، بل مات ابنُه، وخلّف ألف درهم وأكثر.
أما هذا المعتَق، فلا يرث ابنَه، فإنه لو ورثه، لاستغرق ميراثَه، ولا يخلص إلى السيد شيء، ولم يحصُل للسيد تركة، ولا لهذا المعتَق كسبٌ من تلقاء نفسه، وإذا لم يحصل لورثة المعتِق شيء، فلا يعتِق تمامُ العبد، وإذا لم يعتِق، لم يرث، فيؤدي إذاً توريثُه إلى إبطال توريثه، وإذا لم يرث هو ابنَه، ورثه السيد.
ثم نحكم بأنه إذا خلّف ما ورثه لورثته، أو خلف منه مقدار ضعف قيمة العبد، فرجع الحكم بحرية العبد؛ فإنه قد بقي لورثة المعتِق ضعفُ ما نفذ العتقُ فيه، أو أضعافُه، فقد قطعنا ميراث الأب للدور الحكمي، وإفضائه إلى قطع الميراث من حيث يورث، ثم ورثنا السيد؛ فإنه أحق بميراثه بعد ما حجبنا المعتَقَ بالدور.
ومن ضرورة توريثنا منه السيدَ المال الجمَّ الذي ذكرناه أن يقع الحكمُ بتمام حريته.
فلو أن ابن العبد ترك مائة درهم مثلاً-والغرضُ تصوير تركته أقلَّ من ضعف قيمة العبد- والمسألة مفروضة فيه إذا لم يمت المعتَق قبل موت السيد، حتى لا يقع في الخلاف الذي تقدم في أنه لو مات ولم يخلف شيئاً، هل نحكم بحريته؟
فنقول في هذه المسألة: يعتِق من العبد شيء، وينجرّ من ولاءِ ولده بقدر ما عتَقَ منه، نورث السيد من المائة التي تركها ابنُ العبد شيئاً، وحصل لورثته باقي العبد، فنقول: إذا عتَقَ من العبد شيءٌ، لم يرث ابنه بمقدار العتق، فإن من بعضه حر لا يورث، وقد ذكرنا أن الابن لو خلف مالاً كثيراً، لم يرث العبدُ المعتَق، للدور الفقهي، فيخرج من ذلك أنه يعتِق من العبد شيء، وينجرّ مقدار من الولاءِ يرث السيد من مال الابن بقدره، فإن الابن حرٌّ كله، والولاء يورث بكماله وببعضه، ولذلك نورِّث شريكين في جرّ الولاء، فيبقى إذاً لورثته من العبد مائةٌ إلا شيء، ولهم الشيء الذي ورثه السيد من ابن العبد، فإذا ورثوا مائةً كاملةً، فإن الشيء العائد بالميراث، مثلُ الشيء الناقص بالميراث؛ لأجل أنا صورنا قيمةَ العبد مائة، فالمائة تعدل ضعفَ العتق، وهو شيئان، والشيء نصف المائة، وهو خمسون درهماً، وذلك نصف قيمة العبد، فيعتق نصفه، وينجرّ نصفُ ولاء ولده، فيرث السيد نصفَ المائة التي تركها ابنُ العبد، فيحصل للورثة نصفُ العبد، ونصف المائة، وذلك ضعف ما عتَق من العبد.
ولو ترك ابنُ العبد خمسين درهماً، عتَق من العبد خُمساه، وجرّ خُمسي ولاء ولده إلى مولاه، فورث السيد خُمسي ما خلّفه ابنُ العبد وهو عشرون درهماً، فلورثة السيد ثلاثة أخماس العبد، وقيمتها ستون ولهم عشرون من التركة وهي خمساها، فيجتمع لهم ثمانون، وقد عتَقَ من العبد خمساه، وقيمة ما عتق أربعون.
هذا مسلك هذه المسائل في الدور الحسابي والحكمي.
مسائل
في عتق العبيد والكسب منهم أو من بعضهم
6958- إذا أعتق المريضُ عبيدَه أو عبيدَه وإماءه، لا مال له غيرهم، ثم مات من مرضه.
فإن كان أعتقهم في كلمةٍ واحدة مثل أن يقول: أنتم أحرار، أو كل مملوك لي حر، فإنا نُقرع بينهم، حتى إذا كانوا ثلاثة والقِيَمُ متساوية، فإنا نُعتق بالقرعة واحداً، ونرِق اثنين، فإن عتق واحدٌ، وهو مقدار ثُلُثه أو أعتق اثنين، وكانا مقدار ثلثه، ثم أعتق من بقي، فإنا نبدأ بالأول؛ فإن بدايته أولى من خروج القرعة.
وإن كان الذي أعتقه أكثر من ثُلثه عَتِق منه مقدارُ ثُلث المعتِق، ونفذ العتق من قيمته فيما يخرج من الثلث، ورق باقيه، ورق من سواه.
وإن فضل من الثلث شيء، وكان أعتقهم ترتيباً، عتَق السابق، وعتق من الذي يليه باقي قيمة الثلث، ولا دور في هذه المسائل؛ فإنها مدارةٌ على الإقراع، أو على التقديم، وليس فيها تصوير كسبٍ، أو تصوير زيادةٍ في القيمة، أو نقصان.
6959- فلو كان له عبدان قيمةُ كلِّ واحد منهما مائة، فأعتق أحدَهما واكتسب مائة، ثم أعتق الثاني، وقع الدَّورُ، لمكان الكسب.
وحساب المسألة أن نقول: يعتِق من الأول شيء؛ فإنه بدأ به، ويتبعه من كسبه شيء غيرُ محسوب، وللورثة باقي التركة، وهو عبدان ومائة إلا شيئين.
وإذا عبرنا عن الجميع قلنا: للورثة ثلاثة أعبد، أو ثلاثمائة إلا شيئين، فنجبر ونقابل، فتصير ثلاثمائة معادلة لأربعة أشياء، فالشيء ربعُ الثلاثمائة، وذلك مثل ثلاثة أرباع العبد، وله ثلاثة أرباع كسبه، وللورثة ربعُه وربعُ كسبه مع العبد الآخر، وقد عتَق ثلاثةُ أرباعه، فالباقي في يد الورثة ضعف العِتق.
6960- فإن اكتسب الأول مائتي درهم، فطريق الجبر واضحة، فنقول: عتق منه شيء، وتبعه من كسبه شيآن، وللورثة باقي التركة وهو أربعمائة درهم، إلا ثلاثة أشياء، تعدل شيئين: ضعفَ العتق، فبعد الجبر تعدل أربعمائة كاملة خمسةَ أشياء، فالشيء خُمسُ الأربعمائة، وذلك أربعة أخماس العبد.
6961- وإن لم يكتسب العبد الأول، ولكن اكتسب الثاني مائة، عتَق الأول وحده، والثاني مع كسبه للورثة.
وإن اكتسب الثاني مائتين عتق الأول، وعتق من الثاني شيء، وتبعه من كسبه شيآن، يبقى للورثة الثاني وكسبه: ثلاثة أعبد إلا ثلاثة أشياء، وذلك يعدل ضعف العتق، والعتق عبدٌ وشيء، فما في يد الورثة يعدل عبدين وشيئين، وإذا جبرنا الأعبد الثلاثة في يد الورثة بالأشياء، وهي ثلاثة أشياء، وزدنا على عديلها مثلها، فيعدل ثلاثة أعبد عبدين وخمسة أشياء، ونلقي عبدين بعبدين قصاصاً، يبقى عبدٌ واحد يعدل خمسة أشياء، فالشيء خُمسُ العبد، فيعتق من الثاني خُمسُه، وله خُمس كسبه، وجملة ما عتق، عبدٌ وخُمس، وقيمةُ ذلك مائة وعشرون، فللورثة أربعة أخماس العبد الثاني، وأربعة أخماس كسبه، وجميع ذلك مائتان وأربعون، وهو ضعف ما عتق.
6962- فإن اكتسب كل واحد من العبدين مثلَ قيمته، وقد أعتق الأول، ثم الثاني، فنقول: عتق الأول، وتبعه كسبه، غيرَ محسوب عليه، وللورثة العبد الثاني وكسبُه، وهما ضعف قيمة الذي عتق.
وإن اكتسب كلّ واحد منهما مائتين، عتق الأول، وله كسبه كلُّه، وعتَق من الثاني شيء، وله من كسبه شيآن، وللورثة الباقي من العبد الثاني والباقي من كسبه، وهو ثلاثمائة إلا ثلاثة أشياء، تعدل ضعفَ قيمةِ الأول وضعفَ ما عتق من الثاني، وذلك مائتا درهم وشيئان، وإن أحببت، قلت: مائتان وشيئان تعدل ثلاثمائة إلا ثلاثة أشياء، وبعد الجبر والمقابلة وإسقاط المثل بالمثل تبقى مائة تعدل خمسة أشياء، فالشيء خُمس المائة، وهو الذي عتَق من العبد الثاني، وللورثة أربعة أخماسه وأربعة أخماس كسبه.
6963- وكل ما ذكرناه فيه إذا قدم عتقَ البعض على البعض.
فأما إذا قال لهم: أنتم أحرار، فإنه يقرع بينهم؛ فأيُّهم خرجت قرعتُه بالعتق، كأن المولى بدأ بإعتاقه، فيجري الحساب على ما تقدم.
6964- ولو أعتق في مرضه ثلاثة أعبد، واحداً بعد واحد، وقيمة كل واحد مائة، ولا كسب ولا مال غيرهم، عتَق الأولُ، ورقَّ الآخران.
فإن ترك مائةَ درهم، عتَق الأول، وثلثُ الثاني.
وإن ترك مائتي درهم، عتَقَ الأول وثلثا الثاني، وإن ترك ثلاثمائة درهم، عَتَقَ الأول والثاني، وإن ترك أربعمائة، عَتَق الأول والثاني وثلثُ الثالث.
وإن لم يخلّف شيئاً، ولكن اكتسب كل واحد منهم مائة عتق الأول، وله كسبه، وعتق نصف الثاني وله نصف كسبه، وللورثة نصفُه ونصف كسبه مع العبد الثالث وكسبه، وذلك ثلاثمائة وهي ضعف المائة والخمسين الخارجة بالعتق، وسبيل الحساب ما مضى.
6965- وإذا أعتق أربعة أعبد في مرضه قيمةُ أحدهم مائة، وقيمة الثاني مائتان، وقيمة الثالث ثَلاثمائة، وقيمة الرابع أربعمائة، أعتقهم بكلمةٍ واحدة: من غير ترتيب، واكتسب كلُّ واحد منهم مثلَ قيمته في مرضه بعد العتق، قبل موت السيد، أُقرع بينهم، فإن خرجت القرعة على الذي قيمته أربعمائة، عتق، وله كسبه، واعتمدت القرعة بين الباقين، فإن خرجت القرعة على الذي قيمته مائة، عتق أيضاً وله كسبه، وقيمة هذين العبدين خَمسُمائة، فبقي للورثة الذي قيمته ثلاثمائة، والذي قيمته مائتان وكسبهما، وذلك كله ألف، وهو ضعف ما عتق.
وإن خرجت القرعة الثانية على الذي قيمته مائتان عَتَق الأول، ونصفُ الثاني.
وحسابه أن نقول: جاز العتق في شيء من الذي قيمته مائتان، وتبعه من كسبه مثلُه، وعتق الأول وقيمته ضعفُ قيمة هذا العبد الثاني، فكأن العتق جاز في عبدين إلا شيئاً، ومع الورثة باقي الثاني وباقي كسبه، وعبدان آخران مع كسبهما، وجميع ذلك بالإضافة إلى العبد الذي قيمته مائتان مثل ستة أعبد إلا شيئين، وذلك يعدل ضعف ما جاز العتق فيه، وهو أربعة أعبد وأربعة أشياء، فبعد الجبر والمقابلة وإسقاط المثل بالمثل، يعدل عبدان أربعة أشياء، فاقلب الاسم فيهما، فيكون العبد أربعة والشيء اثنين، والاثنان من الأربعة نصفها، فهو الذي يعتق من الذي قيمته مائتان.
وإن خرجت القرعة الثانية على الذي قيمته ثَلاثمائة، فحسابه أن نقول جاز العتق في شيء منه ومن الأول، فقد جاز العتق في أربعمائة وشيء، وبقي للورثة عبدٌ قيمته مائتان وكسبه مائتان، وعبد قيمته مائة وكسبه مائة، ومن الذي خرجت له القرعة الثانية ومن كسبه ستُّمائة إلا شيئين، وجميع ذلك ألف ومائتان إلا شيئين، يعدل ضعفَ ما جاز العتق فيه، وهو ثمانمائة وشيئان، فبعد الجبر والمقابلة، يكون أربعمائة تعدل أربعة أشياء، فالشيء رُبع الأربعمائة، وهو مائة، وبقي ثُلث العبد الذي قيمته ثَلاثمائة، فقد عتق منه ثُلثه.
وإن أبدلت القرعة الأولى والثانية، لم يخف حسابها؛ فلم نذكره.
ولو كان مكان العبيد في هذه المسائل إماء فحملن بعد العتق من نكاحٍ أو سفاح، وولدن قبل موت السيد أولاداً قيمتهم مثل اكتساب هؤلاء، كان حكم أولادهن حكمُ اكتساب العبيد. فإذا عتَقَت أمةٌ منهن، تبعها ولدُها، كما يتبعُ الكسبُ غيرَ محسوبٍ؛ فإنّ حَمْل الحرة حرٌّ، كما أن كسب الحرّ له.
6966- مسألة: لو أعتق في مرضه عبدين، قيمة كلِّ واحد منهما مائة بكلمةٍ واحدةٍ، واكتسب كلّ واحد منهما مائة، فأتلف السيد كسبهما، ثم مات، أُقرع بينهما، فأيّهما خرجت له قرعةُ العتق عَتق نصفُه، واستحق نصفَ كسبه دَيْناً على السيد، فإن قضى الورثةُ له ذلك من أموالهم سَلِمَ لهم عبدٌ ونصفٌ، وإن لم يقضوا ذلك من مالهم، بيع نصفُ هذا العبد المعتَقِ نصفُه، أو نصفُ العبد الآخر، وقُضي به الدين. وإن اختار هذا العبد أن يستوفي حقه من رقبته، قال الأستاذ: هو أحق به من المشتري، فيعتِق نصفُه الآخر.
وهذا إن رآه مستحباً، فهو قريب، وإن اعتقده واجباً، فهو غلط، كما تقدم نظيره؛ إذ لا حجر على الورثة في عين ما يبيعون، ولا احتكام عليهم في تعيين من يبيعون منه.
وحساب المسألة أن نقول: عتَق منه شيء، وله مثل ذلك دينٌ على السيد، وبقي مع الورثة عبدان إلا شيء، نقضي منه الشيء الذي هو دين عليه، يبقى معهم عبدان إلا شيئين، وذلك يعدل شيئين، وبعد الجبر والمقابلة والعمل المعروف، يكون عبدان يعدلان أربعة أشياء، فنقلب الاسم فيهما، فيكون العبد أربعة، والشيء اثنان، والاثنان من الأربعة نصفها، فقد عتق من العبد الذي خرجت قرعته نصفٌ.
وإن أعتق أحدهما قبل الآخر، وأتلف كسبهما كما صورنا، عتق من الأول نصفه بلا قرعة، وكان كما لو خرجت القرعة عليه حيث يكون العتق بينهما. وعلى هذا فقس.
مسائل
في عتق الجواري ووطئهن وإحبالهن في المرض
6967- إذا أعتق المريض جاريةً قيمتُها مائة، فوطئها رجل بشبهة، ومهرُ مثلها خمسون، فإن خرجت قيمتُها من الثلث عتَقَت، ولها مهرها، كما يكون لها كسبها، والمهر من كسبها.
6968- وإن لم يكن للسيد غيرُها، نُظر، فإن كان الوطء بعد موت السيد، عتَق ثلثُها، ولها ثلث مهرها، وللورثة ثلثاها وثلثا مهرها، ولا دور في ذلك؛ لأن المهر وجب وهي في غير ملك الميت، وكذلك يكون الكسب بعد الموت، وذلك أن الموت يقرِّر الوصيةَ في ثلث الرقبة، ولا مُستدرك، فلا تبيّن على خلاف ذلك.
6969- وإن كان الوطء قبل موت السيد وبعد عتقها، فسبيل الحساب أن نقول: عَتَق منها شيء، ولها من عُقرها نصف شيء من غير احتسابٍ عليها، وللورثة باقي الرقبة وباقي المهر، وذلك مائةٌ وخمسون درهماً إلا شيئاً ونصفَ شيء يعدل شيئين، فنجبر بالشيء والنصف ونزيد على العديل شيئاً ونصف شيء، ونبسط الجانبين أنصافاً فتصير المائة والخمسون ثلاثة، والأشياء سبعة، ثم نقلب الاسم، فالأمَةُ سبعة والشيء ثلاثة، فالثلاثة من السبعة ثلاثة أسباعها، فقد عَتَق منها ثلاثة أسباعها، ولها ثلاثة أسباع مهرها، وللورثة أربعة أسباعها، وأربعة أسباع مهرها، وهي مثل سبعي رقبتها؛ فإن المهر مثلُ نصف القيمة، وستة أسباع الرقبة تقديراً ضعفُ ما عتق.
فإن كان قد حبلت من الوطء، وولدت قبل موت السيد ولداً قيمته يوم سقط خمسون درهماً، فعلى الواطىء عُقرها، وعليه من قيمة الولد بقدر ما رق منها؛ فإن الواطىء بالشبهة إنما يغرَم ما يفوِّته من ملك الولد بسبب الشبهة، والقدر الذي يعتق منها يكون ولدها، في ذلك القدر حرّاً من غير تقدير تفويت فيه.
6970- ووجه الحساب أن نقول: عتق منها شيء، ومن ولدها نصفُ شيء غيرُ محسوب، ولها نصف شيء من عُقرها، وللورثة باقي الأمة وباقي المهر وباقي الولد، وجملة ذلك مائتان إلا شيئين، تعدل ضعف العتق وهو شيئان، فبعد الجبر، وقلب الاسم يكون الشيء نصفَ الأمة، فيعتق نصفُها ويتبعها نصفُ الولد حرّاً أصلياً، ولها نصف عُقرها على الواطىء، وللورثة نصفها، ونصف عُقرها، ونصف قيمة الولد يأخذونه من الواطىء؛ لأنه قد كان ينبغي أن يملكوا من ولد الأمة بقدر ملكهم فيها، فلما حكمنا بحرية الولد لأجل الشبهة، لزم ذلك المقدار من القيمة، فيجتمع للورثة مائة، وهي ضعف قيمة ما عتق.
وإن قيل: هلا جعلتم قيمةَ الولد كالكسب حتى تُثبتوا للأمة قسطاً من القيمة التي التزمها الواطىء بالشبهة قياساً على العُقر والكسب؟ قلنا: قيمة الولد إنما يجب منها ما يجب لوقوع ذلك المقدار في مقدار الرق، وما يقع في مقابلة الرق، فهو حق مالك الرق لا حق فيه للحرية.
6971- وهذا الذي ذكرناه فيه إذا أتت بالولد بعد العتق قبل موت السيد. فأما إذا أتت بالولد بعد موت المولى لزمانٍ يُعلم أن العلوق به وقع بعد الموت، فالوطء جرى بعد الموت؛ إذاً فما يغرَمه الواطىء من العُقر وقيمة الولد لا يحتسب من التركة، فإن التركة ما جرى فيها ملكُ الميت وخلّفه، وإذا لم نحسبه من التركة، لم يُنظر إلى العُقر وإلى قيمة بعض الولد في الحساب الذي نحسبه، بل نقول: أعتق المريض أمةً، لا مال له غيرُها، فيعتِق ثلثُها ويرق ثلثاها، ثم يقسم العُقر بعد الموت على الحرية والعتق، فكذلك القول في الولد، فالثلث منه حر لمكان حرية الثلث، وليس فيه تفويتُ رقٍّ، ويجب قيمة ثلثي الولد للورثة في مقابلة حقهم في ثلثيها.
وإن أتت بالولد بعد الموت لزمانٍ يُعلم أن العلوق به كان في حياة المولى، فهو كما لو أتت بالولد في حياة المولى؛ فإن حكم الولد يستند إلى حالة العلوق.
وإن أتت بالولد لزمانٍ يحتمل أن يكون العلوق به في حياة المولى، ويحتمل أن يكون العلوق به بعد موته، فللأصحاب تردّد في مثل ذلك، لسنا نوضحه الآن، وسيأتي ذكره مشروحاً في الوصية للحمل والوصية بالحمل، إن شاء الله عز وجل.
وقد ذكر الأستاذ طرفاً من هذا مثبّجاً مختلطاً، ونحن أتينا بما أتينا به تنبيهاً على هذا الأصل، وأحلنا شرحه على فقه الوصايا.
6972- ومما يتعلق بفقه الباب أن الواطىء لو كان معسراً، فلم يجد وفاءً بالعُقر ولا ما يلزم من قيمة الولد، فلا يُنجَّزُ من عتق الجارية إلا الثلث، كما لو ورد التَّوى على ما قدّمه الواطىء بالشبهة، فنجعل كأنه لم يكن، ولا نحسب على الورثة عُقراً ولا قيمة.
فإذا حملنا الأمر على ذلك، وأعتقنا ثلث الجارية، وأوقفنا ثلثيها، وتمادى على ذلك زمنٌ، والمهايأةُ في العمل بنسبة الثلث والثلثين، فلو أيسر الواطىء، وأدى ما عليه، فنزيد في العتق على الحساب الذي تقتضيه الزيادة؛ فإنّ ما يؤدّيه الواطىء إلى الورثة يزيد في التركة، والزيادة في التركة تقتضي الزيادة في العتق. ثم إذا زدنا في العتق، فليس ذلك إنشاءً، وإنما هو تبيّنٌ، وعلى التبين تبتني المسائل الدائرة في العتق، وإذا نفذ العتق في الزيادة، تبيُّناً، فالذي نص عليه الشافعي، وقطع به الأصحاب أن الجارية تسترد بمقدار ما زاد في العتق من كسبها؛ فإنا تبيّنا أن الورثة أخذوا من كسب الحرية شيئاً، ويلزمهم ردّه. وحكى الأستاذ عن ابن سريج وجهاً أن حكم ذلك الظاهر لا ينقض. وهذا لا يعدُّه فقيهٌ من المذهب، وإنما جرّدتُ الغرض لذكره لأني تصفحت مسائل كتابه في الوصايا، واعتمدت طرقَه الحسابية، فأردت التنبيه على مواقع الخلل في الفقه.
مسائل في العتق مع النقصان من القيمة أو مع الزيادة
6973- فلتقع البداية بالزيادة، فإذا أعتق الرجل عبداً، فزادت قيمته، وبقيت الزيادة حتى مات المولى، فالزيادة محسوبة على الورثة من التركة، وليست زيادة القيمة معتداً بها في المقدار الذي يعتِق من العبد؛ فإن العتق يستند إلى يوم الإعتاق، وما يفرض من زيادة لا أثر لها فيما يعتق؛ فإن الحر ليس بذي قيمة فيرتفع أو ينخفض، ويرتفع العمل والحساب في القيمة الزائدة على المناسبة المتقدمة في الكسب، ولكنا نفرد هذا الباب بمسائِله حتى لا يخلو الكتاب عن صنف من الأصناف.
6974- مسألة: إذا أعتق عبداً قيمته مائة دينار، فبلغت قيمته قبل الموت مائتي دينار، وبقيت القيمة زائدة إلى موت المولى. فطريق الحساب، بعد التنبيه على الفقه والفتوى أن نقول: عتق من العبد شيء وتبعه من زيادة القيمة مثلُه-على النسق الذي ذكرناه في الكسب- فبقي في يد الورثة مائتا دينار إلا شيئين يعدل ضعفَ العتق، وهو شيئان، فنجبر ونقابل، فيصير مائتان في مقابلة أربعة أشياء، فنعلم أن قيمة كل شيءٍ خمسون، فنرجع ونقول: عتق من رقبة العبد ما قيمته خمسون، وهو نصف العبد؛ فإن الاعتبار في العتق بقيمة يوم العتق، وإذا عتق نصفه، فقد سقط من القيمة مائة دينار، على حساب المائتين، غيرَ أن المحسوب منها خمسون، والزيادة غيرُ معتدٍّ بها، والباقي في يد الورثة مائة، والعتق خمسون. وحساب المسألة بطريق السهام أن نأخذ للحرية سهماً، ولما يتبعه من الزيادة سهماً، وللورثة ضعفُ ما للحرية، فالمجموع أربعة أسهم، فنقسم عليها قيمةَ يوم الموت، وهو مائتان، فسهم العتق إذاً خمسون.
وطريق الدينار والدرهم تجري في هذه المسألة جريانها في مسألة الكسب من غير مزيد.
6975- فإن كانت قيمة العبد يومَ العتق ثلاثمائة، فزادت قيمته، فكان يوم موت المولى يساوي سبعَمائة، فنقول: عَتَق منه شيء، وهو محسوب عليه بثلاثة أسباع شيء، وبقي مع الورثة عبدٌ إلا شيء يعدل ضعفَ المحسوب على العبد، وذلك ستة أسباع شيء، فنجبر ما في يد الورثة بشيء ونزيد على عديله مثلَه، فالعبد التام يعدل شيئاً وستة أسباع شيء، فنبسط الجميع أسباعاً فيصير العبد سبعة والشيء والستة الأسباع ثلاثةَ عشرَ، ثم نقلب الاسم، فنجعل العبد ثلاثةَ عشرَ، والشيء سبعة، فنعتق منه سبعة أجزاء من ثلاثةَ عشرَ جزءاً منه، وهي محسوبة عليه بثلاثة أسباعها. والفاضل من ذلك غيرُ محسوبٍ على العتق.
وإذا كان المحسوب ثلاثة أجزاء، فقد بقي مع الورثة ستة أجزاء من ثلاثةَ عشرَ جزءاً من الرقبة وهو ضعف الثلاثة الأجزاء المحسوبة من العبد. الحساب في المسألة بطريق السهام: أن نأخذ للحرية سهماً ويتبعه من الزيادة مثله ومثل ثلثه، وذلك سهمٌ وثلث سهم، وللورثة ضعف ما للحرية، وذلك سهمان فالجميع أربعة أسهم وثلث، فاقسم عليها قيمة يوم الموت، وهو سبعمائة. ووجه القسمة أن نبسط السهام أثلاثاً، فتكون ثلاثةَ عشرَ، ونبسط السبعَمائة أثلاثاً بالضرب في مخرج الثلث فيبلغ ألفين ومائة، نقسمها على ثلاثة عشر، فما يخرج من القسمة نصيباً للواحد فهو قيمة ما يعتق من العبد.
طريقة الدينار والدرهم: أن نجعل قيمته في الأصل ديناراً ودرهماً، وقد زاد في القيمة مثلُها ومثلُ ثلثها، فبلغت القيمة يوم الموت دينارين وثلثَ دينار ودرهمين وثلث درهم، وقد نفذ العتق في درهم ويتبعه درهمٌ وثلث، ومع الورثة ديناران وثلث دينار يعدل ضعفَ ما جاز العتق فيه، وهو درهمان، ولا يحسب ما تبع العتق. فنبسطهما أثلاثاً فيكون الديناران والثلث سبعة، والدرهمان ستة، فنقلب الاسم فيهما، فيكون الدينار ستة والدرهم سبعة، ومجموعهما ثلاثة عشر، وهي سهام العبد؛ لأنا جعلناه ديناراً ودرهماً، والدرهم منها سبعة أجزاء من ثلاثةَ عشرَ، وهي مقدار ما عَتَقَ.
هذا قياس الباب.
6976- مسألة: في نقصان القيمة بعد العتق.
أعتق المريض عبداً قيمته مائة، فنقص من قيمته قبل موت السيد خمسون، وبقي نقصان القيمة إلى الموت.
فنذكر الحسابَ، ونبدأ بالجبر، ونقول: نفذ العتق في شيء من العبد، وهو محسوب عليه بشيئين، وبطل في باقيه، فهو عبد إلا شيء يعدل ضعف ما حُسب على العبد، وهو أربعة أشياء، فنجبر العبد بشيء، ونزيد على عديله مثلَه، فالأشياء خمسة والعبد واحد، فنقلب الاسمَ، ونقول: العبد خمسة، والشيء واحد، وقد تبيّن أنه عَتَق من العبد خُمسه، وقيمته يوم العتق عشرون، وبقي للورثة أربعة أخماسه، وقيمتها يوم الموت أربعون، وهي ضعف العشرين المحسوبة على العبد، ووجه ذلك أنا لا نحسب على الورثة إلا التركة، والاعتبار في التركة بيوم الموت، فتعين هذا الاعتبار في حقوقهم.
ثم نرجع إلى العتق، ونقول: نعتبر ما فات بالعتق يوم العتق؛ فإن ما يفرض من التغايير بعد العتق لا يؤثر فيما عتَقَ، والذي يحقق ذلك أن القيمة لو زادت، لم يحسب على المعتَق، وهو المقدار الذي نُتبعه العتق، فكذلك النقصان لا يوجب حطّاً من العتق، وهو المقدار الذي نُتبعه العتق، فكذلك النقصان لا يوجب حطّاً من العتق، وكان هذا في التقدير بمثابة استيفاء مقدارٍ من العتق، وما وقع مستوفىً يحسب لا محالة، وهذا هيّن على المتأمل.
وحساب المسألة بطريق السهام أن نأخذ للعتق سهماً محسوباً على العبد بسهمين، ونأخذ للورثة ضعفَ ما حسب على العبد، وذلك أربعة أسهم، فالجملة خمسة أسهم، فنقسم عليها قيمةَ يوم الموت، وهو خمسون، فيخرج من القسمة عشرة، وهي قيمة يوم الموت، فنقول: يعتق منه خُمسه، كما خرج بالعمل الأول.
وحساب المسألة بالدينار والدرهم: أن نجعل قيمة يوم الموت ديناراً ودرهماً، ونجيز العتق في درهم منه محسوب على العبد بدرهمين، يبقى للورثة دينار يعدل ضعفَ المحسوب على العبد، وهو أربعة دراهم، فالدينار يعدل أربعة دراهم وأحداً، ومجموعها خمسة، ولا حاجة إلى القلب في هذا المقام، وقد بان أن الدرهم من الخمسة خُمسها، فنقول: يعتِق من العبد خُمسُه، فإن كانت قيمته مائتي دينار يوم العتق، فرجعت بالنقصان إلى مائةٍ وعشرين، فنقول: عتق منه شيء محسوب عليه بمثله، ومثل ثلثيه، فإن الناقص من المائتين ثمانون، والثمانون ثلثا مائةٍ وعشرين، فالشيء إذاً محسوب بشيء وثلثي شيء، ونطلق فنقول: بقي مع الورثة عبدٌ إلا شيء يعدل ضعف المحسوب، وهو ثلاثة أشياء وثلث، وإذا جبرنا، وقابلنا، فالعبد يعدل أربعة أشياء وثلث، فنبسطها أثلاثاً، ونقلب الإسم فيهما فيكون العبد ثلاثةَ عشرَ والشيء ثلاثة، فيعتق منه ثلاثة أجزاء من ثلاثة عشر جزءاً، وهي محسوبة عليه بمثلها ومثل ثلثيها، وذلك خمسة أجزاء، وبقي مع الورثة عشرة أجزاء من ثلاثةَ عشرَ جزءاً من الرقبة، وهي ضعف الخمسة الأجزاء المحسوبة.
هذا قياس الباب.
6977- مسألة: إذا وقع مع العتق زيادةٌ من وجهٍ ونقصانٌ من وجه، وذلك مثل أن يعتِق عبداً قيمته مائتان، فينقص من قيمته مائة بالسوق، ثم تعلّم صنعة زادت بها قيمته بخمسين، فالوجه أن يُقابَل النقصانُ بمقدار الزيادة، فيعود الأمر إلى أنه نقص من قيمته خمسون، وتحسب المسألة على قياس نقصان الخمسين، فنقول: جاز العتق في شيء محسوب على العبد بشيءٍ وثلث، وبطل في باقيه، فهو عبدٌ إلا شيء يعدل ضعف ما حسب على العبد وهو شيئان وثلثا شيء، فنجبر ونقابل، ونقلب الاسم ونبسط الجانبين أثلاثاً، فيكون العبد أحدَ عشرَ، والشيء ثلاثة؛ فيعتِق منه ثلاثةُ أجزاء من أحدَ عشرَ جزءاً من العبد، وهي محسوبة عليه بأربعة أجزاء، وبقي مع الورثة ثمانية أجزاء، وهي ضعف الأربعة الأجزاء المحسوبة على العبد.
6978- مسألة: في العتق مع الزيادة على القيمة والكسب.
سبيل هذا الباب أن نجعل الزيادة في القيمة جزءاً من الكسب، وتزاد على الكسب المستفاد، ونضع الحساب على ذلك المبلغ، فإذا أعتق المريض عبداً قيمته مائة، فزادت قيمته حتى بلغت مائتين، واكتسب مائة، فتصير الزيادة مع الكسب، كأنه اكتسب مائتين.
والعمل فيه أن نقول: عتَقَ منه شيء وتبعه من الكسب والزيادة شيئان، وبقي مع الورثة من أصل الرقبة زيادتُها وكسبها: ثلاثة أعبد إلا ثلاثة أشياء تعدل شيئين ضعفَ العتق، فبعد الجبر وقلب الاسم يكون العبد خمسةً، والشيء ثلاثة، فيعتق ثلاثة أخماسه، ثم المسألة تجرى سدادها في طريق الحساب.
6979- مسألة: في العتق مع النقصان والكسب.
فإذا أعتق في مرضه عبداً قيمته مائة، واكتسب مائة، ونقصت من قيمته خمسون، فنحط النقصان من الزيادة، فيعود الأمر كأنه اكتسب خمسين، ولم ينقص شيء، فيكون الكسب مثل نصف القيمة، والعمل فيه أن يقول: عتق منه شيء، وتبعه من كسبه نصفُ شيء، وقد ذكرنا هذا في المسالك المتقدمة، فلا معنى للإعادة.
6980- مسألة: مشتملة على العتق والنقص والتركة والكسب والدين.
الأصل في هذه المسألة أن نقابل التركة بالدين، فإن استويا، فكأنه لا دين ولا تركة وإن زاد أحدهما على الآخر، فمقدار الفضل كأنه هو الحاصل من غير مقابلة، وكذلك نقابل الزيادة بالنقصان، فإن استويا، فكأنه لا زيادة ولا نقصان، وإن زاد أحدهما على الثاني، اعتبرنا ذلك المقدار الفاضل، وبنينا المسألة عليه.
المثال: مريض أعتق عبداً قيمته مائة، واكتسب مائة، ونقصت قيمته إلى خمسين، وتعلّم صنعة، زادت في قيمته خمسين، وترك السيد مائة، وعليه دين خمسين، فالسبيل فيه ما قدمنا من التقابل بين النفي والإثبات والزيادة والنقصان، وننظر إلى ما بقي من كل نوع، ونخرّج المسألة عليه، وما أراها تغمض بعد ما كررنا الطرق وأوضحنا سبيل إجرائها في المختلفات.
وقد نجز ما حاولنا مبسوطاً مشروحاً في دَوْر المسائل المتعلقة بالعتق، ولا يخفى على من أحاط بما ذكرناه، واستعان بالدُّربة ما يورد عليه من صور المسائل.
القول في المسائل الدائرة في الهبات وما يتعلق بها
6981- مسائل فيه إذا وهب المريض عيناً، فعادت إليه تلك العين. مسألة: إذا وهب المريض عبداً من مريض وأقبضه إياه، فوهبه الموهوب له من الواهب الأول، وسلمه إليه، فماتا وما كان لواحد منهما مال إلا ذلك العبد، فلا شك أن المسألة تدور؛ من جهة أن الموهوب إذا رجع كلّه أو بعضه إلى الأول، زاد ثلثه؛ فتزيد هبته، ثم تدور هكذا، حتى يقطعه مسلك الحساب.
فطريق الجبر أن نقول: صحَّت الهبة من الأول في شيء من العبد، فبقي عبد إلا شيء، وصحت هبة الثاني في ثلث ذلك الشيء، فيرجع إلى الأول إذاً ثُلث شيء، فيحصل معه عبد إلا ثلثي شيء، وذلك ضعف ما صحت الهبة الأولى منه، وهي شيء، وضعفه شيئان، فنقول: معنا في الآخر عبد إلا ثلثي شيء، يعدل شيئين، فنجبر العبد بثلثي شيء ونزيد على عديله ثلثي شيء، فيصير عبد كامل في معادلة شيئين وثلثي شيء، فنبسطهما أثلاثاً ونقلب الاسم فيهما، فيكون العبد ثمانية والشيء ثلاثة، فقد صحت الهبة في ثلاثة أثمان العبد أولاً، وبطلت في خمسة أثمان. وتصح الهبة الثانية في ثلث ثلاثة أثمان، وهو ثمنٌ واحد، فيجتمع مع ورثة الأول ستة أثمان، وهو ضعف ما صحت هبته فيه، ويستقر في يد المريض الثاني ثمنان، وقد صحت هبته في ثمن، فاعتدلت التبرعات ثلثاً وثلثين. طريقة السهام: أن نطلب عدداً له ثلث ولثلثه ثلث؛ لوقوع الوصيتين على هذه النسبة، وأقل ذلك تسعة، فنقول: صحت الهبة في ثلاثة منها، ويرجع من الثلاثة سهم إلى الواهب الأول، وهذا سهم الدور، فنقطعه ونُسقطه من البين، ونرد التسعة إلى ثمانية، ونقول: صحت هبة الأول في ثلاثة من ثمانية، ورجع منها سهم، واستمر العمل الأول.
طريقة الدينار والدرهم: أن نجعل العبد ديناراً ودرهماً، ونجيز الهبة في درهم منه، يبقى دينار، ويرجع بهبة الثاني ثلثُ درهم، فيحصل مع الأول دينار وثلث درهم، وهذا يعدل درهمين، فنطرح ثلث درهم بثلث درهم قصاصاً، يبقى دينار يعدل درهماً وثلثي درهم، فابسطهما أثلاثاً فيصير الدينار ثلاثة، والدرهم والثلثان خمسة، فنقلب الاسم ونجعل الدينار خمسة، والدرهم في الوضع الأول ثُلُثة، وقد صحت الهبة في درهم وهو ثلاثة من ثمانية، ويعود العمل إلى ما تقدم.
والسرّ المرعيُّ في الباب أنا لا نعبر عما صحت الهبة الأولى فيه إلا بالشيء المبهم، ونعبر عما تصح الهبة الثانية فيه بالثلث، والسبب فيه أنه يدور إلى الواهب شيء بعد هبته، فاستبهم لذلك مقدار تبرعه إلى أن يُثبته الجبر، وليس يرجع إلى الواهب الثاني شيء، فاستمر فيه لفظ الجزءِ، وخرجت المسألة على النظم الذي تقدم.
6982- مسألة: ما قدمناه فيه إذا كان الواهب الأول والثاني مريضين.
فأما إذا كان الواهب الثاني وهو المتهب من الأول صحيحاً، والمسألة تدور على الأول من جهة العود إليه، والمال يريد بالعود بعد النقصان بالهبة، فالوجه أن نقول: صحت هبة الأول في شيء من العبد، فبقي عبدٌ إلا شيئاً، وبطلت الهبة في عبدٍ إلا شيئاً، ثم رجع ذلك الشيء الموهوب كلُّه بهبة الثاني؛ فحصل مع ورثة الأول عبدٌ كاملٌ يعدل شيئين ضعفَ ما صحت الهبة فيه، فنقلب الاسم ونجعل العبد شيئين والشيءَ واحداً، والواحد من الاثنين نصفُه، فقد صحت هبتُه في نصف العبد، ورجع ذلك إليه، فحصل عبد كامل يعدل ضعف ما وهب.
6983- ولو أن الصحيح المتَّهب من المريض لم يهبه الأولَ، ولكن وهبه لصحيحٍ آخر، وأقبضه، فوهبه الموهوب له الثاني من الواهب الأول، وأقبضه إياه، ثم مات الأول ولا مال له غير العبد.
فهذه المسألة عندنا كالمسألة التي قبلها، فلا فرق بين أن يعود الموهوب إلى المريض من جهةَ الموهوب له الصحيح من غير واسطة وبين أن يعود إليه بواسطة، فطريق العمل ما تقدم.
6984- ولو وهب الأول، وهو مريض من مريض، فوهب الثاني وهو مريض من مريض ثالث ثم عاد من جهة الثالث إلى الأول، فالحساب بالجبر أن نقول: صحت هبة الأول في شيء، وبطلت في عبد إلا شيئاً، وصحت هبةُ الثاني في ثلث شيء، وصحت هبة الثالث للأول في ثلث ذلك الثلث، وهو تُسع شيء، فقد رجع إلى الأول إذاً تُسعُ شيء، فحصل في يد الورثة عبد إلا ثمانية أتساع شيء يعدل شيئين ضعفَ ما أطلقنا الهبة فيه، فنجبر ونقابل، فيعدل عبد كامل شيئين وثمانية أتساع شيء، فنبسطهما أتساعاً، ونقلب الاسم، فيكون العبد ستة وعشرين والشيء تسعة، فتصح الهبة في تسعة أجزاء من ستةٍ وعشرين جزءاً من العبد، وتبطل في سبعةَ عشرَ جزءاً، فصحت هبة الثاني في ثلاثة أجزاء من جملة التسعة الأجزاء، وبقي مع ورثته ضعفها، وهي ستة أجزاء، وصحت هبة الثالث في جزءٍ من الثلاثة، وبقي مع ورثته ضعف ذلك، وهو جزءان، ورجع إلى الأول جزء واحد، فصار معه ثمانية عشر جزءاً، وهو ضعف التسعة الأجزاء التي وهبها، فاعتدلت المسألة على الحساب.
طريقة السهام: أن تطلب عدداً له ثلث ولثلثه ثلث ولثلث ثلثه ثلث، لأن الهبات ثلاث، وأقل ذلك سبعة وعشرون، فنجيز الهبة الأولى في ثلثها، وهو تسعة، وقد علمت أنه يرجع من التسعة سهمٌ إلى الواهب الأول، وهو سهم الدور، فأسقطه من البين، وحُطَّه من العدد المفروض وهو سبعة وعشرون فيبقى ستةٌ وعشرون، فهي سهام العبد، وتصح الهبةُ في تسعة من ستة وعشرين، كما خرج بالعمل الأول.
طريق الدينار والدرهم: أن نجعل العبد ديناراً ودرهماً ونجيز هبة الأول في درهم، وهبةَ الثاني في ثلث ذلك الدرهم، وهبة الثالث في ثلث ذلك الثلث، وهو تسع درهم، فيرجع إلى الأول تُسعٌ، فيحصل معه دينار وتسعُ درهم، يعدل درهمين، فأسقط تسعَ درهم بمثله قصاصاً، فيبقى دينار يعدل درهماً وثمانيةَ أتساع درهم، فابسطهما جميعاً أتساعاً، واقلب الاسم، فيصير الدينار سبعةَ عشرَ، والدرهمَ تسعة، ومجموعهما ستةٌ وعشرون، وعادت الهبة إلى تسعة من ستةٍ وعشرين، كما خرج بالعمل الأول.
6985- فإن كان قد وهب المريض الأول من المريض الثاني العبدَ، فوهب المريض الثاني ما صح له من مريض ثالث، ومن المريض الأول جميعاً، ثم وهب الثالث ما صح له بالهبة من المريض الأول، فطريق الحساب أن نقول: جازت هبة الأول في شيء من العبد، وبطلت تقديراً في عبدٍ إلا شيئاً، وصحّت هبة الثاني في ثلث شيء يكون بين الأول والثالث نصفين، لكل واحد منهما سدس شيء، فيحصل مع الأول عبدٌ إلا خمسة أسداس شيء، ويحصل للثالث سدس شيء، وهبتُه تصح في ثلث ذلك، وهو ثلث سدس، وذلك جزء من ثمانية عشر جزءاً من شيء، فيرجع إلى الأول من الثالث ثلث سدس شيء، وقد رجع إليه من الثالث سدس شيء، فيحصل معه عبدٌ إلا أربعة عشرَ جزءاً من ثمانيةَ عشرَ جزءاً من شيء، يعدل شيئين، فنجبر ونقابل، ونبسط بأجزاءِ الثمانيةَ عشرَ، ونقلب الاسم فيهما، فيكون العبد خمسين، والشيء ثمانية عشر.
فتصح هبة الأول في ثمانيةَ عشرَ جزءاً من خمسين جزءاً من العبد وتبطل في اثنين وثلاثين جزءاً منها، وتصح هبة الثاني في ثلث الثمانيةَ عشرَ، وهو ستة، نصفها للأول، ونصفها للثالث، وهو ثلاثة، وتصح هبة الثالث في جزء من الثلاثة، فيرجع إلى الأول من الثاني ثلاثة، ومن الثالث جزء، فيحصل معه ستة وثلاثون جزءاً من خمسين جزءاً من العبد، وهي ضعف الثمانيةَ عشرَ جزءاً التي وهبها.
هذا قياس الباب.
6986- مسألة: في رجوع الموهوب إلى الواهب، وله شيء من التركة سوى الموهوب.
وهب المريض عبداً يساوي ألف درهم من مريضٍ وأقبضه إياه، فوهبه الموهوب له من الواهب الأول وأقبضه وماتا جميعاً من مرضهما، وخلّف الواهب الأول ألف درهم سوى العبد الموهوب.
فنقول: نفذ بالهبة الأولى شيء من العبد، وبطلت الهبة في عبد إلا شيئاً، ورجع إلى الواهب ثلثُ شيء، بالهبة الثانية، وبقي معه عبد إلا ثلثي شيء، ومعه ألف درهم هي مثلُ قيمة العبد.
فنقول: كان معه في التقدير عبدان إلا ثلثي شيء، يعدل شيئين، فنجبر ونقابل، فيكون عبدان يعدلان شيئين وثلثي شيء، فنبسطهما أثلاثاً، ونقلب الاسم، فيكون العبد ثمانية والشيء ستة، وهو ثلاثة أرباع الثمانية، فتصح هبةُ الأول في ثلاثة أرباع العبد، ويبطل في ربعه، ويرجع إليه بهبة الثاني ربعه ومعه من التركة مثلُ قيمة العبد، فقد حصل معه عبدٌ ونصفٌ: ضعفُ ما وهب.
طريقة السهام: أن نأخذ عدداً له ثلث، ولثلثه ثلث، وأقله تسعة، وقد علمت أنه يرجع إليه ثلث ما تصح هبته فيه، وذلك سهمٌ من الثلاثة، هو واحدٌ، فذلك سهمُ الدور، فأسقطه من التسعة، تبقى ثمانية، وهي سهام العبد، ثم خذ الثلاثة التي عزلتها للهبة، وزد عليها مثلَها؛ لأن التركة مثلُ قيمة العبد، فتكون ستة، فانسب الستة إلى الثمانية، تكون ثلاثة أرباعها، فتصح هبته في ثلاثة أرباع العبد، وبيان ذلك أنا عزلنا من العبد الأول ثلاثة، فيجب أن نزيد بسبب التركة ثلاثة أخرى؛ فإن التركة الزائِدة مثلُ العبد، فقد اجتمع ستة أسهم فننسبها إلى عدد سهام العبد وهو ثمانية فتقع ثلاثة أرباع العبد.
طريقة الدينار والدرهم: أن نجعل العبد ديناراً ودرهماً، ونُجيز الهبة في درهم منه، يبقى من العبد دينار، فيرجع إليه بالهبة الثانية ثلث درهم، ومعه من التركة مثلُ قيمة العبد، فيجتمع معه ديناران ودرهم، وثلث درهم، وذلك يعدل درهمين، فنسقط درهماً وثلثاً قصاصاً، يبقى ديناران يعدلان ثلثي درهم، فنبسطهما أثلاثاً، فيكون الدينار ستة، والدرهم اثنين، فنقلب الاسم فيهما، فيكون الدينار اثنين، والدرهم ستة، ومجموعهما ثمانية، والستة من الثمانية ثلاثة أرباعها.
6987- ولو كانت التركة الزائدة مثلَ نصف قيمة العبد، لقلنا جازت هبته في شيء من العبد، ورجع إليه ثلث شيء، فمعه عبد إلا ثلثي شيء، ومعه مثل نصف عبد، فجميع ذلك عبدٌ ونصف عبد إلا ثلثي شيء يعدل شيئين، فنجبر ونقابل فيكون عبد ونصفٌ يعدل شيئين وثلثي شيء، فمعنا كسرُ النصف والثلث، فنضرب الجانبين في مخرج النصف والثلث، وهو ستة، فيكون العبد تسعة، والشيء ست عشرة، فنقلب الاسم، فيكون العبد ستة عشر، والشيء تسعة، فتصح هبةُ الأول في تسعة أجزاء من ستةَ عشرَ جزءاً من العبد، وتبطل في سبعة أجزاء منه، ويرجع إليه بالهبة الثانية ثلاثةُ أجزاء، فيجتمع من العبد عشرةٌ، ومعه مثلُ نصف العبد، وذلك ثمانية أجزاء، فالمجموع معه ثمانية عشر جزءاً، وهو ضعف التسعة الأجزاء التي نفذت الهبة فيها.
6988- مسألة: في عَوْد الموهوب إلى الواهب، وعلى الواهب الأول دينٌ، فنقول: إن كان الدين على الواهب الأول مثل قيمة العبد أو أكثر منها، بطلت الهبة أصلاً.
وإن كان الدينُ أقلَّ من قيمة العبد، فتصح الهبة في البعض، فنقول: قيمة العبد ألفٌ، فوهبه من مريضٍ ثانٍ، وأقبضه إياه، ثم وهبه المريض الثاني من الأول، وعلى الأول دينٌ، خَمسُ مائة، فالطريق أن نقول: صحت هبة الأول في شيء من العبد، وبطلت في عبدٍ إلا شيئاً ورجع إليه بالهبة الثانية ثلثُ شيء، فبقي معه عبد إلا ثلثي شيء، يقضي منه الدين، وهو مقدار نصف عبد، فبقي مع الورثة نصفُ عبد إلا ثلثي شيء يعدل شيئين، فنجبر نصف العبد بثلثي شيء، ونزيد على عديله مثلَه، فيكون نصف عبد يعدل شيئين وثلثي شيء، فنبسطهما بمخرج النصف والثلث، فنضربهما في ستة، فيكون العبد ثلاثة والشيء ستة عشر، فنقلب الاسم، فيكون العبد ستةَ عشرَ، والشيء ثلاثة.
ولا ننظر في منزلة القلب لكون ما في يد الورثة نصف عبد، فإنا نجعل عبداً في تقدير عبد قائم، والذي نذكره في قلب الاسم واقعٌ بين الجنسين من غير التفات إلى الجزء والعدد.
فخرج منه أن هبة الأول، صحّت في ثلاثة أجزاء من ستةَ عشرَ جزءاً من العبد، وتبطل في ثلاثةَ عشر جزءاً منه، فيرجع إليه بالهبة الثانية جزءٌ من الثلاثة، فيحصل أربعة عشر جزءاً، فنقضي منه الدين، وهو ثمانية أجزاء مثلُ نصف العبد، يبقى مع الورثة ستةُ أجزاء من ستةَ عشر جزءاً من العبد، وهي ضعف ما صحت الهبة فيه.
6989- مسألة: في رجوع الهبة إلى الواهب الأول، وللواهب الثاني تركة.
مريض وهب عبداً قيمته ألف من مريض آخر، ووهبه المريض الثاني من الأول، وليس للأول مالٌ غيرُ العبد، وللمريض الثاني ألفُ درهم، مثلُ قيمة العبد، فنقول: جازت هبةُ الأول في شيء من العبد، فصار مع الثاني ألفٌ وشيء، صحّت هبتُه في ثلث ذلك، وهو كثلث عبدٍ وثلث شيء، فيرجع ذلك إلى الأول، فيجتمع مع ورثة الأول عبدٌ وثلث عبد إلا ثلثي شيء، وذلك أن مع الواهب الثاني عبدٌ وشيء، فإذا صححنا هبته في ثلث ما في يده، كان عبداً وثلثَ شيء.
فقد رجع إلى الأول ثلثُ عبد، وثلثُ شيء، وكان معه عبدٌ ناقص شيئاً، فنسقط منه جزء الشيء، وهو ثلث شيء، ونضم إلى العبد ثلثَ عبدٍ، فيحصل عبدٌ وثلثُ عبد إلا ثلثي شيء، وذلك يعدل شيئين، ضعفَ التبرع، فبعد الجبر والمقابلة، يكون عبد وثلث عبد يعدل شيئين وثلثي شيء، فنبسطهما أثلاثاً، فيكون العبد أربعة، والشيء ثمانية، فنقلب الاسم، ونقول: العبد ثمانية، والشيء أربعة، فقد صحت الهبة في نصف العبد، وتصح هبة الثاني في جميع ذلك النصف، لأنه يبقى لورثته الألفُ التي هي قيمة هذا الضعف، فيحصل مع ورثة الأول عبد كامل، وهو ضعف الذي صحت الهبة، وخرجت المسألة مقوَّمة.
6995- مسألة: في رجوع الهبة إلى الواهب الأول بالهبة من الثاني، وعلى الواهب الثاني دين.
وهب في مرضه عبداً قيمته ألفٌ من مريضٍ، وأقبضه إياه، ثم إن المريض الثاني وهبه من المريض الأول وأقبضه، وماتا، ولا مال لهم غيرُ العبد، وعلى الواهب الثاني ديْنٌ مائتا درهم.
فنقول: صحت هبة الأول في شيء من العبد، وبطلت في عبد إلا شيئاً، نقضي من الشيء دينَ الواهب الثاني، وهو مثل خُمس عبد، يبقى شيء إلا خُمسَ عبد، فتصح هبةُ الثاني في ثُلثه، وهو ثُلث شيء إلا ثلث خُمس عبد، فيرجع ذلك إلى الواهب الأول، وفي يده عبد إلا شيء، فيصير الآن بعد رجوع ما رجع إليه في يده أربعةَ عشرَ جزءاً من خمسةَ عشرَ جزءاً من عبد إلا ثلثي شيء، تعدل شيئين، فإذا جبرنا وقابلنا، تكون أربعةَ عشرَ جزءاً من خمسةَ عشرَ جزءاً من عبد، تعدل شيئين، وثلثي شيء، فنبسط الجميع بالضرب في خمسةَ عشرَ، فيكون العبد أربعةَ عشرَ، والشيءُ أربعين، فنقلب الاسم، فيكون العبد أربعين، والشيء أربعة عشر، فتصح هبة الأول في أربعة عشرَ جزءاً من أربعين جزءاً من العبد، وبطل في ستةٍ وعشرين جزءاً منه، وحصل في يد الموهوب له أربعة عشر جزءاً يقضي منه دينَه، وهو مثل خمس العبد، وذلك ثمانية أجزاء من أربعين، يبقى معه ستة أجزاء تصح هبتُه في ثلثها، وهو جزءان، فيرجع إلى الواهب الأول جزءان ويحصل في يده ثمانيةٌ وعشرون جزءاً من أربعين جزءاً من العبد، وذلك ضعف الأربعةَ عشر جزءاً التي خرجت بالهبة.
فإن كان الدين على الواهب الثاني مثل ثلاثة أثمان قيمة العبد أو أكثر، صحت هبة الأول في ثلث العبد، وقُضي به دينُ الواهب الثاني، وبطلت هبةُ الثاني بالكلية، ولم يكن في المسألة دور؛ إذا لم يكن لهما مال إلا العبد.
6991- مسألة: إذا وهب المريض عبداً قيمتُه ألفٌ من مريض وأقبضه إياه، ثم وهبه المريض الثاني من الواهب الأول وأقبضه، ثم ماتا، وخلّف كلُّ واحد منهما ألفاً أخرى سوى العبد.
فنقول: صحت هبةُ الأول في شيء من العبد، وبطلت في عبد إلا شيئاً، فحصل مع الموهوب له الأول ألفٌ وشيء، والألفُ مثلُ العبد، فنقول: معه عبدٌ وشيء، وتصح هبته في ثلث ذلك، وهو ثلث عبدٍ وثلث شيء، فيرجع ذلك إلى الواهب الأول ومعه عبدٌ إلا شيء، وألفٌ هي مثل قيمة العبد، فيحصل معه عبدان إلا شيئاً، فنزيد عليه ثلثَ عبد، وثلث شيء، فيحصل معه عبدان وثلث عبد إلا ثلثي شيء، يعدل شيئين.
وإذا جبرنا وقابلنا، فعبدان وثلث يعدلان شيئين وثلثي شيء، فنبسطهما أثلاثاً، ونقلب الاسم، فيكون العبد ثمانية، والشيء سبعة، وتصح هبة الأول في سبعة أثمان العبد، وتبطل في ثُمنه، ويحصل في يد الموهوب له سبعة أثمان العبد ومعه ألفٌ كقيمة العبد، فهي ثمانية أجزاء، فقد حصل معه خمسةَ عشرَ جزءاً، تماثل ثمانيةٌ منها عبداً، فتصح هبته في ثلثها، يدفعها من جملة سبعة الأجزاء من العبد، فيرجع إلى الواهب الأول هذه الأجزاء الخمسة، وكان معه جزءٌ من العبد، وهو ثمنه، ومعه ألفٌ، هي ثمانية أجزاء، فاجتمع معه أربعة عشرَ جزءاً، وهو ضعف السبعة التي جازت الهبة فيها أولاً.
هذا إذا كان لكل واحد منهما تركة زائدة.
6992- فلو كان على كل واحد منهما دين خَمسُ مائة درهم، فنقول: الفتوى أن هبة الأول تصح في سدس العبد، وبطلت هبة الثاني؛ لأن دينه يستغرق ما صحّ له بالهبة.
وامتحان ذلك أن نقول: صحت هبة الأول في سدس العبد، وبطلت في خمسة أسداسه، ولم يرجع إليه شيء؛ لأن السدس الذي صحت الهبة فيه يذهب في دين الموهوب له، فنقضي دين الواهب، وهو نصف عبد من خمسة أسداس عبد، يبقى مع ورثته ثلثُ عبد، وهو ضعف السدس التي صحت فيه الهبة.
فإن كان الدين على أحدهما دون الآخر، فقد أوضحنا حكمَ ذلك من قبل.
وإن اجتمع الدين والتركة في شق أحدهما دون الآخر، فقد أوضحنا حكمَ ذلك من قبلُ.
وإن اجتمع الدين والتركة في شق أحدهما، أو في الجانبين، نقابل الدين والتركة؛ فإن استويا، فكأن لا دينَ ولا تركة ولا مال سوى العبد، فإن زاد الدين، سقطت التركة، ووقع الكلام في مقدار الدين الفاضل من التركة.
وإن كانت التركة أكثر، أسقطنا عنها بمقدار الدين، ورددنا الكلام إلى التركة الفاضلة من الدين، ولا يخفى الحكم.
6993- مسألة: في الزيادة والنقصان بعد الهبة.
فنقول: حكم الزيادة في الهبة كحمكها في أبواب العتق، وكذلك حكم النقصانِ في الهبة كحكم النقصان في العتق، إلا أن ما كان منهما محسوباً للعبد وعليه، فيكون مقداره إذا كان زيادة محسوباً للعبد وعليه، فيكون مقداره إذا كان زيادة محسوباً للموهوب له، وما حسب على العبد، فهو محسوب على الموهوب له، وما حسب في العتق على ورثة المعتِق، فهو محسوب على ورثة الواهب.
6994- فإذا وهب مريض عبداً من غيره، فأقبضه، فزاد في قيمته مثلُها، فتصح هبتُه في نصف العبد، وقيمة هذا النصف يوم الموت مائة مثلاً، وكانت يوم الهبة خمسون، فهي محسوبة على الموهوب له بخمسين، ويبقى لورثة الواهب نصفُه، وقيمتُه يوم الموت مائة، وهي ضعف الخمسين المحسوبة على الموهوب له.
وإن كانت قيمته يوم الهبة مائة، فنقصت، ورجعت إلى خمسين، ومات الواهب، ولا مال له غيره، وصحت الهبة في خُمس العبد، وقيمته يوم الهبة عشرون، ويوم الموت عشرة. فتلك الزيادة محسوبة على الموهوب له، فالعشرة محسوبة بعشرين اعتباراً بوقت الهبة.
وما أطلقناه من وقت الهبة عَنَينا به وقتَ الإقباض؛ إذ به تتم الهبة، والتعويل عليه.
6995- فإن اجتمع في الموهوب زيادةٌ من وجه ونقصانٌ من وجه، قوبل بينهما، كما تقدم في أبواب الدور في العتق.
فلو وهب المريض عبداً قيمته مائة، لا مال له غيره، فأقبضه إياه، فزادت قيمته في يد الموهوب له، فبلغت مائتين، ثم وهب الموهوب له العبدَ من الواهب في مرضه، وأقبضه إياه، ثم ماتا، لا مال لهما غيره، ولا دين عليه، فنقول: صحت هبة الأول في شيء من العبد محسوبٍ على الموهوب له بنصف شيء، وبقي مع الواهب الأول عبدٌ إلا شيء، وصحت هبةُ الثاني في ثلث الشيء الحاصل معه، فصار مع الأول عبد إلا ثلثي شيء يعدل ضعف المحسوب على الموهوب له، والمحسوب عليه نصف شيء، وضعفه شيء، فيكون عبد إلا ثلثي شيء يعدل شيئاً، فبعد الجبر والمقابلة يعدل عبدٌ كامل شيئاً وثلثي شيء، فنبسطهما أثلاثاً، ونقلب العبارة في الجانبين، فيكون العبد خمسة، والشيء ثلاثة، فتصح الهبة أولاً في ثلاثة أخماس العبد، قيمتها يوم الهبة ستون درهماً، وبهذا الحساب تُحسب على الموهوب له، وقيمتها يوم الموت مائة وعشرون، وتصح هبة الثاني في ثلثها، وهو أربعون، وبقي مع ورثته ثمانون، ورجع أربعون إلى الواهب الأول، وكان معه خُمسا العبد، وقيمته يوم الموت ثمانون، فإذا زدنا عليها الأربعين، صار مائةً وعشرين، وهي ضعف الستين المحسوبة على الموهوب له الأول.
6996- ولو وهب المريض من مريض وقيمة العبد مائة، فنقصت قيمته في يد الموهوب حتى نقصت إلى خمسين، ثم وهبه الثاني من الأول، قلنا: صحت هبة الأول في شيء من العبد، وهو محسوب على الموهوب له بشيئين، بقي مع الواهب الأول عبدٌ إلا شيء، ورجع إليه بالهبة الثانية ثلث شيء، فحصل معه عبد إلا ثلثي شيء، يعدل ضعفَ المحسوب على الموهوب له الأول، وهو أربعة أشياء، فبعد الجبر يكون عبدٌ كامل يعدل أربعة أشياء، وثلثي شيء، فنبسطهما أثلاثاً، ونقلب العبارة فيكون العبد أربعةَ عشرَ، والشيء ثلاثة، فتصح الهبة في ثلاثة أجزاء من أربعةَ عشرَ جزءاً من العبد، وهي محسوبة على الموهوب له بستة أجزاء، فبقي مع الواهب الأول أحد عشر جزءاً، ورجع إليه بالهبة الثانية جزء من الأجزاء الثلاثة، فاجتمع معه اثني عشر، وهي ضعف الأجزاء المحسوبة.
هذا قياس الباب.
6997- مسألة: تقدم نظيرها فنجدد العهد بها في هذا النوع.
لو وهب المريض عبداً قيمته مائة، فمات في يد الموهوب له، ثم مات الواهب. فهذا يخرج على القياس بخلاف المقدم المذكور في موت المعتَق قبل موت المولى، ففي وجهٍ نقول: الهبة جائزة منفذة في جميع العبد؛ لأنه لم يبق حتى يجري فيه الميراث، وهو كهبة الصحيح.
والثاني: أن الهبة باطلة في الجميع؛ لأنها في معنى الوصية، ولا يثبت من الوصية جزءٌ ما لم يثبت الإرث في جزأين.
فإن قلنا: الهبة صحيحة في الجميع، فلا كلام.
وإن قلنا: الهبة باطلة، فقد ذكر الأستاذ تردداً في أن الضمان هل يجب؟ قال: من أصحابنا من قال: لا يجب الضمان؛ فإن يد المتهب ليست يدَ ضمان، فلتكن يدَ أمانة.
ومن أصحابنا من قال: يجب الضمان؛ لأنه قبض لنفسه، فكانت يده كيد المستعير، والأولى أن نقول عن يد المستعير: إنها تضمن؛ لأنه قبض ليردّ، وما كان مضمون الرد، كان مضمون القيمة، والمتهب ما قبض ليرد ما اتهب، وليست الهبات من عقود العهد والبياعات.
وهذا الخلاف يجري في كل هبة تجري على الفساد، وقد ذكرنا أصل ذلك في الغصوب عند ذكرنا الخلاف في أن المتّهب من الغاصب على جهلٍ هل يستقر الضمان عليه، فإن قلنا: يستقر الضمان عليه، فقد جعلناه يدَ ضمان، وإن قلنا: لا يستقر الضمان عليه، فقد جعلناه يدَ أمانة.
6998- فلو اكتسب العبد ألفاً في يد المتهب، ثم مات العبد ومات الواهب بعده، فنقول: صحت الهبة في شيء منه، وللموهب له عشرة أشياء من كسبه، وليست محسوبةً عليه من الوصية، وللورثة باقي الكسب، وهو ألف درهم إلا عشرة أشياء، وذلك يعدل شيئين، فالألف اثنا عشر شيئاً، فإنا إذا قلنا: ألفٌ إلا عشرة أشياء تعدل شيئين فكأنا قلنا: ألفٌ إلا عشرة أشياء شيئان، فالألف اثنا عشرَ شيئاً؛ فإن معنى تمام الألف رد عشرة أشياء، فالشيء إذاً نصفُ سدس المال وهو ثلاثة وثمانون درهماً وثلث، وهذا المقدار خمسةُ أسداس العبد، فنقول: صحت الهبة في خمسة أسداسه، وبطلت في سدسه، فلورثة الواهب سدس كسبه، وهو مائة وستة وستون وثلثان، وهو ضعف ما جازت الهبة فيه، ولا يحسب سدس العبد إلا على ورثة الواهب؛ فإنه مات قبل موت الواهب، فلم يبق للورثة؛ فلهذا لم يدخل العبد في حساب ما تبقى للورثة، ويحسب على الموهوب له بما تلف من وصيته، لأنه تلف في يده.
ومن قال من أصحابنا: تتم الهبة فيه إذا مات قبل موت الواهب، فتكون جميع الأكساب على هذا الوجه للموهوب له، لا حظ فيه لورثة الواهب.
6999- وهذه المسألة بيّنة، ولكنا نزيدها وضوحاً، فنقول: أما الوجه الأخير، فقياسه لائح، فإنا إذا صححنا الهبة في الجميع، لم نحسب من الكسب شيئاً على الموهوب له.
وإن فرعنا على الوجه الثاني، وهو الأصح الذي قدمنا التفريع عليه، فإن لم يكن كسبٌ، حكمنا ببطلان الهبة في الجميع؛ من جهة أنه لم يَجْرِ في شيء إرثٌ. فإذا كان كسبٌ كما صورنا، فبقي للواهب تركةٌ، فيجب لأجل بقاء شيء من التركة تصحيحُ شيء من الهبة على ما يقتضيه الحساب، ولا يتبعه فيما تبقى تركة، ولا نظر إلى فوات العين بعد بقاء التركة وماليتها. وهذا واضح.
ولكنا أحببنا التنبيه عليه، ليميز الناظر بين الوجهين.
والذي يجب القطع به في هذا المقام الوجهُ الذي قدمناه، وذكرنا حسابه؛ فإنا إنما نتبع الكسب من غير احتساب به إذا صحح حساب نسبة التركة ملكاً في أصلٍ، وهاهنا إذا صححنا الهبة حيث لا كسب فسببه عدمُ التركة، فضعف هذا الوجه جداً في هذا المقام.
7000- مسألة: في رجوع الهبة إلى الوارث بالميراث:
مريض وهب من أخيه ألف درهم، لا مال له غيره، فمات أخوه قبله، وخلّف بنتاً وأخاه الواهب، ثم مات الواهب.
فنقول: صحت الهبة في شيء من الألف، وبطلت في الألف إلا شيئاً، ورجع إليه الميراثُ نصفَ الشيء الذي صحت الهبة فيه، فبقي معه ألفٌ إلا نصفَ شيء، وذلك يعدل شيئين، فنجبر ونقابل، فيكون ألف يعدل شيئين ونصف شيء، فالشيء خمسا الألف، فتصح هبته في خمسي الألف، وهو أربعمائة، وبطلت في ستمائة، ورجع إليه بالميراث نصف الأربعمائة، فيحصل مع ورثته ثمانمائة، وذلك ضعف الأربعمائة التي صحت فيها الهبة.
7001- ولو وهب المريض من أخيه عبداً قيمتُه ألفُ درهم وسلّم، ثم مات الموهوب له قبل الواهب، وخلف بنتين وأخاه الواهب، ثم مات الواهب ولا مال لهما غيرُ العبد.
فنقول: صحت الهبة في شيء من العبد، وبطلت في عبد إلا شيئاً، ورجع إليه بالميراث ثلث ذلك الشيء، فبقي معه عبدٌ إلا ثلثي شيء يعدل شيئين. وإذا جبرنا وقابلنا، فعبدٌ كامل يعدل شيئين وثلثي شيء، فنبسطها أثلاثاً، ونقلب الاسمَ فيهما، فيكون العبدُ ثمانية والشيء ثلاثة، وهي ثلاثة أثمانه، فصحت الهبة في ثلاثة أثمان العبد، وبطلت في خمسة أثمانه، ورجع إليه ثلث ما صحت فيه الهبة، فيجتمع معه ستة أثمان العبد، وهي ضعف ما صحت الهبة فيه.
فإن مات الموهوب له قبل الواهب، وخلف امرأة وبنتاً وأخاه، صحت الهبة في شيء، وبطلت في شيئين، وبعد الجبر والمقابلة يعدل عبدٌ شيئين، وخمسة أثمان شيء، نبسطها أثماناً، ونقلب الاسم، فيكون العبد أحداً وعشرين، والشيء ثمانية، وتصح الهبة في ثمانية أجزاء من أحد وعشرين جزءاً من عبد، وبطلت في ثلاثةَ عشرَ جزءاً منه، ورجع إليه بالميراث ثلاثة أجزاء، فحصل معه ستةَ عشرَ جزءاً، وهي ضعف الثمانية.
هذا قياس الباب.
7002- مسألة: مريض وهب عبداً من أخيه قيمته ألفٌ، فمات أخوه قبله، وخلّف بنتاً واحدة وأخاه الواهب، ثم مات الواهب، وخلف مائتي درهم سوى العبد.
قلنا: صحت هبته في شيء من العبد، وبطلت في عبد إلا شيئاً، ورجع إليه بالميراث نصفُ شيء، ومعه من التركة مثلُ خمس عبد، فالحاصل معه عبدٌ وخمس عبد إلا نصف شيء، يعدل شيئين، فبعد الجبر والمقابلة عبد وخمس عبد يعدل شيئين ونصف شيء، فنضرب كل واحد منهما في مخرج النصف والخُمس، وهو عشرة، فيكون العبد والخمس اثني عشر، والشيء خمسةً وعشرين، فنقلب الاسم فيهما، فيكون العبد والخُمس خمسةً وعشرين، والشيء اثنا عشر، فتصح هبته في اثني عشر جزءاً من خمسةِ وعشرين جزءاً من العبد وتبطل في ثلاثةَ عشر جزءاً منه، وترجع إليه بالميراث ستةُ أجزاء، ومعه من التركة مثلُ خُمس العبد، وذلك خمسة.
فيجتمع معه أربعةٌ وعشرون جزءاً، وهي ضعف الاثني عشر الذي صحت الهبة فيه.
7003- فإن لم يكن له تركة، وكان عليه دينٌ مائتين، قلنا: صحت الهبة في شيء من العبد وبطلت في عبد إلا شيئاً، ورجع إليه بالميراث نصف شيء، فبقي معه عبدٌ إلا نصفَ شيء، نقضي منه دينَه، وهو مثلُ خمس عبد، يبقى أربعة أخماس عبد إلا نصفَ شيء، يعدل شيئين، فبعد الجبر والمقابلة يكون أربعة أخماس عبد تعدل شيئين ونصفاً، فنضرب كل واحد منهما في مخرج النصف والخمس، وهو عشرة، ونقلب الاسمَ فيهما بعد البسط، فيكون العبد خمسةً وعشرين، والشيء ثمانيةً، فتصح هبته في ثمانية أجزاء من خمسةٍ وعشرين جزءاً من العبد، وتبطل في سبعة عشرَ جزءاً منه، ويرجع إليه بالميراث نصف الثمانية، فيصير معه أحدٌ وعشرون جزءاً، نقضي منه دينه وهو مثل خمس العبد، وهو خمسة أجزاء، يبقى ستة عشر، وهو ضعف الثمانية الأجزاء التي صحت الهبة فيها.
7004- مسألة: وهب المريض عبداً قيمته ألفُ درهم من أخيه، فمات أخوه قبله، وخلّف بنتاً وألفاً سوى العبد، فنقول: صحت في شيء من العبد، وبطلت في عبدٍ إلا شيئاً، وحصل مع الموهوب له شيء، وألفُ درهم، يرجع نصف ذلك إلى الواهب بالميراث، وهو نصف شيء ونصف عبد؛ فإن العبد قيمته ألف، فحصل مع ورثة الواهب عبدٌ ونصفٌ إلا نصفَ شيء، تعدل شيئين، وإذا جبرنا وقابلنا، فعبد ونصفٌ يعدل شيئين ونصفاً فنبسطها أنصافاً ونقلب العبارة، فيكون العبد خمسة والشيء ثلاثة.
فإذا صحت الهبةُ في ثلاثة أخماس العبد وقيمته ستُّمائة، يبقى مع الواهب خمساه، والقيمة أربعمائة، ويحصل مع الموهوب له ألفٌ وستمائة، يرجع نصفها إلى الواهب بالميراث، فيحصل مع الواهب ألفٌ ومائتان، وهي ضعف الستمائة التي جازت الهبة فيها.
7005- فإن لم يكن للموهوب له تركة، وكان عليه دين مائتي درهم، فنقول: صحت الهبة في شيء من العبد، وبطل في عبدٍ إلا شيئاً، فحصل مع الموهوب له شيء، يقضي منه دينه، وهو مثلُ خُمس العبد، يبقى شيء إلا خُمس عبد، يرجع نصفه بالميراث إلى الواهب، وهو نصف شيء إلا عُشر عبد، فتحصل معه تسعة أعشار عبد إلا نصفَ شيء، يعدل شيئين.
وبعد الجبر والمقابلة يكون تسعة أعشار عبد في معادلة شيئين ونصف، فنضرب كل واحد منهما في مخرج يكون له نصف وعشر، وهو عشرة، ثم نقلب الاسم بعد البسط، فيكون العبد خمسة وعشرين، والشيء تسعة، فتصح هبته في تسعة أجزاء من خمسة وعشرين جزءاً من العبد، وتبطل في ستة عشر جزءاً، ويحصل مع الموهوب له تسعة أجزاء يقضي منها دينَه، وهو خمسة أجزاء، تبقى معه أربعة أجزاء، يرجع منها جزءان إلى الواهب بالميراث، فتحصّل معه ثمانيةَ عشرَ جزءاً، وهي ضعف التسعة الأجزاء التي صحت الهبة فيها.
7006- وإن خلف كُّل واحدٍ منهما خَمسمائة درهم سوى العبد، قلنا: صحت الهبة في شيء، وبطلت في عبدٍ إلا شيئاً، وحصل مع الموهوب له شيءٌ ونصف عبد، لأن الخمسَمائة نصف عبد، ويرجع نصف ذلك إلى الواهب، وهو ربع عبد، ونصفُ شيء، وكان مع الواهب عبدٌ إلا شيء ومقدارُ نصف عبد، وهو خَمسُمائة، ويرجع إليه ربع عبد ونصفُ شيء، فمعه عبدٌ وثلاثة أرباع عبد إلا نصفَ شيء، وذلك يعدل شيئين.
وإذا جبرنا وقابلنا يكون عبدٌ وثلاثة أرباع عبد تعدل شيئين ونصف شيء، فنبسطهما أرباعاً، ونقلب الاسم فيهما، فيكون العبد عشرة والشيء سبعة، وقد صحت الهبة في سبعة أعشار العبد، وقيمتها سبعُمائة، وحصل مع الموهوب له هذه السبعُمائة، ومعه من التركة خَمسُمائة، فذلك ألفٌ ومائتان، يرجع نصفها، وهو ستُّمائة إلى الواهب، وكان معه من العبد ثَلاثُمائة، ومن التركة خَمسُمائة فيجتمع معه ألفٌ وأربعُمائة، وهي ضعف السبعمائة التي صحت الهبة فيها.
7007- مسألة: إذا كان الزوجان مريضين، ولكل واحد منهما مائة درهم، فوهب كل واحد منهما مائةَ لصاحبه، وأقبضه ثم ماتا، وخلف كل واحد منهم أخاً، نظر، فإن ماتت المرأة أولاً، بطلت هبتها للزوج؛ لأنه وارثها، وتنفذ الهبة للمرأة من جهة الزوج. فنقول: نفذت هبة الزوج في شيء من المائة التي كانت له، وورث الزوج عنها نصفَ ذلك الشيء، مع نصف المائة التي كانت لها، فيجتمع لورثة الزوج مائةٌ وخمسون درهماً، إلا نصف شيء تعدل شيئين، فبعد الجبر يكون مائة وخمسون درهماً، تعدل شيئين ونصف شيء، فالشيء خمسا المائة والخمسين، وذلك ستون درهماً، فتصح هبة الزوج في ستين، وتبطل في أربعين، وتحصّل في يد المرأة مائة وستون درهماً يرجع نصفها، وهو ثمانون درهماً، للزوج، فيجتمع له مائةٌ وعشرون وهو ضعف ما جازت الهبة فيه.
7008- وإن كان الزوج قد مات أولاً، بطلت هبته للمرأة؛ لأنها وارثةٌ له، وتصح هبة المرأة للزوج في شيء من المائة.
فنقول: صحت هبتها في شيء من المائة التي لها، وبطلت الهبة في مائة إلا شيئاً، وورثت المرأة عنه ربع ذلك الشيء، وربع مائةٍ، واجتمع مع ورثتها مائة وخمسة وعشرون درهماً إلا ثلاثة أرباع شيء، يعدل شيئين بعد الجبر والمقابلة يكون مائة وخمسة وعشرون درهماً تعدل شيئين وثلاثة أرباع شيء.
وإذا أردنا أن نعرف حصة الشيء الواحد من شيئين وثلاثة أرباع من جملة مائة وخمسة وعشرين، قسمناها على أحد عشر، وذلك بأن نبسط الشيئين والثلاثة الأرباع أرباعاً، ثم نقسم مائة وخمسة وعشرين على أحد عشر، فيخص كلَّ واحدٍ أحدَ عشر درهماً وأربعةَ أجزاء من أحدَ عشرَ جزءاً من درهم، هذا حصة ربع شيء مما معنا من مائة وخمسة وعشرين، وحصة الشيء خمسة وأربعون، وخمسة أجزاء من أحد عشر جزءاً من درهم فقد صحت هبتها في هذا المقدار، وبقي معها أربعة وخمسون درهماً وستةُ أجزاء من أحدَ عشرَ جزءاً من درهم، فاجتمع مع الزوج مائة وخمسة وأربعون وخمسة أجزاء من أحد عشر جزءاً يكون ربعها للمرأة، وذلك ستة وثلاثون درهماً وأربعة أجزاء من أحدَ عشرَ جزءاً من درهم، فنزيد ذلك على ما كان قد بقي معها، فيجتمع مع ورثتها تسعون درهماً وعشرة أجزاء من أحد عشر جزءاً من درهم، وذلك ضعف ما وهبت.
7009- وإن كانا قد غرقا معاً وعَمِيَ موتُهما، فلا يرث أحدهما الآخر، وينفذ التبرع من الجانبين إذا انقطع التوارث، فإن التبرع منجّزٌ في المرض.
فسبيل الحساب أن نقول: نفذ للمرأة بهبة الزوج شيءٌ نضمه إلى المائة التي لها، فيكون معها مائة وشيء، فينفذ للزوج من هبتها ثلثُ ذلك، وذلك ثلث شيء، وثلاثةٌ ثلاثون درهماً وثلاثة دراهم وثلث، فنضمه إلى ما في يد الزوج، مما بطلت فيه هبتُه، وذلك مائة درهم إلا شيئاً، فيصير معه مائة وثلاثة وثلاثون درهماً وثلث درهم إلا ثلثي شيء، يعدل شيئين، فبعد الجبر، يكون مائة وثلاثة وثلاثون درهماً وثلث درهم يعدل شيئين وثلثي شيء، فالشيء ثلاثة أثمان ذلك، وهو خمسون درهماً، فهذا هو الجائز بهبة المرأة، فتصح هبة كل واحد منهما في نصف المائة التي له، ولا يتفاضلان.
ولكن لم نجد بداً من تصحيح الهبة، إذ لا مبطل لها في المقدار الذي ذكرناه.
7010- مسألة: مريض وهب عبداً لا مال له غيرُه من مريض، فأقبضه إياه، ثم وهبه المريض الثاني من المريض الأول وأقبضه، ولا مال له غيره، ثم إن الواهب الأول بعد هبة الثاني أعتق العبد.
قد حكى الأستاذ عن ابن سريج أنه قال في هذه المسألة: إنها تصح من أربعة وعشرين، لورثة الواهب الثاني ربعُ العبد ستة أسهم، ويعتِق من العبد تمامُ الثلث، وهو سهمان، وذلك نصف سدس العبد.
ولورثة الواهب الأول ثلثاه.
قال الأستاذ: ذهب حُذاق الأصحاب إلى أن هذا الجواب خطأ، والعتق باطلٌ؛ لأنه بدأ بالهبة قبل العتق؛ فهي مقدمة عليه، والثلث يستغرق الهبة، فكيف ينفذ العتق في شيء من العبد قبل تمام الثلث للموهوب له، وإذا بطل العتق، صحت الهبة في ثلاثة أثمان العبد، ورجع إليه بالهبة الثانية ثمنٌ واحد، فيجتمع مع الورثة ستة أثمانه، وهي ضعف ما صحت فيه الهبة.
وإن كان قد أعتقه أولاً، ثم وهبه عَتَقَ ثلثُه، ورق ثلثه للورثة، وبطلت الهبة. وكذلك لو وهبه في مرضه، ثم أوصى به لآخر بعد الإقباض وإتمام الهبة، صحت الهبة من ثلاثة أثمانه، ورجع الثمن إليه بالهبة الثانية، وبطلت الوصية. وهذه المسألة في وضعها على هذه الصورة خطأ. وما أراها من وضع الأستاذ.
ونحن ننبه على وجه الخطأ، ونوضح وجه الصواب، ونقول: قد وضعنا المسألة فيه أولاً إذا وُهب العبد وسُلِّم، ثم الموهوب له وَهبَ من الواهب الأول وسلَّم، ثم أعتق الواهب الأول، وإذا تُصوِّرت المسألة بهذه الصورة؛ فلا وجهَ إلا ما قاله ابنُ سريج؛ فإنا نُقدّر كأن العتق لم يكن، فيقتضي الحساب إذا جرت الهبة من الثاني من غير عتق أن تصح هبةُ الأول في ثلاثة أثمان العبد، هذا مقتضى الهبة إن تجردت، فإذا فرضنا عتقاً بعد الهبة الثانية، لم ينقص به حق الموهوب له، ولم ينقص من الثلثين الذي هو حق الورثة، فلا معنى لرد ما يكمل الثلث. وهذا ممَّا لا يتمارى فيه، فليقع فرضُ المسألة في أربعة وعشرين حتى يجتمع فيها حساب الأثمان، وإمكان تعديل الثلث والثلثين، وذلك بضرب ثمانية في ثلاثة، فيخرج في هذا المبلغ ثلاثة أثمانه في الهبة الأولى، وهي تسعةٌ، ثم يرجع بالهبة الثانية ثمنٌ، وهو ثلثُ ما صحت فيه الهبة الأولى؛ فيحصل في يد الواهب الأول ثمانيةَ عشرَ، وقد انفصل نصيب الهبتين، فإذا أعتق، لم يكن له إلا استكمال الثلث، بما قدّم وأخر من التبرع، والثلث يكمّل بسهمين.
فهذا حظُّ العتق، وقد وفّينا على الهبة حقَّ تقدّمها، فيبقى لورثة الواهب الأول ستةَ عشرَ، وهي الثلثان وقد انحصر التبرعُ هبةً وعتقاً في الثلث. والسببُ فيه أن الموهوب له وهب مما اتهب، فلم يكن له التنقيص من قبلنا.
فإذاً لا وجه لتخطئة ابن سريج في هذه المسألة؛ فالذي قاله الحقُّ إن كانت المسألة
مصورة على هذا الوجه.
وسنذكر مسألة أخرى وننقل فيها الجوابَ وتخطئةَ الأصحاب له، ونوضح فيها أن الصواب التخطئة، وننعطف إذ ذاك على هذه المسألة ونضع لها صورةً تضاهي الصورةَ الثانية، فعند ذلك يعلم الناظر أن الخطأ في هذه المسألة محمول على واضعها.
7011- مسألة: إذا وهب المريض لامرأته مائةَ درهمٍ، لا مال له غيرُها، وأقبضها إياها، وأوصى بثلث ماله لرجل، فماتت المرأة قبل الزوج، ثم مات الزوج.
حكى الأستاذ عن ابن سريج أنه قال: الهبة مبدأةٌ مقدمة على الوصية، والحساب يقتضي أن نصحح الهبة في أربعين، كما سنذكره، إن شاء الله تعالى.
ثم إذا صحت الهبةُ في أربعين وماتت، رجع نصفُ الأربعين ميراثاً إلى الزوج، وإنما صحت الوصية لها؛ لأنها خرجت عن كونها وارثةً لمّا ماتت قبل الزوج، ثم تحصل في يد الزوج ثمانون درهماً، قال ابن سريج: يصرف من هذه الثمانين قيمةُ ثلث المائة إلى الوصية، وذلك ثلاثة عشر درهماً وثلث؛ فإنها مع العشرين الباقية لورثة الزوجة بعد نصيب الزوج ثلث المائة.
قال الأستاذ وغيره من الحذَّاق: هذا الجواب غلط على أصل الشافعي؛ لأن الهبة المقبوضة مقدمة على الوصية، ومحل الوصية الثلث، والهبة قد استغرقت الثلث، وزادت على ما يقتضيه الحساب، فوضع الوصية بعد استغراق الثلث باطل، فلتبطل الوصية إذاً، وإذا بطلت قدّرنا كأنها لم تكن، ولو لم تكن الوصية، لكان الحساب للهبة مع جريان الموت أن نقول: صحت الهبة في شيء من المائة، ورجع إلى الزوج نصف ذلك الشيء، فبقي معه مائة إلا نصف شيء يعدل شيئين، فنجبر ونقابل فيكون مائة تعدل شيئين ونصف، فالشيء خمسا المائة، وهو أربعون، فيرجع نصفها إلى الزوج بالميراث، وذلك عشرون، فيصير مع ورثته ثمانون، وهي ضعف الأربعين.
هذا ما ذكره الأستاذ حاكياً عن ابن سريج ومستدركاً عليه، وللاستدراك على ابن سريج وجهٌ بيّن في هذه المسألة؛ فإنه وهب وأقبض، وعرفنا أن الهبة نافذة في الثلث لا محالة إن لم تزد، فالوصية بعد استغراق محل الوصية مختلفة، وقول ابن سريج في هذه المسألة ليس ساقطاً إن كان يتحرى الاستدراك عليه؛ فإنه أوصى بثلثٍ مرسل، والاعتبار في الوصايا بمآلها، وقد جرت حالةٌ وهي الموت والتوريث غيرت نسبةَ المال به لبداية بقي معه أربعة أخماسه، فرأى ابن سريج أن نقول: الوصية لا تنزل مزاحمةَ الهبة، ولكنها تتشبث ببقية الثلث اعتماداً على مآل الأمر، فكان هذا كما لو أوصى لرجلٍ بألف درهم، وهو لا يملك شيئاً، أو أوصى بثلث ماله ولا مال له، فإذا استفاد مالاً، نفذت وصيته على المذهب الظاهر، وسنذكر الخلاف فيه، إن شاء الله تعالى.
فإذا وضحت هذه المسألة، وما قيل فيها، فنظير المسألة السابقة فيها أن تهب العبدَ وتسلّمه، ثم تعتقه قبل هبة الثاني، ثم يهب الثاني، فهذا عتقٌ لا يصادف محلاً، إلا أن يُحمل على وقف العتق في بعض الصور، ولا يجوز إلا على وجهٍ ضعيفٍ، لا يجوز الاعتداد به، ولا نظن أن ابن سريج في هذا المحل يخالف؛ فإن العتق لا يقع على معنىً، ولا يقبل الإرسال.
فهذا تمام الكلام في هذا الفصل.
7012- نعود إلى مسألة الزوجين، وقد وهب الزوج المائة منها، وسلمها إليها، ثم إن المرأة أوصت بثلث مالها لرجل، فنقول: صحت هبة الرجل في شيء من المائة، وحصل في يد المرأة شيء؛ فصحت وصيتها في ثلث ذلك الشيء، ثم لما ماتت قبل زوجها، رجع إلى الزوج بالميراثِ نصفُ الباقي، فحصل معه مائة إلا ثلثي شيء تعدل شيئين، فبعد الجبر والمقابلة تعدل مائةٌ شيئين وثلثي شيء، فالشيء ثلاثة أثمان المائة، والوصيةُ تصح في ثمنٍ واحد، ويرجع إلى الزوج بالميراث نصفُ الباقي، وهو ثمن، فتحصل مع ورثته ستةُ أثمان، وهي ضعف الهبة.
وهذه المسألة معتدلةٌ خارجة عن كلام ابن سريج.
7013- مسألة: إذا وهب المريض عبداً له من أخيه قيمته ألف درهم، وأقبضه واكتسب خَمسمائة، ثم مات الموهوب له وخلف بنتاً وأخاه الواهب، ثم مات الواهب، فحساب المسألة أن نقول: جازت الهبة في شيء من العبد، وبطلت في عبدٍ إلا شيئاً، ونُتبعه من الكسب مثلَ نصفه، وذلك نصفُ شيء، يبقى لورثة الواهب من العبد عبدٌ إلا شيء، ومن كسبه مثلُ نصف ذلك، وهو نصف عبدٍ إلا نصفُ شيء، ويرجع إليهم بالميراث نصف ما حصل للموهوب له، وكان حصل له شيء ونصفٌ من العبد والكسب، فنصفه ثلاثة أرباع شيء، فيجتمع مع ورثة الواهب عبدٌ ونصف إلا ثلاثة أرباع شيء، فإنه كان قبل الميراث في أيديهم عبد ونصف إلا شيئاً ونصفاً، فإذا رجع إليه نصف الشيء، والنصف بالميراث، نقص الاستثناء وعاد إلى نصفه؛ فصار الحاصل بعد الميراث عبدٌ ونصفُ عبد إلا ثلاثة أرباع شيء، وذلك يعدل ضعف التبرع، وهو شيئان، فإذا جبرنا وقابلنا، فعبدٌ ونصف عبد يعدل شيئين وثلاثة أرباع شيء، فنبسطهما أرباعاً، ونقلب الاسمَ فيهما، فيكون العبد أحدَ عشرَ والشيء ستةٌ، فتصحّ الهبة في ستة أجزاء من أحدَ عشر جزءاً من العبد، ويتبعها من كسبه مثلُ نصفها، ثلاثة أجزاء غيرُ محسوبة على الموهوب له، فيجتمع له تسعة أجزاء من أحدَ عشرَ جزءاً من عبد، وينبغي أن يكون لورثة الواهب اثنا عشر جزءاً ضعف ما يُعدّ من الهبة أولاً، وقد بقي خمسة أجزاء من أحدَ عشرَ جزءاً من العبد بطلت الهبة فيها، ويبقى ما يتبعها من الكسب وهو مثل نصفها، ثم يُرجع الميراثُ نصفَ ما فضل في يد الموهوب له من الرقبة والكسب، والحاصل كان في يده تسعة، ونصفها أربعة ونصف، فإذا ضممناها إلى السبعة والنصف، كان المجموع اثني عشر، وهي ضعف الستة التي نفذت الهبة فيها.
7014- مسألة: وهب المريض من أخيه ألفين، ثم وهب أخوه منه أحدَ الألفين على الشيوع، وهو صحيح، ثم مات قبله-نعني هذا الصحيحَ- ثم خلّف بنتاً وأخاه الواهبَ الأول، فللشافعي قولان في الحصر والشيوع:
أحدهما: أن هبة الثاني تصح في جميع ما ملكه بالهبة الأولى، وتنحصر هبتُه فيما ملكه.
على هذا القول تصح هبة الأول في الألف من الألفين، فترجع تلك الألف كلُّها؛ فيصير مع ورثته ألفان، وهما ضعف الألف الموهوبة.
فطريق الحساب أن نقول: جازت هبته في شيء من الألفين، ورجع ذلك الشيء كله إليه؛ لأن الواهب الثاني صحيح، فيكون معه ألفان يعدلان شيئين فالشيء نصف الألفين، وهو ألف.
وعلى هذا القول لا يكون في المسألة ميراث؛ فإن المسألة مفروضة إذا لم يكن للموهوب له مال سوى ما اتّهب، ووهبه.
هذا أحد القولين.
والقول الثاني أن هبة الثاني تصح في نصف ما ملكه بالهبة الأولى؛ فإنه قبض الألفين، فشاعت هبته فيهما، وصادفت ما ملك، وما لم يملك، وهو قد وهب نصفَ الألفين، وطريق الحساب على هذا القول أن نقول: صحت هبة الوارث في شيء، ورجع إليه نصفُ ذلك الشيء بالهبة الثانية، ونصف الباقي بالميراث، فجميع ما يرجع إليه ثلاثة أرباع شيء، فيبقى معه ألفان إلا ربع شيء وذلك يعدل شيئين على القانون المعروف في المعادلة مع الضِّعف.
فبعد الجبر والمقابلة يكون ألفان في معادلة شيئين وربع، فنبسطهما أرباعاً، فيصير الألف أربعةً والشيءُ تسعةً، فنقلب الاسم، فيصير الألفان تسعة والشيء أربعة، فتصح الهبة في أربعة أتساع الألفين، وتبطل في خمسة أتساعها، ويرجع إليه بالهبة تسعان، وبالميراث تُسعٌ واحد، فيحصل مع ورثته ثمانية أتساع الألفين، وهو ضعف الأربعة الأتساع التي نفذت الهبة فيها.
7015- والذي يجب التنبيه له في هذه المسألة وأمثالها: أنا إذا وجدنا في أحد الجانبين كسراً، ولم نجد في الجانب الثاني كسراً، وقلنا: نبسط الجانبين ليخرج الكسر، بسطنا جانب الكسر على حق البسط، ونظرنا في الجانب الآخر في الجنس كصنيعنا في الألفين، وتحقيق هذا أنك لو لم تبسط، لقلت: العبارة في معادلة ألفين وربع، والشيء من الشيء يقع أربعة أتساعها، والقلب في مثل هذا المقام عادةٌ لا حقيقة له، فإنك إذا قلت: ألفان في معادلة شيئين وربع، كأنك قلت: هي شيئان وربع.
7016- مسائل: في الهبة مع جريان الوطء من واطىء بشبهة، أو من الواهب الأول، أو من الموهوب له، أو منهما عَوْداً وبدءاً.
فنقول إذا وهب أحدٌ أمةً، ثم وطئها أجنبي بشبهة قبل موت الواهب، كان المهر كالكسب مقسوماًعلى ما صحت منه الهبة، وعلى ما بطلت الهبة منه، فما يلاقي منه محلَّ صحةِ الهبة لا يكون محسوباً على الموهوب له، وما يلاقي منه ما بطلت الهبةُ فيه يكون محسوباً على ورثة الواهب. والحساب في المهر كالحساب في الكسب. ونحن نرسم المسائل فيه إذا كان الواطىء هو الواهب، أو الموهوب له، أو صدر الوطء منهما.
7017- مسألة: إذا وهب أمةً وسلّمها، والواهب مريض، ثم إن الواهب وطئها في يد الموهوب له، فتستحق المهر، فإن كان مهرها مثلَ قيمتها، فيسقط منها شيء آخر، فتبقى أمة إلا شيئين، وذلك يعدل شيئين، ضعفَ الهبة، فنجبر ونقابل، فتعدل الأمة أربعةَ أشياء، فنقلب الاسمَ، فتكون الأمةُ أربعةً، والشيء واحداً، والواحد من الأربعة ربعها.
وهذا من القلب الذي لا حاجة إليه؛ فإن الأمة إذا قابلت أربعة أشياء، فالشيء ربعها. وإذا صحت الهبة في ربع الأمة وبطلت في ثلاثة أرباعها، يسقط عن الواطىء ثلاثةُ أرباع مهرها؛ لأن ذلك قسطُ ملكه، وعليه للموهوب له ربعُ مهرها، يُقضى من الأمة؛ إذ لا مال غيرُها، فيبقى مع ورثة الواهب نصف الأمة، وذلك ضعف الربع الموهوب.
فإن كان مهرها مثلُ نصف قيمتها، قلتَ: صحت الهبةُ في شيء منها وتبعه من المهر نصف شيء يبقى له، إلا شيئاً ونصف شيء يعدل شيئين، فبعد الجبر والمقابلة تعدل أمةٌ ثلاثةَ أشياء ونصف، فنبسطهما أنصافاً، ثم نقلب الاسمَ فتكون الأمة سبعة، والشيءُ اثنين، فتصح الهبة في سُبعي الأمة.
وحقيقة هذا القلب أن الأمة إذا قابلت ثلاثة أشياء ونصف، فالشيء يقابل سبعيها لا محالة، ثم يستحق الموهوب له بالمهر مثلَ سبعها، ويبقى لورثة الواهب أربعة أسباعها، وهو ضعف ما صحت الهبة فيه.
فإن كان مهرُها ضعفَ قيمتها، قلنا: صحت الهبةُ في شيء منها، فاستحق الموهوب له بسبب المهر شيئين، فتبقى منها أمةٌ إلا ثلاثة أشياء تعدل شيئين ضعف الهبة، فبعد الجبر والمقابلة تعدل أمةٌ خمسةَ أشياء، فنقلب الاسم فيهما، فتكون الأمة خمسة، والشيء واحداً، وذلك خمسها.
وقد ذكرنا أن هذا القلب لا حاجة إليه، فتصح الهبة في خمسها، ويستحق الموهوب له مثلَ خمسها، يبقى مع ورثة الواهب خمساها، فذلك ضعف الخمس الموهوب.
7018- مسألة: مريضٌ وهب أَمةً لا مال له غيرُها، وأقبضها، فوطئها الموهوب له، ومهر مثلها مثلُ قيمتها.
فنقول: صحت الهبة في شيء، ووجب على الموهوب له مثلُه؛ فينتظم أن نقول: صحت الهبةُ من نصفها، ورجع إلى الواهب مثل نصفها، عند ذلك صارت بكمالها مع ورثة الواهب وهي ضعف نصفها.
وإن كان مهرُها مثلُ نصف قيمتها، قلنا: صحت هبة المريض في شيء، وبطلت في أمة إلا شيئاً، ويستحق الواهب بسبب المهر على الموهوب له مثلَ نصف ما بطلت فيه الهبة، وذلك نصفُ أمةٍ إلا نصفَ شيء؛ فإن الهبة بطلت في أمةٍ إلا شيئاً، ونصفُ ذلك نصفُ أمةٍ إلا نصفَ شيء، ووجود المهر يوجد من مصادفة الوطء، فأبطلت الهبة فيه، وقد ذكرنا أن الوطء لمهر نصف القيمة، فإذاً الجميع مع الواهب أمةٌ ونصفٌ إلا شيئاً ونصفَ شيء يعدل شيئين، فبعد الجبر، تكون أمةٌ ونصفٌ يعدل ثلاثةَ أشياء ونصفاً، فنبسطهما أنصافاً، فنقلب الاسم فتكون الأمة سبعة، والشيء ثلاثة، فتصح الهبة في ثلاثة أسباع الأمة، وتبطل في أربعة أسباعها، ويغرَم الموهوب له من مهرها. مثلَ سُبعي قيمتها، فيجتمع مع ورثة الواهب ستةُ أسباعها، وهو ضعف الثلاثة الأسباع التي صحت الهبة فيه.
7019- مسألة: إذا وهب المريض في مرضه جاريةً، قيمتُها مائة، وعُقرها خمسون، وأقبضها، فوطئها الموهوب له، ثم وهبها للواهب الأول في مرضه، ثم ماتا في مرضهما، ولا مال لهما غيرُها.
فنقول: صحت هبة الأول في شيء من الجارية، وهي مائة ويؤدي الموهوب له من ذلك الشيء، مهرَ ما بطلت الهبةُ فيه، وذلك خمسون درهماً إلا نصفَ شيء؛ فإن الهبة الأولى بطلت في جاريةٍ إلا شيئاً، والمهر على مناسبة النصف، فإذا كان الباقي للواهب جاريةً إلا شيئاً، فنسبة المهر على حكم النصف خمسون إلا نصفَ شيء، فيبقى مع الموهوب له شيء ونصف شيء إلا خمسين درهماً.
وتحقيق ذلك أنه كان معه شيء كامل، فأخرج منه خمسين إلا نصفَ شيء، فكأنه أخرج خمسين واسترجع نصفَ شيء، فصار ذلك الاستثناء مضموماً إلى الشيء، فنقول في يد الموهوب له شيء ونصف، ولكن نستثني من الشيء والنصف خمسين كاملة، ورأى الحسابُ هذه العبارة أمثل من أن نقول: في يده شيء إلا خمسين إلا نصفَ شيء.
فهذا تحقيق هذه العبارة.
فنعود ونقول: في يده شيء ونصف إلا خمسين درهماً، وقد وهب ما في يده، فصحت هبته في ثلث ذلك، وهو نصف شيء إلا ستة عشر درهماً وثلثي درهم، وهو ثلث الخمسين، فحصل لورثة الأول مائة درهم، وثلاثة وثلاثون درهماً وثلث درهم إلا شيئاً.
وبيان ذلك أنه إذا رجع بسبب المهر ثلاثة وثلاثون درهماً وثلثُ درهم، فإنا على عبارة الجبر قلنا: في يد الموهوب له شيءٌ ونصفٌ لكن نقصانه الخمسين مثبوت عليه، ثم صححنا الهبة في نصف شيء مع ما فيه من الاستثناء، فيبقى على الموهوب له غُرم ثلثي الخمسين، فقد بقي في يده شيء وعليه في ذلك الشيء غُرم ثلاثة وثلاثون وثلث، فاستقام لنا أنه حصل في يد الواهب الأول مائة وثلاثة وثلاثون درهماً وثلث درهم إلا شيئاً، وهذه الجملة تعدل شيئين ضعفَ ما صحت الهبة الأولى منه، فبعد الجبر والمقابلة تكون مائة وثلاثة وثلاثون وثلث تعدل ثلاثة أشياء، فالشيء يعدل أربعةً وأربعين درهماً وأربعة أتساع درهم، وذلك مثل أربعة أتساع الجارية، فصحت الهبة في أربعة أتساعها، وبطلت الهبة في خمسة أتساعها، وعلى الثاني خمسة أتساع عُقرها، وذلك مقدار تسعي ونصف تسعها، فيصير مع الواهب الأول سبعةُ أتساع ونصفُ تسع، ويبقى مع الثاني تسعٌ ونصفُ تسع، تصح هبته في ثلث ذلك، وهو نصفُ تسع. ويبقى مع ورثته ضعفُ ذلك، وهو تُسع الجارية، ورجع إلى الواهب الأول بالهبة الثانية نصفُ تسع، فيجتمع مع ورثة الواهب الأول ثمانية أتساع الجارية، وهو ضعف ما صحت منه الهبة الأولى.
7020- فإن وطئها الواهب وهي في يد الموهوب له، ثم وطئها الثاني في مرضه، فنقول: صحت هبة الأول في شيء منها، فلما وطئها الواهب، وجب عليه نصفُ شيء، فصار مع الثاني شيءٌ ونصفُ شيء، ثم صحت هبته في ثلث ذلك، وهو نصف شيء، وبقي لورثته شيء، وحصل لورثة الأول مائةٌ إلا شيئاً تعدل شيئين.
فبعد الجبر يعدل مائةُ درهم ثلاثة أشياء فالشيء ثلثُ المائة، وتصح الهبة الأولى في ثلث الأمة، ويجب على الواهب ثلثُ عُقرها، وذلك مثلُ سدس الرقبة، فيبقى مع ورثة الثاني ثلثُها، وذلك ضعف السدس، فيبقى مع ورثة الأول ثلثاها، وذلك ضعفُ الثلث الموهوب أولاً.
7021- فإن وطئها الواهب الأول بعد الهبة الثانية، فنقول: صحت الهبة الأولى في شيء، فلما وهب الثاني الشيء الأول، لنا أن نقول: صحت هبةُ الثاني في الثلث من الشيء الذي صحت الهبةُ الأولى فيه، وذلك لمكان رجوع شيء من الهبة إليه بسبب وطء الواهب بعد الهبة، فالوجه أن نقول: صحت هبة الأول في شيء، فلما وهب الثاني الأول، صحت وصيته في الشيء، وبقي مع الواهب الثاني شيء إلا وصية، (وإنما أطلقه الوصية الألفاظ).
فلو وطئها الأول، وجب عليه شيء من مهرها، وهو حصة ما في يد الثاني بعد تقدير الهبة منها، فنقول: المهر نصف القيمة، وقد بقي في يد الواهب الثاني شيء إلا وصية، فيجب على الواهب الأول الواطىء من المهر للثاني نصفُ شيء إلا نصفَ وصية، فيحصل مع الثاني شيءٌ ونصفٌ إلا وصيةً ونصفَ وصية.
وبيانه أنه بقي في يد الثاني شيء إلا وصية، ورجع إليه نصف شيء إلا نصفَ وصية، فالمجموع في يده شيءٌ ونصفُ شيء إلا وصية ونصفَ وصية، تعدل وصيتين، ضعفَ ما تبرع الثاني فيه، وكأن تبرعه وصية، فضعفها وصيتان، فنجبر هذا الجانب ونقابل، فيكون شيء ونصف يعدل ثلاث وصايا ونصف وصية، فنبسطها أنصافاً، ونقلب الاسم فيهما فيكون الشيء سبعة والوصية ثلاثة؛ إذ قد وجد التنصيف من الجانبين: جانب شيء ونصف، ومن جانب ثلاث وصايا ونصف، فقلنا: جانب الشيء أولاً ثلاثة، وجانب الوصية سبعة، ثم قلبنا العبارة والاسم، وقلنا الشيء في جنسه سبعة، والوصية ثلاثة أسباعه، فتصح هبة الثاني في ثلاثة أسباع الشيء، ويجب على الأول عُقرُ أربعة أسباع شيء وهو سبعا شيء؛ فإن العُقرَ نصف القيمة، فيحصل لورثة الثاني ستة أتساع شيء من الأمة وعقرها، وبقي لورثة الأول مائة درهم إلا ستة أسباع شيء، وذلك يعدل شيئين ضعفَ الهبة الأولى. فنجبر ونقابل، فتكون جارية تعدل شيئين وستة أسباع شيء، فنبسطها أسباعاً، ونقلب العبارة فيهما، فتكون الجارية عشرين، والشيءُ سبعةً فتصير هبةُ الأول سبعةَ أجزاء من عشرين جزءاً من الجارية، فبقي مع الأول ثلاثةَ عشرَ جزءاً منها، ويرجع إليه بهبة الثاني ثلاثة أجزاء، فيجتمع معه ستةَ عشرَ جزءاً، ويبقى مع الثاني أربعة أجزاء، فيغرَم الأول من عُقرها جزأين، فيحصل لورثة الثاني ستة أجزاء: أربعةٌ من رقبتها وجزءان من العُقر ويحصل لورثة الأول أربعة عشر جزءاً وهي ضعف السبعة الأجزاء التي صحت هبته فيها.
7022- فإن وطئها الثاني بعد الهبة الثانية، نقول: صحت هبة الأول في شيء من الجارية، ثم وهب الثاني الشيءَ، فلا يجوز أن نقول: صحت هبتُه في ثلث شيء؛ لأنه سيلتزم بالوطء شيئاً، فنقول: صحت هبة الأول في شيء، وصحت بهبة الثاني وصية في شيء، بقي في يد الثاني شيء إلا وصية؛ فيجتمع للأول مائةُ درهم، ووصية إلا شيئاً، فلما وطئها الثاني، وجب عليه من العُقر ما يصادف ملك الغير، والعبارة عما يلزم أن نقول: يجب عليه خمسون درهماً ونصفُ وصية إلا نصفَ شيء.
وبيان ذلك أنه حصل في يد الأول مائة ووصية إلا شيئاً، فيجب على الثاني نصفُ ذلك من حساب العُقر. ونصفُ مائة ووصية إلا شيئاً- خمسون ونصفُ وصية إلا نصفَ شيء.
فيأخذ ذلك مما في يد الثاني، وهو شيء إلا وصية، فيبقى في يده شيء ونصفُ شيء إلا وصية ونصفُ وصية إلا خمسون درهماً.
وبيان ذلك أنه كان في يده شيء إلا وصية، فأخرجها من خمسين ونصف وصية إلا نصفَ شيء، فكأنا أخرجنا خمسين ووصية، واسترجعنا نصف شيء مما استثنياه في هذا الجانب، على القياس الذي مهدناه؛ فيحصل إذاً شيء ونصفُ شيء إلا وصيةً ونصفَ وصية إلا خمسين درهماً، وهذا يعدل وصيتين ضعفَ ما تبرع به، فإذا جبرنا وقابلنا، صار شيءٌ ونصفٌ إلا خمسين درهماً، يعدل ثلاث وصايا ونصف وصية، فالوصية سُبعا ذلك، وهي ثلاثةُ أسباع شيء إلا أربعة عشر درهماً وسبعي درهم، فاجمع ما في يد الأول، وكان معه مائة درهم إلا شيئاً بسبب بطلان الهبة الأولى فيها، ومعه وصية بسبب هبة الثاني ومعه من العُقر نصفُ وصية وخمسون درهماً إلا نصفَ شيء، فجميع ما في يده مائةٌ وخمسون درهماً ووصيةُ ونصفُ وصية إلا شيئاً ونصفَ شيء، فاجعل مكان الوصية والنصف قيمتَها، وذلك أربعةُ أسباع شيء ونصفُ سبع شيء إلا أحداً وعشرين درهماً وثلاثة أسباع درهم، فيصير معه مائة وثمانية وعشرون درهماً وأربعة أسباع درهم إلا ستة أسباع شيء، وهذه الجملة تعدل شيئين ضعفَ الهبة الأولى، فبعد الجبر والمقابلة تكون مائة وثمانية وعشرون وأربعة أسباع درهم تعدل شيئين وستة أسباع شيء، وإن أحببنا، قلنا: مائة وسبعا مائة تعدل شيئين وستةَ أسباع؛ فإن ثمانية وعشرين وأربعة أسباع سُبعا مائة؛ فإن سبع المائة أربعة عشر وسبعان، فهي في معنى قول القائل جارية وسبعا جارية تعدل شيئين وستة أسباع، فنبسطها أسباعاً، ونقلب الاسم فيهما، فتكون الجارية عشرين سهماً، والشيءُ تسعة، فتصح هبة الأول في تسعة أجزاء من عشرين جزءاً من الجارية، هي ربعها وخمسها.
فنعود ونقول: صحت الهبة في ربع الجارية وخُمسها، وذلك خمسةٌ وأربعون من مائة، وصحت هبة الثاني من الأول في ثلاثة أسباع ذلك إلا أربعة عشر درهماً وسبعي درهم، وثلاثة أسباع خمسة وأربعين تكون تسعة عشرَ درهماً وسبعي درهم، فأسقط منها أربعةَ عشرَ درهماً وسُبعين، تبقى خمسةُ دراهم، هي هبة الثاني، وذلك تسع ما ملكه بالهبة، وكانت الهبة تسعة أجزاء من عشرين جزءاً من الجارية، وصحت هبته في تسعٍ، وذلك جزء واحد، فبقي معه ثمانية أجزاء، وحصل مع الأول اثنا عشر جزءاً، فلما وطئها الثاني وجب عليه مثلُ نصف الحاصل مع الأول، وذلك ستةُ أجزاء، يبقى مع الثاني جزءان، هي ضعفُ هبته؛ لأن هبته جزء واحد، ويحصل مع ورثة الأول ثمانيةَ عشر جزءاً، وهي ضعف التسعة الموهوبة.
7023- ومن لطيف ما جرى في هذه المسألة أن حقنا في الجبران لا يغادر من الاستثناء شيئاً لا نجبره، وقد جبرنا وقابلنا، وأبقينا الاستثناء دراهم، وسبب ذلك أن الدراهم معلومة ونحن إنما... نجبر استثناء لجبرها في المجاهيل، كالأشياء التي نقدّرها، ونضعّفها للمعادلات، وهي تقديرات غايتُنا أن تصير إلى معلوم، فإذا وجدنا معلوماً، لم نغيّره، فإنّ ذلك المعلوم مستثنى كذلك، وإن كان مثبتاً أجريناه مثبتاً كذلك.
7024- فإن وهبها، فأقبضها، فوطئها الموهوب له، ثم وهبها الأولَ في مرضه، وأقبضه إياها، فوطئها الأول، ولا مال لهما غيرُها، وقيمتها ثلاثمائة درهم، وعُقرها مائة. فنقول: صحت هبة الأول في شيء وبطلت في جارية إلا شيئاً، فلما وطئها الثاني، وجب عليه للواهب عُقرُ ما بطلت الهبةُ فيه، وذلك مائةٌ إلا ثلث شيء؛ فإن العُقرَ ثلثُ القيمة، وإذا أضيف استثناءٌ إلى جملةٍ توزّع الاستثناء على أجزائه، فإذا قلنا: ثَلاثمائة إلا شيئاً، فنقول في العُقر: مائة إلا ثلثَ شيء؛ فإن العُقر ثُلثُ القيمة، وإذا أضيف استثناءٌ إلى جملة تَوزّع الاستثناء على أجزائه، فإذا قلنا: ثَلاثمائة إلا شيئاً، فنقول في العقر: مائة إلا ثلث شيء، ثم لما وهبه الثاني الشيء، لم نُطلق فيه الثلث لمكان العِلم كما تقدم، بل تعيّن. ونقول: لما وهب الثاني الشيء، نفذت وصيتُه بسبب هبته، وهي في يده شيء إلا وصية، فلما وطئها الأول، وجب عليه عُقرُ ما بقي في يد الثاني، وذلك ثلث شيء إلا ثلثَ وصية، فإن نسبتَ العُقرَ تبع التثليثَ في كل طرف. فإذا كان في يد الثاني شيء إلا وصية، فحصته من العُقر ثُلثُ شيء إلا ثلث وصية، فنجمع الآن ما مع الأول: في يده ممّا بطلت الهبة فيه ثَلاثمائة إلا شيئاً، ويرجع إليه بوطء الثاني مائةُ درهم إلا شيئاً وثلثَ شيء، ومعه أيضاً بسبب هبة الثاني وصية فهذا ما معه. وقد غرِم الثاني ثلثَ شيء إلا ثلثَ وصية، فيبقى في يده بعد حط هذا الغرم وصية وثلث وصية، وهذا الثلث هو الذي استرجعناه مما غرِمه من العُقر؛ فإنه غرِم ثلثَ شيء إلا ثلثَ وصية، فكأنه غرِم ثلث شيء، واسترجع ثلثَ وصية، وفي يده أربعُمائة درهم إلا شيئاً وثلثي شيء، وكان شيئاً وثلثاً أولاً، فازْداد ثلثَ شيء بسبب غُرمه.
ثم ننظر إلى ما في يد الثاني، وقد كان معه الشيء الموهوب له، وغرِم له الأول بسبب العُقر ثلثيَ شيء إلا ثلثَ وصية، ووهب هو وصية، وغرِم هو مائةً إلا ثلثَ شيء بسبب العُقر، فبقي معه شيء وثلثا شيء إلا وصية وثلث وصية وإلا مائة درهم.
وسبيل استرجاع الاستثناءين وضم الجنس إلى الجنس ما قدمنا.
وهذا الذي مع الثاني يعدل وصيتين، فبعد الجبر والمقابلة يكون ثلاث وصايا وثلث وصية تعدل شيئاً وثلثي شيء إلا مائة درهم. فالوصية الواحدة تعدل ثلاثة أعشار ذلك إذا بسطت الوصايا أثلاثاً، وذلك نصف شيء إلا ثلاثين درهماً. هذا قيمة الوصية.
وبيانه أن الوصية من ثلاث وصايا وثلث، فإذا كانت ثلاثةَ أعشار شيء وثلثي شيء إلا مائة، فهي تقع مثلَ نصف شيء إلا ثلاثين درهماً، فإنا نبسط الشيء والثُّلُثَين أثلاثاً، فتقع خمسة، ثم نأخذ ثلاثة أعشار الخمسة فتكون واحداً ونصفاً، والواحد والنصف، يقع نصف الشيء، فإن الشيء ثلاثة، ثم نعود، فنبسط المائة على هذه الخمسة، فيقابل الشيء والنصفَ ثلاثين.
فهذا حاصل قوله قيمةُ الوصية نصفُ شيء إلا ثلاثين درهماً.
ثم نعود إلى الذي مع الأول، ومعه أربعُ مائة درهم ووصية وثلث وصية إلا شيئاً وثلثي شيء، فاجعل بدل الوصية والثلث قيمتها، وهو ثلثا شيء إلا أربعين درهماً على التقويم الذي ذكرناه، فيحصل في يده ثلاثمائة وستون درهماً إلا شيئاً تعدل شيئين، فبعد الجبر والمقابلة يكون ثَلاثُ مائة وستون درهماً تعدل ثلاثة أشياء، فالشيء ثُلثُ ذلك وهو مائة وعشرون، وذلك خمسا الجارية، فنقول: صحت هبة الأول في خمسيها وبطلت في ثلاثة أخماسها، وعلى الثاني ثلاثة أخماس عُقرها وذلك ستون درهماً.
وصحت هبةُ الثاني في وصيته، وهي نصف شيء إلا ثلاثون درهماً، وذلك ثلاثون درهماً، وهو ربع الشيء، فبطلت هبة الثاني في ثلاثة أرباع شيء، ووجب على الأول عُقر ثلاثة أرباع شيء، وهو ثلاثة أعشار الجارية، و مقداره من العُقر ثلاثون درهماً، فنجعل ذلك قصاصاً مما استحقه من الوصية من الثاني، يبقى له على الثاني ستون درهماً، نخرجها مما في يد الثاني، وهو مائة وعشرون، يبقى في يد ورثة الثاني خمسُ الجارية، وقيمتها ستون درهماً، وهي ضعف وصيته.
ويحصل لورثة الأول من الجارية وعُقرها مقدارٌ وأربعون درهماً، وذلك أربعة أخماس الجارية، وهي ضعف هبة الأول.
وقد نجز القول في المسائل الدائرة في الهبات وما يتعلق بها من تصاريف الأحوال.
القول في المسائل الدائرة في المحاباة في البيع والسلَم والإقالة والضمان والكفالة والإقرار والكتابة وعتق المدبر....
7025- المحاباة في البيع هي بيع الشيء بأقلَّ مما يساوي، وقدْرُ المحاباة تبرعٌ فإن وفَّى الثلثُ بمقدار المحاباة، نفذ البيع كما وقع، وإن ضاق الثلثُ عن مقدار المحاباة وأجاز الورثةُ، نفذ البيع بإجازتهم؛ تفريعاً على أن إجازتهم تنفيذٌ للوصية، وليس بابتداء عطية.
وعلى هذا القول مسائل الهبة.
وإذا جعلنا إجازةَ الورثة ابتداء عطية، فلابد من فرض هبة، ويخرج الكلام على النظم في أن ردّ الورثة الزائدَ من المحاباة على الثلث فسخٌ. فيتصل بذلك طرفٌ من تفريق الصفقة؛ فإنا قد نردّ البيع في بعض المبيع، وإذا ارتدّ المبيع في هذا الحكم، فقد اختلف أصحابنا على طريقين، فمنهم من قال: يخرج أصله على قولين في انفساخ البيع أصلاً، وهذا يبتني على ما سبق تمهيده في كتاب البيع.
ومن أصحابنا من قطع القول بأن البيع لا ينفسخ في المقدار الذي لا يضيق الثلث عن احتمال المحاباة فيه، واستدلّ بأن البيع نفذ على الظاهر، وردُّ بعضه في حكم التدارك.
وهذه الطريقةُ ركيكة؛ فإن البيع في البعض بين أن يبين أنه لم يصح، وبين أن نفرض صحةَ البيع، ثم نقدر انفساخه، وعلى أي وجهٍ قُدِّر، اتجه فيه القولان في تفريق الصفقة، وحُكمنا بالانعقاد ظاهراً لا يزيد على تحققه الحكمُ بانعقاد البيع على عبدين، فإنه إذا تلف أحدُهما قبل القبض وانفسخ البيع فيه، خرج قولان في انفساخ العقد في العبد القائم.
نعم، لو قيل: إن المختار أن البيع لا ينفسخ فيما يحتمل الثلث محاباته، لكان ذلك قريباً.
فليقع التفريع على أن البيع لا ينفسخ وحكمه التفريق، فإذا ضاق الثلث عن احتمال جميع المحاباة، واقتضى الأمرُ التبعيض، ففي كيفية ذلك قولان. ذكرهما الشيخ أبو علي وغيره من نقلة المذهب، وما أراهما منصوصين، ولكنهما مستخرجان من معاني كلام الشافعي، وأوردهما ابن سريج:
أحدهما: أن الثَّمنَ المذكور يقابَل بما يساويه من أجزاء العبد من غير تقدير محاباة، ثم يقابَل في القدر الذي يحتمله الثلث من المحاباة، فنجعل ذلك هبةً وراء المقدار المبيع، ولا يسقط من الثمن شيء، ولكنه على مقابلة ما يساويه من البيع، ونضم إليه القدرَ المحتمل من المحاباة هبةً بلا عوض من البيع، حتى إذا باع عبداً يساوي مائتين بمائة-لا مال له غيره- فالمائة تقف في مقابلة نصف العبد.
وقد سلم للورثة نصف العبد إذا سلم لهم ثمنه، ثم نقول للورثة: قدّروا كأنه تبرع بنصف العبد، فأجيزوا تبرعه فيما يحتمله الثلث، فيسلّم للمشتري خمسة أسداس العبد بمائةٍ: المبيعُ فيها نصف العبد وثلثُه موهوب، ويبقى للورثة سدس العبد، والثَّمن. والمحاباة مما أخذه المشتري ستة وستون وثلثا درهم، فقد سلم للورثة من الثمن والرقبة مائة وثلاثة وثلاثون وثلث، وهو ضعف المحاباة.
هذا قولٌ، وهو ضعيفٌ جداً؛ فإنه يعتبر بوضع البيع وإزالة المقابلة حتى التي تضمنها البيع؛ فإن الثمن مقابل في وضع البيع بجملة المثمن، فرد جملة الثمن إلى مقابلة بعض المثمّن إنشاء تصرفٍ لم يقتضه البيع، وهذا يضاهي القول المزيّف المذكور في تفريع تفريق الصفقة أجزاءً إذا انفسخ العقد في أحد العبدين؛ فإنه قد قيل: يجيز المشتري البيع إن أراد في العبد القائم بجميع الثمن. والقول المذكور ها هنا أظهر فساداً من ذاك؛ فإنه يشتمل على تقدير هبةٍ لم تجرِ، ضمّاً إلى تغيير البيع عن قضية المقابلة المذكورة فيه، فلا وجه لهذا القول إذاً، ولا عَوْدَ إليه، ولا تفريع عليه.
والقول الثاني-وهو المختار- أنا إذا ردَدْنا من المحاباة شيئاً، فنرد البيعَ في بعض المبيع، ونُسقط قسطاً من الثمن، ويبقى البيعُ في بعض المبيع ببعض الثمن مع المحاباة التي يحتملها الثلث، على ما يخرج من الحساب.
ثم مما يتصل بهذا الأصل أنا إذا رددنا المبيع في مقدارٍ يُخيّر المشتري لا محالة، فإن فسخ العقد، فلا كلام وإن أجاز العقدَ، وقد تبعض البيعُ دارت المسألة، فإنه يخرج من المبيع شيء ويعود من الثمن مقدارٌ، فينقص المال بالخروج، وينجبر بعضُ النقصان بعَوْد قسط من الثمن.
فهذا مأخذ الفقه.
ثم ذكر صاحب التلخيص مسائلَ من المحاباة متصلةً بأموال الربا حتى يجتمع فيها تعقيدُ الدّور وغموضُ الحكم في محاورة.
ونحن نرسم ما ذكره الأئمة مسائل، ونذكر في كل مسألة طرق الحساب مدونة على الفقه- إن شاء الله تعالى.
7026- مسألة: إذا باع المريض قفيزاً من البر الجيّد يساوي عشرين درهماً بقفيزٍ من الرديء يساوي عشرةَ دراهم لا مال له سواه، ورد الورثةُ ما يزيد على الثلث، والتفريعُ على صحة العقد.
فإن فرّعنا على القول الضعيف في أنه لا يسقط من الثمن شيء بأن نقف جملةَ الثمن في مقابلة ما يساويه من المثمن، فمقتضى هذا القول أن يقع القفيز الرديء في مقابلة نصف القفيز الجيد، ويقع ثلثُ الجيد موهوباً.
وهذا هو الربا بعينه، فلا يخرّج هذا القول في الربويات أصلاً، ويجب القطع بفساد هذه المعاملة.
ثم إذا لم يصح البيعُ، فلا هبة؛ فإن الهبة إنما تقدر على تقدير نفوذ البيع، حتى كأنها في ضمن البيع.
ومن يُفرّع على هذا القول الضعيف يقول: لو قال المشتري: رددتُ البيعَ، فسلّموا لي مقدار المحاباة هبةً من البيع، فلا يسلّم إليه شيء بالتفريع على القول الصحيح الذي ارتضاه ابن سريج، وهو أن البيع لا يصير موضوعه في انبساط الثمن على المثمن، ويتقدّر البيع على موجب الشيوع ما يشتمل على المقدار الذي يحتمله الثلث من المحاباة.
وعلى هذا لا يؤدي تصحيح البيع إلى الربا، وتفاضل الجيد و الرديء في المقدار.
وحساب المسألة بطريق الجبر أن نقول: جاز البيع في شيء من القفيز الجيد، وبقي مع البائع قفيز إلا شيئاً، ورجع إليه بالعوض شيءٌ قيمته نصف شيء؛ فصار الباقي معه قفيزاً إلا نصفَ شيء، وذلك يعدل ضعفَ المحاباة، والمحاباةُ هو الذي لم يرجع، وهو شيء.
نجبر ونقابل، فيصير القفيز الجيد في معادلة شيء ونصف، فالشيء الذي صح البيع فيه ثلثا القفيز.
وإن أحببنا قلنا: نبسط الشيء والنصفَ والقفيز أنصافاً، فالشيء ثلاثة، والقفيز اثنان، فنقلب الاسم ونقول: القفيز ثلاثة والشيء اثنان، فقد صح البيع في اثنين من ثلاثة وهو القفيز.
وتطَّرِد المسألة بعد ذلك بطريقة التقدير والنسبة، وهي أن ننظر كم قدر الثلث من قدر المحاباة؟ فإن كان الثلث مثلَ المحاباة، فلا شك في نفوذ البيع في الجميع وكذا إن كان الثلث أكبر من المحاباة، وإن كان الثلث أقلّ من مقدار المحاباة، فننسب الثلث إلى المحاباة، ونأخذ من النسبة، ونقول: صح البيع من ذلك الجزء من المبيع. فإن كان الثلث نصفَ المحاباة، صح البيع في نصف المبيع، وإن كان ثلث المحاباة، صح البيع في ثلث المبيع. وهذا يطرد في جميع النسب في مسائل المحاباة.
فنقول في هذه المسألة: القفيز الجيد عشرون، فثلث المال ستةٌ وثلثان، والمحاباة عشرة، فالثلث إذا نسب إلى المحاباة، وقع ثلثيها، فنقول: صح البيع في ثلثي القفيز الجيد.
7027- طريقة الدينار والدرهم: فنقول: القفيز الجيد دينار ودرهم، فنقول: نجيزُ البيع في درهم، ويرجع بالعوض درهمٌ قيمتُه نصفُ درهم، فحصل معه دينار ونصفُ درهم من جهة المالية والقيمة، حصلت المحاباة نصفُ درهم، ومع ورثة البائع المريض دينار ونصف درهم، يعدل درهماً، وهو ضعف المحاباة، فنلقي نصفَ درهم بنصف درهم قصاصاً، يبقى دينار يعدل نصف درهم، فالدرهم يعدل دينارين، وبان الدرهم ضعفَ الدينار في وضع المسألة، فإنا لما أجزنا البيع في درهم، فقد أجزناه في ثلثي المبيع.
وإن أحببتَ قلتَ: القفيز دينار ودرهم فنجيز البيع، في دينار من الجيد، ورجع نصف دينار من جهة القيمة، فيبقى في يد ورثة البائع نصف دينار ودرهم، وذلك يعدل ضعف المحاباة وهي نصف دينار، وضعفها دينار.
فإذاً نصف دينار ودرهم يعدل ضعف المحاباة وهي نصف دينار أي يعدل ديناراً، فنسقط نصف دينار بنصف دينار قصاصاً، فيبقى درهم في معادلة نصف دينار، فالدينار في معادلة درهمين.
فنعود ونقول: القفيز الجيد كان ديناراً ودرهماً، وقد بان أن قيمة الدينار درهمان، فقد نفذ البيع في ثلثي القفيز.
وذكر الشيخ أبو علي طريقة الخطأين وأطنب في إيرادها، ومن أحاط بما مهدناه، لم يحتج إلى الإطناب بذكرها.
ثم امتحان المسألة على الطرق لائح، فنقول: صح البيع في ثلثي القفيز الجيد، وقيمته ثلاثةَ عشرَ وثلث، ورجع ثلثا القفيز الرديء، وقيمته ستة وثلثان، وبقي في يد الورثة من القفيز الجيد ثُلثُه، وقيمته ستة وثلثان، والمحاباة ستة وثلثان. والمال في يد الورثة من القفيز الجيد ومما رجع ثمناً ثلاثةَ عشرَ وثلث، وهي ضعف المحاباة.
7028- ثم ذكر صاحب التقريب هذه المسألة وأفتى فيها بما ذكرنا، وذكر بعد ذلك أن المشتري بالخيار في ردّ البيع، وذكر أن ورثة البائع بالخيار في رد أصل البيع، واعتمد بأن الصفقة قد تبعضت من الجانبين حكماً، فكما تبعَّض القفيز الجيد على المشتري تبعّض القفيز الرديء على ورثة البائع، فيثبت الخيار من الجانبين جميعاً.
قال: ويجوز أن يقال: لا يثبت الخيار للمشتري؛ فإن المسألة مفروضة في تبعيض القفيز من الحنطة، وتبعض البر لا يتضمن تنقيصاً وإنما ينتقص بالتبعض المتقومات، ومن ثَمَّ لم يثبت الخيار لورثة البائع.
هذا منتهى كلامه في ذلك.
وقد أجمع أئمة المذهب على تخطئته في الجانبين: أما قولُ ورثة البائع فغلطٌ، لا شك فيه؛ فإنا لو أثبتنا لهم الخيار، لتوصلوا إلى إبطال المحاباة رأساً؛ فإنهم لو فسخوا البيع؛ اندفعت المحاباة بارتفاع البيع، ولا سبيل إلى قلب المحاباة إلى الهبة. والثلث محل تصرّف المريض وموطن حقه، فلا سبيل إلى إبطال حقه. هذا وجه تغليطه في هذا الشق.
وأما ما ذكره من أن المشتري لا يتخير لأن البُرّ لا ينقصه التبعيض، فهذا غلطٌ؛ فإن تبعيض الصفقة من موجبات الخيار في جانب المشتري، سواء تضمّن نقصانَ القيمة أو لم يتضمنه؛ فإن من اشترى عبداً، واطلع على عيبه، يثبت له حق الرد، وإن كان العبد معيباً يساوي أضعاف ثمنه المسمّى، فلا حاصل لما ذكره صاحب التقريب وليس ما جاء به معدوداً من المذهب.
7029- مسألة أخرى من جنس ما تقدم: باع المريض قفيزاً قيمته ثلاثون بقفيزٍ قيمته عشرة، فحساب المسألة بطريق الجبر أن نقول: نفذ البيع في شيء من القفيز الجيد بما قيمته ثلث شيء، فحصل في يد ورثة البائع قفيز إلا ثلثي شيء وذلك يعدل ضعف المحاباة، وهي ثلثا شيء، وضعفُها شيء وثلث، فنجبر ونقابل، فيكون قفيزٌ كامل في معادلة شيئين، فالشيء الذي أطلقناه نصفُ القفيز.
فنقول: صح البيع في نصف القفيز الجيد، وتستمر المسألة سديدة على الامتحان.
طريقة التقدير والنسبة: نقول: لصاحب القفيز الجيد قَبْل تنفيذ البيع ثلاثون، وثُلثُه عشرة، والمحاباة في البيع عشرون، والثلث نصف المحاباة، فنطلق البيع في نصف القفيز الجيد، ولا خفاء بإجراء الدينار والدرهم والخطأين.
7030- مسألة: باع المريض كُرّاً جيداً قيمته أربعُمائةٍ وعشرة بكُرٍّ رديء قيمته مائةٌ وعشرة، وللبائع سوى الكُرِّ خمسون درهماً.
فحساب المسألة بالجبر أن نقول: نفذ البيع في شيء من الكُرّ إلا ربع، وبطل البيع في كُرِّ إلا شيئاً، ورجع من العوض ما قيمته أحدَ عشرَ جزءاً من أحدٍ وأربعين جزءاً من شيء.
وبيان ذلك أن قيمة الكُر الجيد بالعشرات أحدٌ وأربعون من العشرات، وقيمة الرديء أحدَ عشرَ من العشرات، فتقع النسبة بينهما على هذه النسبة. فهذا معنى قولنا ينفذ البيع في شيء من الجيد، ورجع في عوضه ما قيمته أحدَ عشرَ جزءاً من أحدٍ وأربعين جزءاً من شيء، فبقي في يد ورثة البائع مما لم يصح البيع فيه ومما رجع عوضاً: الكُرّ الجيد إلا ثلاثين جزءاً من أحدٍ وأربعين جزءاً من الكُر الجيد؛ فالنسبة بالعشرات أحدٌ وأربعون والخمسون خمسة، فنجمع ونقول: في أيديهم كُرٌّ جيد وخمسةُ أجزاء من أحدٍ وأربعين جزءاً من الكر الجيد-باعتبار القيمة- إلا ثلاثين جزءاً من أحدٍ وأربعين جزءاً من شيء.
وهذا الحاصل ضعفُ المحاباة.
وإذ كان مقدار المحاباة ثلاثين جزءاً من أحدٍ وأربعين جزءاً من شيء، فضعفه شيء وتسعةَ عشرَ جزءاً من أحدٍ وأربعين جزءاً من شيء.
فنجبر ونقابل، فيصير كُرٌّ جيد وخمسةُ أجزاء من أحدٍ وأربعين من كُر تعدل شيئين وثمانيةَ أجزاء من أحدٍ وأربعين جزءاً من شيء، فنبسطهما بأجزاء أحدٍ وأربعين، ونقلب الاسم والعبارة، فيصير الكرّ تسعين، والشيء ستةً وأربعين جزءاً من تسعين جزءاً من الكُر، وتستمر المسألة قويمة على الامتحان.
وإن اختصرنا، قلنا: يصح البيع في ثلاثةٍ وعشرين جزءاً من خمسةٍ وأربعين جزءاً من الكُر؛ فإن ثلاثة وعشرين من خمسة وأربعين مثل ستة وأربعين من تسعين.
ولا حاجة إلى التطويل بالامتحان؛ فإن المسلك واضحٌ.
7031- فإن كانت قيمةُ كُرِّ البائع خمسين درهماً، وقيمةُ كرّ المشتري ثلاثون درهماً، وتركة البائع سوى الكر عشرة، فالبيع صحيحٌ في جميع الكُرّ؛ فإن البيع إذا نفذ في الكر الجيد وقيمته خمسون، فيرجع العوض وقيمته ثلاثون، والتركة سوى ذلك عشرة، فالمحاباة عشرون، والمال الحاصل في يد الورثة أربعون، وهو ضعف المحاباة.
وتخريجه على طريقة التقدير والنسبة أن كر البائع خمسون، وله سواه عشرة، فالمجموع ستون، وثلثها عشرون، والمحاباة عشرون، فالثلث مثل جميع المحاباة عشرون، فيصح البيعُ في جميع الكُرّ، كما تقدم.
7032- فإن كان قيمة كُرّ البائع خمسين، وقيمةُ كرّ المشتري خمسةَ عشرَ، والتركة سوى الكر عشرة، فنقول: صح بيع البائع في شيء من الكر، ورجع إليه بالقصاص ما قيمته ثلاثة أعشار شيء، فإن الخمسةَ عشرَ ثلاثةُ أعشار الخمسين، فتقع النسبة على هذا الوجه في جميع أطراف المسألة.
فإذا كان العوض ثلاثةَ أعشار المبيع، فالمحاباة تقع بسبعة أعشار شيء، ويبقى مع الورثة كُرٌّ إلا سبعة أعشار شيء، ومعهم من التركة عشرة وهي عشرا الخمسين فالحاصل في يد الورثة كُرٌّ وعشران إلا سبعة أعشار شيء، وهذا يعدل ضعف المحاباة.
وإذا كانت المحاباة سبعةَ أعشار شيء، فضعفها شيء وأربعة أعشار شيء، فنجبر ونقابل، فيكون كر وعشرا كرّ يعدل شيئين وعشرَ شيء، فنبسطهما أعشاراً، ونقلب الاسم فيهما، فيكون الكر أحداً وعشرين، والشيء اثنا عشر، فيصح البيع في اثني عشر جزءاً من أحدٍ وعشرين جزءاً من الكُرّ، وذلك يعدل أربعةَ أسباع الكُرّ؛ فإن سُبع الأحدَ والعشرين ثلاثة، فالاثنا عشر أربعةُ أسباعه؛ فقد نفذ البيع في أربعة أسباع الكر إلا ربع بأربعة أسباع الكر إلا دور وقيمتها ثلاثة أعشار المبيع من الكر إلا ربع، فاجعل الكُرّ عدداً له سُبع وعُشر، وأقله سبعون، فيصح البيع في أربعة أسباع الأجود، وهو أربعون جزءاً من سبعين، ورجع بالعوض ثلاثة أعشار أربعين، وذلك اثنا عشر، فصار قيمة المحاباة ثمانية وعشرين جزءاً، ومع ورثة البائع مما بطل البيع فيه ثلاثون جزءاً، وما رجع من العوض اثنا عشر جزءاً، ومعهم من التركة مثلُ خُمس الكُرّ، وذلك بأجزاء السبعين أربعةَ عشرَ، والحاصل من الجهات كلّها مع الورثة ستة وخمسون جزءاً من سبعين، وذلك كضعف المحاباة إذ المحاباة ثمانيةٌ وعشرون جزءاً.
وتخريج المسألة على طريق التقدير والنسبة أن الثلث من الكُرّ والتركة عشرون، والمحاباة من الكر خمسة وثلاثون؛ فإنه باع الكرّ وقيمتُه خمسون بخمسة عشرَ، فقدر الثلث وهو عشرون من المحاباة أربعة أسباعها، فيصحّ البيع في أربعة أسباع الكُر، كما تقدم من وجه الجبر وامتحانه لائح.
هذا قياس مسائل الباب.
7033- مسألة: باع المريض كُرّاً من البُرّ، قيمته مائةٌ، بكُرٍّ رديء، قيمتُه خمسون، ومات البائع، وعليه دين عشرون.
فنقول: صح البيع في شيء من الكُرّ الجيّد، ورجع بالعوض شيء قيمتُه نصف شيء، فصارت المحاباة نصفَ شيء، و في يد ورثة البائع كُرٌّ إلا نصفَ شيء، فنَفُضُّ..... ما هو مع الورثة، والدين عشرون، وهي مثل خُمس كُرٍّ، فَنَحُطُّه مما في أيديهم، فتبقى أربعة أخماس كُرّ إلا نصفَ شيء، يعدل ضعف المحاباة، وهو شيء، فنجبر ونقابل، فيكون أربعةَ أخماس كُرّ يعدل شيئاً ونصفَ شيء، وقد حصل معنا كُرٌّ وخمسٌ ونصف، فنضرب ما في الجانبين في مخرجٍ له نصف وخمس، وذلك عشرة، فيصير الكرّ ثمانية؛ فإن ضرب أربعة أخماس في عشرة يردّ ثمانية، ويصير الشيء خمسةَ عشرَ، فنقلب الاسم فيهما جميعاً، فيكون الكُرّ خمسةَ عشرَ والشيءُ ثمانية، فنقول: صح البيع في ثمانية أجزاء من خمسةَ عشرَ جزءاً من كُرّ البائع، والعوضُ الراجع من جهة القيمة أربعةُ أجزاء من خمسةَ عشرَ جزءاً، فالمحاباة أربعةُ أجزاء، وبقي مع ورثة البائع سبعة أجزاء، مما بطل البيع فيه من الكُرّ، وانضم إليه من العوض الراجع أربعة، فالمجموع أحدَ عشرَ، وأنقص
منه الدين، وهو ثلاثة أجزاء من خمسةَ عشرَ جزءاً، فبقي مع الورثة ثمانية هي ضعف المحاباة؛ فإن المحاباة كانت أربعة.
7034- فإن كان للمريض تركة وكان عليه دين، فنقابل التركةَ بالدين، فإن كانا سواء، فكأنه لا تركة ولا دين، وإن كانت التركة أكثرَ من الدين، فنحط مقدار الدين من التركة، ونجعل كأن في المسألة من التركة مقدارَ ما بقي بعد حط الدين ولا دين، وإن كان مقدارُ الدين أكثرَ، فنحط التركة منه، ونجعل كأن في المسألة من الدين ما بقي، وكأنه لا تركة أصلاً.
7035- مسألة: باع المريض عبداً قيمته مائة درهم بخمسين درهماً، فزادت قيمةُ العبد، وبلغت مائتي درهم، ثم مات المريض، وخلّف البائع من التركة خمسين درهماً سوى العبدِ وثَمنِه.
فنقول: نفذ البيع في جميع العبد بالخمسين.
وفقه المسألة أن المقدار الذي يصح البيعُ فيه يقع في جزء البائع بقيمته يومَ البيع، والزيادة تكون للمشتري غير محسوبة عليه، فنقول على هذه القاعدة: صح البيع في عبدٍ قيمته مائة بخمسين، فالمحاباة خمسون، وفي يد الورثة خمسون من التركة، فالعوض الراجع والتركة مائة، ومقدار المحاباة خمسون، فتقع المحاباة ثلثاً من المال، وينفذ البيع لذلك في جميع العبد.
7036- وإن كانت المسألة بحالها، ولم يكن في يد الورثة تركة زائدة سوى العبد وعوضِه، فينفذ البيع في بعضه، ويبطل في بعضه، ثم المقدار الذي ينفذ البيع فيه تُعتبر قيمته بيوم البيع، والزيادة تقع للمشتري غيرَ محسوبة عليه، والمقدار الذي لا ينفذ البيع فيه يبقى لورثة البائع، والاعتبار في قيمة الباقي بيوم الموت؛ فإن العبرة في التركة ومقدارِها بيوم الموت؛ إذ التركة ما يتركه المتوفى.
فإذا وضح ذلك، فنقول على القول الصحيح: يصح البيع في شيء من العبد، ويبطل في عبدٍ إلا شيئاً، ويرجع من الثمن نصفُ الشيء، فالمحاباة نصف شيء، وقيمة العبد يوم الموت مائتا درهم إلا شيئين؛ فإن الاستثناء يزيد على حسب زيادة المستثنى منه، و عليه بقي في يد الورثة عبدٌ يساوي مائتي درهم، وقد نفذ البيع في شيئين منه ورجع من الثمن نصف شيء، فالباقي مائتان إلا شيئاً ونصفاً، وذلك يعدل ضعفَ المحاباة وهي شيء، فنجبر ونقابل، فتصير مائتان في معادلة شيئين ونصف، فالشيء خمسا المائتين، وذلك ثمانون درهماً، وهو أربعة أخماس العبد يوم البيع، فنقول: نفذ البيع في أربعة أخماس العبد، وكانت قيمته مائة، فالبيع بهذه النسبة ثمانون، ورجع من الثمن أربعون، فالمحاباة أربعون، وبقي في يد الورثة خُمس العبد، وقيمته يوم الموت أربعون، والتركة محسوبة يوم الموت، فالحاصل في أيديهم ثمانون، والمحاباة أربعون، وما حصل من الزيادة في يد المشتري بعد الشراء غيرُ محسوب عليه؛ فإنها زيادة حصلت على ملكه.
هذا تفريعٌ على القول الصحيح، وهو أن الثمن مفضوض على المبيع سقط قسطٌ وبقي قسط.
7037- ويتأتّى في هذه الصورة التي فرضناها التفريعُ على القول الضعيف؛ فإنها مُصوَّرةٌ في بيع العبد بالدراهم، فلا يؤدي إلى التفريع على الربا، فإذا قلنا: البيع صحيح فيما يصح فيه بجميع الثمن المسمى، فنقول: للمشتري نصفُ العبد بخمسين اعتباراً بقيمة يوم الشراء، يبقى نصف العبد وقيمته مائة يوم الموت، فنضمها إلى الثمن، فيكون مائة وخمسين، فللمشتري من ذلك شيء بالمحاباة وثبت شيءٌ في مقابلة فَضْل القيمة؛ فإن ذلك الشيء يتبع ما نفذ من التبرع غيرَ محسوب، فقد نفذ التبرع في شيء وتبعه من زيادة القيمة شيء، فبقي مائةٌ وخمسون درهماً إلا شيئين يعدل ضعف التبرع وهو شيئان، فبعد الجبر والمقابلة يكون مائة وخمسون في معادلة أربعة أشياء، فالشيء إذاً ربع المائة والخمسين، وذلك سبعةٌ وثلاثون درهماً ونصفُ درهم. وهذا هو النافذ من المتبرع، نأخذها من قيمة العبد، وهو ثلاثة أثمان العبد يوم اشتراه، وله النصف، بالثمن فيحصل له بالثَّمن والمحاباة جميعاً سبعةُ أثمان العبد، ولورثة البائع ثمنُ العبد مع الثَّمن الذي أَجَره ومبلغها يوم الموت خمسةٌ وسبعون درهماً، وهو ضعف المحاباة والتبرع، وهو سبعةٌ وثلاثون درهماً ونصف.
وهذه الزيادة التي فرضناها لا فرق بين أن تكون الزيادة في البدن تُثبت مزيدَ القيمة، وبين أن تكون زيادة في سعر السوق، من غير مزيدٍ في البدن، فالتفريع لا يختلف والزيادة مفروضةٌ قبل موت البائع مع بقائها يوم الموت.
7038-فإن حدثت الزيادة بعد موت البائع، فهي حادثة في ملك الورثة، وملك المشتري، ولا تزيد بسبب تلك الزيادة التركة و ما استحقه المتوفى وخلّفه على ورثته، فنجعل كأن الزيادة لم تكن، ولا يُعتد بها لا في حصة المشتري، ولا فيما يبقى للورثة. وجرى الترتيب كما تقدم فيه إذا لم يحدث زيادةٌ ولا نقصان، فعلى قولٍ نسلم خمسة أسداس العبد بتمام الثمن والمحاباة للمشتري.
وعلى القول الصحيح البيعُ في ثلثي العبد بثلثي الثمن، كما تقدم ذكره.
7039- ولو لم تزد القيمة بل نقصت وهو في يد المشتري، فكانت القيمة مائة، ورجعت إلى خمسين، ومات المريض البائع والقيمةُ ناقصة، كما ذكرناها، فالحساب على قولنا: أن البيع ينفذ بجميع الثمن أن نقول: كان للمشتري نصف العبد بالخمسين درهماً ونحن نضم نصفه الآخر إلى الثمن الحاصل في يد البائع، ونصفه بعد النقصان خمسةٌ وعشرون، فالثمن والنصف يوم الموت خمسةٌ وسبعون درهماً، فللمشتري من ذلك بسبب المحاباة شيء محسوب عليه بشيئين، وهذا مبني على القاعدة التي ذكرناها من كون النقصان محسوباً على المتبرع عليه، تبقى لورثة البائع خمسةٌ وسبعون درهماً إلا شيئاً، تعدل ضعف المحسوب عليه، والمحسوب عليه شيئان، وضعفهما أربعة أشياء، فنجبر ونقابل، فتصير خمسة وسبعون في معادلة خمسة أشياء، فالشيء يعدل خمسةَ عشرَ درهماً، وهي ثلاثة أعشار العبد يوم الموت؛ فإن قيمة العبد خمسون درهماً، وعُشْره خمسة. هذا هو المسلم للمشتري بسبب المحاباة، فإذا ضممنا المحاباة إلى ما قابل تمام الثمن، كان المبلغ أربعة أخماس العبد؛ فإن النصف سلّم بالثمن، وهو يوم الموت خمسةٌ وعشرون، وانضم إليه خمسةَ عشرَ، فالمجموع أربعة أخماس العبد، فقد قام ما يساوي أربعين يوم الموت عليه بخمسين، وهذا خسران. وإن كان البيع في وضعٍ على المحاباة. وهذا احتساب النقص على المشتري.
7040- وإذا فرعنا على القول الثاني وهو أن البيع يصح في مقدارٍ من العبد بقسطٍ من الثمن، فسبيل الحساب فيه أن نقول: يصح البيع في شيء من العبد بنصف شي؛ من الثمن أولاً، ويبطل في عبدٍ إلا شيئاً، وقيمته يوم الموت خمسون درهماً إلا نصف شيء، قيمةُ ما بقي وبطل البيع فيه.
وإنما كان كذلك، لأنه كان الباقي مائة إلا شيئاً، ولما نقص نصفه، كان الاستثناء
على نسبة النقصان، فبقي خمسون إلا نصفَ شيء، فنضم إلى الثاني ما كان حصل من
الثمن، وهو نصف شيء، فنجبر بهذا الثمن ما كان في الخمسين من الاستثناء، وقد
كان خمسين إلا نصفَ شيء، فإذا ضممنا إليه الثمنَ، وهو نصفُ شيء، صارت خمسين كاملة، وهي تعدل ضعف المحاباة وهي شيء، فالشيء إذاً خمسون درهماً، وهو نصف العبد يوم الشراء، وهو الذي بيع. فنقول: صح البيع في نصف العبد بنصف الثمن، وهو خمسة وعشرون، فالمحاباة خمسة وعشرون، وللورثة نصف العبد ونصف الثمن، ومبلغها يوم الموت خمسون، وهي ضعف المحاباة.
فهذا بيان نقصان القيمة في يد المشتري قبل موت المريض البائع.
7041- فأما إذا حصل النقصان بعد موت السيد، فنحن نبين في مقدمته قاعدةً، وهي أن العبد إذا نقص قبل موت البائع، فالنقص في المقدار المبيع محسوبٌ عليه، كما ذكرناه، وأوضحنا حسابه والنقص الذي يخص الجزء الذي بطل البيع فيه لا يكون مضموناً على المشتري.
هكذا ذكره الأستاذ وغيره من الأصحاب؛ فإن ذلك الجزء ليس مبيعاً في حقه، وليس هو قابضه على سبيل العدوان أيضاً، وليس قابضه لمنفعة نفسه أيضاً، فهو أمانة في يده: لو تلف العبد في يده، لم يلزمه ضمان في مقابلة ما بطل البيع فيه.
وهذا الذي ذكر ظاهر، ولكن فيه احتمالٌ؛ من جهة أن من يشتري شيئاً من مريض فقد قبضه مبيعاً، ولو برأ المريض واستبلّ، لكان البيع لازماً في جميع العبد، فقبض جميعه على اعتقاد كونه مبيعاً، فلا يمتنع أن يقال: يدُه يدُ ضمان فيما ليس بمبيع.
والدليل عليه أن من اشترى شراءً فاسداً وقبضه، فيده يدُ ضمان؛ لأنه قبضه معتقداً كونه مبيعاً، وهذا المعنى يتحقق في جميع ما اشتراه وقبضه، فالقبض في الموضعين بإذن المالك، ولا عدوان، بل هذا في المقبوض على الفساد أوضح؛ فإن التسليم في البيع الفاسد جرى في مطلق التصرف، والمريض ليس مطلقاً في حقوق الورثة.
فإن قلنا: يد المشتري يد أمانة في المقدار الذي ليس مبيعاً، فطريق الحساب ما تقدم.
وإن قلنا: إنه يضمن النقصان، فيختلف مسلك الحساب، ويصير المشتري غارماً لمقداره مع الثمن. وهذا في نقصانٍ يتعلق ببدن العبد.
فأما نقصان السوق، فهو محسوب على المشتري، كما ذكرناه، ولا يكون نقصان السوق مضموناً باليد؛ إذ لو كانت العين باقيةً قائمةً، لا يسقط الخيار، فليقع الفرض في نقصان السوق حتى سموه الحساب كما قدمناه من غير تخيل خلاف.
فهذا ما لم نجد بُداً من ذكره.
7042- ومما نذكره أن الأستاذ قال: إذا نقص المبيع في يد المشتري، فإن كان نقصان عينٍ، بطريان عيبٍ، فلا يبقى له خيارٌ بسبب تبعّض الصفقة عليه. وهذا ينزله منزلة ما لو اشترى عبداً، واطّلع على عيبٍ قديمٍ، وقد حدث في يده عيبٌ حادث، فالعيب الحادث يمنعه من الرد بالعيب القديم، ولو كان ذلك النقصان بسبب السوق، لم يمتنع بسببه الردُّ عليه بعلة تفرّق الصفقة؛ فإن نقصان السوق غيرُ مضمون في عهد البيع، وإن حدث نقصان السوق والعيب، فإنهما جميعاً محسوبان على المشتري فيما يتعلق بحساب المبيع ومقداره، وما ذكره في إثبات الخيار عند نقصان السوق صحيحٌ لا شك فيه، وما ذكره من أن العيب الحادث يمنع الرد ببعض الصفقة، فالقول فيه كالقول في العيب القديم مع العيب الحادث، وقد ذكرتُ تفصيلَ المذهب فيه في كتاب البيع.
7043- ثم ظاهر كلام الأستاذ أن العيب والنقصان بعد الموت في يد المشتري بمثابة النقصان قبل موت البائع، وهذا يتضمن أن يكون مقدار المبيع في هذه الصورة كمقدار المبيع إذا كان النقصان قبل الموت. وهذا إن أراده وقصده خطأٌ؛ فإن القيمة إذا كانت تامة يوم الموت، فقد حصلت التركة على القيمة التامة، وقرار التبرع وحساب الثلث والثلثين يكون يوم الموت؛ فينبغي أن ينفذ البيع على القول الصحيح في ثلثي العبد نظراً إلى قيمة يوم الموت، وليس كما لو نقصت القيمة قبل الموت؛ فإن الاعتبار في مقدار التركة بيوم الموت وكانت القيمة ناقصةً يوم الموت، فنقص مقدار المبيع بسبب نقصان التركة يوم الموت. وإذا كانت القيمة كاملة يوم الموت، فالنقصان بعد ذلك لا يؤثر في تنقيص مقدار المبيع، سيّما إذا كان النقصان بسعر السوق، ولم يفترض في المسألة إمكان تضمين المشتري نقصانَ ما لم يصح البيع فيه.
هذا تمام القول في ذلك.
7044- ومما يتعلق بالغرض فيه أنه لو باع عبداً قيمتُه مائة بخمسين، ثم لم يسلّمه إلى المشتري حتى رجعت القيمة إلى الخمسين، فالبيع نافذٌ في الجميع، والمحاباة زائلة وقد بان آخراً أنه باع الشيء بثمن مثله؛ فإنه لم يسلّمه حتى تحقق النقصان في يده، وإنما يتم التبرع بالتسليم.
هكذا ذكره الأستاذ. وقال في استتمام الكلام: لو رَجَعت قيمة العبد إلى خمسة وسبعين، فالبيع نافذ في الجميع أيضاً؛ فإن التبرع خمسةٌ وعشرون، وذلك هو الثلث الذي للمريض التبرع به.
والذي ذكره فيه نظر على الفقيه؛ فإن التبرع الواقع بالمحاباة لا يتوقف تمامه ونفوذه على التسليم؛ فلا ينبغي أن يكون بين حدوث النقصان في يد البائع المريض، وبين حدوثه في يد المشتري فرق، وما يقع من نقصان يجب أن يكون محسوباً على المشتري، ويجب أن يكون الاعتبار في القاعدة التي نبني عليها خروجُ مقدار المبيع على يوم زوال الملك إلى المشتري، وذلك لا يختلف بالقبض وعدمه فليتأمل الناظر ما نجريه في ذلك؛ فإنه محل النظر، ولا وجه لما ذكره الأستاذ عندنا، والله أعلم.
7045- مسألة: إذا اشترى المريض عبداً قيمته عشرة بثلاثين، لا مال له غيرَ الثلاثين، فالمحاباة في جانب الشراء بمثابة المحاباة في جانب البيع.
وتقريب القول فيه أن المشتري مزيلٌ ملكه عن الثمن، كما أن البائع مزيلٌ ملكه عن المبيع، والكلامُ في الجانبين جميعاً على وتيرةٍ واحدةٍ.
والذي نذكرهُ أنه إذا اشترى عبداً قيمته عشرة بثلاثين، فزادت قيمة العبد في يده، وصارت قيمته عشرون، فالعشرة الزائدة قبل موت المشتري في قيمة العبد زائدةٌ في تركة المشتري، ويزيد ثُلثه وينزعه، فنضم العشرة الزائدة إلى الثلاثين، فتصير التركةُ أربعين، وثلثها ثلاثةَ عشرَ وثلث.
فنقول: للبائع ثلث هذا المقدار، فنجيز قدرها من المحاباة على ما يقتضيه الحساب، فإن رضي البائع بهذا، ردّ من الثمن ستةً وثُلثين؛ فإن المحاباة لهما تجوز على قدر الثلث.
فإن أراد الفسخ لتبعيض الصفقة، فله ذلك، ويسترد العبد زائداً.
وإن صارت قيمةُ العبد ثلاثين درهماً، ضممنا ما زاد، وهو عشرون إلى الثلاثين الذي جعله ثمناً، وأخرجنا ثُلثَه، فيكون ستةَ عشرَ وثُلثي درهم، فعلى هذا القدر تجوز المحاباة، فإن رضي البائع به، فذاك، ويردّ ثلاثةَ دراهم وثلثاً من قيمة العشرين، فالمحاباة الواقعة عشرون. وإن شاء فسخ العقدَ، فاسترد العبد زائداً، وهذا خيرٌ له وأولى به.
وإن صارت قيمة العبد أربعين، فقد زاد ثلاثون، فنضمها إلى الثلاثين الذي كان في ملكه وثلث المبلغ عشرون، والمحاباة عشرون، فينفذ البيع في جميع العبد بجميع الثمن؛ نظراً إلى مقدار التركة حالة موت المشتري.
ثم لا فرق بين أن تحدث الزيادة في يد المشتري أو في يد البائع، فهي حادثة في ملك المشتري، والأمر على ما ذكرناه.
7046- ولو اشترى عبداً قيمته عشرة كما تقدم بثلاثين درهماً، لا مال له غيره، ثم نقصت قيمةُ العبد سِتةً، ورجع ما في يد المشتري إلى أربعة، فقد كانت تركته ثلاثين، والآن نقصت تركته ستة دراهم، فكأنه خلّف أربعةً وعشرين، وثلثُها ثمانية، فيقال للبائع: تتقيد المحاباة؛ فتقع على قدر الثلث، وهو ثمانية. فإن رضي البائع بذلك، فلا كلام. وإن أبى، فله فسخ البيع ويُرَدُّ العبد ناقصاً، وَيرُدّ تمامَ الثمن، ولا ضمان على المشتري؛ فإن البائع كان بالخيار، وليس يخفى ذلك، وهو مما تناهينا في تقريره في كتاب البيع.
7047- وإن أحببنا، اعتبرنا طريقَ الحساب تذكيراً وتجديداً للعهد وإن كان مسلكه واضحاً، فنذكر الحساب في الزيادة والنقصان، فنقول:
إذا اشترى عبداً قيمته عشرة بثلاثين، فزادت قيمته وبلغت عشرين، والتفريع على أن البيع يصح في البعض ببعض من الثمن، فيصح البيع في شيء من العبد بثلاثة أشياء من الثمن، فيكون المحاباة شيئين، ويبقى من الثمن ثلاثون درهماً إلا ثلاثةَ أشياء، فنضم إليه المشترَى من العبد، وقد كان شيئاً، فصار شيئين، وإذا ضممنا ذلك إلى الثمن، جبرنا ما كان فيه من استثناء، وقد كان فيه استثناء ثلاثة أشياء، فإذا ضممنا إليه شيئين، رجع إلى واحد، فمعنا ثلاثون درهماً ناقصٌ شيئاً، وذلك يعدل ضعفَ، المحاباة، وكان المحاباة شيئين، وضعفها أربعة أشياء، فنجبر ونقابل، فتصير ثلاثون في معادلة خمسة أشياء، فالشيء ستة دراهم، وهي خُمس الثلاثين، وهي ثلاثة أخماس العبد، فنقول: صح البيع في ثلاثة أخماس العبد، بثلاثة أخماس الثمن، وهي ثمانية عشر درهماً، فيكون المحاباة اثني عشر درهماً، ولورثة المشتري ثلاثة أخماس العبد، وقيمتها يوم الموت اثنا عشر درهماً، مع خمسي الثمن، وقيمتها اثنا عشر درهماً، فالمبلغ أربعة وعشرون، وهو ضعف المحاباة.
هذا مسلك الحساب في الزيادة إذا وقع التفريع على قول انبساط الثمن.
7048- ونذكر صورةً على هذا القول في النقصان، فنقول: اشترى عبداً قيمته عشرة بثلاثين درهماً وهو مريضٌ، لا مال له سوى الثلاثين، فنقص العبد في يد المريض، ورجع إلى خمسةٍ، فالنقصان مضمون على المشتري، كما تقدم ذكره.
فنقول: جاز البيع في شيء من العبد بثلاثة أشياء من الثمن، وبطل العقد في عبد إلا شيئاً، فقد نقصت قيمته، فكأنا نقول: عشرة إلا شيئاً، والآن هو خمسة إلا نصف شيء، فننقص النقصان من التركة؛ لأنه إذا كان محسوباً على المشتري، فهو كدينٍ يُقضى، فيبقى مع الورثة خمسة وعشرون درهماً إلا شيئين ونصفاً.
وبيان ذلك على هذه القاعدة أنه كان معهم ثلاثون إلا ثلاثة أشياء، فالآن نحطُ منها خمسة إلا نصفَ شيء، فيكون الباقي خمسة وعشرين درهماً إلا شيئين ونصفَ شيء، فنضم ذلك إلى المشترَى من العبد، وقد كان المشترَى شيئاً من العبد، ورجع إلى نصف شيء، فحصل للورثة خمسةٌ وعشرون درهماً إلا شيئين في معادلة ضعف المحاباة، فكانت المحاباة شيئين، وضعف المحاباة أربعة أشياء، فبعد الجبر والمقابلة تكون خمسة وعشرين درهماً في معادلة ستة أشياء، فالشيء سُدُس خمسة وعشرين، وذلك ربع العبد وسدس العبد؛ فإن سدس الخمسة والعشرين أربعة وسدس، والأربعة والسدس، ربع العشرة التي كانت قيمة العبد وسدسها؛ فإن ربعها درهمان ونصف، وسدسها درهمٌ وثلثان، وذلك خمسة أجزاء من اثني عشر جزءاً من العبد، فقد نفذ البيع في هذا القدر منه.
7049- وإذا كنا نحتاج إلى أن نبين مقدار الثمن وعَوْد الثمن مع التفاوت في القلة والكثرة على نسبة الجزء الذي نفذ البيع فيه من العبد، فالوجه أن نقول: العبد عشرة قسمناها اثني عشر جزءاً لننسبَ إليها خمسةَ أجزاء، فالثمن ثلاثون، فنجعل كل عشرة اثني عشر جزءاً، ومجرى التبيين على هذه النسبة، فيصير الثلاثون ستة وثلاثين جزءاً، فينفذ البيع في خمسة أجزاء من اثني عشر جزءاً من عشرة من العبد بخمسةَ عشرَ جزءاً من ستة وثلاثين جزءاً من ثلاثين درهماً من الثمن. ويبقى أحدٌ وعشرون جزءاً، وقد بطل البيع في سبعة أجزاء من العبد، ورجعت قيمتها إلى ثلاثة أجزاء ونصف جزء، فأخرج ما نقص من أحدٍ وعشرين جزءاً، فيبقى من الدراهم سبعةَ عشر جزءاً ونصف، فنزيد عليها الشيء المشترى وهو خمسة أجزاء، وقد رجعت قيمتها إلى جزأين ونصف، فيجتمع لهم عشرون جزءاً، ضعف المحاباة.
هذا سياق الحساب.
7050- والمسألة معدّلةٌ على الفقه والفتوى، وقد استرسل الأستاذ فيها، وطرد الحساب، كما ذكرناه، وقوله في هذه المسألة مناقض لما قدمنا ذكره حكاية عنه، وذلك أنه قال في هذه المسألة: العبد المبيع إذا صح البيع في شيء منه، بطل في عبدٍ إلا شيئاً، ثم قال: إذا نقص العبد، ورجعت قيمته إلى خمسة، فهذا النقصان مضمون على المشتري؛ فإن البيع لم يصح فيه، وقد تقدم أن النقصان فيما لا يصح البيع فيه غير مضمون على المشتري، وهو أمانة في يده، وقد أوضحنا الردَّ عليه في ذلك، ثم جاء بنقيض ما قدّمه في هذه المسألة، وضمَّن المشتري النقصان فيما لا يصح البيع فيه. ولفظه في هذه المسألة: "أنه كالدين يُقضى مما في يده".
وهذا سديد لكن في المسألة خلل من وجهٍ آخر، وهو أنه لم يفرق بين نقصان السوق ونقصان العين، ونحن على قطعٍ نعلم أن نقصان السوق غيرُ مضمون؛ فإن الغاصب لا يضمن نقصان القيمة مع بقاء العين، فلا تستقيم هذه المسألة حتى نفرض النقصان بسبب يرجع إلى ذات وعين العبد لا إلى السوق.
7051- مسألة أوردها صاحب التلخيص للمبتدىء في نظره، وهي مقومة على قاعدة الفقه والحساب، قال الشيخ أبو علي: المسائل المتقدمة كالتوطئة و التمهيد لقاعدةٍ، وغرضُ المسألة نذكره مرسلاً، ثم نفصّله، ونبين حسابه، وقد ذكرنا أن المريض إذا باع كُرّاً يساوي عشرين بكُرٍّ يساوي عشرة، والتفريع على قول التقسيط؛ إذ لا يصح البيع في الربويات إلا على هذا القول، فالبيع يصح في ثلثي الكُر الأرفع، فإذا باع كُرّاً يساوي ثلاثين بكُرٍّ يساوي عشرة، فالبيع يصح في نصف الكُرّ الأرفع، فيختلف ما ينفذ البيع فيه باختلاف قيمة الأرفع والأَدْونِ، وهذا معلوم يبتدره الفهم ابتداراً كلياً، إلى أن نطّلع على تفصيله.
فلو باع المريض كراً جيداً بكرّ رديء، واستوفى الرديء، وأكله، أو أتلفه، وردّ الورثةُ التبرعَ الزائد على الثلث، فالبيع يصح في ثلث الكُرّ الجيد، ولا فرق بين أن تكون قيمة الكُرّ الأرفع ضعف قيمة الأدون، وبين أن تكون ثلاثة أمثالِه، أو أكثر فصاعداً، فلا ينفذ البيع إذا أتلف صاحبُ الأجود الثمنَ الأدْون إلا في ثلث الكر الجيد.
هكذا قال صاحب التلخيص.
واتفق الفقهاء والحُسّاب على مطابقته، وهو بدعٌ قبل تدبُّره؛ فإن الجزء الذي ينفذ البيع فيه لا يختلف مع اختلاف القيم، وهو ثلث زائد.
وقد ذكر الأستاذ ذلك، وأوضحه باعتبارٍ لا يخرج إلى الجبر، ولا إلى طريق يتفصَّى عنه، وأوضح ما أراده في مسألتين ليقيس القايس على قياسه فيهما.
فإذا باع كُرَّاً قيمته عشرون بكُرٍّ قيمته عشرة، واستوفى الكُرَّ الرديء، وأتلفه، فنطلق ونقول: صح البيع في ثلث الكرّ الجيد، وقيمته ستة وثلثان، بثلث الكر الرديء، وقيمته ثلاثة وثلث، فالمحاباة ثلاثةٌ وثلث، وفي يد صاحب الكر الجيد ثلثا الكر الجيد، فيؤدي منه عِوَض ثلثي الكُرّ الرديء، فإنا أذهبنا ثلثاً من الكر الجيد بثلث من الكرّ الرديء، وقيمة ثلثي الكر الجيد ثلاثةَ عشرَ درهماً وثلثٌ، وقيمة ثلثي الكر الردي ستةٌ وثلثان، فنحط ستةً وثُلثين من ثلاثةَ عشرَ وثلثٍ، فيبقى ستة وثلثان في يد ورثة بائع الكر الجيد.، وهذا ضعف المحاباة. والشرط أن يبقى في يد الورثة ضعفُ المحاباة بعد قضاء الدين.
فهذا تقويم المسألة إذا كان الكُرّ الجيد بعشرين والكُرّ الرديء بعَشَرة.
7052- فأما إذا كان الكُرّ الجيد قيمتُه ثلاثون والكُر الرديء قيمته عَشَرة، فنقول: إذا استوفى صاحبُ الجيد الرديءَ، وأتلفه، فالبيع يصح في ثلث الكُرّ الجيد، كما قدمناه في المسألة، وطريق الاعتبار فيها أن نقول: قيمةُ ثلث الكُرّ الجيد عَشَرة، فإذا نفذ البيع فيه ورجع ثلث الكُرّ الرديء عِوضاً وقيمته ثلاثة وثلث، فالمحاباة من ستة وثُلثَيْن، وقد بقي في يد ورثة بائع الكر الجيد ما يساوى عشرين وهو ثلث الكر الجيد، لكن البائع أتلف الكُرّ الرديء، فذهب ثلثه عوضاً بالثلث وبقي عليه قيمةُ الثُلُثَيْن، وقيمة ثلثي الكر الرديء ستة وثلثان، فنحط ذلك من العشرين، فيبقي في يد ورثة بائع الجيد ثلاثةَ عشرَ وثلثُ، وهي ضعف المحاباة في الثلث: ستةٌ وثلثان.
وهذا يجري على الطرد، مع اختلاف الأقدار، إذا كان المبيع يتبعض ولا يخرج جيمعه.
واكتفى الأستاذ بالاعتبار الذي ذكره.
7053- وأجرى الشيخ أبو علي طريقَ الحساب في المسألة، فنشير إلى أصولها، فنقول: إذا باع كُرّاً جيّداً قيمتُه عشرون بكُرٍّ رديء قيمته عشرة، واستوفى بائعُ الجيد الرديءَ وأتلفه.
فطريقة التقدير والنسبة أن نقول: أخذ عشرة فننقصها مما معه، وهو الكُرّ الجيد، فيبقى عشرة، وإنما نقصنا العشرة لأنه استحقَّ بعضَها، وأتلف بعضَها، فنقول: العشرة بالعشرة، فيبقى عشرة، وقد جاء بالعشرة، فنجعل كأن كلّ ماله عشرة، ومن تبرع بكل ماله، نفذ تبرعه في الثلث، فثلث العشرة ثلث ماله، وهو بالإضافة إلى المحاباة ثلث المحاباة، فنقول: نفذ البيع في ثلث العشرة على قاعدة التقدير والنسبة.
7054- طريقة الجبر: أن نقول: كُرٌّ قيمته عشرون، صح البيع في شيء منه، ورجع نصف شيء، فيبقى عشرون درهماً ناقصةً نصفَ شيء، وعلى المريض عشرة استحق بعضها، وأتلف بعضَها، والعشرةُ محسوبةٌ عليه، فنحط ذلك مما معه، فيبقى عشرة غيرَ نصف شيء يَعدل شيئاً مثلي المحاباة، فنجبر ونقابل، ونقول بعد الجبر والمقابلة: عشرة تعدل شيئاً ونصفاً، وإذا كانت العشرة تعدل شيئاً ونصفاً، فالعشرون تعدل ثلاثة أشياء، وقد قلنا؛ نفذ البيع من العشرين في شيء، فليكن ذلك الشيء ثلث العشرين، واستدّ قولنا: البيع ينفذ في ثلث الكر الجيد.
7055- طريقة الدينار والدرهم: أن نقول: القفيز الجيد دينار ودرهم، فنقول: صح البيع في الدينار، ورجع نصفه، وإذا جعلنا الكر الجيد ديناراً ودرهماً، فالرديء نصف دينار ونصف درهم، بقي من الجيد درهم ونصف دينار، وهو ما عاد من العوض، وقد فوّت العشرة، كما قدمنا، والعشرة نصف دينار ونصف درهم، ننقُصها مما في يد الورثة فيبقى في يدهم نصفُ درهم يعدل مثلي المحاباة، وهو دينار؛ فإن المحاباة نصفُ دينار، فنقول: إذا كان نصف درهم يعدل ديناراً، ودرهم كامل يعدل دينارين، فعرفنا أن الدينار الذي أطلقناه كان نصف درهم، وهو على
التحقيق ثلثُ القفيز.
7056- طريقة الخطأين: نقدّر القفيزَ الجيد خمسةَ أسهم إن أردنا، ويجب البيع في سهم من الخمسة ويرجع نصفُ سهمٍ، فيبقى في يد الورثة أربعةُ أسهم ونصفٌ، فيقضي منها العشرة تقديراً، وهي سهمان ونصف، فإنها نصف الجيد، فيبقى في يد الورثة سهمان، وحاجتنا إلى سهم واحد؛ فإن المحاباة نصف سهم، والخطأ في زيادة سهم، فنحفظ هذا.
ثم نرجع ونجيزُ البيع في سهمٍ وثلث، فيرجع مثل نصفه، وهو ثلثا سهم، فيبقى في يد الورثة سهمٌ وخمسةُ أسداس سهم والحاجة إلى سهم وثلث، والخطأ بزيادة نصف، وكان الخطأ الأول سهماً، فلما زدنا ثلثَ سهم، ذهب نصف الخطأ، فلعلنا أنا لو زدنا ثلثاً آخر وأجيز البيع في سهم وثُلُثَين، لذهب كل الخطأ، والسهم والثلثان ثلث الخمسة، وقد بان الغرض بهذا القدر.
ولكنا نسلك طرق الحساب؛ فإن الضرورة قد تُحوج إليها في المضايق، فنقول: المال الأول وهو خمسةٌ مضروبٌ في الخطأ الثاني، وهو نصف سهم، فيرد سهمين ونصفاً، ونضرب المال الثاني، وهو خمسة في الخطأ الأول وهو سهمٌ، فيرد خمسةً، فنطرح الأقل من الأكثر؛ فإن الخطأين زائدان، يبقى سهمان ونصف، ونحن نحتاج إلى النصف والثلث جميعاً، فنبسطه على مخرج السدس، لنجد فيه النصف والثلث، فيبلغ خمسة عشر، فهو الكُرّ الجيد، وهذا من ضرب اثنين ونصف في ستة.
وإذا أردنا أن نعرف النصيب الذي ينفذ البيع فيه، فنأخذ النصيب الأول، وهو سهم، فنضربه في الخطأ الثاني وهو نصف سهم، فيرد نصفَ سهم، ونأخذ النصيب الثاني وهو سهم وثلث، ونضربه في الخطأ الأول وهو واحد، فيرد سهماً وثلثاً، فنطرح الأقلَّ من الأكثر، فيبقى خمسةُ أسداس، فنبسطها أسداساً، كما بسطنا أصل المال، فيصير خمسةَ آحادٍ، فالبيع ينفذ في خمسةٍ من خمسةَ عشرَ، وهو الثلث، ولو اردتَ ألا نبسط ونبقي لذكر اثنين ونصف، لكان النصف الخارج وهو خمسة أسداس ثلثها، ولكنا بسطنا للإيضاح.
وقد يقول بعضُ الحُساب: الخطأ الأول سهمٌ والمال خمسة، فنحفظهما، ثم نضعّف المالَ فيصير عشرة، ونجيز البيعَ في سهم، ويرجع نصفُ سهم، ويحصل في أيديهم تسعةُ أسهم ونصفٌ، ثم نقضي منه الكُرَّ الرديء، وهو خمسة؛ فإن الجيد إذا كان عشرة، كان التفاضُل بالضعف، فيكون كذلك، فتبقى أربعةٌ ونصفٌ، وحاجتنا إلى سهم واحد، فقد غلطنا بثلاثة ونصف، فنضرب المال الأول في الخطأ الثاني، وهو ثلاثة ونصف، فيردّ علينا سبعةَ عشرَ ونصفاً، ونضرب المال الثاني وهو عشرة في الخطأ الأول، وهو سهم فيردّ عشرة، فنطرح الأقل من الأكثر فتبقى سبعة ونصف، فنضربها في مخرج النصف، فيصير خمسةَ عشرَ. وهو المال.
ثم الأَوْلى أن نقول: نحطّ الخطأ الأول من الثاني فيبقى سهمان ونصف، فنضربه في مخرج النصف، فيرد خمسةً، فهو النصيب. وللحُسّاب طرق في البسط والقبض، والطريقة المرضية في الخطأين إن أردت البسط أن تسلك المسلك الذي ذكرناه في الدور والوصايا، ولا تزيد على قواعد الحُسّاب، وكلما اختصرتَ وقربتَ، كان أولى.
7057- ولو طردت الطرق في بيع كُرٍّ جيد قيمته ثلاثون بكُرٍّ رديء قيمته عشرة، وقد استوفى صاحب الجيد الرديءَ وأتلفه فذلك على المنهاج المقدم، فلا معنى لإعادتها على البسط.
ونذكر على الإيجاز طريق التقدير والنسبة، وطريق الجبر.
أما طريقة التقدير، فنقول: القفيز الجيد يساوي ثلاثين، وقد أتلف الرديء، وقيمته عشرة، فنحطه من الجيد، فيبقى من الجيد عشرون، وكان لا مال له غيره، وقد حابا بالعشرين، فنأخذ ثلثَ العشرين، فإن المال المُثلَّث ما بعد الدين، والأثلاث، وثلثُ العشرين ستة وثلثان. هذا ثلث المال، وهو ثلث المحاباة، فنسبة الثلث من المحاباة بالثلث، فالبيع نافذ في ثلث القفيز الجيد.
طريقة الجبر: أن نقول: نفذ البيع في شيء من الكُرّ الجيد، ورجع ثلث شيء عوضاً، فالحاصل ثلاثون إلا ثلثي شيء، فنحط من هذا المبلغ قيمةَ الرديء؛ فإنها مستهلكة، فتبقى عشرون إلا ثلثي شيء تعدل مثلي المحاباة وهو شيءٌ وثلث، فنجبر ونقابل، فيصير عشرون في معادلة شيئين، فالشيء عشرة، فنرجع ونقول: الشيء الذي صح البيع فيه عشرة من ثلاثين، فيقع ثلثَها.
وعلى هذا النسق تخرج الطرق المستعملة.
7058- وكل ما ذكرناه فيه إذا استوفى صاحبُ الجيد الرديء، وأكله، وأتلفه. فأما إذا استوفى صاحب الرديء الكُرَّ الجيد وأكله وأتلفه، ومات ولا مال له سوى الكُرّ الرديء، فقد قال الأستاذ: يجوز البيع في نصف الكُرّ في الحال.
ونذكر صورتين: إحداهما- أن تكون قيمة الكُرّ الجيد عشرون، والثانية أن تكون قيمته ثلاثون، وقيمة الرديء في المسألتين عشرة.
فإن كانت قيمة الكُر الجيد عشرين، فقد قال الأستاذ: نحكم بنفوذ البيع في نصف الجيد في الحال بنصف الكُرّ الرديء، والوجهُ فيه أن البيع ينفذ في نصفٍ قيمتُه عشرة، ويرجع في... نصفٍ من الكر الرديء، وقيمته خمسة، فتقع المحاباة في خمسة، والنصف الآخر من الكُر الرديء في يد بائع الكر الجيد يأخذه من الدَّين الذي له على مُتلف الكُرّ الجيد، فيحصل في أيدي ورثة البائع عشرة، والمحاباة خمسة، فتقع التركة ضعف المحاباة.
فإن نجّز متلفُ الكر الجيد شيئاً مما عليه، نفذ البيع على النسبة التي ذكرناها، فلا تجوز المحاباة في شيء حتى يحصل في يد الورثة ضعفُه.
وهذا الجواب مستقيم، والأمر يجري على النسبة.
فالذي نحققه تنفيذ البيع في نصف الكر الجيد، كما ذكرنا بيان هذه الصورة.
7059- أما الصورة الثانية، وهي إذا كان قيمة الكر الجيد ثلاثين وقيمة الرديء عشرة، فقد قال الأستاذ: ينفذ البيع من الكر الذي قيمته ثلاثون في نصفه، والمحاباة ثُلُثه، وهو خمسةُ دراهم، وقد حصل لورثة بائع الكر الجيد الكرُّ الرديء وقيمته عشرة، وهي ضعفُ الخمسة التي قدرناها محاباة، وبقي في ذمة المشتري خمسةَ عشرَ درهماً، كلما حصل منها شيء، جازت المحاباة في مثل ثُلُثة.
هذا كلامه، وليس فيه غلطٌ من ناسخٍ؛ فإنا تصفحنا نُسخاً صحيحةً، فألفيناه كذلك، والذي ذكره في المسألة الثانية غلطٌ صريح لا يُشك فيه، والوجه أن نوضّح ما ذكره ليُفهم وجهُه، ثم نتبعه بذكر ما نراه.
قال رحمه الله: يصح البيع في نصف الكر الجيد وقيمته خمسةَ عشرَ، وتبقى على المتلف خمسةَ عشرَ، وفي يد ورثة صاحب الكُر الجيد الكرُّ الرديء، وقيمته عشرة، والمحاباة في جميع الكر الجيد بعشرين، وهذه النسبة تقتضي أن تكون المحاباة في النصف الذي نفذ البيع فيه بعشرة، فقال الأستاذ: نقدر المحاباة في هذا النصف بخمسة، لتكون قيمة الكُرّ الرديء ضعفها، وتحتسب بقدر المحاباة في الباقي.
7060- وهذا قول مَنْ لا اهتمام له بالفقه، وإنما يحتكم بالحساب على ما....
وتحقيق هذا أن المسألة مفروضة في كُر يقابله كُر، وهما مالان سواء، فلا يتصور الحكم بنفوذ البيع في نصفه من الكُرّ الجيد إلا بنصفٍ من الكر الرديء؛ فإن الكل إذا قابل الكل، قابل النصفُ النصفَ، وإذا وقع النصف من الكر الرديء، في مقابلة النصف من الكر الجيد، وقيمةُ النصف الرديء خمسة، فيقع بيع نصف الجيد بخمسة، فتكون العشرة محاباة لامحالة، فكيف يمكن تغيير هذا التقدير، والمقابلات في الربويات محتومة، لا محيص عنها، ولهذا لا يجري منها إلا قول التقسيط والانبساط، فإذاً الحكم بتصحيح البيع في النصف زللٌ، لا يتمارى فيه، والدليل عليه أنه لو لم يَجْرِ إتلافُ الجيّد، لكان لا ينفذ البيع إلا في نصف الكر الجيد، إذا كانت قيمته ثلاثة أمثال الكر الرديء، فكيف يسوغ أن ينفذ البيع مع إتلاف الكرّ الجيد في مقابلة المقدار الذي ينفذ فيه البيع لو كان الكر الجيد قائماً، وأمكن استرداد ما يقع البيع فيه؟
والذي يوضح ذلك إيضاحاً جُمليّاً أن الكر الجيد إذا كان ضعف الكر الرديء، ولا إتلاف، فالبيع ينفذ في ثلثي الكر الجيد. ثم إذا جرى الإتلاف، لم ينفذ إلا في نصفه، فلمَ اختلف المقداران في الكر الذي قيمته عشرون ولم يختلفا في الكر الذي قيمته ثلاثون؟ فالوجه أن نقول: ننظر إلى ما في يد بائع الكر الجيد، وينفذ من البيع في الكر الجيد مقدارُ ما تقع المحاباة فيه على النسبة الصحيحة، مثل نصف ما في يد صاحب الكر الجيد، وقد وقع الأمر كذلك في المسألة الأولى، وليس في يد صاحب الكر الجيد أو في يد ورثته في المسألة الثانية إلا الكر الرديء، وقيمته عشرة، ولو نفذ البيع في نصف الكر الجيد، لكانت المحاباة في الصفقة عشرة، فنعلم أنا لو نفذنا البيع في ربع الكر الجيد، لكانت المحاباة خمسة، فينفذ البيع في هذا المقدار.
ونقول: صح البيع في ربع الكر الجيد، وقيمته سبعةٌ ونصفٌ، بربع الكر الرديء، وقيمته درهمان ونصف، فالمحاباة خمسة، وفي يد ورثة صاحب الكر الجيد عشرة، وهي ضعف المحاباة، ونحن في جميع ما نجريه لا ننفِّذ بيعاً ناجزاً تعويلاً على دَيْنٍ في الذمة، وإنما نعوّل على المال العتيد الحاضر.
7061- ثم ذكر صاحب التلخيص مسائلَ متصلة بإتلاف الكرّ الرديء، وقد ذكرنا أن صاحب الكر الجيد إذا أتلف الكر الرديء، فالبيع ينفذ في الثلث من الجيد، كيف فرضت المقادير، وقد فرض المسائل في إتلاف تغيير الكر الرديء، إذا كان صاحبُ الكر الجيد البائعَ وصاحب الكرّ الآخر المشتري، فإذا أتلف البائع نصفَ القفيز الرديء، فالفتوى أن البيع يصح في ربع الكر الجيد وسدسه، ويبطل في الباقي.
وبيانه بطريق التقدير والنسبة: أنا فرضنا هذه المسألة فيه إذا كان قيمة الجيد ثلاثين، وقد أتلف نصفَ الكر الرديء، وقيمته خمسة، فذلك مضمون عليه، لابد وأن يُقضى من ماله، فنحطه من الكُر الجيد، فيبقى منه خمسةٌ وعشرون، وثلثُ ذلك ثمانيةٌ وثلث، وهو حابى في البيع بعشرين درهماً، وثمانيةٌ وثلثٌ، من جملة العشرين ربعها وسدسها، فيجوز البيع في ذلك القدر من القفيز.
وإن أردت مزيدَ بسطٍ، فاجعل القفيز اثني عشر، ليكون له ربع وسدس، وجوّز البيعَ في خمسةٍ منها بمثل ثلثها من الثمن، ولا ثلث للخمسة، فاضرب اثني عشر في مخرج الثلث، فيصير ستة وثلاثين، فيجوز البيع في خمسةَ عشرَ بمثل ثلثها، وهو خمسة، فتكون العَشَرة محاباة، واقضِ قيمة ما أتلف، وذلك مثل سدس هذا الجيد، تبقى عشرون، وهو مثلا المحاباة.
7062- طريقة الجبر أن تُجِيز البيع من القفيز الجيد في شيء، واجعل الكُرَّ الجيد ثلاثة أسهم إلا ثلثي شيء، فنقضي منه الدين، وهو نصف سهم؛ فإن الكر الرديء كان سهماً بالنسبة إلى الكر الجيد، وقد أتلف البائع نصفَ الكر الرديء، فتبقى سهمان ونصفُ سهم إلا ثلثي شيء، وذلك يعدل ضعف المحاباة، والمحاباة ثلثي شيء، وضعفها شيءٌ وثُلث. ثم نجبر ونقابل، فيصير سهمان ونصف في معادلة شيئين، فنبسط ما في الجانبين على مخرج النصف في الثلث؛ لأنه دخل في حسابنا النصف والثلث، وذلك ستة، فإذا بسطت ما في الجانبين على مخرج السدس، يصير السهمان والنصف خمسةَ عشرَ، والشيئان اثني عشر، فنقلب الاسم على البسط، فيصير كل سهم اثني عشر، والشيء خمسةَ عشرَ، وقد قدّرْنا الكُرَّ الجيد ثلاثة أسهم، فصارت ستة وثلاثين والشيءَ الذي جوزنا البيع فيه خمسةَ عشرَ، فقد جاز البيعُ في خمسةَ عشرَ من ستةٍ وثلاثين من الكر الجيد، وهذا يقع ربعاً وسدساً، فإن ربع الستة والثلاثين تسعةٌ، وسدسها ستة.
7063- طريقة الدينار والدرهم أن نجعل الكر الجيد ديناراً ودرهماً، ونجوّز البيعَ في الدينار بمثل ثُلُثه، فيخرج دينار، ويعود ثُلث دينار، فيبقى درهم وثلث دينار، نقضي منه الدين، وهو سدس دينار وسدس درهم؛ فإن الكر الجيد إذا كان ديناراً ودرهماً، فالكر الرديء ثُلُث دينار وثُلُث درهم، ونصفه سدس دينار وسدس درهم، فبقي مع ورثة بائع الكر الجيد سدس دينار وخمسة أسداس درهم، تعدل ضعفَ المحاباة، والمحاباة ثلثا دينار، وضعفه دينار وثلث، فنجعل سُدس دينار قصاصاً بمثله، تبقى خمسة أسداس درهم تعدل ديناراً وسُدسَ دينار، فنبسط الدينار والدرهم أسداساً، فيصير الدينار والسدس سبعة وخمسة أسداس درهم، فنقلب العبارة ونجعل الدينار خمسة والدرهمَ سبعة، فنعلم أن البيع جاز في خمسةٍ من اثني عشر من القفيز، وبطل في الباقي وهو سبعة.
7064- ولو أتلف صاحبُ الكر الجيد ثُلثَ الكر الرديء أو ربعه أو ما يتفق، فتخرج المسائل مختلفةُ الأعداد بالطرق القويمة التي ذكرناها، فلم نُطوّل بذكرها.
7065- مسألة: في المحاباة بالبيع والإقالة، ونفرضها في الربويات، حتى لا يجري فيها إلا القولُ الصحيح، وهو قول التقسيط.
فنقول: إذا باع مريضٌ قفيزاً من البُرّ الجيد من مريضٍ بقفيزٍ من البر الرديء، ثم استقال البيعَ، فأقاله البائع... يتبعه، والمشتري لما أقاله، فقد حاباه بإقالته، فإنه يردّ الكر الجيد، ويسترد الكر الرديء، ثم المحاباة تدور على البائع المقيل. والمسألة سهلةُ المُدرك على من أحكم الأصول، ولكن قد يرتاع منها المبتدىء لاستدارة المحاباة من كل جانب على الجانب الآخر.
7066- فنقول: إذا باع المريض كُراً يساوي عشرين بكُر رديء يساوي عشرة، والمشتري مريض، فأقاله في مرضه، فإن أبطلنا البيع بالتفريق، ولا مال لهما غير الكرّين، وقد ردّ الورثةُ الزائد على الثلث، فلا بيع ولا إقالة.
وإن صححنا البيع، فحساب المسألة بطريق الجبر أن نقول: قيمة الكر الجيد درهمان؛ حتى تنتظم لنا عبارة في تفاضل الكُرّين، ونضع الكرَّ الرديء درهماً، و نفرض صاحب الجيد بائعاً، وصاحب الرديء مشترياً.
فنقول: نُجيز البيع من الكُرّ الجيد في شيء بمثل نصفه من الرديء، يبقى في يد ورثة البائع درهمان إلا نصفَ شيء؛ فإنه ذهب في بيعٍ شيءٌ، وعاد بالعوض نصفُ شيء.
وفي يد ورثة المشتري درهم ونصف شيء، فإنهم أخذوا شيئاً بمثل نصفه، فلما أقال المشتري، فنُجِيز إقالته مما في يده وصيةً، فنعبر عنها بالوصية، حتى لا... البيع بما نطلقه في الإقالة، فإذا نفذت وصيةٌ مما في يد المشتري وفي يده درهمٌ ونصفُ شيء، فخرجت منه وصية: وعاد نصفُ وصية، فبقي في يد المشتري درهمٌ ونصفُ شيء إلا نصفَ وصية، وذلك يعدل ضعفَ المحاباة، والمحاباة نصف وصية، وضعفه وصية، فنجبر ونقابل فيصير درهمٌ ونصفُ شيء في معادلة وصيةٍ ونصفِ وصية، فالوصية الواحدة تعدل ثلثي درهم وثلثَ شيء، وكنا جوزنا الإقالة فيها بمثل نصفها، فيعود بالإقالة إلى ورثة البائع عَوْد استقرار نصفُ ذلك، وهو ثلث درهم وسدس شيء، وهذا هو العائد بغير عوض، وكان مع ورثة البائع درهمان إلا نصفَ شيء، فالآن معهم درهمان وثلث درهم إلا ثلث شيء، وذلك يعدل مثل المحاباة في البيع، والمحاباة نصفُ شيء، ومثلاه شيء، فنجبر ونقابل، فيعدل درهمان وثلث شيئاً وثلثَ شيء، فنبسط أثلاثاً، ونقلب العبارة، فيصير الدرهم أربعة، والشيء سبعة، وكان الكُر درهمين، فصار ثمانية، والشيء الذي أجزنا البيع فيه سبعة، فيصح البيع في سبعة أثمان القفيز الجيد بمثل نصفه من الثَّمن، وليس للسبعة نصفٌ صحيح، فاضرب الكلَّ في مخرج النصف، فالكُرّ الجيد ثمانية، نضربها في اثنين فتصير ستةَ عشرَ، والسبعة صارت أربعةَ عشرَ، فنُجيز البيع في أربعةَ عشرَ من ستةَ عشرَ من الكُرّ الجيد، وهو سبعة أثمانه بمثل نصفه، وذلك سبعة، ويبطل البيع في الثُّمُن، وهو درهمان من ستةَ عشرَ.
7067- ونعود إلى الإقالة، فنقول: ذكرنا أن الإقالة صحت في وصية، وقد ظهر لنا قبل ذلك أن الوصية ثلثا درهم وثلث شيء، وظهر آخراً أن الدرهم ثمانية من الكر الجيد، فيكون ثلثاه اثنين وثُلُثين وثلث الشيء يكون اثنين وثلث؛ لأن الشيء التام صار سبعة، فالجميع يكون خمسة، وقد صحت الإقالة في خمسة أثمان بمثل نصفها، فإن شئت ضربت في مخرج النصف، فيصير عشرة، فالعشرة من جملة ستة عشر التي هي القفيز الجيد خمسة أثمان، وبطل في ثُمُنين؛ لأن البيع إنما صح في سبعة أثمان، وهو أربعةَ عشرَ من ستةَ عشرَ. فإذا بسطنا الإقالة، صحت في عشرة منها وبطلت في أربعة وهي ثمنان.
7068- فإن أردت أن تعرف كم جاز لكل واحد منهما بالمحاباة، وكم حصل لورثة كل واحد منهما، فنقول: قد علمنا أن البيع لما جاز في أربعةَ عشرَ من الكُر الجيد، كان نصفه وهو سبعة محاباةً للمشتري، وقد بقي في يد ورثة البائع سهمان من ستةَ عشرَ بطل البيع فيهما فذلك تسعة، وعاد إليهم بالمحاباة في الإقالة خمسة من عشرة؛ لأن نصف ما جازت الإقالة فيه محاباةٌ، فالجميع أربعة عشرَ، وهو ضعف المحاباة... في البيع.
وأما ورثة المشتري كان بقي في يدهم من درهمٍ ثُمنٌ واحد، وهو درهم؛ لأن كلَّ ثُمن من القفيز الجيد درهمان، وكل ثمُنٍ من الرديء مثلُ نصفه. وصح البيع في أربعةَ عشرَ من الكُر الجيد بسبعةٍ من الرديء، فاجتمع في يدهم خمسة عشر وقد دفعوا بالإقالة ما دفعوا واستردوا نصفه، فيحصل في أيديهم عشرة: تسعة من البيع وعِوض الإقالة، وواحدٌ من الكر الرديء فبلغ إلى عشرة وهو مثلا ما جاز من المحاباة بالإقالة فاعتدلت المسألة على جواب صاحب التلخيص حيث قال: صح البيع في سبعةِ أثمان القفيز الجيد وصحت الإقالة في خمسة أثمان. هذا طريق الجبر.
7069- وهذه المسألة من غوامض المحاباة على من لم يألف طُرقَ الدور.
وقد عرضتها على من كان فريد عصره في الحساب، فمهّد فيها، وفي أشباهها طريقةً قريبة حسنةً بالغةً تُغني عن معادلات الجبر، وعكَسَ البعضَ فيها على البعض، وهي تنبني على أصولٍٍ سهلة: منها أن تعلم أن القفيز الجيد وما في معناه من أمثال هذه المسائل يقدّر بالأثمان، فنقدِّره ثمانية أسهم، والقفيز الرديء ينسب إلى كسر القيمة باعتبار الأثمان، ثم نعلم أن المحاباة من صاحب القفيز الجيد لا تبلغ أربعةَ أثمانٍ قط، ولا تنقص عن ثلاثة أثمان بل تزيد عليها، ثم إذا أردت أن تعرف قدر الزيادة، فالسبيل فيه أن تنظر إلى قدر القفيزين، وتنسب إلى الأجود، وتأخذ تلك النسبة، فتزيد مثلَ تلك النسبة من ثُمن، فيصير التبرع ثلاثةَ أثمان، ومثلَ تلك النسبة من ثُمنٍ رابع.
وبيان ذلك في مسألة صاحب التلخيص: أن نقدّر القفيزَ ثمانية نعني الجيد، ونقدر القفيز الرديء أربعة، ثم نقول: يصح تبرع البائع في ثلاثة أثمان ونصف ثمن؛ فإن نسبة الرديء إلى الجيد بالنصف، فإذا أردت أن تعرف أن البيع في كم يصح، فانسب القفيز الرديء إلى المحاباة، ورُدَّ مثلَ تلك النسبة على التبرع.
وبيان ذلك: أن التبرع ثلاثة أثمان ونصف، والمحاباةُ في وضع البيع عشرة من عشرين، فإذا نسبت القفيز الرديء إلى المحاباة، كان مثل المحاباة؛ فإن القفيز الرديء عشرة، ورُدّ على التبرع النافذ مثلَه، وقل: ينفذ البيع فيه والتبرع النافذ ثلاثة ونصف، فقد صح البيع في سبعة أثمان القفيز والتبرع مثل نصفه.
وإذا أردت أن تعرف أن تبرع المُقيل في كم يصح، فطريقه أن تنظر إلى تبرع البائع، فإذا كان هو ثلاثة أثمان ونصف، فاضربها في ثلاثة أبداً، فتردّ عليك عشرةً ونصفاً وهي تزيد على الثمانية باثنين ونصف، فقل: يصح تبرع المقيل في اثنين ونصف.
وإن أردت أن تعرف القدر الذي صحت فيه الإقالة، فزد على قدر التبرع بمثل نسبة زيادتك على تبرع البائع، وقد زدت على تبرع البائع مثلَه، فزد على تبرع المقيل مثله فيردّ خمسة.
7070- وهذه المناسبات جارية في كل مسألة، ونحن نمتحنها في صُورٍ: فلو باع قفيزاً قيمته ثلاثون بقفيزٍ قيمته عشرة، ثم أقاله المشتري وهما مريضان لا مال لهما غير القفيزين، فنقول: القفيز الجيد ثمانية، والرديء ثُلُثه وهو اثنان وثلثا ثمن. فنقول: صح تبرع البائع في ثلاثة أثمان وشيء. وإن أردت معرفةَ ذلك الشيء، فانسب القفيزَ الرديء إلى الجيد؛ فإن الرديء ثلثُ الجيد، وقد صح تبرع البائع في ثلاثة أثمان وثلث ثمن، ثم انسب القفيز الرديء إلى المحاباة، فالرديء عشرة من جهة القيمة والمحاباة عشرون، والرديء مثل نصف المحاباة، فزد على التبرع مثلَ نصفه، والتبرع ثلاثة وثلث، ونصفها واحد وثلثان، فإذا ضممته إلى التبرع، صار خمسة، فقل: يصح البيع في خمسة أثمان، ثم اضرب التبرع وهو ثلاثة وثلث في ثلاثة فتردّ عشرة، فقابلها بالثمانية، فإذا هي زائدة عليها سهمين، فقُل: يصح تبرع المقيل في سهمين من الخمسة التي صح البيع فيها.
فإذا أردت أن تعرف القدر الذي تصح فيه الإقالة، فزد على تبرع المقيل بمثل نسبة زيادتك على تبرع البائع، وقد زدت على تبرع البائع مثلَ نصفه، فزد على تبرع المقيل مثلَ نصفه، فيصير ثلاثة، فقل: يصح البيع أولاً في خمسة، وصحت الإقالة آخراً في ثلاثة من الخمسة، وامتحن المسألة، تجدها صحيحة.
7071- صورة أخرى: باع قفيزاً يساوي أربعين بقفيز يساوي عشرة، ثم جرت الإقالة.
قد سبق التصوير، فقل: يصح تبرع البائع في ثلاثة أثمان وشيء، وقفيزه ثمانية أبداً، والقفيز الرديء منسوب إليها، فهو اثنان، وإذا كانت النسبة بالربع، فتقول: التبرع صحيح في ثلاثة أثمان وربع، ثم انسب الرديء إلى المحاباة، والمحاباةُ ثلاثون، والرديء مثلُ ثلثها، فزد على التبرع مثلَ ثمنه، وثلثَ ثُلُثه وربعَ سهم ونصفَ سدس، فإذا ضممته إلى التبرع، صارت الجملة أربعةً وثلثاً.
وقد صح البيع في أربعة وثلث، والتبرع ثلاثة وربع، ثم اضرب ثلاثة وربع في مخرج الثلث فيردّ تسعة وثلاثةَ أرباع، فإذا قابلتها بالثمانية زادت على الثمانية بسهم وثلاثة أرباع، فقل تبرع المقيل سهم وثلاثة أرباع، فإن أردت أن تعرف القدر الذي صحت فيه الإقالة، فزد على تبرع المقيل بنسبة زيادتك على تبرع البائع، وقد زدت على تبرع البائع مثل ثُلثه، فزد على تبرع المقيل مثل ثلثه، فيكون ثلثَ سهم وربعَ سهم، فإذا ضممت، صار الكل سهمين وثلثاً، فقد صحت إقالته في سهمين وثلث، والتبرع منه سهم وثلاثة أرباع، فجرت الطريقة في أمثال هذه المسائل على الطرد.